نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 49 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

 نامه 50 صبحی صالح

50- و من كتاب له ( عليه السلام  ) إلى أمرائه على الجيش‏

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَصْحَابِ الْمَسَالِحِ

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ حَقّاً عَلَى الْوَالِي أَلَّا يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ نَالَهُ وَ لَا طَوْلٌ خُصَّ بِهِ وَ أَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ نِعَمِهِ دُنُوّاً مِنْ عِبَادِهِ وَ عَطْفاً عَلَى إِخْوَانِهِ

أَلَا وَ إِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلَّا أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلَّا فِي حَرْبٍ وَ لَا أَطْوِيَ دُونَكُمْ أَمْراً إِلَّا فِي حُكْمٍ وَ لَا أُؤَخِّرَ لَكُمْ حَقّاً عَنْ مَحَلِّهِ وَ لَا أَقِفَ بِهِ دُونَ مَقْطَعِهِ وَ أَنْ تَكُونُوا عِنْدِي فِي الْحَقِّ سَوَاءً

فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ وَجَبَتْ لِلَّهِ عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ

وَ لِي عَلَيْكُمُ الطَّاعَةُ وَ أَلَّا تَنْكُصُوا عَنْ دَعْوَةٍ وَ لَا تُفَرِّطُوا فِي صَلَاحٍ وَ أَنْ تَخُوضُوا الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا لِي عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِمَّنِ اعْوَجَّ مِنْكُمْ ثُمَّ أُعْظِمُ لَهُ الْعُقُوبَةَ وَ لَا يَجِدُ عِنْدِي فِيهَا رُخْصَةً

فَخُذُوا هَذَا مِنْ أُمَرَائِكُمْ وَ أَعْطُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مَا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ أَمْرَكُمْ وَ السَّلَامُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار التاسع و الاربعون من كتبه عليه السلام و من كتاب له عليه السلام الى امرائه على الجيوش‏ 

من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى أصحاب المسالح:

أما بعد فإن حقا على الوالي أن لا يغيره على رعيته فضل ناله، و لا طول خص به، و أن يزيده ما قسم الله له من نعمه دنوا من عباده، و عطفا على إخوانه. ألا و إن لكم عندي أن لا أحتجز دونكم سرا إلا في حرب، و لا أطوى دونكم أمرا إلا في حكم، و لا أؤخر لكم حقا عن محله، و لا أقف به دون مقطعه، و أن تكونوا عندي في الحق سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة، و لي عليكم الطاعة، و أن لا تنكصوا عن دعوة، و لا تفرطوا في صلاح، و أن تخوضوا الغمرات إلى الحق، فإن أنتم لم تستقيموا لي على ذلك لم يكن أحد أهون على ممن اعوج منكم، ثم أعظم له العقوبة، و لا يجد عندي فيها رخصة، فخذوا هذا من أمرائكم، و أعطوهم من أنفسكم ما يصلح الله به أمركم، و السلام.

اللغة

(أصحاب المسالح): جماعات تكون بالثغر يحمون البيضة، و المسلحة هي الثغر، كالمرغبة، (لا أحتجز): لا أستر، (لا تنكصوا): لا ترجعوا أي لا تردوا الدعوة، (الغمرة): اللجة من البحر يغرق من وقع فيه.

الاعراب‏

أن لا يغيره: تركيب من لفظة أن الناصبة مع لاء النافية، و فضل فاعل لقوله‏ يغيره، و الجملة خبر فان، و أن يزيده، عطف على قوله: أن لا يغيره، و هو خبر لقوله فان أيضا، دنوا من عباده مفعول ثان لقوله يزيده.

المعنى‏

كتابه هذا إلى امراء الجيوش‏، أول مصدر تشريعي و سند قانوني للنظام العسكري في الدولة الإسلامية الفنية يبين فيه الحقوق و النظامات بين‏ الوالي‏ و هو مقام الرئاسة المطلقة للقوى المسلحة في الحكومة مع الامراء و الضباط و القواد الذين بيدهم الأمر في الحرب و السلم، و تعرض في هذا الكتاب للرابطة بين‏ الوالي‏ و الامراء و هم الطبقة الاولى و أصحاب الدرجة العليا من المراتب العسكرية المعبر عنهم في هذا العصر بالفريق، و دونهم درجات و مراتب متنازلة إلى أن ينتهى إلى قائد عشرة، و من بيان الرابطة و الحقوق المتبادلة بين الوالي و امراء الجيوش يتضح الحقوق و الروابط بين الامراء و سائر المأمورين و الرؤساء، و قد بنى الأمر في هذا المقام على أكمل درجات الديموقراطية العليا و هو سقوط الرتبة و المزية بين الوالي و امراء الجيوش، و بين أن هذا الفضل‏ الذي‏ ناله الوالي‏ من ارتقائه إلى مقام الرئاسة بأمر من‏ الله‏ أو بعلة اخرى كانتخابه من طرف‏ الرعية يلزم‏ ألا يغيره على الرعية و لا يثبت له درجة و مزية عليهم، بل لابد و أن يزيده ما قسم الله له من نعمته دنوا من عباده و عطفا على إخوانه‏ فيكون بينهم كأحدهم، و قد كان سيرته عليه السلام مع رعيته هكذا طول أيام أمارته و ولايته، و هذا هو الدرجة العليا في الديموقراطية لم يبلغ النظامات الديموقراطية البشرية إليها بعد.

ثم التزم في مقام ولايته العليا لامراء جيوشه بامور أربعة:

1- اشتراكهم معه في الاطلاع على إجراء كل أمر إلا في‏ بعض الأسرار المتعلقة بالحرب‏، فانه ربما يلزم إخفائه حتى عن الأمراء، صيانة عن إفشائه قبل أوانه لئلا يطلع عليه العدو، فكتمان الأسرار الحربية من مهام الامور العسكرية حتى في هذه العصور، و قد اكتسب نظره هذا أهمية في خلال القرون الماضية إلى هذا العصر، و قد اهتم الدول الكبرى في إنشاء إدارات هامة للتجسس و كسب‏ الاطلاع عن برامج أعدائهم في الحروب و عن سائر ما يتعلق بها.

قال ابن ميثم: و يحتمل أن يكون ترك مشورتهم لأمرين:

أحدهما: أن أكثرهم ربما لا يختار الحرب، فلو توقف على المشورة فيه لما استقام أمره بها، و لذلك كان كثيرا ما يحملهم على الجهاد و يتضجر من تثاقلهم عليه و هم له كارهون كما سبق.

الثاني: أن يكتم ذلك خوف انتشاره إلى العدو فيكون سبب استعداده و تأهبه للحرب، و لذلك كان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا أراد سفرا إلى الحرب ورى بغيره كما روى أنه لما نوى غزاة بدر كتب للسرية كتابا و أمرهم أن يخرجوا من المدينة إلى صوب مكة يومين أو ثلاثة أيام، ثم ينظروا في الكتاب و يعملوا بما فيه. فلما ساروا المدة نظروا فيه فاذا هو يأمرهم فيه بالخروج إلى نخلة محمود و أن يفعلوا كذا و كذا ففعلوا و خرج النبي صلى الله عليه و آله خلفهم إلى بدر و كان الظفر لهم و لو أعلمهم حين أمرهم بالخروج أنه يسير إلى قريش لا نتشر ذلك إلى قريش و كان استعدادهم لهم أقوى، و جاز أن يكون ذلك أيضا مانعا لبعض الصحابة عن النهوض خوفا من أهل مكة و شوكتهم.

أقول: في حمل كلامه هذا على ترك المشورة معهم نظر، فان اخفاء بعض الامور الحربية غير ترك المشورة، مع أن حروبه في الجمل و صفين و نهروان كان مع الشور و الاطلاع.

و أما ما ذكره من إخفائه صلوات الله عليه أمر بدر فلا يوافق ما ذكر ابن هشام في سيرته قال: في (ص 369 ج 1 ط مصر) عن ابن عباس في حديث بدر قالوا:

لما سمع رسول الله صلى الله عليه و آله بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم فقال:

هاهي عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم و ثقل بعضهم و ذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه و آله يلقى حربا …

نعم ذكر في غزوة تبوك ما يلي: إن رسول الله صلى الله عليه و آله أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم، و ذلك في زمن عسرة من الناس و شدة من الحر و جدب من البلاء،و حين طابت الثمار، و الناس يحبون في ثمارهم و ظلالهم، و يكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه، و كان رسول الله صلى الله عليه و آله قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها و أخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد له إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بينها للناس لبعد الشقة و شدة الزمان و كثرة العدو الذي يصمد له ليتأهب الناس لذلك اهبته فأمر الناس بالجهاد و أخبرهم أنه يريد الروم …

2- عدم استقلاله بانجاز الامور و اجرائها و دعوتهم للشركة فيها إلا أن يكون ذلك الأمر حكما إلهيا فانه لا مجال لاشتراك غيره معه‏ في‏ بيان الحكم الإلهي أو إنشاء حكم‏ شرعي.

3- عدم تأخير حقوقهم‏ عن محله‏ و وقته و عدم التردد فيه، بل ينفذه في وقته صريحا سواء كان في عطايا بيت المال المقررة لهم أو غيرها مما يستحقونها.

4- عدم التبعيض فيما بينهم و عدم ترجيح بعضهم على بعض مع تساوي العمل و الرتبة لأغراض شخصية أو قبلية أو ارتشاء أو استمالة و توصية من ذوي النفوذ كما يرتكبه الولاة الغير العدول أو الولاة الظلمة فانهم يرجحون من يستخدمهم في أغراضهم على غيرهم.

ثم أعلمهم عليه السلام أن مراعات هذه الشروط يتم‏ عليهم نعمة الولاية العادلة من‏ الله‏ تعالى فيلزم عليهم رعاية امور أربعة:

1- الطاعة في كل ما أمرهم من الوظائف و ما وجهه إليهم من الأوامر.

2- عدم رد دعوته في اجراء الامور و إنجازها و ما يلزم في ذلك من عقد المؤمرات و اللجان المربوطة بها.

3- عدم التقصير و التفريط في اظهار نظرات اصلاحية و ارتكاب ما يلزم‏ في صلاح‏ أمر الأمة و حفظ وحدتها و الالفة بين أفرادها و جماعاتها ليكونوا يدا واحدة على أعدائها.

4- أن يخوضوا الغمرات‏ و يتحملوا الشدائد و يجهدوا في تثبيت‏ الحق‏ و دحض الباطل.

ثم توجه إلى تشريع المجازات على التخلف بوجهين:

الألف- إسقاط الرتب و الدرجات عن المتخلفين و إنزال المعوجين عن درجاتهم فقال عليه السلام: (فلم يكن أحد أهون على ممن اعوج منكم).

ب- تشديد العقوبة المقتضية للتخلف و ترك الانضباط و الاطاعة و عدم الارفاق بالمتخلف.

فقد شرع عليه السلام في كتابه هذا نظاما عسكريا و أعطى اصولا كليا فرع عليه علماء الحقوق النظاميين قوانين شتى يكون المدار على العمل بها في النظامات العسكرية إلى عصرنا هذا.

الترجمة

از نامه‏اى كه بفرماندهان و افسران قشون خود نوشته است.

از طرف بنده خدا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين بسرپرستان و فرماندهان مرزهاى اسلامى.

أما بعد، براستى بر شخص والي و فرمانده كل و رئيس ارتش لازمست كه فضيلت ولايت و فرمانروائى مزاج برادرانه او را دگرگون نسازد نسبت برعايا و زير دستانش و مقام شامخي كه مخصوص او است او را از امت جدا نكند بلكه اين نعمتى كه خداوندش نصيب كرده او را به بندهايش نزديكتر سازد و بر برادران همكيش او مهربانتر نمايد، بدانيد كه شما را بر من اين حقوق در عهده است:

1- هيچ رازى را از شما كتمان نكنم و همه اطلاعات را در دسترس شما بگذارم و بشما گزارش دهم مگر راجع باسرار جنگى باشد كه كتمان آن لازمست.

2- هيچ أمرى را بى مشورت و مراجعه بشما انجام ندهم مگر بيان حكم إلهي باشد كه مخصوص مقام خود من است.

3- هيچ يك از حقوق شماها را از موقع خود بتأخير نياندازم و دچار ترديد و توقف نسازم.

4- تبعيضي ميان شما قائل نشوم و همه را در حقوق و مزايا برابر بحساب آورم.

چون اين شرائط و مقررات را رعايت كردم نعمت ولايت عدل إلهي بر شما مسلم گرديده است، و شما هم بايد چهار حق را نسبت بمن رعايت كنيد:

1- فرمانبردار و طاعت گزار باشيد.

2- دعوت مرا رد نكنيد و از آن سرباز نزنيد.

3- در صلاح و اصلاح امور كشور و ملت تقصير و كوتاهى روا نداريد.

4- در اجراى حق نهايت بكوشيد و خود را باب و آتش بزنيد تا حق مجرى شود.

در خاتمه بدانيد كه اگر بر اين مقررات پاى بند نشويد و از آنها تخلف ورزيد هيچكس نزد من خوارتر و زبونتر نيست از كسى كه راه كج رفته در ميان شماها، و سپس مجازات و سزاى او را سخت و بزرگ نمايم و تخفيف و گذشتى از آن رعايت نكنم اين دستور را از فرماندهان خود بگيريد، و خود را آماده كنيد كه وسيله صلاح كارهاى خود باشيد، و السلام.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 48 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 49 صبحی صالح

49- و من كتاب له ( عليه‏ السلام  ) إلى معاوية أيضا

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا وَ لَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئاً إِلَّا فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً عَلَيْهَا وَ لَهَجاً بِهَا وَ لَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ فِيهَا عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهَا وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ وَ نَقْضُ مَا أَبْرَمَ وَ لَوِ اعْتَبَرْتَ بِمَا مَضَى حَفِظْتَ مَا بَقِيَ وَ السَّلَامُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الثامن و الاربعون من كتبه عليه السلام و من كتاب له عليه السلام الى غيره [الى معاوية أيضا]

أما بعد، فإن الدنيا مشغلة عن غيرها، و لم يصب صاحبها منها شيئا إلا فتحت له حرصا عليها، و لهجا بها، و لن يستغنى صاحبها بما نال فيها عما لم يبلغه منها، و من وراء ذلك فراق ما جمع، و نقض ما أبرم! و لو اعتبرت بما مضى حفظت ما بقى، و السلام.

اللغة

اللهج: الحرص الشديد.

المعنى‏

قال الشارح المعتزلي: و قد ذكر نصر بن مزاحم هذا الكتاب و قال:
إن أمير المؤمنين‏ عليه السلام‏ كتبه إلى عمرو بن العاص، و زاد فيه زيادة لم يذكرها الرضي: «أما بعد، فان الدنيا مشغلة عن‏ الاخرة، و صاحبها منهوم‏ عليها، لم يصب شيئا منها قط إلا فتحت عليه حرصا، و ادخلت عليه مؤنة تزيده رغبة فيها و لن يستغنى صاحبها بما نال عما لم يدرك، و من وراء ذلك فراق ما جمع‏، و السعيد من وعظ بغيره، فلا تحبط أجرك أبا عبد الله و لا تشرك‏ معاوية، في باطله، فإن‏ معاوية غمص الناس و سفه الحق، و السلام‏».
قال نصر: و هذا أول كتاب كتبه علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص فكتب إليه عمرو جوابه:
أما بعد، فان الذي فيه صلاحنا، و ألفة ذات بيننا، أن تنيب إلى الحق، و أن تجيب إلى ما ندعوكم إليه من الشورى، فصبر الرجل منا نفسه على الحق، و عذره الناس بالمحاجزة، و السلام.
قال نصر بن مزاحم: فكتب علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص بعد ذلك كتابا غليظا و هو الذي ضرب مثله فيه بالكلب يتبع الرجل، و هو مذكور في نهج البلاغة.
أقول: ما ذكره عن نصر بن مزاحم صريح في أن هذا الكتاب موجه إلى غير معاوية و تذكر بالغ لعمرو بن عاص في الرجوع عن غيه و هربه عن حبالة معاوية فانه عليه السلام نبه على أن مشغلة الإنسان على وجهين:

1- المشغلة الروحانية و الهدف الإنساني المجرد عن الأميال المادية و هي التقرب إلى الله و تحصيل رضاه لأداء شكره و رسم العبودية تجاه عظمته ثم طلب رضوان الله و نيل المثوبات الاخروية و منها رعاية الوجهة الملكية و السماوية الراجعة إلى الروح الإنسانية التي هي من عالم القدس و التجرد، و رعاية الأخلاق السامية البشرية من طلب العلم و المعرفة و كشف الحقائق الكونية و رموز أنوار الوجود المطلق.

2- المشغلة الدنيوية الشاملة لما فيها من الامور المادية المتنوعة كالمال و الجمال و الجاه و الانانية و كلما يرجع إلى الغرائز الحيوانية من الملاد و الشهوات و المكاره و الأسفات التي منشأها كلتا القوتين الشهوية و الغضبية، فبين عليه السلام أن ما رامه مخاطبه بهذا الكتاب سواء كان عمرو بن عاص كما نص عليه نصر بن مزاحم أو معاوية أو غيرهما ممن يتبعهما محب للدنيا و شئونها من الثروة و القدرة و الجاه، و بين أن الدنيا مشغلة موبقة و مهلكة للشاغل بها و للطالب لها لأن صاحب الدنيا كشارب الماء المالح كلما ازداد شربا ازداد عطشا، و كالمبتلى بمرض الاستسقاء لا يرتوى من شرب الماء.
قال الشارح المعتزلي: «و الأصل في هذا قول الله تعالى «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا، و لا يملأ عين ابن آدم إلا التراب» و هذا من القرآن الذي رفع و نسخت تلاوته».

مضافا إلى أن للدنيا شئون و حوائج لا تحصى و لا يؤثر نيل شأن من شئونها أو قضاء حاجة من حوائجها عن سائر الشئون و الحوائج. بل كلما نال طالبها حاجة من حوائجها و شأنا من شئونها ازداد حوائج اخرى، فمن نال ثروتها يحتاج إلى حفظة يحفظونها و مخازن تحتويها، و من نال جاهها و ملوكيتها تحتاج إلى خدم و جند و أعوان، ثم بين أنه من نال شيئا منها فلا يبقى له بل يفارقه و ينقطع منه إما بفناء ما ناله و زواله و هلاكه، و إما بموت صاحبه و طالبه، و عبر عن الجامع بين الوجهين بقوله‏ (و من وراء ذلك فراق ما جمع و نقض ما أبرم).

الترجمة

أما بعد براستى كه دنيا از هر آنچه جز خودش بازدارنده است، دنيادار بچيزى از آن دست نيابد جز آنكه آزش بر آن بيفزايد و دلش بيشتر دربند آن باشد، و هرگز دنيادار بهر آنچه كه از آن بدست آرد بى نياز نگردد از آنچه را كه بدان دست نيافته است.
و در دنبال آن همه جدا شدن از هر آنچه است كه فراهم آورده و شكست هر آنچه است كه محكم ساخته، و اگر تو از آنچه گذشته است عبرت پذير باشى آنچه را كه از عمر و فرصت برايت بجا است غنيمت شمارى و نگهدارى، و السلام.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 47 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 48 صبحی صالح

48- و من كتاب له ( عليه ‏السلام  ) إلى معاوية

فَإِنَّ الْبَغْيَ وَ الزُّورَ يُوتِغَانِ الْمَرْءَ فِي دِينِهِ وَ دُنْيَاهُ وَ يُبْدِيَانِ خَلَلَهُ عِنْدَ مَنْ يَعِيبُهُ وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ غَيْرُ مُدْرِكٍ مَا قُضِيَ فَوَاتُهُ وَ قَدْ رَامَ أَقْوَامٌ أَمْراً بِغَيْرِ الْحَقِّ فَتَأَلَّوْا عَلَى اللَّهِ فَأَكْذَبَهُمْ

فَاحْذَرْ يَوْماً يَغْتَبِطُ فِيهِ مَنْ أَحْمَدَ عَاقِبَةَ عَمَلِهِ وَ يَنْدَمُ مَنْ أَمْكَنَ الشَّيْطَانَ مِنْ قِيَادِهِ فَلَمْ يُجَاذِبْهُ

وَ قَدْ دَعَوْتَنَا إِلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ وَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَ لَسْنَا إِيَّاكَ أَجَبْنَا وَ لَكِنَّا أَجَبْنَا الْقُرْآنَ فِي حُكْمِهِ وَ السَّلَامُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار السابع و الاربعون من كتبه عليه السلام و من كتاب له عليه السلام الى معاوية

و إن البغى و الزور يوتغان [يذيعان‏] بالمرء في دينه و دنياه و يبديان خلله عند من يعيبه، و قد علمت أنك غير مدرك ما قضى فواته و قد رام أقوام أمرا بغير الحق فتأولوا على الله فأكذبهم، فاحذر يوما يغتبط [يغبط] فيه من أحمد عاقبة عمله، و يندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يجاذبه. و قد دعوتنا إلى حكم القرآن و لست من أهله، و لسنا إياك أجبنا، و لكنا أجبنا القرآن في حكمه، و السلام.

[اللغة]

(الزور): خلاف الحق و يطلق كثيرا على الشهادة الكاذبة، (يوتغان):يهلكان، و الوتغ بالتحريك الهلاك، و قد وتغ يوتغ وتغا: أى أثم و هلك، (رام):طلب، (فتأولوا): التأويل: حمل الكلام على خلاف ما قصد منه في الظاهر أو حمل المجمل على أحد محتملاته، و في الشرح المعتزلي: فتالوا، أى حلفوا.

المعنى‏

قال ابن ميثم: هذا الفصل‏ من كتاب له‏ إليه بعد التحكيم و تمسك‏ معاوية بما حكم به الحكمان و يحتمل أن يكون عند إجابته إلى التحكيم.

أقول: صدر عنه‏ عليه السلام‏ هذا الكتاب في مبتدأ حكومة معاوية و استقرار سلطته الظالمة على ناحية كبيرة من البلدان الاسلامية المتعقبة لتسلطه على سائر البلاد، و بين أن مبنى حكومته‏ البغي‏ و هو خروجه عن إطاعة الحكومة الحقة الاسلامية و عدم إطاعته عن أمير المؤمنين عليه السلام و ايجاده الفوضى في بلاد الشام و إغوائه لأهلها مؤيدا بالزور و البهتان الذي تمسك به من الطلب بدم عثمان و تعاون اتباعه معه باتهام علي عليه السلام بقتله أو معاونته في ذلك، و نبهه على أن الحكومة المكتسبة بهذين العاملين توجب هلاكه في الدين و الدنيا و تبدي مساويه عند أهل النقد و أهل البصيرة في مسير التاريخ، و أشار إلى أنه لا ينال ما رامه و ما قصد إليه من تقمصه بخلافة و أمارة ظاهرة الصلاح عند كافة المسلمين كحكومة الأول و الثاني و أن المسلمين يتنفرون عنه لمساوي أعماله، أو المقصود أنه لا يدرك ثار عثمان عمن قتله، أو المراد أنه لا يدرك إثبات تهمة علي عليه السلام بدم عثمان لأنه زور و بهتان معلوم عند المسلمين.

ثم بين أن اناسا ممن يؤيدونه يطلبون السلطنة و الأمارة بغير حق‏ فتحالفوا على الله‏ على ذلك‏ فأكذبهم‏، و الظاهر أن المقصود من هؤلاء الأقوام طلحة و الزبير و أشياعهما ممن حضر البصرة و أثاروا حرب الجمل‏ فأكذبهم‏ الله بانهزامهم و فشلهم، و حذر بهذا التذكر معاوية و خوفه من سوء عاقبته‏ و أفاد عليه السلام‏ أن‏ الشيطان‏ قائده، فلا بد له من المقاومة تجاه‏ الشيطان‏ حتى لا يندم من سوء عاقبته.

ثم أشار إلى أن دعوة معاوية إلى حكم القرآن‏ كانت خدعة منه و أنه لا يعتقد بالقرآن و لا يكون‏ من أهله‏ و أن أمير المؤمنين و شيعته لم يوافقوا على إجابته و إنما وافقوا على إجابة حكم القرآن‏ في أمر الامامة و الخلافة عن النبي صلى الله عليه و آله و حكمه إقرار خلافة علي عليه السلام لنصوص خاصة و عامة تعين إمامته بعد النبي صلى الله عليه و آله من الايات الدالة على إمامته.

قال ابن ميثم: قوله: و قد دعوتنا- إلى آخره صورة سؤاله و الجواب عنه، و كونه‏ ليس من أهله‏ إذ لم يكن صالحا للامامة كما سبق بيانه مرارا، و حيث لم يكن أهلا لأن يجاب إلى الرضا بالتحكيم أعلمه بذلك و أنه إنما أجاب‏ القرآن‏ إلى‏ حكمه‏ و ذلك في قوله تعالى في حق الزوجين: «و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها» الاية، فجعل هذا أصلا و قاس عليه بالطريق الأولى حال الامة عند وقوع الشقاق بينهم، و بعين ذلك احتج ابن عباس- رضي الله عنه- على الخوارج حيث أنكروا التحكيم فقالوا: كيف يجوز لعلي أن يحكم في دين الله الرجال؟ فقال لهم: إن ذلك ليس بأمر علي عليه السلام و إنما هو بأمر من الله تعالى في كتابه، إذ يقول في حق الزوجين: «و إن خفتم» الاية أ فترون أنه أمر تعالى بذلك في حق الرجل و امرأته مراعاة لمصلحتهما و لا يأمر بذلك في حق الامة رعيا لمصلحتهم؟ فرجع كثير منهم إلى قوله، و بالله التوفيق.

أقول: و في كلامه هذا موارد من النظر:

1- أن مفاد قوله عليه السلام‏ (و لكنا أجبنا القرآن في حكمه) ليس الإجابة إلى الدعوة بالتحكيم في أمر الإمامة على وجه عرضه معاوية، فان الإمامة تشريع إلهى لا يناله رأى البشر، بل المراد الإجابة إلى حكم القرآن‏ في تعيين أمر الإمامة و بيان أوصاف الإمام مما ينطبق عليه عليه السلام.

2- انه عليه السلام لم يرض بالتحكيم و إنما أكرهوه على ذلك فسكت عما يطلبه‏

ذووا الباس من جنده حفظا لدماء أهله و خصوصا الحسن و الحسين عليهما السلام منهم حيث إنهما إمامان بعده و لا بد من بقائهما و تحملهما أمر الإمامة على ما قرره النبي صلى الله عليه و آله، و قد أوضح عليه السلام ذلك فيما أجاب به رأس اليهود في مصاحبته معه عليه السلام بعد المراجعة من صفين، كما ذكره الشيخ الصدوق رحمه الله في الباب الرابعة عشر من الخصال في ضمن ما يلي به من الامتحان و الابتلاء في زمان حياة النبي صلى الله عليه و آله و بعد مماته، فاكره عليه السلام على التحكيم أولا و على انتخاب أبي موسى الأشعري حكما ثانيا.

3- أن قياس الحكمية في أمر الإمامة بالحكمية في اختلاف الزوجين قياس مع الفارق من وجوه شتى، فان الاختلاف بين الزوجين يرجع إلى حقوقهما الخاصة بهما و لهما الحق على إسقاطها و الطلب بها و التراضى عليها بكل وجه و لكن أمر الإمامة حق إلهى و لا مدخل للرأى و النظر من الناس فيها، و يرجع إلى كافة الرعية فكيف يصح تحكيم جمع أو أفراد فيه، و ما نقله عن ابن عباس لا يصح إلا على وجه الجدال بالأحسن و الاحتجاج على الخصم بما يلتزم به دحضا لشبهته و دفعا لتهمته و إرجاعا له إلى الحق بأى وجه تيسر، و إلا فاية التحكيم بين الزوجين بمعزل عن الإمامة و الخلافة خصوصا على ما التزم به الامامية من أنها لا يثبت إلا بالنص من المعصوم في حق إمام معصوم.

الترجمة

از يك نامه ‏اى كه بمعاويه نگاشته است:

و راستى كه شورش بر حكومت و گفتار دروغ مرد را در ورطه هلاكت دين و دنيا اندازند و كم و كاستى او را نزد تيز بينان و عيب جويان هويدا سازند.

تو بخوبى مى ‏دانى كه آنچه بحكم قضاى حتمى از دست رفته بدست نتوانى آورد، مردمى بنا حق دنبال كارى و مقامى ناشايست آنها رفتند و با هم بر خداوند هم سوگند شدند و خداوند دروغ آنها را فاش ساخت.

بر حذر باش از روزى كه بر هر كه سرانجامش ستوده و رضايت بخش است رشك برند و هر كس شيطانش مهار كشيده و در برابرش مقاومتى نكرده و دنبال او رفته پشيمان است و افسوس مى‏ خورد.

تو ما را بحكم قرآن دعوت كردى با اين كه أهل آن نبودى، و ما هم پاسخ گو و پذيراى دعوت تو نبوديم ولي قرآن را در حكم و فرمانش پذيرا هستيم. و السلام.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 46 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )وصیت

نامه 47 صبحی صالح

47- و من وصية له ( عليه ‏السلام  ) للحسن و الحسين ( عليهماالسلام  ) لما ضربه ابن ملجم لعنه الله‏

أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ وَ أَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَ إِنْ بَغَتْكُمَا وَ لَا تَأْسَفَا عَلَى شَيْ‏ءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا وَ قُولَا بِالْحَقِّ وَ اعْمَلَا لِلْأَجْرِ وَ كُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَ لِلْمَظْلُومِ عَوْناً

أُوصِيكُمَا وَ جَمِيعَ وَلَدِي وَ أَهْلِي وَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَ نَظْمِ أَمْرِكُمْ وَ صَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )يَقُولُ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ

اللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ وَ لَا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ‏

 وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ

وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ لَا يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ لَا تُخَلُّوهُ مَا بَقِيتُمْ فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي الْجِهَادِ بِأَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ أَلْسِنَتِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

وَ عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَ التَّبَاذُلِ وَ إِيَّاكُمْ وَ التَّدَابُرَ وَ التَّقَاطُعَ لَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ

ثُمَّ قَالَ‏يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا لَا تَقْتُلُنَّ بِي إِلَّا قَاتِلِي

انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ وَ لَا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَ الْمُثْلَةَ وَ لَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار السادس و الاربعون و من وصية له عليه السلام للحسن و الحسين عليهما السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله‏

أوصيكما بتقوى الله، و أن لا تبغيا الدنيا و إن بغتكما، و لا تأسفا على شي‏ء منها زوى عنكما، و قولا بالحق، و اعملا للأجر، و كونا للظالم خصما، و للمظلوم عونا. أوصيكما و جميع ولدي و أهلي و من بلغه كتابي بتقوى الله، و نظم أمركم، و صلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما- صلى الله عليه و آله- يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصيام. الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، و لا يضيعوا بحضرتكم و الله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم، و الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم و الله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم، و الله الله في بيت ربكم، لا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا، و الله الله في الجهاد بأموالكم و أنفسكم و ألسنتكم في سبيل الله، و عليكم بالتواصل و التباذل و إياكم و التدابر و التقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهى‏

عن المنكر، فيولى عليكم أشراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم. ثم قال: يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي. انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، و لا يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه و آله- يقول: «إياكم و المثلة و لو بالكلب العقور».

اللغة

(لا تبغيا): لا تطلبا، (زوى عنكما): قبض عنكما، (صلاح ذات البين):

الصلح بينكم و ترك الخصومة و ذات ها هنا زائدة مقحمة، (لا تغبوا أفواههم):

لا تطعموهم يوما بعد يوم فتجيعوهم، (لم تناظروا): عجل لكم البلاء و الاستيصال، (المثلة): قطع الاعضاء.

الاعراب‏

الله الله: منصوب على التحذير أى اتقوا الله، إياكم و التدابر: مفعول لمحذوف على التحذير.

المعنى‏

هذه‏ وصية عامة لأهل بيته و غيرهم من المسلمين نظمها في اثنتى عشرة مادة و قدم عليها وصية خاصة لولديه‏ الحسن و الحسين عليهما السلام‏ في ست مواد تالية:

1- ملازمة التقوى‏ 2- ترك طلب‏ الدنيا و إن أقبلت 3- ترك التأسف على فوت امور الدنيا مهما كانت 4- ملازمة القول‏ بالحق‏ 5- العمل للثواب و إدراك أجر الاخرة 6- الخصومة مع‏ الظالم و عون المظلوم‏ للدفاع عنه.

و أما وصاياه العامة:

1- ملازمة التقوى‏

2- التزام‏ النظم‏ في كل الامور، فان عدم رعاية النظم‏ يوجب عدم الوصول إلى المارب و الحوائج.

3- إصلاح‏ ذات البين‏ و ترك الخصومة و النزاع و النفاق.

4- رعاية الأيتام‏ في حفظ مالهم و تغذيتهم و تربيتهم و هو الغير البالغ الذي فقد أباه، قال الشارح المعتزلي: و الظاهر أنه لا يعني‏ الأيتام‏ الذين لهم مال تحت أيدي أوصيائهم، لأن اولئك الأوصياء محرم عليهم أن يصيبوا من أموال اليتامى إلا القدر النزر جدا عند الضرورة ثم يقضونه مع التمكن، و من هذه حاله لا يحسن أن يقال له: لا تغيروا أفواه أيتامكم، و إنما الأظهر أنه يعني الذين مات آباؤهم، و هم فقراء يتعين مواساتهم، و يقبح القعود عنهم، كما قال تعالى:«و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا 8- الدهر» و اليتم في الناس من قبل الأب، و في البهائم من قبل الام- إلى أن قال- و لا يسمى الصبي يتيما إلا إذا كان دون البلوغ و إذا بلغ زال اسم اليتم عنه، و اليتامى أحد الأصناف الذين عينوا في الخمس بنص الكتاب العزيز.

5- رعاية الجيران‏، فإن الجار بمنزلة الملتجى‏ء المأمون بالنسبة إلى جاره و من حقه كف السوء عنه و الاحسان و الاعانة بالنسبة إليه، و أبلغ ما روي في حق الجار ما حدثه عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله من قوله‏ (ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم).

قال في الشرح المعتزلي: و اللفظ الذي ذكره عليه السلام قد ورد مرفوعا في رواية عبد الله بن عمر لما ذبح شاة، فقال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: «ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» و في الحديث أن حسن الجوار و صلة الرحم يعمران الديار و يزيدان في الأعمار.و قد ورد في ذم جار السوء أخبار و آثار كثيرة.

6- ملازمة القرآن‏ تعليما و تعلما و ملازمة العمل به‏ و بأحكامه، و قد حذر عليه السلام من المسامحة في ذلك إلى حيث يسبق غير المسلمين عليهم في العمل به كما نشاهده الان من عمل غير المسلمين بأحكام العامة من الصدق و التعاون و الجد في العمل حتى تقدموا على المسلمين في كثير من الامور.

7- ملازمة إقامة الصلاة بالجمعة و الجماعة كما هى سنة الرسول صلى الله عليه و آله، فانها بهذه الكيفية عمود الدين‏ و ملاك تربية المسلمين و جمعهم و تأليف قلوبهم و وحدتهم.

8- ملازمة إقامة شعائر الحج في كل سنة، ليجتمع جميع المسلمين في هذا المعبد الاسلامي العام فيتعارفون و يتعاونون و يشد بعضهم ازر بعض، فان الحج عمود الاجتماع الاسلامي فلو ترك ينثلم الوحدة الاسلامية و لا يناظر المسلمون.

9- الجهاد بالمال و النفس و اللسان، فانه واجب على كل حال بحسب ما اقتضاه الأحوال.

10- التواصل‏ و حفظ الرابطة مع الاخوان المسلمين في شتى البلاد الاسلامية و بذل العون بالمال و الحال بعضهم مع بعض.

11- ترك‏ التدابر و الهجر و القطيعة فانه يوجب المقت و العداوة و سوء الظن و التخاذل.

12- ملازمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لردع الاشرار عن أعمالهم السوء و قيام الأبرار باجراء الامور النافعة للعامة و الامة، فان التسامح فيهما يوجب تسلط الأشرار و الاستيلاء على موارد القدرة و الثروة في الجامعة الاسلامية و يؤثر الدعاء في دفعهم لتقصير المسلمين و جرهم البلاء على أنفسهم.

ثم وصى عشيرته بالاكتفاء بالقصاص عن‏ القاتل‏ و عدم الأخذ بالظنة و التهمة و عدم الانتقام من سائر الأمة و إن كانوا أعداء و عدم التجاوز على الجاني دون‏ ضربة ارتكبه في قتله.

الترجمة

چون ابن ملجم ملعون ضربت بر سر آن حضرت زد بحسن و حسين عليهما السلام چنين وصيت كرد:

من بشما وصيت مى‏ كنم كه پرهيزكار باشيد و بدنبال دنيا نرويد و گر چه دنيا بدنبال شما آيد، بهر چه از دنيا كه از دست شما بدر رفت افسوس مخوريد، حق بگوئيد، براى ثواب آخرت كار كنيد، دشمن ظالم باشيد و كمك كار مظلوم.

من بشما و همه فرزندان و خاندانم و بهر كس اين نامه من بدو رسد وصيت مى‏ كنم كه:

تقوا پيشه سازيد و كارهاى خود را منظم داريد و با هم خوب باشيد و خوب رفتار كنيد زيرا از جد شما صلى الله عليه و آله شنيدم كه مى ‏فرمود: صلح و صلاح ميان مسلمانان بهتر است از همه گونه نماز و روزه.

خدا را، خدا را در باره كودكان پدر مرده، مبادا آنها را گرسنه بگذاريد و در حضور شما از ميان بروند و نابود گردند.

خدا را، خدا را در باره همسايه‏ هاى شما كه مورد سفارش پيمبر شمايند پيوسته در باره آنان سفارش مى ‏كرد تا آنجا كه پنداشتيم سهمى از ارث برايشان مقرر خواهد داشت.

خدا را، خدا را در باره قرآن، مبادا ديگران در عمل بدان بر شما پيشدستى كنند.

خدا را، خدا را در باره نماز كه ستون دين شما است.

خدا را، خدا را در باره خانه پروردگارتان كعبه معظمه، تا زنده ‏ايد آنرا وانگذاريد زيرا اگر متروك گردد مهلت نخواهيد يافت.

خدا را، خدا را در باره جهاد با مال و جان و زبانتان در راه خدا.

بر شما باد كه با هم پيوسته باشيد و بهم بخشش كنيد، مبادا بهم پشت كنيد و از هم ببريد، امر بمعروف و نهى از منكر را از دست ندهيد كه بدان شما بر شما حكمران‏ گردند و سپس هر چه دعا كنيد پذيرفته نباشد و باجابت نرسد، سپس فرمود:

اى زادگان عبد المطلب و هاشميين، شما را فتنه جو و خونريز نيابم كه دست بخون مسلمانان بيالائيد و بگوئيد: أمير المؤمنين را كشتند، أمير المؤمنين را كشتند «چنانچه معاويه خون عثمان را بهانه كرد و بقتل و غارت مسلمانان پرداخت» نبايد بخاطر كشتن من جز كشنده مرا بكشيد.

متوجه باشيد اگر من بر أثر اين ضربت ابن ملجم كشته شدم و وفات كردم از او با يك ضربت قصاص كنيد، مبادا آن مرد را مثله كنيد و دست و پايش را ببريد، زيرا من خود از رسول خدا صلى الله عليه و آله شنيدم كه مى ‏فرمود: بپرهيزيد از مثله گر چه نسبت بيك سگ گزنده باشد.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 45 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 46 صبحی صالح

46- و من كتاب له ( عليه‏ السلام  ) إلى بعض عماله‏

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ وَ أَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الْأَثِيمِ وَ أَسُدُّ بِهِ لَهَاةَ الثَّغْرِ الْمَخُوفِ

فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَهَمَّكَ وَ اخْلِطِ الشِّدَّةَ بِضِغْثٍ مِنَ اللِّينِ‏

 وَ ارْفُقْ مَا كَانَ الرِّفْقُ أَرْفَقَ وَ اعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِينَ لَا تُغْنِي عَنْكَ إِلَّا الشِّدَّةُ

وَ اخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ وَ ابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وَ أَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ وَ آسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَ النَّظْرَةِ وَ الْإِشَارَةِ وَ التَّحِيَّةِ حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ وَ لَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ وَ السَّلَامُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الخامس و الاربعون من كتبه عليه السلام و من كتاب له عليه السلام الى بعض عماله‏

أما بعد، فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين، و أقمع به نخوة الأثيم، و أسد به لهاة الثغر المخوف، فاستعن بالله على ما أهمك، و أخلط الشدة بضغث من اللين، و ارفق ما كان الرفق أرفق، و اعتزم بالشدة حين لا يغني عنك إلا الشدة و اخفض للرعية جناحك، و ابسط لهم وجهك، و ألن لهم جانبك، و آس بينهم في اللحظة و النظرة و الإشارة و التحية، حتى لا يطمع العظماء في حيفك، و لا ييأس الضعفاء من عدلك، و السلام.

اللغة

(أستظهر): أجعلك كظهري أتقوى بك، (النخوة): الكبر، (الأثيم):المخطئ المذنب، كنايه (اللهات): ما بين الفكين الأعلى و الأسفل، و هى كناية عن هجوم العدو كالسبع فاتحا فاه لأخذ الصيد، (الضغث): النصيب من الشي‏ء يختلط بغيره.

الاعراب‏

ما كان الرفق: ما مصدرية زمانية و كان صلتها، حتى لا يطمع: لفظة حتى تفيد التعليل.

المعنى‏

لم يشر الشراح إلى من كاتبه عليه السلام بهذا الكتاب و إلى من خاطبه بهذه التوصيات الحكيمة، و لكن يستفاد من قوله عليه السلام‏ (و أسد به لهاة الثغر المخوف) أنه كان من الأمراء و العمال‏ المرابطين في أحد الثغور الهامة الهائلة، و الثغور التي لا بد من المراقبة منها في عصر حكومته على قسمين: منها ما كانت بين المسلمين و الكفار من ناحية المشرق و المغرب، و منها ما كان بين المؤمنين و الفساق في داخل البلاد الاسلامية كثغور الشام و العراق، فان معاوية يحكم في قطعة واسعة من البلاد الاسلامية تمتد من شمال الجزيرة إلى نواحي العراق، و كان يراقب الغرة من المجاهدين المؤمنين الذين يطيعون عليا للفتك بهم و التسلط على ما في يدهم كما فعله بحسان بن حسان البكري عامل علي عليه السلام على أنبار، و ربما يشعر قوله عليه السلام‏ (و اقمع به نخوة الأثيم) على الوجه الثاني كما أن قوله عليه السلام‏ «لهاة الثغر المخوف» لا يخلو من ايماء إلى ذلك فان الثغور الداخلية حينئذ كانت أخوف من الثغور الخارجية المجاورة مع الكفار، و قد ارتكب معاوية أيام الهدنة المضروبة طيلة سنة في قضية الحكمين من العيث و الفساد في نواحي العراق و الحجاز ما لا يرتكبه الكفار في الثغور الاسلامية الخارجية.

و قد أمر علي عليه السلام عامله على محافظة امور ثلاثة:

1- الاعانة على إقامة الدين الذي هو برنامج تربية المسلمين مادة و معنا.

2- قمع العصاة و المخالفين الذين يريدون الفساد و الافساد في حوزة المسلمين.

3- المراقبة على‏ الثغر الاسلامى و الدفاع عن هجوم الأعداء، و أمر عامله بالاستعانة على ما يهمه من‏ الله‏ تعالى و الاستمداد من سياسة ذات جهتين مخلوطة و مركبة من‏ الرفق‏ و الشدة و اللين‏ و الضغط، بحسب ما يعترضه من الحوادث و العوارض تجاه العدو و المخالف، فان مدار التدبير و السياسة على الانذار و التبشير و الاحسان و التقتير كما قال الشاعر:

فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى و وصاه في معاملته مع الرعايا المطيعين بمراعاة أربعة امور:

1- التواضع لهم و خفض الجناح تجاههم لحفظ حرمتهم و عدم إظهار الكبرياء في وجوههم كما أمر الله نبيه صلى الله عليه و آله في السلوك مع المؤمنين فقال تعالى: «و اخفض جناحك للمؤمنين‏ 88- الحجر».

2- لقائهم بالبشر و البشاشة و الفرح للدلالة على مودتهم و لتحكيم الرابطة الاخوية معهم 3- الاستيناس بهم و التلطف معهم ليطمئنوا برحمة الحكومة و يخلصوا لها ايمانهم بها.

4- المواساة بينهم و رفع التبعيض بحيث ينسلكون في نظم الأخوة الاسلامية كملا، و لا يطمع العظماء و أرباب الثروة و النفوذ في سوء الاستفادة من الحاكم في الظلم على‏ الضعفاء، و لا ييئس الضعفاء من عدل‏ الحاكم و الشكاية عن الظالم.

الترجمة

در نامه ‏اى بيكى از كارگزاران خود چنين مى‏ نويسد:

أما بعد، تو يكى از كسانى هستى كه من براى پايدار كردن دين بدانها پشت گرم هستم، و سر بزرگى گنهكار را بوسيله آنها مى‏ كوبم، و مرز معرض هجوم و بيمناك را مسدود مى‏ سازم، از خدا در كارهائى كه بعهده تو است يارى بجو، سخت گيرى را با اندكى نرمش در آميز، تا آنجا كه نرمش براى پيشرفت كارت هموارتر است نرمش كن، و چون جز سخت گيرى چاره‏ اى نماند بر دشمن سخت‏گير.

در برابر رعيت فرمانبر تواضع پيشه كن و بزرگى بدانها مفروش، با خوشروئى با آنها روبرو شو، و آنانرا بخود راه بده و مأنوس كن، و مساوات و برابرى كامل را ميان آنها رعايت كن تا آنجا كه نگاه و توجه و إشاره و درود را ميان همه پخش كنى و برابرى را رعايت كنى تا آنكه بزرگان و أرباب نفوذ در طرفدارى و ستم تو طمع نورزند و بوسيله تقرب بتو بر ديگران ستم نكنند و بينوايان از عدالت و داد خواهيت نوميد نگردند، و از شكايت ستمكاران دم در نبندند.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 44 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 45 صبحی صالح

  45- و من كتاب له ( عليه ‏السلام  ) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري و كان عامله على البصرة و قد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليها قوله:

أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ وَ تُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ

وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَ غَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ‏                    

مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ وَ مَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ

أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَ يَسْتَضِي‏ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ وَ مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ أَلَا وَ إِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَ لَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ وَ عِفَّةٍ وَ سَدَادٍ

فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً وَ لَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً وَ لَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً

وَ لَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً وَ لَا أَخَذْتُ مِنْهُ إِلَّا كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ وَ لَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى وَ أَوْهَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ

وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَ غَيْرِ فَدَكٍ وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا وَ حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ وَ سَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ

وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ

وَ لَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَ يَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَ لَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَ لَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ

أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَ حَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَ أَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ

 وَ حَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ            وَ حَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ

أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ

فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ

وَ كَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ إِذَا كَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ وَ مُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ أَلَا وَ إِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً وَ الرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً وَ النَّابِتَاتِ الْعِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً وَ أَبْطَأُ خُمُوداً.

وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ وَ الذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ وَ اللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا وَ لَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا

وَ سَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ وَ الْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ

وَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَ هُوَ آخِرُهُ

إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ وَ اجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ

أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ وَ مَضَامِينُ اللُّحُودِ

وَ اللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وَ قَالَباً حِسِّيّاً لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ وَ أُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي وَ مُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ إِذْ لَا وِرْدَ وَ لَا صَدَرَ

هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ وَ مَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ وَ مَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ وَ السَّالِمُ مِنْكِ لَا يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ وَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ انْسِلَاخُهُ

اعْزُبِي عَنِّي فَوَاللَّهِ لَا أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي وَ لَا أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي وَ ايْمُ اللَّهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً

وَ لَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا

أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ وَ تَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ وَ يَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ وَ السَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ

طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا وَ عَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَ هَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا وَ تَوَسَّدَتْ كَفَّهَا فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ وَ تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ

وَ هَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ وَ تَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏

فَاتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ وَ لْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ لِيَكُونَ مِنَ النَّارِ خَلَاصُكَ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الرابع و الاربعون و من كتاب له عليه السلام الى عثمان بن حنيف الانصارى، و هو عامله على البصرة، و قد بلغه أنه دعى الى وليمة قوم من أهلها فمضى اليها.

[الفصل الأول من الكتاب‏]

أما بعد، يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة

دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، و تنقل إليك الجفان، و ما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، و غنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، و ما أيقنت بطيب وجوهه [وجهه‏] فنل منه. ألا و إن لكل مأموم إماما يقتدي به، و يستضي‏ء بنور علمه ألا و إن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، و من طعمه بقرصيه، ألا و إنكم لا تقدرون على ذلك، و لكن أعينوني بورع و اجتهاد و عفة و سداد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، و لا ادخرت من غنائمها وفرا، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا.

اللغة

(الفتية): ج فتى كفتيان و فتو الشاب و الجواد، (المأدبة) بضم الدال:

طعام يدعى إليه الجماعة و أدب القوم يأدبهم بالكسر أى دعاهم إلى طعامه، (الألوان): أنواع من الطعام اللذيذ، (الجفان): جمع جفن، و هو القصعة الكبيرة، (العائل): الفقير، (مجفو): مفعول من جفاه أي معرض عنه يقال:

جفوت الرجل أجفوه إذا أعرضت عنه، (المقضم): معلف الدابة، يأكل منه الشعير بأطراف أسنانه، و الفضم: الأكل بأطراف الأسنان إذا أكل يابسا يقال:

قضمت الدابة شعيرها من باب تعب و من باب ضرب لغة: كسرته بأطراف أسنانها- مجمع البحرين-، و (لفظت) الشي‏ء من فمي ألفظه لفظا من باب ضرب:

رميت به، (الطمر) بالكسر هو الثوب الخلق العتيق أو الكساء البالي من غير الصوف- مجمع-.

الاعراب‏

تستطاب لك الألوان: جملة حالية عن المخاطب و ما بعدها عطف إليها، تجيب إلى طعام قوم، مفعول ثان لقوله ظننت، و جملة: عائلهم مجفو، مبتدأ و خبر حال عن القوم و ما بعدها عطف إليها.

المعنى‏

عثمان بن حنيف‏، بضم الحاء، ابن واهب بن الحكم بن ثعلبة بن الحارث‏ الأنصاري‏ الأوسي أخو سهل بن حنيف أحد الأمجاد من الأنصار، أخذ من النبي صلى الله عليه و آله العلم و التربية و بلغ الدرجة العالية فنال مناصب كبرى، قال في الشرح المعتزلي: «عمل لعمر ثم لعلي و ولاه عمر مساحة الأرض و جبايتها بالعراق، و ضرب الخراج و الجزية على‏ أهلها، و ولاه علي‏ عليه السلام على البصرة، فأخرجه طلحة و الزبير منها حين قدماها».

و يظهر من ذلك أنه كان رجلا بارعا في علم الاقتصاد و السياسة معا فاستفاد منه عمر من الناحية الاقتصادية و فوض إليه أمر الخراج و الجزية و هو من أهم الامور في هذا العصر و خصوصا في أرض العراق العامرة، و كان من خواص علي عليه السلام و من السابقين الذين رجعوا إليه و أخلصوا له، قال في الرجال الكبير بعد ترجمته: «هو من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، قاله الفضل ابن شاذان» و كلمة السابقين في وصفه مأخوذ من قوله تعالى في سورة البراءة الاية 100 «و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم و رضوا عنه و أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم» و كفى له بذلك مدحا و إخلاصا له عليه السلام فإن الاية تخصص السابقين الأولين من الأنصار و المهاجرين بهذه الفضيلة التي لا فضيلة فوقها، و السبق و التقدم إنما هو بقبول ولاية أمير المؤمنين فإنها ميزان الايمان‏ و الإخلاص لله و رسوله و دليل البراءة من النفاق و المطامع الدنيوية.

و مؤاخذته عليه السلام بمجرد إجابة دعوة من بعض فتيان البصرة و تشديده في توبيخه بهذه الجمل البالغة في الطعن و المذمة دليل آخر على علو رتبته و سمو درجة ايمانه و أنه لا ينبغي من مثله إجابة مثل تلك الدعوة و الاشتراك في حفلة ضيافة تعقد لكسب الشهرة، أو جلب المنفعة، أو الانهماك في اللذة و الغفلة، أو الاستمتاع بالأغذية اللذيذة، فظاهر الكتاب الموجه على‏ عثمان بن حنيف‏ بالعتاب توبيخ عنيف على ارتكابه خلافا عظيما يستحق به هذا التوبيخ الشديد الذي آلم من الضرب بالسوط، أو الحبس إلى حين الموت، فلا بد من التدبر في امور:

الاول: ما هو جوهر هذا الخلاف الذي ارتكبه هذا الوالي الذي فوض إليه إدارة امور ثغر هام من الثغور الاسلامية في هذا الزمان، فالبصرة أحد الثغور الهامة الاسلامية في تينك العصور تضاهي مركزية الكوفة و مصر و الشام، و قد انتخبه عليه السلام واليا له و فوض إليه إدارة شئونه و سياسة نظامه في هذا الموقف الرهيب، فكيف يؤبخه و يؤنبه بهذه الجمل القاسية ملؤها الوهن و الاستضعاف فهذا الخلاف يحتمل وجوها:

1- أنه مجرد إجابة دعوة الاشتراك في‏ وليمة لذيذة هيئت للتفريح و الانس مع الأحباب و الأقران.

2- اعدت هذه الوليمة على حساب استمالة الوالي و النفوذ فيه للاستفادة منه في شتى المقاصد المرجوعة إليه و للاعتماد عليه في تنفيذ الحوائج كما هو عادة ذوي النفوذ و الجاه في كل بلد، فإن شأنهم تسخير عمال الدولة بالتطميع و الإحسان للاستمداد منه في مقاصدهم.

3- إن هذه الوليمة اعدت من عصابة مخالفة لعلي عليه السلام و موالية لمعاوية و أعوانه فهي حفلة مؤامرة ضد علي عليه السلام و الهدف منها جلب الوالي إلى الموافقة مع مقاصد سياسة هامة و صرف‏ عثمان بن حنيف‏ عن موالاته عليه السلام إلى معاداته كما فعل‏ معاوية مع‏ زياد بن أبيه‏ بعد ذلك، فانه أحد أعوان علي عليه السلام و أحد ولاته‏ المسيسن، و له يد في تقوية حكومته فاستجلبه معاوية بالمكائد و المواعيد و أثبته أخا لجلبه من موالاة علي عليه السلام إلى معاداته، و استفاد منه أكثر استفادة في حكومته.

و ما ذكره عليه السلام في كتابه هذا يناسب الوجه الثالث، فانه موقف خطر يحتاج إلى الحذر منه أشد الحذر فشرع عليه السلام يوبخ عثمان في قبول هذه الدعوة و الإسراع‏ إليها و تقبل ما أعدوه له من النذل من إعداد الأطعمة الطيبة المختلفة الألوان‏ و تقديم الأقداح الكبيرة في الخوان، و أشار عليه السلام إلى أن هذه الوليمة مما لم يقصد به رضاء الله و إكرام والي ولي الله، و إلا فيشترك فيه ذووا الحاجة و الفقراء من الجيران و سائر المسلمين و لم يخصصوا الدعوة بالأغنياء و ذوي النفوذ و الثروة.

ثم أشار عليه السلام إلى أن الحاضرين حول هذه الخوان من الغافلين المنهمكين في اللذات المادية، فعبر عن الخوان‏ بالمقضم‏ و هو ما يعد فيه علف الدابة من التبن و الشعير، و تعبيره عليه السلام يعم كل خوان و مطعم مهيا لأمثال هؤلاء المفتونين بأمر الدنيا.

و قوله عليه السلام‏ (فما اشتبه عليك علمه فالفظه) يحتمل وجهين:

1- أن يكون المقصود منه بيان الأصل في الأموال و أن الأصل فيها التحريم و لزوم الاحتياط و التحرز إلا ما ثبت حله بوجه شرعي كما ورد في الحديث أنه: لا يحل مال إلا من حيث ما أحله الله، فالأصل في المال المشتبه الحل و الحرمة التحريم و إن قلنا في غيره بالحلية و هو الظاهر من قوله عليه السلام‏ «فما اشتبه عليك علمه فالفظه» و لكن يشكل عليه بأنه لا ينطبق على المورد لأن مورد الكتاب الأكل من مأدبة الضيافة و دليل حلها هو ظاهر يد المسلم و إصالة اليد دليل عام يتكى عليه في اكثر المعاملات و المبادلات.

2- أن يكون المقصود تحقيق الحلال الواقعي و عدم الاكتفاء بالأمارات و الأدلة المحتملة للخلاف تحصيلا للورع عن الحرام الواقعي، كما يستفاد من‏ قوله عليه السلام‏ (و ما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه) فيستفاد منه أنه قرر على عماله احتياطا في الدين فوق حد العدالة التي كانت شرطا في تصدي هذه المناصب الجليلة.

قال ابن ميثم في شرح المقام: «و يفهم منه بحسب التأديب الأول أن التنزه عن هذا المباح أفضل له من تناوله» فحمل كلامه عليه السلام على الوجه الثاني و هو أوضح، لأن مقام هذا الصحابي الكبير أجل من أن ينال ما لا يحل له من الطعام جهلا بالمسألة أو تسامحا في أمر دينه فكان هذا التشدد منه عليه السلام عليه لعلو رتبته، فنبه عليه السلام على أنه لا يليق هذا العمل بمثله و إن كان لا بأس عليه لغيره ممن لم ينل مقامه في العلم و الورع.

ثم توجه عليه السلام إلى بيان منظمة لعماله أو مطلق شيعته، و لخصها في كلمتين:

1- الاقتداء بالامام‏ في العمل و السيرة.

2- الاستضائة من‏ نور علمه‏ و الأخذ بدستوره في كل الامور، و الاقتداء بالامام عملا و أخذ دستور العمل منه، كلاهما سلوك طريق النجاة و لكن الثاني أعم، فانه يشمل الغايب عن محضر الامام و يشمل التكاليف الخاصة بالمأموم‏ دون الامام، و هى كثيرة جدا.

ثم لخص عليه السلام سيرته في كلمتين لتكون مدار العمل لعماله و للاقتداء به عليه السلام:

1- الاكتفاء من رياش الدنيا و لباسها و زينتها بطمرين أى ثوبين باليين إزار و رداء من غير صوف يلبسه أحوج الناس.

2- الاكتفاء من طعامها و غذائها و لذائذها بقرصين من خبز الشعير اليابس الفارغ عن الادام.

و قد مثل عليه السلام في هذه الكلمتين الزهد بأدق معانيه و أشق ما فيه بحيث جعله من كراماته و أنه مما لا يقدر على العمل به غيره فقال عليه السلام: (ألا و إنكم لا تقدرون على ذلك).

ثم نظم برنامجا تربويا لعماله و من يتصدي إدارة امور حكومته في أربع مواد:

1- الورع‏- و هو تحصن النفس عن الرذائل و الاجتناب عن المحارم و المحرمات.

2- الاجتهاد- في تحري الحقيقة و العمل على مقتضي الوظيفة و تحمل الكد و الاذى في سبيل الحق.

3- العفة- و هى ضبط النفس عما لا يحل و لا ينبغي من المشتهيات و ما فيه الرغبات.

4- السداد- و هو تحكيم المعرفة بالامور و الأخذ باليقين و تحكيم العمل و الدقة في تقرير شرايطه و كيفياته و عدم التسامح فيه.

و قد بقي في المقام نكتة و هى أنه ربما يزهد بعض الناس في معاشهم حبا بجمع المال و ادخاره، فيعيشون عيش الفقراء و يكنزون الذهب و الفضة و يقتنون العقار و الدار فقال عليه السلام‏ (فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا و لا ادخرت من غنائمها وفرا و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا)، و زاد في متن الكتاب في شرح ابن أبي الحديد «ج 16 ط مصر»: «و لا حزت من أرضها شبرا، و لا أخذت منه إلا كقوت اتان دبرة» و هى التي عقر ظهرها فقل أكلها.

ثم بين إحساسه من الدنيا التي يطلبها أهلها و يجهدون في طلبها و أنه من النفرة و الانزجار إلى أقصى حد، فقال «دنياكم‏ في عيني أهون من عفصة مقرة» و العفصة حبة كالبندقة تستعمل في دبغ الجلود و يتخذ منها الحبر- كما في مجمع البحرين- أى من طعم هذه الحبة المرة و هى في نهاية النفور.

بقية من المختار الرابع و الاربعين من كتبه عليه السلام‏

بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم، و سخت عنها نفوس [قوم‏] آخرين، و نعم الحكم الله‏ و ما أصنع بفدك و غير فدك، و النفس مظانها في غد جدث، تنقطع في ظلمته آثارها، و تغيب أخبارها، و حفرة لو زيد في فسحتها، و أوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر و المدر، و سد فرجها التراب المتراكم، و إنما هى نفسي أروضها بالتقوى لتأتى آمنة يوم الخوف الأكبر، و تثبت على جوانب المزلق.

اللغة

(فدك): قرية من قرى اليهود بينها و بين مدينة النبي صلى الله عليه و آله يومان، و بينها و بين خيبر دون مرحلة- مجمع البحرين-، (الشح): البخل مع حرص فهو أشد من البخل، (سخوت) نفسي عن الشي‏ء: تركته، (الجدث): القبر، (أضغطها الحجر): جعلها ضاغطة، (المظان) جمع مظنة: موضع الشي‏ء و مألفه الذي يكون فيه.

الاعراب‏

في أيدينا: ظرف مستقر خبر كانت و قوله: فدك، اسم لها، من كل:جار و مجرور و ما موصولية و جملة أظلته السماء صلتها و جملة الظرف في محل الحال من فدك، و النفس مظانها في غد جدث: جملة حالية، و قوله: حفرة، عطف على جدث.

المعنى‏

لما قال عليه السلام‏ «و لا حزت من أرضها شبرا» توجه إلى ماض بعيد و هو بعيد وفاة النبي صلى الله عليه و آله فقال: (كانت في أيدينا فدك) فبخلت بها قوم‏، سلبوها و أخذوها من‏ أيدينا غصبا و هم المتصدون لغصب خلافته خوفا منهم أن يجمع الناس حول أهل البيت برجاء هذا المال فأيدوهم و استردوا حقهم‏ (و سخت عنها نفوس‏ آخرين) يظهر من بعض الشراح أن المراد من‏ نفوس آخرين‏ هم أهل البيت أى تركوها في أيدي الغاصبين و انصرفوا عنها قال الشارح المعتزلي: و سخت عنها نفوس آخرين‏ أى سامحت و أغضت و ليس يعني بالسخاء ها هنا إلا هذا لا السخاء الحقيقي لأنه عليه السلام و أهله لم يسمحوا بفدك‏ إلا غصبا و قسرا.

أقول: يمكن أن يكون المراد من‏ الاخرين‏ هم الأنصار حيث سكتوا عن مطالبة حقهم و قعدوا عن نصرتهم لاسترداده و إن لم يبخلوا بكونها في أيديهم و هذا هو الظاهر لأنه عليه السلام في مقام الشكوى إلى الله عمن ظلمه و أهله في غصب‏ فدك‏ و قد سامح الأنصار في نصرته لردها بعد مطالبتها من جانب فاطمة عليها السلام.

قال في الشرح المعتزلي: قال أبو بكر: حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال:حدثنا حيان بن بشر، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: أخبرنا ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، قال: بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا، فسألوا رسول الله صلى الله عليه و آله أن يحقن دمائهم و يسيرهم ففعل، فسمع ذلك أهل فدك، فنزلوا على مثل ذلك، و كانت للنبي صلى الله عليه و آله خاصة، لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

و قال ابن ميثم: ثم المشهور بين الشيعة و المتفق عليه عندهم أن رسول الله صلى الله عليه و آله أعطاها فاطمة عليها السلام و رووا ذلك من طرق مختلفة.

منها: عن أبي سعيد الخدري قال لما انزلت «و آت ذا القربى حقه 31- الروم:» أعطى رسول الله صلى الله عليه و آله فاطمة فدك، فلما تولى أبو بكر الخلافة عزم على أخذها منها فأرسلت إليها يطالبها بميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و تقول: إنه أعطاني فدكا في حياته و استشهدت على ذلك عليا عليه السلام و ام أيمن فشهدا لها بها فأجابها عن الميراث بخبر رواه هو: نحن معاشر الأنبياء لا نورث فما تركناه فهو صدقة، و عن دعوى فدك: أنها لم تكن للنبي و إنما كانت للمسلمين في يده يحمل بها الرجال و ينفقه في سبيل الله و أنا أليه كما كان يليه.

و في شرح المعتزلي قال: أبو بكر و حدثني محمد بن أحمد بن يزيد، عن عبد الله بن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله بن الحسن بن حسن قالوا جميعا:لما بلغ فاطمة عليها السلام إجماع أبي بكر على منعها فدك، لاثت خمارها، و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ في ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله حتى دخلت على أبي بكر و قد حشد الناس من المهاجرين و الأنصار، فضرب بينها و بينهم ريطة بيضاء و قال بعضهم: قبطية و قالوا قبطية، بالكسر و الضم، ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم، ثم قالت:

أبتدء بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد، الحمد لله على ما أنعم و له الشكر بما ألهم، و ذكر خطبة جيدة قالت في آخرها:فاتقوا الله حق تقاته، و أطيعوه فيما أمركم به، فانما يخشى الله من عباده العلماء، و احمدوا الله الذي بعظمته و نوره يبتغي من في السماوات و الأرض إليه الوسيلة، و نحن وسيلته في خلقه، و نحن خاصته، و محل قدسه، و نحن حجته في غيبه، و نحن ورثة أنبيائه،

ثم قالت:أنا فاطمة بنت محمد، أقول عودا على بدء و ما أقول ذلك سرفا و لا شططا فاسمعوا بأسماع واعية، و قلوب داعية، ثم قالت: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم‏: 128- التوبة» فان تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم، و أخا ابن عمي دون رجالكم.

ثم ذكرت كلاما طويلا، سنذكره فيما بعد في الفضل الثاني، ثم أنتم الان تزعمون أن لا إرث لي «أ فحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون‏: 50- المائدة» ايها معاشر المسلمين، ابتز إرث أبي، أبى الله أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك و لا أرث أبي، لقد جئت شيئا فريا، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله‏، و الزعيم محمد، و الموعد القيامة، و عند الساعة يخسر المبطلون، و لكل نبأ مستقر و سوف تعلمون، من يأتيه عذاب يخزيه و يحل‏ عليه عذاب مقيم، ثم التفت إلى قبر أبيها فتمثلت بقول هند بنت أثاثه:

قد كان بعدك أنباء و هيمنة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب‏
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم‏ لما قضيت و حالت دونك الكتب‏
تجهمتنا رجال و استخف بنا إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب‏

قال: و لم ير الناس أكثر باك و لا باكية منهم يومئذ: ثم عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت: يا معشر البقية، و أعضاد الملة، و حضنة الاسلام، ما هذه الفترة عن نصرتي، و الونية عن معونتي، و الغمزة في حقي، و السنة عن ظلامتي، أما كان رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: «المرء يحفظ في ولده» سرعان ما أحدثتم، و عجلان ما أتيتم، الان مات رسول الله صلى الله عليه و آله أمتم دينه، ها إن موته لعمري خطب جليل استوسع و هنه، و استبهم فتقه، و فقد راتقه، و اظلمت الأرض له، و خشعت الجبال و أكدت الامال، اضيع بعده الحريم، و هتكت الحرمة، و اذيلت المصونة، و تلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته، و أنبأكم بها قبل وفاته، فقال «و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي الله الشاكرين‏: 144- آل عمران».

ايها بنى قيلة أ أهتضم تراث أبي، و أنتم بمرأى و مسمع، تبلغكم الدعوة و يشملكم الصوت، و فيكم العدة و العدد، و لكم الدار و الجنن، و أنتم نخبة الله التي انتخب، و خيرته التي اختار، باديتم العرب، و بادهتم الامور، و كافحتم البهم، حتى دارت بكم رحى الاسلام، و در حلبه، و خبت نيران الحرب، و سكنت فورة الشرك، و هدأت دعوة الهرج، و استوثق نظام الدين، أفتأخرتم بعد الإقدام، و نكصتم بعد الشدة، و جبنتم بعد الشجاعة عن قوم «إن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون‏» ألا و قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، و ركنتم إلى الدعة، فجحدتم الذي وعيتم، و سغتم الذي سوغتم، و إن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا فان الله لغني حميد.

ألا و قد قلت لكم ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم، و خور القناة، و ضعف اليقين، فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر، ناقبة الخف، باقية العار، موسومة الشعار، موصولة ب نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تعملون، و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‏.

و حدث بسنده عن عوانة بن الحكم قال: لما كلمت فاطمة عليها السلام أبا بكر بما كلمته به حمد أبو بكر الله و أثنى عليه و صلى على رسوله، ثم قال: يا خيرة النساء و ابنة خير الاباء: و الله ما عدوت رأى رسول الله صلى الله عليه و آله، و ما عملت إلا بأمره، و إن الرائد لا يكذب أهله، و قد قلت فأبلغت و أغلظت فأهجرت، فغفر الله لنا و لك، أما بعد، فقد دفعت آلة رسول الله و دابته و حذاءه إلى على عليه السلام، و أما ما سوى ذلك فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا و لا فضة و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا و لكنا نورث الايمان و الحكمة و العلم و السنة» فقد عملت بما أمرني و نصحت له، و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه انيب.

قال أبو بكر: و روى هشام بن محمد، عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر:إن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله صلى الله عليه و آله أعطاني فدك، فقال لها: يا ابنة رسول الله، و الله ما خلق الله خلقا أحب إلى من رسول الله صلى الله عليه و آله أبيك و لوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك، و الله لأن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري، أ تراني اعطى الأحمر و الأبيض حقه و أظلمك حقك، و انت بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم، إن هذا المال لم يكن للنبي صلى الله عليه و سلم، و إنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل به النبي الرجال، و ينفقه في سبيل الله، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وليته كما كان يليه،

قالت:و الله لا كلمتك أبدا، قال: و الله لا هجرتك أبدا، قالت: و الله لأدعون الله عليك قال: و الله لأدعون الله لك، فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلى عليها، فدفنت ليلا، و صلى عليها عباس بن عبد المطلب، و كان بين وفاتها و وفاة أبيها اثنتان‏ و سبعون ليلة.

قال أبو بكر: و حدثني محمد بن زكريا، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالإسناد الأول قال: فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها، فصعد المنبر و قال: أيها الناس ما هذه الرعة إلى كل قالة، أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم، ألا من سمع فليقل، و من شهد فليتكلم، إنما هو ثعالة شهيده ذنبه، مرب لكل فتنة، هو الذي يقول كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة، و يستنصرون بالنساء، كام طحال أحب أهلها إليها البغي ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت، و لو قلت لبحت، إني ساكت ما تركت.

ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، و أحق من لزم عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أنتم، فقد جاءكم فاويتم و نصرتم، ألا إني لست باسطا يدا و لا لسانا على من لم يستحق ذلك منا، ثم نزل، فانصرفت فاطمة إلى منزلها.

أقول: هذا شطر مما ورد في أمر فدك عن طرق أهل السنة، ذكرناه بنصه عن الشرح المعتزلي، و قد بحث الفريقان في هذه المسألة بحثا وافيا لا مزيد عليه، و أولوا ما ورد فيه و ما صدر من النصوص بكل وجه ممكن لتأييد كل فريق مذهبه و كفى في ذلك ما نقله الشارح المعتزلي عن قاضى القضاة و ما نقله من النقد و الرد عليه من السيد المرتضى- رحمه الله- و ما علق على نقوض السيد المرتضى انتصارا لقاضى القضاة، من أراد الاطلاع فليرجع إليه، و نحن نلخص البحث في أمر فدك بما يلي:

الاول: لا خلاف و لا شك في أن فدك كانت ملكا صافيا خالصا لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، لأن أهلها ملكوها إياها صلحا على أن يزرعوها بنصف عوائدها، و ما روي من أنه صلى الله عليه و آله صالحهم على النصف محمول على العوائد لا على صلب الملك و لا ينافي مع ما دل على أن أهلها صالحوه على جميعها، و الدليل على ذلك من وجوه:

1- قوله تعالى: «و ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل و لا ركاب و لكن الله يسلط رسله على من يشاء و الله على كل شي‏ء قدير: 6- الحشر».

ظاهر هذه الاية أن ما أعطاه الله رسوله من أهل القرى من غير ايجاف الخيل و الركاب و زحف المجاهد و المحارب فهو خاصة للرسول لا يشترك فيه سائر المسلمين كأرض صالح أهلها مع النبي صلى الله عليه و آله و سلموها إليه أو باد أهلها أو تركوها و هاجروا منها، و فدك مما سلمها أهلها إلى النبي صلى الله عليه و آله من دون حرب و زحف، فهي له خاصة، و الاية التالية تنظر إلى الفى‏ء الذي اخذ عنوة، فهو للنبي صلى الله عليه و آله و ذوى القربى و غيرهم.

2- اعتراف أبي بكر بأنه للنبي صلى الله عليه و آله حيث تمسك بمنعها عن فاطمة عليها السلام بحديث رواه عن النبي و هو قوله «لا نورث، ما تركناه صدقة» مع أنه لو لم يعترف بكونها ملك النبي صلى الله عليه و آله لا يحتاج إلى التمسك بهذا الحديث، بل يمنعها باعتبار عدم ارتباطها بها.

3- أنه بعد ما ادعت فاطمة عليها السلام أنها نحلة أبي و قد وهبها لي، طلب ابو بكر منها الشهود، و طلب الشهود على النحلة، يدل على اعترافه بأنها ملك مخصوص بالنبي صلى الله عليه و آله، لأنه لا هبة إلا في ملك، نعم قال في الشرح المعتزلي:

قال أبو بكر: و روى هشام بن محمد، عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إن ام أيمن تشهد لي أن رسول الله صلى الله عليه و آله أعطاني فدك، فقال لها: يا ابنة رسول الله و الله ما خلق الله خلقا أحب إلى من رسول الله صلى الله عليه و آله أبيك- إلى أن قال- إن هذا المال لم يكن للنبي صلى الله عليه و سلم و إنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال و ينفقه في سبيل الله، فلما توفى رسول الله وليته كما كان يليه، قالت: و الله لا كلمتك أبدا- إلخ.

و يرد الإشكال على هذا الحديث بوجوه:

1- معارضته صريحا مع ما رواه في الشرح أيضا:قال أبو بكر: حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال: حدثنا يحيى بن بشر، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: أخبرنا ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، قال: بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا، فسألوا رسول الله صلى الله عليه و آله أن يحقن دمائهم و يسيرهم ففعل، فسمع ذلك أهل فدك، فنزلوا على مثل ذلك، و كانت للنبي صلى الله عليه و آله خاصة، لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

و هذا الحديث صريح و معلل و موافق للقرآن و له وجوه من الترجيح سندا.

2- قال الشارح المعتزلي: و أما الخبر الثاني و هو الذي رواه هشام بن محمد الكلبي عن أبيه ففيه إشكال أيضا، لأنه قال: إنها طلبت فدك و قالت: إن أبي أعطانيها، و إن ام أيمن تشهد لي بذلك، فقال لها أبو بكر في الجواب: إن هذا المال لم يكن لرسول الله صلى الله عليه و سلم و إنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل به الرجال و ينفقه في سبيل الله، فلقائل أن يقول له: أ يجوز للنبي صلى الله عليه و آله أن يملك ابنته أو غير ابنته من أفناء الناس ضيعة مخصوصة، أو عقارا مخصوصا من مال المسلمين، لوحي أوحى الله إليه- إلى أن قال: و هذا ليس بجواب صحيح.

3- مخالفته مع الاية السابقة السادسة من سورة الحشر كما بيناه، فالقول بأن فدك لم يكن للنبي صلى الله عليه و آله مردود و مخالف لما عليه الفريقان، فاذا ثبت أن فدك كانت خاصة لرسول الله يثبت أن انتقالها إلى فاطمة عليها السلام كان بهبة رسول الله إياها لا بالارث فانه لو كان بالارث لا يختص بفاطمة سلام الله عليها، فانها لم تك وارثة منحصرة له صلى الله عليه و آله بل تشترك معيا أزواج النبي التسع و عصبة النبي صلى الله عليه و آله، على مذهب العامة فلا يصح لها دعوى كل فدك.

و لم يرد في رواية اشتراك غيرها معها في دعوى فدك إلا ما رواه في الشرح عن أبي بكر بسنده عن عروة عن عائشة أن فاطمة و العباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه و آله و هما حينئذ يطلبان أرضه بفدك و سهمه بخيبر، فقال لهما أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «لا نورث، ما تركناه صدقة» إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه من هذا المال، و إني و الله لا احيز أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله يصنعه إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت.

و هذه رواية شاذة تتضمن إرث العصبة مع الأولاد، و هو مخالف لمذهب الامامية، مع احتمال أن يكون ارضه بفدك غير ضيعة فدك، بل قطعة ارض مخصوصة فيها.

الثاني لا بد و أن يكون في بحث فاطمة عليها السلام مع أبي بكر دعويان:

1- دعوى فدك بعنوان النحلة لا بعنوان الميراث.

2- دعوى ميراث النبي مما تركه من غير فدك، و هو امور، منها سهمه صلى الله عليه و آله بخيبر، و منها سهم الخمس الذي كان له في حياته من سهم الله و سهم الرسول، و منها سائر ما يملكه من الدار و المتاع و غيرهما و قد حازها كلها أبو بكر بحجة ما تفرد بروايته من قوله «لا نورث ما تركناه صدقة» فدعوى الهبة و الارث لم تتعلق بموضوع واحد و هو فدك، بل الهبة متعلقة بفدك و دعوى الارث بغيرها، كما يستفاد مما رواه في الشرح المعتزلي عن أبي بكر بسنده إلى ام هاني، أن فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مت؟ قال: ولدي و أهلي، قالت: فمالك ترث رسول الله صلى الله عليه و آله دوننا؟ قال: يا ابنة رسول الله، ما ورث أبوك دارا و لا مالا و لا ذهبا و لا فضة، قالت: بلى سهم الله الذي جعله لنا، و صار فيئنا الذي بيدك، فقال لها: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: إنما هي طعمة أطعمنا الله، فاذا مت كانت بين المسلمين.

و لا بد من القول بأن الدعويين مختلفتان و لم تتواردا على مورد واحد، فانهما متكاذبان، لأن دعوى الهبة تقتضي الاعتقاد بخروج المورد عن ملك النبي صلى الله عليه و آله في حياته، و دعوى الارث تقتضي بقائه في ملكه إلى حين الموت اللهم إلا أن يقال: إن دعوى الهبة مقدمة على دعوى الارث فلما ردت طرحت دعوى الارث على وجه التنزل عنها و على وجه الجدال مع الخصم، و فيه بعد.

و قد اختلف كلامهم في أن أي الدعويين مقدمة، قال في الشرح المعتزلي‏ في الفصل الثالث من مباحثه التي طرحها في أمر فدك «ص 269 ج 16 ط مصر»:و قد أنكر أبو علي ما قاله السائل من أنها لما ردت في دعوى النحلة ادعته إرثا و قال: بل كانت طلبت الارث قبل ذلك، فلما سمعت منه الخبر كفت و ادعت النحلة.

و العجب كل العجب من أبي علي، كيف خفى عليه أنه لو كانت دعوى الارث مقدمة فقد اعترفت فاطمة عليها السلام ببقاء المورد في ملك أبيه إلى حين الوفات، فكيف يصح منها أن تدعي النحلة بعد ذلك.

و العجب من السيد المرتضى- رحمه الله- حيث لم يتوجه في جوابه عن كلامه هذا في الشافي إلى خبطه فقال: و أما إنكار أبي علي أن يكون النحل قبل ادعاء الميراث و عكسه الأمر فيه، فأول ما فيه أن لا نعرف له غرضا صحيحا في إنكار ذلك لأن كون أحد الأمرين قبل الاخر لا يصحح له مذهبا فلا يعتد على مخالفه مذهبا، ثم قال رحمه الله:ثم إن الأمر في أن الكلام في النحل كان المتقدم ظاهرا، و الروايات كلها به واردة، و كيف أن تبتدأ بطلب الميراث فيما تدعيه بعينه نحلا أو ليس هذا يوجب أن تكون قد طالبت بحقها من وجه لا تستحقه منه مع الاختيار و كيف يجوز ذلك و الميراث يشتركها فيه غيرها، و النحل تنفرد به».

أقول: قد ترى أن السيد رحمه الله لم يشر إلى التكاذب و التناقض الذي يلزم على المدعي للميراث قبل ادعاء النحل، فانه لو ادعى الميراث أولا فقد اعترف ببقاء الملك على ملك المورث إلى حين الموت، فلو ادعى النحل بعد ذلك فقد ناقض دعواه الاولى و كذب نفسه، و لا يصح صدوره من فاطمة عليها السلام مع عصمته و طهارته، فلا بد من القطع بتقدم دعوى النحل على دعوى الارث، و لا يصح جعله ظاهر الحال أو ظاهر الأخبار، كما يستفاد من كلام السيد رحمه الله.

و قد انتصر الشارح المعتزلي لأبي على بما يلي «ص 285 ج 16 ط مصر»:

فأما تعجب المرتضى من قول أبي علي أن دعوى الارث كانت متقدمة على‏ دعوى النحل و قوله: إنا لا نعرف له غرضا في ذلك، فانه لا يصح له بذلك مذهب و لا يبطل على مخالفيه مذهب، فان المرتضى لم يقف على مراد الشيخ أبي علي في ذلك، و هذا شي‏ء يرجع إلى اصول الفقه، فان أصحابنا استدلوا على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد باجماع الصحابة، لأنهم أجمعوا على تخصيص قوله تعالى: «يوصيكم الله في أولادكم‏» برواية أبي بكر عن النبي صلى الله عليه و آله «لا نورث ما تركناه صدقة»، قالوا: و الصحيح في الخبر أن فاطمة عليها السلام طالبت بعد ذلك بالنحل لا بالميراث، فلهذا قال الشيخ أبو علي: إن دعوى الميراث تقدمت على دعوى النحل، و ذلك لأنه ثبت أن فاطمة انصرفت عن ذلك المجلس غير راضية و لا موافقة لأبي بكر، فلو كانت دعوى الارث متأخرة، و انصرفت عن سخط لم يثبت الاجماع على تخصيص الكتاب بخبر الواحد، أما إذا كانت دعوى الارث متقدمه فلما روى لها الخبر أمسكت و انتقلت إلى النزاع من جهة اخرى، فانه يصح حينئذ الاستدلال بالاجماع على تخصيص الكتاب بخبر الواحد، فأما أنا فالأخبار عندي متعارضة، يدل بعضها على أن دعوى الارث متأخرة، و بعضها على أنها متقدمة و أنا في هذا الموضع متوقف، و ما ذكره المرتضى من أن الحال تقتضي أن تكون البداية بدعوى النحل فصحيح، انتهى.

أقول: لا يخفى ما في كلام الشارح المعتزلي من الاضطراب و التناقض، فتارة ينتصر لأبي علي جزما ليصحح الاجماع، و اخرى يحكم بتعارض الأخبار و يتوقف و ثالثة يصحح كلام المرتضى في تقدم دعوى النحل.

و الأصح أن مورد دعوى النحل خصوص فدك و لم يرد عليها دعوى الارث أصلا لا قبلها و لا بعدها، و مورد دعوى الارث سائر ما تركه رسول الله من سهمه بخيبر و سهمه في الخمس و غير ذلك من متاعه، و قد تصرف أبو بكر في جميع ذلك و قام مقامه كلا و لم يمسك عن أموال رسول الله يدا إلا من آلة رسول الله و دابته و حذائه حيث دفعها إلى علي عليه السلام، كما في رواية عوانة بن الحكم.

و العجب من الشارح المعتزلي حيث انتصر لأبي علي بما يوجب تكاذب فاطمة عليها السلام لنفسها و سقوط كلامها عن الاعتبار بالتناقض الظاهر، و كيف يصح لها عليها السلام دعوى النحل في فدك بعد الاعتراف بأنها ميراث لرسول الله صلى الله عليه و آله، و قد أصر في غير موضع من كلامه على اعتراف فاطمة بصحة ما رواه أبو بكر من قوله «لا نورث، ما تركناه صدقة» و موافقتها معه في ذلك، و من يتدبر في كلام فاطمة تجاه أبي بكر و من وافقه يفهم أن فاطمة عليها السلام أنكر حديثه و نسبت المعترف به إلى الكفر و الالحاد و الخروج عن الاسلام و متابعة القرآن، فانظر إلى قولها فيما ذكره الشارح المعتزلي بأسناد عدة:

«ثم أنتم الان تزعمون أن لا إرث لي «أ فحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون‏» ايها معاشر المسلمين ابتز إرث أبي، أبى الله أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك و لا أرث أبي، لقد جئت شيئا فريا، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله‏، و الزعيم محمد، و الموعد القيامة، و عند الساعة يخسر المبطلون، و لكل نبإ مستقر و سوف تعلمون‏، من يأتيه عذاب يخزيه و يحل عليه عذاب مقيم‏»، و قالت فيما خاطبت و عاتبت به الأنصار:

«ما هذه الفترة عن نصرتي، و الونية عن معونتي، و الغمزة في حقي، و السنة عن ظلامتي- إلى أن قالت عليها السلام: ايها بني قيلة، أ أهتضم تراث أبي، و أنتم بمرأى و مسمع، تبلغكم الدعوة، و يشملكم الصوت، و فيكم العدة و العدد، و لكم الدار و الجنن، و أنتم نخبة الله التي انتخب، و خيرته التي اختار، باديتم العرب، و بادهتم الامور، و كافحتم البهم، حتى دارت بكم رحى الاسلام، و در حلبه، و خبت نيران الفتنة، و سكنت فورة الشرك، و هدأت دعوة الهرج و استوثق نظام الدين، أفتأخرتم بعد الإقدام، و نكصتم بعد الشدة، و جبنتم بعد الشجاعة، عن قوم «نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون‏».

أقول: من تدبر هذه الكلمات التي خرجت من قلب ملتهب و أسف عميق‏ يفهم بوضوح عدم طريق للموافقة بين بنت الرسول المظلومة الممنوعة عن حقها مع مخالفيها بوجه من الوجوه، و قد صرحت فيها بنكث العهد و مخالفة الرسول عن اولئك المخالفين.

الثالث مما يهم في المقام، بيان أن فدك كانت في تصرف فاطمة عليها السلام فانتزعها منها أبو بكر؟ أو كانت في ضمن ما تركه النبي صلى الله عليه و آله فمنعها أبو بكر من التصرف فيها؟

حكى في الشرح المعتزلي عن قاضى القضاة ما يلي «ص 269 ج 16 ط مصر»:و لسنا ننكر صحة ما روي من ادعائها فدك، فأما أنها كانت في يدها فغير مسلم، بل إن كانت في يدها لكان الظاهر أنها لها، فاذا كانت في جملة التركة فالظاهر أنها ميراث.

و نقل عن السيد المرتضى في رد كلامه «ص 275 ج 16 ط مصر»: فأما إنكار صاحب الكتاب لكون فدك في يدها فما رأيناه اعتمد في إنكار ذلك على حجة، بل قال: لو كان ذلك في يدها لكان الظاهر أنها لها، و الأمر على ما قال، فمن أين أنه لم يخرج عن يدها على وجه يقتضى الظاهر خلافه، و قد روى من طرق مختلفة غير طريق أبي سعيد الذي ذكره صاحب الكتاب أنه لما نزل قوله تعالى «فآت ذا القربى حقه‏: 38- الروم» دعا النبي صلى الله عليه و آله فاطمة عليها السلام فأعطاها فدك، و إذا كان ذلك مرويا فلا معنى لدفعه بغير حجة.

أقول: لا إشكال في أن ظاهر «فأعطاها فدك» الواردة في غير واحد من الأخبار هو إقباض النبي صلى الله عليه و آله إياها، لا مجرد إنشاء صيغة الهبة، فان العطاء حقيقة في العمل الخارجي، و من هذه الجهة عنون الفقهاء المعاطاة في مقابل العقد و المعاملة الانشائية، فالمعاطاة معاملة بالعمل و بالأخذ و الرد، و أدل دليل على كونها في تصرف فاطمة عليها السلام عليها السلام حين موت النبي صلى الله عليه و آله كلام أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الكتاب الموجه‏ إلى عثمان بن حنيف‏ من كبار الصحابة حيث يقول صلوات الله عليه:«بلى كانت في أيدينا فدك» فانه كاد أن يكون صريحا في كونها تحت‏ تصرف أهل البيت.

الرابع: لقضية فدك جهتان هامتان:الاولى النظر إليها عن الوجهة الحقوقية و القضائية و البحث من حيث إن فدك كانت حقا لفاطمة سلام الله عليها بهبة من النبي صلى الله عليه و آله كما هو الظاهر، أو بالارث كما ذكره غير واحد من الأصحاب و جم من المخالفين فاخذت منها غصبا و تعمدا، أو على وجه الشبهة باعتماد الحديث الذي رواه أبو بكر عن النبي صلى الله عليه و آله «لا نورث، ما تركناه صدقة» و البحث في هذا الحديث يقع من وجهين:

الأول: من جهة السند، و يضعف من وجوه شتى، كتفرد أبي بكر بنقله مع وفور الصحابة و توفر الداعي ببيانه للناس لإزالة الشبهة، و كعدم اطلاع أهل البيت عليهم السلام و أزواج النبي صلى الله عليه و آله عنه مع مسيس الحاجة إلى إبلاغهم هذا الحكم من النبي ليعرفوا تكليفهم في تركته من حين موته، و يكاد يقطع باستحالة إخفاء النبي صلى الله عليه و آله هذا الحكم عنهم مع ولعه بتقوى ذويه و أهل بيته.

الثاني: من جهة دلالته حيث إن للنبي صلى الله عليه و آله جهتان متمايزتان: الاولى جهة شخصية و أنه كسائر أفراد البشر و المسلمين يملك و يتزوج و يصير أبا و يكون ابنا لأبيه، و له حقوق متساوية مع غيره فيملك و يملك و يرث و يورث، الثانية جهة نبوته و ما يتعلق به بعنوان أنه نبي فيكون والد الامة و مالك الوجوه العامة من الغنائم و السبايا، و بيده مفتاح بيت المال يتصرف فيه على ما يراه صلاحا، فيمكن أن يكون مقصوده من قوله صلى الله عليه و آله «لا نورث» الجهة الثانية و معناه أن ما يملكه النبي بعنوان أنه نبي غير مورث و تترك صدقة عامة للامة و لا يشمل ما يملكه باعتبار شخصه من أمواله الخاصة فانها متروكة لوارثه كسائر الأفراد.

و حيث كانت فدك مطرحا لدعوى فاطمة عليها السلام من جهة النحلة و طلب أبو بكر منها البينة فشهد لها علي عليه السلام و ام أيمن فردت شهادتهما أو لم يكتف بهما لنقصانهما عن حد البينة الشرعية فانها تتحقق بشهادة رجلين أو رجل و امرأتين عرضت القضية لبحث قضائي من وجوه شتى.

منها، هل يصح أو يجب الاكتفاء بمجرد الدعوى من فاطمة عليها السلام للحكم لها؟ أم حالها حال سائر الناس و لا بد من عرض دعويها على الموازين القضائية العامة؟

و تحقيق البحث فيه يرجع إلى النظر في أمرين:الأول في أن البينة حجة لاثبات دعوى المدعي باعتبار صرف الحكاية عن الواقع و من جهة الكاشفية فقط، فكل كاشف عن الواقع يساويها في البيان أو يقوى عليها يقوم مقامها، أم هي حجة قضائية بخصوصها و لها موضوعية لفصل الدعوى و إثبات المدعى؟ و الظاهر هو الأول لأن البينة كاشفة عن الواقع و حجة بهذا الاعتبار و لذا يقوم مقامها الشياع، و حينئذ فعصمة فاطمة عليها السلام و طهارتها عن الكذب بحكم آية التطهير الشامل لها مما يوجب العلم بصدق دعويها فيحكم لها لهذا العلم الناشي عن خصوصية المدعي و إن منعنا عن جواز حكم القاضي في موضوع النزاع بمجرد علمه الغير المستند إلى طرح الدعوى كالوحى أو الاستظهار بالغيب من الرياضة أو مثل علوم الجفر و الرمل و نحوهما لمن هو أهله.

ففي الشرح المعتزلي: قال المرتضى: نحن نبتدى‏ء فندل على أن فاطمة عليها السلام ما ادعت من نحل فدك إلا ما كانت مصيبة فيه، و أن مانعها و مطالبها بالبينة متعنت، عادل عن الصواب، لأنها لا تحتاج إلى شهادة و بينة- إلى أن قال- أما الذي يدل على ما ذكرناه فهو أنها معصومة من الغلط، مأمون منها فعل القبيح و من هذا صفته لا يحتاج فيما يدعيه إلى شهادة و بينة.

ثم استشهد لاثبات عصمتها، باية التطهير و حديث «فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله عز و جل» و هذا يدل على عصمتها، لأنها لو كانت ممن يقترف الذنوب لم يكن من يؤذيها مؤذيا له على كل حال، بل متى فعل المستحق من ذمها، أو إقامة الحد عليها، إن كان الفعل يقتضيه سارا له و مطيعا، على أننا لا نحتاج في هذا الموضع على الدلالة على عصمتها، بل يكفي في هذا الموضع العلم بصدقها فيما ادعته، و هذا لا خلاف فيه بين المسلمين لأن‏ أحدا لا يشك أنها لم تدع ما ادعته كاذبة، و ليس بعد أن لا تكون كاذبة إلا أن تكون صادقة، و إنما اختلفوا في أنه هل يجب بعد العلم بصدقها تسليم ما ادعته بغير بينة أم لا يجب ذلك؟

ثم استدل على أن البينة من جهة الكاشفية لا من جهة الموضوعية بوجوه:

1- اشتراط العدالة في البينة للاعتماد بصدقها.

2- جواز حكم الحاكم بعلمه من غير شهادة.

3- كون الإقرار أقوى من البينة من حيث إنه أكشف للواقع- إلى أن قال:

«و الذي يدل على صحة ما ذكرناه أيضا أنه لا خلاف بين أهل النقل في أن أعرابيا نازع النبي صلى الله عليه و آله في ناقة، فقال عليه السلام «هذا لي و قد خرجت إليك من ثمنها» فقال الأعرابي: من يشهد لك بذلك؟ فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد بذلك، فقال النبي صلى الله عليه و آله: «من أين علمت، و ما حضرت ذلك؟» قال: لا و لكن علمت ذلك من حيث علمت أنك رسول الله، فقال: «قد أجزت شهادتك و جعلتها شهادتين» فسمي ذا الشهادتين، و هذه القضية شبيهة لقصة فاطمة عليها السلام.

و منها أنه حيث كانت فاطمة عليها السلام مدعية لفدك باتفاق أهل الحديث يستفاد أنها كانت متصرفة فيها و صاحبة يد عليها، فلا يصح مطالبتها بالبينة إلا أن يقال بأن دعويها مقرونة بالاستناد إلى ادعاء الهبة و بهذا الاعتبار تحتاج إلى البينة، و قد شهد لها علي عليه السلام و ام أيمن، و يظهر مما نسب إلى أبي بكر التوقف في الحكم لها باعتبار نقصان البينة، فانها تتحقق برجلين أو رجل و امرأتين، فيبحث عن خطأ أبي بكر في ذلك باعتبار أن عليا مشمول لاية التطهير و معصوم، فيقوم شهادته مقام رجلين و ام أيمن ممن ثبت كونها من أهل الجنة فيقطع بصدقها و يقوم شهادتها مقام امرأتين و أكثر، و نسب إلى عمر رد شهادتهما باتهام علي عليه السلام بأنه يجر النار إلى قرصه، و القدح في ام أيمن بأنها عجمية مردودة الشهادة فيا لهما من خطأ و جور.

الثانية النظر إليها من الوجهة السياسية، و هي أن أخذ فدك من فاطمة عليها السلام‏

و أخذ سائر مواريث النبي منها و من سائر الوراث تابع للاستيلاء على الخلافة و الحكم، فلا يستقر بيعة سقيفة على أبي بكر إلا بهذين الأمرين، لأن الرياسة على الامة من أهم مواريث النبي صلى الله عليه و آله و من أوفر ما تركه بعده فتتعلق بذويه الأقربين من اهل بيته، و لا يكفي مجرد بيعة الناس مع ابي بكر لسلب هذا الحق عن اهل البيت إلا بمنع التوريث عن النبي صلى الله عليه و آله، و منع الارث يحتاج إلى قضية عامة و هي جملة «لا نورث، ما تركناه صدقة» التى ابتكرها أبو بكر و تفرد بنقلها و لم يكن لمن بايع معه من المهاجرين و الأنصار إلا التسليم لها و ترك النكير عليها، فانهم لو أنكروها و قاموا في وجه أبي بكر لردها يضطرون إلى نقض بيعتهم معه بالرئاسة و الخلافة فلا يستقيم قبول وراثة فاطمة و سائر أهل البيت عما تركه النبي صلى الله عليه و آله مع بيعتهم لأبي بكر بالخلافة.

و يدل على ذلك ما حكي أن هارون العباسي قال لموسى بن جعفر عليه السلام:حد لي فدك حتى أرده، فقال عليه السلام: حدها من سيف البحر إلى دومة الجندل إلى عريش مصر، فقال هارون: حتى أنظر فيها، فالظاهر أن مقصوده عليه السلام أن فدك نموذج ما تركه النبي صلى الله عليه و آله لأهل بيته و هو ما استقر حكومته عليه في حياته.

و قال الشارح المعتزلي «ص 284 ج 16 ط مصر»: «و سألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له: أ كانت فاطمة صادقة؟ قال:نعم، قلت: فلم لم يدفع إليها ابو بكر فدك و هي عنده صادقة؟ فتبسم، ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه و حرمته و قلة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجائت إليه غدا و ادعت لزوجها الخلافة، و زحزحته عن مقامه، و لم يكن يمكنه الاعتذار و الموافقة بشى‏ء لأنه يكون قد أسجل على نفسه أنها صادقة فيما تدعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بينة و لا شهود، و هذا كلام صحيح، و إن كان قد أخرجه مخرج الدعابة و الهزل».

ثم إن عمق سياسة قضية فدك يظهر من التدبر في خطب ابي بكر و مكالمته‏ مع فاطمة عليها السلام حيث يستفاد منها أن أبا بكر كان داهية دهياء و لا يكون في المسلمين يومئذ أدهى منه و أمكر، و صور خطة سياسته في هذه القضية من ثلاث:

الاولى رقته و لينه تجاه فاطمة عليها السلام بما لا مزيد عليه و تمسكه بالإطاعة لرسول الله صلى الله عليه و آله و ولعه على العمل بسنته و سيرته حرفا بحرف و قدما على قدم، و تحريش الناس على فاطمة عليها السلام بأنها يريد خلاف قول أبيها طلبا لحطام الدنيا فانظر فيما يلي:

في الشرح المعتزلي «ص 214 ج 16 ط مصر»: و روى هشام بن محمد عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله صلى الله عليه و آله أعطاني فدك، فقال لها: يا ابنة رسول الله، و الله ما خلق الله خلقا أحب إلى من رسول الله صلى الله عليه و آله أبيك، و لوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك، و الله لأن تفتقر عايشة أحب إلي من أن تفتقري، أ تراني اعطي الأحمر و الأبيض حقه و أظلمك حقك، و أنت بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم، إن هذا المال لم يكن للنبي صلى الله عليه و سلم، و إنما كان مالا من أموال المسلمين، يحمل النبي به الرجال، و ينفقه في سبيل الله، فلما توفى رسول الله صلى الله عليه و سلم وليته كما كان يليه، قالت: و الله لا كلمتك أبدا، قال: و الله لا هجرتك أبدا، قالت: و الله لأدعون الله عليك، قال: و الله لأدعون الله لك، فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلي عليها. فدفنت ليلا …

و في الشرح أيضا «ص 213 ج 16 ط مصر»: عن عوانة بن الحكم، قال:لما كلمت فاطمة عليها السلام أبا بكر بما كلمته به، حمد أبو بكر الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال: يا خيرة النساء و ابنة خير الاباء، و الله ما عدوت رأي رسول الله صلى الله عليه و آله، و ما عملت إلا بأمره، و إن الرائد لا يكذب أهله، و قد قلت فأبلغت و أغلظت فأهجرت، فغفر الله لنا و لك، أما بعد، فقد دفعت آلة رسول الله، و دابته و حذاءه إلى علي عليه السلام، فأما ما سوى ذلك فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا و لا فضة و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا،و لكنا نورث الايمان و الحكمة و العلم و السنة، فقد عملت بما أمرني، و نصحت له، و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه انيب.

فقد ترى أبا بكر في هذه المكالمة و هذه الخطبة القصيرة التي أجاب بها عن خطبة فاطمة الطويلة القاصعة يظهر الخضوع و التذلل لفاطمة عليها السلام و الطوع و الانقياد لأمر أبيها حتى يصور فاطمة عليها السلام في نظر الناس عاقة لأبيها و طالبة لحطام الدنيا.

الثانية استصغار علي و أهل بيته و إهانتهم في نظر الناس ليسقط عندهم هيبة أهل البيت و ينتهك حرمتهم التي اكتسبوها في ضوء توصيات النبي صلى الله عليه و آله و حرمة مهبط الوحي و الرسالة، و يجترءوا على الصول عليهم، بما يقتضيه السياسة في مواقفها الاتية.

فانظر إلى قوله في تلك الخطبة «أما بعد، فقد دفعت آلة رسول الله و دابته و حذاءه إلى علي» فإن فيه من الإهانة بمقام علي عليه السلام ما لا يخفى، فيغصب أبو بكر منبر رسول الله و سيفه و يدفع إلى علي عليه السلام حذاءه.

ثم انظر إلى ما أفاده في خطبته الثانية كما في الشرح المعتزلي «ص 214 ج 16 ط مصر»: قال أبو بكر: و حدثني محمد بن زكريا قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالإسناد الأول قال: فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها، فصعد المنبر و قال: أيها الناس، ما هذه الرعة إلى كل قالة، أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم، ألا من سمع فليقل و من شهد فليتكلم، إنما هو ثعالة شهيده ذنبه، مرب لكل فتنة هو الذي يقول: كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة و يستنصرون بالنساء كام طحال أحب أهلها إليها البغي ألا أني لو أشاء أن أقول لقلت، و لو قلت لبحت، إني ساكت ما تركت …

قال الشارح المعتزلي: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري و قلت له: بمن يعرض؟ فقال: بل يصرح، قلت:لو صرح لم أسألك، فضحك و قال: بعلي بن أبي طالب عليه السلام، قلت: هذا الكلام كله لعلي يقوله؟ قال: نعم، إنه الملك يا بني، و يظهر نهاية استخفافه بعلي‏ و فاطمة عليها السلام و استصغاره لشأنهما بما فسره من غريب ألفاظ الخطبة، قال: فسألته عن غريبه، فقال: أما الرعة بالتخفيف، أى الاستماع و الاصغاء، و القالة: القول، و ثعالة: اسم الثعلب علم غير مصروف مثل ذؤالة للذئب، و شهيده ذنبه: أي لا شاهد له على ما يدعى إلا بعضه و جزء منه، و أصله مثل، قالوا: إن الثعلب أراد أن يغري الأسد بالذئب فقال: إنه قد أكل الشاة التي قد أعددتها لنفسك، و كنت حاضرا، قال: فمن يشهد لك بذلك؟ فرفع ذنبه و عليه دم، و كان الأسد قد افتقد الشاة فقبل شهادته، و قتل الذئب، و مرب: ملازم، أرب بالمكان، و كروها جذعة: أعيدوها إلى الحال الاولى، يعني الفتنة و الهرج، و ام طحال امرأة بغي في الجاهلية، فيضرب بها المثل فيقال: أزنى من ام طحال، انتهى.

فقد اتهم عليا عليه السلام في كلامه هذا بأنه يجر النار إلى قرصه و يشهد لجر النفع و جلب المنفعة و أنه يريد إلقاء الفتنة بين المسلمين و ايقاد نيران الحرب و رد الاسلام قهقرى، فيستعين بالضعفة و النساء، و كفى و هنا به و بفاطمة قوله:كام طحال أحب أهلها إليها البغي، و هل قصد تشبيه علي عليه السلام بام طحال أو فاطمة عليها السلام أو هما معا، و كفى به توهينا لهما و إظهارا للكفر و الزندقة.

و يقصد في ضمن ذلك سلب الفوائد عن علي عليه السلام بحيث لا يملك درهما و لا دينارا، فيكون قد اشتغل بتحصيل القوت و يكون آكلا سهمه من بيت المال بنظارته كأحد اجرائه و امرائه لئلا يتوجه إليه الناس فيعتز بهم و يطلب حقه من الخلافة.

قال في الشرح المعتزلي (ص 236 ج 16 ط مصر): و قال لي علوي من الحلة، يعرف بعلي بن مهنا، ذكي ذو فضائل: ما تظن قصد أبى بكر و عمر بمنع فاطمة فدك؟ قلت: ما قصدا؟ قال: أرادا أن لا يظهرا لعلي- و قد اغتصباه الخلافة- رقة ولينا، و لا يرى عندهما خورا، فاتبعا القرح بالقرح.

و قلت لمتكلم من متكلمى الإمامية يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل و هل كانت فدك إلا نخلا يسيرا و عقارا ليس بذلك الخطير؟ فقال لي: ليس الأمر كذلك، بل كانت جليلة جدا، و كان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الان من النخل، و ما قصد أبو بكر و عمر بمنع فاطمة عنها إلا يتقوى علي بحاصلها و غلتها على المنازعة في الخلافة، و لهذا اتبعا ذلك بمنع فاطمة و علي و سائر بني هاشم و بني المطلب حقهم في الخمس، فان الفقير الذي لا مال له تضعف همته و يتصاغر عند نفسه و يكون مشغولا بالاحتراف و الاكتساب عن طلب الملك و الرئاسة، فانظر إلى ما قد وقر في صدور هؤلاء …

الثالثة إرعاب الناس و تخويفهم إلى حيث ينقادون لحكمهم و يتهيأون لكل ما يقررونه بعد ذلك من مؤامراتهم، فتشديدهم الأمر على أهل بيت النبي إلى حيث هددوهم بإحراق بيتهم أو أشعلوا النار في باب فاطمة عليها السلام و في روايات عدة أنهم ضربوها بالسياط تقرير لهذه السياسة الحديدية النارية التي يرتكبها الطامعون في استقرار حكومتهم و كبح مخالفيهم.

قال في الشرح المعتزلي «ص 283 ج 16 ط مصر»: فيما نقله عن السيد المرتضى في جواب قاضى القضاة: فأما قوله إن حديث الإحراق لم يصح، و لو صح لساغ لعمر مثل ذلك فقد بينا أن خبر الاحراق قد رواه غير الشيعة و قوله أنه يسوغ مثل ذلك، فكيف يسوغ إحراق بيت علي و فاطمة عليها السلام و هل في ذلك عذر يصغى إليه أو يسمع، و إنما يكون علي و أصحابه خارقين للاجماع و مخالفين للمسلمين لو كان الاجماع قد تقرر و ثبت، و ليس بمتقرر و لا ثابت مع خلاف علي وحده فضلا عن أن يوافقه على ذلك غيره …

و تهديد أبي بكر للناس و خصوص الأنصار الذين هم العدة و العدد و صاحبوا الدار و الجنن يظهر من ذيل خطبته السابقة «ص 215 ج 16 ط مصر»:ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، و أحق من لزم عهد رسول الله أنتم، قد جائكم فاويتم و نصرتم، ألا أنى لست باسطا يدا و لا لسانا على من لم يستحق ذلك منا، ثم نزل، فانصرفت فاطمة عليها السلام إلى منزلها.

قال الشارح المعتزلي في ضمن ما سأله عن النقيب أبي يحيى «قلت: فما مقالة الأنصار؟ قال: هتفوا بذكر علي فخاف من اضطراب الأمر عليهم، فنهاهم».

و بهذه السياسة الحديدية المقرونة بأشد الارعاب أخمدوا نار الثورة الفاطمية التي أشعلتها عليهم بخطبتها الرنانة الفائقة و تمسكوا بالملك و الخلافة بكل قوة و شدة، و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

الترجمة

از نامه آن حضرت عليه السلام است كه بعثمان بن حنيف انصارى نگاشته- عثمان ابن حنيف كار گزار آن حضرت بود بر استان بصره، و از وى به آن حضرت گزارش رسيده بود كه براى صرف وليمه جشن جمعى از مردم بصره دعوت شده و اين دعوت را پذيرفته و در آن وليمه شركت كرده، و در ضمن نامه بدو نوشته است:

أما بعد أى زاده حنيف، بمن خبر رسيده كه مردى از جوانان اهل بصره از تو بر سر خوان مهمانى دعوت كرده و توهم بدان شتافتى، خوراكهاى رنگارنگ برايت آورده ‏اند و قدحهاى چند در برابرت چيده ‏اند (تو حريصانه از آنها خوردى و استخوانهاى گوشت را بدندان پاك كردى).

من گمان نمى ‏بردم تو پذيراى دعوت مردمى شوى بر سر خوان خوراكشان كه بينوايان آنها گرسنه ‏اند و توانگرانشان دعوت شده ‏اند، بنگر از اين آخر دنيا چه مى‏ جوى، آنچه را يقين ندارى كه حلال است بدور انداز و از آنچه بيقين مى ‏دانى حلال است استفاده كن.

هلا براستى كه هر مأمومى را امامى است كه از او پيروى كند و از پرتو دانشش روشنى گيرد، هلا براستى امام و پيشواى شما از دنياى خود بدو پاره كرباس و دو قرصه نان جوين قناعت كرده، معلومست كه شما نتوانيد چنين زندگى كنيد و تا اين اندازه قناعت ورزيد، ولى بورع و كوشش خود در كار دين بمن كمك كنيد، و با پارسائى و درستكارى مرا مدد كنيد، بخدا سوگند، من از دنياى شما گنجينه زرى نيندوختم و از دست آورده اى آن برى برنگرفتم، و ذخيره و پس اندازى نيندوختم، و براى‏ كهن جامه تن خود پارچه كرباسينى آماده نساختم، و از زمين اين دنيا يك وجب بچنگ نياوردم، و از اين دنيا جز قوتى اندك باندازه خوراك ماده الاغى پشت ريش بر نگرفتم، و هر آينه اين دنيا در چشم من سست‏تر و پست‏تر است از دانه بلوطى گرف و نامطبوع.

آرى در زير دست ما تنها يك فدك بود از هر آنچه آسمان بر آن سايه دارد و دلهاى مردمى بر آن دريغ آورد و دلهاى ديگران بر آن بخششگر شد و از دست ما ربوده گرديد، و چه خوب دادگرى است خداوند، مرا چه كار است با فدك يا جز فدك با اين كه منزل فرداى هر كس گور است، گورى كه در تاريكيش آثار و كردار هر كس منقطع مى ‏گردد و اخبارش نهان مى‏ شود گودالى كه اگر در ميدانش بيفزايند و دست حفارش پهناور سازد سنگ و كلوخش تنگ سازد و خاكهاى انباشته سوراخ و روزنش را مسدود سازد، همانا منم و اين نفس سركشم كه بوسيله تقوى و پرهيزكارى آنرا سوقان مى ‏دهم تا بلكه در روز هراس بزرگتر در آسايش باشد و بر اطراف پرتگاه دوزخ پابرجا و استوار گذر كند.

بقية من المختار الرابع و الاربعين من كتبه عليه السلام‏

و لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، و لباب هذا القمح، و نسائج هذا القز، و لكن هيهات أن يغلبني هواى، و يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة و لعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، و لا عهد له بالشبع!! أو أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى، و أكباد حرى، أو أكون كما قال القائل:و حسبك داء [عارا] أن تبيت ببطنة و حولك أكباد تحن إلى القد.

أ أقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدهر؟ أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها تكترش من أعلافها، و تلهو عما يراد بها، أو أترك سدى، أو أهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة.

اللغة

(القمح): الحنطة: (الجشع): أشد الحرص، (المبطان)، الذي لا يزال عظيم البطن من كثرة الأكل، فأما المبطن: فالضامر البطن، و أما البطين فالعظيم البطن بالخلقة، و أما البطن: فهو الذي لا يهمه إلا بطنه، و أما المبطون فالعليل البطن، (و البطون الغرثى): الجائعة، (البطنة): الكظة، و ذلك أن يمتلى الانسان من الطعام امتلاء شديدا، (القد): إناء من جلد يدخر فيها الغذاء أو بمعنى القديد: اللحم المشوى المقدد الذي يجف بالشمس و يدخره أهل البادية يتغذون به (التقمم): أكل الشاة ما بين يديها بمقمتها أي بشفتها (تكترش من أعلافها): أي تملأ كرشها من العلف، و الكرش للشاة بمنزلة المعدة للإنسان، و يقال (أجررته) رسنه: أى أهملته، (الاعتساف): السلوك في غير طريق (المتاهة): أرض يتاه فيها لعدم وجود الطريق.

الاعراب‏

هيهات اسم فعل بمعنى بعد، بالحجاز جار و مجرور متعلق بفعل مقدر و الجملة خبر مقدم لقول لعل، و من لا طمع له اسم لها، أو أبيت، عطف على قوله يغلبني و منصوب مثله، حولي، ظرف مستقر خبر لقوله بطون غرثى و الجملة حالية عن الضمير في قوله أبيت، همها علفها، جملة حالية عن البهيمة، شغلها تقممها مبتدأ و خبر و الجملة حال عن المرسلة، أو اترك سدى عطف على قوله يشغلني و كذلك قوله اهمل و اجر و اعتسف.

المعنى‏

بين عليه السلام في هذا الفصل من كتابه إلى‏ عثمان بن حنيف‏ أن تجنبه عن الأكل الطيب الهنى‏ء و القناعة بقرصين جافين من شعير ليس من الضرورة لعدم القدرة على ما زاد من الماكل الهنيئة، و أشار إلى اقتداره على أطيب الأكل و أهنى العيش من وجوه:

1- من فوائد ما استنبطه من العيون و ما غرسه من النخيل في ينبع أيام اعتزاله في المدينة و اشتغاله بالحرث و الزراعة في نواحيها، فمن ضياعه العين المعروفة بعين نيزر أحد مواليه المشتغلين بالزراعة من قبله عليه السلام في ينبع، فقد ورد في الحديث أنه حضر يوما يحفر فيه بئرا فأصاب حجرا فألقى عليه السلام ردائه و أخذ المعول و ضرب الحجر حتى كسره فطلع من تحته عين ماء كأنها عنق البعير.

و في حديث آخر: أن مغيرة بن شعبة مر عليه عليه السلام يوما و قد ركب بعيرا و تحته حمل فقال له عليه السلام: ما تحتك يا علي؟ فأجابه: مائة ألف نخلة إن شاء الله فكان يحمل نوايا التمر ليغرسه. و على الجملة كان له عليه السلام ضياع و نخيل أنشأها و جعلها صدقة و صرفها على الفقراء.

2- أنه عليه السلام يقدر على الاحتراف و الكسب بوجوه شتى و يهتدى إلى تهية أطيب العيش من كد يده مضافا إلى ما يستحقه من العطايا و الحقوق من بيت المال و هو رئيس المسلمين و أمير المؤمنين، فيقدر على ما يريد من العيش الرغيد، و لكنه ترك ذلك و لازم الزهد و الرياضة ليكون اسوة للزاهدين.

بقية من المختار الرابع و الاربعين من كتبه عليه السلام‏

و كأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران، و منازلة الشجعان؟! ألا و إن الشجرة البرية أصلب عودا، و الروائع الخضرة أرق جلودا، و النابتات العذية [و النباتات البدوية] أقوى وقودا و أبطأ خمودا! و أنا من رسول الله كالصنو من الصنو و الذراع من العضد، و الله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها، و لو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها، و سأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس، و الجسم المركوس حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد.

اللغة

(الأقران): جمع قرن و هو الكفو في المبارزة و القتال، (الشجرة البرية):التي تنبت في البر الذي لا ماء فيه، (الروائع): جمع رائعة و هي الشجرة النابتة على الماء، (النابتات العذية) بسكون الذال: الزرع لا يسقيه إلا ماء المطر، (الصنو):إذا خرجت نخلتان أو أكثر من أصل واحد فكل واحدة منها هي صنو أو صنو، (ركس) ركسا الشي‏ء: قلب أوله على آخره.

المعنى‏

كان المخالفون لعلي عليه السلام يعترضون عليه حتى في زهده و رياضته و يذمون قلة أكله باعتبار أنه مخل بما يجب عليه من وظيفة الجهاد و الدفاع عن العدو، لأنه موجب لضعفه و قلة مقاومته تجاه العدو الشجاع اللدود، و كأنه ارتفع صدى هذا الاعتراض من الكوفة إلى البصرة فتذكر عليه السلام في هذا الكتاب وجه الدفاع عنه بقوله: (ألا و إن الشجرة البرية أصلب عودا و الروائع الخضرة أرق جلودا).

و يمكن أن يكون هذا الكلام جوابا عن اعتراض ربما يرد على تحريص‏ أصحابه بالزهد و قلة الأكل و المواظبة على جشوبة العيش، فدفعه عليه السلام بأن القوة و الشجاعة ذاتية للمؤمن و لا تتوقف على تقوية الجسم بالأغذية اللذيذة.

ثم أيد سيرته هذه بمتابعته للنبي صلى الله عليه و آله فقال: (أنا من رسول الله) كغصنان من أصل واحد فأصلهما عبد المطلب عليه السلام تفرع منه عبد الله أبو النبي و أبو طالب أبو علي عليه السلام أو أنهما مشتقان من أصل نوري واحد في تسلسل الوجود و انبعاثه عن المصدر الأزلي كما في غير واحد من الأخبار، و عن النبي صلى الله عليه و آله قال: أنا و علي من شجرة واحدة و سائر الناس من شجر شتى. و هذه الرواية تؤيد النسخة التي روت قوله‏ (كالصنو من الصنو) بالصاد المهملة بعدها نون معجمة.

و نسخة شرح ابن أبى الحديد «289 ج 16 ط مصر»: «كالضوء من الضوء» بالضاد المعجمة، و بهذا الاملاء فسره في شرحه فقال: (ص 290) و ذلك لأن الضوء الأول يكون علة في الضوء الثاني، ألا ترى أن الهواء المقابل للشمس يصير مضيئا من الشمس، فهذا الضوء هو الضوء الأول.

ثم إنه يقابل وجه الأرض فيضي‏ء وجه الأرض منه، فالضوء الذي على وجه الأرض هو الضوء الثاني، و ما دام الضوء الأول ضعيفا فالضوء الثاني ضعيف، فإذا ازداد الجو إضاءة ازداد وجه الأرض إضاءة لأن المعلول يتبع العلة، فشبه عليه السلام نفسه بالضوء الثاني، و شبه رسول الله صلى الله عليه و آله بالضوء الأول، و شبه منبع الأضواء و الأنوار سبحانه و جلت أسماؤه بالشمس التي توجب الضوء الأول، ثم الضوء الأول يوجب الضوء الثاني، و ها هنا نكتة و هي أن الضوء الثاني يكون أيضا علة لضوء ثالث، و ذلك أن الضوء الحاصل على وجه الأرض- و هو الضوء الثاني- إذا أشرق على جدار مقابل ذلك الجدار قريبا منه مكان مظلم، فان ذلك المكان يصير مضيئا بعد أن كان مظلما.

أقول: قد اعتبر الشارح المذكور لفظة من في كلامه نشوية فيصير المعنى‏ و أنا من رسول الله‏ كالضوء الناشي من الضوء، و استفاد منه تسلسل أنواع العلوم و الافاضات إلى سائر الناس بوساطته جيلا بعد جيل إلى أن يضعف و يضمحل و يعود الإسلام غريبا، و يمكن استفادة تسلسل الإمامة منه نسلا بعد نسل كما هو معتقد الامامية و لا يلزم أن يكون الضوء الثاني أضعف من الضوء الأول إذا تساوت القابليات و الانعكاسات المثالية كما لا يخفى.

ثم التفت عليه السلام إلى شجاعته في ذات‏ الله‏ و أنه لا يخاف‏ تظاهر العرب‏ تجاهه و بين أنهم ارتدوا عن الإسلام و صاروا كالمشركين يجب قتالهم و تطهير الأرض‏ من وجودهم و أن من يجاهد الكفار يجب عليه أن يغلظ عليهم و يستأصل شافتهم، و أشار إلى معاوية رأس النفاق و الشقاق و وصفه بأنه‏ شخص معكوس‏ انقلب على وجهه و ارتد عن حقيقة إنسانيته، و سقط في مهوى شهواته حتى أثر باطنه في ظاهره فصار جسمه مركوسا إلى ظلمات الطبيعة و دركات الهوى و البهيمية، فوجوده بين المسلمين كالمدرة بين حب الحصيد يوجب الفساد و يضل العباد قالوا: و إلى ذلك وقعت الاشارة بقوله تعالى: «أ فمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم‏: 22- الملك».

بقية من المختار الرابع و الاربعين من كتبه عليه السلام‏

إليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك، قد انسللت من مخالبك، و أفلت من حبائلك، و اجتنبت الذهاب في مداحضك أين القرون الذين غررتهم بمداعبك؟ أين الأمم الذين فتنتهم بزخارفك؟ ها هم رهائن القبور، و مضامين اللحود، و الله لو كنت شخصا مرئيا، و قالبا حسيا، لأقمت عليك حدود الله في عباد غررتهم بالأماني، و أمم ألقيتهم في المهاوي، و ملوك أسلمتهم إلى التلف، و أوردتهم موارد البلاء، إذ لا ورد و لا صدر.

هيهات من وطي‏ء دحضك زلق، و من ركب لججك غرق، و من ازور عن حبائلك وفق، و السالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه، و الدنيا عنده كيوم حان انسلاخه.

أعزبي عني فوالله لا أذل لك فتستذليني، و لا أسلس لك فتقوديني، و أيم الله- يمينا أستثني فيها بمشيئة الله- لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما، و تقنع بالملح مأدوما، و لأدعن مقلتي كعين ماء نصب معينها مستفرغة دموعها، أ تمتلئ السائمة من رعيها فتبرك؟ و تشبع الربيضة من عشبها فتربض؟ و يأكل علي من زاده فيهجع؟ قرت إذا عينه إذ اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة، و السائمة المرعية! طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها، و عركت بجنبها بؤسها، و هجرت في الليل غمضها، حتى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها و توسدت كفها، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، و تجافت عن مضاجعهم جنوبهم، و همهمت بذكر ربهم شفاههم، و تقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم «أولئك حزب الله ألا إن حزب الله‏ هم المفلحون‏ 22- المجادلة». فاتق الله يا ابن حنيف، و لتكفك أقراصك، ليكون من النار خلاصك.

اللغة

(الغارب) جمع غوارب: الكاهل، أو بين الظهر او السنام و العنق، كنايه حبلك على غاربك: كناية من كنايات الطلاق، أى اذهبي حيث شئت، لأن الناقة إذا القي حبلها على غاربها فقد فسح لها أن ترعى حيث شاءت و تذهب حيث شاءت.

(المخالب) جمع مخلب و هى للطيور الجوارح، (المداحض): المزالق، (المداعب) جمع مدعبة: الدعابات، (زخارف) جمع زخرف: ما يتزين به، (رهائن) جمع رهينة و هى الوثيقة، استعاره (مضامين): أى الذي تضمنتهم القبور فاستعارها للموتى لشبههم في اللحود بالأجنة في بطون الامهات، (المهاوي) جمع مهواة: المهلكة، (الدحض): المكان الزلق، (ازور): تنحى، (مناخ البعير):

مبركه، (اعزبي): ابعدي، (اسلس): انقاد، (ايم الله): من صيغ الحلف، (تهش): تفرح (نضب): غار في الأرض، (ماء معين): جار على وجه الأرض، (فتبرك): أى تنام، (الربيضة): جمع الغنم (فيهجع): فينام، (البهيمة الهاملة): المسترسلة المهملة من الزمام، (السائمة المرعية): جمع الغنم مع الراعي، (عركت بجنبها): أى تحمل الشدة في العبادة ناقلا من جنب إلى جنب.

المعنى‏

كتب على عليه السلام هذا الكتاب إلى أحد عماله في ناحية كبيرة من دار حكومته الواسعة و هو في ابان قدرته و على عرش حكومته الاسلامية التي حازها بحق، فينبغي أن يتوجه إليها و يطمئن بها، و لكن يتوجه إلى أنها مظهر من مظاهر الدنيا الغرارة الفتانة يكاد يغلب عليه ببهرجها و زينتها و عواملها الخلاعة الخلابة من توجه عموم الناس إلى بابه، و من انقياد الامراء و الحكام و الضابطين إلى جنابه، و من ورود سيل الخراج و الأموال و الغنائم من شتى نواحى البلاد الاسلامية تحت يده، فمن هو الرجل الذي لا يغر بهذه المظاهر الفتانة الدنيوية و يقدر على ضبط نفسه عن التأثر بها و الافتتان منها، فكان عليه السلام يلقن بهذه الجمل النافذة كره الدنيا و كيدها و غرورها و عواقبها على نفسه و على قلوب أعوانه و حكامه و يطرد الدنيا عن حوله و عن فنائه بقوله عليه السلام: (إليك عني يا دنيا) فأنت مطلقة عني‏ لا سبيل لك إلي، و يهددها أشد التهديد بأنها لو كانت جسما محسوسا كالواحد من البشر يقيم عليها الحد و يعرضها للمجازات بما ارتكبته من الخلاف في حق ذويها:

1- بجرم التغرير و إرائة ما لا واقع له لطلابها فكانت مدلسة يتوجه إليها مجازات التدليس.

2- التسبيب إلى الهلاك و التلف لأبنائها و جرهم إلى موارد البلاء و الدمار.

ثم بين أنه لا نجاة لمن غربها و صار في طلبها فليس لها إلا مزالق هائلة و لجج مهلكة، فمن سلم عنها فهو على طريق النجاة، و إن ضاق عليه أمر الدنيا، فان الدنيا لمحة يسيرة تنصرم عاجلا و يفوز المؤمن السالم فيها عن مكائدها إلى الفوز الأبد و الراحة الطويلة.

ثم يبين عليه السلام سيرته في معيشة الدنيا مقرونا بالحلف بالله تعالى في التمسك بالرياضة و تقليل الطعام إلى حيث يفرح نفسه بأكل قرصة من الشعير لسد جوعتها و تقنع بالملح للإدام، و مع ذلك يبكى من خشية الله و موقف الحساب إلى حيث ينضب عينه من الدموع، و أشار إلى أن النفس الانسانية أشرف من الاقتداء بالبهائم من الابال و البقر و الغنم في الأكل و طلب الراحة، فلا بد من حفظ الامتياز، و هو ملازمة الجوع و الخوف من الله و العبادة في جوف الليل، و الهمهمة بذكر الله بالشفاه، و غسل الذنوب بالاستغفار في باب الله.

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 43 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 44 صبحی صالح

44- و من كتاب له ( عليه ‏السلام  ) إلى زياد ابن أبيه و قد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه‏

وَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْكَ يَسْتَزِلُّ لُبَّكَ وَ يَسْتَفِلُّ غَرْبَكَ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَأْتِي الْمَرْءَ

مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ وَ يَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ

وَ قَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَ نَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ لَا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ وَ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ وَ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ وَ النَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ

فَلَمَّا قَرَأَ زِيَادٌ الْكِتَابَ قَالَ شَهِدَ بِهَا وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ وَ لَمْ تَزَلْ فِي نَفْسِهِ حَتَّى ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ

قال الرضي قوله ( عليه ‏السلام  ) الواغل هو الذي يهجم على الشرب ليشرب معهم و ليس منهم فلا يزال مدفعا محاجزا

و النوط المذبذب هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك فهو أبدا يتقلقل إذا حث ظهره و استعجل سيره

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الثالث و الاربعون و من كتاب له عليه السلام الى زياد بن أبيه، و قد بلغه أن معاوية كتب اليه يريد خديعته باستلحاقه‏

و قد عرفت أن معاوية كتب إليك يستزل لبك، و يستفل غربك، فاحذره، فإنما هو الشيطان: يأتي المرء [المؤمن‏] من بين يديه و من خلفه، و عن يمينه و عن شماله، ليقتحم غفلته، و يستلب غرته. و قد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلتة من حديث النفس، و نزغة من نزغات الشيطان، لا يثبت بها نسب، و لا يستحق بها إرث، و المتعلق بها كالواغل المدفع، و النوط المذبذب. فلما قرأ زياد الكتاب قال: شهد بها و رب الكعبة، و لم تزل في نفسه حتى ادعاه معاوية. قال الرضي:

قوله عليه السلام: الواغل: هو الذي يهجم على الشرب ليشرب معهم و ليس منهم، فلا يزال مدفعا محاجزا، و النوط المذبذب هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك، فهو أبدا يتقلقل إذا حث ظهره، و استعجل سيره.

اللغة

(يستزل لبك): يطلب زلله و خطأه، اللب: العقل و القلب، مجاز- مجاز مركب (يستفل غربك): يريد أن يفل عزمك، الغرب: حد السيف و هو مجاز عن العزم، و يصح أن يكون الجملة مجازا مركبا، (فلتة): الكلام أو الأمر بغير روية، (نزغة من نزغات الشيطان): نزغ الشيطان بينهم أى أغرى بعضهم على بعض و نزغه الشيطان إلى المعاصي أى حثه، (محاجزا): ممنوعا، (القعب): القدح الضخم الغليظ- المنجد-.

الاعراب

فلتة: اسم كان و خبره من أبي سفيان و هو ظرف مستقر و في زمن جار و مجرور متعلق بالظرف المتقدم و يمكن أن يكون مستقرا خبرا بعد خبر.

من حديث النفس: متعلق بقوله عليه السلام «فلتة». الهاء في قول الرضي نقلا عن زياد «شهد بها» يرجع إلى مقدر و هو «القصة».

المعنى‏

قد حكم‏ عليه السلام‏ في هذا الكتاب‏ بأن‏ معاوية هو الشيطان‏ باعتبار أنه يوسوس من كل جانب مشيرا إلى ما ورد في وصف‏ الشيطان‏ في قوله تعالى «ثم لآتينهم من بين أيديهم و من خلفهم و عن أيمانهم و عن شمائلهم‏، 17 الأعراف».

قال الشارح المعتزلي «ص 178 ج 16 ط مصر»: و قال شقيق البلخي:

ما من صباح إلا قعد لى الشيطان على أربعة مراصد: من بين يدى، و من خلفي و عن يميني، و عن شمالي، أما من بين يدي فيقول: لا تخف فإن الله غفور رحيم، فأقرأ «و إني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدى‏، 82- طه» و أما من خلفي فيخوفني الضيعة على مخلفي، فأقرأ: و ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، 6- هود» و أما من قبل يميني فيأتيني من جهة الثناء، فأقرأ: «و العاقبة للمتقين‏» و أما من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات، فأقرأ: «و حيل بينهم و بين ما يشتهون‏، 54- السباء».

و قد تعرض فيه لنفي نسب‏ زياد من أبي سفيان‏ و تكذيب‏ معاوية في ادعائه أخا له و إنكاره استلحاقه به طمعا في نصره له و هذه مسألة دقيقة و لا بد من النظر فيه من وجوه:

1- قد ادعى‏ أبو سفيان في زمن عمر أن‏ زياد بن‏ سمية مع كون امها زوجة لعبيد مكونة من نطفته و هو الذي وضعه في رحم أمه، قال المعتزلي:

و روى أبو عمر بن عبد البر في كتاب «الاستيعاب» عن هشام بن محمد بن سائب الكلبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس، أن عمر بعث زيادا في إصلاح فساد واقع باليمن، فلما رجع من وجهه خطب عند عمر خطبة لم يسمع مثلها- و أبو سفيان حاضر و علي عليه السلام و عمرو بن العاص- فقال عمرو بن العاص: لله أبو هذا الغلام! لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه، فقال أبو سفيان: إنه لقرشي، و إني لأعرف الذي وضعه في رحم امه، فقال علي عليه السلام: و من هو؟ قال أنا فقال: مهلا يا أبا سفيان، فقال أبو سفيان:

أما و الله لو لا خوف شخص‏ يراني يا علي من الأعادي‏
لأظهر أمره صخر بن حرب‏ و لم يخف المقالة في زياد
و قد طالت مجاملتي ثقيفا و تركي فيهم ثمر الفؤاد

و في رواية نقلها عن الواقدي أنه قال في جواب علي عليه السلام: أتيت امه في الجاهلية سفاحا، فقال علي عليه السلام: مه يا أبا سفيان! فإن عمر إلى المساءة سريع، فعرف زياد ما دار بينهما، فكانت في نفسه.

و قد روى في هذا المعنى أحاديث اخر كلها صريحة في دعوى أبي سفيان لزياد ابنا له قطعا و الكلام في أنه ادعى هذه الدعوى جزافا و على سبيل الخرص و السلف أو له علم بذلك و من أين علم ذلك فإن مجرد بغائه مع سمية مرة و زوجها معها حاضر عندها ثم حملها و ولادتها لا يدل على كونه منه.

و هذا ما روى عن المدائني من حديث الاستلحاق، قال: لما أراد معاوية استلحاق زياد و قد قدم عليه الشام جمع الناس و صعد المنبر، و أصعد زيادا معه‏ فأجلسه بين يديه على المرقاة التي تحت مرقاته، و حمد الله و أثنى عليه ثم قال:

أيها الناس إني قد عرفت نسبتنا أهل البيت في زياد، و من كان عنده شهادة فليقم بها- إلى أن قال- فقام أبو مريم السلولي- و كان خمارا في الجاهلية- فقال:

أشهد يا أمير المؤمنين أن أبا سفيان قدم علينا بالطائف، فأتاني فاشتريت له لحما و خمرا و طعاما، فلما أكل قال: يا أبا مريم، أصب لي بغيا فخرجت، فأتيت بسمية فقلت لها: إن أبا سفيان ممن قد عرفت شرفه و جوده، و قد أمرني أن اصيب له بغيا، فهل لك؟ فقالت: نعم، يجي‏ء الان عبيد بغنمه- و كان راعيا- فإذا تعشى و وضع رأسه أتيته فرجعت إلى أبي سفيان فأعلمته، فلم تلبث أن جاءت تجر ذيلها، فدخلت معه، فلم تزل عنده حتى أصبحت، فقلت له لما انصرفت: كيف رأيت صاحبتك؟ قال: خير صاحبة، لو لا ذفر في إبطيها.

و ربما طال مصاحبة أبي سفيان مع سمية حتى عرف ذلك و أنه كان كثيرا يزور الطائف للبغى و المصاحبة مع بغاتها كما يدل عليه ما تقدم من شعره:

و قد طالت مجاملتي ثقيفا و تركي فيهم ثمر الفؤاد

ثم إنه‏ عليه السلام‏ تذكر في‏ كتابه‏ ما أظهره أبو سفيان في زمان عمر، و وصفه بأنه‏ فلتة من حديث النفس و نزغة من نزغات الشيطان‏، و يحتمل كلامه عليه السلام وجهين:

1- أن زعمه كون‏ زياد منه لا أصل له، و إنما هو صرف‏ حديث نفس‏ بلا روية و تخيل شيطاني كاذب لا أصل له.

2- أن إظهار هذه الحقيقة فلتة و كلام بلا روية و استلحاق زياد بمجرد كونه من مائه‏ نزغة من نزغات الشيطان‏ لأن الماء من الزنا لا يثبت به النسب‏ كما صرح به النبي صلى الله عليه و آله «الولد للفراش و للعاهر الحجر».

و كأن زيادا حمل كلامه عليه السلام على الوجه الثاني حيث استفاد منه إثبات كونه متكونا من ماء أبي سفيان‏ فقال: شهد بها و رب الكعبة، و لكن الظاهر منه هو الأول و الظاهر أن شهادة أبى مريم السلولي شهادة زور زوره معاوية و حملها عليه أو زورها هو طمعا في التقرب و العطاء و كان أبو بكر أخو زياد ينكر ذلك أشد الانكار، و حلف أن لا يكلم زياد أبدا و قال: هذا زنى امه و انتفى من أبيه، و لا و الله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قبل.

الترجمة

از نامه ‏اى كه حضرتش عليه السلام بزياد بن ابيه نوشت چون به آن حضرت گزارش رسيد كه معاويه به او نامه ‏اى نوشته و قصد دارد او را بفريبد و به برادرى خود پيوندش دهد:

من دانستم كه معاويه بتو نامه نوشته است تا دلت را بلغزاند و تصميمت را بگرداند، از او در حذر باش، همانا كه او شيطانى است كه بمؤمن در آيد از پيش رو و از پشت سر و از سمت راست و از سمت چپ او از همه سو بادم در آويزد تا او را غافلگير كند و فريب دهد.

از أبى سفيان در دوران خلافت عمر بن الخطاب يك سخن پريشان و بيجائى سر زد كه ناشى از جهش نفس أماره بود و يك پرشى بود از پرشهاى شيطان، با اين سخن بى پرو پا و بيجا نه نسب ثابت مى ‏شود و نه پايه استحقاق ارث و ميراثى مى ‏تواند بود، كسى كه باين سخن چنگ زند چون شتريست بيگانه كه با اشتران بر آبگاهشان در آيد و او را برانند و يا چون ظرفى است كه ببار مركبى بياويزند و هميشه در لرزش و اضطراب باشد، رضي عليه الرحمة گويد: اين كه فرموده است (الواغل) آنست كه هجوم برد براى نوشيدن از آب و بيگانه باشد و پيوسته او را برانند و دور كنند و (نوط مذبذب) آن ظرفى است كه شتر سوار به بند زير پاى خود بندد مانند قدحى يا سبوئى يا هر چه بدانها ماند و آن در موقع راندن مركب يا شتاباندن آن پيوسته در لرزش است و زيرورو مى ‏شود.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 42 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 43 صبحی صالح

43- و من كتاب له ( عليه‏ السلام  ) إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني و هو عامله على أردشيرخرة

بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَكَ وَ عَصَيْتَ إِمَامَكَ أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْ‏ءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَ خُيُولُهُمْ وَ أُرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ فِيمَنِ اعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ

فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ لَكَ عَلَيَّ هَوَاناً وَ لَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً فَلَا تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ وَ لَا تُصْلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا

أَلَا وَ إِنَّ حَقَّ مَنْ قِبَلَكَ وَ قِبَلَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِسْمَةِ هَذَا الْفَيْ‏ءِ سَوَاءٌ يَرِدُونَ عِنْدِي عَلَيْهِ وَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الثاني و الاربعون و من كتاب له عليه السلام الى مصقلة بن هبيرة الشيبانى، و هو عامله على أردشير خرة

بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت إلهك، و أغضبت إمامك: أنك تقسم في‏ء المسلمين الذي حازته رماحهم و خيولهم، و أريقت عليه دماؤهم، فيمن اعتامك من أعراب قومك. فوالذي فلق الحبة، و برأ النسمة، لئن كان ذلك حقا لتجدن بك على هوانا، و لتخفن عندي ميزانا، فلا تستهن بحق ربك، و لا تصلح دنياك بمحق دينك، فتكون من الأخسرين أعمالا. ألا و إن حق من قبلك و قبلنا من المسلمين في قسمة هذا الفى‏ء سواء: يردون عندي عليه، و يصدرون عنه.

ورد في نسخة شرح المعتزلي «ص 175 ج 6 طبع مصر»: و عصيت إمامك بدل أغضبت.

اللغة

(اعتامك): اختارك من بين الناس، أصله من العيمة، و هي خيار المال، و قد روي «فيمن اعتماك» بالقلب، و الصحيح المشهور الأول (الفى‏ء): الغنيمة و مال الخراج المضروب على الأراضى المفتوحة عنوة، (حازته): جمعته، (المحق) محق محقا الشي‏ء: أبطله و محاه.

الاعراب‏

لتجدن بك علي هوانا: بالباء و معناها اللام و يصح أن يكون الباء للسبية أى بسبب فعلك كما في قوله تعالى «فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم 160- النساء» و روى «و لتجدن بك عندي هوانا».

أردشير خرة: كورة من كور فارس.

المعنى‏

مصقلة بن هبيرة من سادات نجد و من بني شيبان و فيه ضعف و اتباع هوى يظهر من عتابه عليه السلام في كتابه هذا و يشير إلى أنه تصرف في بيت المال و قسم الخراج في بني قومه من دون إجازته عليه السلام ظنأ منه احتسابه عليهم من سهامهم في بيت مال المسلمين و يظهر أنه خصص من بني قومه من اعتامه و اختاره و صار من خواصه و حاشيته.

فبين عليه السلام أن الفى‏ء من أي بلد يحوز فهو لجميع‏ المسلمين‏ و لا يختص بمن حضر ذلك البلد منهم لأنه من الأراضي المفتوحة عنوة التي‏ حازته‏ جيوش الاسلام بضرب الرماح و زحف الخيول و بذل النفوس فصارت ملكا لعامة المسلمين و اختيارها بيد الإمام فلا بد من جمع خراجها في بيت المال و تقسيمه بنظر الامام حفظا للعدالة فإن خراج جميع الأراضي و البلدان ليس مساويا و الساكن في كل البلاد ليسوا مساوين حتى يحرز العدالة باختصاص في‏ء كل بلد بأهله.

مضافا إلى أن تصرف كل عامل فيما يجمع من الخراج يوجب الفوضى و اختلال النظام المالي و الاقتصادي للدولة الاسلامية فكان شرع عليه السلام في كتابه هذا قانون الميزانية العامة الذي يتكي عليه اقتصاد البلدان العامرة الشاملة للملايين من النفوس و لا محيص عنه في إدارة شئون المالية لبلد كافل بالجماهير فالخزانة العامة بمنزلة القلب لجريان الشئون الاقتصادية فينشعب منها شرائين المصارف المالية و ينتشر في مجارى الامور الكلية و الجزئية ثم يجتمع فيها ثم ينتشر كجريان الدم في أعضاء الحيوان ينتشر من القلب في جميع العروق الدموية ثم يجتمع فيه ثم ينتشر، و كان للمصقلة خلاف آخر معه عليه السلام أدى إلى فراره في ظل معاوية و هو أنه ارتد بنو الناجية عن علي عليه السلام و أخذوا يحاربون‏ مع المسلمين فسار في تعقيبهم معقل بن قيس في جهاد مر طويل حتى غلب عليهم بعد ائتلافهم مع جمع من النصارى في حوالي أهواز فأسر منهم جما غفيرا فاشتراهم مصقلة بمأة الالوف من الدراهم في ذمته و أعتقهم ثم امتنع من تسليم ما تعهد إلى بيت المال و طالبه علي عليه السلام و استحضره إلى الكوفة و تعهد بأدائه أقساطا فأدى قسطا منه ثم هرب إلى معاوية فرارا عن أداء هذا الدين فصدر منه عليه السلام في حقه:

«عمل عمل الأحرار و فر فرار العبيد» و هل ينظر هذا الكتاب إلى ذلك أو هذه قصة آخر عنه في خلافه معه؟ الله أعلم.

الترجمة

از نامه‏ اى كه بمصقلة بن هبيرة شيباني نوشت و وى كارگزار آن حضرت بود بر شهرستان اردشير خره:

بمن گزارشى رسيده در باره تو كه اگر درست باشد محققا معبود خود را بخشم آورده ‏اى و امام خود را نافرمانى و غضبناك كردى.

راستى كه تو در آمد خراج مسلمانان را كه با سرنيزه و تاخت و تاز قشون و ريختن خون خود بدست آوردند ميان آن دسته از اعراب قوم و قبيله ‏ات كه دور تو جمع شدند پخش كردى؟؟

سوگند بدان خدائى كه دانه را سبز كند و جاندار را بيافريند اگر اين گزارش درست باشد خود را در نزد من خوار و بى ‏مقدار خواهى يافت و در پيش من سبك و كم ارج خواهى بود، بحق پروردگار خود سستى و بى ‏اعتنائى روا مدار و دنيايت را با از ميان بردن دينت اصلاح مكن تا از آنها باشى كه در كردار خود از همه زيانمندترند، آگاه باش كه حق كسانى كه نزد تو هستند از مسلمانان و كسانى كه نزد ما هستند در پخش اين خراج و غنيمت برابرند و همه بايد در نزد من و باجازه من بر آن وارد شوند و سهم خود را از دست من بگيرند و بر گردند، و السلام‏

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 41 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 42 صبحی صالح

42- و من كتاب له ( عليه ‏السلام  ) إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي و كان عامله على البحرين، فعزله، و استعمل نعمان بن عجلان الزّرقي مكانه‏

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ وَلَّيْتُ النُّعْمَانَ بْنِ عَجْلَانَ الزُّرَقِيَّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَ نَزَعْتُ يَدَكَ بِلَا ذَمٍّ لَكَ وَ لَا تَثْرِيبٍ عَلَيْكَ فَلَقَدْ أَحْسَنْتَ الْوِلَايَةَ وَ أَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ فَأَقْبِلْ غَيْرَ ظَنِينٍ وَ لَا مَلُومٍ وَ لَا مُتَّهَمٍ وَ لَا مَأْثُومٍ

فَلَقَدْ أَرَدْتُ الْمَسِيرَ إِلَى ظَلَمَةِ أَهْلِ الشَّامِ وَ أَحْبَبْتُ أَنْ تَشْهَدَ مَعِي فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ وَ إِقَامَةِ عَمُودِ الدِّينِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الواحد و الاربعون و من كتاب له عليه السلام الى عمر بن أبى سلمة المخزومى، و كان عامله على البحرين فعزله و استعمل نعمان بن عجلان الزرقى مكانه:

أما بعد، فاني قد وليت نعمان ابن عجلان الزرقي على البحرين‏ و نزعت يدك بلا ذم لك و لا تثريب عليك، فلقد أحسنت الولاية و أديت الأمانة، فأقبل غير ظنين، و لا ملوم، و لا متهم، و لا مأثوم، فلقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام، و أحببت أن تشهد معي، فإنك ممن أستظهر به على جهاد العدو، و إقامة عمود الدين، إن شاء الله.

اللغة

(لا تثريب عليك): لا لوم عليك و التثريب: الاستقصاء في اللوم، (الظنين):المتهم، و الظنة: التهمة و الجمع الظنن.

المعنى‏

عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه و آله، و أبوه أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم يكنى أبا حفص: ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة، و قيل: إنه كان يوم قبض رسول الله صلى الله عليه و آله ابن تسع سنين. و أما النعمان بن عجلان الزرقى‏ من الأنصار من بني زريق، قال ابن عبد البر:

كان النعمان هذا لسان الأنصار و شاعرهم و هو القائل يوم السقيفة:

و قلتم حرام نصب سعد و نصبكم‏ عتيق بن عثمان حلال أبا بكر
و أهل أبو بكر لها خير قائم‏ و إن عليا كان أخلق بالأمر
و إن هوانا في علي و إنه‏ لأهل لها من حيث يدرى و لا يدري‏

أقول: و لعل إحضار عمر بن أبي سلمة إلى جبهة صفين باعتبار و جاهته و حرمته في المسلمين حيث إنه قرشي و مهاجر و من بني مخزوم و هم من سادات قريش يتنافسون بني هاشم في السيادة و الشرف.

و هذا من أهم موانع اسلام أبي جهل، كما في سيرة ابن هشام «ص 193 ج 1 ط مصر»: في مصاحبة الأخنس مع أبي جهل بعد استماعهم آيات من القرآن في ليال متتابعة عن لسان النبي صلى الله عليه و آله باستراق السمع من وراء بيته: قال: ثم خرج من عنده «أي من عند أبي سفيان» حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ما ذا سمعت، تنازعنا نحن و بنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا و حملوا فحملنا و أعطوا فأعطينا حتى إذا تحاذينا على الركب و كنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه و الله لا نؤمن به أبدا و لا نصدقه.

الترجمة

از نامه ‏اى كه آن حضرت عليه السلام به عمر بن أبي سلمة مخزومي نگاشته، وى از طرف آن حضرت كارگزار بحرين بود، و او را از كار بركنار كرد و نعمان بن عجلان زرقى را بجاى او گماشت.

أما بعد، من براستى نعمان بن عجلان زرقي را بر بحرين كارگزار ساختم و بدان ولايت گماشتم، و دست تو را از آن بر گرفتم، نه تو را نكوهشى هست و نه بر تو انتقاد و سرزنش مي باشد، تو خوب فرمانگزارى كردى، و أمانت خود را پرداختى، نزد من بيا، نه بد گمانى دارى و نه شرمسارى، نه متهمى و نه گنه كار. من مى‏ خواهم بسوى ستمكاران أهل شام كوچ كنم، و دوست دارم كه تو هم با من حاضر باشى، زيرا تو از كسانى هستى كه پشت من در نبرد با دشمن بوجود تو نيرومند است، و هم تو در بر پا داشتن ستون دين ياور و پشتيبان من هستى، إن شاء الله.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 40 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 41 صبحی صالح

41- و من كتاب له ( عليه‏ السلام  ) إلى بعض عماله‏

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي وَ جَعَلْتُكَ شِعَارِي وَ بِطَانَتِي وَ لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي أَوْثَقَ مِنْكَ فِي نَفْسِي لِمُوَاسَاتِي وَ مُوَازَرَتِي وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَيَّ

فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمَانَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ‏  قَدْ كَلِبَ وَ الْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ وَ أَمَانَةَ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ وَ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ فَنَكَتْ وَ شَغَرَتْ قَلَبْتَ لِابْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ الْمِجَنِّ فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ وَ خَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ وَ خُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ فَلَا ابْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ وَ لَا الْأَمَانَةَ أَدَّيْتَ

وَ كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنِ اللَّهَ تُرِيدُ بِجِهَادِكَ وَ كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَ كَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ وَ تَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ

فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الْأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ وَ عَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ وَ اخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لِأَرَامِلِهِمْ وَ أَيْتَامِهِمُ اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الْأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةَ

فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ كَأَنَّكَ لَا أَبَا لِغَيْرِكَ حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَكَ مِنْ أَبِيكَ وَ أُمِّكَ

فَسُبْحَانَ اللَّهِ أَ مَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ أَ وَ مَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ كَيْفَ تُسِيغُ شَرَقَدْ كَلِبَ وَ الْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ وَ أَمَانَةَ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ وَ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ فَنَكَتْ وَ شَغَرَتْ قَلَبْتَ لِابْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ الْمِجَنِّ فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ وَ خَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ وَ خُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ

فَلَا ابْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ وَ لَا الْأَمَانَةَ أَدَّيْتَ

وَ كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنِ اللَّهَ تُرِيدُ بِجِهَادِكَ وَ كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَ كَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ وَ تَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ

فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الْأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ وَ عَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ وَ اخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لِأَرَامِلِهِمْ وَ أَيْتَامِهِمُ اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الْأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةَ

فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ كَأَنَّكَ لَا أَبَا لِغَيْرِكَ حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَكَ مِنْ أَبِيكَ وَ أُمِّكَ

فَسُبْحَانَ اللَّهِ أَ مَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ أَ وَ مَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وَ طَعَاماً وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وَ تَشْرَبُ حَرَاماً

وَ تَبْتَاعُ الْإِمَاءَ وَ تَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ وَ أَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ الْبِلَادَ

فَاتَّقِ اللَّهَ وَ ارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْكَ لَأُعْذِرَنَّ إِلَى اللَّهِ فِيكَ وَ لَأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلَّا دَخَلَ‏  النَّارَ

وَ وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ فَعَلَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ وَ لَا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا وَ أُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا

وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَلَالٌ لِي أَتْرُكُهُ مِيرَاثاً لِمَنْ بَعْدِي

فَضَحِّ رُوَيْداً فَكَأَنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى وَ دُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَى وَ عُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ وَ يَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الاربعون و من كتاب له عليه السلام الى بعض عماله‏

أما بعد، فإني كنت أشركتك في أمانتي، و جعلتك شعاري‏ و بطانتي، و لم يكن في أهلي رجل أوثق منك في نفسي لمواساتي و موازرتي و أداء الأمانة إلى، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، و العدو قد حرب، و أمانة الناس قد خزيت، و هذه الأمة قد فنكت و شغرت، قلبت لابن عمك ظهر المجن، ففارقته مع المفارقين، و خذلته مع الخاذلين، و خنته مع الخائنين فلا ابن عمك آسيت، و لا الأمانة أديت، و كأنك لم تكن الله تريد بجهادك، و كأنك لم تكن على بينة من ربك، و كأنك إنما كنت تكيد هذه الأمة عن دنياهم، و تنوي غرتهم عن فيئهم، فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة أسرعت الكرة، و عاجلت الوثبة، و اختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم و أيتامهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى الكسيرة، فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله، غير متأثم من أخذه، كأنك- لا أبا لغيرك- حدرت إلى أهلك تراثك من أبيك و أمك، فسبحان الله! أ ما تؤمن بالمعاد؟ أ و ما تخاف نقاش الحساب؟

أيها المعدود- كان- عندنا من ذوى الألباب، كيف تسيغ شرابا و طعاما و أنت تعلم أنك تأكل حراما و تشرب حراما؟ و تبتاع الإماء و تنكح النساء من مال‏ اليتامى و المساكين و المؤمنين و المجاهدين الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال، و أحرز بهم هذه البلاد!! فاتق الله و أردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك إن لم تفعل ثم أمكننى الله لأعذرن إلى الله فيك، و لأضربنك بسيفى الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار! و الله لو أن الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة، و لا ظفرا مني بإرادة، حتى آخذ الحق منهما، و أزيل الباطل عن مظلمتهما، و أقسم بالله رب العالمين: ما يسرني أن ما أخذته من أموالهم حلال لي أتركه ميراثا لمن بعدي، فضح رويدا فكأنك قد بلغت المدى، و دفنت تحت الثرى، و عرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادى الظالم فيه بالحسرة، و يتمنى المضيع فيه الرجعة، و لات حين مناص.

اللغة

(الأمانة): الوديعة، قال الشارح المعتزلي «ص 168 ج 16»: جعلتك شريكا فيما قمت فيه من الأمر، و ائتمننى الله عليه من سياسة الأمة، و سمى الخلافة أمانة، (الشعار): ما يلي الجسد من الثياب، (و بطانة الرجل): خاصته، (كلب الزمان) اشتد، (حرب العدو): استأسد و اشتد غضبه، (و الفنك):التعدي و الغلبة (شغرت) الأمة: خلت من الخير، و شغر البلد خلا من الناس و قيل معناه: تفرقت.

(و قلبت له ظهر المجن): إذا كنت معه فصرت عليه، و أصل ذلك أن الجيش إذا لقوا العدو كانت ظهور مجانهم إلى وجه العدو، و إذا صاروا مع العدو قلبوها إلى رئيسهم الذي فارقوه. (أسرعت الكرة) أي حملت على جمع الأموال (الذئب الأزل): خفيف الوركين و ذلك أشد على عدوه، (نقاش الحساب): مناقشته، (و الهوادة): المصالحة و المصانعة (فضح رويدا) أمر بالأناة و السكون، و أصلها الرجل يطعم إبله ضحى و يسيرها مسرعا ليسير فلا يشبعها: فيقال له: ضح رويدا، (المناص): المهرب و المخلص و (النوص): الهرب و التخلص.

الاعراب‏

ابن عمك: مفعول مقدم لقوله: «آسيت»، الله: مفعول تريد قدم عليه و جملة تريد بجهادك خبر لم تكن، اختطاف الذئب مفعول مطلق نوعى لقوله:«اختطفت»، كان: كأنه زائدة أن ما أخذت: مؤول بالمصدر أى المأخوذ من أموالهم و فاعل لقوله «يسرني» و حلال بدل منه، رويدا نائب للمفعول المطلق و صفة لمحذوف أى ضحى رويدا، حين مناص اسم لا و خبرها محذوف.

المعنى‏

و مما يوجب الأسف المحرق هذا الكتاب المخاطب به أحد خواصه من بني عشيرته و الأكثر على أنه‏ عبد الله بن عباس‏، فالظاهر أنه لما كتب عليه السلام إليه كتابه بعد مقتل‏ محمد بن أبي بكر، و قد مر آنفا أيس ابن عباس من إدامة حكومته العادلة و علم أن الحكومة تقع في يد أعدائه و أعداء بني هاشم و أقل ما ينتقمون منهم منعهم عن حقوقهم و ايقاعهم في ضيق المعاش و ضنك العيش فادخر من بيت مال البصرة مقادير يظهر من كتابه عليه السلام أنها كثيرة تسع لابتياع العقار في مكة و المدينة و الطائف و ابتياع العبيد و نكاح الأزواج. و قد أثر عمله هذا في قلبه الشريف حيث يتوجه إلى تأمين معاش عشرات الالوف من الأرامل و الأيتام اللاتى قتل أزواجهن و آباؤهم في معارك جمل‏ و صفين و لا كفيل لهن في معاشهن، و كان ما يجمع في بيت مال البصرة مبلغا كثيرا يسد كثيرا من حاجته في هذه الأرامل و الأيتام فالتهب قلبه الشريف من هذا الاختطاف و الاختلاس الذي ارتكبه مثل ابن عباس أو من يقارنه أو يقاربه من أهله و عشيرته، فرماه من لسانه الشريف بسهام ما أغرزها في القلب و سيوف ما أقطعها للوتين و كان ابن عباس يتوجه إلى حالة علي الروحية فيبادر إلى جوابه بأخصر عبارة و يشير إلى عذره في خيانته. قال الشارح المعتزلي «ص 170 ج 16 ط مصر»: و قد روى أرباب هذا القول «أى القول بأن هذا الكتاب خطاب إلى عبد الله بن عباس» أن عبد الله بن عباس كتب إلى علي عليه السلام جوابا عن هذا الكتاب، قالوا: و كان جوابه:أما بعد، فقد أتاني كتابك تعظم علي ما أصبت من بيت مال البصرة، و لعمري إن حقي في بيت المال أكثر مما أخذت، و السلام. هذا و قد ذكر في نسخة شرح ابن أبي الحديد كتابا منه‏ إلى بعض عماله‏ لم يذكر في نسخة شرح ابن ميثم نذكره هنا تتميما للفائدة

قال:الأصل: و من كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله: أما بعد، فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك، و عصيت إمامك، و أخزيت أمانتك، بلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك و أكلت ما تحت يديك، فارفع الى حسابك، و اعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس، و السلام‏.

الترجمة

از نامه ‏اى كه آن حضرت عليه السلام بيكى از كارگزارانش نوشت:

أما بعد براستى كه من تو را در رياست خود كه سپرده بمن بود شريك كردم و تو را همراز دل و همكار حكمرانى خويش نمودم، در ميان خاندانم در نظرم مردى از تو بيشتر براى همدردى و پشتيبانيم وجود نداشت، و در پرداخت سپرده و أمانت‏ بهتر مورد اعتماد نبود، چون ديدى كه روزگار بر عمو زاده‏ ات دست انداخت و سخت گرفت و دشمن چيره شد و اختيار را از دست گرفت، و مردم در أمانت دارى خيانت كردند و برسوائي گرائيدند، و اين ملت اسلامى ربوده شده و پريشان و بدبخت گرديد، تو پشت بعموزاده خود دادى و از او برگشتى، و بهمراهى آنان كه از او جدا شدند جدا شدى و بهمراهى آن دسته بيوفا از او گسستى و با خيانتكاران وى پيوستى، نه با عموزاده خود همدردى و غمخوارى كردى، و نه أمانت خود را پرداختى، گويا اين كه تو در جهاد و تلاش خود خدا را نخواستى و گويا كه در برابر پروردگارت گواه روشن بر طريقه حق نداشتى، و گويا كه همانا تو براى بدست آوردن دنياى اين ملت با آنها نيرنگ باختى و در دل داشتى كه آنها را فريب بدهى و بيت المال آنها را براى خودت ببرى، و چون سختى روزگار براى خيانت بر امت بتو فرصت داد شتابانه بيورش پرداختى و بزودى جست و خير را آغاز كردى، و هر چه را توانستي از أموال آنان كه پشتوانه زندگى بيوه زنان و كودكان بى ‏پدر آنان بود در ربودى چونان كه گرگ لاغر كفل بزغاله شكسته استخوان خونين را در مى ‏ربايد.

اين أموال بيت المال را بر گرفتى و با دل خوش بحجاز فرستادى و خود را از برگرفتن آن گناه كار ندانستى، گويائى كه- جز تو بى‏ پدر باد- ارث پدر و مادرت را بسوى خاندانت سرازير كردى، سبحان الله، تو بروز رستاخيز ايمان ندارى؟ تو از خورده‏ گيري حساب قيامت خبر ندارى؟! اي آنكه نزد ما در شمار خردمندان و دلداران و هشياران بودي چگونه بر خود نوشابه و خوراكى را گوارا مى ‏داري كه مى ‏دانى حرام مى‏ خورى و حرام مى‏ نوشى؟؟ و چطور از مال يتيمان و مستمندان و مؤمنان و جانبازان كنيزان مى ‏خرى و زنانى بهمسرى در مى ‏آورى از مال كسانى كه خداوند اين أموال را غنيمت و بهره آنها مقرر داشته و بوجود آنها اين بلاد اسلامى را در برابر دشمنان نگه داشته است، از خدا بپرهيز أموال اينان را بدانها باز گردان، زيرا اگر اين كار را نكنى، و مال مردم را به آنها باز پس ندهى و سپس‏ خداوند مرا بر تو مسلط كند و بچنگ من افتى من نزد خداوند در عقوبت تو معذورم و هر آينه تو را از دم تيغ خود بگزرانم، همان شمشيرى كه بكسى نزدم مگر آنكه بدوزخ رفت.

بخدا سوگند اگر حسن و حسينم بمانند كاري كه تو كردي بكنند براى آنها در نزد من هيچ مسامحه و سازشى نيست و بجلب اراده من بسود خود پيروز نخواهند شد تا آنكه حق را از آنها بستانم و زنگ باطل را از ستمى كه كردند بزدايم، من بخداوند پروردگار جهانيان سوگند مى‏ خورم: كه خوش نداشتم آنچه را تو بر گرفتى و بردى از أموال مردم برايم از راه حلال ميسر باشد و آنها را براى كسانم پس از خود بارث بگذارم. آرام بران و بينديش گويا تو باخر عمر خود رسيدي، و زير خاك تيره بگور اندر شدى و كردارت برخت كشيده شده، در همان جا كه ستمكار فرياد افسوس بر آورد، و بنده ضايع روزگار و بدكردار آرزوى برگشت بدنيا دارد، و راه چاره ‏اي وجود ندارد.

«ترجمه نامه ‏اى كه در شرح ذكر شده است»:

أما بعد بمن از تو گزارش كاري رسيده كه اگر آن را كرده باشى محققا پروردگار ترا بخشم آوردي و امام خود را نافرمانى كردي، و أمانت خود را خيانت كردى، و كارش را برسوائى كشاندي، بمن گزارش رسيده كه تو سر زمين حكومتت را لخت كردى، و هر چه زير پايت بوده بر گرفتى و آنچه در پيش رويت بوده خوردي حساب خود را بمن صورت بده و بدانكه حساب خداوند از حساب مردم بزرگتر است، و السلام.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی