خطبه ۱۲۰ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام قاله لأصحابه فی ساعه الحرب

وَ أَیُّ امْرِئٍ مِنْکُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ- رَبَاطَهَ جَأْشٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ- وَ رَأَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلًا- فَلْیَذُبَّ عَنْ أَخِیهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ- الَّتِی فُضِّلَ بِهَا عَلَیْهِ- کَمَا یَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ- فَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ- إِنَّ الْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِیثٌ‏ لَا یَفُوتُهُ الْمُقِیمُ- وَ لَا یُعْجِزُهُ الْهَارِبُ- إِنَّ أَکْرَمَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ- وَ الَّذِی نَفْسُ ابْنِ أَبِی طَالِبٍ بِیَدِهِ- لَأَلْفُ ضَرْبَهٍ بِالسَّیْفِ أَهْوَنُ عَلَیَّ- مِنْ مِیتَهٍ عَلَى الْفِرَاشِ

اللغه

أقول: نجدته: شجاعته. و التذبیب: الدفع و المنع.

المعنى

و قد أمرهم فی هذا الفصل بمساعده بعض لبعض فی الحرب و منع بعضهم عن بعض منعا صادقا کما یمنع عن نفسه، و بذلک یکون انعقاد الاجتماع و تعاون الهمم حتّى یکون الجمیع کنفس واحده، و بذلک یکون الظفر و الغلبه و استمال ذوى النجده بذکر فضیله تخصّهم دون من یذبّون عنه استثاره لنجدتهم و تعطیفا لهم.
و قوله: إنّ الموت طالب حثیث. إلى قوله: إنّ أکرم الموت القتل: تسهیل للقتل و الموت بذکر أنّه لابدّ، و تسهیل للحرب علیهم. أمّا أنّ أکرم الموت القتل فأراد القتل فی سبیل اللّه، و ذلک لاستلزامه الذکر الجمیل فی الدنیا و الثواب الدائم فی الاخرى. ثمّ أکّد ذلک بالقسم لألف ضربه بالسیف أهون من میته على الفراش. و صدق ذلک فی حقّ من نظر إلى الدنیا بعین الاستحقار فی جنب نعیم الأبد فی الآخره و الذکر الجمیل فی الدنیا و حصلت له ملکه الشجاعه ظاهر. و باللّه التوفیق.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۱۲۱

بازدیدها: ۵

خطبه ۱۱۹ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام قاله للخوارج

و قد خرج إلى معسکرهم و هم مقیمون على إنکار الحکومه فقال ع

أَ کُلُّکُمْ شَهِدَ مَعَنَا صِفِّینَ- فَقَالُوا مِنَّا مَنْ شَهِدَ- وَ مِنَّا مَنْ لَمْ یَشْهَدْ- قَالَ فَامْتَازُوا فِرْقَتَیْنِ- فَلْیَکُنْ مَنْ شَهِدَ صِفِّینَ فِرْقَهً- وَ مَنْ لَمْ یَشْهَدْهَا فِرْقَهً- حَتَّى أُکَلِّمَ کُلًّا مِنْکُمْ بِکَلَامِهِ- وَ نَادَى النَّاسَ فَقَالَ أَمْسِکُوا عَنِ الْکَلَامِ- وَ أَنْصِتُوا لِقَوْلِی- وَ أَقْبِلُوا بِأَفْئِدَتِکُمْ إِلَیَّ- فَمَنْ نَشَدْنَاهُ شَهَادَهً فَلْیَقُلْ بِعِلْمِهِ فِیهَا- ثُمَّ کَلَّمَهُمْ ع بِکَلَامٍ طَوِیلٍ- مِنْهُ أَ لَمْ تَقُولُوا عِنْدَ رَفْعِهِمُ الْمَصَاحِفَ حِیلَهً وَ غِیلَهً- وَ مَکْراً وَ خَدِیعَهً إِخْوَانُنَا وَ أَهْلُ دَعْوَتِنَا- اسْتَقَالُونَا وَ اسْتَرَاحُوا إِلَى کِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ- فَالرَّأْیُ الْقَبُولُ مِنْهُمْ- وَ التَّنْفِیسُ عَنْهُمْ- فَقُلْتُ لَکُمْ هَذَا أَمْرٌ ظَاهِرُهُ إِیمَانٌ- وَ بَاطِنُهُ عُدْوَانٌ- وَ أَوَّلُهُ رَحْمَهٌ وَ آخِرُهُ نَدَامَهٌ- فَأَقِیمُوا عَلَى شَأْنِکُمْ- وَ الْزَمُوا طَرِیقَتَکُمْ- وَ عَضُّوا عَلَى الْجِهَادِ بَنَوَاجِذِکُمْ- وَ لَا تَلْتَفِتُوا إِلَى نَاعِقٍ نَعَقَ- إِنْ أُجِیبَ أَضَلَّ وَ إِنْ تُرِکَ ذَلَّ- وَ قَدْ کَانَتْ هَذِهِ الْفَعْلَهُ وَ قَدْ رَأَیْتُکُمْ أَعْطَیْتُمُوهَا- وَ اللَّهِ لَئِنْ أَبَیْتُهَا مَا وَجَبَتْ عَلَیَّ فَرِیضَتُهَا- وَ لَا حَمَّلَنِی اللَّهُ ذَنْبَهَا وَ وَ اللَّهِ إِنْ جِئْتُهَا إِنِّی لَلْمُحِقُّ الَّذِی یُتَّبَعُ- وَ إِنَّ الْکِتَابَ لَمَعِی مَا فَارَقْتُهُ مُذْ صَحِبْتُهُ فَلَقَدْ کُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص- وَ إِنَّ الْقَتْلَ لَیَدُورُ عَلَى الْآباءِ وَ الْأَبْنَاءِ- وَ الْإِخْوَانِ وَ الْقَرَابَاتِ- فَمَا نَزْدَادُ عَلَى کُلِّ مُصِیبَهٍ وَ شِدَّهٍ- إِلَّا إِیمَاناً وَ مُضِیّاً عَلَى الْحَقِّ- وَ تَسْلِیماً لِلْأَمْرِ- وَ صَبْراً عَلَى مَضَضِ الْجِرَاحِ- وَ لَکِنَّا إِنَّمَا أَصْبَحْنَا نُقَاتِلُ إِخْوَانَنَا فِی الْإِسْلَامِ- عَلَى مَا دَخَلَ فِیهِ مِنَ الزَّیْغِ وَ الِاعْوِجَاجِ- وَ الشُّبْهَهِ وَ التَّأْوِیلِ- فَإِذَا طَمِعْنَا فِی خَصْلَهٍ یَلُمُّ اللَّهُ بِهَا شَعَثَنَا- وَ نَتَدَانَى بِهَا إِلَى الْبَقِیَّهِ فِیمَا بَیْنَنَا- رَغِبْنَا فِیهَا وَ أَمْسَکْنَا عَمَّا سِوَاهَا

اللغه

أقول: التنفیس: التفریج،

المعنى

و أکثر هذا الفصل ظاهر مما سبق.
و قوله: هذا أمر ظاهره إیمان. أى رفع أولئک للمصاحف و طلبهم للحکومه فإنّ ظاهره منهم الاجتهاد فی الدین بالرجوع إلى کتاب اللّه، و باطنه منهم عدوان: أى حیله للظلم و الغلبه، و أوّله رحمه منکم لهم برجوعکم إلى قولهم، و آخره ندامه لکم عند تمام الحیله علیکم فأقیموا على شأنکم: أى ما کنتم علیها من الاجتهاد فی الحرب. و الناعق إشاره إلى طالبى الحکومه أو المشیر علیهم بذلک الرأى و هو عمرو بن العاص، و أخرجه فی أوصاف إبلیس.

و قوله بعد ذلک: و لقد کنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إلى قوله: مضض الجراح استدراج لهم بشرح حاله و حال الصحابه. حیث کانوا فی الجهاد مع الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم على الحاله الّتی شرحها لعلّهم یتأسّون بالماضین فیها. و قوله: و لکنّا إنّما أصبحنا نقاتل إخواننا فی الإسلام. إلى آخره. تنبیه على اعتراض عساهم یقولونه و جواب عنه و هو أن یقولوا: إنّما فعل إخواننا السابقون ما فعلوا لیقینهم بما هم علیه من الدین الحقّ و تیقّنهم ضلال الکفّار و المحاربین لهم فأمّا نحن فإنّما نقاتل بعضنا بعضا فکیف یجوز لنا قتل قوم مسلمین استسلموا إلینا و دعونا إلى المحاکمه إلى کتاب اللّه فأجاب بما معناه إنّا إنّما نقاتل فی مبدء الأمر و منتهاه دعوه إلى الإسلام و رغبه فی رسوخ قواعده ففى المبدأ قاتلنا لتحصل ماهیّته فی الوجود، و فی الثانی قاتلنا لحفظ ماهیّته و بقائها، و حیث دخل فیه من الزیغ و الاعوجاج و الشبهه و التأویل ما دخل فإذا طمعنا فی خلّه محموده یجمع اللّه بها تفرّقنا و نتقارب بها إلى ما بقى فیما بیننا من الإسلام و الدین رغبنا فیها و قاتلنا طمعا فی تحصیلها، و کأنّه عنى بالخصله رجوع محاربیه إلى طاعته و اتّفاقهم علیه، و هذا الکلام فی قوّه صغرى قیاس ضمیر احتجّ علیهم به، و تقدیرها إنّکم حین قلت لکم إنّ رفعهم للمصاحف خدعه منهم أجبتمونى بهذا الجواب، و تقدیر الکبرى و کلّ من أجاب بهذا الجواب فلیس له أن ینکر الحکومه، إذ کان قد رضى بها. فینتج أنّه لیس لهم أن یأبوا الحکومه. و باللّه التوفیق.

شرح ‏نهج‏ البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۱۱۹

 

بازدیدها: ۷

خطبه ۱۱۸ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

و قد قام إلیه رجل من أصحابه فقال:

نهیتنا عن الحکومه ثم أمرتنا بها، فلم ندر أى الأمرین أرشد فصفق علیه السلام إحدى یدیه على الأخرى ثم قال:

هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَکَ الْعُقْدَهَ- أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أَنِّی حِینَ أَمَرْتُکُمْ- بِمَا أَمَرْتُکُمْ بِهِ حَمَلْتُکُمْ عَلَى الْمَکْرُوهِ- الَّذِی یَجْعَلُ اللَّهُ فِیهِ خَیْراً- فَإِنِ اسْتَقَمْتُمْ هَدَیْتُکُمْ- وَ إِنِ اعْوَجَجْتُمْ قَوَّمْتُکُمْ- وَ إِنْ أَبَیْتُمْ تَدَارَکْتُکُمْ لَکَانَتِ الْوُثْقَى- وَ لَکِنْ بِمَنْ وَ إِلَى مَنْ- أُرِیدُ أَنْ أُدَاوِیَ بِکُمْ وَ أَنْتُمْ دَائِی- کَنَاقِشِ الشَّوْکَهِ بِالشَّوْکَهِ- وَ هُوَ یَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَا مَعَهَا- اللَّهُمَّ قَدْ مَلَّتْ أَطِبَّاءُ هَذَا الدَّاءِ الدَّوِیِّ- وَ کَلَّتِ النَّزَعَهُ بِأَشْطَانِ الرَّکِیِّ- أَیْنَ الْقَوْمُ الَّذِینَ دُعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَبِلُوهُ- وَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ فَأَحْکَمُوهُ- وَ هِیجُوا إِلَى الْجِهَادِ فَوَلِهُوا- وَلَهَ اللِّقَاحِ إِلَى أَوْلَادِهَا- وَ سَلَبُوا السُّیُوفَ أَغْمَادَهَا- وَ أَخَذُوا بِأَطْرَافِ الْأَرْضِ زَحْفاً زَحْفاً- وَ صَفّاً صَفّاً بَعْضٌ هَلَکَ وَ بَعْضٌ نَجَا- لَا یُبَشَّرُونَ بِالْأَحْیَاءِ- وَ لَا یُعَزَّوْنَ عَنِ الْمَوْتَى- مُرْهُ الْعُیُونِ مِنَ الْبُکَاءِ- خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّیَامِ- ذُبُلُ الشِّفَاهِ مِنَ الدُّعَاءِ- صُفْرُ الْأَلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ- عَلَى وُجُوهِهِمْ غَبَرَهُ الْخَاشِعِینَ- أُولَئِکَ إِخْوَانِی الذَّاهِبُونَ- فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَیْهِمْ- وَ نَعَضَّ الْأَیْدِی عَلَى فِرَاقِهِمْ- إِنَّ الشَّیْطَانَ یُسَنِّی لَکُمْ طُرُقَهُ- وَ یُرِیدُ أَنْ یَحُلَّ دِینَکُمْ عُقْدَهً عُقْدَهً- وَ یُعْطِیَکُمْ بِالْجَمَاعَهِ الْفُرْقَهَ- فَاصْدِفُوا عَنْ نَزَغَاتِهِ وَ نَفَثَاتِهِ- وَ اقْبَلُوا النَّصِیحَهَ مِمَّنْ أَهْدَاهَا إِلَیْکُمْ- وَ اعْقِلُوهَا عَلَى أَنْفُسِکُمْ

اللغه

أقول: الضلع بفتح الضاد و سکون اللام: المیل و الهوى. و الداء الدوىّ: الشدید- وصف بما هو من لفظه. و الذوىّ: اسم فاعل من دوى إذا مرض. و النزعه: المستقون. و الرکىّ: جمع رکیّه و هى البئر. و مره: جمع مارهه و هى العین الّتى فسدت: أى عیونهم مارهه. و سنّى له کذا: حسّنه و سهّله. و عقلت علیه کذا: أى حبسته علیه.

المعنى

و کان هذا الکلام منه علیه السّلام بصفّین حین أمرهم بالحکومه بعد أن نهاهم عنها، و السبب أنّ معاویه لمّا أحسّ بالعجز و ظفر علىّ علیه السّلام به لیله الهریر راجع عمرو بن العاص. فقال: إنّى خبأت لک رأیا لمثل هذا الوقت و هو أن تأمر أصحابک برفع المصاحف على الأرماح و یدعوا أصحاب علىّ إلى المحاکمه إلى کتاب اللّه فإنّهم إن فعلوا افترقوا و إن لم یفعلوا افترقوا، و کان الأشتر صبیحه تلک اللیله قد أشرف على الظفر فلمّا أصبحوا رفعوا المصاحف الکبیره بالجامع الأعظم على عشره أرماح و هم یستغیثون: معاشر المسلمین اللّه فی إخوانکم فی الدین حاکمونا إلى‏ کتاب اللّه، اللّه اللّه فی النساء و البنات. فقال أصحاب علىّ علیه السّلام: إخواننا و أهل دعوتنا استقالونا و استراحونا إلى کتاب اللّه فالرأى النفیس کشف لکربه عنهم فغضب علیه السّلام من هذا الرأى. فقال: إنّها کلمه حقّ یراد بها باطل. کما سبق القول فیه. فافترق أصحابه فریقین: منهم من رأى رأیه علیه السّلام فی الإصرار على الحرب، و منهم من رأى ترک الحرب و الرجوع إلى الحکومه و کانوا کثیرین فاجتمعوا إلیه علیه السّلام.

فقالوا: إن لم تفعل قتلناک کما قتلنا عثمان فرجع إلى قولهم و أمر بردّ الأشتر عن الحرب. ثمّ کتبوا کتاب الصلح و طافوا به فی أصحابه علیه السّلام و اتّفقوا على الحکومه فخرج بعض أصحابه من هذا الأمر و قالوا: کنت نهیتنا عن الحکومه ثمّ أمرتنا بها فما ندرى أىّ الأمرین أرشد. و هذا یدلّ على أنّک شاکّ فی إمامه نفسک. فصفق بإحدى یدیه على الاخرى فعل النادم غضبا من قولهم، و قال: هذا جزاء من ترک العقده: أى عقده الأمر الّذی عقده و أحکمه و هو الرأى فی الحرب و الإصرار علیها، و الّذی کان أمرهم به هو البقاء على الحرب، و هو المکروه الّذی یجعل اللّه فیه خیرا من الظفر و سلامه العاقبه. و قوّمتکم: أى بالقتل و الضرب و نحوه، و کذلک معنى قوله: تدارکتکم. و قوله: لکانت الوثقى.

أى الفعله المحکمه. و قوله: و لکن بمن أى بمن کنت أستعین علیکم، و إلى من أى إلى من أرجع فی ذلک. و قوله: ارید أن اداوى بکم. أى ارید أن اداوى ما بى من بعضکم ببعض، و أنتم دائى. فأکون فی ذلک کناقش الشوکه بالشوکه و هو یعلم أنّ ضلعها معها، و هذا مثل تضربه العرب لمن یستعان به فی إصلاح من یراد إصلاحه و میله إلى المستعان علیه یقال: لا تنقش الشوکه بالشوکه فإنّ ضلعها معها. یقول: إنّ استعانتى ببعضکم فی إصلاح بعض کنقش الشوکه بالشوکه، و وجه المشابهه أنّ طباع بعضکم یشبه طباع بعض و یمیل‏ إلیها کما تشبه الشوکه الشوکه و تمیل إلیها فربّما انکسرت معها فی العضو و احتاجت إلى منقاش آخر. ثمّ رجع إلى الشکایه إلى اللّه، و أراد بالداء الدوىّ ما هم علیه من الاعتیاد المخالفه لأمره و تثاقلهم عن صوته، و بالأطبّاء نفسه. فإنّ داء الجهل و ما یستلزمه أعظم من سائر الأدواء المحسوسه، و فضل أطبّاء النفوس على أطبّاء الأبدان بقدر شرف النفوس على الأبدان، و هى استعاره تکاد أن تکون حقیقه، و کذلک استعاره لفظ النزعه له مثل ضربه لنفسه معهم فکأنّهم عن المصلحه فی قعر بئر عمیق قد کلّ هو من جذبهم إلیها. ثمّ أخذ فی السؤال عن إخوانه من أکابر الصحابه الّذین بذلوا جهدهم فی نصره الدین و أعرضوا عن الدنیا استفهاما على سبیل التوبیخ لفقدهم، و هذا کما یقول أحدنا إذا وقع فی شدّه أین أخى عنّى ثمّ وصفهم بالأوصاف الحمیده ترغیبا للسامعین فی مثل حالهم و إزراءً علیهم حیث لم یکونوا بهذه الأوصاف، و ذلک بطریق المفهوم. و قوله: أولادها. نصب بإسقاط الجارّ. إذ الفعل و هو قوله: و لهوا. غیر متعدّى إلى مفعولین بنفسه، و فی الخبر: لا توله والده بولدها. و تولّههم لها برکوبهم إیّاها عند خروجهم للجهاد. و قوله: و أخذوا بأطراف الأرض. أى أخذوها بأطرافها، و زحفا زحفا و صفّا صفّا: مصدران موکّدان بمثلیهما قاما مقام الحال. و قوله: لا یبشّرون بالأحیاء و لا یعزّون عن القتلى [الموتى خ‏]. أى کانوا فی تلک الحال غیر ملتفتین إلى حیّهم و لا مراعین و لا محافظین على حیاته حتّى یبشّرون ببقائه أو یجزعون لموته فیعزّون علیه بل مجرّدون للجهاد فی سبیل اللّه، و لعلّهم یفرحون بقتل من یقتلونه فی سبیله و إن کان ولدا لوالده أو بالعکس، و إنّما کان السهر موجبا لصفره اللون لأنّه یهیّج الحراره و یفسد السحنه و ینجف البدن و یکثر فیه المرّه، و الصفره من توابع ذلک لا سیّما فی الأبدان النحیفه کما علیه أهل المدینه و مکّه و الحجاز. و غبره الخاشعین قشف الزاهدین الخائفین‏ من اللّه لعدم تحلّیهم بالدنیا، و استعار لفظ الظماء للشوق إلیهم ملاحظه لشبههم بالماء فی شدّه الحاجه إلیه فنزل الشوق إلیهم، و الحاجه إلى لقائهم منزله العطش إلى الماء فأعطاه لفظه، و أراد بعقده الدین ما احکم منه من القوانین و القواعد، و بحلّ الشیطان لها تزیینه ترک قانون قانون. و سنّه الاجتماع عقده عقدها الشارع لما سبق فیها من المصالح و أکّدها. فکانت الفرقه حلّا لتلک العقده، و نزعات الشیطان حرکاته بالإفساد، و نفثاته إلقائه الوسوسه فی القلوب مرّه بعد اخرى، و عنى بمن أهدى إلیهم النصیحه نفسه. و باللّه التوفیق.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۱۱۵

بازدیدها: ۱۹

خطبه ۱۱۷ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام

تَاللَّهِ لَقَدْ عُلِّمْتُ تَبْلِیغَ الرِّسَالَاتِ- وَ إِتْمَامَ الْعِدَاتِ وَ تَمَامَ الْکَلِمَاتِ- وَ عِنْدَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ أَبْوَابُ الْحُکْمِ وَ ضِیَاءُ الْأَمْرِ- أَلَا وَ إِنَّ شَرَائِعَ الدِّینِ وَاحِدَهٌ وَ سُبُلَهُ قَاصِدَهٌ- مَنْ أَخَذَ بِهَا لَحِقَ وَ غَنِمَ- وَ مَنْ وَقَفَ عَنْهَا ضَلَّ وَ نَدِمَ- اعْمَلُوا لِیَوْمٍ تُذْخَرُ لَهُ الذَّخَائِرُ- وَ تُبْلَى فِیهِ السَّرَائِرُ- وَ مَنْ لَا یَنْفَعُهُ حَاضِرُ لُبِّهِ- فَعَازِبُهُ عَنْهُ أَعْجَزُ وَ غَائِبُهُ أَعْوَزُ- وَ اتَّقُوا نَاراً حَرُّهَا شَدِیدٌ- وَ قَعْرُهَا بَعِیدٌ وَ حِلْیَتُهَا حَدِیدٌ- وَ شَرَابُهَا صَدِیدٌ- أَلَا وَ إِنَّ اللِّسَانَ الصَّالِحَ- یَجْعَلُهُ اللَّهُ لِلْمَرْءِ فِی النَّاسِ- خَیْرٌ لَهُ مِنَ الْمَالِ یُورِثُهُ مَنْ لَا یَحْمَدُهُ

المعنى

أقول: صدّر الفصل بذکر فضیلته و هى علمه بکیفیّه تبلیغ الرسالات و أدائها، و علمه بإتمام اللّه تعالى ما وعد به المتّقین فی دار القرار. فتمام وعده أن لا خلف فیه، و تمام إخباره أن لا کذب فیها، و تمام أوامره و نواهیه اشتمالها على المصالح الخاصّه و الغالبه.

و هکذا ینبغی أن یکون أوصیاء الأنبیاء و خلفائهم فی أرض اللّه و عباده. ثمّ أردف ذلک بالاشاره إلى فضل أهل البیت عامّا، و أراد بضیاء الأمر أنوار العلوم الّتى یبتنى علیها الأمور و الأعمال الدینیّه و الدنیویّه، و ما ینبغی أن یهتدى الناس به فی حرکاتهم من قوانین الشریفه و ما یستقیم به نظام الأمر من قوانین السیاسات و تدبیر المدن و المنازل و نحوها. إذ کان کلّ أمر شرع فیه على غیر ضیاء من اللّه و رسوله أو أحد أهل بیته و خلفائه الراشدین فهو محلّ التیه و الزیغ عن سبیل اللّه، و استعار لفظ الشرائع و هى موارد الشاربه لأهل البیت. و وجه الاستعاره کونهم موارد لطلّاب العلم کما أنّ الشرائع موارد طلبه الماء، و کونها واحده إشاره إلى أنّ أقوالهم لا تختلف فی الدین بل لمّا علموا أسراره لم تختلف کلمتهم فیه فکلّهم کالشریعه الواحده، و کذلک استعار لهم لفظ السبل، و وجه المشابهه کونهم موصلین إلى المطالب على بصیره و قصد کما یوصل الطریق الواضح. و قوله: من أخذ بها لحق. أى من أخذ عنهم و اقتدى بهم لحق بالسابقین من سالکى سبیل اللّه و ندم على تفریطه بتخلّفه. و قیل: أراد بشرائع الدین وسیله قوانینه الکلّیّه فإنّ أىّ قانون عمل به منها فإنّه مستلزم لثواب اللّه فهى واحده فی ذلک و موصل إلى الجنّه من غیر جور و لا عدول و ذلک معنى کونها قاصده، و الأوّل أظهر لکونه فی معرض ذکر فضیلتهم. و لمّا کان غرض الخطیب من إظهار فضیلته قبول قوله شرع فی الأمر بالعمل لیوم القیامه. و الذخائر: الأعمال الصالحه.

 معنى قوله: و من لا ینفعه حاضر لبّه. إلى قوله:

أعوز: أن اعتبروا حال حضور عقولکم فإنّها إن لم ینفعکم الآن کانت أعوز و أعجز عن نفعکم إذا عزبت عند حضور الموت و مقاساه أهواله و ما بعده من أحوال الآخره. ثمّ أکّد التخویف بمناقشه الحساب بالتخویف بالنار، و أراد بحلیتها من الحدید ما أعدّ فیها للعصاه من الأغلال و الأصفاد و المقامع و السلاسل الّتى تشبه الحلیه. و قوله: ألا و إنّ اللسان. إلى آخره. تنبیه لهم على طلب الذکر الجمیل من الناس فی العقبى و تهوین للمال، و قد سبقت الاشاره إلى هذا فی قوله: أمّا بعد فإنّ الأمر ینزل من السماء إلى الأرض.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۱۱۳

 

بازدیدها: ۱۴

خطبه ۱۱۶ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام

و قد جمع الناس و حضهم على الجهاد فسکتوا ملیا فقال علیه السّلام: أ مخرسون أنتم فقال قوم منهم: یا أمیر المؤمنین، إن سرت سرنا معک، فقال علیه السّلام مَا بَالُکُمْ لَا سُدِّدْتُمْ لِرُشْدٍ وَ لَا هُدِیتُمْ لِقَصْدٍ- أَ فِی مِثْلِ هَذَا یَنْبَغِی أَنْ‏ أَخْرُجَ- وَ إِنَّمَا یَخْرُجُ فِی مِثْلِ هَذَا رَجُلٌ- مِمَّنْ أَرْضَاهُ مِنْ شُجْعَانِکُمْ- وَ ذَوِی بَأْسِکُمْ- وَ لَا یَنْبَغِی لِی أَنْ أَدَعَ الْجُنْدَ وَ الْمِصْرَ- وَ بَیْتَ الْمَالِ وَ جِبَایَهَ الْأَرْضِ- وَ الْقَضَاءَ بَیْنَ الْمُسْلِمِینَ- وَ النَّظَرَ فِی حُقُوقِ الْمُطَالِبِینَ- ثُمَّ أَخْرُجَ فِی کَتِیبَهٍ أَتْبَعُ أُخْرَى- أَتَقَلْقَلُ تَقَلْقُلَ الْقِدْحِ فِی الْجَفِیرِ الْفَارِغِ- وَ إِنَّمَا أَنَا قُطْبُ الرَّحَى تَدُورُ عَلَیَّ وَ أَنَا بِمَکَانِی- فَإِذَا فَارَقْتُهُ اسْتَحَارَ مَدَارُهَا- وَ اضْطَرَبَ ثِفَالُهَا- هَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ الرَّأْیُ السُّوءُ- وَ اللَّهِ لَوْ لَا رَجَائِی الشَّهَادَهَ عِنْدَ لِقَائِی الْعَدُوَّ- وَ لَوْ قَدْ حُمَّ لِی لِقَاؤُهُ- لَقَرَّبْتُ رِکَابِی- ثُمَّ شَخَصْتُ عَنْکُمْ فَلَا أَطْلُبُکُمْ- مَا اخْتَلَفَ جَنُوبٌ وَ شَمَالٌ- إِنَّهُ لَا غَنَاءَ فِی کَثْرَهِ عَدَدِکُمْ- مَعَ قِلَّهِ اجْتِمَاعِ قُلُوبِکُمْ- لَقَدْ حَمَلْتُکُمْ عَلَى الطَّرِیقِ الْوَاضِحِ- الَّتِی لَا یَهْلِکُ عَلَیْهَا إِلَّا هَالِکٌ- مَنِ اسْتَقَامَ فَإِلَى الْجَنَّهِ وَ مَنْ زَلَّ فَإِلَى النَّارِ

اللغه

أقول: الکتیبه: الجیش. و القدح: السهم قبل أن یراش. و الجفیر: کالکنانه أوسع منها. و ثقال الرحى: الجلد الّذی یوضع علیه لیسقط علیه الدقیق. و حمّ الأمر: قدر.

و مدار هذا الفصل على الدعاء علیهم

مصدّرا بالاستفهام عن حالهم القبیحه الّتى هم علیها من مخالفته على سبیل الإنکار علیهم. ثمّ عمّا أشاروا به من خروجه بنفسه إلى الحرب منکرا لذلک أیضا. ثمّ على الإشاره إلى من ینبغی أن یخرج عوضا له. ثمّ بیّن وجه المفسده فی خروجه بنفسه و هو ترکه للمصالح الّتى عدّدها ممّا یقوم به أمر الدوله و نظام العالم. و قبح ذلک ظاهر.

و شبّه خروجه معهم بالقدح فی الجفیر. و وجه الشبه أنّه کان قد نفذ الجیش قبل ذلک و أراد أن یجهز من بقى من الناس فی کتیبه اخرى فشبّه نفسه فی خروجه فی تلک الکتیبه وحده مع تقدّم أکابر جماعته و شجعانها بالقدح فی الجفیر الفارغ فی کونه یتقلقل. و فی العرف أن یقال للشریف إذا مشى فی حاجه ینوب فیها من هو دونه، و ترک المهامّ الّتى لا تقوم إلّا به: ترک المهمّ الفلانىّ و مشى یتقلقل على کذا. ثمّ استعار لنفسه لفظ القطب ملاحظه لدوران الإسلام و مصالحه علیه کما تدور الرحى على قطبها و ذلک هو وجه الاستعاره، و استلزم ذلک تشبیهه الإسلام و أهله بالرحى، و أنّه إذا أهملها بخروجه إلى الحرب اضطربت کاضطراب الرحى و خروج مدارها و استحارته عن الحرکه المستدیره إلى المستقیمه، و لمّا بیّن وجه المفسده فی رأیهم حکم بردائته، و أکّد ذلک بالقسم البارّ. ثمّ أقسم أنّه لو لا رجائه لقاء اللّه بالشهاده فی لقاء العدوّ لو قدّر له ذلک لفارقهم غیر متأسّف علیهم و لا طالب للعود إلیهم أبدا تبرّما من سوء صنیعهم و کثره مخالفتهم لأوامره. و باللّه التوفیق.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۱۱۱

 

بازدیدها: ۲

خطبه ۱۱۵ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام

أَنْتُمُ الْأَنْصَارُ عَلَى الْحَقِّ- وَ الْإِخْوَانُ فِی الدِّینِ- وَ الْجُنَنُ یَوْمَ الْبَأْسِ- وَ الْبِطَانَهُ دُونَ النَّاسِ- بِکُمْ أَضْرِبُ الْمُدْبِرَ وَ أَرْجُو طَاعَهَ الْمُقْبِلِ- فَأَعِینُونِی بِمُنَاصَحَهٍ خَلِیَّهٍ مِنَ الْغِشِّ- سَلِیمَهٍ مِنَ الرَّیْبِ- فَوَاللَّهِ إِنِّی لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ

اللغه

أقول: الجنن: جمع جنّه و هى ما استترت به من سلاح. و بطانه الرجل: خاصّته.

و قد اشتمل هذا الفصل على استماله طباع أصحابه إلى مناصحته فی الحرب.
فمدحهم بکونهم من أهل الدین. ثمّ بالشجاعه. ثمّ بإعلامهم أنّهم من أهل خاصّته الّذین یعتمد علیهم فی ضرب المدبر و طاعه المقبل، و طلب منهم الإعانه بمناصحه صادقه سلیمه من الشکّ فی صحّه إمامته و أنّه أولى بالأمر من غیره فلذلک أقسم أنّه کذلک. و قد سبق بیانه.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۱۱۱

بازدیدها: ۱

خطبه ۱۱۴ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام

فَلَا أَمْوَالَ بَذَلْتُمُوهَا لِلَّذِی رَزَقَهَا- وَ لَا أَنْفُسَ خَاطَرْتُمْ بِهَا لِلَّذِی خَلَقَهَا- تَکْرُمُونَ بِاللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ- وَ لَا تُکْرِمُونَ اللَّهَ فِی عِبَادِهِ- فَاعْتَبِرُوا بِنُزُولِکُمْ مَنَازِلَ مَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ- وَ انْقِطَاعِکُمْ عَنْ أَوْصَلِ إِخْوَانِکُمْ

أقول: مدار هذا الفضل على التوبیخ بالبخل بالأموال و الأنفس

و فی قوله: للّذى رزقها و خلقها. استدراج حسن فإنّ البخیل إنّما یستقبح بذله لملاحظه أمرین: أحدهما: خوف الفقر، و الثانی: أنّه کثیرا ما یتوهّم الأشحّاء أن لا مستحقّ للمال إلّا هم فیکون ذلک و أمثاله عذرا لهم مع أنفسهم فی عدم البذل، و کذلک الشحیح بنفسه إنّما یشحّ بها خوف الموت و أن لا یکون له من هذه الحیاه عوض یساویها فإذا علم أنّ بذل المال لرازقه إیّاه بعد أن یکون حسن الظنّ به زال عذره فی البخل لعلمه بتعویضه خیرا منه و بأنّه أحقّ منه. إذ کان المملوک و ما یملک لمولاه، و کذلک یزول عذر الشحیح بنفسه لعلمه أنّ الطالب لبذلها هو الأحقّ بها و أنّه القادر على أن یوصله إلى ما هو خیر له من هذه الحیاه الفانیه، و فی انقطاع ما یتوهّمونه عذرا فی البخل بالمال و النفس یکون سهوله بذلهما فی سبیل اللّه. و قوله: تکرمون باللّه على عباده. أى تفخرون و تشرفون على الخلق بأنّکم أهل طاعه اللّه و عباده. ثمّ لا تکرمونه فیما یدعوکم إلیه و لا تجیبون داعیه فی إکرام عباده و الالتفات إلى فقرائهم بالیسیر ممّا رزقکم. ثمّ أمرهم باعتبار نزولهم منازل الدارجین، و انقطاعهم عن أوصل‏ إخوانهم تنبیها لهم على أنّهم أمثالهم فی اللحاق بمن سلف و الانقطاع عمّن یبقى، و روى عن أصل إخوانکم: أى أقربهم أصلا إلیکم، و فائده هذا الاعتبار تذکّر الموت و العمل لما بعده.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۱۱۰

بازدیدها: ۸

خطبه۱۱۳ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

القسم الأول

أَرْسَلَهُ دَاعِیاً إِلَى الْحَقِّ- وَ شَاهِداً عَلَى الْخَلْقِ- فَبَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ- غَیْرَ وَانٍ وَ لَا مُقَصِّرٍ- وَ جَاهَدَ فِی اللَّهِ أَعْدَاءَهُ- غَیْرَ وَاهِنٍ وَ لَا مُعَذِّرٍ- إِمَامُ مَنِ اتَّقَى وَ بَصَرُ مَنِ اهْتَدَى

اللغه

أقول: الواهن: الضعیف. و المعذّر بالتشدید: المقصّر.

المعنى

و اعلم أنّ الأوصاف الّتى ذکرها للنبىّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ظاهره، و قد سبقت الإشاره إلیها غیر مرّه فأمّا کونه إمام من اتّقى فلاستناد أهل التقوى إلیه فی کیفیّه سلوک سبیل اللّه الّتى هى التقوى، و قد استعار لفظ البصر له. و وجه المشابهه کونه سببا لاهتداء الخلق إلى سبیل الرشاد کما یهتدى صاحب البصیره فی طریقه المحسوس. و باللّه التوفیق.

القسم الثانی مِنْهَا
وَ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِیَ عَنْکُمْ غَیْبُهُ- إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ- تَبْکُونَ عَلَى أَعْمَالِکُمْ- وَ تَلْتَدِمُونَ عَلَى أَنْفُسِکُمْ- وَ لَتَرَکْتُمْ‏ أَمْوَالَکُمْ لَا حَارِسَ لَهَا- وَ لَا خَالِفَ عَلَیْهَا- وَ لَهَمَّتْ کُلَّ امْرِئٍ نَفْسُهُ- لَا یَلْتَفِتُ إِلَى غَیْرِهَا- وَ لَکِنَّکُمْ نَسِیتُمْ مَا ذُکِّرْتُمْ- وَ أَمِنْتُمْ مَا حُذِّرْتُمْ- فَتَاهَ عَنْکُمْ رَأْیُکُمْ- وَ تَشَتَّتَ عَلَیْکُمْ أَمْرُکُمْ- وَ لَوَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ- وَ أَلْحَقَنِی بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِی مِنْکُمْ- قَوْمٌ وَ اللَّهِ مَیَامِینُ الرَّأْیِ- مَرَاجِیحُ الْحِلْمِ- مَقَاوِیلُ بِالْحَقِّ- مَتَارِیکُ لِلْبَغْیِ- مَضَوْا قُدُماً عَلَى الطَّرِیقَهِ- وَ أَوْجَفُوا عَلَى الْمَحَجَّهِ- فَظَفِرُوا بِالْعُقْبَى الدَّائِمَهِ- وَ الْکَرَامَهِ الْبَارِدَهِ- أَمَا وَ اللَّهِ لَیُسَلَّطَنَّ عَلَیْکُمْ- غُلَامُ ثَقِیفٍ الذَّیَّالُ الْمَیَّالُ- یَأْکُلُ خَضِرَتَکُمْ- وَ یُذِیبُ شَحْمَتَکُمْ- إِیهٍ أَبَا وَذَحَهَ

قال الشریف: أقول: الوذحه: الخنفساء، و هذا القول یرمى‏ء به إلى الحجاج، و له مع الوذحه حدیث لیس هذا موضوع ذکره.

 

اللغه

أقول: الصعدات: جمع الصعد، و هو جمع صعید و هو وجه الأرض. و اللدم و الالتدام: ضرب الوجه و نحوه. و رأى میمون: مبارک. و قدما بضمّ القاف و الدال: أى تقدّموا و لم ینثنوا. و الوجیف: ضرب من السیر فیه قوّه. و الوذحه: کما قیل- کنیه للخنفساء. و لم ینقل ذلک فی المشهور من کتب اللغه و إنّما المشهور أنّها القطعه من بعر الشاه تنعقد على أصواف أذنابها و تتعلّق بها.

المعنى

و هذا الفصل من خطبه له بالکوفه یستنهض فیها أصحابه إلى حرب الشام، و یتبرّم من تقاعدهم عن صوته. فنبّههم أوّلا على جهلهم بما سیقع من الفتن فی الإسلام ممّا غاب عنهم علمه- و علمه هو من اللّه و رسوله- بحیث لو تصوّروا ما علمه منها لاحتال کلّ منهم فی الخلاص لنفسه، و لهاموا على وجه الأرض باکین من تقصیرهم فی أعمالهم‏ على وفق أوامره الّتى بها یکون نظام العالم إلى الأبد، و الأمن من تلک الفتن لو فعلوها. و لکنّهم نسوا ما ذکّروا به من آیات اللّه و أمنوا التحذیر فضلّت عنهم آراؤهم الصالحه الّتى یکون بها نظام امورهم فاستعقب ذلک تشتّت امورهم و غلبه العدوّ على بلادهم، و قیل: أراد بما طوى عنهم غیبه و علمه هو ما یلقى المقصّرون من أهوال الآخره. و الأوّل أنسب لسیاق الکلام. ثمّ عقّب ذلک بالتبرّم منهم و طلب فراقهم و اللحاق بإخوانه من أولیاء اللّه مبارکى الآراء، ثقال الحلوم لا یستخفنّهم جهل الجهّال، ملازمى الصدق و نصیحه الدین من شأنهم ترک البغى على أنفسهم و غیرهم، مضوا على الطریقه الحمیده، سالکین لمحجّه اللّه غیر ملتفتین عنها فوصلوا إلى الثواب الدائم و النعیم المقیم. و قرینه الظفر تخصّص العقبى بالثواب. و العرب تصف النعمه و الکرامه بالبرد. ثمّ بیّن لهم بعض ما سیلحقهم من الفتن العظیمه ممّا طوى عنهم غیبه و هی فتنه الحجّاج بن یوسف بن الحکم بن أبی عقیل بن مسعود بن عامر بن معتب بن ملک بن کعب بن الأخلاف- قوم من ثقیف- و کان ضعیف العین، دقیق الصوت، ذیّالا: أى طویل الذیل یصحبه تبخترا، میّالا: أى یکثر التمایل کبرا، و أخبر أنّه یأکل خضرتهم، و کنّى بها عمّا هم علیه من الابّهه و سلامه النفوس و الأموال و حسن الأحوال و بأکله لها عن إزاله تلک و تغییرها إلى أضدادها، و لفظ الأکل مستعار لذلک، و وجه الاستعاره ظاهر، و کذلک استعار الشحمه لثرائهم و قوّتهم و وصف الإذابه لإفناء ذلک بالقتل و الإهانه، و مصداق ذلک المشهور من فعله بأهل العراق کما سبق بیانه فی ذکر الکوفه. ثمّ قال: إیه أبا وذحه. و کلمه إیه اسم من أسماء فعل الأمر یستدعى بها الحدیث المعهود من الغیر- إن سکنت- و إن نوّنت کانت لاستدعاء قول أو فعل ما، و قیل: التسکین للوقف و التنوین للدرج فأمّا تلقیبه علیه السّلام له بأبى وذحه فروى فی سبب ذلک أنّه کان یوما یصلّى على سجّاده له فدبّت إلیه خنفساء. فقال: نحوّها عنّى فإنّها وذحه من وذح الشیطان. و روى أنّه قال: قاتل اللّه قوما یزعمون أنّ هذه من خلق اللّه. فقیل له: ممّا هى فقال: من وذح إبلیس، و کأنّه شبّهها بالوذحه المتعلّقه بذنب الشاه فی حجمها أو شکلها فاستعار لها لفظها و نسبته لها إلى إبلیس لاستقذاره إیّاه و استکراهه لصورتها أو لأنّها تشوّشه فی الصلاه، و روى أبو علىّ بن مسکویه: أنّه نحّاها بقصبته و قال: لعنک اللّه وذحه من وذح الشیطان، و نقل بعض الشارحین و دجه بالدال و الجیم، و کنّى بذلک عن کونه سفّاکا للدماء قطّاعا للأوداج، و فیه بعد.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۱۰۷

 

بازدیدها: ۴

خطبه۱۱۱شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنِّعَمِ- وَ النِّعَمَ بِالشُّکْرِ نَحْمَدُهُ عَلَى آلَائِهِ- کَمَا نَحْمَدُهُ عَلَى بَلَائِهِ- وَ نَسْتَعِینُهُ عَلَى هَذِهِ النُّفُوسِ الْبِطَاءِ- عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ- السِّرَاعِ إِلَى مَا نُهِیَتْ عَنْهُ- وَ نَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ- وَ أَحْصَاهُ کِتَابُهُ عِلْمٌ غَیْرُ قَاصِرٍ- وَ کِتَابٌ غَیْرُ مُغَادِرٍ- وَ نُؤْمِنُ بِهِ إِیمَانَ مَنْ عَایَنَ الْغُیُوبَ- وَ وَقَفَ عَلَى الْمَوْعُودِ- إِیمَاناً نَفَى إِخْلَاصُهُ الشِّرْکَ وَ یَقِینُهُ الشَّکَّ- وَ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیکَ لَهُ- وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ- ص شَهَادَتَیْنِ تُصْعِدَانِ الْقَوْلَ وَ تَرْفَعَانِ الْعَمَلَ- لَا یَخِفُّ مِیزَانٌ تُوضَعَانِ فِیهِ- وَ لَا یَثْقُلُ مِیزَانٌ تُرْفَعَانِ عَنْهُ أُوصِیکُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ- الَّتِی هِیَ الزَّادُ وَ بِهَا الْمَعَاذُ- زَادٌ مُبْلِغٌ وَ مَعَاذٌ مُنْجِحٌ- دَعَا إِلَیْهَا أَسْمَعُ دَاعٍ- وَ وَعَاهَا خَیْرُ وَاعٍ- فَأَسْمَعَ دَاعِیهَا وَ فَازَ وَاعِیهَا- عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ تَقْوَى اللَّهِ حَمَتْ أَوْلِیَاءَ اللَّهِ مَحَارِمَهُ- وَ أَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ- حَتَّى أَسْهَرَتْ لَیَالِیَهُمْ وَ أَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ- فَأَخَذُوا الرَّاحَهَ بِالنَّصَبِ وَ الرِّیَّ بِالظَّمَإِ- وَ اسْتَقْرَبُوا الْأَجَلَ فَبَادَرُوا الْعَمَلَ- وَ کَذَّبُوا الْأَمَلَ فَلَاحَظُوا الْأَجَلَ- ثُمَّ إِنَّ الدُّنْیَا دَارُ فَنَاءٍ وَ عَنَاءٍ وَ غِیَرٍ وَ عِبَرٍ- فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ- لَا تُخْطِئُ سِهَامُهُ- وَ لَا تُؤْسَى جِرَاحُهُ یَرْمِی الْحَیَّ بِالْمَوْتِ- وَ الصَّحِیحَ بِالسَّقَمِ- وَ النَّاجِیَ بِالْعَطَبِ- آکِلٌ لَا یَشْبَعُ وَ شَارِبٌ لَا یَنْقَعُ- وَ مِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ یَجْمَعُ مَا لَا یَأْکُلُ- وَ یَبْنِی مَا لَا یَسْکُنُ- ثُمَّ یَخْرُجُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى- لَا مَالًا حَمَلَ وَ لَا بِنَاءً نَقَلَ- وَ مِنْ غِیَرِهَا أَنَّکَ تَرَى الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً- وَ الْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً- لَیْسَ ذَلِکَ إِلَّا نَعِیماً زَلَّ وَ بُؤْساً نَزَلَ- وَ مِنْ عِبَرِهَا أَنَّ الْمَرْءَ یُشْرِفُ عَلَى أَمَلِهِ- فَیَقْتَطِعُهُ حُضُورُ أَجَلِهِ- فَلَا أَمَلٌ یُدْرَکُ- وَ لَا مُؤَمَّلٌ یُتْرَکُ- فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعَزَّ سُرُورَهَا- وَ أَظْمَأَ رِیَّهَا وَ أَضْحَى فَیْئَهَا- لَا جَاءٍ یُرَدُّ وَ لَا مَاضٍ یَرْتَدُّ- فَسُبْحَانَ اللَّهِ- مَا أَقْرَبَ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ لِلَحَاقِهِ بِهِ- وَ أَبْعَدَ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ لِانْقِطَاعِهِ عَنْهُ- إِنَّهُ لَیْسَ شَیْ‏ءٌ بِشَرٍّ مِنَ الشَّرِّ إِلَّا عِقَابُهُ- وَ لَیْسَ شَیْ‏ءٌ بِخَیْرٍ مِنَ الْخَیْرِ إِلَّا ثَوَابُهُ- وَ کُلُّ شَیْ‏ءٍ مِنَ الدُّنْیَا سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِیَانِهِ- وَ کُلُّ شَیْ‏ءٍ مِنَ الْآخِرَهِ عِیَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ- فَلْیَکْفِکُمْ مِنَ الْعِیَانِ السَّمَاعُ- وَ مِنَ الْغَیْبِ الْخَبَرُ- وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْیَا- وَ زَادَ فِی الْآخِرَهِ- خَیْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الْآخِرَهِ- وَ زَادَ فِی الدُّنْیَا- فَکَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابِحٍ وَ مَزِیدٍ خَاسِرٍ- إِنَّ الَّذِی أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ الَّذِی نُهِیتُمْ عَنْهُ- وَ مَا أُحِلَّ لَکُمْ أَکْثَرُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَیْکُمْ- فَذَرُوا مَا قَلَّ لِمَا کَثُرَ وَ مَا ضَاقَ لِمَا اتَّسَعَ- قَدْ تَکَفَّلَ لَکُمْ بِالرِّزْقِ- وَ أُمِرْتُمْ بِالْعَمَلِ- فَلَا یَکُونَنَّ الْمَضْمُونُ لَکُمْ طَلَبُهُ- أَوْلَى بِکُمْ مِنَ الْمَفْرُوضِ عَلَیْکُمْ عَمَلُهُ- مَعَ أَنَّهُ وَ اللَّهِ لَقَدِ اعْتَرَضَ الشَّکُّ- وَ دَخَلَ الْیَقِینُ- حَتَّى کَأَنَّ الَّذِی ضُمِنَ لَکُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَیْکُمْ- وَ کَأَنَّ الَّذِی فُرِضَ عَلَیْکُمْ قَدْ وُضِعَ عَنْکُمْ- فَبَادِرُوا الْعَمَلَ وَ خَافُوا بَغْتَهَ الْأَجَلِ- فَإِنَّهُ لَا یُرْجَى مِنْ رَجْعَهِ الْعُمُرِ- مَا یُرْجَى مِنْ رَجْعَهِ الرِّزْقِ- مَا فَاتَ الْیَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِیَ غَداً زِیَادَتُهُ- وَ مَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ- لَمْ یُرْجَ الْیَوْمَ رَجْعَتُهُ- الرَّجَاءُ مَعَ الْجَائِی وَ الْیَأْسُ مَعَ الْمَاضِی- فَ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ- وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏

اللغه

أقول: لا توسى: أى لا تداوى. و لا ینقع: لا یسکن عطشه. و أضحى: برز لحرّ الشمس.

و فی الخطبه لطائف:
الاولى: أنّه صدّر الخطبه بحمد اللّه تعالى باعتبارین:
أحدهما: وصله حمد حامدیه بإفاضه نعمه علیهم
کما قال تعالى «لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ» و سرّه أنّ العبید یستعدّ بشکر النعمه.
الثانی: وصله النعم الّتى یفیضها على عباده
بإفاضه الاعتراف بها على أسرار قلوبهم، و قد علمت: أنّ الاعتراف بالنعم هی حقیقه الشکر فظهر إذن معنى وصله النعم بالشکر، و إنّ الشکر و التوفیق له نعم اخرى کما سبقت الإشاره إلیه فی الخطبه الاولى، و یحتمل أن یرید الشکر منه تعالى لعباده الشاکرین کما قال تعالى «إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَهَ» و ظاهر أنّ وصله نعمه بشکره فی نهایه التفضّل و الإنعام فإنّ الإحسان المتعارف یستتبع الشکر من المحسن إلیه فأمّا من المحسن فذلک تفضّل آخر و رتبه أعلى.

الثانیه: أنّه نبّه بتسویته بین حمده على النعماء و حمده على البلاء
تنبیها منه على وجوب ذلک لأنّ النعمه قد تکون بلاءا من اللّه کما قال تعالى «وَ نَبْلُوکُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَیْرِ فِتْنَهً» و البلاء منه أیضا نعمه یستحقّ به الثواب الآجل، و سبب النعمه نعمه، و بهذا الاعتبار یجب الشکر على البلاء أیضا کما یجب على النعماء. إذ الکلّ نعمه.

الثالثه: نبّه على وجوب استعانته تعالى على النفوس
و ذکر ما لأجله الاستعانه علیها و هو کونها بطاء عمّا امرت به من سائر التکالیف. و ذلک لحاجه النفوس إلى مقاومه الطبیعه سراعا إلى ما نهیت عنه من المعاصى، و ذلک لموافقتها مقتضى الطبیعه.

الرابعه: نبّه على وجوب طلب المغفره من اللّه لکلّ ذنب صغیر أو کبیر
ممّا أحاط به علمه و أحصاه کتابه المبین و لوحه المحفوظ- جبرئیل الأمین- علما أحاط بکلّ شی‏ء و کتابا غیر مغادر لشی‏ء.

الخامسه: إنّما خصّ إیمان من عاین الغیوب و وقف على الموعود
أى وقف على ما وعد به المتّقون بعین الکشف لکونه أقوى درجات الإیمان فإنّ من الإیمان ما یکون بحسب التقلید، و منه ما یکون بحسب البرهان و هو علم الیقین، و أقوى منه الإیمان بحسب الکشف و المشاهده و هو عین الیقین، و ذلک هو الإیمان الخالص فیه و بحسب الإخلاص فیه یکون نفى الشرک، و بحسب یقینه یعنى اعتقاد أنّ الأمر کذا مع اعتقاد أنّه لا یمکن أن یکون إلّا کذا یکون نفى الشکّ، و قد علمت أنّه علیه السّلام من أهل هذه المرتبه.

السادسه: کون الشهادتین تصعدان القول و ترفعان العمل
و ذلک أنّ إخلاص الشهادتین أصل لقبول الأقوال و الأعمال الصالحه لا یصعد إلى اللّه قول و عمل لا تکونان أصلا له، و أشار إلى ذلک بقوله: لا یخفّ میزان توضعان فیه و لا یثقل میزان ترفعان عنه. و قد أشرنا إلى معنى الوزن فیما سبق و سنزیده بیانا إنشاء اللّه تعالى.

السابعه: أراد بکون تقوى اللّه هى الزاد
أنّها الزاد المبلّغ و أنّ بها المعاد: أى المعاد المنجح، و لذلک أوردهما تفسیرا.

الثامنه: أراد بأسمع داع
أشدّ الداعین إسماعا و تبلیغا و هو الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و أراد بخیر واع المسارعین إلى داعى اللّه الّذین هم أفضل القوابل الإنسانیّه.

التاسعه: وصف ما یستلزم تقوى اللّه من الآثار فی أولیاء اللّه
و وصف اللیالى بالسهر، و الهواجر بالظماء لکونهما ظرفین. فاللیالى لقیام الصلاه و النهار للصوم فکان مجازا من باب إطلاق صفه المظروف على الظرف، و هو کقولهم: نهاره صائم و لیله قائم، و أخذهم الراحه: أى فی الآخره بالنصب: أى بتعب الأبدان من القیام، و الرىّ من عین تسمّى سبیلا بالاستعداد بظمأ الصیام، و الفاء فی فبادروا و لاحظوا للتعلیل فإنّ استقراب الأجل مستلزم للعمل له و لما بعده، و کذلک تکذیب الأمل و انقطاعه ملازم لملاحظه الأجل.

العاشره. ذکر مذامّ الدنیا إجمالا
و هو کونها دار فناء و عناء و غیر و عبر.
ثمّ أعقب ذلک الإجمال بتفصیل کلّ جمله و ذلک إلى قوله: و لا مؤمّل یترک. و استعار لفظ الإیتار لإیتار الدهر، و رشّح بذکر القوس، و وجه الاستعاره أنّ الدهر کما یرمى بمصائبه المستنده إلى القضاء الإلهىّ الّذی لا یتغیّر کما یرمى الرامى الّذی لا یخطى‏ء، و کذلک استعار لفظ الجراح لنوائب الدهر لاشتراکهما فی الإیلام، و رشّح بذکر عدم المداواه، و کذلک استعار له لفظ الآکل و الشارب عدیمى الشبع و الرىّ، و وجه المشابهه کونه یأتی على الخلق فیفنیهم کما یأتی الآکل و الشارب المذکوران على الطعام و الشراب فیفنیانهما، و أراد بالمرحوم الّذی یرى مغبوطا أهل المسکنه و الفقر الّذی یتبدّل فقرهم بالغنى فیغبطون، و بالمغبوط الّذی یرى مرحوما أهل الغنى المتبدّلین به فقرا بحسب تصاریف الدهر فیصیروا فی محلّ الرحمه، و قوله: لیس ذلک إلّا نعیما زلّ: أى عن المغبوطین و بؤسا نزل بهم.

الحادیه عشر: نسب الغرور إلى سرورها و الظماء إلى ریّها و الضحى إلى فیئها،
و أتى بلفظ التعجّب، و کنّى بریّها عن استتمام لذّاتها، و بفیئها عن الرکون إلى قنیاتها و الاعتماد علیها، و وجه هذه النسب أنّ سرورها و فیئها هی الصوارف عن العمل للآخره و الملفتات عن الإقبال على اللّه فکان سرورها أقوى سبب للغرور بها، و ریّها و فیئها أقوى الأسباب لظماء منهمک فیها من شراء الأبرار و أوجب لأبراره إلى حرّ الجحیم فلهذه النسبه جازت إضافه الغرور و الظماء و الضحى إلى سرورها و ریّها و فیئها و قوله: لا جاء یردّ: أى من آفات الدهر کالموت و القتل و نحوهما، و لا ماض یرتدّ: أى من الأموات و الفائت من القنیات.

الثانیه عشر: قوله: أنّه لیس شی‏ء بشرّ من الشرّ إلّا عقابه. إلى قوله: سماعه.
یحتمل أن یرید الشرّ و الخیر المطلقین، و یکون ذلک للمبالغه. إذ یقال للأمر الشریف و الشدید: هذا أشدّ من الشدید و أجود من الجیّد، و یحتمل أن یرید شرّ الدنیا و خیرها فإنّ أعظم شرّ فی الدنیا مستحقر فی عقاب اللّه، و أعظم خیر فیها مستحقر بالنسبه إلى ثواب اللّه. ثمّ أکّد ذلک بأعظمیّه أحوال الآخره بالنسبه إلى أحوال الدنیا. و مصداق کلامه علیه السّلام أنّ أعظم شرّ یتصوّر الإنسان بالسماع و یستهوله و یستنکره ممّن یفعله صوره القتل و الجراح فإذا وقع فی مثل تلک الأحوال و شاهدها و اضطرّ إلى المخاصمه و المحاربه سهل علیه ما کان یستصعبه منها و هان فی عینه ذلک الوقع و الخوف، و کذلک لا یزال الإنسان یتخوّف المثول بین یدی الملوک و یتصوّر عظمتهم و بطشهم إلى أن یصل إلى مجالسهم فإنّه یجد من نفسه زوال ذلک الخوف. فکانت مشاهده ما کان یتصوّره شرّا عظیما أهون عنده من وصفه و السماع له، و کذلک حال الخیر فإنّ الإنسان لا یزال یحرص على تحصیل الدرهم و الدینار و غیرهما من سائر مطالب الدنیا، و یکون قلبه مشغولا بتحصیله فرحا بانتظار وصوله فإذا وصل إلیه هان علیه. و هو أمر وجدانىّ، و أمّا أحوال الآخره فالّذی یسمعه من شرورها و خیراتها إنّما یلاحظها بالنسبه إلى خیرات الدنیا و شرورها، و ربّما کانت فی اعتبار أکثر الخلق أهون من خیرات الدنیا و شرورها لقرب الخلق من المحسوس و قرب الدنیا منهم و ذوقهم لها دون الآخره مع قیام البرهان العقلىّ على ضعف الأحوال الحاضره من خیر و شرّ بالقیاس إلى أحوال الآخره فلذلک کان عیان أحوالها أعظم من سماعها. و إذا کانت الحال کذلک فینبغى أن یکتفى من العیان بالسماع، و من الغیب بالخبر حیث لا یمکن الاطّلاع على الغیب و مشاهده العیان لتلک الأحوال فی هذه العالم. ثمّ نبّه على أفضلیّه الآخره بأنّ ما زاد فیها ممّا یقرّب إلى اللّه تعالى فإن استلزم نقصان الدنیا من بذل مال أو جاه خیر من العکس. و بیان هذه الخیریّه کون خیرات الدنیا فی معرض الزوال مشوبه بالأوجاع و الأوجال (الأوحال خ) و کون تلک باقیه على کلّ حال مع کونها فی نهایه الکمال، و ضرب المثل بأکثریّه المنقوص من الدنیا الرابح فی الآخره، و هم أولیاء اللّه و أحبّائه الّذین اشترى منهم أنفسهم و أموالهم بأنّ لهم الجنّه، و بأکثریّه المزید الخاسر الّذین یکنزون الذهب و الفضّه و لا ینفقونها فی سبیل اللّه فبشّرهم بعذاب ألیم. ثمّ أکّد الحثّ على سلوک طریق الآخره ببیان اتّساعها بالنسبه إلى طریق الدنیا. فقال: إنّ الّذی امرتم به أوسع من الّذی نهیتم عنه، و ذلک ظاهر فإنّ کبائر ما نهینا عنه خمس: القتل. و فی الحلم و العفو و الصبر الّتى هى من أشرف الأخلاق المحموده سعه عنه. ثمّ الظلم. و فی العدل و الاقتصار على تناول الامور المباحه الّتى هى أکثر و أوسع سعه عنه. ثمّ الکذب الّذی هو رأس النفاق و علیه یبتنى خراب العالم. و فی المعاریض و الصدق الّذی هو بضدّه فی عماره العالم مندوحه عنه. ثمّ الزنا. و لا شکّ أنّ فی سائر وجوه النکاحات مع کثرتها و سلامتها عن المفاسد اللازمه عن الزنا سعه عنه. ثمّ شرب الخمر الّتى هى امّ الخبائث و منشأ کثیر من الفساد. و فی ترکها إلى ما أفعالها الّتى تدّعى کونها محموده من سائر الأشربه و غیرها معدل عنها و سعه. و کذلک قوله: و ما أحلّ لکم أکثر ممّا حرّم علیکم فانّ الواجب و المندوب و المباح و المکروه یصدق على جمیعها اسم الحلال، و هى أکثر من الحرام الّذی هو قسم واحد من الأحکام ثمّ لمّا نبّه على وجه المصلحه فی ترک المنهىّ و المحرّم أردف ذلک بالأمر بترکهما لأنّ العقل إذا لاحظ طریقا مخوفا واحدا بین طرق کثیره آمنه اقتضى العدول عن المخوفه لضرورته.

الثالثه عشر: نبّه بالنهى عن ترجیح طلب الرزق على الاشتغال بفرائض اللّه،
و على أنّ الاشتغال بها أولى بکون الرزق مضمونا. فالسعى فی تحصیله یجرى مجرى تحصیل الحاصل. ثمّ أردف ذلک بما یجرى مجرى التوبیخ للسامعین على ترجیحهم طلب الرزق على الاشتغال بالفرائض فأقسم أنّ ذلک منهم عن اعتراض الشکّ لهم فیما تیقّنوه من تکفّل اللّه سبحانه بأرزاقهم و وعده و ضمانه لهم بقوله «وَ فِی السَّماءِ
رِزْقُکُمْ وَ ما تُوعَدُونَ» أى فی سماء جوده، و قد علمت أنّ الجدّ فی طلب الرزق یستند إلى ضعف التوکّل على اللّه و هو مستند إلى ضعف الیقین فیه و سوء الظنّ به، و ذلک یستلزم استناد العبد إلى نفسه و توکّله علیها. و جعلهم فی طلب الرزق کمن تیقّن المضمون له مفروضا طلبه علیه، و المفروض علیه طلبه موضوعا عنه. مبالغه فی قلّه احتفالهم بفرائض اللّه علیهم و اشتغالهم عنها بطلب الدنیا.

الرابعه عشر: نبّه على وجوب المحافظه على العمر بالعمل فیه للآخره
و على أولویّه مراعاته بالنسبه إلى مراعاه طلب الرزق بکون العمر لا یرجى من رجعته ما یرجى من رجعه الرزق فإنّ العمر فی تقضّ و نقصان، و ما فات منه غیر عائد بخلاف الرزق فإنّه یرجى زیادته و جبران ما نقص منه فی الماضى، و لمّا کان العمر الّذی من شأنه أن لا یعود ما فات منه طرفا للعمل و یفوت بفواته وجب تدارک العمل بتدارکه، و قوله: الرجاء مع الجائى. یرید الرزق، و الیأس مع الماضى. یرید العمر.
و هو مؤکّد لما قبله.

الخامسه عشر: أنّه ختم بالآیه اقتباسا من نور القرآن
و وجه هذه الاقتباس أنّه لمّا کان الکلام فی معرض جذب السامعین إلى العمل الّذی هو سبب تطویع النفس الأمّاره بالسوء للنفس المطمئنّه الّذی هو جزء من الریاضه، و کان التقوى عباره عن الزهد فی الدنیا الّذی حقیقته حذف الموانع الداخلیّه و الخارجیّه عن القلب الّذی هو الجزء الثانی من الریاضه، و کان الإسلام هو الدین الحقّ المرکّب من ذینک الجزئین لا جرم حسن إیراد الآیه المشتمله على الأمر بالتقوى و الموت على الإسلام بعد الأمر بالعمل لیکون ذلک أمرا بإکمال الدین و إتمامه. و باللّه التوفیق.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۹۸

 

بازدیدها: ۲

خطبه۱۱۲ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام فی الاستسقاء

اللَّهُمَّ قَدِ انْصَاحَتْ جِبَالُنَا- وَ اغْبَرَّتْ أَرْضُنَا وَ هَامَتْ دَوَابُّنَا- وَ تَحَیَّرَتْ فِی مَرَابِضِهَا- وَ عَجَّتْ عَجِیجَ الثَّکَالَى عَلَى أَوْلَادِهَا- وَ مَلَّتِ التَّرَدُّدَ فِی مَرَاتِعِهَا- وَ الْحَنِینَ إِلَى مَوَارِدِهَا- اللَّهُمَّ فَارْحَمْ أَنِینَ الْآنَّهِ- وَ حَنِینَ الْحَانَّهِ- اللَّهُمَّ فَارْحَمْ حَیْرَتَهَا فِی مَذَاهِبِهَا- وَ أَنِینَهَا فِی مَوَالِجِهَا- اللَّهُمَّ خَرَجْنَا إِلَیْکَ- حِینَ اعْتَکَرَتْ عَلَیْنَا حَدَابِیرُ السِّنِینَ- وَ أَخْلَفَتْنَا مَخَایِلُ الْجُودِ- فَکُنْتَ الرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِسِ- وَ الْبَلَاغَ لِلْمُلْتَمِسِ نَدْعُوکَ حِینَ قَنَطَ الْأَنَامُ- وَ مُنِعَ الْغَمَامُ وَ هَلَکَ السَّوَامُ- أَلَّا تُؤَاخِذَنَا بِأَعْمَالِنَا- وَ لَا تَأْخُذَنَا بِذُنُوبِنَا- وَ انْشُرْ عَلَیْنَا رَحْمَتَکَ بِالسَّحَابِ الْمُنْبَعِقِ- وَ الرَّبِیعِ الْمُغْدِقِ- وَ النَّبَاتِ الْمُونِقِ سَحّاً وَابِلًا- تُحْیِی بِهِ مَا قَدْ مَاتَ- وَ تَرُدُّ بِهِ مَا قَدْ فَاتَ- اللَّهُمَّ سُقْیَا مِنْکَ مُحْیِیَهً مُرْوِیَهً- تَامَّهً عَامَّهً طَیِّبَهً مُبَارَکَهً- هَنِیئَهً مَرِیعَهً- زَاکِیاً نَبْتُهَا ثَامِراً فَرْعُهَا نَاضِراً وَرَقُهَا- تُنْعِشُ بِهَا الضَّعِیفَ مِنْ عِبَادِکَ- وَ تُحْیِی بِهَا الْمَیِّتَ مِنْ بِلَادِکَ- اللَّهُمَّ سُقْیَا مِنْکَ تُعْشِبُ بِهَا نِجَادُنَا- وَ تَجْرِی بِهَا وِهَادُنَا- وَ یُخْصِبُ بِهَا جَنَابُنَا- وَ تُقْبِلُ بِهَا ثِمَارُنَا- وَ تَعِیشُ بِهَا مَوَاشِینَا- وَ تَنْدَى بِهَا أَقَاصِینَا- وَ تَسْتَعِینُ بِهَا ضَوَاحِینَا- مِنْ بَرَکَاتِکَ الْوَاسِعَهِ- وَ عَطَایَاکَ الْجَزِیلَهِ- عَلَى بَرِیَّتِکَ الْمُرْمِلَهِ وَ وَحْشِکَ الْمُهْمَلَهِ- وَ أَنْزِلْ عَلَیْنَا سَمَاءً مُخْضِلَهً مِدْرَاراً هَاطِلَهً- یُدَافِعُ الْوَدْقُ مِنْهَا الْوَدْقَ- وَ یَحْفِزُ الْقَطْرُ مِنْهَا الْقَطْرَ- غَیْرَ خُلَّبٍ بَرْقُهَا- وَ لَا جَهَامٍ عَارِضُهَا- وَ لَا قَزَعٍ رَبَابُهَا- وَ لَا شَفَّانٍ ذِهَابُهَا- حَتَّى یُخْصِبَ لِإِمْرَاعِهَا الْمُجْدِبُونَ- وَ یَحْیَا بِبَرَکَتِهَا الْمُسْنِتُونَ- فَإِنَّکَ تُنْزِلُ الْغَیْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا- وَ تَنْشُرُ رَحْمَتَکَ وَ أَنْتَ الْوَلِیُّ الْحَمِیدُ

قال الشریف: قوله علیه السّلام «انصاحت جبالنا» أى: تشققت من المحول، یقال: انصاح الثوب، إذا انشق. و یقال أیضا: انصاح النبت و صاح و صوّح إذا جفّ و یبس. و قوله «و هامت دوابنا» أى: عطشت، و الهیام: العطش و قوله «حدابیر السنین» جمع حدبار: و هى الناقه التی أنضاها السیر فشبه بها السنه التی فشا فیها الجدب، قال ذو الرمه:-
حدابیر ما تنفکّ إلّا مناخه على الحسف أو نرمى بها بلدا قفرا

و قوله «و لا قزع ربابها»: القزع: القطع الصغار المتفرقه من السحاب، و قوله «و لا شفان ذهابها» فإن تقدیره: و لا ذات شفان ذهابها، و الشفان: الریح البارده، و الذهاب: الأمطار اللینه، فحذف «ذات» لعلم السامع به.

اللغه

و أقول: اعتکرت: اختلطت و ازدحمت. و المخائل: جمع مخیله للسحابه الّتى ترجى المطر. و المبتئس: الحزین. و المنبعق و المنبعج: السحاب المنصبّ بشدّه.
و الربیع هنا: المطر. و السقیا بالضمّ: الاسم من السقى. و المریع: المخصب. و النجاد: جمع نجد و هو المرتفع من الأرض. و الضواحى: النواحى البارزه: أى أهل نواحینا. و المرمله: قلیله المطر. و المخضله: الرطبه. و الودق: القطر.
و الجهام: المظلم الّذی لا ماء فیه. و الخلّب: الّتى یکذب الظنّ فیها. و المسنتون: الّذین أصابتهم شدّه السنه.

المعنى

و اعلم أنّه نبّه بقوله. ندعوک عن لا تؤاخذنا بأعمالنا و لا تأخذنا بذنوبنا. على أنّ للذنوب و الأعمال الخارجه عن أوامر اللّه تأثیر فی رفع الرحمه. و سرّ ذلک‏ أنّ الجود الإلهىّ لا بخل فیه و لا منع من قبله و إنّما یکون ذلک بحسب عدم الاستعداد و قلّته و کثرته، و ظاهر أنّ المقبلین على الدنیا المرتکبین لمحارم اللّه معرضون عنه غیر متلقّین لآثار رحمته بل مستعدّون لضدّ ذلک أعنى سخطه و عذابه بحسب استعدادهم بالانهماک فی محارمه و الجور عن سبیله، و حرىّ بمن کان کذلک أن لا تناله برکه، و لا یفاض علیه أثر رحمه، و نصب سحّا و وابلا على الحال و العامل انشر، و أراد بالسماء المخضله هنا السحاب، و العرب تقول: کلّ ما علاک فهو سماءک، و معنى إنزاله إرسال مائه و إدراره، و یحتمل أن یرید بالسماء المطر نفسه، و نحوه أنزل علینا الغیث، و قد اقتبس من القرآن الکریم ختام هذا الفصل أیضا، و وجه مناسبته للآیه ظاهر. و باللّه التوفیق.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۱۰۴

 

بازدیدها: ۲

خطبه ۱۱۰ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام
وَ أُحَذِّرُکُمُ الدُّنْیَا فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَهٍ- وَ لَیْسَتْ بِدَارِ نُجْعَهٍ- قَدْ تَزَیَّنَتْ بِغُرُورِهَا- وَ غَرَّتْ بِزِینَتِهَا- هَانَتْ عَلَى رَبِّهَا فَخَلَطَ حَلَالَهَا بِحَرَامِهَا- وَ خَیْرَهَا بِشَرِّهَا وَ حَیَاتَهَا بِمَوْتِهَا وَ حُلْوَهَا بِمُرِّهَا- لَمْ یُصْفِهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَوْلِیَائِهِ- وَ لَمْ یَضِنَّ بِهَا عَلَى أَعْدَائِهِ- خَیْرُهَا زَهِیدٌ وَ شَرُّهَا عَتِیدٌ- وَ جَمْعُهَا یَنْفَدُ وَ مُلْکُهَا یُسْلَبُ‏ وَ عَامِرُهَا یَخْرَبُ- فَمَا خَیْرُ دَارٍ تُنْقَضُ نَقْضَ الْبِنَاءِ- وَ عُمُرٍ یَفْنَى فِیهَا فَنَاءَ الزَّادِ- وَ مُدَّهٍ تَنْقَطِعُ انْقِطَاعَ السَّیْرِ- اجْعَلُوا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَیْکُمْ مِنْ طَلَبِکُمْ وَ اسْأَلُوهُ مِنْ أَدَاءِ حَقِّهِ مَا سَأَلَکُمْ- وَ أَسْمِعُوا دَعْوَهَ الْمَوْتِ- آذَانَکُمْ قَبْلَ أَنْ یُدْعَى بِکُمْ- إِنَّ الزَّاهِدِینَ فِی الدُّنْیَا تَبْکِی قُلُوبُهُمْ وَ إِنْ ضَحِکُوا- وَ یَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وَ إِنْ فَرِحُوا- وَ یَکْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَ إِنِ اغْتَبَطُوا بِمَا رُزِقُوا- قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِکُمْ ذِکْرُ الْآجَالِ- وَ حَضَرَتْکُمْ کَوَاذِبُ الْآمَالِ- فَصَارَتِ الدُّنْیَا أَمْلَکَ بِکُمْ مِنَ الْآخِرَهِ- وَ الْعَاجِلَهُ أَذْهَبَ بِکُمْ مِنَ الْآجِلَهِ- وَ إِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِینِ اللَّهِ- مَا فَرَّقَ بَیْنَکُمْ إِلَّا خُبْثُ السَّرَائِرِ- وَ سُوءُ الضَّمَائِرِ- فَلَا تَوَازَرُونَ وَ لَا تَنَاصَحُونَ- وَ لَا تَبَاذَلُونَ وَ لَا تَوَادُّونَ- مَا بَالُکُمْ تَفْرَحُونَ بِالْیَسِیرِ مِنَ الدُّنْیَا تُدْرِکُونَهُ- وَ لَا یَحْزُنُکُمُ الْکَثِیرُ مِنَ الْآخِرَهِ تُحْرَمُونَهُ- وَ یُقْلِقُکُمُ الْیَسِیرُ مِنَ الدُّنْیَا یَفُوتُکُمْ- حَتَّى یَتَبَیَّنَ ذَلِکَ فِی وُجُوهِکُمْ- وَ قِلَّهِ صَبْرِکُمْ عَمَّا زُوِیَ مِنْهَا عَنْکُمْ- کَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِکُمْ وَ کَأَنَّ مَتَاعَهَا بَاقٍ عَلَیْکُمْ- وَ مَا یَمْنَعُ أَحَدَکُمْ أَنْ یَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ بِمَا یَخَافُ مِنْ عَیْبِهِ- إِلَّا مَخَافَهُ أَنْ یَسْتَقْبِلَهُ بِمِثْلِهِ- قَدْ تَصَافَیْتُمْ عَلَى رَفْضِ الْآجِلِ وَ حُبِّ الْعَاجِلِ- وَ صَارَ دِینُ أَحَدِکُمْ لُعْقَهً عَلَى لِسَانِهِ- صَنِیعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَ أَحْرَزَ رِضَا سَیِّدِهِ‏

اللغه
أقول: یقال: هذا منزل قلعه بضمّ القاف: أى لا یصلح للاستیطان. و النجعه بضمّ النون: طلب الکلاء. و العتید: المهیّأ المعدّ. و اللعقه بالضمّ: اسم لما تأخذه الملعقه.

و فی هذا الفصل نکت:

فالاولى: التحذیر من الدنیا و الاستدراج إلى ترکها بذکر معایبها
و ذلک من أوّل الفصل إلى قوله: انقطاع السیر. فأشار أوّلًا إلى أنّها لا تصلح للاستیطان و طلب الکلاء، و کنّى به عمّا ینبغی أن یطلب من الخیرات الباقیه الّتى هى محلّ الأمن و السرور الدائم. و ثانیا إلى أنّ زینتها سبب لاستغفالها الخلق و الاغترار بها سبب لاستحسانها.
فإن قلت: فقد جعل الزینه سببا للغرور، و الغرور سببا للزینه و ذلک دور.
قلت: إنّما جعل الزینه سببا للاستغرار، و الغرور سببا لاستحسانها و عدم التنبّه لمعایبها. فلا دور. و ثالثا: أنّها هانت على ربّها: أى لم تکن العنایه الآلهیّه إلیها بالذات فلم تکن خیرا محضا بل کان کلّ ما فیها ممّا یعدّ خیرا مشوبا بشرّ یقابله، و ذلک بحسب الممکن فیها و زهاده خیرها بالنسبه إلى خیر الآخره.

الثانیه: التأدیب بأوامر:
أحدها: أن یجعلوا فرائض اللّه علیهم من جمله ما یطلبونه منه، و الغرض أن تصیر محبوبه لهم کمحبّتهم لما یسألونه من مال و غیره فیواظبوا على العمل بها. الثانی: أن یسألوه أداء حقّه عنهم، و ذلک بالإعانه و التوفیق و الإعداد لذلک کما سألهم أداء حقّه، و الغرض أیضا أن یصیر الأداء مهمّا لهم محبوبا إلیهم، و نحوه فی الدعاء المأثور: ألّلهمّ إنّک سألتنى من نفسى ما لا أملکه إلّا بک فأعطنى منها ما یرضیک عنّى. الثالث: أن یسمعوا داعى الموت آذانهم: أى یقصدون سماع کلّ لفظ یخوّف الموت و أهواله، و ذلک بالجلوس مجالس الذکر و محاضره الزاهدین فی الدنیا، و فائده ذکر الموت تنغیص اللذّات الدنیویّه کما قال علیه السّلام: أکثروا ذکر هادم اللذّات.

الثالثه: شرح حال الزاهدین فی الدنیا
لیهتدى من عساه أن ینجذب إلى اللّه إلى‏ کیفیّه طریقتهم فیقتدى بهم. فذکر لهم أوصافا: الأوّل: أنّهم تبکى قلوبهم و إن ضحکوا، و ذلک إشاره إلى دوام حزنهم لملاحظتهم الخوف من اللّه فإن ضحکوا مع ذلک فمعامله مع الخلق. الثانی: أنّهم یشتدّ حزنهم و إن فرحوا. و هو قریب ممّا قبله. الثالث: أنّه قد یکثر لبعضهم متاع الحیاه الدنیا و لکنّهم یتمرّدون على أنفسهم فیترکون الالتفات إلیها بالزینه و طاعتها فیما تدعوهم إلیه من متاع الحیاه الدنیا الحاضره و إن غبطهم غیرهم بما قسّم لهم من رزق.

الرابعه: تعنیف السامعین على ما هم علیه من الأحوال المضرّه فی الآخره
و ذلک بالغفله عن ذکر الأجل و استحضارهم للآمال الکاذبه و غیرها من الأحوال المذکوره. إلى آخر الفصل، و محلّ- تدرکونه و تحرمونه و یفوتکم- النصب على الحال، و- قلّه صبرکم- عطف على وجوهکم: أى حتّى یتبیّن ذلک الفلق فی وجوهکم و فی قلّه صبرکم عمّا غیّب عنکم منها. و قوله: و ما یمنع أحدکم أن یستقبل أخاه. إلى آخره. أى ما یمنع أحدکم من لقاء أخیه لعیبه و لأئمته علیه إلّا الخوف منه أن یلقاه بمثله لمشارکته إیّاه فیه کما صرّح به فی قوله: تصافیتم على رفض الآجل. إلى آخره، و استعار لفظ اللعقه لما ینطق به من شعار الإسلام و الدین کالشهادتین و نحوهما من دون ثبات ذلک فی القلب و رسوخه و العمل على وفقه، و- صنیع- نصب على المصدر: أى صنعتم صنیعا مثل صنیع من أحرز رضا سیّده بقضاء ما أمره به، و وجه التشبیه الاشتراک فی الترک و الإعراض عن العمل. و باللّه التوفیق.


شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن ‏میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۹۳

 

بازدیدها: ۲۰

خطبه ۱۰۹ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام ذکر فیها ملک الموت

هَلْ تُحِسُّ بِهِ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلًا- أَمْ هَلْ تَرَاهُ إِذَا تَوَفَّى أَحَداً- بَلْ کَیْفَ یَتَوَفَّى‏ الْجَنِینَ فِی بَطْنِ أُمِّهِ- أَ یَلِجُ عَلَیْهِ مِنْ بَعْضِ جَوَارِحِهَا- أَمْ الرُّوحُ أَجَابَتْهُ بِإِذْنِ رَبِّهَا- أَمْ هُوَ سَاکِنٌ مَعَهُ فِی أَحْشَائِهَا- کَیْفَ یَصِفُ إِلَهَهُ- مَنْ یَعْجَزُ عَنْ صِفَهِ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ

المعنى
أقول: هذا الفصل من خطبه طویله ذکره فی معرض التوحید و التنزیه للّه تعالى عن اطّلاع العقول البشریّه على کنه وصفه فقدّم التنبیه بالاستفهام على سبیل الإنکار عن الإحساس به فی دخوله منازل المتوفّین و ذلک قوله: هل تحسّ به. إلى قوله: أحدا. و نبّه باستنکار الإحساس به على أنّه لیس بجسم. إذ کان کلّ جسم من شأنه أن یحسّ بإحدى الحواسّ الخمس. ثمّ عن کیفیّه توفّیه للجنین فی بطن امّه و هو استفهام من قبیل تجاهل العارف بالنسبه إلیه، و ذلک قوله: بل کیف یتوفّى الجنین.

إلى قوله: فی أحشاها. و جعل الحقّ من هذه الأقسام فی الوسط و هو إجابتها بإذن ربّها لیبقى الجاهل فی محلّ الحیره متردّدا. ثمّ لمّا بیّن أنّ ملک الموت لا یتمکّن الإنسان من وصفه نبّه على عظمه اللّه سبحانه بالنسبه إلیه، و أنّه إذا عجز الانسان عن وصف مخلوق مثله فبالأولى أن یعجز عن صفه خالقه و مبدعه الّذی هو أبعد الأشیاء عنه مناسبه، و تقدیر البیان بذلک التنبیه أنّ العبد عاجز عن صفه مخلوق مثله لما بیّناه من العجز عن صفه ملک الموت و حاله، و کلّ من عجز من صفه مخلوق مثله فهو من صفه خالق ذلک المخلوق و مبدعه أشدّ عجزا. و لنشر إشاره خفیفه إلى حقیقه الموت و إلى ما عساه یلوح من وصف ملک الموت إنشاء اللّه تعالى.

فنقول: أمّا حقیقه الموت: فاعلم أنّ الّذی نطقت به الأخبار و شهد به الاعتبار أنّ الموت لیس إلّا عباره عن تغیّر حال، و هو مفارقه الروح لهذا البدن الجارى مجرى الآله لذی الصنعه، و أنّ الروح باقیه بعده کما شهدت به البراهین العقلیّه فی مظانّها، و الآثار النبویّه المتواتره. و معنى مفارقتها له هو انقطاع تصرّفها فیه لخروجه عن حدّ الانتفاع به فما کان من الامور المدرکه لها تحتاج فی إدراکه إلى آله فهى متعطّله عنه بعد مفارقه البدن إلى أن تعاد إلیه فی القبر أو یوم القیامه، و ما کان مدرکا لها لنفسها من غیر آله فهو باق معها یتنعّم به و یفرح أو یحزن من غیر حاجه إلى هذه الآله فی بقاء تلک العلوم و الإدراکات الکلّیّه لها هناک. و قد ضرب للمفارقه الّتی سمّیناها بالموت مثلا: فقیل: کما أنّ بعض أعضاء المریض متعطّل بحسب فساد المزاج یقع فیه أو بحسب شدّه تعرّض للأعصاب فتمنع نفوذ الروح فیها فتکون النفس مستعمله لبعض الأعضاء دون ما استقصى علیها منها فکذلک الموت عباره عن استقصاء جمیع الأعضاء کلّها و تعطّلها، و حاصل هذه المفارقه یعود إلى سلب الإنسان عن هذه الأعضاء و الآلات و القینات الدنیویّه من الأهل و المال و الولد و نحوها، و لا فرق بین أن تسلب هذه الأشیاء عن الإنسان أو یسلب هو عنها. إذ کان المولم هو الفراق، و قد یحصل ذلک بنهب مال الرجل و سبى ذریّته، و قد یحصل بسلبه و نهبه عن ماله و أهله. فالموت فی الحقیقه هو سلب الانسان عن أمواله بإزعاجه إلى عالم آخر فإن کان له فی هذا العالم شی‏ء یأنس به و یستریح إلیه فبقدر عظم خطره عنده یعظم تحسّره علیه فی الآخره و تصعب شقاوته فی مفارقته، و یکون سبب عظم خطره عنده ضعف تصوّره لما اعدّ للأبرار المتّقین فی الآخره ممّا یستحقر فی القلیل منه أکثر نفائس الدنیا. فأمّا إن کانت عین بصیرته مفتوحه حتّى لم یفرح إلّا بذکر اللّه و لم یأنس إلّا به عظم نعیمه و تمّت سعادته. إذ خلّى بینه و بین محبوبه فقطع علائقه و عوائقه الشاغله له عنه و وصل إلیه و انکشف له هناک ما کان یدرکه من السعاده بحسب الوصف انکشاف مشاهده کما یشاهدالمستیقظه من نومه صوره ما رآه فی النوم.

و الناس نیام فإذا ماتوا انتبهوا. إذا عرفت ذلک فاعلم أن ملک الموت عباره عن الروح المتولّى لإفاضه صوره العدم على أعضاء هذا البدن و لحال مفارقه النفس له، و لعلّه هو المتولّى لإفاضه صوره الوجود علیها لکنّه بالاعتبار الأوّل یسمّى ملک الموت. ثمّ لمّا کانت النفوس البشریّه إنّما تدرک المجرّدات ما دامت فی هذا العالم و تستثبتها بأن تستصحب القوّه المتخیّله معها فیتحاکى ما کان محبوبا منها للنفس و مستبشرا بلقائه بصوره بهیّه کتصورّها لجبرئیل فی صوره دحیه الکلبىّ و غیره من الصور البهیّه الحسنه، و ما کان مستکرها مخوفا منفورا من لقائه بصوره هائله لاجرم اختلف رؤیه الناس لملک الموت فمنهم من یراه على صوره بهیّه و هم المستبشرون بلقاء اللّه الّذین قلّت رغبتهم فی الدنیا و رضوا بالموت لیصلوا إلى لقاء محبوبهم و فرحوا به لکونه وسیله إلیه کما روى عن إبراهیم علیه السّلام أنّه لقى ملکا فقال له: من أنت فقال: أنا ملک الموت. فقال له: أ تستطیع أن ترینى الصوره الّتى تقبض فیها روح المؤمن قال: نعم أعرض عنّى فأعرض عنه فإذا هو شابّ فذکر من حسنه و ثیابه (شبابه خ) و طیب ریحه فقال: یا ملک الموت لو لم یلق المؤمن من البشرى إلّا حسن صورتک لکان حسبه، و منهم من یراه على صوره قبیحه هائله المنظر و هم الفجّار الّذین أعرضوا عن لقاء اللّه و رضوا بالحیاه الدنیا و اطمأنّوا بها کما روى عن إبراهیم علیه السّلام أیضا أنّه قال لملک الموت: فهل تستطیع أن ترینى الصوره الّتى تقبض فیها روح الفاجر فقال: لا تطیق ذلک. فقال: بلى قال: فأعرض عنّى فأعرض عنه. ثمّ التفت إلیه فإذا هو رجل أسود قائم الشعر منتن الریح أسود الثیاب یخرج من فیه و مناخره النار و الدخان فغشى على إبراهیم علیه السّلام.

ثمّ أفاق، و قد عاد ملک الموت إلى حالته الاولى فقال: یا ملک الموت لو لم یلق الفاجر عند موته إلّا هذه الصوره لکفته. و باللّه التوفیق.


شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۹۰

بازدیدها: ۳۱

خطبه ۱۰۸ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبته له علیه السّلام

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أُحَذِّرُکُمُ الدُّنْیَا- فَإِنَّهَا حُلْوَهٌ خَضِرَهٌ- حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ وَ تَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَهِ- وَ رَاقَتْ بِالْقَلِیلِ وَ تَحَلَّتْ بِالْآمَالِ- وَ تَزَیَّنَتْ بِالْغُرُورِ لَا تَدُومُ حَبْرَتُهَا- وَ لَا تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا- غَرَّارَهٌ ضَرَّارَهٌ حَائِلَهٌ زَائِلَهٌ- نَافِدَهٌ بَائِدَهٌ أَکَّالَهٌ غَوَّالَهٌ- لَا تَعْدُو- إِذَا تَنَاهَتْ إِلَى أُمْنِیَّهِ أَهْلِ الرَّغْبَهِ فِیهَا وَ الرِّضَاءِ بِهَا- أَنْ تَکُونَ کَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى سُبْحَانَهُ- کَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ- فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ- فَأَصْبَحَ هَشِیماً تَذْرُوهُ الرِّیاحُ- وَ کانَ اللَّهُ عَلى‏ کُلِّ شَیْ‏ءٍ مُقْتَدِراً- لَمْ یَکُنِ امْرُؤٌ مِنْهَا فِی حَبْرَهٍ- إِلَّا أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَهً- وَ لَمْ یَلْقَ فِی سَرَّائِهَا بَطْناً- إِلَّا مَنَحَتْهُ مِنْ ضَرَّائِهَا ظَهْراً- وَ لَمْ تَطُلَّهُ فِیهَا دِیمَهُ رَخَاءٍ- إِلَّا هَتَنَتْ عَلَیْهِ مُزْنَهُ بَلَاءٍ- وَ حَرِیٌّ إِذَا أَصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَهً- أَنْ تُمْسِیَ لَهُ مُتَنَکِّرَهً- وَ إِنْ جَانِبٌ مِنْهَا اعْذَوْذَبَ وَ احْلَوْلَى- أَمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ فَأَوْبَى- لَا یَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ غَضَارَتِهَا رَغَباً- إِلَّا أَرْهَقَتْهُ مِنْ نَوَائِبِهَا تَعَباً- وَ لَا یُمْسِی مِنْهَا فِی جَنَاحِ أَمْنٍ- إِلَّا أَصْبَحَ عَلَى قَوَادِمِ خَوْفٍ- غَرَّارَهٌ غُرُورٌ مَا فِیهَا فَانِیَهٌ- فَانٍ مَنْ عَلَیْهَا لَا خَیْرَ فِی شَیْ‏ءٍ مِنْ أَزْوَادِهَا إِلَّا التَّقْوَى- مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَکْثَرَ مِمَّا یُؤْمِنُهُ- وَ مَنِ اسْتَکْثَرَ مِنْهَا اسْتَکْثَرَ مِمَّا یُوبِقُهُ- وَ زَالَ عَمَّا قَلِیلٍ عَنْهُ- کَمْ مِنْ وَاثِقٍ بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ- وَ ذِی طُمَأْنِینَهٍ إِلَیْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ- وَ ذِی أُبَّهَهٍ قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِیراً- وَ ذِی نَخْوَهٍ قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِیلًا- سُلْطَانُهَا دُوَّلٌ وَ عَیْشُهَا رَنِقٌ- وَ عَذْبُهَا أُجَاجٌ وَ حُلْوُهَا صَبِرٌ- وَ غِذَاؤُهَا سِمَامٌ وَ أَسْبَابُهَا رِمَامٌ- حَیُّهَا بِعَرَضِ مَوْتٍ- وَ صَحِیحُهَا بِعَرَضِ سُقْمٍ- مُلْکُهَا مَسْلُوبٌ- وَ عَزِیزُهَا مَغْلُوبٌ- وَ مَوْفُورُهَا مَنْکُوبٌ- وَ جَارُهَا مَحْرُوبٌ- أَ لَسْتُمْ فِی مَسَاکِنِ- مَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً- وَ أَبْقَى آثَاراً وَ أَبْعَدَ آمَالًا- وَ أَعَدَّ عَدِیداً وَ أَکْثَفَ جُنُوداً- تَعَبَّدُوا لِلدُّنْیَا أَیَّ تَعَبُّدٍ- وَ آثَرُوهَا أَیَّ إِیْثَارٍ- ثُمَّ ظَعَنُوا عَنْهَا بِغَیْرِ زَادٍ مُبَلِّغٍ- وَ لَا ظَهْرٍ قَاطِعٍ- فَهَلْ بَلَغَکُمْ أَنَّ الدُّنْیَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بِفِدْیَهٍ- أَوْ أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَهٍ- أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ صُحْبَهً- بَلْ أَرْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَادِحِ- وَ أَوْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَارِعِ- وَ ضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ- وَ عَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرِ وَ وَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ- وَ أَعَانَتْ عَلَیْهِمْ رَیْبَ الْمَنُونِ- فَقَدْ رَأَیْتُمْ تَنَکُّرَهَا لِمَنْ دَانَ لَهَا- وَ آثَرَهَا وَ أَخْلَدَ لَهَا- حَتَّى ظَعَنُوا عَنْهَا لِفِرَاقِ الْأَبَدِ- وَ هَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلَّا السَّغَبَ- أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إِلَّا الضَّنْکَ- أَوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلَّا الظُّلْمَهَ- أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلَّا النَّدَامَهَ- أَ فَهَذِهِ تُؤْثِرُونَ أَمْ إِلَیْهَا تَطْمَئِنُّونَ- أَمْ عَلَیْهَا تَحْرِصُونَ- فَبِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ لَمْ یَتَّهِمْهَا- وَ لَمْ یَکُنْ فِیهَا عَلَى وَجَلٍ مِنْهَا- فَاعْلَمُوا وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ- بِأَنَّکُمْ تَارِکُوهَا وَ ظَاعِنُونَ عَنْهَا- وَ اتَّعِظُوا فِیهَا بِالَّذِینَ قَالُوا- مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّهً- حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ- فَلَا یُدْعَوْنَ رُکْبَاناً- وَ أُنْزِلُوا الْأَجْدَاثَ فَلَا یُدْعَوْنَ ضِیفَاناً- وَ جُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِیحِ أَجْنَانٌ- وَ مِنَ التُّرَابِ أَکْفَانٌ وَ مِنَ الرُّفَاتِ جِیرَانٌ- فَهُمْ جِیرَهٌ لَا یُجِیبُونَ دَاعِیاً- وَ لَا یَمْنَعُونَ ضَیْماً وَ لَا یُبَالُونَ مَنْدَبَهً- إِنْ جِیدُوا لَمْ یَفْرَحُوا- وَ إِنْ قُحِطُوا لَمْ یَقْنَطُوا- جَمِیعٌ وَ هُمْ آحَادٌ وَ جِیرَهٌ وَ هُمْ أَبْعَادٌ- مُتَدَانُونَ لَا یَتَزَاوَرُونَ- وَ قَرِیبُونَ لَا یَتَقَارَبُونَ- حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ- وَ جُهَلَاءُ قَدْ مَاتَتْ أَحْقَادُهُمْ- لَا یُخْشَى فَجْعُهُمْ- وَ لَا یُرْجَى دَفْعُهُمْ- اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الْأَرْضِ بَطْناً- وَ بِالسَّعَهِ ضِیقاً وَ بِالْأَهْلِ غُرْبَهً- وَ بِالنُّورِ ظُلْمَهً فَجَاءُوهَا کَمَا فَارَقُوهَا- حُفَاهً عُرَاهً قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ- إِلَى الْحَیَاهِ الدَّائِمَهِ وَ الدَّارِ الْبَاقِیَهِ کَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ کَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ- نُعِیدُهُ وَعْداً عَلَیْنا إِنَّا کُنَّا فاعِلِینَ


اللغه
أقول: الحبره: السرور. و الفجعه: الرزیّه. و غوّاله: أى تأخذ على غرّه.
و أوبى: أمرض. و الغضاره: طیب العیش. و قوادم الطیر: مقادیم ریش جناحه. و أوبقه: أهلکه. و الابّهه: العظمه. و رنق: کدر. و رمام: بالیه منقطعه. و المحروب: مسلوب المال. و أرهقتهم: غشیتهم. و فدحه الأمر: اغتاله و أثقله. و القارعه: الداهیه الشدیده. و ضعضعتهم: أذلّتهم. و المناسم: أخفاف الإبل. و السغب: الجوع. و الأجنان: جمع جنن جمع جنّه و هی الستر.

و اعلم أنّ مدار هذا الفصل على التحذیر من الدنیا و التنفیر عنها بذکر معایبها، و فیه نکت:

فالأولى: استعار لفظ الحلاوه و الخضره
المتعلّقین بحّسى الذوق و البصر لما یروق النفس منها و یلذّ، و وجه المشابهه المشارکه فی الالتذاذ به، و إنّما خصّ متعلّق هذین الحسّین لأکثریّه تأدیتهما إلى النفس و الالتذاذ بواسطتهما دون سائر الحواسّ.

الثانیه: وصف الدنیا بکونها محفوفه بالشهوات
و فی الخبر: حفّت الجنّه بالمکاره، و حفّت النار بالشهوات. قال أصحاب المعانىّ: و فی ذلک تنبیه على أنّ النار هی الدنیا، و محبّتها بعد المفارقه هو سبب عذابها. قلت: إنّ ذلک غیر مفهوم من کلامه علیه السّلام، و أمّا معنى الخبر فجاز أن یراد فیه النار المعقوله فیکون قریبا ممّا قالوا، و جاز أنّ یراد بالنار المحسوسه، و یکون المعنى على التقدیرین أنّ النار إنّما تدخل بالانهماک فی مشتهیات الدنیا و لذّاتها و الخروج فی استعمالها عمّا ینبغی إلى ما لا ینبغی فکأنّها لذلک محفوفه و محاطه بالشهوات لا یدخل إلیها إلّا منها. و أراد بالعاجله اللذّات الحاضره الّتی مالت القلوب إلى الحیاه الدنیا بسببها فاشبهت المرأه المتحبّبه بما لها و جمالها. فاستعیر لها لفظ التحبّب، و کذلک قوله: راقت بالقلیل: أى اعجبت بزینتها القلیله بالنسبه إلى متاع الآخره کمیّه و کیفیّه، و کذلک تجلّیها بالآمال الکاذبه المنقطعه و بزینتها ممّا هو فی نفس الأمر غرور و باطل فإنّه لو لا الغرور و الغفله عن عاقبتها لما زانت فی عیون طالبیها.

الثالثه: استعار لها أوصاف المحتاله الخدوع
و هی کونها غرّاره و غوّاله: أى کثیره الاستغفال لأهلها و الخداع لهم، و وصف السبع العقور لکونها أکّاله لهم، و کنّى بالأوّلین عن کونها کالمخادع فی کونها سببا لغفلتهم عمّا خلقوا لأجله بالاشتغال بها و الانهماک فی لذّاتها، و بالأکّاله عن کونها کالسبع فی إفنائهم بالموت و طحنهم تحت التراب.

الرابعه: معنى قوله: لا تعدوا. إلى قوله: مقتدرا
أنّ غایه صفائها للراغبین فیها و الراضین بها و موافقتها لهم لا یتجاوز المثل. و هو: أن تزهر فی عیونهم و تروقهم‏ محاسنها ثمّ عن قلیل تزول عنهم فکأنّها لم تکن. کما هو معنى المثل المضروب لها فی القرآن الکریم «وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَیاهِ الدُّنْیا کَماءٍ»«» الآیه.

الخامسه: کنّى بالعبره عن الحزن المعاقب للسرور
و تخصیصه البطن بالسرّاء و الظهر بالضرّاء، و یحتمل أمرین: أحدهما: أن یرید بطنّ المجنّ و ظهره، و ذلک من العاده فی حال الحرب أن یلقى الإنسان ظهر المجنّ، و فی حال السلم أن یلقى المجنّ فیکون بطنه ظاهرا. فجرى المثل به فی حقّ المتنکّرین و المخاصمین بعد سلم. فقیل: قلّب له ظهر المجنّ. کما قال علىّ علیه السّلام لابن عبّاس فی بعض کتبه إلیه: قلّبت لابن عمّک ظهر المجنّ. فکذلک استعمل هاهنا لقائها للمرء ببطنها فی إقبالها علیه و لقائه منها ظهرا فی إدبارها عنه و محاربتها له. الثانی: یحتمل أن یرید بطنها و ظهرها. و ذلک أنّ العاده فیمن یلقى صاحبه بالبشر و السرور أن یلقاها بوجهه و بطنه و فیمن یلقاه بالتنکیر و الإدبار أن یلقى بظهره مولّیا عنه فاستعیر ذلک للدنیا و عبّر به عن إقبالها و إدبارها.

السادسه: و إنّما خصّ منها بالجناح
لأنّ الجناح محلّ التغیّر بسرعه فنبّه به على سرعه تغیّراتها، و إنّما خصّ الخوف بالقوادم من الجناح لأنّ القوادم هى رأس الجناح و هی الأصل فی سرعه حرکته و تغیّره و هو فی مساق ذمّها و التخویف منها فحسن ذلک التخصیص، و مراده أنّه و إن حصل فیها أمن فهو فی محلّ التغیّر السریع و الخوف إلیه أسرع لتخصیصه بالقوادم.

السابعه: لا خیر فی شی‏ء من أزوادها إلّا التقوى
استثنى ما هو المقصود من خلق الدنیا و أشار إلى وجود هذا النوع فیها و هو التقوى الموصل إلى اللّه سبحانه، و إنّما کان من أزواد الدنیا لأنّه لا یمکن تحصیله إلّا فیها، و قد سبقت الإشاره إلیه فی قوله: فتزوّدوا من الدنیا ما تحرزون به أنفسکم غدا. و ظاهر أنّه لا خیر فیها عداه من أزوادها لفنائه و مضرّته فی الآخره.

الثامنه: من أقلّ منها استکثر ممّا یؤمنه
أى من الزهد فیها، و قد عرفت‏ کیفیّه الأمان من عذاب اللّه، و من استکثر منها استکثر ممّا یوبقه و هو ملکات السوء الحاصله عن حبّ قیناتها و ملذّاتها الفانیه الموجبه للهلاک بعد مفارقتها و زوالها.

التاسعه: استعار لفظ العذب و الحلو للذّاتها
و لفظى الاجاج- و هو المالح- و الصبر لما یشوب لذّاتها من الکدر بالأمراض و التغیّرات، و وجه الاستعارات الاشتراک فی الالتذاذ و الإیلام.

العاشره: استعار لفظ الغذاء
و کنّى به عن لذّاتها أیضا، و لفظ السمام له. و وجه الاستعاره ما یستعقب الانهماک فی لذّاتها من الهلاک فی الآخره کما یستعقبه شرب السمّ، و السمام: جمع سمّ. ثمّ أعقب التحذیر منها بالتنبیه على مصارع السابقین فیها ممّن کان أطول أعمارا و أشدّ بأسا من تغیّراتها و تنکّراتها لهم مع شدّه محبّتهم و تعبّدهم لها. و السؤال على سبیل الإنکار عن دوام سرورها لهم و حسن صحبتها إیّاهم، و صرّح بعده بالإنکار بقوله: بل أرهقتهم بالفوادح، و استعار لها لفظ الإرهاق و التضعضع و التعفیر و الوطى و إعانه ریب المنون علیهم، و أسند إلیها أفعال الأحیاء ملاحظه تشبهها بالمرأه المتزیّنه لخداع الرجال عن أنفسهم و أموالهم و نحو ذلک.

الحادى عشر: لمّا فرغ من ذمّها و التنفیر عنها بتعدید مذامّها
استفهم السامعین على سبیل التقریع لهم عن إیثارهم لها بهذا المذامّ و اطمینانهم إلیها و حرصهم علیها. ثمّ عاد إلى ذمّها مجملا بقوله: بئست الدار لمن لم یتّهمها: أى لمن اعتقد بصحبتها و أنّها مقصوده بالذات فرکن إلیها فإنّها بذلک الاعتبار مذمومه فی حقّه إذ کانت سبب هلاکه فی الآخره. فأمّا المتّهم لها بالخدیعه و الغرور فإنّه یکون فیها على وجل منها عاملا لما بعدها فکانت محموده له إذ کانت سبب سعادته فی الآخره. ثمّ شرع فی الأمر بالعمل على وفق العلم بمفارقتها، و ذلک أنّ ترک العمل للآخره إنّما یکون للاشتغال بالدنیا فالعالم بضروره مفارقتها له و ما أعدّ لتارکى العمل من العذاب الألیم إذا نبّه على تلک الحال کان ذلک صارفا له عنها و مستلزما للعمل لغیرها، و أکدّ التنبیه على مفارقتها بالتذکّر بأحوال المفارقین لها بعد مفارقتها المضادّه للأحوال المعتاده للأحیاء الّتى ألفوها و استراحوا إلیها. إذ کان من عادتهم إذا حملوا أن‏ یسمّوا رکبانا، و إذا نزلوا أن یسمّوا ضیفانا، و إذا تجاوروا أن یجیبوا داعیهم و یمنعوا عنه الضیم، و أن یفرحوا إن جادهم الغیث، و یقنطوا إن قحطوا منه، و أن یتزاوروا فی التدانى و یحلموا عند وجود الأضغان، و یجهلوا عند قیام الأحقاد و یخشوا و یرجوا.
فسلبت عنهم تلک الصفات و عرفوا بأضداد تلک السمات.

الثانیه عشر: فجاءوها کما فارقوها
أى أشبه مجیئهم إلیها و وجودهم فیها و خروجهم منها یوم مفارقتهم لها، و وجه الشبه کونهم حفاه عراه، و هو کنایه عن النفر منها، و دلّ على ذلک استشهاده بالآیه الکریمه. و موضع قوله: قد ظعنوا عنها. النصب على الحال. کما انتصب حفاه عراه، و العامل فارقوها. و لا یقدّر مثله بعد جاءوها و إن قدّر مثل الحالین السابقین. قال الإمام الوبرىّ- رحمه اللّه علیه- : فراقهم من الدنیا إن خلقوا منها و مجیئهم إلیها إن دفنوا فیها قال اللّه تعالى «هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ تُرابٍ». ثم قلت: و کان الحامل لهذا الإمام على هذا التأویل أنّه لو کان مراده مجیئهم إلیها هو دخولهم فیها حین الولاده مع أنّه فی ظاهر الأمر هو المشبّه و مفارقتهم هی المشبّه به لانعکس الفرض. إذا المقصود تشبیه المفارقه بالمجی‏ء و ذلک یستلزم کون المشبّه هو المفارقه و المشبّه به هو المجی‏ء لکن ینبعى أن یعلم أن المشابهه إذا حصلت بین الشیئین فی نفس الأمر جاز أن یجعل أحدهما أصلا و الآخر فرعا، و جاز أن یقصد أصل المساواه بینهما من دون ذلک فحمله هنا على الوجه الثانی أولى من‏ التعسّف الّذی ذکره. فأمّا الآیه فإنّ- من- فیها لبیان الجنس فلا تدلّ على المفارقه و الانفعال. و باللّه التوفیق.


شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۸۴

بازدیدها: ۱۱

خطبه ۱۰۷ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ- إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى- الْإِیمَانُ بِهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ الْجِهَادُ فِی سَبِیلِهِ- فَإِنَّهُ ذِرْوَهُ الْإِسْلَامِ- وَ کَلِمَهُ الْإِخْلَاصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَهُ- وَ إِقَامُ الصَّلَاهِ فَإِنَّهَا الْمِلَّهُ- وَ إِیتَاءُ الزَّکَاهِ فَإِنَّهَا فَرِیضَهٌ وَاجِبَهٌ- وَ صَوْمُ شَهْرِرَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّهٌ مِنَ الْعِقَابِ- وَ حَجُّ الْبَیْتِ وَ اعْتِمَارُهُ- فَإِنَّهُمَا یَنْفِیَانِ الْفَقْرَ وَ یَرْحَضَانِ الذَّنْبَ- وَ صِلَهُ الرَّحِمِ- فَإِنَّهَا مَثْرَاهٌ فِی الْمَالِ وَ مَنْسَأَهٌ فِی الْأَجَلِ- وَ صَدَقَهُ السِّرِّ فَإِنَّهَا تُکَفِّرُ الْخَطِیئَهَ- وَ صَدَقَهُ الْعَلَانِیَهِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِیتَهَ السُّوءِ- وَ صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهَا تَقِی مَصَارِعَ الْهَوَانِ- أَفِیضُوا فِی ذِکْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الذِّکْرِ- وَ ارْغَبُوا فِیمَا وَعَدَ الْمُتَّقِینَ فَإِنَّ وَعْدَهُ أَصْدَقُ الْوَعْدِ- وَ اقْتَدُوا بِهَدْیِ نَبِیِّکُمْ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْهَدْیِ- وَ اسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فَإِنَّهَا أَهْدَى السُّنَنِ وَ تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِیثِ- وَ تَفَقَّهُوا فِیهِ فَإِنَّهُ رَبِیعُ الْقُلُوبِ- وَ اسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ- وَ أَحْسِنُوا تِلَاوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَصِ- وَ إِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَیْرِ عِلْمِهِ- کَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ الَّذِی لَا یَسْتَفِیقُ مِنْ جَهْلِهِ- بَلِ الْحُجَّهُ عَلَیْهِ أَعْظَمُ وَ الْحَسْرَهُ لَهُ أَلْزَمُ- وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَلْوَمُ


اللغه
أقول: ذروه الشی‏ء: أعلاه. و الملّه: الدین: و الجنّه: الوقایه. و یرحضان بفتح الحاء: یغسلان. و الرحض: الغسل. و المثراه: المکثره، و هى محلّ کثره المال و الثروه. و المنسأه: محلّ النسأ، و هو التأخیر. و الإفاضه فی الذکر: الاندفاع فیه. و الهدى: ضدّ الإضلال، و هو مصدر.

و قد أشار علیه السّلام فی هذا الفصل إلى أنّ أفضل الوسائل الموصله إلى اللّه سبحانه هو الإیمان
الکامل فالإیمان باللّه هو التصدیق بوجوده، و هو إشاره إلى أصل الإیمان.
ثمّ له لواحق و کمالات:

أحدها: التصدیق برسوله
و إنّما قدّمه على سائر العبادات لأنّه أصل لها لا تصحّ بدونه.

الثانی: الجهاد فی سبیله
و قد عرفت فضائل الجهاد فیما سلف، و أشار إلى وجه فضیلته بکونه ذروه الإسلام، و استعار لفظ الذروه له ملاحظه لشبهه فی العلوّ و المرتبه فی الإسلام بالسنام للبعیر و إنّما قدّمه على الصلاه لکون سالکه على یقین من لقاء اللّه و قوّه من التصدیق بما جاء به الرسول حیث یلقى نفسه إلى التهلکه الحاضره الّتی ربّما یغلب على ظنّه أو یتیقّنها، و لأنّه الأصل الأعظم فی جمع العالم على الدین.

الثالث: کلمه الإخلاص
و هى کلمه التوحید المستلزمه لنفى الشرکاء و الأنداد و هى معنى الإخلاص و لذلک اضیفت إلیه، و وجه فضیلتها کونها فطره اللّه الّتی فطر الناس علیها فإنّ العقول السلیمه البریّه عن شوائب العلائق البدنیّه و عوارض التربیه شاهده و مقرّه بما اخذ علیها من العهد القدیم من توحید صانعها و براءته عن الکثره، و أطلق علیها اسم الفطره و إن کانت الفطره علیها مجازا إطلاقا لاسم الملزوم على لازمه.

الرابع: إقامه الصلاه
و إنّما جعلها الملّه و إن کانت بعض أرکان الدین لأنّها الرکن القوىّ من أرکانه فأطلق علیها ذلک اللفظ إطلاقا لاسم الکلّ على الجزء مجازا.
و أعلم أنّ للصلاه فضائل و أسرار یجب التنبیه علیها: أمّا فضیلتها فقد ورد فیها أخبار کثیره بعد تأکید القرآن الکریم للأمر بها کقوله صلى اللّه علیه و آله و سلم: الصلاه عمود الدین من ترکها فقد هدم الدین، و قوله: مفتاح الجنّه الصلاه، و قوله فی فضل إتمامها: إنّ الرجلین من امّتى یقومان فی الصلاه و رکوعهما و سجودهما واحد و إنّما بین صلاتیهما ما بین السماء و الأرض، و قوله: أمّا یخاف الّذی یحوّل وجهه فی الصلاه أن یحوّل اللّه وجهه وجه حمار، و قوله: من صلّى رکعتین لم یحدث فیهما نفسه بشی‏ء من الدنیا غفر اللّه له ذنوبه. و أمّا أسرارها فیقسم إلى عامّه و إلى خاصّه،و أمّا العامّه فقد بیّنّا فیما سلف فی ذکر الحجّ فی الخطبه الاولى السرّ العامّ لجمیع العبادات، و هى کونها متمّمه للغرض الثانی من أغراض العارف من الریاضه و معینه على تطویع النفس الأمّاره بالسوء للنفس المطمئنّه و تمرینها على موافقتها، و إذا لاح لک هذا السرّ فقد علمت أنّ جمیع الآیات و الأخبار الوارده فی فضلها یرجع معناها إلیه کنهیها عن الفحشاء و المنکر فی قوله تعالى «إِنَّ الصَّلاهَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ» إذ کان سببهما القوّه الروعیّه [التروّعیّه خ‏] إذا خرجت عن حکم العقل فإذا کانت الصلاه هی الّتی توجب دخولها تحت حکم العقل و العقل ناه عن الفحشاء و المنکر فقد کانت الصلاه هى السبب فی الانتهاء فکانت ناهیه، فظهر أیضا معنى کونها عماد الدین. إذ قال: بنى الإسلام على خمس. فکلّ منها عماد بحسب شرائطه فمن أخلّ بها فقد هدم بنیانه الّذی یصعد به إلى اللّه، و کذلک کونها مفتاحا للجنّه. إذ بها ینفتح باب من أبواب الوصول إلى اللّه، و لذلک ظهر التفاوت الّذی یشیر إلیه صلّى اللّه علیه و آله و سلم فی صلاه الرجلین من امّته فإنّه إذا کانت فائده الصلاه هو الالتفات إلى اللّه تعالى بقمع الشیطان و کان أحد الرجلین فی صلاته خاشعا لخشیه اللّه مستحضرا لعظمته، و الآخر غافل عن هذه الجهه قد صرف الشیطان وجه قلبه إلى غیر القبله فأین أحدهما من الآخر، و کذلک ما أشار إلیه من التخویف لمن یحوّل وجهه فی الصلاه فإنّه نهى منه عن الغفله عن الالتفات إلى اللّه و ملاحظه عظمته فی حال الصلاه فإنّ الملتفت یمینا و شمالا ملتفت عن اللّه و غافل عن مطالعه أنوار کبریائه، و من کان کذلک فیوشک أن تدوم تلک الغفله علیه فیتحوّل وجه قلبه کوجه قلب الحمار فی قلّه عقلیّته للامور العلویّه و عدم إکرامه بشی‏ء من العلوم و القرب إلى اللّه، و کذلک غفران ذنب المصلّى بسبب ترکه حدیث نفسه بشی‏ء من الدنیا فإنّه فی تلک الحال یلتفت إلى اللّه تعالى غافل عن غیره، و الالتفات إلیه هو روح العباده و خلاصتها، و لذلک قال صلّى اللّه علیه و آله و سلم: إنّما فرضت الصلاه و امر بالحجّ و الطواف و اشعرت المناسک لإقامه ذکر اللّه فإذا لم یکن فی قلبک المذکور الّذی هو المقصود و المبتغى عظمته، و لا هیبته فما فیه ذکرک. و عن عایشه قالت: کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلم یحدّثنا و نحدّثه فإذا حضرت الصلاه فکأنّه لم یعرفنا و لم نعرفه شغلا باللّه عن کلّ شی‏ء. و کان علىّ علیه السّلام إذا حضر وقت الصلاه یتململ و یتزلزل و یتلوّن فیقال له: مالک یا أمیر المؤمنین فیقول: جاء وقت أمانه عرضها اللّه على السماوات و الأرض فأبین أن یحملنها و أشفقن منها، و کان علىّ بن الحسین علیهما السّلام إذا حضر للوضوء اصفرّ لونه فیقول أهله: ما هذا الّذی یعتادک عند الوضوء فیقول: ما تدرون بین یدی من أقوم. و کلّ ذلک إشاره إلى استحضار عظمه اللّه و الالتفات إلیه حال العباده و الانقطاع عن غیره، و أمّا ما یخصّها من الأسرار فقد علمت أنّ الصلاه لیس إلّا ذکر و قراءه و رکوع و سجود و قیام و قعود: أمّا الذکر فظاهر أنّه محاوره و مناجاه للّه تعالى و غایتها استلزام الالتفات إلیه، و تذکّر ما ینجذب القوى الشیطانیّه تحت قیاد العقل و یستمرّ تعوّدها بذلک و هو المقصود من القرائه و الأذکار و الحمد و الثناء و التضرّع و الدعاء، و لیس المقصود منه الحرف و الصوت امتحانا للّسان بالعمل و إن حصلت الغفله فإنّ تحریک اللسان بالهذیان خفیف على الإنسان لا کلفه فیه من حیث إنّه عمل، و سنبیّن حال الذکر و فضیلته و فائدته فی موضع ألیق به إنشاء اللّه تعالى، و أمّا الرکوع و السجود و القیام و القعود فالغرض بها التعظیم للّه تعالى المستلزم للالتفات إلیه و ذکره أیضا. إذ لو جاز أن یکون معظّما للّه بفعله و هو غافل عنه لجاز أن یعظّم صنما موضوعا بین یدیه و هو غافل عنه، و یؤیّد ذلک ما روى عن معاذ بن جبل من عرف من على یمینه و شماله متعمّدا فی الصلاه فلا صلاه له، و قال علیه السّلام: إنّ العبد لیصلّى الصلاه لا یکتب له سدسها و لا عشرها و إنّما یکتب للعبد من صلاته ما عقل منها، و لمّا عرفت أنّ الأصل من أرکانها هو الالتفات إلى اللّه تعالى فاعلم أنّ الالتفات إلیه مستلزم للتذکّر و التفهّم لأنّ الالتفات إلیه إنّما یراد لمطالعه کبریائه و عظمته، و المطالعه لیس إلّا الفکر الّذی هو عین البصیره و حدقه العقل الإنسانىّ.

ثمّ إنّ التذکّر و التفهّم مستلزم للتعظیم فإنّ مطالعه عظمه اللّه أعظم من أن لا یعظّمها العارف بها، و التعظیم مستلزم للخوف و الرجاء فإنّا نجد عند تصوّر عظمه ملک من ملوک الدنیا وجدانا ضروریّا أنّا ننقهر عن مکالمته و محاورته و نلزم معه السکون و الخضوع و ربّما یتبع ذلک رعده البدن و تعثّم اللسان، و منشأ کلّ ذلک الخوف الحادث عن تصوّر عظمته فکیف یتصوّر جبّار الجبابره و ملک الدنیا و الآخره، و کذلک الرجاء فإنّا عند تصوّر عظمه اللّه نتصوّر أنّ الکلّ منه و ذلک باعث على رجائه، خصوصا و قد تأکّد ذلک بالآیات الوارده فی باب الخوف و الرجاء، و کذلک یستلزم الحیاء لأنّ المتصوّر لعظمه الآمر لا یزال مستشعرا تقصیرا و متوهّما ذنبا و ذلک الاستشعار و التوهّم یوجب الحیاء من اللّه سبحانه.

الخامس: إیتاء الزکاه
و هى رکن قوىّ من أرکان الدین، و أشار إلى وجه فضلها بکونها فریضه واجبه. قال قطب الدین الراوندى: أراد بالفریضه السهم المنقطع من المال للفقراء المستحقّین المسمّى زکاه. قال: و هو عرف شرعىّ لأنّ الفریضه بمعنى الواجب فإنّ کلّ العبادات الواجبه کذلک، و لأنّ الفرض و الواجب بمعنى فیکون قوله: فریضه واجبه. تکرارا، و أقول: ما ذکره وجه حسن، و هو إشاره إلى بعض أسرارها کما نبیّنه، و لهذه العباده مع السرّ العامّ الشامل لجمیع العبادات و هو الالتفات إلى اللّه تعالى و محبّته أسرار: الأوّل: أنّ المراد بکلمه الشهاده التوحید المطلق و إفراد المعبود بالتوجّه إلیه و ذلک لا یتمّ إلّا بنفی کلّ محبوب عداه فإنّ المحبّه لا یحتمل الشرکه، و التوحید باللسان قلیل الفائده فی الباطن و إنّما تمتحن درجه الحبّ بمفارقه المحبوبات، و الأموال محبوبه عند الخلق لأنّها آله تمتّعهم بالدنیا و انسهم بها و نفرتهم عن الموت فامتحنوا بتصدیق دعواهم فی المحبوب و استنزلوا عن المال الّذی هو معشوقهم کما قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّهَ» و لمّا فهم الناس هذا المعنى انقسموا أقساما: فطائفه أخلصوا فی حبّ معشوقهم و وفوا بعهده فبذلوا أموالهم و لم یدّخروا منها شیئا حتّى قیل لبعضهم: کم تجب من الزکاه فی مائتى درهم قال: أمّا على العوّام فبحکم الشرع خمسه دراهم، و أمّا علینا فیجب بذل الجمیع، و منهم من قعد عن هذه المرتبه و أمسکوا أموالهم‏ و راقبوا مواقیت الحاجه و مواسم الخیرات و جعلوا قصدهم فی الادّخار الإنفاق على قصد الحاجه دون التنعّم، و صرف الفاضل عن الحاجه إلى وجوه البرّ، و هؤلاء لا یقتصرون على واجب الزکاه کالنخعىّ و الشعبیّ و مجاهد، و قیل للشعبىّ: هل فی المال حقّ سوى الزکاه فقال: نعم أما سمعت قوله تعالى «لَیْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَکُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ» الآیه و استدلّوا بقوله تعالى «وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ» و لم یجعلوا ذلک مخصوصا بآیه الزکاه بل هو داخل فی حقّ المسلم على المسلم، و معناه أنّه یجب على المؤسر مهما وجد محتاجا أن یزیل حاجته بما یفضل عن مال الزکاه، و منهم من اقتصر على أداء الواجب من الزکاه من غیر زیاده و لا نقصان و هى أدون الرتب و قد اقتصر مع العوامّ على ذلک لجهلهم بسرّ البذل و بخلهم المال و ضعف حبّهم للآخره، و یلزم لهذا السرّ تطهیر ذوى الأموال عن رذیله البخل فإنّها من المهلکات قال علیه السّلام: ثلاث مهلکات: شحّ مطاع، و هوى متّبع، و إعجاب المرء بنفسه، و وجه کونه مهلکا أنّه إنّما یصدر عن محبّه المال و قد علمت أنّ الدنیا و الآخره ضرّتان بقدر ما یقرّب من إحداهما یبعّد من الاخرى فکانت محبّه المال صارفه عن التوجّه إلى اللّه و مبعّده منه، و ذلک یستلزم الهلاک الاخروى کما بیّناه، و إنّما تزول هذه الرذیله بتعوّد البذل. إذ حبّ الشی‏ء لا ینقطع إلّا بقهر النفس على مفارقته بالتدریج حتّى یصیر ذلک عاده فالزکاه بهذا المعنى طهور: أى تطهّر صاحبها عن خبث البخل المهلک و إنّما طهارته بقدر بذله و فرحه و استبشاره بصرفه فی جنب اللّه طاعه و محبّه له و ملاحظه لحذف کلّ محبوب عداه من سمت القبله. السرّ الثانی: شکر النعمه فإنّ للّه على العبد نعمه فی نفسه و شکرها العبادات البدنیّه، و نعمه فی ماله و شکرها العبادات المالیّه، و لیس أحد أخسّ و أبعد عن رحمه اللّه ممّن ینظر إلى فقیر قد ضیّق علیه الرزق ثمّ اضطرّ إلیه فلم یسمح نفسه بأن یؤدّى شکر اللّه تعالى على ما أغناه عن السؤال و أحوج غیره إلیه بعشر ماله أو بربع عشره. السرّ الثالث: یتعلّق بإصلاح المدن و تدبیر أحوال أهلها و هو أن جعل اللّه هذا الفرض فی أموال الأغنیاء شرکه للفقراء لأن یسدّ به خلّتهم، و إلیه أشار علیه السّلام بکونه‏ فریضه واجبه، و فی هذا السرّ سرّان: أحدهما: أن یکون ذلک عونا لهؤلاء على عباده اللّه کى لا یشتغلوا بالطلب عنها. الثانی: أن تنکسر همّهم عن حسد أهل الأموال و السعى بالفساد فی الأرض فلا ینتظم أمر المدنیّه، و تکون قلوبهم ساکنه إلى ذلک القدر معلّقه به مستمدّه من اللّه تعالى بالدعاء فی حفظه متألّفه مع أهل الأموال منجذبه إلیهم فیتمّ بذلک أمر المشارکه و المعاونه و الانس و المحبّه الموجبات للالفه الموجبه لنظام العالم و قوام أمر الدین و بقاء نوع الإنسان لما لأجله وجد.


السادس: صوم شهر رمضان.
و تخصیصه بکونه جنّه من العقاب مع أنّ سائر العبادات کذلک لما أنّه أشدّها وقایه، و بیان ذلک أنّه مستلزم لقهر أعداء اللّه الّتى هى الشّیاطین المطیفه بالإنسان فإنّ وسیله الشیطان هی الشهوات و إنّما یقوّى الشهوه و یثیرها الأکل و الشرب، و لذلک قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إنّ الشیطان لیجرى من ابن آدم مجرى الدم فضیّقوا مجاربه بالجوع، و قال صلى اللّه علیه و آله و سلم لعایشه: داومى قرع باب الجنّه فقالت: بماذا قال: بالجوع. فکان الصوم على الخصوص أشدّ قمعا للشیطان و أسدّ لمسالکه و تضییق مجاریه، و لمّا کان العقاب إنّما یلحق الإنسان و یتفاوت فی حقّه بالشدّه و الضعف بحسب تفاوت قربه من الشیطان و بعده منه و کانت هذه العباده أبعد بعید عن الشیطان کان بسببها أبعد بعید عن العقاب فلذلک خصّت بکونها وقایه منه. و اعلم أنّ هذه العبادات و إن کانت عدمیّه إلّا أنّها لیست عدما صرفا بل عدم ملکه یحرّک من الطبیعه تحریکا شدیدا ینبّه صاحبه أنّه على جمله من الأمر لیس هذرا فیتذکّر سبب ما ینویه من ذلک و أنّه التقرّب إلى اللّه سبحانه کما هو غایه للسرّ العامّ للعبادات.

السابع: حجّ البیت و اعتماره
و قد سبقت منّا الإشاره إلى أسراره فی الخطبه الاولى. و الّذی ذکره هاهنا کونهما ینفیان الفقر و یغسلان الذنب فجمع فیه بین منفعه الدنیا و منفعه الآخره: أمّا منفعه الدنیا فکونهما ینفیان الفقر و ذلک بسبب التجاره الحاصله فی موسم الحجّ و قیام الأسواق بمکّه حینئذ، و أمّا منفعه الآخره لکونهما یغسلان الذنب عن لوح النفس کما علمته فی أسرار العبادات و هی هذه المنافع‏ المشار إلیها فی القرآن الکریم بقوله «لِیَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ» قال أکثر المفسّرین: هی منافع الدنیا من التجاره و هو المنقول عن سعید بن جبیر و ابن عبّاس فی روایه أبی رزین عنه، و منهم من جعلها عامّه فی منافع الدنیا و الآخره کالتجاره و الثواب، و هو المنقول عن مجاهد و ابن عبّاس فی روایه عطاء عنه.

الثامن: صله الرحم
و ذکر من فوائدها أمرین: أحدهما: کونها مثراه فی المال، و ذلک من وجهین: أحدهما: أنّ العنایه الإلهیّه قسّمت لکلّ حىّ قسطا من الرزق یناله مدّه الحیاه الدنیا و تقوم به صوره بدنه فإذا أعدّت شخصا من الناس للقیام بأمر جماعه و کلّفته بإمدادهم و معونتهم وجب فی العنایه إفاضته أرزاقهم على یده و ما یقوم بإمدادهم بحسب استعداده لذلک سواء کانوا ذوى أرحام أو مرحومین فی نظره حتّى لو نوى قطع أحد منهم فربّما نقص ماله بحسب رزق ذلک المقطوع، و ذلک معنى کونه مثراه للمال. الثانی: أنّ صله الرحم من الأخلاق الحمیده الّتی یستمال بها طباع الخلق فواصل رحمه مرحوم فی نظر الکلّ فیکون ذلک سببا لإمداده و معونته من ذوى الإمداد و المعونات کالملوک و نحوهم فکانت صله الرحم مظنّه لزیاده المال. و الثانی: کونه منسأه للأجل و هو من وجهین: أحدهما: أنّ صله الرحم توجب تعاطف ذوى الأرحام و توازرهم و معاضدتهم لواصلهم فیکون عن أذى الأعداد أبعد و فی ذلک مظنّه تأخیره و طول عمره. الثانی: أنّ مواصله ذوى الأرحام توجب تعلّق هممهم ببقاء واصلهم و إمداده بالدعاء و یکون دعائهم له و تعلّق هممهم ببقائه من شرائط بقائه و إنساء أجله فکانت مواصلتهم منسأه فی أجله.

التاسع: صدقه السرّ
و ذکر من فوائدها کونها تکفّر الخطیئه، و إنّما خصّها بذلک مع أنّ سائر العبادات کذلک لکونها أبعد عن الریاء و مخالطه ما لا یراد به إلّا وجه اللّه تعالى فکان الإخلاص فیها للّه أتمّ فکانت أولى بالتقریب من اللّه و بمحو الخطیئه.

العاشر: صدقه العلانیه
و ذکر من فوائدها أنّها تدفع میته السوء، و بیان‏ ذلک أنّ صدقه العلانیه تستلزم الشهره بفعل الخیرات و توجب الذکر الجمیل للمتصدّق، و لمّا کانت میتات السوء کالحرق و الغرق و الصلب و القتل و نحو ذلک من الأحوال الشنیعه الّتی تکثر نفره الناس عن الموت علیها. و کان قلیلا ما یقع شی‏ء منها بقصد من الناس لمن أحبّوه و اشتهر بالرحمه و استجلاب قلوب الفقراء بالصدقه و الإیثار. فلا جرم کانت تلک الصدقه مظنّه الدفع لمیتات السوء.

الحادى عشر: صنایع المعروف
و ذکر من فوائدها أنّها تقى مصارع الهوان، و تقریره قریب ممّا قبله. إذ کان اصطناع المعروف مستلزما لتألّف قلوب الخلق و جامعا لهم على محبّه المصطنع فقلّما یقع من ذلک نسیبهم فی مصرع هوان
ثمّ لمّا فرغ من تعداد کمالات الإیمان أمر بما یؤکّده فی القلوب و یثبّته
و هی امور: أحدها: الاندفاع فی ذکر اللّه. و هو من مؤکّدات الإیمان به، و رغّب فیه بکونه أحسن الذکر، و ذلک لما یستلزمه من الحصول على الکمالات المسعده فی الآخره و الوصول إلى اللّه کما سنبیّن فائدته و فضیلته فی موضع التوبه. الثانی: الرغبه فیما وعد المتّقین من ثواب الآخره و أنواعه. و هو أیضا من مؤکّدات طاعته و العمل له، و لمّا کان الخلف فی خبره تعالى محالا کان وعده أصدق الوعود. الثالث: الاقتداء بهدى النّبى صلّى اللّه علیه و آله و سلّم. الرابع: اتّباع سنّته. و لمّا کان أفضل الأنبیاء کانت سنّته أشرف السنن و الاقتداء به و اتّباع سنّته أهدى الطرق إلى اللّه. الخامس: تعلّم القرآن. و ظاهر کونه من مؤکّدات الإیمان باللّه و رسوله، و استعار له لفظ الربیع، و وجه المشابهه کون القرآن جامعا لأنواع العلوم الشریفه و الأسرار العجیبه اللطیفه الّتی هی متنزّه القلوب کما أنّ زمن الربیع محلّ الأزهار الرایقه الّتی هی مستمتع النظر و مطرح السرور. السادس: الاستشفاء بنوره، و ظاهر کونه شافیا للقلوب من ظلمه الجهل. السابع: حسن تلاوته. و ذلک لأنّ حسن تلاوته مظنّه تفهّم معانیه و تدبّرها، و بحسن تلاوته تظهر فایدته و تحصل منفعه قصصه، و إنّما یکون أنفع القصص إذا تلى حقّ تلاوته کما سبق بیانه. ثمّ أکّد الأوامر المذکوره بالأعمال الّتی عدّدها ممّا ینبغی أن یعمل على وفق العلم بالتنبیه على نقصان العالم الّذی لا یعمل بعلمه فسوّى أوّلا بینه و بین الجاهل العادل عن سواء سبیل اللّه، و وجه التسویه اشتراکهما فی ثمره الجهل و هو الجور عن قصد السبیل و فی عدم الانتفاع بفائده العلم و ثمرته و هی الأعمال الصالحه. ثمّ جعل حال العالم أخسّ لثلاثه أوجه: أحدها: أنّ الحجّه علیه أعظم لأنّ للجاهلین أن یقولوا: إنا کنّا عن هذا غافلین. و لیس للعالم ذلک، و روى عن الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنّه قال: العلم علمان: علم على اللسان فذلک حجّه اللّه على بن آدم، و علم فی القلب فذلک العلم النافع. أى الّذی یستلزم الطاعه بالعمل. الثانی: أنّ الحسره له ألزم. و ذلک أنّ النفوس الجاهله غیر عالمه بمقدار ما یفوتها من الکمال بالتحصیل فإذا فارقت أبدانها فهى و إن کانت محجوبه عن ثمار الجنّه و ما أعدّ اللّه فیها لأولیائه العلماء إلّا أنّها لمّا لم تجد لذّتها و لم تطعم حلاوه المعارف الإلهیّه لم تکن لها کثیر حسره علیها و لا أسف على التقصیر فی تحصیلها بخلاف العارف بها العالم بنسبتها إلى اللذّات الدنیویّه فإنّه بعد المفارقه إذا علم و انکشف له أنّ الصارف له و المانع عن الوصول إلى حضره جلال اللّه هو تقصیره فی العمل بما علم مع علمه بمقدار ما فاته من الکمالات و الدرجات کان أسفه و حسرته على ذلک أشدّ الحسرات. و جرى ذلک مجرى من علم قیمه جوهره ثمینه یساوى جمله من المال ثمّ اشتغل عن تحصیلها ببعض لعبه حتّى فاتته فإنّه یعظم حسرته علیها و ندمه على التفریط فیها بخلاف الجاهل بقیمتها. الثالث: أنّه یکون عند اللّه ألوم، و أشدّیّه اللائمه بعد المفارقه مجاز فی انقطاع لسان حاله عن العذر فی معصیته عن علم و إنّما یکون ألوم لأنّ إقدام العالم على المعصیه الّتی علم قبحها إنّما یکون عن نفس فی غایه الانقیاد للنفس الأمّاره بالسوء و الطاعه لإبلیس و جنوده طاعه تفضل على طاعه الجاهل و انقیاده لقیام الصارف فی حقّ العالم‏ و هو علمه بقبحها و ترجّح الداعى إلیها علیه و عدم الصارف فی حقّ الجاهل. و لا شکّ أنّ أشدّیه اللائمه تابعه لأشدیّه الانقیاد لإبلیس خصوصا مع العلم بما یستلزم متابعته من الهلاک. و ظاهر إذن کونه ألوم عند اللّه. و باللّه التوفیق و العصمه.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۷۴

بازدیدها: ۲۲

خطبه ۱۰۶ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

الفصل الأول
کُلُّ شَیْ‏ءٍ خَاشِعٌ لَهُ- وَ کُلُّ شَیْ‏ءٍ قَائِمٌ بِهِ- غِنَى کُلِّ فَقِیرٍ- وَ عِزُّ کُلِّ ذَلِیلٍ- وَ قُوَّهُ کُلِّ ضَعِیفٍ- وَ مَفْزَعُ کُلِّ مَلْهُوفٍ- مَنْ تَکَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ- وَ مَنْ سَکَتَ عَلِمَ سِرَّهُ- وَ مَنْ عَاشَ فَعَلَیْهِ رِزْقُهُ- وَ مَنْ مَاتَ فَإِلَیْهِ مُنْقَلَبُهُ- لَمْ تَرَکَ الْعُیُونُ فَتُخْبِرَ عَنْکَ- بَلْ کُنْتَ قَبْلَ الْوَاصِفِینَ مِنْ خَلْقِکَ- لَمْ تَخْلُقِ الْخَلْقَ لِوَحْشَهٍ- وَ لَا اسْتَعْمَلْتَهُمْ لِمَنْفَعَهٍ- وَ لَا یَسْبِقُکَ مَنْ طَلَبْتَ- وَ لَا یُفْلِتُکَ مَنْ أَخَذْتَ- وَ لَا یَنْقُصُ سُلْطَانَکَ مَنْ عَصَاکَ- وَ لَا یَزِیدُ فِی مُلْکِکَ مَنْ أَطَاعَکَ- وَ لَا یَرُدُّ أَمْرَکَ مَنْ سَخِطَ قَضَاءَکَ- وَ لَا یَسْتَغْنِی عَنْکَ مَنْ تَوَلَّى عَنْ أَمْرِکَ- کُلُّ سِرٍّ عِنْدَکَ عَلَانِیَهٌ- وَ کُلُّ غَیْبٍ عِنْدَکَ شَهَادَهٌ- أَنْتَ الْأَبَدُ فَلَا أَمَدَ لَکَ- وَ أَنْتَ الْمُنْتَهَى فَلَا مَحِیصَ عَنْکَ- وَ أَنْتَ الْمَوْعِدُ فَلَا مَنْجَى مِنْکَ إِلَّا إِلَیْکَ- بِیَدِکَ نَاصِیَهُ کُلِّ دَابَّهٍ- وَ إِلَیْکَ مَصِیرُ کُلِّ نَسَمَهٍ- سُبْحَانَکَ مَا أَعْظَمَ مَا نَرَى مِنْ خَلْقِکَ- وَ مَا أَصْغَرَ عِظَمَهُ فِی جَنْبِ قُدْرَتِکَ- وَ مَا أَهْوَلَ مَا نَرَى مِنْ مَلَکُوتِکَ- وَ مَا أَحْقَرَ ذَلِکَ فِیمَا غَابَ عَنَّا مِنْ سُلْطَانِکَ- وَ مَا أَسْبَغَ نِعَمَکَ فِی الدُّنْیَا- وَ مَا أَصْغَرَهَا فِی نِعَمِ الْآخِرَهِ أقول: هذا الفصل من أشرف الفصول المشتمله على توحید اللّه و تنزیهه و إجلاله و تعظیمه.


اللغه
و اللهف: الحزن، و الملهوف: المظلوم یستغیث. و الأبد: الدائم. و الأمد: الغایه. و حاص عن الشی‏ء: عدل و هرب. و المحیص: المهرب.


و فیه اعتبارات ثبوتیّه و سلبیّه:
أمّا الثبوتیّه فعشره:
الأوّل: خشوع کلّ شی‏ء له
و الخشوع مراد هنا بحسب الاشتراک اللفظىّ.
إذ الخشوع من الناس یعود إلى تطأ منهم و خضوعهم للّه و من الملائکه دؤو بهم فی عبادتهم ملاحظه لعظمته، و من سائر الممکنات انفعالها عن قدرته و خضوعها فی رقّ الإمکان و الحاجه إلیه، و المشترک و إن کان لا یستعمل فی جمیع مفهوماته‏ حقیقه فقد بیّنّا أنّه یجوز استعماله مجازا فیها بحسب القرینه و هى هنا إضافته إلى کلّ شی‏ء أو لأنّه فی قوّه المتعدّد کقوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَى النَّبِیِّ»«» فکأنّه قال: الملک خاشع له و البشر خاشع له، و هذا الاعتبار یستلزم وصفه تعالى باعتبارین: أحدهما: کونه عظیما، و الثانی: کونه غنیّا: أمّا العظیم فینقسم إلى ما یکبر حاله فی النفس و لکن یتصوّر أن یحیط بکماله العقول و یقف على کنه حقیقته، و إلى ما یمکن أن یحیط به بعض العقول و إن فات أکثرها، و هذان القسمان إنّما یطلق علیهما لفظ العظمه بالإضافه، و قیاس کلّ إلى ما دونه فیما هو عظیم فیه، و إلى ما لا یتصوّر أن یحیط به العقل أصلا و ذلک هو العظیم المطلق الّذی جاوز حدود العقول أن یقف على صفات کماله و نعوت جلاله، و لیس هو إلّا اللّه تعالى، و أمّا الغنىّ فسنذکره.

الثانی: قیام کلّ شی‏ء به
و اعلم أنّ جمیع الممکنات إمّا جواهر أو أعراض و لیس شی‏ء منها یقوم بذاته فی الوجود: أمّا الأعراض فظاهر لظهور حاجتها إلى المحلّ الجوهرىّ، و أمّا الجواهر فلأنّ قوامها فی الوجود إنّما یکون بقیام عللها و تنتهى إلى الفاعل الأوّل جلّت عظمته فهو إذن الفاعل المطلق الّذى به قوام کلّ موجود فی الوجود، و إذ ثبت أنّه تعالى غنىّ عن کلّ شی‏ء فی کلّ شی‏ء و ثبت أنّ به قوام کلّ شی‏ء ثبت أنّه القیّوم المطلق. إذ مفهوم القیّوم هو القائم بذاته المقیم لغیره فکان هذا الاعتبار مستلزما لهذا الوصف.

الثالث: کونه تعالى غنى کلّ فقیر
و یجب أن یحمل الفقر على ما هو أعمّ من الفقر المتعارف و هو مطلق الحاجه لیعمّ التمجید کما أنّ الغنى هو سلب مطلق الحاجه، و إذ ثبت أنّ کلّ ممکن فهو مفتقر فی طرفیه منته فی سلسله الحاجه إلیه، و أنّه تعالى المقیم له فی الوجود ثبت أنّه تعالى رافع حاجه کلّ موجود بل کلّ ممکن و هو المراد بکونه غنى له، و أطلق علیه تعالى لفظ الغنى و إن کان الغنى به مجازا إطلاقا لاسم السبب على المسبّب.

الرابع: کونه عزّ کلّ ذلیل
و قد سبق أنّ معنى العزیز هو الخطیر الّذى یقلّ وجود مثله و یشتدّ الحاجه و یصعب الوصول إلیه فما اجتمعت فیه هذه المفهومات الثلاثه سمّى عزیزا، و سبق أیضا أنّ هذه المفهومات مقوله بالزیاده و النقصان على ما تصدق علیه، و أنّه لیس الکمال فی واحد منها إلّا للّه سبحانه، و یقابله الذلیل و ثبت أنّه تعالى عزّ کلّ موجود لأنّ کلّ موجود سواه إنّما یتحقّق فیه هذه المفهومات الثلاثه منه سبحانه الناظم لسلسله الوجود و الواضع لکلّ من الموجودات فی رتبته من النظام الکلّىّ فمنه عزّ کلّ موجود، و کلّ موجود ذلیل فی رقّ الإمکان و الحاجه إلیه فی إفاضه المفهومات الثلاثه علیه فهو إذن عزّ کلّ ذلیل و إطلاق لفظ العزّ علیه کإطلاق لفظ الغنى.

الخامس: و قوّه کلّ ضعیف
القوّه تطلق على کمال القدره و على شدّه الممانعه و الدفع و یقابلها الضعف و هما مقولان بالزیاده و النقصان على من یطلقان علیه، و إذ ثبت أنّه تعالى مستند جمیع الموجودات و المفیض على کلّ قابل ما یستعدّ له و یستحقّه فهو المعطى لکلّ ضعیف عادم القوّه من نفسه کماله و قوّته فمنه قوّه کلّ ضعیف بالمعنیین المذکورین لها، و روى أنّ الحسن قال: و اعجبا لنبىّ اللّه لوط علیه السّلام إذ قال لقومه: لو أنّ لى بکم قوّه أو آوى إلى رکن شدید أ تراه أراد رکنا أشدّ من اللّه تعالى. و إطلاق لفظ القوّه علیه کإطلاق لفظ الغنى أیضا.

السادس: کونه مفزع کلّ ملهوف
أى إلیه ملجأ کلّ مضطرّ فی ضرورته حال حزن أو خوف أو ظلم کما قال تعالى «ثُمَّ إِذا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فَإِلَیْهِ تَجْئَرُونَ»«» «وَ إِذا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِیَّاهُ»«» فکلّ مفزع و ملجأ غیره فلمضطرّ لا لکلّ مضطرّ و مجاز لا حقیقه و إضافیّ لا حقیقىّ، و هذا الاعتبار یستلزم کمال القدره للّه لشهاده فطره ذى الضروره بنسبه جمیع أحوال وجوده إلى جوده و یستلزم کمال العلم لشهاده فطرته باطّلاعه على ضرورته، و کذلک کونه سمیعا و بصیرا و خالقا و مجیبا للدعوات و قیّوما و نحوها من الاعتبارات.

السابع:
کونه من تکلّم سمع نطقه.
الثامن: من سکت علم سرّه
و هما إشارتان إلى وصفى السمیع و العلیم، و لمّا کان السمیع یعود إلى العالم بالمسموعات استلزم الوصفان إحاطته بما أظهر العبد و أبداه و ما أسرّه و أخفاه فی حالتى نطقه و سکوته، و قد سبقت الإشاره إلى ذلک.

التاسع:
و من عاش فعلیه رزقه.

العاشر: و من مات فإلیه منقلبه
و هما إشارتان إلى کونه تعالى مبدء للعباد فی وجودهم و ما یقوم به عاجلا و منتهى و غایه لهم آجلا فإلیه رجوع الأحیاء منهم و الأموات، و به قیام وجودهم حالتى الحیاه و المماه.

الحادى عشر من الاعتبارات السلبیّه: لم تراک العیون فتخبر عنک
و فیه التفات من الغیبه إلى الخطاب کقوله تعالى «إِیَّاکَ نَعْبُدُ» و هذا الالتفات و عکسه یستلزم شدّه عنایه المتکلّم بالمعنى المنتقل إلیه، و حسنه معلوم فی علم البیان، و اعلم أنّ هذا الکلام لا بدّ فیه من تجوّز أو إضمار، و ذلک إن جعلنا الرائى هو العیون کما علیه اللفظ و یصدق حقیقه لزم إسناد قوله فتخبر إلیها مجازا لکون الإخبار لیس لها، و إن راعینا عدم المجاز لزم أن یکون التقدیر: لم ترک العیون فتخبر عنک أربابها، أو لم ترک أرباب العیون فتخبر عنک. فیلزم الاضمار و یلزم التعارض بینه و بین المجاز لکن قد علمت فی مقدّمات اصول الفقه: أنّهما سیّان فی المرتبه، و غرض الکلام تنزیهه تعالى عن وصف المشبّهه و نحوهم و إخبارهم عنه بالصفات الّتى من شأنها أن یخبر عنها الراءون عن مشاهده حسیّه مع اعترافهم بأنّ إخبارهم ذلک من غیر رؤیه، و لمّا کان الإخبار عن المحسوسات و ما من شأنه أن یحسّ إنّما یصدق إذا استند إلى الحسّ لا جرم استلزم سلبه لرؤیه العیون له سلب الإخبار عنه من جهتها و کذب الإخبار عنه بما لا یعلم إلّا من جهتها، و یخبر و إن کان فی صوره الإثبات إلّا أنّه منفىّ لنفى لازمه و هى رؤیه العیون له. إذ کان الإخبار من جهتها یستلزم رؤیتها، و نصبه بإضمار أن عقیب الفاء فی جواب النفى، و الکلام فی تقدیر شرطیّه متّصله صورتها لو صحّ إخبار العیون عنک لکانت قد رأتک لکنّها لم تراک فلم تصحّ أن تخبر عنک، فأمّا قوله: بل‏ کنت قبل الواصفین من خلقک. فتعلیل لسلب الرؤیه المستلزم لسلب الإخبار عنها بقیاس ضمیر تقدیر کبراه: و کلّ من کان قبل واصفیه لم یروه فلم یخبروا عنه، و هذه الکبرى من المظنونات المشهورات فی بادى النظر، و هى کما علمت من موادّ قیاس الخطیب و إن کانت إذا تعقّبت لم یوجد کلّیّه. إذ لیس کلّما وجد قبلنا بطل إخبارنا عنه، و یمکن حمل هذا القول على وجه التحقیق و هو أن نقول: المراد بقبلیّته تعالى للواصفین قبلیّه وجوده بالعلیّه الذاتیّه و هو بهذا الاعتبار مستلزمه لتنزیهه تعالى عن الجسمیّه و لواحقها المستلزم لامتناع الرؤیه المستلزم لکذب الإخبار عنه من وجه المشابهه الحسیّه.

الثانی عشر: کونه لم تخلق الخلق لوحشه
و هو إشاره إلى تنزیهه عن الطبع المستوحش و المستأنس، و قد سبق بیان ذلک فی الخطبه الاولى.

الثالث عشر: و لا استعملتهم لمنفعه
أى لم یکن خلقه لهم لمنفعه تعود إلیه، و قد سبق بیان أنّ جلب المنفعه و دفع المضرّه من لواحق المزاج- المنزّه قدس اللّه تعالى عنه- .

الرابع عشر: و لا یسبقک من طلبت
أى لا یفوتک هربا.

الخامس عشر: و لا یفلتک من أخذت
أى لا یفلت منک بعد أخذه فحذف حرف الجرّ، و عدّى الفعل بنفسه کما قال تعالى «وَ اخْتارَ مُوسى‏ قَوْمَهُ» و هذان الاعتباران یستلزمان کمال ملکه و تمام قدرته و إحاطه علمه. إذ أىّ ملک فرض فقد ینجو من یده الهارب و یفلت من أسره المأخوذ بالحیله و نحوها.

السادس عشر:
و لا ینقص سلطانک من عصاک.

السابع عشر: و لا یزید فی ملکک من أطاعک
و هما تنزیه له تعالى من أحوال ملوک الدنیا. إذ کان کمال سلطان أحدهم بزیاده جنوده و کثره مطیعه و قلّه المخالف و العاصى له، و نقصان ملکه بعکس ذلک و هو سبب لتسلّط أعدائه علیه و طمعهم فیه. فأمّا سلطانه تعالى فلما کان لذاته و کمال قدرته مستولیا و هو مالک الملک یؤتى الملک من یشاء و ینزع الملک ممّن یشاء و یذلّ من یشاء بیده الخیر و هوعلى کلّ شی‏ء قدیر. لم یتصوّر خروج العاصى بعصیانه عن سلطانه حتّى یؤثّر فی نقصانه، و لم یکن لطاعه الطائع تأثیر فی زیاده ملکه.

الثامن عشر: و لا یردّ أمرک من سخط قضائک
یرید بالأمر هنا القدر النازل على وفق القضاء الإلهىّ و هو تفصیل القضاء کما بیّناه، و هذا الاعتبار أیضا یستلزم تمام قدره اللّه و کمال سلطانه. إذ کان ما علم وجوده فلا بدّ من وجوده سواء کان محبوبا للعبد أو مکروها له کما قال تعالى «وَ یَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ»«» «إِنَّ عَذابَ رَبِّکَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ»«» «وَ إِنْ یَمْسَسْکَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا کاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَ إِنْ یَمْسَسْکَ بِخَیْرٍ فَهُوَ عَلى‏ کُلِّ شَیْ‏ءٍ قَدِیرٌ»«» و إنّما خصّص المستخطّ للقضاء بالعجز عن ردّ الأمر. إذ کان من شأنه أن لو قدر لردّ القدر.

التاسع عشر: و لا یستغنى عنک من تولّى عن أمرک
أراد بالأمر هاهنا ظاهره، و هو أمر عباده بطاعته و عبادته، و ظاهر أنّ من تولّى عن أمر اللّه فهو إلیه أشدّ فقرا و أنقص ذاتا ممّن تولّى أمره، و هذا الاعتبار یستلزم کمال سلطانه و غناه المطلق.

العشرون:
کلّ سرّ عندک علانیه.

الحادى و العشرون: و کلّ غیب عندک شهاده
هذان الاعتباران یستلزمان کمال علمه و إحاطته بجمیع المعلومات، و لمّا کانت نسبه علمه تعالى إلى المعلومات على سواء لا جرم استوى بالنسبه إلیه السرّ و العلانیه، و أیضا فإنّ السرّ و الغیب إنّما یطلقان بالقیاس إلى مخفىّ عنه و غائب عنه و هى القلوب المحجوبه بحجب الطبیعه و أستار الهیئات البدنیّه و الأرواح المستولى علیها نقصان الإمکان الحاکم علیها بجهل أحوال ما هو أکمل منها، و کلّ ذلک ممّا تنزّه قدس الصانع عنه.

الثانی و العشرون: أنت الأبد فلا أمد لک
أى أنت الدائم فلا غایه لک یقف عندها وجودک، و ذلک لاستلزام وجوب وجوده امتناع عدمه و انتهائه بالغایه، و قال بعض الشارحین: أراد أنت ذو الأبد کما قیل: أنت خیال. أى ذو خیال من الخیلاء و هو الکبر. و أقول فی تقریر ذلک: إنّه لمّا کان الأزل و الأبد لازمین لوجوداللّه تعالى أطلق الأبد على وجوده مجازا للمبالغه فی الدوام و کان أحدهما هو بعینه الآخر کقولهم: أنت الطلاق. للمبالغه فی البینونه.

الثالث و العشرون:
و أنت المنتهى فلا محیص عنک.

الرابع و العشرون: و أنت الموعد فلا منجا منک إلّا إلیک:
أمّا أنّه تعالى المنتهى و الموعد فلقوله تعالى «وَ أَنَّ إِلى‏ رَبِّکَ الْمُنْتَهى‏»«» و قوله «إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعاً» و المنتهى فی کلامه علیه السّلام الغایه، و قد سبق بیان أنّه تعالى غایه الکلّ و مرجعه و أمّا أنّه لا معدل عنه و لا ملجأ منه إلّا إلیه فإشاره إلى ضروره لقائه کقوله تعالى «وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَیْهِ».

الخامس و العشرون: بیدک ناصیه کلّ دابّه 

أى فی ملکک و تحت تصریف قدرتک کقوله تعالى «ما مِنْ دَابَّهٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِیَتِها»«» و إنّما خصّت الناصیه لحکم الوهم بأنّه تعالى فی جهه فوق فیکون أخذه بالناصیه، و لأنّها أشرف ما فی الدابّه فسلطانه تعالى على الأشرف یستلزم القهر و الغلبه و تمام القدره.

السادس و العشرون: و إلیک مصیر کلّ نسمه
و قد سبق أنّه تعالى منتهى الکلّ، و إلیه مصیره.
و قوله: سبحانک ما أعظم ما نرى من خلقک. إلى آخره.
 تنزیه و تقدیس للّه تعالى عن أحکام الأوهام على صفاته بشبهیّه مدرکاتها و تعجّب فی معرض التمجید من عظم ما یشاهد من مخلوقاته کأطباق الأفلاک و العناصر و ما یترکّب عنها، ثمّ من حقاره هذه العظمه بالقیاس إلى ما تعبّره العقول من مقدوراته و ما یمکن فی کمال قدرته من الممکنات الغیر المتناهیه، و ظاهر أنّ نسبه الموجود إلى الممکن فی العظم و الکثره یستلزم حقارته و صغره، ثمّ من هول ما وصلت إلیه العقول من عظمه ملکوته، ثمّ من حقارته بالقیاس إلى ما غاب عنها و حجبت عن إدراکه بأستار القدره و حجب العزّه من الملأ الأعلى و سکّان حظائر القدس و حال العالم العلوی، ثمّ من سبوغ نعمه اللّه تعالى على عباده فی الدنیا و حقاره تلک النعم بالقیاس إلى النعمه الّتى أعدّها لهم فی الآخره، و ظاهر أنّ نعم الدنیا إذا اعتبرت إلى نعم الآخره فی الدوام و الکثره و الشرف کانت بالقیاس إلیها فی غایه الحقاره. و باللّه التوفیق.


منها:
مِنْ مَلَائِکَهٍ أَسْکَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِکَ- وَ رَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِکَ- هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِکَ بِکَ- وَ أَخْوَفُهُمْ لَکَ وَ أَقْرَبُهُمْ مِنْکَ- لَمْ یَسْکُنُوا الْأَصْلَابَ- وَ لَمْ یُضَمَّنُوا الْأَرْحَامَ- وَ لَمْ یُخْلَقُوا مِنْ مَاءٍ مَهِینٍ- وَ لَمْ یَتَشَعَّبْهُمْ رَیْبُ الْمَنُونِ- وَ إِنَّهُمْ عَلَى مَکَانِهِمْ مِنْکَ- وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَکَ وَ اسْتِجْمَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِیکَ- وَ کَثْرَهِ طَاعَتِهِمْ لَکَ وَ قِلَّهِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِکَ- لَوْ عَایَنُوا کُنْهَ مَا خَفِیَ عَلَیْهِمْ مِنْکَ- لَحَقَّرُوا أَعْمَالَهُمْ وَ لَزَرَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ- وَ لَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ یَعْبُدُوکَ حَقَّ عِبَادَتِکَ- وَ لَمْ یُطِیعُوکَ حَقَّ طَاعَتِکَ


اللغه
أقول: المهین: الحقیر. و التشعّب: الاقتسام و التفریق. و المنون: الدهر. و ریبه: ما یکره من حوادثه. و المکانه: المنزله. و کنه الشی‏ء: نهایه حقیقته. و زریت علیه: عبث فعله.


المعنى
و اعلم أنّ من فی صدر هذا الفصل لبیان الجنس، و ذلک أنّه علیه السّلام لمّا شرع فی بیان عظمه اللّه تعالى و جلاله جعل مادّه ذلک التعظیم تعدید مخلوقاته و ذکر الأشرف فالأشرف منها
فذکر الملائکه السماویه، و أشار إلى أفضلیّتهم بأوصاف:

الأوّل: کونهم أعلم خلق اللّه به
و هو ظاهر. إذ ثبت أنّ کلّ مجرّد کان علمه أبعد عن منازعه النفس الأمّاره بالسوء الّتی هی مبدء الغفله و السهو و النسیان کان أکمل فی معارفه و علومه ممّن عداه، و لأنّ الملائکه السماویّه وسائط لغیرهم‏ فی وصول العلم و سائر الکمالات إلى الخلق فکانوا کالاستادین لمن عداهم، و ظاهر أنّ الاستاد أعلى درجه من التلمیذ، و قد عرفت فی الخطبه الاولى أنّ المعارف مقوله بحسب التشکیک.

الثانی: کونهم أخوف له
و ذلک لکونهم أعلم بعظمه اللّه و جلاله و کلّ من کان أعلم بذلک کان أخوف و أشدّ خشیه: أمّا الاولى: فلما مرّ، و أمّا الثانیه: فلقوله تعالى «إِنَّما یَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ»«» فحصر الخشیه فی العلماء.
و بحسب تفاوت العلم بالشدّه و الضعف یکون تفاوت الخشیه بهما.

الثالث: کونهم أقرب منه
و المراد لا القرب المکانىّ لتنزّهه تعالى عن المکان بل قرب المنزله و الرتبه منه. و ظاهر أنّ من کان أعلم به و أخوف منه کان أقرب منزله عنده لقوله تعالى «إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاکُمْ»«».

الرابع من سلب النقصانات البشریّه عنهم
کونهم لم یسکنوا الأصلاب، و لم یضمّنوا الأرحام، و لم یخلقوا من ماء مهین، و لم یختلف علیهم حوادث الدهر. و ظاهر کون هذه الامور الأربعه نقصانات تلزم الحیوان العنصرىّ لاستلزامها التغیّر و مخالطه المحالّ المستقذره و معاناه الأسقام و الأمراض و سائر الهیئات البدنیّه المانعه عن التوجّه إلى اللّه فکان سلبها عمّن لا یجوز علیه من کمالاته.

و قوله: و إنّهم على مکانتهم [مکانهم خ‏] منک. إلى آخره.
 لمّا بیّن عظمه الملائکه بالنسبه إلى من عداهم شرع فی المقصود و هو بیان عظمه اللّه تعالى بالنسبه إلیهم، و حقارتهم على عظمتهم بالقیاس إلى عظمته و کبریائه: أى أنّهم مع کونهم على هذه الأحوال الّتی توجب لهم العظمه و الإجلال من قرب منزلتهم منک و کمال محبّتهم لک و غرقهم فی أنوار کبریائک عن الالتفات إلى غیرک لو عرفوا کنه معرفتک لصغرت فی أعینهم أعمالهم، و علموا أن لا نسبه لعبادتهم إلى عظمتک و جلال وجهک، و لمّا کان کمال العباده و مطابقتها للأمر المطاع بحسب العلم بعظمته، و کان ذات الحقّ سبحانه أعظم من أن یطّلع علیه بالکنه ملک مقرّب‏ أو نبیّ مرسل لا جرم کانت عباده الملائکه بحسب معارفهم القاصره عن کنه حقیقته.
فکلّ من کانت معرفته أتمّ کانت عباده من دونه مستحقره فی جانب عبادته حتّى لو زادت معارفهم به و أمکن اطّلاعهم على کنه حقیقته لزادت عبادتهم و کانت أکمل فاستحقروا ما کانوا فیه و عابوا أنفسهم بقصور الطاعه و العباده عمّا یستحقّه کماله المطلق، و عبّر بقلّه الغفله عن عدمها فی حقّهم مجازا إطلاقا لاسم اللازم على ملزومه.
إذ کان کلّ معدوم قلیل و لا ینعکس، و جعل قلّه الغفله فی مقابله کثره الطاعه، و یحتمل أن یرید بقلّه الغفله قوّه معرفه بعضهم بالنسبه إلى بعض مجازا أیضا إطلاقا لاسم الملزوم على لازمه. إذ کانت قلّه الغفله مستلزمه لقوّه المعرفه و زیادتها، و قد سبق ذکر أنواع الملائکه السماویّه و غیرهم، و ذکر نکت من أحوالهم فی الخطبه الاولى.


الفصل الثانی
قوله: سُبْحَانَکَ خَالِقاً وَ مَعْبُوداً- بِحُسْنِ بَلَائِکَ عِنْدَ خَلْقِکَ خَلَقْتَ دَاراً- وَ جَعَلْتَ فِیهَا مَأْدُبَهً- مَشْرَباً وَ مَطْعَماً وَ أَزْوَاجاً- وَ خَدَماً وَ قُصُوراً- وَ أَنْهَاراً وَ زُرُوعاً وَ ثِمَاراً- ثُمَّ أَرْسَلْتَ دَاعِیاً یَدْعُو إِلَیْهَا- فَلَا الدَّاعِیَ أَجَابُوا- وَ لَا فِیمَا رَغَّبْتَ رَغِبُوا- وَ لَا إِلَى مَا شَوَّقْتَ إِلَیْهِ اشْتَاقُوا- أَقْبَلُوا عَلَى جِیفَهٍ قَدِ افْتَضَحُوا بِأَکْلِهَا- وَ اصْطَلَحُوا عَلَى حُبِّهَا- وَ مَنْ عَشِقَ شَیْئاً أَعْشَى بَصَرَهُ- وَ أَمْرَضَ قَلْبَهُ- فَهُوَ یَنْظُرُ بِعَیْنٍ غَیْرِ صَحِیحَهٍ- وَ یَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَیْرِ سَمِیعَهٍ- قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ- وَ أَمَاتَتِ الدُّنْیَا قَلْبَهُ- وَ وَلِهَتْ عَلَیْهَا نَفْسُهُ- فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا- وَ لِمَنْ فِی یَدَیْهِ شَیْ‏ءٌ مِنْهَا- حَیْثُمَا زَالَتْ زَالَ إِلَیْهَا- وَ حَیْثُمَا أَقْبَلَتْ‏ أَقْبَلَ عَلَیْهَا- لَا یَنْزَجِرُ مِنَ اللَّهِ بِزَاجِرٍ- وَ لَا یَتَّعِظُ مِنْهُ بِوَاعِظٍ- وَ هُوَ یَرَى الْمَأْخُوذِینَ عَلَى الْغِرَّهِ- حَیْثُ لَا إِقَالَهَ وَ لَا رَجْعَهَ- کَیْفَ نَزَلَ بِهِمْ مَا کَانُوا یَجْهَلُونَ- وَ جَاءَهُمْ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْیَا مَا کَانُوا یَأْمَنُونَ- وَ قَدِمُوا مِنَ الْآخِرَهِ عَلَى مَا کَانُوا یُوعَدُونَ- فَغَیْرُ مَوْصُوفٍ مَا نَزَلَ بِهِمْ- اجْتَمَعَتْ عَلَیْهِمْ سَکْرَهُ الْمَوْتِ- وَ حَسْرَهُ الْفَوْتِ فَفَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْ- وَ تَغَیَّرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ- ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ فِیهِمْ وُلُوجاً- فَحِیلَ بَیْنَ أَحَدِهِمْ وَ بَیْنَ مَنْطِقِهِ- وَ إِنَّهُ لَبَیْنَ أَهْلِهِ یَنْظُرُ بِبَصَرِهِ- وَ یَسْمَعُ بِأُذُنِهِ عَلَى صِحَّهٍ مِنْ عَقْلِهِ- وَ بَقَاءٍ مِنْ لُبِّهِ- یُفَکِّرُ فِیمَ أَفْنَى عُمُرَهُ- وَ فِیمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ- وَ یَتَذَکَّرُ أَمْوَالًا جَمَعَهَا أَغْمَضَ فِی مَطَالِبِهَا- وَ أَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا وَ مُشْتَبِهَاتِهَا- قَدْ لَزِمَتْهُ تَبِعَاتُ جَمْعِهَا- وَ أَشْرَفَ عَلَى فِرَاقِهَا- تَبْقَى لِمَنْ وَرَاءَهُ یَنْعَمُونَ فِیهَا- وَ یَتَمَتَّعُونَ بِهَا- فَیَکُونُ الْمَهْنَأُ لِغَیْرِهِ وَ الْعِبْ‏ءُ عَلَى ظَهْرِهِ- وَ الْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُهُ بِهَا- فَهُوَ یَعَضُّ یَدَهُ نَدَامَهً- عَلَى مَا أَصْحَرَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ- وَ یَزْهَدُ فِیمَا کَانَ یَرْغَبُ فِیهِ أَیَّامَ عُمُرِهِ- وَ یَتَمَنَّى أَنَّ الَّذِی کَانَ یَغْبِطُهُ بِهَا- وَ یَحْسُدُهُ عَلَیْهَا قَدْ حَازَهَا دُونَهُ- فَلَمْ یَزَلِ الْمَوْتُ یُبَالِغُ فِی جَسَدِهِ- حَتَّى خَالَطَ لِسَانُهُ سَمْعَهُ- فَصَارَ بَیْنَ أَهْلِهِ لَا یَنْطِقُ بِلِسَانِهِ- وَ لَا یَسْمَعُ بِسَمْعِهِ- یُرَدِّدُ  طَرْفَهُ بِالنَّظَرِ فِی وُجُوهِهِمْ- یَرَى حَرَکَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ- وَ لَا یَسْمَعُ‏ رَجْعَ کَلَامِهِمْ- ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ الْتِیَاطاً فَقُبِضَ بَصَرُهُ کَمَا قُبِضَ سَمْعُهُ وَ خَرَجَتِ الرُّوحُ مِنْ جَسَدِهِ- فَصَارَ جِیفَهً بَیْنَ أَهْلِهِ- قَدْ أَوْحَشُوا مِنْ جَانِبِهِ- وَ تَبَاعَدُوا مِنْ قُرْبِهِ- لَا یُسْعِدُ بَاکِیاً وَ لَا یُجِیبُ دَاعِیاً- ثُمَّ حَمَلُوهُ إِلَى مَخَطٍّ فِی الْأَرْضِ- فَأَسْلَمُوهُ فِیهِ إِلَى عَمَلِهِ- وَ انْقَطَعُوا عَنْ زَوْرَتِهِ


اللغه
أقول: المأدبه بضمّ الدال و فتحها: الطعام یصنع و یدعى إلیه. و الوله: التحیّر لشدّه الوجد و المحبّه. و أغمض: أى اذداد من مطالبها و تساهل فی وجوه اکتسابها و لم یحفظ دینه. و التبعه: ما یلحق من إثم و عقاب. و المهنأ: المصدر من هنؤ بالضمّ و هنى‏ء بالکسر. و العب‏ء: الحمل. و أصحر: انکشف. و رجع الکلام: جوابه و تردیده. و الالتیاط: الالتصاق. و المخطّ: موضع الخطّ کنایه عن القبر یخطّ أوّلا ثمّ یحفر، و یروى بالحاء. و محطّ القوم: منزلهم.


و فی هذا الفصل نکت:
الاولى: أنّ خالقا و معبودا حالان انتصبا عمّا فی سبحانک من معنى الفعل:
أى اسبّحک خالقا و معبودا، و أشار بذلک إلى وجوب تنزیهه فی هذین الاعتبارین أعنى اعتبار کونه خالقا للخلق و معبودا لهم عن الشرکاء و الأنداد فإنه لمّا تفرّد بالإبداع و الخلق، و استحقّ بذلک التفرّد تفرّده بعباده الکلّ له وجب تنزیهه عن مساو له فی الاعتبارین.

الثانیه: قوله: بحسن بلائک عند خلقک خلقت دارا الجارّ و المجرور متعلّق بخلقت، و لفظ الدار مستعار للإسلام، و لفظ المأدبه للجنّه، و الداعى هو الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلم. و قد جمعها الخبر فی بعض أمثاله صلّى اللّه علیه و آله و سلم إنّ اللّه جعل الإسلام دارا و الجنّه مأدبه و الداعى إلیها محمّدا. و وجه الاستعاره الاولى أنّ الإسلام یجمع أهله و یحمیهم کالدار، و وجه الثانیه: أنّ الجنّه مجتمع الشهوات و منتجع اللذّات‏ کالمأدبه، و یحتمل أن یرید بالدار الآخره باعتبار کونها مجمعا و مستقرّا و المأدبه فیها الجنّه، و المنصوبات الثمانیه ممیّزات لتلک المأدبه، و ظاهر أنّ وجود الإسلام و الجنّه و الدعوه إلیها بلاء حسن من اللّه لخلقه، و قد عرفت معنى ابتلائه تعالى، و قال بعض الشارحین: إنّ قوله: بحسن بلائک متعلّق بسبحانک أو بمعبود و هو بعید.

الثالثه: قوله: فلا الداعى أجابوا. إلى قوله: بواعظ
شرح لحال العصاه الّذین لم یجیبوا داعى اللّه، و بیان لعیوبهم و غرقهم فی حبّ الباطل من الدنیا و فائدته: أمّا للمنتهین اللازمین لأوامر اللّه المجیبین لدعوته فتنفیرهم عن الرکون إلى هؤلاء و الوقوع فیما وقعوا فیه، و أمّا لهؤلاء فتنبیههم من مراقد غفلاتهم بتذکیرهم عیوبهم لعلّهم یرجعون، و استعار لفظ الجیفه للدنیا، و وجه المشابهه أنّ لذّات الدنیا و قیناتها فی نظر العقلاء و اعتبار الصالحین منفور عنها و مهروب منها و مستقذره کالجیفه و إلى ذلک أشار الواصف لها:
و ما هی إلّا جیفه مستحیله علیها کلاب همهنّ اجتذابها
فإن تجتنبها کنت سلما لأهلها
و إن تجتذبها نازعتک کلابها

و یمکن أخذ معنى البیت الثانی فی وجه الاستعاره المذکوره، و کذلک استعار لفظ الافتضاح للاشتهار باقتنائها و جمعها و الخروج بها عن شعائر الصالحین، و وجه الاستعاره أنّه لمّا کان الإقبال على جمع الدنیا و الاشتغال بها عن اللّه من أعظم الکبائر و المساوى فی نظر الشارع و السالکین لطریق اللّه، و کان الافتضاح عباره عن انکشاف المساوى المتعارف قبحها لا جرم أشبه الاشتهار بجمعها و انکشاف الحرص علیها الافتضاح، و یمکن أن یصدق الافتضاح هاهنا حقیقه، و کنّى بأکلها عن جمعها، و تجوّز بلفظ الاصطلاح فی التوافق على محبّتها إطلاقا لاسم الملزوم على لازمه فإنّ الاصطلاح عباره عن التراضى بعد التغاضب و یلزمه الاتّفاق على الأحوال، و قوله: من عشق شیئا أعمى بصره و أمرض قلبه. کبرى قیاس دلّ على صغراه قوله: و اصطلحوا على حبّها. لأنّ الاصطلاح على محبّه الشی‏ء یستلزم شدّه محبّته و هومعنى العشق و نتیجته أنّ المذکورین فی معرض الذمّ قد أعشت الدنیا أبصارهم و أمرضت قلوبهم، و استعار لفظ البصر لنور البصیره ملاحظه لشبه المعقول بالمحسوس، و لفظ العشاء لظلمه الجهل ملاحظه للشبه بالظلمه العارضه للعین باللیل، و إسناد الإعشاء إلى الدنیا یحتمل أن یکون حقیقه لما یستلزمه حبّها من الجهل و الغفله عن أحوال الآخره، و یحتمل أن یرید بالبصر حقیقته، و یکون لفظ العشاء مستعارا لعدم استفادتهم بأبصارهم عبره تصرفهم عن حبّ الدنیا إلى ملاحظه أحوال الآخره، و یؤیّده قوله: فهو ینظر بعین غیر صحیحه، و کنّى بعدم صحّتها عمّا یلزم العین غیر الصحیحه من عدم الانتفاع بها فی تحصیل الفائده، و کذلک استعار لفظ المرض للداء الأکبر و هو الجهل استعاره لفظ المحسوس للمعقول، و قوله: فهو یسمع باذن غیر سمیعه، و کنّى بذلک عن عدم إفادتها عبره من المواعظ و الزواجر الإلهیّه کما سبق، و کذلک استعار لفظ التخریق لتفرّق عقله فی مهمّات الدنیا و مطالبها.
و وجه الاستعاره أنّ العقل إذا استعمل فیما خلق لأجله من اتّخاذ الزاد لیوم المعاد و اقتباس العلم و الحکمه من تصفّح جزئیّات الدنیا و الاستدلال منها على وجود الصانع و ما ینبغی له و نحو ذلک ممّا هو کماله المستعدّ فی الآخره فإنّه یکون منتظما منتفعا به، و أمّا إن استعمل فیما لا ینبغی من جمیع متفرّقات الدنیا و توزیع الهمّه فی تحصیل جزئیّاتها و ضبطها حتّى یکون أبدا فی الحزن و الأسف على فوات ما فات، و فی الخوف من زوال ما یحصل، و فی الهمّه و الحرص على جمع ما لم یحصل بعد فإنّه یکون کالثوب المخرّق الّذی لا ینتفع به صاحبه. و نحوه قول الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلم: من جعل الدنیا أکبر همّه فرّق اللّه علیه همّه، و جعل فقره بین عینیه.
الحدیث، و نسبه ذلک التخریق إلى الشهوات ظاهره. إذ کان زمام عقله بید شهوته فهى تفرّقه و تمزّقه على حسب تصرّفاتها و میولها إلى أنواع المشتهیات، و کذلک استعار لفظ الإماته لقلبه، و وجه المشابهه خروجه عن الانتفاع به الانتفاع الحقیقىّ الباقى کالمیّت، و الضمیر فی قوله: علیها یعود إلى الدنیا: أى و ولّهت الدنیا على نفسها، و کنّى بالتولّه عن شدّه المحبّه لها و أطلقه مجازا تسمیه للشی‏ء بما هو من غایاته، و کذلک‏ استعار لفظ العبد له لکونه محبّها و المتجرّد لتحصیلها متصرّفا بحسب تصریفها و دائرا فی حرکاته حیث دارت فإن کانت فی یده أقبل علیها بالعماره و الحفظ، و إن زالت عنه أنصب إلى تحصیلها و خدمه من کانت فی یده لغرضها فهو فی ذلک کالعبد لها بل أخسّ حالا کما قال علیه السّلام فی موضع آخر: عبد الشهوه أذلّ من عبد الرقّ. إذا الباعث لعبد الرقّ على الخدمه و الانقیاد قد یکون قسریّا، و الباعث لعبد الشهوه طبیعىّ، و شتّان ما بینهما.

الرابعه: قوله: و هو یرى المأخوذین على الغرّه
فالواو فی قوله: و هو للحال، و هو شروع فی وصف نزول الموت بالغافلین عن الاستعداد له و لما ورائه من أحوال الآخره و کیفیّه قبض الموت لأرواحهم من مبدء نزوله بهم. إلى آخره، و کیفیّه أحوالهم مع أهلیهم و إخوانهم معه، و هو وصف لا مزید على وضوحه و بلاغته و فائدته تذکیر العصاه بأهوال الموت و تنبیههم من غفلتهم فی الباطل بذلک على وجوب العمل له، و تثبیت للسالکین إلى اللّه على ما هم علیه، و مراده بقوله: ما کانوا یجهلون. لا الموت فإنّه معلوم لکلّ أحد، بل تفصیل سکراته و أهواله. و ما کانوا یأمنون. إشاره إلى الموت و ما بعده فإنّ الغافل حال انهماکه فی لذّات الدنیا لا یعرض له خوف الموت بل یکون فی تلک الحال آمنا منه، و قوله: فغیر موصوف ما نزل بهم: أى لیس ذلک ممّا یمکن استقصائه بوصف بل غایته التمثیل کما ورد فی التوراه: أنّ مثل. الموت کمثل شجره شوک أدرجت فی بدن بن آدم فتعلّقت کلّ شوکه بعرق و عصب ثمّ جذبها رجل شدید الجذب فقطع ما قطع و ابقى ما ابقى، و استعار لفظ الولوج لما یتصوّر من فراق الحیاه لعضوعضو فأشبه ذلک دخول جسم فی جسم آخر، و کذلک استعار لفظ العب‏ء للآثام الّتی تحملها النفس، و رشّح بذکر الظهر استعاره لفظ المحسوس للمعقول.

الخامسه: قوله: و المرء قد غلقت رهونه بها.
ضربه مثلا لحصول المرء فی تبعات ما جمع و ارتباطه بها عن الوصول إلى کماله و انبعاثه إلى سعادته بعد الموت، و قد کان یمکنه فکاکها بالتوبه و الأعمال الصالحه فأشبه ما جمع من الهیئات الردیئه فی نفسه عن اکتساب الأموال فارتهنت بها بما على الرهن من المال، و قال بعض الشارحین: أراد أنّه لمّا أشفى على الفراق صارت الأموال الّتی جمعها مستحقّه لغیره و لم یبق له فیها تصرّف فاشبهت الرهن الّذی غلّق على صاحبه فخرج عن کونه مستحقّا لصاحبه و صار مستحقّا للمرتهن. و هذا و إن کان محتملا إلّا أنّه یضیّع فائده قوله: بها. لأنّ الضمیر یعود إلى الأموال المجموعه و هو إشاره إلى المال الّذی تعلّق الرهن به فلا تکون هی نفس الرهن، و قوله: و هو یعضّ یده. کنایه عمّا یلزم ذلک من الأسف و الحزن و الندم على تفریطه فی جنب اللّه حیث انکشف له حال الموت انقطاع سببه من اللّه، و فوت ما کان یتوهّم بقائه علیه ممّا اشتغل به عن ربّه، و حیث یتحسّر على ذلک التفریط کما قال تعالى «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ یا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِی جَنْبِ اللَّهِ وَ إِنْ کُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِینَ»«» و یتمنّى هدایه اللّه فیقول: لو أنّ اللّه هدانى لکنت من المتّقین، أو الرجعه إلى الدنیا لامتثال ما فرّطت فیه من الأوامر الإلهیّه فیقول حین یرى العذاب: لو أنّ لى کرّه فأکون من المحسنین، و کما قال تعالى «وَ یَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى‏ یَدَیْهِ یَقُولُ یا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلًا»«» و قد نبّه علیه السّلام فی هذا الکلام على أنّ آله النطق تبطل من الإنسان حال الموت قبل آلتى السمع و البصر بقوله: فحیل بین أحدهم و بین منطقه، و إنّه لبین أهله ینظر ببصره و یسمع باذنه على صحّه من عقله. ثمّ نبّه على بطلان آله السمع بعدها قبل آله البصر و أنّ آله البصر تبطل مع المفارقه بقوله: حتّى خالط سمعه.
إلى قوله: یرى حرکات ألسنتهم و لا یسمع رجع کلامهم. و ذلک لعلمه علیه السّلام بأسرار الطبیعه، و لیس کلامه مطلقا بل فی بعض الناس و أغلب ما یکون ذلک فیمن تعرّض الموت الطبیعىّ لآلاته، و إلّا فقد تعرّض الآفه لقوّه البصر و آلته قبل آله السمع و آله النطق، و الّذی یلوح من أسباب ذلک أنّه لمّا کان السبب العامّ القریب للموت هو انطفاء الحراره الغریزیّه عن فناء الرطوبه الأصلیّه الّتی منها خلقنا، و کان فناء تلک الرطوبه عن عمل الحراره الغریزیّه فیها التجفیف و التحلیل و قد تعینها على‏ ذلک الأسباب الخارجیّه من الأهویه و استعمال الأدویه المجفّفه و سائر المخفّفات کان کلّ عضو أیبس من طبیعته و أبرد أسرع إلى البطلان و أسبق إلى الفساد.
إذا عرفت ذلک فنقول: أمّا أنّ آله النطق أسرع فسادا من آله السمع فلأنّ آله النطق مبنیّه على الأعصاب المحرّکه و مرکّبه منها، و آله السمع من الأعصاب المفیده للحسّ، و اتّفق الأطبّاء على أنّ الأعصاب المحرّکه أیبس و أبرد لکونها منبعثه من مؤخّر الدماغ دون الأعصاب المفیده للحسّ فإنّ جلّها منبعث من مقدّم الدماغ فکانت لذلک أقرب إلى البطلان، و لأنّ النطق أکثر شرائط من السماع لتوقّفه مع الآله و سلامتها على الصوت و سلامه مخارجه و مجارى النفس، و الأکثر شرطا أسرع إلى الفساد، و أمّا بطلان آله السمع قبل البصر فلأنّ منبت الأعصاب الّتی هى محلّ القوّه السامعه أقرب إلى مؤخّر الدماغ من منابت محلّ القوّه الباصره الصماخ الّذی رتّبت فیه قوّه السمع احتاج أن یکون مکشوفا غیر مسدود عنه سبیل الهواء بخلاف العصب الّذی هو آله البصر فکانت لذلک أصلب، و الأصلب أیبس و أسرع فسادا. هذا مع أنّه قد یکون ذلک لتحلّل الروح الحامل للسمع قبل الروح الحامل للبصر أو لغیر ذلک. و اللّه أعلم، و أمّا سبب النفره الطبیعیّه من المیّت و التوحّش من قربه فحکم الوهم على المتخیّله بمحاکاه حاله فی نفس المتوهّم، و عزل العقل فی ذلک الوضع حتّى أنّ المجاور لمیّت فی موضع منفرد یتخیّل أنّ المیّت یجذبه إلیه و یصیّره بحاله مثل حالته المنفوره عنها طبعا.

السادسه: قوله: و أسلموه فیه إلى عمله
إشاره إلى أنّ کلّ ثواب و عقاب اخروىّ یفاض على النفس فبحسب استعدادها بأعمالها السابقه الحسنه و السیّئه فعمل الإنسان هو النافع أو الضارّ له حین لا ناصر له، و لمّا کان میله علیه السّلام فی هذا الکلام إلى الإنذار و التخویف لا جرم ذکر إسلامهم له إلى عمله لأنّ الإسلام إنّما یکون إلى العدوّ فلمّا حاول أن ینفّر عن قبح الأعمال نبّه على أنّ عمل الإنسان القبیح یکون کعدوّه القوىّ علیه یسلم إلیه.

الفصل الثالث:
قوله: حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْکِتَابُ أَجَلَهُ- وَ الْأَمْرُ مَقَادِیرَهُ- وَ أُلْحِقَ آخِرُ الْخَلْقِ بِأَوَّلِهِ- وَ جَاءَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا یُرِیدُهُ- مِنْ تَجْدِیدِ خَلْقِهِ- أَمَادَ السَّمَاءَ وَ فَطَرَهَا- وَ أَرَجَّ الْأَرْضَ وَ أَرْجَفَهَا- وَ قَلَعَ جِبَالَهَا وَ نَسَفَهَا- وَ دَکَّ بَعْضُهَا بَعْضاً مِنْ هَیْبَهِ جَلَالَتِهِ- وَ مَخُوفِ سَطْوَتِهِ- وَ أَخْرَجَ مَنْ فِیهَا فَجَدَّدَهُمْ بَعْدَ إِخْلَاقِهِمْ- وَ جَمَعَهُمْ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ- ثُمَّ مَیَّزَهُمْ لِمَا یُرِیدُهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ- عَنْ خَفَایَا الْأَعْمَالِ وَ خَبَایَا الْأَفْعَالِ- وَ جَعَلَهُمْ فَرِیقَیْنِ- أَنْعَمَ عَلَى هَؤُلَاءِ وَ انْتَقَمَ مِنْ هَؤُلَاءِ- فَأَمَّا أَهْلُ الطَّاعَهِ فَأَثَابَهُمْ بِجِوَارِهِ- وَ خَلَّدَهُمْ فِی دَارِهِ- حَیْثُ لَا یَظْعَنُ النُّزَّالُ- وَ لَا تَتَغَیَّرُ بِهِمُ الْحَالُ- وَ لَا تَنُوبُهُمُ الْأَفْزَاعُ- وَ لَا تَنَالُهُمُ الْأَسْقَامُ وَ لَا تَعْرِضُ لَهُمُ الْأَخْطَارُ- وَ لَا تُشْخِصُهُمُ الْأَسْفَارُ- وَ أَمَّا أَهْلُ الْمَعْصِیَهِ- فَأَنْزَلَهُمْ شَرَّ دَارٍ وَ غَلَّ الْأَیْدِیَ إِلَى الْأَعْنَاقِ- وَ قَرَنَ النَّوَاصِیَ بِالْأَقْدَامِ- وَ أَلْبَسَهُمْ سَرَابِیلَ الْقَطِرَانِ- وَ مُقَطَّعَاتِ النِّیرَانِ- فِی عَذَابٍ قَدِ اشْتَدَّ حَرُّهُ- وَ بَابٍ قَدْ أُطْبِقَ عَلَى أَهْلِهِ- فِی نَارٍ لَهَا کَلَبٌ وَ لَجَبٌ- وَ لَهَبٌ سَاطِعٌ وَ قَصِیفٌ هَائِلٌ- لَا یَظْعَنُ مُقِیمُهَا- وَ لَا یُفَادَى أَسِیرُهَا- وَ لَا تُفْصَمُ کُبُولُهَا- لَا مُدَّهَ لِلدَّارِ فَتَفْنَى- وَ لَا أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَیُقْضَى


اللغه
أقول: الرجّ، و الرجف: الاضطراب الشدید، و یروى رجّها بغیر همزه، و هو الأشهر. و نسفها: قلعها من اصولها و بثّها. و دکّ بعضها بعضا: تصادمت. و تنوبهم: تعودهم. و الخطر: الإشراف على الهلاک. و شخص: خرج من منزله‏ إلى آخر، و أشخصه: غیّره. و الکلب: الشدّه. و الجلب و اللجب: الصوت. و القصیف: الصوت الشدید. و الکبول: الأغلال واحدها کبل. و فصمها: کسرها.


المعنى
و أشار بقوله: حتّى إذا بلغ الکتاب أجله. إلى غایه الناس فی موتهم، و هو بلوغ الوقت المعلوم الّذی یجمع له الناس و هو یوم القیامه، و أراد بالأمر القضاء و مقادیره و تفاصیله من الآثار الّتی توجد على وفقه کما سبق بیانه، و لحوق الخلق بأوّله إشاره إلى توافیهم فی الموت و تساویهم فیه کما نطقت الشریعه به، و تجدید الخلق بعثهم و إعادتهم، و أمّا إماده السماء و شقّها و ارجاج الأرض و نسف الجبال فظاهر الشریعه الناطق بخراب هذا العالم ناطق به، و أمّا من زعم بقائه فربّما عدلوا إلى التأویل،
و الّذی یحتمل أن یقال فی ذلک وجوه:

أحدها
أنّ القیامه لمّا کانت عندهم عباره عن موت الإنسان و مفارقته لهذا البدن و لما یدرک بواسطته من الأجسام و الجسمانیّات و وصوله إلى مبدئه الأوّل کان عدمه عن هذه الأشیاء مستلزم لغیبوبتها عنه و عدمها و خرابها بالنسبه فیصدق علیه أنّه إذا انقطع نظره عن جمیع الموجودات سوى مبدئه الأوّل- جلّت عظمته- أنّها قد عدمت و تفرّقت، و کذلک إذا انقطع نظره عن عالم الحسّ و الخیال و متعلّقاتهما من الأجسام و الجسمانیّات و اتّصل بالملأ الأعلى فبالحرىّ أن یتبدّل الأرض و السماوات‏ بالنسبه إلیه فیصیر عالم الأجسام و الجسمانیّات أرضا له و عالم المفارقات سمائه.

الثانی:
أنّ هذه الموجودات المشار إلیها لمّا کانت مقهوره بلجام الإمکان فی قبض القدره الإلهیّه کان ما نسب إلیها من الانشقاق و الانفطار و الارجاج و النسف و غیرها امورا ممکنه فی نفسها و إن امتنعت بالنظر إلى الأسباب الخارجیّه فعبّر عمّا یمکن بالواقع مجازا. و حسنه فی العربیّه معلوم، و فائدته التهویل بما بعد الموت و التخویف للعصاه بتلک الأهوال.

الثالث:
قالوا: یحتمل أن یرید بالأرض القوابل للجود الإلهىّ استعاره فعلى هذا إماده السماء عباره عن حرکاتها و اتّصالات کواکبها الّتی هى أسباب معدّه لقوابل هذا العالم، و انفطارها إفاضه الجود بسبب تلک المعدّات على القوابل، و ارجاج الأرض إعداد الموادّ لإعاده أمثال هذه الأبدان أو لنوع آخر بعد فناء النوع الإنسانیّ، و قلع الجبال و نسفها و دقّها إشاره إلى زوال موانع الاستعدادات لنوع آخر إن کان، أولا عاده بناء هذا النوع استعاره. و وجهها أنّ الأرض بنسف الجبال یستوى سطحها و یعتدل فکذلک قوابل الجود یستعدّ و یعتدل لأن یفاض علیها صوره نوع اخرى لأبناء هذا النوع.

الرابع:
قالوا: یحتمل أن یرید بالسماء سماء الجود الإلهىّ، و بالأرض عالم الإنسان. فعلى هذا یکون إماده السماء عباره عن ترتیب کلّ استحقاق لقابله فی القضاء الإلهىّ، و الفطر عباره عن الفیض، و ارجاج الأرض و إرجافها عباره عن الهرج و المرج الواقع بین أبناء نوع الانسان، و قلع جبالها و نسفها و دکّ بعضها بالبعض عباره عن إهلاک الجبابره و المعاندین للناموس الإلهىّ و قتل بعضهم ببعض. کلّ ذلک بأسباب قهریّه مستنده إلى هیبه جلال اللّه و عظمته، و إخراج من فیها و تجدیدهم إشاره إلى ظهور ناموس آخر مجدّد لهذا الناموس و المتّبع له إذن قوم آخرون هم کنوع جدید، و تمییزهم فریقین منعم علیهم و منتقم منهم ظاهر فإنّ المستعدّین لاتّباع الناموس الشرعىّ و القائلین به هم المنعم علیهم المثابون، و التارکین له المعرضین عنه هم المنتقم منهم المعاقبون، فأمّا صفه الفریقین و ما أعدّ لکلّ منهم بعد الموت فعلى ما نطق به الکتاب العزیز و وصفته هذه الألفاظ الکریمه. و على تقدیر التأویلات السابقه لمن عدل عن الظواهر فثواب أهل الطاعه جوار بارئهم و ملاحظه الکمال المطلق لهم، و خلودهم فی داره: بقائهم فی تلک النعمه غیر جائز علیهم الفناء کما تطابق علیه الشرع و البرهان، و کونهم غیر ظاعنین و لا متغیّرى الأحوال و لا فزعین و لا ینالهم سقم و لا خطر و لا یشخصهم سفر فلأنّ کلّ ذلک من لواحق الأبدان و الکون فی الحیاه الدنیا فحیث زالت زالت عوارضها و لواحقها، و أمّا جزاء أهل المعصیه فإنزالهم شرّ دار، و هى جهنّم الّتی هی أبعد بعید عن جوار اللّه، و غلّ أیدیهم إلى أعناقهم إشاره إلى قصور قواهم العقلیّه عن تناول ثمار المعرفه، و اقتران‏ النواصى بالأقدام إشاره إلى انتکاس رؤسهم عن مطالعه أنوار الحضره الإلهیّه، و إلباسهم سرابیل القطران: استعار لفظ السرابیل للهیئات البدنیّه المتمکّنه من جواهر نفوسهم، و وجه المشابهه اشتمالها علیها و تمکّنها منها کالسربال للبدن، و نسبتها إلى القطران إشاره إلى شدّه استعدادهم للعذاب، و ذلک أنّ اشتغال النار فیما یمسح بالقطران أشدّ، و نحوه قوله تعالى «سَرابِیلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ»«» و کذلک مقطّعات النیران: إشاره إلى تلک الهیئات الّتی تمکّنت من جواهر نفوسهم، و نسبتها إلى النار لکونها ملبوس أهلها فهى منها کما قال تعالى «قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِیابٌ مِنْ نارٍ»«» و لمّا کان سبب الخروج من النار هو الخروج إلى اللّه من المعاصى بالتوبه، و الرجوع إلى تدبّر الآیات و العبر النوافع. و کان البدن و حواسّه أبواب الخروج إلى اللّه فبعد الموت تغلق تلک الأبواب فلا جرم یبقى الکفّار وراء طبق تلک الأبواب فی شدائد حراره ذلک العذاب، و لهب النار و لجبها و أصواتها الهایله: استعاره لأوصاف النار المحسوسه المستلزمه للهیبه و الخوف حسّا للنار المعقوله الّتی هی فی الحقیقه أشدّ- نعوذ باللّه منها- و إنّما عدل إلى المحسوس للغفله عن صفات تلک النار و عدم تصوّر أکثر الخلق لها إلّا من هذه الأوصاف المحسوسه، و کونها لا یظعن مقیمها کنایه عن التخلید و ذلک فی حقّ الکفّار، و لفظ الأسیر و الفدیه استعاره، و کذلک لفظ الکبول استعاره لقیود الهیئات البدنیّه المتمکّنه من جواهر نفوس الکفّار فکما لا ینفصم القید الوثیق من الحدید و لا ینفکّ المکبّل به کذلک النفوس المقیّده بالهیئات الردیئه البدنیّه عن المشى فی بیداء جلال اللّه و عظمته و التنزّه فی جنان حظائر قدسه و مقامات أصفیائه، و لمّا کان الأجل مفارقه البدن لم یکن لهم بعد موتهم أجل، إذ لا أبدان بعد الأبدان و لا خلاص من العذاب للزوم الملکات الردیئه لأعناق نفوسهم، و تمکّنها منها. فهذا ما عساهم یتأوّلونه أو یعبّرون به عن الأسرار الّتی یدّعونها تحت هذه العبارات الواضحه الّتى وردت الشریعه بها. لکنّک قد علمت أنّ العدول إلى هذه التأویلات و أمثالها مبنىّ على امتناع المعاد البدنىّ، و ذلک ممّا صرّحت به الشریعه تصریحا لا یجوز العدول عنه، و نصوصا لا یحتمل التأویل، و إذا حملنا الکلام على ما وردت به الشریعه فهذا الکلام منه علیه السّلام أفصح ما یوصف به حال القیامه و المعاد. و التعرّض لشرحه یجرى مجرى إیضاح الواضحات. و باللّه التوفیق.


الفصل الرابع

و منها فی ذکر النبی صلى اللّه علیه و آله و سلم:
قَدْ حَقَّرَ الدُّنْیَا وَ صَغَّرَهَا- وَ أَهْوَنَ بِهَا وَ هَوَّنَهَا- وَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ زَوَاهَا عَنْهُ اخْتِیَاراً- وَ بَسَطَهَا لِغَیْرِهِ احْتِقَاراً- فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْیَا بِقَلْبِهِ- وَ أَمَاتَ ذِکْرَهَا عَنْ نَفْسِهِ- وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِیبَ زِینَتُهَا عَنْ عَیْنِهِ- لِکَیْلَا یَتَّخِذَ مِنْهَا رِیَاشاً- أَوْ یَرْجُوَ فِیهَا مَقَاماً- بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً- وَ نَصَحَ لِأُمَّتِهِ مُنْذِراً- وَ دَعَا إِلَى الْجَنَّهِ مُبَشِّراً- نَحْنُ شَجَرَهُ النُّبُوَّهِ- وَ مَحَطُّ الرِّسَالَهِ- وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِکَهِ- وَ مَعَادِنُ الْعِلْمِ وَ یَنَابِیعُ الْحُکْمِ- نَاصِرُنَا وَ مُحِبُّنَا یَنْتَظِرُ الرَّحْمَهَ- وَ عَدُوُّنَا وَ مُبْغِضُنَا یَنْتَظِرُ السَّطْوَهَ


اللغه
أقول: الریاش: اللباس.


المعنى
و الفصل اقتصاص لحال الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلم و أوصافه الحمیده لیبنى علیها ممادح نفسه بعد. فتحقیره للدنیا و تصغیرها و تهوینها إشاره إلى ما کان یجذب الخلق به عنها من ذکر مذامّها و تعدید معایبها، و إهوانه بها إشاره إلى زهده فیها، و علمه بإزواء اللّه إیّاها عنه اختیارا إشاره إلى أنّ زهده فیها کان عن علم منه باختیار اللّه له ذلک و تسبّب أسبابه و هو وجه مصلحته لیستعدّ نفسه بذلک لکمال النبوّه و القیام بأعباء الخلافه الأرضیّه و بسطها لغیره احتقارا لها،. و قد عرفت معنى الاختیار من اللّه لخلقه غیر مرّه. فکان إعراضه عنها بقلبه إماته ذکرها عن‏ نفسه، و محبّته لأن تغیب زینتها عن عینه لئلّا یتّخذ منها ریاشا و لا یرجو فیها مقاما جذبا للعنایه الإلهیّه له عن الالتفات إلى الالتقاط إلى الکمالات المعلومه له، و عن أن ینحطّ لمحبّتها عن مقامه الّذی قضت العنایه الإلهیّه بنظام العالم بسببه. ثمّ أعقب ذلک بذکر ثلاثه أحوال هى ثمره النبوّه الّتی هى ثمره الزهد المشار الیه، و هى تبلیغ رساله ربّه إعذارا إلى خلقه أن یقولوا یوم القیامه: إنّا کنّا عن هذا غافلین، و النصح لهم إنذارا بالعذاب الألیم فی عاقبه الإعراض عن اللّه، و دعائه إلى الجنّه مبشّرا لمن سلک سبیل اللّه و نهجه المستقیم بما أعدّ له فیها من النعیم المقیم. ثمّ عقّب اقتصاص تلک الممادح بالإشاره إلى فضیله نفسه، و ذلک منه فی معرض المفاخره بینه و بین مشاجریه کمعاویه فأشار إلى فضیلته من جهه اتّصاله بالرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلم إذ کان من البیت الّذی هو شجره النبوّه و محطّ الرساله و معدن العلم و ینبوع الحکمه بأفضل مکان بعد الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلم کما سبق بیانه فی بیان فضائله، و لفظ الشجره و المعادن و الینابیع مستعار کما سبق، و إذا کان من تلک الشجره کما علمت و لکلّ غصن من الشجره قسط من الثمره بحسب قوّته و قربه من الأصل و عنایه الطبیعه به علمت مقدار فضیلته و نسبتها إلى الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلم. و قوله بعد ذلک: ناصرنا ومحبّنا. إلى آخره. ترغیب فی نصرته و محبّته و جذب إلیها بالوعد برحمه اللّه و إفاضه برکاته و تنفیر عن عداوته و بغضه بلحوق سطوه اللّه، و لعلّ ذلک هو غایته هنا من ذکر فضیلته. و باللّه التوفیق و العصمه.


شرح ‏نهج البلاغه(ابن ‏میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۵۰

بازدیدها: ۱۴

خطبه ۱۰۵ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام و هى من خطب الملاحم

القسم الأول
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَجَلِّی لِخَلْقِهِ بِخَلْقِهِ- وَ الظَّاهِرِ لِقُلُوبِهِمْ بِحُجَّتِهِ- خَلَقَ الْخَلْقَ مِنْ غَیْرِ رَوِیَّهٍ- إِذْ کَانَتِ الرَّوِیَّاتُ لَا تَلِیقُ إِلَّا بِذَوِی الضَّمَائِرِ- وَ لَیْسَ بِذِی ضَمِیرٍ فِی نَفْسِهِ- خَرَقَ عِلْمُهُ بَاطِنَ غَیْبِ السُّتُرَاتِ- وَ أَحَاطَ بِغُمُوضِ عَقَائِدِ السَّرِیرَاتِ
أقول: حمد اللّه تعالى باعتبارات خمسه:

أحدها: اعتبار تجلّیه لخلقه بخلقه
و قد علمت غیر مرّه أنّ تجلّیه یعود إلى إجلاء معرفته من مصنوعاته لقلوب عباده حتّى أشبهت کلّ ذرّه من مخلوقاته مرآه ظهر فیها لهم. فهم یشاهدونه على قدر قبولهم لمشاهدته و تفاوت تلک المشاهده بحسب تفاوت أشعّه ابصار بصائرهم. فمنهم من یرى الصنیعه أوّلا و الصانع ثانیا، و منهم من یراهما معا، و منهم من یرى الصانع أوّلا، و منهم من لا یرى مع الصانع غیره.

الثانی: الظاهر لقلوبهم بحجّته
أى الواضح وجوده لقلوب منکریه بأوهامهم و ألسنتهم بقیام حجّته علیهم بذلک و هی إحکام الصنع و إتقانه فی أنفسهم و إن احتاجوا إلى تنبیه ما کقوله تعالى «وَ فِی أَنْفُسِکُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ» و کذلک فی ملکوت السماوات‏ و الأرض کقوله تعالى «أَ وَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْ‏ءٍ»«» الآیه و هو قریب ممّا مرّ.

الثالث: خلقه الخلق بلا رویّه
و فکر فی کیفیّه خلقه، و أشار إلى برهان سلب الرویّه عنه بقوله: إذ کانت الرویّات لا تلیق إلّا بذوى الضمائر: أى بذى قلب و حواسّ بدنیّه. و لیس بذى ضمیر فی نفسه. و القیاس من الشکل الثانی، و ترتیبه کلّ رویه فلذى ضمیر، و لا شی‏ء من واجب الوجود بذى ضمیر. فینتج أنّه لا شی‏ء من الرویّه لواجب الوجود سبحانه. و المقدّمتان جلیّتان ممّا سبق غیر مرّه.

الرابع: کون علمه خارقا لباطن غیب السترات
و هو إشاره إلى نفوذه فی کلّ مستتر و غائب بحیث لا یحجبه ستر و لا یستره حجاب.

الخامس: کونه محیطا بغموض عقائد السریرات
أى بما دقّ من عقائد أسرار القلوب کقوله تعالى «یَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى‏».


القسم الثانی

منها فی ذکر النبی صلى اللّه علیه و آله و سلم:
اخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَهِ الْأَنْبِیَاءِ- وَ مِشْکَاهِ الضِّیَاءِ وَ ذُؤَابَهِ الْعَلْیَاءِ- وَ سُرَّهِ الْبَطْحَاءِ وَ مَصَابِیحِ الظُّلْمَهِ- وَ یَنَابِیعِ الْحِکْمَهِ


اللغه
أقول: الذؤابه: ما تدلّى من الشعر و نحوه. و بطحاء مکّه: بسیط وادیها.
و سرّه الوادى: أشرف موضع فیه.

و فی الفصل استعارات:
الاولى: لفظ الشجره لصنف الأنبیاء علیهم السّلام
و وجه المشابهه کون ذلک الصنف ذا ثمر و فروع، ففروعه أشخاص الأنبیاء، و ثمره العلوم و الکمالات النفسانیّه کما أنّ الشجره ذات غصون و ثمر.
الثانیه: لفظ المشکاه لآل إبراهیم
و وجه المشابهه أنّ هؤلاء قد ظهرت منهم‏ الأنبیاء و سطع من بیتهم ضیاء النبوّه و نور الهدایه کما یظهر من نور المصباح من المشکاه.
الثالثه: لفظ الذؤابه.
و یشبه أن یشیر به إلى قریش، و وجه المشابهه تدلّیهم فی أغصان الشرف و العلوّ عن آبائهم کتدلّى ذؤابه الشعر عن الرأس.
الرابعه: سرّه البطحاء
و أشار به إلى اختیاره من أفضل بیت فی مکّه.
الخامسه: استعاره لفظ المصابیح
للأنبیاء أیضا. و وجه المشابهه ظاهر. و قد مرّ غیر مرّه کونهم مصابیح ظلمات الجهل.
السادسه: استعاره لفظ الینابیع،
و وجه المشابهه فیضان العلم و الحکمه عنهم کفیضان الماء عن ینابیعه.


القسم الثالث و منها
طَبِیبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ قَدْ أَحْکَمَ مَرَاهِمَهُ- وَ أَحْمَى مَوَاسِمَهُ یَضَعُ ذَلِکَ حَیْثُ الْحَاجَهُ إِلَیْهِ- مِنْ قُلُوبٍ عُمْیٍ وَ آذَانٍ صُمٍّ- وَ أَلْسِنَهٍ بُکْمٍ- مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الْغَفْلَهِ- وَ مَوَاطِنَ الْحَیْرَهِ لَمْ یَسْتَضِیئُوا بِأَضْوَاءِ الْحِکْمَهِ- وَ لَمْ یَقْدَحُوا بِزِنَادِ الْعُلُومِ الثَّاقِبَهِ- فَهُمْ فِی ذَلِکَ کَالْأَنْعَامِ السَّائِمَهِ- وَ الصُّخُورِ الْقَاسِیَهِ- قَدِ انْجَابَتِ السَّرَائِرُ لِأَهْلِ الْبَصَائِرِ- وَ وَضَحَتْ مَحَجَّهُ الْحَقِّ لِخَابِطِهَا- وَ أَسْفَرَتِ السَّاعَهُ عَنْ وَجْهِهَا- وَ ظَهَرَتِ الْعَلَامَهُ لِمُتَوَسِّمِهَا- مَا لِی أَرَاکُمْ أَشْبَاحاً بِلَا أَرْوَاحٍ- وَ أَرْوَاحاً بِلَا أَشْبَاحٍ- وَ نُسَّاکاً بِلَا صَلَاحٍ- وَ تُجَّاراً بِلَا أَرْبَاحٍ- وَ أَیْقَاظاً نُوَّماً- وَ شُهُوداً غُیَّباً- وَ نَاظِرَهً عَمْیَاءَ- وَ سَامِعَهً صَمَّاءَ- وَ نَاطِقَهً بَکْمَاءَ رَایَهُ ضَلَالٍ قَدْ قَامَتْ عَلَى قُطْبِهَا- وَ تَفَرَّقَتْ بِشُعَبِهَا- تَکِیلُکُمْ بِصَاعِهَا- وَ تَخْبِطُکُمْ بِبَاعِهَا- قَائِدُهَا خَارِجٌ مِنَ الْمِلَّهِ- قَائِمٌ عَلَى الضَّلَّهِ- فَلَا یَبْقَى یَوْمَئِذٍ مِنْکُمْ إِلَّا ثُفَالَهٌ کَثُفَالَهِ الْقِدْرِ- أَوْ نُفَاضَهٌ کَنُفَاضَهِ الْعِکْمِ- تَعْرُکُکُمْ‏ عَرْکَ الْأَدِیمِ- وَ تَدُوسُکُمْ دَوْسَ الْحَصِیدِ- وَ تَسْتَخْلِصُ الْمُؤْمِنَ مِنْ بَیْنِکُمُ- اسْتِخْلَاصَ الطَّیْرِ الْحَبَّهَ الْبَطِینَهَ- مِنْ بَیْنِ هَزِیلِ الْحَبِّ أَیْنَ تَذْهَبُ بِکُمُ الْمَذَاهِبُ- وَ تَتِیهُ بِکُمُ الْغَیَاهِبُ- وَ تَخْدَعُکُمُ الْکَوَاذِبُ- وَ مِنْ أَیْنَ تُؤْتَوْنَ- وَ أَنَّى تُؤْفَکُونَ- فَ لِکُلِّ أَجَلٍ کِتابٌ- وَ لِکُلِّ غَیْبَهٍ إِیَابٌ- فَاسْتَمِعُوا مِنْ رَبَّانِیِّکُمْ- وَ أَحْضِرُوهُ قُلُوبَکُمْ- وَ اسْتَیْقِظُوا إِنْ هَتَفَ بِکُمْ- وَ لْیَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ- وَ لْیَجْمَعْ شَمْلَهُ- وَ لْیُحْضِرْ ذِهْنَهُ- فَلَقَدْ فَلَقَ لَکُمُ الْأَمْرَ فَلْقَ الْخَرَزَهِ- وَ قَرَفَهُ قَرْفَ الصَّمْغَهِ فَعِنْدَ ذَلِکَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ- وَ رَکِبَ الْجَهْلُ مَرَاکِبَهُ- وَ عَظُمَتِ الطَّاغِیَهُ وَ قَلَّتِ الدَّاعِیَهُ- وَ صَالَ الدَّهْرُ صِیَالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ- وَ هَدَرَ فَنِیقُ الْبَاطِلِ بَعْدَ کُظُومٍ- وَ تَوَاخَى النَّاسُ عَلَى الْفُجُورِ- وَ تَهَاجَرُوا عَلَى الدِّینِ- وَ تَحَابُّوا عَلَى الْکَذِبِ- وَ تَبَاغَضُوا عَلَى الصِّدْقِ- فَإِذَا کَانَ ذَلِکَ کَانَ الْوَلَدُ غَیْظاً- وَ الْمَطَرُ قَیْظاً وَ تَفِیضُ اللِّئَامُ فَیْضاً- وَ تَغِیضُ الْکِرَامُ غَیْضاً- وَ کَانَ أَهْلُ ذَلِک‏ َ الزَّمَانِ ذِئَاباً- وَ سَلَاطِینُهُ سِبَاعاً وَ أَوْسَاطُهُ أُکَّالًا- وَ فُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً وَ غَارَ الصِّدْقُ- وَ فَاضَ الْکَذِبُ- وَ اسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّهُ بِاللِّسَانِ- وَ تَشَاجَرَ النَّاسُ بِالْقُلُوبِ- وَ صَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً- وَ الْعَفَافُ عَجَباً- وَ لُبِسَ الْإِسْلَامُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً

اللغه
أقول: المواسم: المسامیر الّتی تکوى. و انجابت: انکشفت. و المتوسّم: المتفرّس. و الضلّه: الضلال. و العکم بکسر العین: العدل. و البطینه: الممتلیه. و الغیاهب: الظلم. و تؤفکون: تصرفون. و الفنیق: الفحل المکرم. و کظوم الجمل: سکوته عن الجرّه.

المعنى
فقوله: طبیب دوّار بطبّه.
 کنایه عن نفسه کنایه بالمستعار فإنّه طبیب مرضى الجهل و رذائل الأخلاق، و کنّى بدورانه بطبّه تعرّضه لعلاج الجهّال من دائهم و نصب نفسه لذلک، و استعار لفظ المراهم لما عنده من العلوم و مکارم الأخلاق، و لفظ المواسم لما یتمکّن منه من إصلاح من لا ینفع فیه الموعظه و التعلیم بالجلد و سائر الحدود. فهو کالطبیب الکامل الّذی یملک المراهم و الأدویه و المکاوى لمن لا ینفع فیه المراهم یضع کلّ واحد من أدویته و مواسمه حیث الحاجه إلیه من قلوب عمى یفتح عماها بإعدادها لقبول أنوار العلم و الهدایه لسلوک سبیل اللّه، و من آذان صمّ یعدّها لقبول المواعظ، و تجوّز بلفظ الصمم فی عدم انتفاع النفس بالمواعظه من جهتها فهی کالصمّاء إطلاقا لاسم الملزوم على لازمه.
إذ کان الصمم یستلزم ذلک العدم، و من ألسنه بکم یطلقها بذکر اللّه و الحکمه، و أطلق لفظ البکم مجازا فی عدم المطلوب منها بوجودها و هو التکلّم بما ینبغی فإنّها لفقدها ذلک المطلوب کالبکم.

و قوله: متّبع.
صفه لطبیب، و مواضع الغفله و مواطن الحیره کنایه عن قلوب الجهّال [الجهله خ‏] و لذلک أشار إلیهم بأنّهم لم یستضیئوا بأضواء الحکمه: أى لم یکسبوا شیئا من العلوم و الأخلاق و لم یقدحوا بزناد العلوم الثاقبه الّتی تثقب سترات الحجب کما یستخرج بالزناد النار.

و قوله: فهم فی ذلک
 أى فی عدم استضاءتهم بأضواء الحکمه کالأنعام السائمه و الصخور القاسیه. و وجه المشابهه بینهم و بین الأنعام استوائهم فی الغفله و الانخراط فی سلک الشهوه و الغضب دون اعتبار شی‏ء من حظّ العقل و عدم التقیّد به کما لا قید للأنعام السائمه. و بینهم و بین الصخور قساوه قلوبهم و عدم لینها و خشیتها من ذکر اللّه و آیاته کما قال تعالى «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُکُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِکَ فَهِیَ کَالْحِجارَهِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَهً»

و قوله: قد انجابت السرائر لأهل البصائر.
إشاره إلى انکشاف ما یکون بعده لنفسه القدسیّه و لمن تفرّس من اولى التجارب و الفطن السلیمه ممّا یکون من ملوک بنى امیّه و عموم ظلمهم، و یحتمل أن یرید بالسرائر أسرار الشریعه و انکشافها لأهلها.

و قوله: و وضحت محجّه الحقّ لخابطها.
 إشاره إلى وضوح الشریعه و بیان طریق اللّه، و فایده القضیّه الاولى التنبیه على النظر فی العواقب، و فائده الثانیه الجذب إلى اتّباع الدین و سلوک سبیل اللّه إذ لا عذر للخابطین فی جهالاتهم بعد وضوح دین اللّه.

و قوله: و أسفرت الساعه عن وجهها:
 أى بدت مقبله، و لمّا کان وجه الشی‏ء أوّل ما یبدو منه و ینظر کنّى به عمّا بدا من أمر الساعه و هو قیام الفتن و إقبالها.

و قوله: و ظهرت العلامه لمتوسّمها:
أى علامه قیام الساعه و هی الفتن المتوقّعه المتفرّسه (المتغرّسه خ) من بنى امیّه و من بعدهم، و ذکره لإسفار الساعه و علاماتها تهدید و ترغیب فی العمل لها.

و قوله: ما لى أراکم أشباحا بلا أرواح.
 شبّههم فی عدم انتفاعهم بالعقول و عدم تحریک المواعظ و التذکیر لهم بالجمادات الخالیه من الأرواح، کما قال تعالى «کَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَهٌ».

و قوله: و أرواحا بلا أشباح.
 قیل فیه وجوه: الأوّل: أنّ ذلک مع ما قبله إشاره إلى نقصانهم: أى أنّ منهم من هو شبح بلا أرواح کما سبق، و من کان له روح و فهم فلا قوّه له بأمر الحرب‏ و لا نهضه معه فهو کروح خلت عن بدن، فهم فی طریق تفریط و إفراط. الثانی: قیل: کنّى بذلک عن عدم نهضه بعضهم إلى الحرب دون بعض إذا دعوا إلیه کما لا یقوم البدن بدون الروح و لا الروح بدون البدن. الثالث: قال بعضهم: أراد أنّهم إن خافوا ذهلت عقولهم و طارت ألبابهم فکانوا کالأجسام بلا أرواح و إن أمنوا ترکوا الاهتمام بامورهم و ضیّعوا الفرص و مصالح الإسلام حتّى کأنّهم فی ذلک أرواح لا تعلّق لها بما یحتاج الأجسام إلیه.

قوله: و نسّاکا بلا صلاح.
 إشاره إلى أنّ من تزهّد منهم فزهده ظاهرىّ لیس عن صلاح سریرته. و قیل: أراد من تزهّد منهم عن جهل فإنّه و إن عمل إلّا أنّ أعماله لمّا لم تکن عن علم کانت ضایعه واقعه على غیر الوجه المرضىّ و المأمور به، کما روى عن الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلم: الزاهد الجاهل مسخره الشیطان.

و قوله: و تجّارا بلا أرباح.
 إشاره إلى من یتّجر منهم بالأعمال الفاسده و هو یعتقد کونها قربه إلى اللّه مستلزمه لثوابه و لیس کذلک، و لفظ التجّار و الربح مستعاران، و وجه الاستعارتین ظاهر.

و قوله: و أیقاظا نوّما.
 کنّى بنومهم عن نوم نفوسهم فی مراقد الطبیعه و مماهد الغفله فهم بهذا الاعتبار أیقاظ العیون نوّم العقول.

و قوله: و شهودا غیّبا:
 أى شهودا بأبدانهم غیّبا بعقولهم عن التفطّن لمقاصد اللّه و التلقّى لأنواره من الموعظه و الأوامر الإلهیّه.

و قوله: و ناظره عمیاء.
 أراد و عیونا ناظره عمیاء: أى عن تصفّح آثار اللّه للعبره بها و الانتفاع فی أمر الآخره فهی تشبه العمى فی عدم الفائده بها.

و قوله: و سامعه صمّاء:
 أى: و آذانا سامعه للأصوات صمّاء عن نداء اللّه و النافع من کلامه فهی تشبه الصمّ فی عدم الفائده المقصوده.

و قوله: و ناطقه بکماء:
 أى: و ألسنه ناطقه بکماء عن النطق بما ینبغی فأشبهت البکم، و لفظ العمیاء و الصمّاء و البکماء مستعار للمشابهات المذکوره، و قد راعى فی ذلک التضادّ فی الألفاظ و أراد ذوى عیون و آذان و ألسنه بالصفات المذکوره: أى خالیه عن الفائده.

و قوله: رایه ضلاله [رأیت ضلاله خ‏].
 لمّا نبّههم و أیقظهم بالتوبیخ و التقریع و التنقیص ألقى إلیهم ما ینبغی أن یحترزوا منه و یأخذوا اهبّتهم له من ظهور الفتن المتوقّعه لبنى امیّه، و کنّى عن ظهورها بقوله: رایه ضلاله، و التقدیر هذه رایه ضلاله، و کنّى بقیامها على قطبها عن اجتماع أهلها على قائد الفتنه و رئیسهم فیها، و کنّى بالقطب عنه کنایه بالمستعار. و تفرّقها و تشعبّها انتشارها فی الآفاق و تولّد فتن اخرى عنها. ثمّ استعار لفظ الکیل لأخذهم و إهلاکهم زمره زمره ملاحظه لشبهها بالکیّال فی أخذه لما یکیل جمله جمله، و رشّح بلفظ الصاع، و کذلک استعار لفظ الخبط لایقاع السیف و الأحکام الجائره فیهم على غیر قانون دینىّ و لا نظام حقّ لشبهها بالبکره النفور من الإبل الّتى تخبط ما تلقاه بیدیها، و رشّح الاستعاره بذکر الباع. و لم یقل بیدها لأنّ ذکر الباع أبلغ فی البعیر عن قوّه الخبط.

و قوله: قائدها خارج عن الملّه:
 أى خارج عن الدین و الشریعه فاسق عن أمر اللّه قائم على الضلّه: أى مقیم على الضلاله.

و قوله: فلا یبقى یومئذ منکم إلّا ثفاله کثفاله القدر.
 استعار لفظ الثفاله و کنّى به عمّن لا خیر فیه من الأرذال و من لا ذکر له و لا شهره، و شبّه اولئک بثفاله القدر فی کونهم غیر معتبرین و لا ملتفت إلیهم، و کذلک‏ نفاضه العرک و هو ما یبقى فی أسفل العدل من أثر الزاد أو الحنطه و نحوها. ثمّ استعار لفظ العرک لتقلیب الفتن لهم و رمیهم و تذلیلهم بها کما یذلّل و یلیّن الأدیم، و کذلک استعار لفظ الدوس لإهانتهم لهم و شدّه امتهانهم إیّاهم بالبلاء، و شبّه ذلک بدوس الحصید من الحنطه و نحوها و هو ظاهر، ثمّ أشار إلى استقصاء أهل تلک الضلاله على المؤمنین و استخلاصهم لهم لإیقاع المکروه بهم، و شبّه ذلک الاستخلاص باستخلاص الطیر الحبّه السمینه الممتلیه من الفارغه الهزیله و ذلک أنّ الطیر ترتاز بمنقاره سمین الحبّ من هزیله فیخلّى عن الهزیل منه. ثمّ أخذ یسألهم على سبیل التهکّم و التقریع لهم ببقائهم على غوایتهم فسألهم عن غایه أخذ مذاهب الضلال، و عمّا تتیه بهم ظلم الجهالات، و عمّا تخدعهم أوهامهم الکواذب جاذبا لهم إلیه، منکرا علیهم مطلوبا آخر غیر اللّه تعالى، رادعا لهم من طریق غیر شریعته. ثمّ سألهم عن الجهه الّتى یؤتون منها: أى من أین أتتکم هذه الأمراض. و هو علیه السّلام یعلم أنّ الداخل إنّما دخل علیهم من جهلهم لکن هذا وجه من البلاغه و ذکرنا أنّه یسمّى تجاهل العارف و هو کقوله تعالى «فَأَیْنَ تَذْهَبُونَ» و کذلک قوله: فأنّى تؤفکون: أى متى یکون انصرافکم عمّا أنتم علیه من الغفله.

و قوله: و لکلّ أجل کتاب و لکلّ غیبه إیاب.
تهدید بالإشاره إلى قرب الموت و أنّهم بمعرض أن یأخذهم على غفلتهم فیکونوا من الأخسرین أعمالا. ثمّ أمرهم بإسماع الموعظه منه. و الربّانىّ: العالم علم الربوبیّه المتبحّر فیه. ثمّ باحضار قلوبهم و هو التفاتهم بأذهانهم إلى ما یقول. ثمّ بالاستیقاظ من نوم الغفله عند هتفه بهم و ندائه لهم. و قوله: و لیصدق رائد أهله. مثل نزّله هنا على مراده، و أصله: لا یکذب رائد أهله. فاستعار لفظ الرائد للفکر، و وجه المثل أنّ الرائد لمّا کان هو الّذی یبعثه القوم لطلب الکلاء و الماء أشبه الفکر فی کونه مبعوثا من قبل النفس فی طلب مرعاها و ماء حیاتها من العلوم و سائر الکمالات فکنّى به عنه، و أهله على هذا البیان هو النفس فکأنّه علیه السّلام قال: فلتصدق أفکارکم و متخیّلاتکم نفوسکم، و صدقها إیّاها تصرّفها على حسب إشاره العقل فیما تقوله و تشیر به دون‏ التفات إلى مشارکه الهوى فإنّ الرائد إذا أرسلته النفس عن مشارکه میل شهوانیّ کذبها و دلّیها بغرور، و یحتمل أن یرید بالرائد أشخاص من حضر عنده فإنّ کلّا منهم له أهل و قبیله یرجع إلیهم فأمرهم أن یصدقهم أمر لهم بتبلیغ ما سمع على الوجه الّذی ینبغی و النصیحه به و الدعوه إلیه کما یرجع طالب الکلاء و الماء الواجد لهما إلى قومه فیبشّرهم به و یحملهم إلیه.

و قوله: و لیجمع شمله
 أى ما تفرّق و تشعّب من خواطره فی امور الدنیا و مهمّاتها، و لیحضر ذهنه: أى و لیوجّهه إلى ما أقول

و قوله: و لقد فلق لکم الأمر فلق الخرزه:
 أى أوضح لکم أمر ما جهلتموه من الدین و أحکام الشریعه، و قیل: أمر ما سیکون من الفتن. و شقّ لکم ظلمه الجهل عنه کایتّضح باطن الخرزه بشقّها، و قرفه قرف الصمغه: أى ألقى إلیکم علمه بکلّیّته و النصیحه فیه حتّى لم یدّخر عنکم شیئا کما یقرف الصمغه قارفها، یقال: ترکته على مثل مقرف الصمغه، إذا لم تترک له شیئا لأنّ الصمغه تقتلع من شجرها حتّى لا تبقى علیها علقه.

و قوله: فعند ذلک.
متّصل بقوله: من بین هزیل الحبّ: أى فعند ما تفعل بکم تلک الفتن و رایه الضلال ما تفعل قد أخذ الباطل مآخذه: أى استحکم و ثبت و أخذ مقارّه، و کذلک یرکب الجهل مراکبه: أى کان ذلک وقت حملته ملاحظه لتشبیهه بالمستعدّ للغاره قد رکب خیله، و کنّى بمراکبه عن الجهّال.

و قوله: و عظمت الطاغیه
 أى الفتنه الطاغیه الّتی تجاوزت فی عظمها الحدّ و المقدار، و قلّت الراعیه: أى رعاه الدین و أهله الّذین یحمون حوزته: أى الفرقه الراعیه، و روى الداعیه: أى الفرقه الداعیه إلى اللّه.

و قوله: وصال الدهر صیال السبع العقور
استعار وصف الصیال للدهر ملاحظه ۱ لشبهه بالسبع، و وجه الاستعاره کون الدهر مبدءا قوّیا لتلک الشرور الواقعه فأشبه السبع الضارى العقور فی شدّه صیاله. ثمّ استعار لفظ الفنیق للباطل و رشّح الاستعاره بذکر الهدیر و الکظوم، و وجه المشابهه ظهور الباطل و إکرام أهله و تمکّنهم من الأمر و النهى کالفحل المکرّم ذى الشقشقه، و عنى بالهدیر ظهورهم و تمکّنهم و بالکظوم خفاء الباطل و خمول أهله فی زمان ظهور الحقّ و قوّته.

و قوله: و تواخى الناس على الفجور:
 أى کان اتّصالهم و محبّه بعضهم لبعض على الفجور و اتّباع الأهواء. و تهاجروا على الدین: أى من أحسّوا منه قوّه فی دینه هجروه و رفضوه. فهجرهم. و التحابّ على الکذب داخل تحت التواخى على الفجور، و التباغض على الصدق داخل تحت التهاجر على الدین، و الغرض بتعداد ذلک تنفیر السامعین عن تلک الرذائل و تخویفهم بوقوعها.

و قوله: فإذا کان ذلک کان الولد غیظا:
 أى إذا احدث ذلک اشتغل کلّ امرء بنفسه لینجو بها. فیکون الولد الّذی هو أعزّ محبوب غیظا لوالده: أى من أسباب محنته و غیظه، و أطلق لفظ الغیظ علیه إطلاقا لاسم السبب على المسبّب.

و قوله: و المطر قیظا.
جعل وقوع المطر قیظا من علامات تلک الشرور و هو أیضا ممّا یعدّ شرّا لأنّه لا یثیر نباتا و لا یقوم علیه زرع و یفسد الثمار القائمه، و کأنّه کنّى به عن انقلاب أحوال الخیر شرورا.

و قوله: و کان أهل ذلک الزمان. إلى قوله: أمواتا.
 أهل کلّ زمان ینقسمون إلى ملوک أکابر، و أوساط، و أدانى. فإذا کان زمان العدل کان أهله فی نظام سلکه فیفیض عدل الملوک على من یلیهم ثمّ بواسطتهم على من یلیهم حتّى ینتهى إلى أدانى الناس، و إذا کان زمان الجور فاض الجور کذلک فکانت السلاطین سباعا ضاریه مفترسه لکلّ ذى سمن، و کان أهل ذلک الزمان و أکابره ذئابا ضاریه على أوساط الناس و کانت الأوساط أکّالا لهم، و کانت الفقراء أمواتا لانقطاع مادّه حیاتهم ممّن هو أعلى منهم رتبه، و تجوّز بلفظ الأموات عن غایه الشدّه و البلاء لکون الموت غایه ذلک إطلاقا لاسم السبب الغائیّ على مسبّبه. ثمّ استعار لفظ الغیض لقلّه الصدق و الفیض لظهور الکذب و کثرته ملاحظه لشبهها بالماء، و استعمال المودّه باللسان إشاره إلى النفاق و هو التودّد بالقول مع التباعد بالقلوب و عقدها على البغض و الحسد، و استعار لفظ التشاجر بالقلوب ملاحظه لشبهها بالرماح فکما أنّ الرمح یشجر به فکذلک قلوب بعضهم تعقد على هلاک بعض و الطعن فیه بأنواع المهلکات، و کذلک لفظ النسب للفسوق، و وجه المشابهه کون الفسق بینهم یومئذ هو سبب التواصل و التزاور و التحابّ کما أنّ النسب کذلک، و صار العفاف عجبا لقلّه وجوده و ندرته بینهم، و لبس الإسلام لبس الفرو مقلوبا من أحسن التشبیه و أبلغه و المشبّه به هاهنا هو لبس الفرو و وجه الشبه کونه مقلوبا، و بیانه أنّه لمّا کان الغرض من الإسلام أن یکون باطنا ینتفع به القلب و یظهر فیه منفعته فقلّب المنافقون غرضه و استعملوه بظاهر ألسنتهم دون قلوبهم أشبه قلبهم له لبس الفرو.
إذ کان أصله أن یکون حمله ظاهرا لمنفعه الحیوان الّذی هو لباسه فاستعمله الناس مقلوبا. و باللّه التوفیق.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۳۹

بازدیدها: ۳۸

خطبه ۱۰۴ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

وَ قَدْ رَأَیْتُ جَوْلَتَکُمْ- وَ انْحِیَازَکُمْ عَنْ صُفُوفِکُمْ- تَحُوزُکُمُ الْجُفَاهُ الطَّغَامُ- وَ أَعْرَابُ أَهْلِ الشَّامِ- وَ أَنْتُمْ لَهَامِیمُ الْعَرَبِ- وَ یَآفِیخُ الشَّرَفِ- وَ الْأَنْفُ الْمُقَدَّمُ- وَ السَّنَامُ الْأَعْظَمُ- وَ لَقَدْ شَفَى وَحَاوِحَ صَدْرِی- أَنْ رَأَیْتُکُمْ بِأَخَرَهٍ- تَحُوزُونَهُمْ کَمَا حَازُوکُمْ- وَ تُزِیلُونَهُمْ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ کَمَا أَزَالُوکُمْ- حَسّاً بِالنِّصَالِ وَ شَجْراً بِالرِّمَاحِ- تَرْکَبُ أُوْلَاهُمْ- أُخْرَاهُمْ کَالْإِبِلِ الْهِیمِ الْمَطْرُودَهِ- تُرْمَى عَنْ حِیَاضِهَا- وَ تُذَادُ عَنْ مَوَارِدِهَا

اللغه

أقول: الجوله: الدوله. و انحاز: زلّ. و الطغام: أوغاد الناس. و اللهامیم: جمع لهموم و هو الجواد من الناس. و الیئافیخ: جمع یأفوخ و هو أعلى الدماغ. و الوحاوح: جمع وحوحه و هو صوت فیه بحح یصدر عن المتألّم. و الحسّ: الاستیصال. و النضال: جمع نضل السیف. و الشجر: الطعن. و تذاد: تساق و تطرد.

المعنى

و فی هذا الفصل تبکیت لأصحابه بانحیازهم عن عدوّهم و تقریع، ثمّ تنحیه و إغراء کیلا یعادوا إلى الفرّ، و ذلک قوله: و قد رأیت. إلى قوله: أهل الشام: أى و قد رأیت تخاذلکم عنهم حتّى حازکم أراذل أهل الشام مع أنّکم أهل الشرف و سادات العرب، و استعار لفظ الیئافیخ لهم. إذ کانوا بالنسبه إلى العرب فی علوّهم و شرفهم کالیئافیخ بالنسبه إلى الأبدان، و کذلک استعار لفظ الأنف و السنام، و وجه المشابهه عزّهم و شرفهم کعزّه الأنف و تقدّمه، و حسن الوجه به بالنسبه إلى باقى الأعضاء، و کعزّه السنام و علوّه بالنسبه إلى باقى أعضاء الجمل. ثمّ أردف ذلک‏ التبکیت و التذکیر بالرذیله بذکر فضیلتهم الّتی ختموا بها و هی حوزهم لعدوّهم بالأخره کحوزهم لهم أوّلا و إزالتهم عن مواقفهم کما أزالوهم و حسّهم استیصالا و طعنا یرکب مقدّمهم تالیهم، و أوّلهم آخرهم لیثبتوا على مثل هذه الأفعال فی مثل تلک المواقف، و عدّ ذلک شفاء لوحاوح صدره، و کنّى بالوحاوح عمّا کان یجده من التألّم بسبب انقهار أصحابه و غلب عدوّهم لهم و شبّههم فی تضعضعهم و رکوب بعضهم لبعض مولّین بالإبل العطاش الّتی اجتمعت على الحیاض لیشرب ثمّ طردت و رمیت عنها بالسهام و ذیدت عمّا وردته فإنّ طردها على ذلک الاجتماع یوجب لها أن یرکب بعضها بعضا و یقع بعضها على بعض. و باللّه التوفیق.

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۳۸

بازدیدها: ۳

خطبه ۱۰۳ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

القسم الأول
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی شَرَعَ الْإِسْلَامَ- فَسَهَّلَ شَرَائِعَهُ لِمَنْ وَرَدَهُ- وَ أَعَزَّ أَرْکَانَهُ عَلَى مَنْ غَالَبَهُ- فَجَعَلَهُ أَمْناً لِمَنْ عَلِقَهُ- وَ سِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ- وَ بُرْهَاناً لِمَنْ تَکَلَّمَ بِهِ- وَ شَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ عَنْهُ- وَ نُوراً لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِهِ وَ فَهْماً لِمَنْ عَقَلَ- وَ لُبّاً لِمَنْ تَدَبَّرَ- وَ آیَهً لِمَنْ تَوَسَّمَ- وَ تَبْصِرَهً لِمَنْ عَزَمَ- وَ عِبْرَهً لِمَنِ اتَّعَظَ وَ نَجَاهً لِمَنْ صَدَّقَ وَ ثِقَهً لِمَنْ تَوَکَّلَ- وَ رَاحَهً لِمَنْ فَوَّضَ وَ جُنَّهً لِمَنْ صَبَرَ- فَهُوَ أَبْلَجُ الْمَنَاهِجِ وَ أَوْضَحُ الْوَلَائِجِ- مُشْرَفُ الْمَنَارِ مُشْرِقُ الْجَوَادِّ- مُضِی‏ءُ الْمَصَابِیحِ کَرِیمُ الْمِضْمَارِ- رَفِیعُ الْغَایَهِ جَامِعُ الْحَلْبَهِ- مُتَنَافِسُ السُّبْقَهِ شَرِیفُ الْفُرْسَانِ- التَّصْدِیقُ مِنْهَاجُهُ- وَ الصَّالِحَاتُ مَنَارُهُ- وَ الْمَوْتُ غَایَتُهُ وَ الدُّنْیَا مِضْمَارُهُ- وَ الْقِیَامَهُ حَلْبَتُهُ وَ الْجَنَّهُ سُبْقَتُهُ

اللغه
أقول: الأبلج: الواضح المشرق. و الولیجه: بطانه الرجل و خاصّته. و المضمار: محلّ تضمیر الخیل للسباق. و الحلبه: خیل یجمع من مواضع متفرّقه للسباق، و قد تطلق على مجمعها. و السبقه: ما یستبق علیه من الخطر.

المعنى
و قد حمد اللّه سبحانه باعتبار ما أنعم به من وضع شریعه الإسلام للعقول لتسلک بها إلیه، و أشار بشرائعه إلى موارد العقول من أرکانه، و تسهیله لها إیضاح قواعده و خطاباته بحیث یفهمهما الفصیح و الألکن و یشارک الغبىّ فی ورود مناهلها الفطن الذکىّ، و إعزاز أرکانه حمایتها و رفعها على من قصد هدمه و إطفاء نوره مغالبه من المشرکین و الجاهلین. ثمّ مدح الإسلام بأوصاف أسندها إلى مفیضه و شارعه سبحانه و تعالى:
أحدها: جعله أمنا لمن علقه
و ظاهر کونه أمنا لمن تعلّق به فی الدنیا من القتل و فی الآخره من العذاب.
الثانی: و سلما لمن دخله
أى مسالما له، و فی الأوّل ملاحظه لتشبیهه بالحرم باعتبار دخوله، و فی الثانی ملاحظه لشبهه بالمغالب من الشجعان باعتبار مسالمته.
و معنى مسالمه الإسلام له کونه محقون الدم مقرّرا على ما کان یملکه فکأنّ الإسلام سالمه أو صالحه لکونه لا یقتصّ ما یؤذیه بعد دخوله فیه.
الثالث: کونه برهانا لمن تکلّم به
أى فیه ما هو برهان.
الرابع: کونه شاهدا لمن خاصم به
و الشاهد أعمّ من البرهان لتناوله الجدل‏ و الخطابه.
الخامس: کونه نورا یستضاء به
فاستعار له لفظ النور، و رشّحه بذکر الاستضاءه، و وجه المشابهه کونه مقتدى به فی طریق اللّه إلى جنّته.
السادس: کونه مفهما لمن عقل.
و لمّا کان الفهم عباره عن جوده تهیّؤ الذهن لقبول ما یرد علیه کان الدخول فی الإسلام و ریاضه النفس بقواعده و أرکانه سببا عظیما لتهیّؤ الذهن لقبول الأنوار الإلهیّه و فهم الأسرار لا جرم أطلق علیه لفظ الفهم مجازا إطلاقا لاسم المسبّب على السبب.
السابع: کونه لبّا لمن تدبّر
و لمّا کان اللبّ هو العقل أطلق علیه لفظ العقل و إن کان مسبّبا له کالمجاز الأوّل، و أراد العقل بالملکه و ما فوقه من مراتب العقل فإنّ الإسلام و قواعده أقوى الأسباب لحصول العقل بمراتبه.
الثامن: کونه آیه لمن توسّم
و أراد من تفرّس طرق الخیر و مقاصده فإنّ الإسلام آیه و علامه لذلک المتفرّس، إذ اهتدى بها فقد وقع فی طریق الهدى.
التاسع: کونه تبصره لمن عزم
و أراد من عزم على أمر قصده فإنّ فی الإسلام تبصره لکیفیّه فعله على الوجه الّذی ینبغی.
العاشر: کونه عبره لمن اتّعظ
و ذلک ظاهر فإنّ الإسلام نعم المعبر بنفس المتّعظ إلى حضره قدس اللّه بما فیه من أحوال القرون الماضیه و تصرّف الزمان بهم.
الحادى عشر: کونه نجاه لمن صدّق
الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلم فیما جاء به. فإنّ دخوله فی الإسلام سبب نجاته من سیوف اللّه فی الدنیا و عذابه فی الآخره، و أطلق علیه اسم النجاه إطلاقا لاسم المسبّب على السبب.
الثانی عشر: کونه ثقه لمن توکّل  

أى هو سبب ثقه المتوکّلین على اللّه لاشتماله على الوعد الکریم و به یکون استعدادهم للتوکّل.
الثالث عشر: کونه راحه لمن فوّض
أى من ترک البحث و الاستقصاء فی الدلائل و تمسّک بأحکام الإسلام و دلائل القرآن و السنّه المتداوله بین أهله و فوّض أمره إلیه استراح بذلک التفویض. و قیل: بل المراد أنّ فیه الندب إلى تفویض‏ الأمور إلى اللّه و علم ما لم یعلم منها و ترک التکلیف به و ذلک راحته، و قیل: بل المراد أنّ المسلم إذا کمل إسلامه و فوّض أمره إلى اللّه کفاه اللّه جمیع اموره و أراحه من الاهتمام بها.
الرابع عشر: کونه جنّه لمن صبر
أى صبر على العمل بقواعده و أرکانه، و ظاهر کونه جنّه من عذاب اللّه، و لفظ الجنّه مستعار.
الخامس عشر: أبلج المناهج
و مناهج الإسلام طرقه و أرکانه الّذی یصدق على من سلکها أنّه مسلم، و هى الإقرار باللّه و رسوله و التصدیق بما ورد به الشریعه کما یفسّره هو به، و ظاهر کونها أنوار واضحه الهدى.
السادس عشر: کونه واضح الولایج
واضح البواطن و الأسرار لمن نظر إلیه بعین الاعتبار.
السابع عشر: کونه مشرف المنار
و منار الإسلام الأعمال الصالحات الّتی یقتدى بها السالکون کالعبادات الخمس و نحوها، و ظاهر کونه مشرفه عالیه على غیرها من العبادات السابقه.
الثامن عشر: کونه مشرق الجوادّ
و هو قریب من أبلج المناهج.
التاسع عشر: کونه مضی‏ء المصابیح
و کنّى بها عن علماء الإسلام و أئمّته کنایه بالمستعار، و رشّح بذکر الإضاءه، و کنّى بها عن ظهور العلم عنهم و اقتداء الخلق بهم، و یحتمل أن یرید بالمصابیح أدلّه الإسلام کالکتاب و السنّه.
العشرون: کونه کریم المضمار
و مضمار الإسلام الدنیا کما سنذکره، و لا شکّ فی کونها کریمه باعتبار اقتباس الأنوار منها و العبور بها إلى اللّه تعالى، و لفظ المضمار مستعار لها، و قد سبق بیانه.
الحادى و العشرون: کونه رفیع الغایه
و لمّا کانت غایته الوصول إلى حضره ربّ العالمین الّتی هی جنّه المأوى لا جرم کان رفیع الغایه. إذ لا غایه أرفع منها و أعلى مرتبه.
الثانی و العشرون: کونه جامع الحلبه
و استعار لفظ الحلبه للقیامه فإنّها حلبه الإسلام کما سنبیّنه، و وجه الاستعاره کونها محلّ الاجتماع بها للسباق إلى حضره اللّه الّتی هی الجنّه کاجتماع الخیل للسباق إلى الرهن.
الثالث و العشرون: کونه متنافس السبقه
و لمّا کانت سبقته الجنّه کانت أشرف ما یتنافس فیها.
الرابع و العشرون: کونه شریف الفرسان
و استعار لفظ الفرسان لعلمائه الّذین هم فرسان العلوم و رجالها ملاحظه لشبههم بالفرس الجواد الّذی یجارى راکبه.
الخامس و العشرون: التصدیق منهاجه
و هى إلى آخره تفسیر لما اهمل تفسیره من منهاجه و مناره و غایته و مضماره و حلبته و سبقته، و إنّما جعل الموت غایه: أى الغایه القریبه الّتی هى باب الوصول إلى اللّه تعالى، و یحتمل أن یرید بالموت موت الشهوات فإنّها غایه قریبه للإسلام أیضا، و کذلک استعار لفظ السبقه للجنّه لکونها الثمره المطلوبه و الغایه من الدین کما أنّ السبقه غایه سعى المتراهنین.

 

القسم الثانی

منها فی ذکر النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلم:
حَتَّى أَوْرَى قَبَساً لِقَابِسٍ- وَ أَنَارَ عَلَماً لِحَابِسٍ- فَهُوَ أَمِینُکَ الْمَأْمُونُ- وَ شَهِیدُکَ یَوْمَ الدِّینِ- وَ بَعِیثُکَ نِعْمَهً وَ رَسُولُکَ بِالْحَقِّ رَحْمَهً- اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَهُ مَقْسَماً مِنْ عَدْلِکَ- وَ اجْزِهِ مُضَعَّفَاتِ الْخَیْرِ مِنْ فَضْلِکَ- اللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِینَ بِنَاءَهُ- وَ أَکْرِمْ لَدَیْکَ نُزُلَهُ- وَ شَرِّفْ عِنْدَکَ مَنْزِلَهُ- وَ آتِهِ الْوَسِیلَهَ وَ أَعْطِهِ السَّنَاءَ وَ الْفَضِیلَهَ- وَ احْشُرْنَا فِی زُمْرَتِهِ- غَیْرَ خَزَایَا وَ لَا نَادِمِینَ- وَ لَا نَاکِبِینَ وَ لَا نَاکِثِینَ- وَ لَا ضَالِّینَ وَ لَا مُضِلِّینَ وَ لَا مَفْتُونِینَ قال الشریف: و قد مضى هذا الکلام فیما تقدم، إلا أننا کررناه ههنا لما فی الروایتین من الاختلاف.

اللغه
أقول: القبس: الشعله. و أورى: أشعل. و الحابس: الواقف بالمکان. و النزل: ما یهیّأ للنزیل من ضیافه و نحوها. و السناء: الرفعه. و الزمره: الجماعه من الناس. و الناکب: المنحرف من الطریق.

المعنى
فقوله: حتّى أورى. إلى قوله: لحابس.
 غایه لکلام مدح فیه النبىّ صلّى اللّه علیه و آله و سلم و ذکر جهاده و اجتهاده فی الدین للغایه المذکوره، و استعار لفظ القبس لأنوار الدین المشتعله لتقتبس منها نفوس الخلائق أنوار الهدى، و کذلک استعار لفظ العلم و أسند إلیه تنویره. و یفهم منه أمران: أحدهما: أنّه أظهر أنوارا جعلها أعلاما یهتدى بها فی سبیل اللّه من حبسته [أجلسته خ‏] ظلمه الحیره و الشبهه عن سلوکها فهو واقف على ساق التحیّر کقوله تعالى «وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَیْهِمْ قامُوا»«» و کنّى بتلک الأعلام عن آیات الکتاب و السنن. الثانی: أن یکون المراد بالأعلام أئمّه الدین، و تنویره لها تنویر قلوبهم بما ظهر عن نفسه القدسیّه من الکمالات و العلوم.

و قوله: فهو أمینک المأمون.
 أى على وحیک، و شهیدک یوم الدین: أى على خلقک، و بعیثک نعمه: أى مبعوثک إلیهم نعمه علیهم بهدایتهم به إلى جنّتک، و رسولک بالحقّ رحمه لعبادک أن یقعوا فی مهاوى الهلاک بسخطک «وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلَّا رَحْمَهً لِلْعالَمِینَ» ثمّ أردفه بالدعاء له صلّى اللّه علیه و آله و سلم فدعا اللّه أن یقسم له مقسما من عدله، و لمّا کان مقتضى عدل اللّه أن یبلغ نفسا هى محلّ الرساله أقصى ما استعدّت له من درجات الکمال و یعدّها بذلک لکمال أعلى، دعا له أن یقسم له نصیبا وافرا من عدله یعدّه به للدرجات من رتب الوصول الغیر المتناهیه.

و قوله: و اجزه مضاعفات الخیر من فضلک.
و قول لمّا دعا له بما یستحقّه زاد على ذلک فدعا له بأن یتفضّل علیه بزیاده من فضله فیضاعف له ما یستحقّه من الخیرات.

و قوله: اللّهمّ أعل على بناء البانین بنائه.
 دعاء لیشیّد ما بناه من قواعد الدین على سائر بناء البانین للشرائع من الرسل قبله، و أراد ما بناه لنفسه من مراتب الکمال، و لفظ البناء مستعار. ثمّ دعا أن یکرم لدیه ما هیّأه له من الثواب الجزیل و أن یشرّف مقامه فی حضره قدسه و أن یؤتیه ما یتوسّل به إلیه و یقرّ به منه، و هو أن یکمّل استعداده لما هو أتمّ القوّه على الوصول إلیه، و أن یعطیه الرفعه و یشرّفه بالفضیله التامّه، و أن یحشره فی زمرته على أحوال: غیر خازین: أى بقبائح الذنوب، و لا نادمین على التفریط فی جنب اللّه و التقصیر فی العمل بطاعته، و لا ناکبین منحرفین عن سبیله إلى أحد طرفى التفریط و الإفراط، و لا ناکثین لعهوده و مواثیقه الّتى واثق بها خلقه أن یعبدوه و یخلصوا له الدین، و لا ضالّین عن سواء السبیل العدل، و لا مفتونین بشبهات الأباطیل. و باللّه التوفیق.


القسم الثالث

و منها فی خطاب أصحابه:
وَ قَدْ بَلَغْتُمْ مِنْ کَرَامَهِ اللَّهِ تَعَالَى لَکُمْ- مَنْزِلَهً تُکْرَمُ بِهَا إِمَاؤُکُمْ- وَ تُوصَلُ بِهَا جِیرَانُکُمْ- وَ یُعَظِّمُکُمْ مَنْ لَا فَضْلَ لَکُمْ عَلَیْهِ- وَ لَا یَدَ لَکُمْ عِنْدَهُ- وَ یَهَابُکُمْ مَنْ لَا یَخَافُ لَکُمْ سَطْوَهً- وَ لَا لَکُمْ عَلَیْهِ إِمْرَهٌ- وَ قَدْ تَرَوْنَ عُهُودَ اللَّهِ مَنْقُوضَهً فَلَا تَغْضَبُونَ- وَ أَنْتُمْ لِنَقْضِ ذِمَمِ آبَائِکُمْ تَأْنَفُونَ- وَ کَانَتْ أُمُورُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ تَرِدُ- وَ عَنْکُمْ تَصْدُرُ وَ إِلَیْکُمْ تَرْجِعُ- فَمَکَّنْتُمُ الظَّلَمَهَ مِنْ مَنْزِلَتِکُمْ- وَ أَلْقَیْتُمْ إِلَیْهِمْ أَزِمَّتَکُمْ- وَ أَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللَّهِ فِی أَیْدِیهِمْ- یَعْمَلُونَ بِالشُّبُهَاتِ- وَ یَسِیرُونَ فِی الشَّهَوَاتِ- وَ ایْمُ اللَّهِ لَوْ فَرَّقُوکُمْ تَحْتَ کُلِّ کَوْکَبٍ- لَجَمَعَکُمُ اللَّهُ لِشَرِّ یَوْمٍ لَهُمْ

المعنى
أقول: صدّر هذا الفصل بتذکیرهم المنزله الّتى أکرمهم اللّه بها من الإسلام‏ و الهدایه للإیمان و ما فی تلک المنزله من الفضل حتّى عمّت حرمتها إمائهم و جیرانهم و إن کانوا غیر مسلمین، و عظّمهم من لا فضل لهم علیه و لا ید لهم عنده، و هابهم من لا یخاف سطوتهم. و ظاهر أنّ سبب ذلک کلّه هو کرامه اللّه لهم بالإسلام و الهدایه للإیمان. ثمّ لمّا قرّر نعمه اللّه علیهم أردف ذلک بالتوبیخ لهم على اتتقصیر فی أداء واجب حقّه، و أشار إلى ارتکابهم لبعض مسبّبات کفران نعمته و هو عدم إنکارهم لما یرون من نقض عهود اللّه و سکوتهم علیها و عدم غضبهم منها کالراضین بذلک، و أراد بذلک بغى البغاه و خروج الخوارج و سائر المنکرات الّتى وقعت من أهل الشام و غیرهم، خالفوا فیها أمر اللّه و نکثوا بیعته الّتى هى عهد من عهود اللّه علیهم فإنّ السکوت على مثل ذلک مع التمکّن من إزالته و إنکاره بالجهاد منکرهم راکبوه، و الواو فى قوله: و أنتم للحال: أى و أنتم مع ذلک تأنفون لنقض ذمم آبائکم فکان یجب منکم بطریق الأولى أن تأنفوا لعهود اللّه أن تنقض و ذممه أن تخفر. ثمّ ذکّرهم تقریطهم و تهاونهم فی الأمور الّتى کان اللّه سبحانه فرضها علیهم و جعلهم موردها و مصدرها من امور الإسلام و أحکامه و التسلّط به على سائر الناس و بکّتهم بتمکینهم الظلمه فی منزلتهم تلک من الإسلام، و أراد بالظلمه معاویه و قومه و بتمکینهم لهم تخاذلهم عنهم و إلقائهم أزمّه الامور إلیهم بذلک، و لفظ الأزمّه مستعار، و الامور الّتى سلّموها إلیهم أحوال بلاد الإسلام. کلّ ذلک بالتقصیر عن مجاهدتهم. و عملهم بالشبهات: عملهم على وفق أوهامهم الفاسده و آرائهم الباطله الّتى یتوهّمونها حججا فیما یفعلون، و سیرهم فی الشهوات: قطع أوقاتهم بالانهماک فی مقتضیات الشهوه. و قوله: و أیم اللّه. إلى آخره. تحذیر لهم و إنذار بما سیکون من بنى امیّه من جمع الناس فی بلائهم و شرورهم و عموم فتنتهم، و کنّى بالیوم عن مدّه خلافتهم الّتى کانت شرّ الأوقات على الإسلام و أهله، و إنّما نسب التفریق إلیهم و الجمع إلى اللّه تقریرا لما سینزل به قدره من ابتلاء الخلق بهم فإنّهم لو فرّقوهم فی أطراف البلاد لم یغنهم ذلک التفریق عن لحوق قدر اللّه لهم و لم یمنعهم من نزوله بجمیعهم بما یراد لهم من الابتلاء بدوله بنى امیّه و شرورها، و أحوال دولتهم مع الخلق خصوصا الصالحین من عباد اللّه ظاهره. و باللّه العصمه و التوفیق

شرح نهج البلاغه(ابن نمیثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۳۰

بازدیدها: ۱۶

خطبه ۱۰۲ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً ص- شَهِیداً وَ بَشِیراً وَ نَذِیراً- خَیْرَ الْبَرِیَّهِ طِفْلًا- وَ أَنْجَبَهَا کَهْلًا- وَ أَطْهَرَ الْمُطَهَّرِینَ شِیمَهً- وَ أَجْوَدَ الْمُسْتَمْطَرِینَ دِیمَهً فَمَا احْلَوْلَتْ لَکُمُ الدُّنْیَا فِی لَذَّتِهَا- وَ لَا تَمَکَّنْتُمْ مِنْ رَضَاعِ أَخْلَافِهَا- إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا صَادَفْتُمُوهَا جَائِلًا خِطَامُهَا- قَلِقاً وَضِینُهَا- قَدْ صَارَ حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَامٍ- بِمَنْزِلَهِ السِّدْرِ الْمَخْضُودِ- وَ حَلَالُهَا بَعِیداً غَیْرَ مَوْجُودٍ- وَ صَادَفْتُمُوهَا وَ اللَّهِ ظِلًّا مَمْدُوداً- إِلَى أَجْلٍ مَعْدُودٍ- فَالْأَرْضُ لَکُمْ شَاغِرَهٌ- وَ أَیْدِیکُمْ فِیهَا مَبْسُوطَهٌ- وَ أَیْدِی الْقَادَهِ عَنْکُمْ مَکْفُوفَهٌ- وَ سُیُوفُکُمْ عَلَیْهِمْ مُسَلَّطَهٌ- وَ سُیُوفُهُمْ عَنْکُمْ مَقْبُوضَهٌ- أَلَا وَ إِنَّ لِکُلِّ دَمٍ ثَائِراً- وَ لِکُلِّ حَقٍّ طَالِباً- وَ إِنَّ الثَّائِرَ فِی دِمَائِنَا کَالْحَاکِمِ فِی حَقِّ نَفْسِهِ- وَ هُوَ اللَّهُ الَّذِی لَا یُعْجِزُهُ مَنْ طَلَبَ- وَ لَا یَفُوتُهُ مَنْ هَرَبَ- فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ یَا بَنِی أُمَیَّهَ عَمَّا قَلِیلٍ- لَتَعْرِفُنَّهَا فِی أَیْدِی غَیْرِکُمْ- وَ فِی دَارِ عَدُوِّکُمْ أَلَا إِنَّ أَبْصَرَ الْأَبْصَارِ مَا نَفَذَ فِی الْخَیْرِ طَرْفُهُ- أَلَا إِنَّ أَسْمَعَ الْأَسْمَاعِ مَا وَعَى التَّذْکِیرَ وَ قَبِلَهُ أَیُّهَا النَّاسُ- اسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَهِ مِصْبَاحٍ وَاعِظٍ مُتَّعِظٍ- وَ امْتَاحُوا مِنْ صَفْوِ عَیْنٍ قَدْ رُوِّقَتْ مِنَ الْکَدَرِ- عِبَادَ اللَّهِ لَا تَرْکَنُوا إِلَى جَهَالَتِکُمْ- وَ لَا تَنْقَادُوا إِلَى أَهْوَائِکُمْ فَإِنَّ النَّازِلَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُفٍ هَارٍ- یَنْقُلُ الرَّدَى عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ‏ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ- لِرَأْیٍ یُحْدِثُهُ بَعْدَ رَأْیٍ- یُرِیدُ أَنْ یُلْصِقَ مَا لَا یَلْتَصِقُ- وَ یُقَرِّبَ مَا لَا یَتَقَارَبُ- فَاللَّهَ اللَّهَ أَنْ تَشْکُوا إِلَى مَنْ لَا یُشْکِی شَجْوَکُمْ- وَ لَا یَنْقُضُ بِرَأْیِهِ مَا قَدْ أَبْرَمَ لَکُمْ- إِنَّهُ لَیْسَ عَلَى الْإِمَامِ إِلَّا مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ- الْإِبْلَاغُ فِی الْمَوْعِظَهِ- وَ الِاجْتِهَادُ فِی النَّصِیحَهِ- وَ الْإِحْیَاءُ لِلسُّنَّهِ- وَ إِقَامَهُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّیهَا- وَ إِصْدَارُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا- فَبَادِرُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِ تَصْوِیحِ نَبْتِهِ- وَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا بِأَنْفُسِکُمْ- عَنْ مُسْتَثَارِ الْعِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ- وَ انْهَوْا عَنِ الْمُنْکَرِ وَ تَنَاهَوْا عَنْهُ- فَإِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالنَّهْیِ بَعْدَ التَّنَاهِی


اللغه

أقول: الشیمه: الخلق. و احلولى: حلا. و الخلف: حلمه ضرع الناقه. و الوضین: حزام الهودج. و المخضود: الّذی لا شوک فیه. و الماتح: الجاذب للدلو من البئر. و شغر الکلب: رفع إحدى رجلیه لیبول. و الترویق: التصفیه. و الجرف: المکان یأکله السیل. و هار: أصله هائر و هو المنهدم نقلت من الثلاثى إلى الرباعى کشائک و شاکى. و الشجو: الهمّ و الحزن. و صوّح النبت: یبس.

المعنى

و قوله: حتّى بعث محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلم. إلى قوله: من بعده.
 افتخار به صلّى اللّه علیه و آله و سلم و مدح له بالقوّه فی الدین و توبیخ لجمّع الدنیا و محبّیها بعده، و هو غایه لفصل سابق کأنّه ذکر فیه ما کانوا علیه من سوء الحال و القشف و الفقر، و منّ علیهم بذکر هذه الغایه الحسنه لتلک الأحوال، و وصّفه بأوصاف: أحدها: کونه شهیدا، أى على الخلق بأعمالهم یوم القیامه کما قال تعالى «فَکَیْفَ إِذا جِئْنا مِنْ کُلِّ أُمَّهٍ بِشَهِیدٍ وَ جِئْنا بِکَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِیداً»«» و قد عرفت کیفیّه هذه الشهاده.

الثانی: و بشیرا للخلق بما أعدّهم من الثواب العظیم. الثالث: و نذیرا لهم بما أعدّ للعصاه من العذاب الألیم. و ینتظم هذه الأوصاف قوله تعالى «إِنَّا أَرْسَلْناکَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِیراً»«» و الثلاثه أحوال. الرابع: خیر البریّه طفلا، و لمّا علمت أنّ الأفضلیّه إنّما هى بالأعمال الصالحه و التسدید لسلوک سبیل اللّه و کان هو صلّى اللّه علیه و آله و سلم منذ صباه و طفولیّته أفضل الخلق فی لزوم ذلک لا جرم کان خیر الناس طفلا. الخامس: و أنجبها کهلا، و لمّا کانت النجابه مستلزمه لکرم الخصال و التقاط الفضائل و تتبّعها و کان هو صلّى اللّه علیه و آله و سلم فی کهولته و زهوته منبع کلّ فضیله لا جرم کان أنجبهم کهلا. و طفلا و کهلا منصوبان على الحال أیضا. السادس: کونه أطهر المطهّرین شیمه، و لمّا کان صلّى اللّه علیه و آله و سلم متمّم مکارم الأخلاق الظاهره و کلّ خلق عدل فمنه مکتسب لا جرم کان أطهر الشیمه و أکرم الخلق. السابع: أجود المستمطرین دیمه. استعار له وصف السحاب المرجوّ منه نزول الدیمه و هى المطر الّذى لا رعد فیه و لا برق، و رشّح بلفظ الدیمه و کنّى بذلک عن غایه جوده و کرمه، و قد کان صلّى اللّه علیه و آله و سلم إذا أمسى آوى إلى البیت فلا یجد فیه شیئا من فضّه أو ذهب إلّا تصدّق به و لم یبت فی بیته منه شی‏ء. و شیمه و دیمه تمیزان.

و قوله: فما احلولت لکم الدنیا فی لذّاتها. إلى قوله: من بعده.
 الخطاب لبنى امیّه و نحوهم و تبکیت لهم بتطعّمهم لذّه الدنیا و ابتهاجهم بها و تمکّنهم منها بعد الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلم و تذکیر لهم بمخالفتهم لسنّته فی ذلک. و استعار لفظ الأخلاف، و کنّى به عن وجوه مکاسب الدنیا و لذّاتها، و رشّح تلک الاستعاره بذکر الرضاع، و کنّى به عن تناولها ملاحظه لتشبیهها بالناقه.

و قوله: و صادفتموها. إلى قوله: غیر موجود.
 استعار لها لفظ الخطام و الوضین و رشّحهما بالقلق و الجولان، و کنّى بذلک عن مصادفتهم للدنیا بعد رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلم غیر منظومه الحال و لا مضبوطه على ما ینبغی‏ لضعف ولاتها عن إصلاح حالها کما أنّ الناقه قلقه الحزام، و جائله الخطام غیر منظومه الآله و لا مضبوطه الحاله فهى بمعرض أن تمشى و تنصرف على غیر استقامه فهلک راکبها، ثمّ ذکر رذیله القوم فشبّه حرامها بالسدر المخضود معهم، و وجه الشبه أنّ نواهى اللّه و وعیداته على فعل المحرّمات تجرى مجرى الشوک للسدر فی کونها مانعه منه کما یمنع شوک السدر جانبه من تناول ثمرته، و لمّا کان بعض الامّه قد طرح اعتبار النواهى و الوعید جانبا عن نفسه و فعل ما حرم علیه جرى ذلک عنده مجرى تناوله للسدر الخالى عن الشوک فی استسهاله تناوله و إقدامه علیه. و کون حلالها بعیدا غیر موجود: أى بین اولئک المشار إلیهم. و جائلا و قلقا حالان.

قوله: و صادفتموها و اللّه. إلى قوله: معدودا.
 استعار لفظ الظلّ لها و رشّح بالممدود، و کنّى بذلک عن زوالها بعد حین تهدیدا لهم به، ثمّ استعار لفظ الشاغره للأرض، و کنّى به عن خلوّها لهم. یقال: بقى الأمر الفلانىّ شاغرا برجله إذا لم یکن له طالب و لا حام یحمیه، و کنّى ببسط أیدیهم فیها عن قدرتهم على التصرّف، و أراد بالقاده الخلفاء، و بسلاطه سیوفهم على القاده جرأتهم و حکمهم علیهم، و بقبض سیوف القاده عدم تمکّنهم منهم.

و قوله: ألا إنّ لکلّ دم ثائرا. إلى قوله: من هرب.
تهدید باللّه لبنى امیّه و تخویف بأخذه و عقابه. و هاتان الکلّیّتان ظاهرتا الصدق فإنّه تعالى هو الثائر لکلّ دم معصوم و الطالب به إن عدم طالبه أو ضعف، و لمّا کان دم مثلهم علیهم السّلام و سائر الصحابه ممّن عصم اللّه دمه و منع منه و حرّمه یجرى مجرى الحقّ الثابت المتعارف للّه فی کونه یطلب به و لا یهمله و هو الحاکم المطلق لا جرم استعار لفظ الثائر، و إنّما قال: کالحاکم لأنّ إطلاق لفظ الحقّ للّه تعالى به لیس بحقیقه. إذ الحقّ من شأنه أن ینتفع بأخذه و یتضرّر بترکه و البارى منزّه عن ذلک لکن لمّا جرى ذلک الدم مجرى الحقّ له تعالى، به أشبه الحاکم منّا فی استیفاء الحقّ. و وصفه تعالى بأنّه لا یعجزه مطلوب و لا یفوته هارب فی معرض التهدید لهم بأخذه و قوّته. ثمّ أردف ذلک بالقسم البارّ مخاطبا لبنى امیّه لتعرفنّها: أى الدنیا و إمرتها فی ید غیرهم من أعدائهم. و ذلک ظاهر الصدق بانتقالها إلى بنى عبّاس، ثمّ شرع بعده فی التنبیه على الفکر فی تحصیل السعاده الباقیه و الخیر الدائم و على قبول الوعظ و التذکّر فأشار إلى أنّه أبصر الأبصار ما نفذ فی الخیر طرفه، و أسمع الأسماع ما وعى التذکیر فقبله، و أراد بطرف البصر العقل و سمعه استعاره، أو حسّ البصر و السمع على معنى أنّ أفضل إبصار البصر و سماع السمع ما عاد على المبصر و السامع بالفائده المطلوبه منهما و هی تحصیل الکمالات النفسانیّه من العلوم و الأخلاق، و لمّا قدّم ذلک أمام مقصوده أیّه بالناس بعده إلى قبول قوله و الاستصباح بنوره، و استعار لنفسه لفظ المصباح، و رشّح بذکر الشعله و الاستصباح، و استعار لفظ العین و رشّح بذکر الصفو و الترویق و المتح، و وجه الاستعاره الاولى کونه مقتدى به کالمصباح، و وجه الثانیه کون المستفاد منه مادّه الحیاه الأبدیّه کما أنّ ماء العین مادّه الحیاه الدنیویّه و کنّى بترویقها من الکدر عن رسوخه فیما علم بحیث لا یتطرّق إلیه فیه شبهه تکدر یقینه، و هو أمر لهم بالاهتداء به و أخذ العلوم و الأخلاق عنه. ثمّ لمّا أمر بأخذهما عنه أردفه بالنهى عن الجهل و الرکون إلیه ثمّ عن الانقیاد للأهواء الباطله المخرجه عن کرائم الأخلاق إلى رذائلها و عن حقّ المصالح إلى باطلها.

و قوله: فإنّ النازل بهذا المنزل.
 أراد المنزل المشیر المدّعى للنصیحه لهم عن جهل منه بوجوه المصالح و ذلک أنّه علیه السّلام کان یرى الرأى الصالح، و یشیر علیهم به فإذا خلا بعضهم إلى بعض فما کان من ذلک فیه مشقّه علیهم من جهاد أو مواظبه على عمل شاقّ أشار منافقوهم المبغضون المدّعون لأهلیّتهم لمقامه بعکس ما رأى فیه و أشار به ردّ و هم عنه إلى ما یوافق أهوائهم و یلائم طباعهم إفسادا فی الدین، و أشار علیه السّلام إلى ما نزّل نفسه منزله المشیر الناصح مع أنّ کلّ ما یشیر به عن هوى متّبع و جهل فهو على شفا جرف هار، و استعار لفظ الجرف للآراء الفاسده الصادره فإنّها لم تبن على نظام العقل و لم ترخّص فیه الشریعه فکانت منهاره لا یبنى علیها إلّا ما کان بصدد أن ینهار، و کأنّ المشیر بها واقف على شفا جرف هار منها ینهار به فی نار جهنّم أو فی الهلاک الحاضر.

یقال لمن فعل فعلا على غیر أصل أو یتوقّع له منه عقوبه مثلا: إنّه على شفا جرف هار، و نحوه قوله تعالى «أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْیانَهُ عَلى‏ شَفا جُرُفٍ هارٍ»«» الآیه.

و قوله: ینقل الردى على ظهره من موضع.
 لمّا کان الردى هو الهلاک و کان الرأى الفاسد یستلزم الهلاک للمشار علیه و للمشیر کان المشیر على الخلق به عن هوى کالناقل للهلاک من شخص إلى غیره و المقسّم له على من یشیر علیهم به. و هو فی معرض التنفیر عنه.
و قوله: لرأى یحدثه بعد رأى یرید أن یلصق ما لا یلتصق.

و قوله: لرأى یحدثه بعد رأى یرید أن یلصق ما لا یلتصق. ذکر غایه تنقّله من موضع إلى آخر فإنّ نقله للردى یستلزم أن ینقله، و روى: و لرأى بالواو. و على هذا یکون کلاما مستأنفا، و التقدیر أنّ بسبب رأى یحدثه یرید إلصاق ما لا یلتصق. و استعار لفظ اللصق للصلح: أى یرید أن یصلح بینکم و بین أعدائکم و ذلک أمر لا ینصلح، و وجه المشابهه کون الخصمین‏ فی طرفین یجمعهما الصالح و یوجب لهما الاتّحاد کما یجمع اللصاق بین الملتصقین، و یحتمل أن یرید أن یلصق بکم من الآراء الفاسده ما لا ینبغی أن یلتصق بکم، و کذلک قوله: و یقرّب ما لا یتقارب و یقرّب علیکم ما بینکم و بینهم من البعد و الافتراق و ذلک أمر لا یتقارب. و یفهم من هذا أنّ من کان ینهاهم عن الرکون إلى استشارته کان یخذلهم عن الحرب بذکر الصلح بینهم و بین معاویه و الدخول فیه. ثمّ حذّرهم اللّه و عقابه فی أن یشکوا إلى من لا یشتکى حزنهم، و ذل أنّ المشتکى إلیه و المستشار إذا لم یساهم الشاکى همّه لم یکن أهلا للرأى فی مثل ذلک الأمر المشکوک و إن کان معروفا بجوده الرأى، و سرّ ذلک أنّ الاهتمام بالأمر یبعث رائد الفکر على الاستقصاء فی تفتیش وجوه الآراء الصالحه فیه فیکون بصدد أن یستخرج منها أصلحها و أنفعها و إن کان دون غیره فی جوده الرأى بخلاف الخلىّ العدیم الباعث على طلب الأصلح. و أردفهم بنهیهم عن أن ینقض برأیه الفاسد ما قد أبرمه هو علیه السّلام لهم من الرأى الصائب فی التجرّد للحرب. ثمّ أردفه ببیان ما یجب على الإمام ممّا هو تکلیفه بالنسبه إلى الرعیّه، و فائده ذلک الإعذار إلیهم فیما هم عساهم ینسبونه إلیه من تقصیر فیرکنون إلى غیره فی الرأى و نحوه، و ذکر امورا خمسه: الإبلاغ فی موعظه العباد. ثمّ الاجتهاد فی النصیحه لهم. ثمّ الإحیاء لسنّه اللّه و رسوله فیهم. ثمّ إقامه الحدود الّتی یستحقّونها بجنایاتهم. ثمّ إصدار السهمان على أهلها. و السهمان: جمع سهم و هو النصیب المستحقّ به للمسلم من بیت المال. ثمّ لمّا سبق نهیه عن الرکون إلى الجهل أمر هنا بالمبادره إلى العلم من قبل تصویح نبته، و استعار لفظ النبت، و رشّح بذکر التصویح، و کنّى به عن عدمه بموته علیه السّلام.

و قوله: من قبل أن تشغلوا بأنفسکم.
 أى بتخلیصها من شرور الفتن الّذی ستنزل بهم من بنى امیّه و معاناتها، و مستشار العلم ما استشیر منه و استخرج، و أهله هو علیه السّلام و من فی معناه. ثمّ أمرهم بالانتهاء عن المنکر، ثمّ ینهى غیر هم فإنّ النهى عن الشی‏ء بعد الانتهاء عنه هو النهى المثمر المطابق لمقتضى الحکمه. إذ کان انفعال الطباع عن مشاهده الأفعال و الاقتداء بها أقوى و أسرع منها عن سماع الأقوال خصوصا إذا خالفها فعل القائل. و ذلک أمر ظاهر شهدت به العقول السلیمه و التجارب و توافقت علیه الآراء و الشرائع، و إلیه أشار الشاعر:
              لا تنه عن خلق و تأتى مثله               عار علیک إذا فعلت عظیم‏

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۲۳

 

بازدیدها: ۱۴

خطبه ۱۰۱ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام
و قد تقدم مختارها بخلاف هذه الروایه أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ص- وَ لَیْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ یَقْرَأُ کِتَاباً- وَ لَا یَدَّعِی نُبُوَّهً وَ لَا وَحْیاً- فَقَاتَلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ عَصَاهُ- یَسُوقُهُمْ إِلَى مَنْجَاتِهِمْ- وَ یُبَادِرُ بِهِمُ السَّاعَهَ أَنْ تَنْزِلَ بِهِمْ- یَحْسِرُ الْحَسِیرُ وَ یَقِفُ الْکَسِیرُ- فَیُقِیمُ عَلَیْهِ حَتَّى یُلْحِقَهُ غَایَتَهُ- إِلَّا هَالِکاً لَا خَیْرَ فِیهِ- حَتَّى أَرَاهُمْ مَنْجَاتَهُمْ- وَ بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ- فَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ- وَ اسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ- وَ ایْمُ اللَّهِ لَقَدْ کُنْتُ مِنْ سَاقَتِهَا- حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِیرِهَا- وَ اسْتَوْسَقَتْ فِی قِیَادِهَا- مَا ضَعُفْتُ وَ لَا جَبُنْتُ- وَ لَا خُنْتُ وَ لَا وَهَنْتُ- وَ ایْمُ اللَّهِ لَأَبْقُرَنَّ الْبَاطِلَ- حَتَّى أُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصِرَتِهِ أقول: لنشرح ما انفردت هذه الروایه من الزیاده على الفصل المتقدّم:


اللغه
فالحسیر: الّذى أعیا فی طریقه. و الرحا: قطعه من الأرض تستدیر و ترفع على ما حولها. و استوسقت: اجتمعت و انتظمت. و خمت: جنبت.

المعنى
فقوله: فقاتل بمن أطاعه من عصاه. معناه ظاهر.

و قوله: و یبادر بهم الساعه أن تنزل بهم. أى یسارع إلى هدیهم و تسلیکهم لسبیل اللّه کیلا تنزل بهم الساعه على عمى منهم عن صراط اللّه فیقعوا فی مهاوى الهلاک. و قوله: یحسر الحسیر و یقف الکسیر. إلى قوله: لا خیر فیه. إشاره إلى وصفه علیه السّلام بالشفقّه على الخلق فی حال أسفارهم معه فی الغزوات و نحوها: أى أنّه کان یسیر فی آخرهم و یفتقد المنقطع منهم عن عیاء و انکسار مرکوب فلا یزال یلطف به حتّى یبلّغه أصحابه إلّا ما لا یمکن إیصاله و لا یرجى. قال بعض السالکین: کنّى بالحسیر و الکسیر عمن عجز و وقف قدم عقله فی الطریق إلى اللّه لضعف فی عین بصیرته و اعوجاج فی آله إدراکه، و بقیامه علیه حتّى یلحقه إلى غایته عن أخذه له بوجوه الحیل و الجواذب إلى الدین حتّى یوصله إلى ما یمکن من العقیده المرضیّه و الأعمال الزکیّه الّتى هى الغایه من طریق الشریعه المطلوب سلوکها. و قوله: إلّا هالکا لا خیر فیه. أراد به من کان مأیوسا من رشده لعلمه بأنّ تقویمه غیر ممکن کأبى لهب و أبى جهل و نحوهما. و قوله: فاستدارت رحاهم. استعار لهم لفظ الرحا لاجتماعهم و ارتفاعهم على غیرهم کما یرتفع القطعه من الأرض عن تألّف التراب و نحوه. و قوله: و استوسقت فی قیادها. إشاره إلى طاعه من أطاع من العرب و انقاد للإسلام، و استعار لفظ الاتّساق و القیاد ملاحظه لتشبیههم بالإبل المجتمعه لسائقها و المنتظمه فی قیاده لها، و استعار لفظ الخاصره للباطل، و رشّح تلک الاستعاره بذکر البقر ملاحظه لشبهه بالحیوان المبتلع ما هو أعزّ قیمه منه، و کنّى به عن تمیّز الحقّ منه. و باللّه التوفیق.

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۲۳

 

بازدیدها: ۴

خطبه ۱۰۰ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

القسم الأول
انْظُرُوا إِلَى الدُّنْیَا نَظَرَ الزَّاهِدِینَ فِیهَا- الصَّادِفِینَ عَنْهَا- فَإِنَّهَا وَ اللَّهِ عَمَّا قَلِیلٍ تُزِیلُ الثَّاوِیَ السَّاکِنَ- وَ تَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الآْمِنَ- لَا یَرْجِعُ مَا تَوَلَّى مِنْهَا فَأَدْبَرَ- وَ لَا یُدْرَى مَا هُوَ آتٍ مِنْهَا فَیُنْتَظَرَ سُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ- وَ جَلَدُ الرِّجَالِ فِیهَا إِلَى الضَّعْفِ وَ الْوَهْنِ- فَلَا یَغُرَّنَّکُمْ کَثْرَهُ مَا یُعْجِبُکُمْ فِیهَا- لِقِلَّهِ مَا یَصْحَبُکُمْ مِنْهَا- رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً تَفَکَّرَ فَاعْتَبَرَ- وَ اعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ- فَکَأَنَّ مَا هُوَ کَائِنٌ مِنَ الدُّنْیَا عَنْ قَلِیلٍ لَمْ یَکُنْ- وَ کَأَنَّ مَا هُوَ کَائِنٌ مِنَ الْآخِرَهِ- عَمَّا قَلِیلٍ لَمْ یَزَلْ- وَ کُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ- وَ کُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ- وَ کُلُّ آتٍ قَرِیبٌ دَانٍ

اللغه
أقول: صدف: أعرض. و ثوى بالمکان: أقام به. و الفجیعه: المصیبه. و الجلد: القوّه.

و حاصل الفصل تزهید الدنیا و التحذیر منها
فأمرهم أن ینظروا إلیها نظر الزاهدین فیها المعرضین عنها أمر لهم بترکها و احتقارها إلّا بمقدار الضروره إلى ما تقوم به الضروره ثمّ أردفه بذکر معایبها المنفرّه:

فالأوّل: إزالتها للمقیم بها المطمئنّ إلیها عمّا رکن إلیه منها.

الثانی: فجیعتها للمترف المتنعّم بها الّذی خدعته بأمانیها حتّى أمن فیها بسلب ما رکن إلیه و أمن علیه.

الثالث: کونها لا یرجع ما تولّى منها فأدبر من شباب و صحّه و مال و عمر و نحوه. الرابع: کونها لا یدرى ما هو آت من مصائبها فینتظر و یحترز منه. الخامس: شوب سرورها بالحزن.

إذ کان مسرورها لا یعدم فی کل أوان فوت مطلوب أو فقد محبوب. السادس: انتهاء قوّه أهلها و جلدهم إلى الضعف کما قال تعالى «ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّهٍ ضَعْفاً وَ شَیْبَهً»«» و زهّد بعض الصالحین فی الدنیا فقال: عیش مشوب بسقم منساق إلى هرم مختوم بعدم مستعقب بندم هل یجوز التنافس فیه. ثمّ نهى عن الاغترار بکثره ما یعجبهم منها و علّل حسن ذلک الانتهاء بقلّه ما یصحبهم منها فإنّ المنافسه إنّما ینبغی أن یکون باقیلا للإنسان حیث کان کان، و أشار بقلیل ما یصحبهم منها إلى الکفن و نحوه. ثمّ دعا لمن تفکّر فأفاده فکره عبره: أى انتقال ذهن إلى ما هو الحقّ من وجوب ترک الدنیا و العمل للآخره فإفاده ذلک الانتقال إدراکا للحقّ و مشاهده ببصر البصیره له ثمّ أردفه بتشبیه وجود متاع الدنیا الحاضر بعدمه تنبیها على سرعه لحوق عدمه بوجوده فکأنّ وجوده شبیه بأن لم یکن لسرعه زواله و کذلک تشبیه عدم الآخره الآن و ما یلحق فیها من الثواب و العقاب بوجودها الدائم: أى کأنّها لسرعه وجودها و لحوقها لم تزل موجوده، و نبّه بقوله: و کلّ معدود منقض. على انقضاء مدد الأعمار لکونها معدوده الأیّام و الساعات و الأنفاس. و قوله: و کلّ متوقّع آت و کلّ آت قریب دان. فی صوره الضرب الأوّل من الشکل الأوّل. و نتیجته فکلّ متوقّع قریب دان.
و الإشاره به إلى الموت و ما بعده.


القسم الثانی
الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ- وَ کَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا یَعْرِفَ قَدْرَهُ- وَ إِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَعَبْداً- وَکَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ- جَائِراً عَنْ قَصْدِ السَّبِیلِ- سَائِراً بِغَیْرِ دَلِیلٍ- إِنْ دُعِیَ إِلَى حَرْثِ الدُّنْیَا عَمِلَ- وَ إِنْ دُعِیَ إِلَى حَرْثِ الْآخِرَهِ کَسِلَ- کَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَیْهِ- وَ کَأَنَّ مَا وَنَى فِیهِ سَاقِطٌ عَنْهُ

المعنى
أقول: حصر العالم فیمن عرف قدره، و أراد بقدره مقداره من ملک اللّه و محلّه من الوجود، و لمّا کان عرفانه بذلک مستلزما لمعرفته بنسبته إلى مخلوقات اللّه فی العالمین و أنّه أیّ شی‏ء هو منها، و لأىّ شی‏ء وجد لا جرم کان هو العالم اللازم لحدّه السالک لما امر به غیر المتعدّى طوره المرسوم له فی کتاب ربّه و سنن أنبیائه. و قوله: و کفى بالمرء جهلا أن لا یعرف قدره. لمّا کان العلم مستلزما لمعرفه القدر کان عدم معرفه القدر مستلزما لعدم العلم و هو الجهل لأنّ نقیض اللازم یستلزم نقیض الملزوم، و قوله: و کفى بذلک الجهل. إشاره إلى قوّته و استلزامه للعذاب. و قوله: و إنّ من أبغض الرجال إلى اللّه. إلى قوله: قصد السبیل. قد سبق بیانه. و قوله: سائرا بغیر دلیل. کنّى بالدلیل عن أئمّه الهدى و المرشدین إلى اللّه، و یدخل فی ذلک الکتاب و السنّه. فإنّ من سار فی معاملته للّه أو لعباده بغیر دلیل منهما کان من الهالکین. و قوله: إن دعى. إلى آخره. استعار لفظ الحرث لأعمال الدنیا و أعمال الآخره، و وجه المشابهه کونها مستلزمه للمکاسب الاخرویّه و الدنیویّه کما أنّ الحرث کذلک، ثمّ شبّه ما عمل له من حرث الدنیا بالواجب علیه فی مبادرته إلیه و مواظبته علیه، و شبّه ما ا قصّر عنه من حرث الآخره بالساقط عنه فرضه فی تکاسله و قعوده عنه مع أنّ الأمر منه ینبغی أن یکون بالعکس. و باللّه التوفیق.

القسم الثالث
و منها: وَ ذَلِکَ زَمَانٌ لَا یَنْجُو فِیهِ إِلَّا کُلُّ مُؤْمِنٍ نُوَمَهٍ- إِنْ شَهِدَ لَمْ یُعْرَفْ وَ إِنْ غَابَ لَمْ یُفْتَقَدْ- أُولَئِکَ مَصَابِیحُ الْهُدَى وَ أَعْلَامُ السُّرَى- لَیْسُوا بِالْمَسَایِیحِ وَ لَا الْمَذَایِیعِ الْبُذُرِ- أُولَئِکَ یَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ- وَ یَکْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ- أَیُّهَا النَّاسُ سَیَأْتِی عَلَیْکُمْ زَمَانٌ- یُکْفَأُ فِیهِ الْإِسْلَامُ کَمَا یُکْفَأُ الْإِنَاءُ بِمَا فِیهِ- أَیُّهَا النَّاسُ- إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَاذَکُمْ مِنْ أَنْ یَجُورَ عَلَیْکُمْ- وَ لَمْ یُعِذْکُمْ مِنْ أَنْ یَبْتَلِیَکُمْ- وَ قَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ- إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ وَ إِنْ کُنَّا لَمُبْتَلِینَ

قال الشریف: قوله علیه السّلام: «کل مؤمن نومه» فانما أراد به الخامل الذکر القلیل الشر، و المساییح: جمع مسیاح، و هو الذى یسیح بین الناس بالفساد و النمائم، و المذاییع: جمع مذیاع، و هو الذى إذا سمع لغیره بفاحشه أذاعها و نوه بها، و البذر: جمع بذور و هو الذى یکثر سفهه و یلغو منطقه.

اللغه
أقول: النومه: کثیر النوم، و روى نومه بسکون الواو. و هو ضعیف. و کفأت الإناء: قلّبته لوجهه،

المعنى
و کنّى بالنومه عن خامل الذکر بین الناس المشتغل بربّه عنهم کما فسّره علیه السّلام بقوله: إن شهد لم یعرف و إن غاب لم یفتقد، و أشار بأولئک إلى کلّ مؤمن کذلک، و استعار لهم لفظ المصابیح و الأعلام لکونهم أسباب الهدایه فی سبیل اللّه، و قد سبق ذلک. و قوله: لیسوا بالمساییح. إلى قوله: ضرّاء نقمته. ظاهر. و قد فسّر السیّد- رضوان اللّه علیه- مشکله. و قوله: أیّها الناس. إلى قوله: الإناء بما فیه. إخبار بما سیکون من فساد أهل الزمان و ما یکون فیه من الفتن و ترک الدین کما سبق إشاراته، و شبّه قلبهم للزمان بقلب الإناء بما فیه و وجه الشبه خروج الإسلام عن کونه منتفعا به بعد ترکهم للعمل به کما یخرج ما فی الإناء الّذی کبّ عن الانتفاع. و أحسن بهذا التشبیه. فإنّ الزمان للإسلام کإناء للماء، و أشار إلى‏ أنّ ذلک لیس بظلم بقوله: إنّ اللّه قد أعاذکم من أن یجور علیکم فی قوله تعالى «وَ ما رَبُّکَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ»«» إنّ ذلک ابتلاء منه یبتلى به عباده کما قال تعالى «إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ وَ إِنْ کُنَّا لَمُبْتَلِینَ»«» فمن صبر نفعه صبره و من کفر فعلیه کفره، و قد عرفت معنى ابتلاء اللّه لخلقه و فائدته فلا وجه لإعادته. و باللّه التوفیق.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحه‏ى ۱۸

 

بازدیدها: ۶

خطبه۱۱۸ترجمه شرح ابن میثم بحرانی

(خطبه۱۲۱صبحی صالح)

و من خطبه له ( علیه ‏السلام ) بعد لیله الهریر

و قد قام إلیه رجل من اصحابه فقال : نهیتنا عن الحکومه ثم أمرتنابها ، فلم ندر أى الأمرین أرشد ؟ فصفق علیه السلام إحدى یدیه على الأخرى ثم قال :

هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَکَ اَلْعُقْدَهَ أَمَا وَ اَللَّهِ لَوْ أَنِّی حِینَ أَمَرْتُکُمْ بِمَا أَمَرْتُکُمْ بِهِ حَمَلْتُکُمْ عَلَى اَلْمَکْرُوهِ اَلَّذِی یَجْعَلُ اَللَّهُ فِیهِ خَیْراً فَإِنِ اِسْتَقَمْتُمْ هَدَیْتُکُمْ وَ إِنِ اِعْوَجَجْتُمْ قَوَّمْتُکُمْ وَ إِنْ أَبَیْتُمْ تَدَارَکْتُکُمْ لَکَانَتِ اَلْوُثْقَى وَ لَکِنْ بِمَنْ وَ إِلَى مَنْ أُرِیدُ أَنْ أُدَاوِیَ بِکُمْ وَ أَنْتُمْ دَائِی کَنَاقِشِ اَلشَّوْکَهِ بِالشَّوْکَهِ وَ هُوَ یَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَا مَعَهَا اَللَّهُمَّ قَدْ مَلَّتْ أَطِبَّاءُ هَذَا اَلدَّاءِ اَلدَّوِیِّ وَ کَلَّتِ اَلنَّزَعَهُ بِأَشْطَانِ اَلرَّکِیِّ أَیْنَ اَلْقَوْمُ اَلَّذِینَ دُعُوا إِلَى اَلْإِسْلاَمِ فَقَبِلُوهُ وَ قَرَءُوا ؟ اَلْقُرْآنَ ؟ فَأَحْکَمُوهُ وَ هِیجُوا إِلَى اَلْجِهَادِ فَوَلِهُوا وَلَهَ اَللِّقَاحِ إِلَى أَوْلاَدِهَا وَ سَلَبُوا اَلسُّیُوفَ أَغْمَادَهَا وَ أَخَذُوا بِأَطْرَافِ اَلْأَرْضِ زَحْفاً زَحْفاً وَ صَفّاً صَفّاً بَعْضٌ هَلَکَ وَ بَعْضٌ نَجَا لاَ یُبَشَّرُونَ بِالْأَحْیَاءِ وَ لاَ یُعَزَّوْنَ عَنِ اَلْمَوْتَى مُرْهُ اَلْعُیُونِ مِنَ اَلْبُکَاءِ خُمْصُ اَلْبُطُونِ مِنَ اَلصِّیَامِ ذُبُلُ اَلشِّفَاهِ مِنَ اَلدُّعَاءِ صُفْرُ اَلْأَلْوَانِ مِنَ اَلسَّهَرِ عَلَى وُجُوهِهِمْ غَبَرَهُ اَلْخَاشِعِینَ أُولَئِکَ إِخْوَانِی اَلذَّاهِبُونَ فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَیْهِمْ وَ نَعَضَّ اَلْأَیْدِی عَلَى فِرَاقِهِمْ إِنَّ اَلشَّیْطَانَ یُسَنِّی لَکُمْ طُرُقَهُ وَ یُرِیدُ أَنْ یَحُلَّ دِینَکُمْ عُقْدَهً عُقْدَهً وَ یُعْطِیَکُمْ بِالْجَمَاعَهِ اَلْفُرْقَهَ وَ بِالْفُرْقَهِ اَلْفِتْنَهَ فَاصْدِفُوا عَنْ نَزَغَاتِهِ وَ نَفَثَاتِهِ وَ اِقْبَلُوا اَلنَّصِیحَهَ مِمَّنْ أَهْدَاهَا إِلَیْکُمْ وَ اِعْقِلُوهَا عَلَى أَنْفُسِکُمْ

لغات

ضلع : به فتح ضاد و سکون لام ، میل و گرایش

نزعه : مردان آبکش

مره : جمع مارهه و این به معناى چشمى است که تباه شده است یعنى چشمان آنها سپید گشته بود .

رکیّ : جمع رکیّه به معناى چاه است

سنّى له کذا : آن را براى او نیکو و آسان ساخت

داء الدّوىّ : درد سخت ، دویّ اسم فاعل از دوى ( بیمار شد ) صفت براى داء و با موصوف خود از یک لفظ مى ‏باشد .

عقلت علیه کذا : او را بر آن پایبند کردم

ترجمه

از خطبه‏ هاى آن حضرت علیه السّلام است:

« مردى از یاران آن حضرت برخاست و گفت : ما را از حکمیّت منع کردى ، سپس ما را به آن فرمان دادى نمى‏ دانیم کدام یک از این دو دستور درست‏تر است . امام علیه السّلام دستهاى خود را بر هم زد و فرمود :

این سزاى کسى است که پیمان را بشکند ، و شرط بیعت را به جا نیاورد ، هان به خدا سوگند هنگامى که شما را به جنگ با سپاهیان معاویه فرمان دادم ، به امرى که خوشایندتان نبود ، لیکن خداوند خیرتان را در آن قرار داده بود وادار کردم که اگر در آن راه پایدارى مى ‏کردید ، شما را راهنما بودم ، و اگر از آن منحرف مى‏ شدید ، شما را به راه مى ‏آوردم و اگر سر پیچى مى‏ کردید چاره‏جویى مى‏ کردم ، و البتّه این رأیى درست‏تر و استوارتر بود ، امّا به کمک چه کسى مى‏ جنگیدم ؟ و به چه کسى اعتماد مى‏ کردم ؟ مى‏خواهم درد را به کمک شما درمان کنم ، و حال این که شما خود ، درد من مى ‏باشید ، من مانند کسى هستم که بخواهد خار را به وسیله خار بیرون آورد با این که مى‏ داند میل خار به خار است .

بار خدایا پزشکان این درد جانکاه به ستوه آمده‏ اند ، و آبکشان از کشیدن ریسمانهاى این چاه ناتوان گشته ‏اند ، کجایند آنانى که چون به اسلام فرا خوانده شدند ، آن را پذیرفتند ؟ و قرآن را تلاوت کردند و به کار بستند ، و هنگامى که به جهاد ترغیب شدند ، مانند ماده شترانى که شیفته فرزندان خویشند ، واله و دلباخته آن گشتند شمشیرها را از نیام بیرون کشیدند ، و صف در صف اطراف زمین را فرا گرفتند . برخى از اینها به شهادت رسیدند ، و بعضى به سلامت ماندند ، براى آنها که زنده مى‏ ماندند شاد نمى ‏شدند ، و در مرگ شهیدان به یکدیگر تسلیت نمى‏ گفتند ، چشمهایشان از گریه شب سپید شده ، و شکمهاشان از روزه به پشت چسبیده ، و لبهایشان از کثرت دعا خشک گشته ،و رنگ رخسارشان از شب زنده‏ دارى زرد شده ، و غبار خشوع بر چهره آنان نشسته بود .

آنان برادران من بودند که رفتند ، و سزاوار است که تشنه دیدارشان باشیم ، و از دورى آنها انگشت حسرت بگزیم ، شیطان راههاى خود را براى شما آسان و هموار مى ‏سازد و مى‏ خواهد پیوندهاى شما را با دین اندک اندک بگسلاند ، و جمعیّت شما را به تفرقه ، و تفرقه را به فتنه مبدّل گرداند ، پس از وسوسه ‏ها و افسونهاى او روى بگردانید ، و از کسى که نصیحت و خیرخواهى را به شما هدیّه مى‏ کند بپذیرد ، و آن را آویزه گوش جان سازید . »

 

شرح

امام ( ع ) این سخنان را در صفّین ، هنگامى که یاران خود را از پذیرش حکمیّت ، منع کرده ، و سپس به قبول آن فرمان داده بود ایراد فرموده است :

موضوع این است که چون معاویه در شب معروف به لیله الهریر شکست خود و پیروزى على ( ع ) را در جنگ دریافت ، به عمر و عاص مراجعه کرد تا براى او تدبیرى بیندیشد ، عمرو به او گفت : من براى چنین موقعى چاره‏اى برایت در نظر گرفته‏ ام ، و آن این است که یاران خود را فرمان دهى قرآنها را بر نیزه‏ ها بلند کنند ، و یاران على را به حکومت و داورى قرآن فرا خوانند ، زیرا آنان چه این دعوت را بپذیرند و چه نپذیرند قطعا پراکنده مى‏ شوند ، از این رو در بامداد لیله الهریر در همان هنگام که مالک اشتر سردار بزرگ سپاه على ( ع ) در آستانه پیروزى قرار گرفته بود قرآنهاى بزرگ مسجد جامع دمشق را بر ده نیزه بلند کرده ، و با استغاثه فریاد برآوردند : اى گروه مسلمانان درباره برادران دینى خود از خدا بترسید ، در باره ما از قرآن داورى بخواهید ، نسبت به زنان و دختران از خدا بیم داشته باشید ،

یاران على ( ع ) چون چنین دیدند گفتند اینها برادران و همکیشان مایند ، از ما درخواست گذشت کرده و خواسته ‏اند که با رجوع به کتاب خدا آسایش آنها را تأمین کنیم ، رأى صحیح این است که اندوه آنها را بر طرف سازیم ، على ( ع ) ازاین اظهار نظر آنها به خشم آمد ،

و فرمود : إنّها کلمه حقّ یراد بها باطل یعنى این سخن حقّى است که به وسیله آن باطلى خواسته مى‏ شود ، درباره این گفتار امام ( ع ) پیش از این سخن گفته شده است ، بارى بر اثر این حادثه یاران امام ( ع ) دو دسته شدند ، دسته‏اى از نظر آن حضرت که پافشارى در ادامه جنگ بود ،پیروى مى‏ کردند ، و رأى دسته دیگر متارکه جنگ و رجوع به حکمیّت بود ، و این دسته اکثریّت داشتند ، از این رو نزد آن حضرت اجتماع کردند و گفتند اگر جنگ را متوقّف نکنى ، تو را مانند عثمان به قتل مى‏ رسانیم ، امام ( ع ) ناگزیر با نظر اینها موافقت کرد و دستور داد مالک اشتر از نبردگاه خود باز گردد ، سپس پیمان نامه صلح نوشته شد ، و آن را به نظر یاران على ( ع ) رسانیدند ، و بر حکمیّت اتّفاق کردند ،لیکن گروهى از یاران على ( ع ) از این امر ، سرباز زدند و گفتند : تو ما را از پذیرش حکمیّت نهى کرده بودى و سپس ما را بدان فرمان دادى ، نمى‏ دانیم کدام یک از این دو امر درست‏تر است ، و این خود نشانه این است که در امامت خود شکّ دارى ، امام ( ع ) مانند کسى که از کار خود پشیمان باشد ، از خشم دستها را برهم زد و فرمود : این سزاى کسى است که رأى درست و لازم را نپذیرفته و بیعت را شکسته است ، یعنى رأى درست و متقنى را که آن حضرت اتّخاذ فرموده بود ، و آن ادامه جنگ و پافشارى بر آن بود و آنچه آنان را بدان فرمان داده بود ، همان دوام نبرد و پیکار بود ، و این را شما ناخوش و ناپسند دانستید ، در حالى که خداوند خیر شما را که پیروزى و نیکفرجامى بود ، در آن قرار داده بود ، و قوّمتکم یعنى شما را با قتل و ضرب و مانند اینها راست مى ‏گردانیدم و معناى تدارکتکم نیز همین است .

 

فرموده است: لکانت الوثقى،
یعنى امرى متقن و استوار بود.

فرموده است: و لکن بمن
یعنى از چه کسى بر ضدّ اندیشه ناصواب شما کمک مى‏ گرفتم و إلى من و به چه کسى مراجعه و به او اعتماد مى‏ کردم

فرموده است: ارید أن أداوی بکم یعنى: مى‏ خواهم دردى را که از برخى ازشما به من رسیده است، به وسیله برخى دیگر از شما، درمان کنم، در حالى که شما خود درد من مى‏ باشید، و در این باره من مانند کسى هستم که بخواهد خار را به وسیله خار بیرون آورد، در صورتى که مى‏ داند خار میل به خار دارد، و این در عرب مثل است براى کسى که بر ضدّ شخصى از او کمک خواسته شود و حال این که او گرایش به آن شخص دارد،

 

و عبارت مثل این است که: لا تنّقش الشّوکه بالشّوکه فإنّ ضلعها معها یعنى خار را با خار بیرون نکشید، که میل خار به خار است، امام (ع) مى‏ گوید: یارى خواستن من از دسته‏اى از شما براى اصلاح دسته‏اى دیگر از شما مانند بیرون کشیدن خار، به وسیله خار است، جهت تشبیه این است که طبیعت برخى شبیه بعضى دیگر است و گرایش به یکدیگر دارند، همچنان که خار نیز همانند خار است، و هنگام بیرون آوردن آن از بدن، خار به طرف خار مایل و گاهى هم در کنار آن شکسته مى‏ شود و لازم است با وسیله دیگرى آن را بیرون آورد.

سپس امام (ع) به خداوند شکایت مى ‏برد، و مراد آن حضرت از داء الدّوی اعتیاد آنها به مخالفت با دستورها، و اهمال آنها از دادن پاسخ به نداى آن حضرت است، و مقصود امام (ع) از أطبّا خود ایشان است، زیرا درد نادانى و عوارض آن، بسى بزرگتر از دردهاى محسوس جسمانى است، و طبیبان روح همان اندازه بر پزشکان بدن فضیلت دارند که روح بر تن برترى دارد، و اگر چه واژه اطبّا در این جا به گونه مجاز و استعاره آمده امّا مى‏ توان گفت به حقیقت نزدیکتر است، همچنین واژه نزعه به گونه مثل براى خود آن بزرگوار استعاره شده است، و گویاى این است که مردم از مصلحت کار خود آن چنان دور افتاده ‏اند، که گویى در ته چاه ژرفى قرار گرفته‏ اند که او از کشیدن ریسمان براى بالا آوردن آنان و سعى در نجات آنها خسته و درمانده شده است، سپس از بزرگان اصحاب پیامبر (ص) و برادران دیرین خود یاد مى‏ کند، و در باره فقدان چنین مردانى بطور سرزنش مى‏ پرسد: کجایند آنانى که از دنیا روگردانیده، و همگى توان خود را در راه یارى‏ دین صرف کردند، و این پرسش همانند این است که یکى از ما، در سختى و شدّتى قرار گرفته باشد و در این حال مى‏ پرسد برادرم کجاست سپس به بیان صفات پسندیده و اوصاف برجسته آنها مى‏ پردازد تا رغبت شنوندگان را در پیروى از روش ستوده آنها بر انگیزد، و از این که داراى چنین صفاتى نیستند آنان را مورد عتاب و سرزنش قرار دهد.

واژه أولادها منصوب به اسقاط حرف جرّ است زیرا فعل و لهوا بدون حرف جر متعدّى به دو مفعول نمى‏شود، چنان که در حدیث آمده است: لا توّله والده بولدها (مادر را به واسطه فرزندش سرگشته و اندوهگین نکنید)، زیرا آنان هنگامى که آهنگ جهاد مى‏ کردند، چهار پایان بچه‏دار را سوار شده و آنها را از فرزندانشان جدا مى ‏ساختند.

فرموده است: و أخذوا بأطراف الأرض،
یعنى با تصرّف اطراف زمین آن را گرفتند، زحفا زحفا و صفّا صفّا هر دو مصدر توکیدى براى فعل محذوف خود هستند و جانشین حال مى ‏باشند.

فرموده است: لا یبشّرون بالاحیاء و لا یعزّون بالموتى (عن القتلى)
یعنى: آنان در این راه به زنده خود توجّه نداشتند، و در صدد رعایت و حفظ حیات او نبودند، تا این که اگر در جهاد سالم بماند مژده بقاى او را به آنان دهند، و اگر کشته شود بر مرگ او بیتابى کنند، و به آنها تسلیت گویند، بلکه آنها براى جهاد در راه خدا، خویش را خالص و از هر گونه اغراضى جز این، مجرّد ساخته بودند، تا آن جا که اگر در راه خدا کسى را مى‏ کشتند، بر این امر شادمان مى ‏شدند، هر چند او پدر، و مقتول فرزند او، و یا عکس این باشد.

این که شب زنده‏ دارى موجب زردى رخسار مى ‏شود، براى این است که حرارت بدن را تحریک مى‏ کند و آب و رنگ پوست را تباه، و بدن را خشک، و صفرا را زیاد مى‏ گرداند، و زردى رخسار، بویژه در افراد ضعیف مانند مردم مدینه و مکّه و حجاز از آثار این عوامل است.

منظور از غبره الخاشعین
(غبار اهل خشوع بر چهره آنان نشسته) تنگى معاش و بدى حال و جامه خشن و سوختگى چهره زاهدانى است که از بیم عذاب خداوند به این صفات آراسته شده، و خود را از آرایشها و خوشیهاى دنیا پیراسته ‏اند واژه ظماء را که به معناى تشنگى است، براى اشتیاق خود به دیدار آنها استعاره فرموده، به مناسبت این که مانند آب در هنگام شدّت تشنگى، به وجود آنها نیاز است، و چون شوق به دیدار آنها را به منزله عطش بیان فرموده واژه ظماء را به کار برده است. مراد از واژه عقده، دین و آیینها و قانونهایى است که موجب استوارى اساس آن است و مقصود از جمله یحلّ دینکم عقده عقده، این است که شیطان پشت پا زدن به قانونها و سنّتهاى دین را در نظر شما خوب جلوه داده، و پیوندهاى شما را با آن، یکى پس از دیگرى مى‏ گسلاند، و عقده عبارت از سنّت اجتماعى است که شارع مقدّس بنا به مصالح امّت وضع، و در اجراى آن تأکید کرده است، و جدایى از اجتماع، موجب گسستن این پیوند است، نزغات شیطان همان حرکات فسادانگیز، و نفثات او وسوسه‏ هایى است که پیاپى در دلها به وجود مى‏ آورد، و مراد از کسى که نصیحت و خیرخواهى را به شما اهدا مى‏ کند، خود آن بزرگوار است، و توفیق از خداست.

ترجمه‏ شرح ‏نهج ‏البلاغه (ابن‏ میثم بحرانی) ، ج ۳ ،

بازدیدها: ۱۸