نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 64 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 65 صبحی صالح

65- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) و فيها مباحث لطيفة من العلم الإلهي‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ تَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حَالًا

فَيَكُونَ أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِراً

وَ يَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِناً

كُلُّ مُسَمًّى بِالْوَحْدَةِ غَيْرَهُ قَلِيلٌ

وَ كُلُّ عَزِيزٍ غَيْرَهُ ذَلِيلٌ

وَ كُلُّ قَوِيٍّ غَيْرَهُ ضَعِيفٌ

وَ كُلُّ مَالِكٍ غَيْرَهُ مَمْلُوكٌ

وَ كُلُّ عَالِمٍ غَيْرَهُ مُتَعَلِّمٌ

وَ كُلُّ قَادِرٍ غَيْرَهُ يَقْدِرُ وَ يَعْجَزُ

وَ كُلُّ سَمِيعٍ غَيْرَهُ يَصَمُّ عَنْ لَطِيفِ الْأَصْوَاتِ

وَ يُصِمُّهُ كَبِيرُهَا

وَ يَذْهَبُ عَنْهُ مَا بَعُدَ مِنْهَا

وَ كُلُّ بَصِيرٍ غَيْرَهُ يَعْمَى عَنْ خَفِيِّ الْأَلْوَانِ وَ لَطِيفِ الْأَجْسَامِ

وَ كُلُّ ظَاهِرٍ غَيْرَهُ بَاطِنٌ

وَ كُلُّ بَاطِنٍ غَيْرَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ

لَمْ يَخْلُقْ مَا خَلَقَهُ لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ

وَ لَا تَخَوُّفٍ مِنْ عَوَاقِبِ زَمَانٍ

وَ لَا اسْتِعَانَةٍ عَلَى نِدٍّ مُثَاوِرٍ

وَ لَا شَرِيكٍ مُكَاثِرٍ

وَ لَا ضِدٍّ مُنَافِرٍ

وَ لَكِنْ خَلَائِقُ مَرْبُوبُونَ

وَ عِبَادٌ دَاخِرُونَ

لَمْ يَحْلُلْ فِي الْأَشْيَاءِ فَيُقَالَ هُوَ كَائِنٌ

وَ لَمْ يَنْأَ عَنْهَا فَيُقَالَ هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ

لَمْ يَؤُدْهُ خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ

وَ لَا تَدْبِيرُ مَا ذَرَأَ

وَ لَا وَقَفَ بِهِ عَجْزٌ عَمَّا خَلَقَ

وَ لَا وَلَجَتْ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ فِيمَا قَضَى وَ قَدَّرَ

بَلْ قَضَاءٌ مُتْقَنٌ

وَ عِلْمٌ مُحْكَمٌ

وَ أَمْرٌ مُبْرَمٌ

الْمَأْمُولُ مَعَ النِّقَمِ

الْمَرْهُوبُ مَعَ النِّعَمِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من خطبة له عليه السلام و هى الرابعة و الستون من المختار فى باب الخطب

الحمد للّه الّذي لم تسبق له حال حالا فيكون أوّلا قبل أن يكون آخرا، و يكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا، كلّ مسمّى بالوحدة غيره قليل و كلّ عزيز غيره ذليل، و كلّ قويّ غيره ضعيف، و كلّ مالك غيره مملوك، و كلّ عالم غيره متعلّم، و كلّ قادر غيره يقدر و يعجز، و كلّ سميع غيره يصّم عن لطيف الأصوات، و يصمّه كبيرها، و يذهب عنه ما بعد منها، و كلّ بصير غيره يعمى عن خفىّ الألوان و لطيف الأجسام، و كلّ ظاهر غيره غير باطن، و كلّ باطن غيره غير ظاهر، لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان، و لا تخوّف من عواقب‏

زمان، و لا استعانة على ندّ مثاور، و لا شريك مكاثر، و لا ضدّ منافر، و لكن خلايق مربوبون، و عباد داخرون، لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، و لم ينأ عنها فيقال هو منها بائن، لم يؤذه خلق ما ابتدء، و لا تدبير ما ذرء، و لا وقف به عجز عمّا خلق، و لا ولجت عليه شبهة فيما قضا و قدّر، بل قضاء متقن، و علم محكم، و أمر مبرم، المأمول مع النّقم، المرهوب مع النّعم.

اللغة

(صمت) الاذن صمما من باب تعب بطل سمعها و يسند الفعل إلى الشّخص أيضا فيقال صمّ يصمّ صمما و يتعدّى بالهمزة فيقال أصمّه اللّه و لا يستعمل الثّلاثي متعدّيا و (النّد) المثل و (المثاور) من الثّوران و هو الوثب و الهيجان يقال ثاوره مثاورة و ثوارا و اثبه و (المكاثر) في أكثر النّسخ بالثاء المثلثة و في نسخة الشّارح المعتزلي بالموحّدة و معناهما قريب، يقال كاثروهم فكثروهم غالبوهم في الكثرة فغلبوهم و يقال كابرته مكابرة غالبته مغالبة و عاندته و (الدّاخر) الذّليل و (اده) الامر يؤده اثقله و (ذرء) خلق و (المبرم) كالمحكم لفظا و معنا

الاعراب

لفظة غير في الموارد الثّمانية إمّا بالرّفع كما في أكثر النّسخ على أنّها صفة لكلّ، و إمّا بالنّصب كما في بعض النّسخ على الاستثناء أو على أنّها حال ممّا اضيف إليه كلّ، و العامل معنى الاضافة كما هو مذهب البعض في غير المغضوب حيث قال بكونه حالا من الذين و أنّه عمل فيه معنى الاضافة، و لكن خلايق اه بتخفيف لكن و الغائه عن العمل و رفع ما بعدها على كونه خبرا لمبتدأ محذوف، قالوا: و حقّ لكن أن تقع بين كلامين متغايرين معنى بالنّفى و الاثبات، و لا يلزم التغاير اللّفظى‏ إذ يقال جاء زيد و لكن عمروا لم يجي‏ء، و قد يقال زيد حاضر و لكن عمروا غايب، و لا يلزم أيضا أن يكون بينهما تضادّ حقيقي بل التّنافي بوجه ما قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ فانّ عدم الشّكر لا يناسب الافضال، بل اللّايق به ان يشكر، و كلام أمير المؤمنين عليه السّلام من هذا القبيل، قوله فيقال: في الموضعين بنصب المضارع و انتصابه بعد فاء السّببيّة مع تقدّم النّفي قاعدة كليّة، و قضاء متقن خبر لمبتدأ و هكذا ما بعده، و قوله المأمول مع النّقم أيضا خبر أى هو المأمول و المرهوب.

المعنى

اعلم أنّ هذه الخطبة الشّريفة مشتملة على نكات لطيفة من العلوم الالهيّة متضمّنة لجملة من الصّفات الكمالية.

الاولى ما اشار إليه بقوله (الحمد للّه الذي لم يسبق له حال حالا فيكون أوّلا قبل أن يكون آخرا، و يكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا) و المستفاد منه شيئان الاول أنّه سبحانه متّصف بالأوّلية و الآخرية و الظاهريّة و الباطنية الثاني أنّ اتّصافه تعالى بها ليس على نحو السبق و اللحوق و القبليّة و البعديّة أمّا الأوّل فقد أشير إليه في سورة الحديد قال سبحانه هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ و اختلف في معنى هذه الصّفات فقال الصّدوق في التّوحيد: هو الأوّل بغير ابتداء، و الآخر بغير انتهاء، و الظاهر بآياته التي أظهرها من شواهد قدرته و آثار حكمته و بيّنات حجّته التي عجز الخلق جميعا عن إبداع أصغرها و إنشاء أيسرها و أحقرها عندهم كما قال عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ فليس شي‏ء من خلقه إلّا و هو شاهد له على وحدانيّته من جميع جهاته و أعرض تبارك و تعالى عن وصف ذاته و هو ظاهر بآياته محتجب بذاته‏ و معنى ثان أنّه ظاهر غالب قادر على ما يشاء و منه قوله عزّ و جلّ: فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ، أى غالبين لهم و الباطن معناه أنّه قد بطن عن الأوهام و هو باطن لا يحيط به محيط لأنّه قدم أي تقدم الفكر فجنّب عنه، و سبق العلوم فلم يحط به، وفات الأوهام فلم يكتنهه، و حارت عنه الأبصار فلم تدركه، فهو باطن كلّ باطن، و محتجب كلّ محتجب، بطن بالذّات و ظهر بالآيات، فهو الباطن بلا حجاب و الظاهر بلا اقتراب.

و معنى ثان أنّه باطن كلّ شي‏ء أى خبير بصير بما يسرّون و ما يعلنون و لكلّ ما ذرء، و بطانة الرّجل و ليتجه من القوم الذين يداخلهم و يداخلونه في دخلة أمره، و المعنى أنّه عالم بسرايرهم لا أنّه عزّ و جلّ يبطن في شي‏ء يواريه و في مجمع البيان: هو الأوّل أى أوّل الموجودات، و تحقيقه أنّه سابق لجميع الموجودات بما لا يتناهى من تقدير الأوقات، لأنّه قديم و ما عداه محدث و القديم يسبق المحدث بما لا يتناهى من الاوقات، و الآخر بعد فناء كلّ شي‏ء لأنّه يفنى الأجسام كلّها و ما فيها من الأعراض و يبقى وحده.

و قيل الأوّل قبل كلّ شي‏ء بلا ابتداء، و الآخر بعد كلّ شي‏ء بلا انتهاء، و الظاهر هو العالى الغالب على كلّ شي‏ء، فكلّ شي‏ء دونه، و الباطن العالم بما بطن فلا أحد أعلم منه عن ابن عباس و قيل: الظاهر بالأدلّة و الشّواهد، و الباطن الخبير بكلّ شي‏ء و قيل: معنى الظاهر و الباطن إنّه العالم بما ظهر، و العالم بما بطن و قيل: الظاهر بأدلته و الباطن من احساس خلقه و قيل الأوّل بلا ابتداء، و الآخر بلا انتهاء، و الظاهر بلا اقتراب، و الباطن بلا احتجاب و قيل الأوّل ببرّه إذ هداك، و الآخر بعفوه إذ قبل توبتك، و الظاهر باحسانه و توفيقه إذا أطعته، و الباطن بستره إذا عصيته عن السدى و قيل الأوّل بالخلق، و الآخر بالرّزق، و الظاهر بالاحياء، و الباطن بالاماتة عن ابن عمر و قيل: هو الذي أوّل الأوّل و أخّر الآخر و أظهر الظاهر و أبطن الباطن عن الضّحاك و قيل الأوّل بالأزليّة، و الآخر بالأبديّة، و الظاهر بالأحديّة،و الباطن بالصّمديّة عن أبي بكر الوراق و قيل إنّ الواوات مفتّحة و المعنى هو الأوّل و الآخر و الظاهر و الباطن، لأنّ من كان منّا أولا لا يكون آخرا، و من كان ظاهرا لا يكون باطنا، عن عبد العزيز بن يحيى و قيل هو الأوّل القديم، و الآخر الرّحيم و الظاهر الحكيم، و الباطن العليم عن يمان و أمّا الثاني فتحقيقه ما ذكره الشّارح البحراني و هو أنّه لمّا ثبت أنّ السّبق و المقارنة و القبلية و البعديّة امور تلحق الزمان لذاته و تلحق الزمانيات به و ثبت أنّه تعالى منزه عن الزّمان إذ كان من لواحق الحركة المتأخّرة عن وجود الجسم المتأخّر عن وجود اللّه سبحانه كما علم ذلك في موضعه، لا جرم لم تلحق ذاته المقدّسة و مالها من صفات الكمال و نعوت الجلال شي‏ء من لواحق الزّمان، فلم يجز إذن أن يقال مثلا كونه عالما قبل كونه قادرا أو كونه قادرا قبل كونه مريدا أو كونه حيّا قبل كونه عالما و لا كونه أوّلا للعالم قبل كونه آخرا له قبلية و سبقا زمانيا بقى أن يقال إنّ القبلية و البعديّة قد يطلق بمعان آخر كالقبليّة بالشّرف و الذّات و الفضيلة و العلية، و قد بيّنا أنّ كلّ ما يلحق ذاته المقدّسة من الصّفات فاعتبارات ذهنيّة تحدّثها العقول عند مقايسته إلى مخلوقاته و شي‏ء من تلك الاعتبارات لا تفاوت أيضا بالقبليّة و البعديّة بأحد المعاني المذكورة بالنّظر إلى ذاته المقدسة فلا يقال مثلا: هو المستحقّ لهذا الاعتبار قبل هذا الاعتبار أو بعده و إلّا لكان كمال ذاته قابلا للزيادة و النّقصان، بل استحقاقه بالنّظر إلى ذاته لما يصحّ أن يعتبر لها استحقاق وجه بالنّظر إلى جميعها دائما فلا حال يفرض إلّا و هو يستحق فيه أن يعتبر له الأوّليّة و الآخريّة معا استحقاقا أوّليّا ذاتيا، لا على وجه التّرتيب و إن تفاوت الاعتبارات بالنّظر إلى اعتبارنا، و هذا بخلاف غيره من الامور الزّمانية، فانّ الجوهر مثلا يصدق عليه كونه أوّلا من العرض و لا يصدق عليه مع ذلك أنّه آخر له حتّى لو فرضنا عدم جميع الاعراض و بقاء الجوهر بعدها لم يكن استحقاقه للاعتبارين معا بل استحقاقه لاعتبار الأوليّة متقدّم.

و قال الصّدر الشّيرازي في شرح الكافي: هو الأوّل و الآخر لأنّه مبدء كلّ شي‏ء و غايته، و الظاهر و الباطن لأنّ غاية ظهوره منشأ بطونه بل حيثية ظهوره بعينها حيثيّة بطونه، فهو الظاهر من حيث هو الباطن، و الباطن من حيث هو الظاهر و الثانية أن (كلّ مسمّى بالوحدة غيره قليل) و المراد بذلك أنّه سبحانه مع اتّصافه بالوحدة لا يتّصف بالقلّة كما يتّصف بها غيره من المتّصفين بالوحدة بيان ذلك أنّ الوحدة قد يطلق و يراد بها الوحدة التي هي مبدء الكثرة و هى العادّ و المكيال لها سواء كانت فى المتّصل كالذّراع الواحد و الفرسخ الواحد يعدّان بوحدتيهما الأذرع و الفراسخ الكثيرة، أو في المنفصل كالعشرة الواحدة و المأة الواحدة يعدّان العشرات الكثيرة و المآت الكثيرة، و هي أشهر أقسام الوحدة، و قد يطلق و يراد بها الوحدة النّوعيّة و الوحدة الجنسيّة، و هى الوحدة المبهمة التي يوصف بها الأنواع و الأجناس و الابهام في الجنس أشدّ و هى غير الوحدة بالنّوع و الوحدة بالجنس لأنّ معروض هاتين الكثير من الأشخاص و الأنواع و معروض الوحدة الجنسية و النوعيّة المعنى الواحد المبهم.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ الوحدة بالمعانى المذكورة لا يجوز اتّصافه تعالى بها اما الاول فلأنّ الوحدة بالمعنى المذكور قليل بالنّسبة إلى الكثرة التي هى عادّ لها و القلة و الكثرة من أوصاف الممكن و اما الاخران فلأنّ الواجب سبحانه لا يكون نوعا و لا جنسا و لا يندرج تحت نوع و لا جنس، لأنّ ذلك كله من خصايص الامكان، و لمّا كان أكثر النّاس لا يتصوّر من الوحدة إلّا المعنى الأوّل بل لا يفهمون من كونه تعالى واحدا إلّا هذا المعنى لا جرم جعل نفيها عنه مخصوصا بالذّكر دفعا لما يتوهّمون و إبطالا لما يزعمون.

روى الصّدوق في التّوحيد باسناده عن شريح بن هانى، عن أبيه قال: إنّ اعرابيّا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين أتقول إنّ اللّه واحد فحمل النّاس عليه و قالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسيم القلب فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: دعوه فانّ الذي يريده الاعرابى هو الذي نريده من‏ القوم، ثمّ قال: يا أعرابي إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على اللّه عزّ و جلّ و وجهان يثبتان فيه.

فأمّا اللّذان لا يجوزان عليه فقول القائل واحد يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الاعداد، أما ترى أنّه كفر من قال ثالث ثلاثة، و قول القائل هو واحد من النّاس يريد به النّوع من الجنس فهذا ما لا يجوز عليه لأنّه تشبيه و جلّ ربّنا عن ذلك و تعالى.

و أمّا الوجهان اللّذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبه كذلك ربّنا، و قول القائل إنّه أحديّ المعنى يعنى به أنّه لا ينقسم في وجود و لا عقل و لا وهم و كذلك ربّنا عزّ و جلّ.

(و) الثالثة أنّ (كل عزيز غيره ذليل) قد يفسّر العزيز الذي هو من أسمائه سبحانه بأنّه الذي لا يعاد له شي‏ء أو الغالب غير المغلوب و قال في التّوحيد العزيز معناه أنّه لا يعجزه شي‏ء و لا يمتنع عليه شي‏ء، فهو قاهر الأشياء غالب غير مغلوب، و قد يقال في المثل من عزّبزّ أى من غلب سلب، و قوله عزّ و جلّ حكاية عن الخصمين و عزّني في الخطاب، أى غلبنى، و معنى ثان أنّه الملك و يقال للملك عزيز كما قال اخوة يوسف ليوسف: يا أيّها العزيز، و المراد يا أيّها الملك.

أقول: و الظاهر أنّ المعنى الثّاني أيضا مأخوذ من الأوّل، و عليه فالعزيز في اللغة هو مطلق الغالب، فاذا استعمل في اللّه سبحانه، و وصفناه به يراد به الغالب المطلق أعنى الغالب غير المغلوب، و إذا وصف به أحد من الخلق فالمراد به الغالب بالنّسبة إلى من دونه و إن كان مغلوبا بالنّسبة إلى من فوقه و ذليلا بالقياس إليه و يوضح ذلك أنّ السّحرة قالوا: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ فوصفوا فرعون بالعزّة و قد صار مغلوبا لموسى و ذليلا عند إله موسى مقهورا تحت قدرته.

(و) الرابعة أنّ (كلّ قويّ غيره ضعيف) القوة هي مبدء الأفعال الشّاقة و إذا وصف اللّه بها فتعود إلى تمام القدرة و إذا نسبت إلى غيره فالمراد بها القوة الجسمانية كقوّة البطش المعروف من المخلوقات و لا يصحّ نسبتها بهذا المعنى إليه سبحانه إذ البرهان قائم على أنّ كل قوّة جسمانية متناهية محتملة للزيادة و النّقصان فيحتاج إلى محدّد يحدّدها فيقوي عليها و يقهرها على الحدّ الذي لها، و تلك القوة الاخرى أيضا إن كانت متناهية كان حكمها كذلك إلى أن ينتهى إلى قوّة غير جسمانيّة و لا متناهية دفعا للتّسلسل أو الدّور، و أيضا ما يحتمل الزّيادة كالأعداد و الأجسام و المقادير و الحركات و الأزمنة و ما يتعلّق بها كالقوى و الكيفيات فهى ناقصة أبدا غير تامّة، و كلّ ناقص محتاج إلى إكمال و مكمل فلا يكون قديما واجبا لذاته.

و إلى ذلك أشار أبو جعفر الثّاني عليه السّلام في رواية الكافي بقوله: و كذا سمّينا ربّنا قويّا لا بقوّة البطش المعروف من المخلوق، و لو كانت قوّته قوّة البطش المعروف من المخلوق لوقع التّشبيه و لاحتمل الزّيادة، و ما احتمل الزّيادة احتمل النّقصان، و ما كان ناقصا كان غير قديم، و ما كان غير قديم كان عاجزا.

(و) الخامسة أنّ (كلّ مالك غير مملوك) إذ كلّ ما سواه مستند إلى وجوده و في تصريف قدرته و مشيّته نافذ فيه أمره، جار فيه حكمه، فهو المالك للكلّ بالاستحقاق و على الاطلاق و الكلّ مملوك له و إن صدق عليه في العرف أنّه مالك بالقياس إلى من دونه و ما في يده.

(و) السادسة أنّ (كلّ عالم غيره متعلّم) إذ علمه عين ذاته و علم غيره محتاج إلى التّعلّم من الغير و الاستفادة منه، ثمّ الغير من الغير إلى أن ينتهى إلى علمه سبحانه.

(و) السابعة أنّ (كلّ قادر غيره يقدر و يعجز) لأنّ قدرته عين ذاته فيستحيل عليه العجز و أمّا قدرة غيره و هي القوّة الجسمانية المنبثّة في الأعضاء المحركة لها نحو الأفاعيل الاختيارية المقابلة للعجز تقابل العدم و الملكة فهى خارجة عن ذات‏ القادر قابلة للوجود و العدم، فاذا القادر المطلق هو مستند كلّ مخترع اختراعا ينفرد به و يستغنى فيه عن معاونة الغير و ليس هو إلّا اللّه سبحانه، و أمّا غيره من المتصفين بالقدرة فهو و إن كان في الجملة صاحب قدرة إلّا أنّ قدرتها ناقصة لتنا و لها بعض الممكنات و قصورها عن البعض الآخر، لأنّه بالذّات مستحقّ بالعجز و عدم القدرة و إنّما استحقاقه لها من وجوده تعالى فهو الفاعل المطلق الذي لا يعجزه شي‏ء عن شي‏ء و لا يستعصى على قدرته شي‏ء فان قلت: فهل يقدر أن يدخل الدّنيا كلها في بيضة لا تصغر الدّنيا و لا يكبر البيضة قلت: لا، و لا يلزم منه نقص على عموم القدرة، بيان ذلك على ما حقّقه بعض علمائنا المحقّقين أنّ معنى كونه قادرا على كلّ شي‏ء أنّ كلّما له مهيّة إمكانية أو شيئيّة تصورية فيصحّ تعلّق القدرة به، و أمّا الممتنعات فلا مهيّة لها و لا شيئيّة حتّى يصحّ كونها مقدورة له تعالى، و ليس في نفى مقدوريّته نقص على عموم القدرة بل القدرة عامّة و الفيض شامل و الممتنع لا ذات له و إنّما يخترع العقل في وهمه مفهوما يجعله عنوانا لأمر باطل الذّات كشريك الباري و اللّا شي‏ء و اجتماع النّقيضين أو يركب بين معاني ممكنة آحادها تركيبا ممتنعا، فانّ كلّا من المتناقضين كالحركة و السّكون أمر ممكن خارجا و عقلا، و كذا معنى التّركيب و الاجتماع أمر ممكن عينا و ذهنا و أمّا اجتماع المتناقضين فلا ذات له لا في الخارج و لا في العقل، لكن العقل يتصوّر مفهوم اجتماع النّقيضين على وجه التّلفيق و يجعله عنوانا ليحكم على افراده المقدّرة بامتناع الوجود و كون الكبير مع كبره في الصّغير من هذا القبيل.

إذا عرفت ذلك ظهر لك أنّ إدخال الدّنيا على كبرها في البيضة مع بقاء البيضة على صغرها أمر محال، و المحال غير مقدور إذ لا ذات له و لا شيئيّة.

و إلى ذلك وقعت الاشارة فيما رواه الصّدوق في كتاب التّوحيد باسناده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام: هل يقدر ربك أن يدخل الدّنيا في‏ بيضة من غير أن يصغر الدّنيا أو تكبر البيضة فقال عليه السّلام: إنّ اللّه تبارك و تعالى لا ينسب إلى العجز و الذي ذكرت لا يكون.

فانّ مقصوده عليه السّلام إنّ ما سأله الرّجل أمر ممتنع بالذّات محال و المحال غير مقدور عليه و أنّ اللّه على كلّ شي‏ء قدير.

و مثله ما رواه أيضا مسندا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: أ يقدر اللّه أن يدخل الأرض في بيضة و لا يصغر الأرض و لا يكبر البيضة فقال: و يلك إنّ اللّه لا يوصف بالعجز و من أقدر ممّن يلطف الأرض و يعظم البيضة.

فانّ هذه الرّواية دالّة على أنّ إدخال الكبير في الصغير غير ممكن إلّا بأن يصغر الكبير بنحو التكائف و التخلل و نحوهما، أو يعظم الصّغير، و أنّ تصغير الأرض إلى حدّ تدخل في بيضة أو تعظيم البيضة إلى حدّ يدخل فيه الأرض غاية القدرة.

(و) الثامنة أنّ (كلّ سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات و يصمّه كبيرها و يذهب عنه ما بعد منها) بيان ذلك أنّ السّمع عبارة عن قوّة مودعة في العصبتين المفروشتين على سطح باطن الصّماخين كجلد الطبل النّافذتين من الدّماغ إليهما بهما يدرك الأصوات، و الصّوت عبارة عن هيئة في الهواء حاصلة من تموّجه النّاشي من حركة شديدة مسبّبة عن قرع أحد الجسمين في الآخر الذي هو امساس عنيف، و عن قلع أحدهما عن الآخر الذي هو تفريق عنيف بشرط مقاومة المقروع للقارع و المقلوع للقالع.

ففي الأوّل ينفلت الهواء من بين الجسمين بشدّة، و في الثّاني يلج بينهما بشدّة و يحصل من انفلاته و ولوجه تموّج و حركة على هيئة مستديرة نحو ما يتصوّر عند وقوع الحجر في الماء فاذا انتهى ذلك التموّج إلى الهواء الذي في الأذن يحرّك ذلك الهواء الراكد حركة مخصوصة بهيئة مخصوصة، فتنفعل العصبة المفروشة على الصماخ عن هذه الحركة و تدركها القوّة السّامعة و يسمّى هذا الادراك سمعا

إذا عرفت ذلك فنقول: إن إدراك هذه القوّة للأصوات مشروط بأن يكون الصّوت قريبا لا بعيدا جدّا، و أن يكون مع قربه على حدّ الاعتدال أى لا يكون قويا كثيرا و لا ضعيفا كذلك، لأنّه إذا كان ضعيفا لا يحصل بسببه تموّج الهواء كما أنّه لو كان بعيدا لا يصل الهواء المتموّج إلى الصّماخ، و عند قربه و قوّته ربّما يحدث الصّمم لشدّة قرعه للصّماخ و تفرّق اتّصال الرّوح الحامل لقوّة السّمع عنه بحيث يبطل استعدادها لتادية القوّة إلى الصّماخ.

و إلى الأوّل أشار عليه السّلام بقوله: يصم عن لطيف الأصوات، تشبيها لعجز السامعة عن إدراك الصّوت بخفائها و ضعفه بالصّمم و الى الثاني بقوله: و يذهب عنه ما بعد منها و إلى الثالث بقوله و يصمّه كبيرها.

و لما كان اللّه سبحانه و جلّت عظمته منزّها عن الجسميّة و آلات الجسم و كان سمعه عبارة عن علمه بالمسموعات على ما حقّقناه في شرح الفصل السّادس من فصول الخطبة الاولى لا جرم اختصّ الأوصاف المذكورة أعني العجز عن إدراك الضّعيف و الصّمم بسماع القوى و عدم التّمكن من إدراك البعيد بمن كان له هذه الآلات و استحالت في حقّه سبحانه إذ العلم لا يتفاوت بالنّسبة إلى القريب و البعيد و الضّعيف و الشّديد: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى‏ وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى‏.

(و) التاسعة أنّ (كلّ بصير غيره يعمي عن خفىّ الألوان و لطيف الأجسام).

و الظاهر أنّ المراد بالألوان الخفيّة الألوان الغير المدركة بالابصار لانتفاء شرط الادراك و هو الضوء، و يقابلها الألوان الظاهرة و هي التي يدركها الباصرة، و على هذا فيكون كلامه عليه السّلام دليلا على بطلان القول بعدم وجود اللّون في الظلم.

توضيح ذلك أنّ الشّيخ الرّئيس و أتباعه ذهبوا إلى أنّ الألوان غير موجودة بالفعل في حال كونها مظلمة معلّلا بأنّا لانراها في الظلمة فهو إمّا لعدمها أو لوجود عايق عن الابصار و الثّاني باطل لأنّ الظلمة عدميّة و الهواء نفسه غير مانع من الرؤية كما إذا كنت في غارة مظلم و فيه هواء كله على تلك الصّفة فاذا صار المرئي مستنيرا رأيته و لا يمنعك الهواء الواقف بينه و بينك.

و ردّه المتأخّرون بأنّه لا شك أن اللّون له مهيّة في نفسه و أنّه يصحّ كونه مرئيا فلعل الموقوف على وجود الضوء هو هذا الحكم، و بالجملة للجسم مراتب ثلاث استعداد أن يكون له لون معيّن، و وجود ذلك اللون بالفعل، و كونه بحيث يصحّ أن يرى فلم لا يجوز أن يكون الموقوف على وجود الضوء هذا الحكم الثالث لا أصل اللّون.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ معنى قوله: هو أنّ كلّ بصير غيره تعالى لا يمكن له إدراك الألوان الخفيّة أى الألوان في حال كونها مظلمة لانتفاء شرط الادراك الذي هو الضّوء كما أنّ الأعمى لا يمكن له إدراكها لانتفاء قوة الابصار له، فكنّى عن عدم إدراك البصير لها بالعمى لشبهه بالأعمى في مشاركتها في عدم التّمكن من الادراك، و إن كان عدم التّمكن في حقّ الاوّل من جهة انتفاء الشّرط و في الثّاني من جهة انتفاء الآلة أعنى البصر هذا.

و لعلّ المراد من لطيف الأجسام الأجسام الرّقيقة القوام كالبعوضة و الذّرة و نحوهما، و لما كان بصيرّيته سبحانه عبارة عن علمه بالمبصرات حسبما حقّقنا أيضا في شرح الفضل السّادس من فصول الخطبة الاولى، اختصّ العجز عن إدراك الألوان الخفيّة و الأجسام اللطيفة بغيره سبحانه و أما هو سبحانه فلا تفاوت في علمه بين الخفيّ و الجليّ و اللّطيف و الكثيف.

 وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا. هذا و يشهد بما ذكرته في تفسير معنى السّميع و البصير و الجسم اللطيف ما رواه‏ في الكافي عن محمّد بن أبي عبد اللّه، رفعه إلى أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام فسأله رجل فقال: أخبرني عن الرّب تبارك و تعالى له أسماء و صفات في كتابه إلى أن قال: فقال الرّجل: فكيف سمّينا ربّنا سميعا فقال: لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالاسماع و لم نصفه بالسّمع المعقول في الرّأس، و كذلك سمّيناه بصيرا لانّه لا يخفى عليه ما يدرك بالابصار من لون أو شخص أو غير ذلك و لم نصفه بصر لحظة العين، و كذلك سمّيناه لطيفا لعلمه بالشّي‏ء اللطيف مثل البعوضة و أخفى من ذلك و موضع النّشو منها و العقل و الشّهوة للسفاد و الجذب على نسلها و اقام بعضها على بعض و نقلها الطعام و الشّراب إلى أولادها في الجبال و المفاوز و الأودية و القفار.

قال بعض شارحي الحديث يعنى أنّه يعلم أعضاء البعوضة كالجناح و الرّجل و العين، و قواها كالسّمع و البصر، و أحوالها كالادراك و الارادة و الشّهوة و المحبّة و الشّفقة و الالفة و الغضب و النّفرة و العداوة، و أفعالها كالحركة و السّكون و السفاد و نقل الطعام و الشّراب إلى الاولاد و غير ذلك من أمورها كموتها و حياتها و نفعها و ضرّها و آجالها و مقادير أعمارها، و أرزاقها و غيرها من لطايف صنعه و دقايق خلقه، فهو تعالى لطيف لعلمه بلطايف الامور.

(و) العاشرة أنّ (كلّ ظاهر غيره غير باطن و كلّ باطن غيره غير ظاهر) يعنى أنّ من الممكنات ما هو ظاهر جلىّ لا يتّصف بالبطون و الخفاء كالشّمس و القمر و نحوهما و منها ما هو باطن خفيّ لا يتّصف بالظهور و الجلاء كالهيولى و العدم و ما تحت الثرى، و أمّا اللّه الحيّ القيّوم العظيم الشّأن فهو متّصف بالظهور و البطون معا، فهو في كمال ظهوره باطن و في غاية بطونه ظاهر، بل هو أجلى الأشياء و أظهرها، و منتهى ظهوره صار سببا لخفائه.

و تحقيق ذلك على ما حقّقه صدر المتألهين و أو ضحه بالمثال تقريبا للأفهام و تشحيذا للأذهان هو: إنّا إذا رأينا إنسانا يكتب أو يخيط كان كونه حيّا عالما قادرا مريدا عندنا من أظهر الأشياء، و هذه الصّفات أجلى عندنا من ساير صفاته‏ الظاهرة و الباطنة إذ لا نعرف بعضها كشهوته و غضبه و خلقه و صحته و مرضه، و نشك في بعضها كمقدار طوله و عرضه و لون بشرته و غير ذلك، و أمّا حياته و علمه و قدرته و إرادته فانّه جليّ عندنا من غير أن يتعلّق الحسّ الظاهر بها لأنها غير محسوسة بشي‏ء من الحواس الظاهرة و ليس عليها مع هذا الوضوح و الجلاء إلّا دليل واحد و هو الكتابة أو الخياطة.

و أمّا وجود اللّه تبارك و تعالى و قدرته و علمه و إرادته و حياته فيشهد له جميع ما في الكون، و كلّما نشاهده أو ندركه بالحواسّ الظاهرة و الباطنة من حجر و مدر و نبات و شجر و حيوان و أرض و سماء و كوكب و بحر و برّ و نار و هواء بل أوّل شاهد عليه أنفسنا و أوصافنا و تقلب أحوالنا من الصّغر و الكبر و القوّة و الضّعف و الصّحة و السّقم و الرّضا و الغضب و الفرح و الحزن و الحبّ و البغض و الشّهوة و الكراهة و الاناة و الارادة و الرّغبة و الرّهبة و الرّجاء و اليأس إلى غير هذه.

و أظهر الأشياء في علمنا أنفسنا، ثمّ أحوالنا و محسوساتنا باحدى الحواسّ ثمّ مدركاتنا بالعقل و البصيرة، و كلّ واحد من هذه المدركات له دليل واحد و شاهد واحد، و جميع ما في العالم شواهد ناطقة و أدلّة شاهدة بوجود خالقها و مدّبرها و دالّة على علمه و قدرته و لطفه و حكمته، فانّه كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا و ليس لها شاهد إلّا حركة يده فكيف لا يظهر عندنا ما لا يتصوّر شي‏ء داخل نفوسنا و خارجها إلّا و هو شاهد عليه، و ما من ذرّة إلّا تنادى بلسان حالها أنّه ليس وجودها و لا حركتها بذاتها و أنّها تحتاج إلى موجد و محرّك.

فاذا علمت هذا فنقول: لما لم يبق في الوجود مدرك و لا محسوس و لا معقول و لا حاضر و لا غايب إلّا و هو شاهد على وجوده معروف لعظم ظهوره فانبهرت العقول و دهشت عن إدراكه فانّ ما يعجز عنه فهم عقولنا له علتان احداهما خفائه في نفسه كالهيولى و العدم و الزّمان و الحركة و العدد و النّسبة و غيرها و الثانية غاية جلائه و وضوحه و قصور القوّة الادراكيّة كمثال نور الشّمس و بصر الخفّاش، فانّ بصره‏ ضعيف يبهره نور الشّمس في النّهار إذا أشرقت و لهذا إذا امتزج الضّوء بالظلام و ضعف ظهوره أبصر بالليل.

فكذلك عقول البشر ضعيفة و جمال الحضرة الالهيّة في غاية الاشراق و نهاية الشّمول و الاستغراق حتّى لم يشذّ عن ظهوره ذرّة من السّماوات و الأرض، فصار ظهوره سبب خفائه فسبحان من احتجب بشدّة ظهوره و اختفى عن البصاير باشراق نوره.

و أيضا الأشياء قد يستبان بأضدادها و ما عمّ وجوده و شموله حتّى لا ضدّ له كأصل الوجود عسر إدراكه، فلو لا غروب لنور الشّمس و لا احتجاب له عن بعض مواضع الارض لكنّا ظننّا أن لا هيئة في الاجسام إلّا سطوحها و ألوانها، و لكن لما غابت الشّمس و اظلمت بعض المواضع أدركنا تفرقة بين الحالين، و عرفنا وجود النّور بعدمه عند الغروب، و لو لا عدمه ما كنا نطلع عليه إلّا بعسر شديد هذا.

مع أنّ النّور أظهر المحسوسات و اللّه سبحانه أظهر الاشياء و به ظهرت الانوار كلّها، و لو كان له عدم أو غيبة أو تغيّر لانهدمت الأرض و السّماء و لا نعدمت الأشياء كلّها و بطل الملك و الملكوت، و لادركت به الفرق بين الحالتين، و لو كان بعض الأشياء موجودا به و بعضها موجودا بغيره لادركت التّفرقة في الدّلالة، و لكن وجوده دائم في الأحوال و دلالته عامة على نسق واحد في الأشياء، فلا جرم أورث شدّة الظهور خفائه.

(و) الحادية عشر أنّه تعالى (لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان و لا تخوف من عواقب زمان و لا استعانة) منه (على ندّ) و نظير (مثاور) أى مواثب (و لا شريك) و مثل (مكاثر) أي متعرّض للغلبة (و لا ضدّ منافر) أى مسارع إليه بالمعادات، و المراد بذلك كلّه بيان أنّ اللّه سبحانه ليس لفعله داع و غرض غير ذاته، و أشار إليه بنفى أقسام الدّواعي و الأغراض و ما يلحقها من العوارض و الحالات.

و البرهان على ذلك أنّه تعالى لو فعل لغرض لا يخلو إما أن يكون وجود ذلك الغرض و عدمه بالنّسبة إليه على سواء أولا يكون كذلك، و الأوّل باطل و إلّا لكان‏ حصول الغرض له دون عدمه ترجيحا من غير مرجّح، و الثّاني أيضا باطل لأنهما إذا لم يستويا في حقه تعالى كان حصول الغرض أولى به من لا حصوله فحينئذ يكون ذاته يستفيد من فعله غرضا معتبرا في كماله و يكون بدونه فاقد كمال و عادم مقصد فيكون ناقصا في ذاته تعالى عن النقصان علوّا كبيرا.

كيف و كلّ كمال للمعلول فانّما حصل له من جهة علّة الموجبة فلا يمكن أن يرجع المعطى للكمال إلى أن يستفيد من مستفيده شيئا من الكمال الذي أفاده له، فقد علم علما كليّا أنّ العلة الفاعلة ليس لها غرض و لا مقصود صحيح في مفعوله، بل إن كان غرض و مقصد للعالي فلا بدّ أن يكون ذلك له فيما هو أعلى و أجلّ منه، فلا التفات للعالي إلى السّافل بل إلى ما هو أعلى منه و إذ ليس للأوّل تعالى ما هو أعلى منه لأنّه أعلى العوالي و مبدء المبادي فليس لفعله غاية غير ذاته، و لاله محبّة و ابتهاج بالقصد الأوّل إلّا لذاته الذي هو منبع كلّ خير و كمال، و بتوسط ابتهاجه يحبّ و يريد ما يصدر عن ذاته بالقصد الثاني لأنّ كلّ ما يصدر عن المحبوب محبوب بالتبع.

فان قيل: ليست أولوية الغرض بالنسبة إلى ذاته تعالى، بل بالنّسبة إلى مخلوقاته و عباده، فيكون غرضه تعالى في فعله الاحسان إلى الغير و إيصال المنفعة إليه.

قيل: حصول الاحسان إلى الغير أو المنفعة أو أىّ شي‏ء كان و لا حصوله إن كانا بالنّسبة إلى ذاته على سواء عاد حديث الرّجحان بلا مرجّح، و إن كان أحدهما أولى به عاد حديث الاستكمال بغيره و النّقصان في ذاته و لكن فيه تأمّل تعرف وجهه في شرح الخطبة المأة و الخامسة و الثّمانين في التنبية الذي في ذيله، و تمام التّحقيق في كون أفعاله تعالى معلّلة بالاغراض يأتي إن شاء اللّه هناك هذا.

و إذا عرفت أنّه سبحانه لا يفعل لغرض ظهر لك أنّ خلقه الخلق لم يكن لتشديد سلطان، و لا خوف من عواقب زمان، و لا غير ذلك ممّا ذكره عليه السّلام و ما لم يذكره، إذ كلّ ذلك اغراض زايدة على ذاته مضافا إلى قيام الدّليل القاطع على نفى هذه الأغراض المخصوصة المذكورة و راء الدّليل العام الذي ذكرنا و هو: أنّ تشديد السّلطان إنما يحتاج إليه ذو النقصان في ملكه و الضّعف في‏ سلطنته، و لمّا كان تعالى شأنه هو الغنيّ المطلق في كلّ شي‏ء عن كلّ شي‏ء و كان كلّ ما عداه مقهورا تحت قدرته نافذا فيه حكمه بالايجاد و الابقاء و الافناء، لم يحتج فى سلطانه إلى أحد من خلقه.

و أمّا التّخوف من عواقب الزّمان فلأنّ الضّرر و الانتفاع و ما يلحقهما من الخوف و الرّجاء و غيرهما إنّما هي من لواحق الممكنات القابلة للنقصان و الكمال و ما هو في معرض التّغير و الزّوال في الذّات و الصّفة و الفعل، و واجب الوجود بحسب جميع الجهات وجوب بلا إمكان و وجود بلا عدم و تمام بلا نقص، فلا يمكن أن يكون غرضه من الايجاد دفع ذلك الخوف عن نفسه.

و أمّا الاستعانة على الضّد و النّد و الشّريك فلأنّ الاستعانة هو طلب العون من الغير و هو من لوازم الضّعف و العجز و هما من تناهي القوّة و القدرة، و إذ لا ضعف و لا عجز لكماله سبحانه قوة و قدرة فلا يتصور في حقّه الاستعانة: و أيضا لا ضدّ له و لا ندّ و لا شريك حتّى يحتاج في دفعهم إلى الاستعانة، لأنّ كلّ شي‏ء هو مخلوق له، و المخلوق لا يكون ضدا لخالقه و لا ندّا و لا شريكا، بل المخلوقات يكون بعضها بالنّسبة إلى بعض على هذه الصّفات و اللّه سبحانه منزّه عن صفات المخلوقين و خواصّ المحدثين.

و إليه أشار بقوله (و لكن خلايق مربوبون و عباد داخرون) يعنى و لكنّهم خلايق مربوبون لهم ربّ قاهر و عباد داخرون لهم معبود غالب فهم مقهورون مملوكون محتاجون إلى ربّهم لا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرّا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا.

و الثانية عشر أنّه تعالى (لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كاين، و لم ينأ عنها فيقال هو منها باين) يعنى أنّه سبحانه أقرب إلى الأشياء من كلّ قريب و لكن لا بحلول فيها، و أبعد منها من كلّ بعيد و لكن لا بمباينة عنها، و ذلك لأنّه تعالى جعل لكلّ شي‏ء حدا محدودا و ليس له حدّ و نهاية فلا يكون حالّا في موضع أو محلّ و إلّا لكان وجوده فيه و اختصاصه به كاختصاص الحال بالمحل و المتمكّن بالمكان، و ذلك‏ محال في حقّه إذ هو خالق المحل و المكان فيلزم افتقاره إلى ما يفتقر إليه و هو محال.

و أمّا انّه ليس بناء عن الأشياء أى بعيد فلأنّه لو كان بعيدا لزم أن يكون مباينا منها زايلا عنها، و ذلك أيضا ممتنع. لأنّ قوام الأشياء بوجوده سبحانه و ما يتقوّم به وجود الشي‏ء لا يكون بعيدا عنه، و قد مضى تحقيق الكلام على ذلك ممّا لا مزيد عليه في شرح الفصل الخامس و السّادس من فصول الخطبة الاولى عند بيان معنى قوله: و من قال فيم فقد ضمنه، و قوله: مع كلّ شي‏ء لا بمقارنة و غير كلّ شي‏ء لا بمزايلة، فتذكّر.

و الثالثة عشر أنّه (لم يؤده) اى لم يثقله و لم يعيه (خلق ما ابتدء) و اخترع (و لا) يكله (تدبير ما ذرء) و برء (و لا وقف به عجز عمّا خلق) حتّى اكتفى بما خلق و لم يخلق أزيد من ذلك (و لا ولجت) أى دخلت (عليه شبهة فيما قضا و قدّر بل) ايجاده ما أوجد باقتضاء تامّ و حكمة بالغة و قضاؤه (قضاء متقن) خال عن التزلزل و الاضطراب (و علم محكم) برى‏ء من فساد الشكّ و عروض الشبهة و الغلط (و امر مبرم) موثق لا يحتمل الزّيادة و النّقصان و المقصود بذلك كلّه تنزيهه تعالى عن صفات المخلوقين و توضيح ذلك محتاج إلى تحقيق الكلام في معنى الجملات الثلاث أمّا الأولى فالمقصود بها أنّه تعالى لا يلحقه في خلقه ثقل و إعياء و تعب و كلل كما قال تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى‏ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى‏ بَلى‏ إِنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ.

و قال: وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

و إنّما لم يلحقه الامور المذكورة لأنّ خلقه سبحانه و ايجاده و تدبيره ليس بتوسّط آلة جسمانيّة و لا استعمال رويّة نفسانيّة حتّى يطرئه التّعب و الانفعال و الثّقل و الكلال، بل فعله الافاضة و صنعه الابداع النّاشي عن محض علمه و إرادته، و نحن لو كنّا بحيث لو وجد من نفس علمنا و إراد تناشى‏ء لم يلحقنا من وجوده تعب و انفعال‏ لكنّا نحتاج في أفعالنا إلى حركة و استعمال آلة، على أنّ علمنا و إرادتنا زايدة على ذواتنا، فاللّه تعالى أولى بأن لا يلحقه تغيّر من صنعه و إنّما قال: خلق ما ابتدء ليكون سلب الاعياء عنه أبلغ إذ ما ابتدء من الأفعال يكون المشقة فيها أتمّ إذ الأفعال ربّما يكون بسبب اعتياد الفاعل أقلّ اتعابا و إعياء، و تدبيره تعالى لما ذرء يعود إلى تصريفه لجميع الذّوات و الأفعال و الصّفات تصريفا كلّيا و جزئيّا على وفق حكمته و عنايته من غير مباشرة.

و أما الثانية فالمراد بها أنّ وقوفه عمّا خلق و اكتفائه بما أوجد ليس بعجزه عن الزّايد و فتوره بسبب ما خلق من خلق ما سواه، لأنّ العجز و الفتور من جهة تناهي القوّة الجسمانيّة و انفعالها و تأثرها ممّا يمانعها في التأثير و هو منزّه عن جميع ذلك و أمّا الثّالثة فاشارة إلى كمال علمه و امتناع طريان الشّبهة عليه في مقضياته و مقدراته، و ذلك لأنّ الشّبهة إنّما تعرض العقل في الامور المعقولة الصّرفة الغير الضّروريّة بصحبة الوهم، لأنّ الوهم لا يصدق حكم العقل إلّا في المحسوسات لا في المعقولات فيعارضه و يدخل الشّبهة عليه في المعقولات المحضة و لا يصدقه، فالعقل حال استفصاله وجه الحقّ فيها يكون معارضا بالأحكام الوهميّة، فاذا كان المطلوب غامضا فربّما كان في الاحكام الوهميّة ما يشبه بعض أسباب المطلوب فيتصوّر النّفس بصورته و يعتقد لما ليس بمبدء مبدء، فينتج الباطل فى صورة المطلوب و ليس به.

و لمّا كان البارى جلّ شأنه منزّها عن صحبة القوى المتعلّقة بالأبدان التي رئيسها الوهم و كان عامه لذاته لم يجز أن يعرض لقضائه و لا لقدره و صمة شبهة أو يدخل عليه شكّ و ريب، لكونها من عوارض العقل المقترنة بها، و لهذا قال: قضاء متقن، و علم محكم، و أمر مبرم، اى ليس في قضائه تزلزل و تلعثم، و لا في علمه إمكان شبهة و تردّد، و ليس لأمره رادّ و مانع.

الرابعة عشر انه تعالى هو (المأمول مع النقم المرهوب مع النّعم) يعنى أنّ العبد لمّا كان حال نزول البليّة و حلول النّقمة يستغفره سبحانه و يدعوه و يأمله و يفزع‏ إليه لدفع البليّة و رفع الرّزيّة، كان هو المأمول له مع النّقم كما أنّه حال إفاضة النّعمة و العطيّة يستعدّ بالغفلة للاعراض عن شكرها، فيكون عند ذلك أهلا لان ينزل عليه بوادر النّقمة من اللّه سبحانه كان هو المرهوب منه مع النّعم فهو المأمول و المرهوب معا، و ما عداه فحلول نقمته غير مجامع لامل رحمته، و قيام نعمته معاند لشمول رهبته، فلا مأمول و لا مرهوب في كلا الحالين سواه، و لا ملجأ و لا منجأ إلّا هو، و إلى هذا المعنى ينظر شعر الشّارح المعتزلي:

و حقّ فضلك ما استيأست من نعم
تسرى إلىّ و إن حلّت بي النّقم‏

و لا أمنت نكالا منك أرهبه‏
و إن ترادفت الآلاء و النعم‏

الترجمة

از جمله خطب آن حضرت است در بيان صفات كمال، و نعوت جلال الهى مى‏ فرمايد كه: حمد و ثنا خداوند معبود بحقى را سزاست كه پيشى نگرفته است مر او را حالى بر حالى تا اين كه باشد اول پيش از آنكه باشد آخر و باشد ظاهر پيش از آنكه باشد باطن، هر ناميده شده بوحدت كه غير اوست متّصف است بصفت قلّت، و هر عزيزى كه غير اوست موصوفست بصفت ذلت، و هر صاحب قوتى كه غير اوست ضعيف است و حقير، و هر مالكى كه غير اوست مملوكست و عبد، و هر عالمي كه غير اوست متعلمست و آموزنده، و هر قادرى كه غير اوست گاهى قادر مى‏ شود و گاهى عاجز، و هر صاحب سمعى كه غير اوست عاجز است از ادراك آوازهاى آهسته و كر ميكند او را آوازهاى بزرگ، و مى‏رود از او آوازهاى دور، و هر صاحب بصرى كه غير اوست كور است از رنگهاى خفى و پنهان و از جسمهاى لطيف و رقيق القوام، و هر ظاهرى كه غير اوست غير باطن است، و هر باطنى كه غير اوست غير ظاهر است، بلكه اوست ظاهر و باطن و آشكار و نهان

         از همه‏ گان بى ‏نياز و بر همه مشفق            از همه عالم نهان و بر همه پيدا

نيافريد آنچه كه آفريد آنرا بجهة تقويت سلطنت و نه از براى خوف از عاقبت زمانه و نه بواسطه يارى خواستن بر دفع همتاى بر جهنده و نه بر دفع شريك غلبه كننده و نه‏ بر دفع ضد مفاخرت نماينده، و لكن آنچه كه خلق شده ‏اند خلقانى هستند پرورش يافتگان، و بندگانى هستند خوار شدگان، حلول نكرده است خدا در چيزها تا گفته شود كه حاصل است در آنها، و دور نشده است از أشيا تا گفته شود كه از آنهاست جدا، عاجز و سنگين نگردانيد او را آفريدن آنچه كه ابتدا كرده او را در ايجاد و نه تدبير و اصلاح حال آنچه كه آفريده او را، و باز نداشت او را عجز و ناتوانى از آنچه كه خلق فرمود، و داخل نشد بر او شبهه در آنچه كه حكم كرده و تقدير نمود بلكه حكم او حكمى است محكم و استوار، و علم او علمى است بغايت پايدار و امر او امريست مستحكم و باقرار، اميد گرفته شده است او در حال نقمت و بليّه، و ترسيده شده است از او در حال نعمة و رفاهيّت

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 59 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 60 صبحی صالح

60- و قال ( عليه‏ السلام  ) لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم‏

كَلَّا وَ اللَّهِ

إِنَّهُمْ نُطَفٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ

وَ قَرَارَاتِ النِّسَاءِ

كُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ

حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ لُصُوصاً سَلَّابِين‏

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و قال عليه السلام لما قتل الخوارج و هو التاسع و الخمسون من المختار في باب الخطب

فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم: كلّا و اللّه إنّهم نطف في أصلاب الرّجال، و قرارات النّساء، كلّما نجم منهم قرن قطع حتّى يكون آخرهم لصوصا سلّابين.

اللغة

(القرار) و القرارة بالفتح ما قرّ فيه شي‏ء و سكن و المراد هنا الأرحام و (نجم) ينجم من باب نصر ظهر و طلع و (القرن) الرّدق من الحيوان و موضعه من رأس الانسان أو الجانب الاعلى منه و القرن من القوم سيّدهم و رئيسهم و (اللصوص) جمع لص مثلّثة و (السّلب) الاختلاس

الاعراب

قوله في أصلاب الرّجال متعلق بالاستقرار المقدّر صفة للنطف، و سلّابين حال مؤكدة.

المعنى

هذا الكلام أيضا من جملة اخباره الغيبيّة حسبما عرفت في شرح كلامه السّابق فانّ أصحابه لمّا توهّموا هلاك القوم جميعا و استيصالهم ردعهم بقوله (كلّا و اللّه إنّهم نطف) مستقرّة (في أصلاب الرّجال و قرارات النّساء) يعنى أنّ قوما ممّن يرى رايهم و يقول بمثل مقالتهم الآن موجودون بعضهم في أصلاب الآباء و بعضهم في أرحام الامهات و سيظهرون و يتّبعون لهم و يكون لهم رؤساء ذو و أتباع و (كلّما نجم منهم قرن قطع) أراد به استيصال رؤسائهم و استعار لهم لفظ القرن مرشحا بذكر النّجم و القطع لكونهما من ملايمات المستعار منه، ثمّ أشار إلى ما يصير إليه حالهم من الدّنائة و الابتذال بقوله (حتّى يكون آخرهم لصوصا سلّابين) أى قطاعا للطريق روى أنّ طائفة من الخوارج لم يحضروا القتال و لم يظفر بهم أمير المؤمنين عليه السّلام و قد عرفت في شرح الكلام السّابق أنّ المفلتين من القتل كانوا تسعة نفر، فتفرقوا في البلاد و شاعت بدعهم فيها و صاروا نحوا من عشرين فرقة و كبارها ستّ و قيل سبع

احداها المحكمة

و هم الذين خرجوا على أمير المؤمنين عليه السّلام عند التحكيم و كفّروه، و هم اثنا عشر ألف رجل كانوا أهل صلاة و صيام، و فيهم قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يحقر صلاة أحدكم في‏ جنب صلاتهم، و صوم أحدكم في جنب صومهم، و لكن لا يجاوز ايمانهم تراقيهم، قالوا: من نصب من قريش و غيرهم و عدل فيما بين النّاس فهو امام، و إن غيّر السّيرة و جار وجب أن يعزل أو يقتل و لم يوجبوا نصب الامام، و جوّزوا أن لا يكون في العالم إمام و كفّروا عثمان و أكثر الصّحابة و مرتكب الكبيرة

الثانية البيهسية

أصحاب أبي بيهس هيصم بن جابر و كان بالحجاز و قتل في زمن الوليد قالوا: الايمان هو الاقرار و العلم باللّه و بما جاء به الرّسول فمن وقع فيما لا يعرف أحلال هو أم حرام فهو كافر، لوجوب الفحص عليه حتّى يعلم الحقّ، و قيل لا يكفر حتّى يرجع أمره إلى الامام فيحدّه و كلّما ليس فيه حدّ فمغفور، و قيل لا حرام إلّا ما في قوله: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً الآية.

و قالوا: إذا كفر الامام كفرت الرّعيّة حاضرا أو غايبا، و قال بعضهم السّكر من شراب حلال لا يؤاخذ صاحبه

الثالثة الازارقة

أصحاب نافع بن الازرق و كانوا أكبر الفرق غلبوا على الأهواز و بعض بلاد فارس و كرمان في أيّام عبد اللّه بن زبير، و هم في ثلاثين ألف فارس فأنفذ إليهم المهلب و لم يزل في حربهم هو و أولاده تسع عشرة إلى أن فرغ من أمرهم في أيّام الحجّاج و مذهبهم أنّهم قالوا: كفر عليّ بالتّحكيم، و هو الّذي أنزل اللّه في شأنه: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلى‏ ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ و ابن ملجم محقّ في قتله، و هو الذي انزل في شأنه: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ.

و فيه قال شاعرهم:

يا ضربة من تقىّ ما أراد بها
إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنّي لأذكره يوما فأحسبه‏
أو في البريّة عند اللّه ميزانا

عليه و عليهم ألف ألف لعنة من اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين، و قالوا: أيضا بكفر عثمان و طلحة و الزّبير و عايشة و عبد اللّه بن العبّاس و ساير المسلمين معهم و قضوا بتخليدهم في النّار، و كفروا الذين قعدوا عن القتال و إن كانوا موافقين لهم في الدّين، و قالوا بتحريم التّقيّة في القول و العمل و بجواز قتل أولاد المخالفين و نسائهم و أنّه لا رجم على الزّاني المحصن إذ هو غير مذكور في القرآن، و المرأة إذا قذفت أحدا لا تحدّ، لأنّ المذكور في القرآن هو صيغة الذين و هي للمذكّر، و جوّزوا أن يكون النبيّ كافرا و إن كان بعد النبوّة، و قالوا: إنّ مرتكب الكبيرة كافر.

الرابعة النجدات

نسبتهم إلى نجدة بن عامر النّخعي و كان معه أميران يقال: لأحدهما عطية و للآخر أبو فديك، ففارقاه بشبهة ثمّ قتله أبو فديك و صار لكلّ منهما جمع عظيم، و قتلا في زمن عبد الملك، و هم افترقوا من حيث المذهب إلى فرق عديدة منها.

العاذرّية و هم الذين عذروا النّاس في الجهالات بالفروع و ذلك أنّ نجدة وجد لعنه اللّه بجيش إلى أهل القطيف فقتلوهم و أسروا نسائهم و نكحوهنّ قبل القسمة و أكلوا من الغنيمة قبلها أيضا فلمّا رجعو إلى نجدة و أخبروه بما فعلوا قال: لم يسعكم ما فعلتم، فقالوا: لم نعلم أنّه لا يسعنا فعذروهم بجهالتهم و قال النّجدات كلّهم: لا حاجة للنّاس إلى الامام بل الواجب عليهم رعاية النّصفة فيما بينهم و يجوز لهم نصبه إذا توقّفت عليه الامور و خالفوا الأزارقة في غير التّكفير.

و منها الأصغرية أصحاب زياد بن الأصغر يخالفون الأزارقة في تكفير من قعد عن القتال إذ كانوا موافقين لهم في الدّين و في إسقاط الرّجم فانّهم لم يسقطوه‏ و جوّزوا التّقية في القول دون العمل، و قالوا المعصية الموجبة للحدّ لا يسمّى صاحبها إلّا بها فيقال سارق مثلا و لا يقال كافر و ما لا حدّ فيه لعظمته كترك الصّلاة و الصّوم يقال لصاحبه كافر.

الخامسة الاباضية

نسبتهم إلى عبد اللّه بن أباض كان في أيّام مروان بن محمّد فوجد إليه عبد اللّه محمّد بن عطية فقاتله و قتله، و هؤلاء ذهبوا إلى أنّ مخالفينا من أهل القبلة كفار غير مشركين يجوز مناكحتهم و غنيمة أموالهم حلال عند الحرب دون غيره، و دارهم دار الاسلام إلّا معسكر سلطانهم، و مرتكب الكبيرة موّحد غير مؤمن بناء على أنّ الأعمال داخلة في الايمان، و فعل العبد مخلوق للّه تعالى و مرتكب الكبيرة كافر كفر نعمة لا كفر ملّة، و توقفوا في النّفاق أهو شرك أم لا و كفّروا عليّا و أكثر الصّحابة و تحت هذه الفرقة أيضا فرق عديدة.

منهم الحفصيّة نسبتهم إلى أبى حفص بن أبي المقدام و زادوا على الاباضية أنّ بين الايمان و الشّرك معرفة اللّه تعالى فانّها خصلة متوسطة بينهما، فمن عرف اللّه تعالى و كفر بما سواه من رسول أو جنّة أو نار أو بارتكاب كبيرة فكافر لا مشرك.

و منهم اليزيدية و هم أصحاب يزيد بن أنيسة زادوا على الاباضية بقولهم: إنّه سيبعث نبيّ من العجم بكتاب يكتب في السماء و ينزل جملة واحدة و يترك شريعة محمّد إلى ملّة الصّابية المذكورة في القرآن، و قالوا أصحاب الحدود مشركون، و كلّ ذنب شرك صغيرة كانت أو كبيرة.

و منهم الحارثية و هم أصحاب أبي الحارث الأباضى، خالفوا الأباضية في القدر أى كون أفعال العباد مخلوقة منه تعالى، و فى كون الاستطاعة قبل الفعل.

السادسة العجاردة

أصحاب عبد الكريم بن عجرد، زعموا أنّ العبد إذا أتى بما امر به و لم يقصد اللّه كان ذلك طاعة، و قالوا أيضا بوجوب التبرّى عن الطفل حتّى يدّعي الاسلام بعد البلوغ، و يجب دعاؤه إلى الاسلام إذا بلغ، و هذه الفرقة افترقوا فرقا كثيرة: منهم الميمونية نسبتهم إلى ميمون بن عمران قالوا: باسناد الأفعال إلى قدر العباد، و يكون الاستطاعة قبل الفعل و أن اللّه يريد الخير دون الشّرّ و لا يريد المعاصي كما هو مذهب المعتزلة، قالوا: و أطفال الكفّار في الجنّة، و يروي منهم تجويز نكاح البنات للبنين و البنين للبنات، و جوّزوا أيضا نكاح بنات البنين و بنات البنات و بنات أولاد الاخوة و الأخوات، و نقل عنهم إنكار سورة يوسف فانهم زعموا أنّها قصّة من القصص، و لا يجوز أن تكون قصّة العشق قرآنا و منهم الحمزية نسبتهم إلى حمزة بن أدرك وافقوا الميمونيّة إلّا أنّهم قالوا أطفال الكفّار في النّار.

و منهم الشّعيبيّة نسبتهم إلى شعيب بن محمّد و هم كالميمونيّة في بدعتهم إلّا في القدر.

و منهم الحازميّة نسبتهم إلى حازم بن عاصم وافقوا الشّعيبيّة و يحكى عنهم أنّهم يتوقّفون في أمر عليّ و لا يصرّحون بالبرائة منه كما يصرّحون بالبرائة من غيره.

و منهم الخلفية أصحاب خلف الخارجي و هم خوارج كرمان أضافوا القدر خيره و شرّه إلى اللّه و حكموا بأنّ أطفال المشركين في النار بلا عمل و شرك.

و منهم الاطرافية و هم على مذهب حمزة و رئيسهم رجل من سجستان يقال له: غالب إلّا أنهم قالوا بمعذورية أهل الاطراف فيما لم يعرفوه من الشريعة إذا أتوا بما يعرف لزومه من جهة العقل، و وافقوا أهل السّنة في أصولهم.

و منهم المعلومية هم كالحازمية إلّا أنّهم قالوا يكفى المعرفة ببعض أسمائه، فمن علمه كذلك فهو عارف به و فعل العبد مخلوق له.

و منهم الصّلتية نسبتهم إلى عثمان بن أبى الصلت، و هم كالعجاردة لكن قالوا من أسلم و استجار بنا توليّنا و تبرأنا من أطفاله حتّى يبلغوا فيدعوا إلى‏ الاسلام فيقبلوا.

السابعة الثعالبة

و ربما عدت هذه من فرق العجاردة فيكون الفرق الكبار ستّا، و بعضهم جعلها ستّا باسقاط المحكمة، و كيف كان فهم أصحاب ثعلبة بن عامر، قالوا بولاية الأطفال صغارا كانوا أو كبارا حتى يظهر منهم إنكار الحقّ بعد البلوغ، و نقل عنهم أنهم يرون أخذ الزكاة من العبيد إذا استغنوا و إعطائها لهم إذا افتقروا، و تفرّقوا إلى أربع فرق.

الاولى الأخنسية أصحاب الأخنس بن قيس، و امتازوا عن الثعالبة بأن توقفوا فيمن هو في دار التقية من أهل القبله فلم يحكموا عليه بايمان و لا كفر، و نقل عنهم تجويز نكاح المسلمات من مشركي قومهنّ.

الثانية المعبدية نسبتهم إلى معبد بن عبد الرّحمن، خالفوا الأخنسية في تزويج المسلمات من المشركين و خالفوا الثعالبة في زكاة العبيد أى أخذها منهم و دفعها إليهم.

الثالثة الشيبانية نسبتهم إلى شيبان بن سلمة قالوا بالجبر و نفى القدرة الحادثة الرّابعة المكرمية نسبتهم إلى مكرم العجلى قالوا تارك الصلاة كافر لا لترك الصلاة بل لجهلهم باللّه، فانّ من علم أنه مطلع على سرّه و علنه و مجازيه على طاعته و معصيته لا يتصوّر منه الاقدام على ترك الصلاة، و كذا كلّ كبيرة فانّ مرتكبها كافر بجهله باللّه

الترجمة

و فرموده آن حضرت وقتى كه قتل نمود خوارج را و عرض كردند به آن حضرت كه جميع طايفه خوارج هلاك و تمام شدند: نيست و همچنين بخدا قسم به درستى كه ايشان نطفه‏ ها هستند در پشتهاى مردان و در رحمهاى زنان هر گاه ظاهر شود از ايشان شاخى بريده شود تا اين كه مى‏ باشد آخر ايشان دزدان ربايندگان يعنى مآل كارشان به جائى رسد كه در آخر از رذالة و دنائة نفس قطاع الطريق‏ و راهزن مي شوند.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 58 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 59 صبحی صالح

59- و قال ( عليه ‏السلام  ) لما عزم على حرب الخوارج و قيل له إن القوم عبروا جسر النهروان‏

مَصَارِعُهُمْ دُونَ النُّطْفَةِ

وَ اللَّهِ لَا يُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ

وَ لَا يَهْلِكُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ

قال الشريف يعني بالنطفة ماء النهر

و هي أفصح كناية عن الماء و إن كان كثيرا جما

و قد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم عند مضي ما أشبهه

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و قال عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج و هو الثامن و الخمسون من المختار في باب الخطب

و قيل له انّهم قد عبروا جسر النهروان: مصارعهم دون النّطفة و اللّه لا يفلت منهم عشرة و لا يهلك منكم عشرة. قال السّيد يعنى بالنطفة ماء النّهر و هى أفصح كناية عن الماء و إن كان كثيرا جمّا و قد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم عند مضي ما اشبهه.

اللغة

(الجسر) معروف و (الصّرع) الطرح على الارض و المصرع يكون موضعا و مصدرا و المراد هنا موضع هلاكهم و (النطفة) بالضّم الماء الصّافي قلّ أو كثر و النطفتان في الحديث بحر المشرق و المغرب أو ماء الفرات و بحر جدّة، و المراد بها هنا كما ذكره السّيد (ره) ماء النهروان، و قد مضى التّعبير بها أيضا في الخطبة السابعة و الأربعين و (الافلات) و التفلت و الانفلات التخلّص من الشّي‏ء فجأة.

الاعراب

كلمة لما في كلام السّيد ظرفية بمعنى حين، و جملة قيل له عطف على عزم و قوله مصارعهم دون النطفة في محلّ النّصب مقول لقال.

المعنى

اعلم أنّ قوله (مصارعهم دون النطفة و اللّه لا يفلت منهم عشرة و لا يهلك منكم عشرة) اخبار عمّا يكون قبل كونه و هو من معجزاته المتواترة.

و روى أنّه لما قتل الخوارج وجدوا المفلت منهم تسعة تفرّقوا في البلاد، فانهزم اثنان منهم الى عمّان، و اثنان إلى كرمان، و اثنان الى سجستان، و اثنان الى الجزيرة، و واحد الى تلّ موزون، فظهرت بدعهم في البلاد و صاروا فرقا كثيرة على ما ستطلع عليه في شرح كلامه الآتى، و وجدوا المقتول من أصحابه ثمانية و يمكن أن يكون خفى على القوم مكان واحد من المقتولين أو يكون التّعبير بعدم إهلاك العشرة للمشاكلة و المناسبة بين القرينتين.

تذكرة

قد مضى في شرح الخطبة السّادسة و الثّلاثين أسماء المقتولين من أصحابه، و مضى أيضا في شرح كلامه الخامس و الثلاثين سند تلك الرّواية و نقلها من العلّامة المجلسى من كتاب الخرائج عن جندب بن زهير.

و أقول هنا مضافا إلى ما سبق: أنّه روى عن المدايني في كتاب الخوارج أنه لما خرج‏ عليّ إلى أهل النهروان أقبل رجل من أصحابه ممّن كان على مقدمته يركض حتّى انتهى إلى عليّ فقال: البشرى يا أمير المؤمنين، قال: ما بشراك قال: إنّ القوم عبروا النهر لما أبلغهم وصولك فابشر فقد منحك اللّه اكتافهم، فقال اللّه أنت رأيتهم قد عبّروا، قال: نعم فأحلفه ثلاث مرّات في كلّها يقول نعم، فقال: و اللّه ما عبروا و لن يعبروا و أنّ مصارعهم لدون النطفة و الذي فلق الحبّة و برء النسمة لن يبلغوا الا ثلث و لا قصر بوران حتى يقتلهم اللّه، و قد خاب من افترى.

قال: ثمّ أقبل فارس آخر يركض فرسه فقال كقول الأوّل فلم يكترث عليه السّلام بقوله، و جاءت الفرسان كلّها تركض و تقول مثل ذلك فقام عليه السّلام فجال في متن فرسه.

قال فقال شابّ من النّاس: و اللّه لأكوننّ قريبا منه فان كان عبروا النهر لأجعلنّ سنان رمحي في عينه أيدّعي علم الغيب، فلما انتهى عليّ إلى النّهر وجد القوم، قد كسروا جفون سيوفهم و عرقبوا خيولهم و حبوا على ركبهم و تحكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له نرجل، فنزل ذلك الشّاب فقال: يا أمير المؤمنين انّى كنت شككت فيك آنفا و إنّى تائب إلى اللّه و إليك فاغفر لي فقال عليّ: إنّ اللّه هو الذي يغفر الذّنوب فاستغفره.

تنبيه و تحقيق

قال الشّارح المعتزلي: هذا الخبر من الأخبار التي تكاد تكون متواترة، لاشتهاره و نقل النّاس له كافة، و هو من معجزاته و إخباره المفصلة عن الغيوب و الاخبار على قسمين: أحدهما الأخبار المجملة و لا إعجاز فيها نحو أن يقول الرّجل لأصحابه: إنّكم ستنصرون على هذه الفئة التي تلقونها غدا فان نصر جعل ذلك له حجة عند اصحابه و سماها معجزة و إن لم ينصر قال لهم تغيّرت نيّاتكم فمنعكم اللّه نصره و نحو ذلك من القول.

و القسم الثّاني الأخبار المفصلة عن الغيوب مثل هذا الخبر فانّه لا يحتمل التّلبيس‏ لتقييده بالعدد المعين في أصحابه و في الخوارج و وقوع الأمر بعد الحرب بموجبه من غير زيادة و لا نقصان، و ذلك أمر إلهيّ عرفه من جهة رسول اللّه و عرفه رسول اللّه من جهة اللّه سبحانه، و القوّة البشرية تقصر عن إدراك مثل هذا، و لقد كان له من هذا الباب ما لم يكن لغيره.

و بمقتضى ما شاهد النّاس من معجزاته و أحواله المنافية لقوى البشريّة غلافيه من غلا حتّى نسب إلى أنّ الجوهر الإلهي حلّ في بدنه كما قالت النّصارى في عيسى، و قد أخبره النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بذلك، فقال يهلك فيك محبّ غال و مبغض قال، و قال له تارة: و الذي نفسى بيده لو لا أنّي اشفق أن يقول طوايف من امّتي فيك ما قالت النّصارى في ابن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمرّ بملاء من النّاس إلّا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة.

قال الشّارح: و اوّل من جهر بالغلوّ في أيّامه عبد اللّه بن سبا قام إليه و هو يخطب فقال له أنت أنت و جعل يكرّرها، فقال له ويلك من أنا فقال أنت اللّه فأمر بأخذه و أخذ قوم كانوا على رأيه.

و روى ابو العباس أحمد بن عبيد اللّه من عمّار الثّقفي عن عليّ بن محمّد بن سليمان النّوفلي عن أبيه و عن غيره من مشيخته أنّ عليّا قال: يهلك فيّ رجلان: محبّ مطر يضعني غير موضعى و يمدحني بما ليس فيّ، و مبغض مفترير مينى بما أنا منه برى‏ء.

قال أبو العباس: و هذا تأويل الحديث المروّى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيه و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله إنّ فيك مثلا عن عيسى بن مريم، أحبّته النصارى فرفعته فوق قدره، و أبغضته اليهود حتّى بهتت أمّه.

قال ابو العباس و قد كان عليّ عثر على قوم خرجوا من محبّته باستحواذ الشيطان عليهم إلى أن كفروا بربّهم و جحد و اما جاء به نبيّهم و اتّخذوه ربّا و إلها و قالوا: أنت خالقنا و رازقنا فاستتابهم و توعّدهم فأقاموا على قولهم فحفر لهم حفرا دخن عليهم طمعا في رجوعهم فأبوا فحرّقهم بالنّار.

قال الشّارح: و روى أصحابنا في كتاب المقالات أنّه لما حرّقهم صاحوا إليه الآن ظهر لنا ظهورا بيّنا أنك أنت الاله لأنّ ابن عمك الذي أرسلته قال لا يعذّب بالنار إلّا ربّ النّار.

و روى أبو العباس عن محمّد بن سليمان بن حبيب المصيصى عن عليّ بن محمّد النّوفلي عن أبيه و مشيخته، أن عليّا مرّ بهم و هم يأكلون في شهر رمضان نهارا فقال أسفر أم مرضى قالوا: و لا واحدة، قال: أ فمن أهل الكتاب أنتم قالوا: لا قال: فما بال الأكل في شهر رمضان نهارا قالوا: أنت أنت لم يزيدوه على ذلك، ففهم مرادهم و نزل عليه السّلام عن فرسه فألصق خدّه بالتّراب ثمّ قال عليه السّلام: ويلكم إنّما أنا عبد من عبيد اللّه فاتّقوا اللّه و ارجعوا إلى الاسلام فأبوا فدعاهم مرارا فأقاموا على أمرهم فنهض عنهم، ثمّ قال شدّوهم وثاقا و علىّ بالفعلة و النّار و الحطب ثمّ أمر بحفر بئرين فحفرتا فجعل أحدهما سربا و الآخرة مكشوفة و ألقى الحطب في المكشوفة و فتح بينهما فتحا و ألقى النّار في الحطب فدخن عليهم و جعل يهتف بهم و يناشدهم ارجعوا إلى الاسلام فأبوا فأمر بالحطب و النّار و القى عليهم فاحترقوا فقال الشّاعر:

لترم بى المنية حيث شائت
اذا لم ترم بى في الحفرتين‏

اذا ما حشّتا حطبا بنار
فذاك الموت نقدا غير دين‏

قال أبو العباس ثمّ إنّ جماعة من أصحاب علىّ منهم عبد اللّه بن عبّاس شفعوا في عبد اللّه بن سبا خاصّة و قالوا: يا أمير المؤمنين إنّه قد تاب فاعف عنه فأطلقه بعد ان اشترط عليه أن لا يقيم بالكوفة، فقال: أين أذهب قال: المداين فنفاه إلى المداين فلما قتل أمير المؤمنين أظهر مقالته و صارت له طائفة و فرقة يصدّقونه و يتبعونه.

و قال لمّا بلغه قتل عليّ عليه السّلام: و اللّه لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرة لعلمنا أنّه لم يمت و لا يموت حتّى يسوق العرب بعصاه، فلما بلغ ابن عباس ذلك قال: لو علمنا لما تزوّجنا نساءه و لا قسّمنا ميراثه.

قال أصحاب المقالات: و اجتمع إلى عبد اللّه بن سبا بالمداين جماعة على هذا القول و تفاقم أمرهم و شاع بين النّاس قولهم و صار لهم دعوة يدعون إليها و شبهة يرجعون اليها و هي ما ظهر و شاع بين النّاس من اخباره بالمغيبات حالا بعد حال، فقالوا: إنّ ذلك لا يمكن أن يكون إلّا للّه تعالى أو من حلّت ذات الاله في جسده، و لعمرى أنّه لا يقدر على ذلك إلّا باقدار اللّه تعالى إيّاه عليه، و لكن لا يلزم من إقداره إيّاه عليه أن يكون هو الاله أو تكون ذات الاله حالّة فيه هذا.

و حيث انجرّ الكلام إلى هذا المقام فلا بأس بأن نحقّق الكلام في معنى الغلوّ و التّفويض و نشير إلى بعض الآيات و الأخبار الواردة فيهما، و نذكر وجوه التفويض و ما ينبغي أن يدان به و يعتقد عليه.

فأقول: قال الصّدوق في اعتقاداته: اعتقادنا في الغلاة و المفوّضة أنّهم كفار باللّه جلّ جلاله و أنّهم شرّ من اليهود و النصارى و المجوس و القدريّة و الحرورية و من جميع أهل البدع و الأهواء المضلّة، و أنّه ما صغر اللّه جل جلاله تصغيرهم شي‏ء و قال اللّه جلّ جلاله: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ، وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ و قال اللّه عزّ و جلّ: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ و اعتقادنا في النبيّ و الأئمة أنّ بعضهم قتلوا بالسيف و بعضهم بالسمّ و أنّ ذلك جرى عليهم على الحقيقة و أنه ما شبّه أمرهم كما يزعمه من يتجاوز الحدّ فيهم «إلى أن قال» و كان الرّضا عليه السّلام يقول في دعائه:

اللّهمّ إنّي بري‏ء اليك من الحول و القوّة، و لا حول و لا قوّة إلّا بك، اللهمّ إنّي أعوذ بك و أبرء إليك من الذين ادّعوا لنا ما ليس لنا بحقّ، اللهمّ إنّي أبرء إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا، اللهمّ لك الحقّ و منك الرّزق و إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اللهمّ أنت خالقنا و خالق آبائنا الأوّلين و آبائنا الآخرين، اللهمّ لا تليق الرّبوبيّة إلّا بك، و لا تصلح الالهيّة إلّا لك، فالعن النّصارى الذين صغّروا عظمتك، و العن المضاهئين لقولهم من بريّتك.

اللهمّ إنّا عبيدك و أبناء عبيدك، لا نملك لأنفسنا نفعا و لا ضرّا، و لا موتا، و لا حياة، و لا نشورا، اللهمّ من زعم أنّنا أرباب فنحن منه براء، و من زعم أنّ إلينا الخلق و علينا الرّزق، فنحن منه براء كبراءة عيسى بن مريم من النّصارى، اللهمّ إنّا لم ندعهم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون، و اغفرنا ما يدعون، و لا تدع على الأرض منهم ديّارا، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً و روى عن زرارة أنّه قال: قلت للصّادق عليه السّلام إنّ رجلا من ولد عبد اللّه بن سبا يقول بالتّفويض، فقال: و ما التّفويض قلت: يقول إنّ اللّه خلق محمّدا و عليّا صلوات اللّه عليهما ففوّض الأمر إليهما فخلقا و رزقا و أماتا و أحييا، فقال: كذب عدوّ اللّه إذا انصرفت إليه فاتل عليه هذه الآية التي في سورة الرّعد أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ هُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.

فانصرفت إلى الرّجل فأخبرته بما قال الصّادق عليه السّلام فكأنّي ألقمته حجرا أو قال فكانّما خرس و قد فوّض اللّه عزّ و جلّ إلى نبيّه أمر دينه فقال عزّ و جلّ: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.

و قد فوّض ذلك إلى الأئمة عليهم السّلام و عن المفيد في شرح هذا الكلام: الغلوّ في اللغة هو تجاوز الحدّ و الخروج عن القصد قال اللّه تعالى:

 يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ الآية فنهى عن تجاوز الحدّ في المسيح و حذّر من الخروج عن القصد في القول و جعل ما ادّعته النّصارى فيه غلوّا لتعدية الحدّ على ما بينّاه، و الغلاة من المتظاهرين بالاسلام الذين نسبوا أمير المؤمنين و الأئمة من ذرّيته عليهم السّلام إلى الالهيّة و النّبوّة، و وصفوهم من الفضل في الدّين و الدّنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحدّ، و خرجوا عن القصد و هم ضالّ كفّار حكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل و التّحريق بالنّار و قضت الأئمة عليهم السلام عليهم بالاكفار و الخروج عن الاسلام، و المفوّضة صنف من الغلاة و قولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الأئمة و خلقهم، و نفى القدم عنهم و إضافة الخلق و الرّزق مع ذلك إليهم، و دعواهم أنّ اللّه تفرّد بخلقهم خاصّة و أنّه فوّض إليهم خلق العالم بما فيه و جميع الأفعال انتهى كلامه رفع مقامه و قال المحدّث العلامة المجلسى طاب ثراه: اعلم أنّ الغلوّ في النبيّ و الأئمة عليهم الصّلاة و السّلام إنّما يكون بالقول بالوهيّتهم، أو بكونهم شركاء للّه تعالى في المعبوديّة أو في الخلق و الرّزق، أو أنّ اللّه تعالى، حلّ فيهم، أو اتحد بهم، أو أنّهم يعلمون الغيب بغير وحى أو إلهام من اللّه تعالى، أو بالقول في الأئمة أنهم كانوا أنبياء أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض، أو القول بأنّ معرفتهم تغنى عن جميع الطاعات و لا تكليف معها بترك المعاصي، و القول بكلّ منها الحاد و كفر و خروج عن الدّين كما دلّت عليه الأدلّة العقلية و الآيات و الأخبار و قد عرفت أنّ الائمّة عليهم السّلام تبرّؤوا منهم و حكموا بكفرهم و أمروا بقتلهم و إن قرع سمعك شي‏ء من الأخبار الموهمة لشي‏ء من ذلك فهى إمّا مأوّلة أو هي من مفتريات الغلاة، و لكن أفرط بعض المتكلمين و المحدّثين في الغلوّ لقصورهم عن معرفة الأئمة عليهم السّلام و عجزهم عن إدراك غرائب أحوالهم و عجائب شئوناتهم فقدحوا في كثير من الرّوات الثقاة لنقلهم بعض غرائب المعجزات حتّى قال بعضهم من الغلوّ نفى السّهو عنهم أو القول بأنّهم يعلمون ما كان و ما يكون و غير ذلك مع أنّه قد ورد في أخبار كثيرة: لا تقولوا فينا ربا و قولوا ما شئتم و لن تبلغوا و ورد أنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان، و ورد لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله و غير ذلك فلا بدّ من المتديّن أن لا يباد ربردّ ما ورد عنهم من فضايلهم و معجزاتهم و معالي أمورهم إلّا إذا ثبت خلافه بضرورة الدين أو بقواطع البراهين أو بالآيات المحكمة أو بالأخبار المتواترة، انتهى كلامه رفع مقامه و هو كاف في تحقيق المقام و توضيح المرام و ما ذكره (ره) هي الجادّة الوسطى و النّمط الأوسط و الصّراط المستقيم الذي ينبغي سلوكه و المذهب الحقّ الواجب أخذه و لزومه، فالرّاغب عنه مارق و اللّازم له لاحق و المقصّر فيه زاهق و أما التفويض فالوارد في الأخبار الكثيرة المنع من القول به، و قد أكثروا فيها من ذمّ المفوّضة و تكذيبهم و التّبرّى منهم و من ذلك ذهب جمع من الاصحاب إلى نفيه و المنع من القول به، و لكن الانصاف أنّ القول بالمنع مطلقا تفريط، كما أنّ القول بثبوته مطلقا إفراط إذ الأخبار في طرفى المنع و الثّبوت بالغة حدّ الاستفاضة لو لم تبلغ حدّ التواتر، فالعمل باحدى الطائفتين و طرح الطايفة الأخرى بالمرّة و إسقاطها عن درجة الاعتبار غير ممكن، فاللازم الأخذ بكلّ منهما في الجملة، و مقتضاه القول بالتفصيل في المسألة و يظهر ذلك برسم وجوه التّفويض فأقول و باللّه التّوفيق إنّ التفويض عبارة عن تسليم الأمر إلى الخلق و ردّه إليه، و هو على وجهين أحدهما تفويض أمور الخلق إلى أنفسهم، و هو الذي قال به القدرية و يقال لها المفوّضة أيضا و محصّل ما ذهبوا إليه أنّ اللّه أوجد العباد و أقدرهم على أفعالهم و فوّض إليهم الاختيار فهم مستقلّون بايجادها على وفق مشيّتهم و ارادتهم و طبق قدرتهم من دون أن يكون له سبحانه تأثير فيها بوجه من الوجوه، و بازاء هؤلاء الجماعة جماعة أخرى ذهبت إلى أن لا مؤثّر في الوجود إلّا اللّه فيفعل ما يشاء و يحكم ما يريد لا علّة لفعله و لا رادّ لقضائه و هذان الفريقان واقعان في طرفي التّضادّ، أحدهما يسمّى بالقدريّة و الآخر بالجبريّة، و زعم الفرقة الاولى أنّ بالقول بالتّفويض يظهر فايده التّكليف بالأمر و النّهى و الوعد و الوعيد، و به يحصل استحقاق الثواب و العقاب، و به ينزّه اللّه سبحانه عن ايجاد الشّرور و القبايح التي هي أنواع الكفر و المعاصي، و زعم الفرقة الاخرى أنّ بالقول بالجبر يحصل سلطنة مالك الملوك في ملكوته و ملكه و أنّ فيه تعظيما لقدرة اللّه تعالى و تقديسا له عن شوائب النّقصان و الافتقار في التّاثير إلى شي‏ء آخر و أنت خبير بأنّ القول الأوّل مستلزم للشّرك، و الثاني مستلزم للكفر، و قد ورد في الأخبار الكثيرة المنع منهما و الرّد عليهما صريحا بقولهم: لا جبر و لا تفويض بل أمر بين الأمرين، و تحقيق الأمر بين الأمرين و توضيح الرّد على الفريقين لعلنا نشير إليها في مقام مناسب إنشاء اللّه.

الوجه الثاني تفويض أمور الخلق إلى النّبيّ و الأئمة الطاهرين سلام اللّه عليهم وردّها إلى اختيارهم و هو يتصوّر على أنحاء بعضها صحيح و بعضها باطل

الاول

التّفويض في الخلق و الايجاد و التّربية و الرّزق و الاماتة و الاحياء و غيرها من الأفعال، و قد أثبته بهذا المعنى بعض النّاقصين من الغلاة فان كان مرادهم منه أنّهم يفعلون جميع ذلك بارادتهم و قدرتهم و هم الفاعلون لها حقيقة كما هو ظاهر كلماتهم على ما حكى عنهم غير واحد، فهو كفر صريح دلّت على امتناعه الأدلة العقليّة و النقلية، و قد مضى الاشارة إلى بعضها في كلامي الصّدوق و المفيد السابقين و يدلّ عليه صريحا«» ما رواه في العيون عن الرّضا عليه السّلام أنّه قال: من زعم أن اللّه يفعل أفعالنا ثمّ يعذّبنا عليها فقد قال بالجبر، و من زعم أنّ اللّه فوّض أمر الخلق و الرّزق إلى حججه فقد قال بالتّفويض، و القائل بالجبر كافر و القائل بالتفويض مشرك و فيه أيضا باسناده عن أبي هاشم الجعفرى قال: سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام عن‏ الغلاة و المفوّضة فقال: الغلاة كفّار و المفوّضة مشركون من جالسهم أو خالطهم أو و اكلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زوّجهم أو تزوّج إليهم أو امنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة، خرج من ولاية اللّه عزّ و جلّ و ولاية رسول اللّه و ولايتنا أهل البيت و في البحار من كتاب الرّجال للكشّي باسناده عن عبد اللّه بن شريك عن أبيه قال: بينا عليّ عند امرأة له من غنزة و هي امّ عمرو إذ أتاه قنبر فقال: إنّ عشرة نفر بالباب يزعمون أنّك ربّهم فقال: ادخلهم قال: فدخلوا عليه فقال لهم: ما تقولون فقالوا إنّك ربّنا و أنت الّذي خلقتنا و أنت الذي رزقتنا، فقال لهم: ويلكم ربّي و ربّكم اللّه، ويلكم توبوا أو ارجعوا فقالوا: لا نرجع عن مقالتنا أنت ربّنا ترزقنا و أنت خلقتنا فقال: يا قنبر ائتني بالفعلة فخرج قنبر فأتاه بعشرة رجال مع الزّبل«» و المرود، فأمر أن يحفروا لهم في الأرض فلمّا حفروا خدّا«» أمر بالحطب و النّار فطرح فيه حتّى صار نارا تتوقّد قال لهم: توبوا قالوا: لا نرجع فقذف عليّ عليه السّلام بعضهم ثمّ قذف بقيّتهم في النّار قال عليه السّلام:

         إنّي إذا أبصرت شيئا منكرا            أو قدت نارى و دعوت قنبرا

 و عن العيون عن ماجيلويه، عن عليّ، عن أبيه، عن ياسر الخادم قال: قلت للرّضا عليه السّلام ما تقول في التفويض فقال: إنّ اللّه تبارك و تعالى فوّض إلى نبيّه أمر دينه فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فامّا الخلق و الرّزق فلا ثمّ قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ خالق كلّ شي‏ء و هو يقول عزّ و جلّ:

 اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ سُبْحانَهُ وَ تَعالى‏ عَمَّا و في الاحتجاج و عن العيون جميعا عن عليّ بن أحمد الدّلال القمّي، قال: اختلف جماعة من الشّيعة في أنّ اللّه عزّ و جلّ فوّض إلى الأئمة أن يخلقوا و يرزقوا فقال قوم: هذا محال لا يجوز على اللّه، لأنّ الاجسام لا يقدر على خلقها غير اللّه عزّ و جلّ، و قال آخرون بل اللّه عزّ جلّ أقدر الأئمة على ذلك و فوّض إليهم، فخلقوا و رزقوا، و تنازعوا في ذلك نزاعا شديدا فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان فتسألونه عن ذلك ليوضح لكم الحقّ فيه فانّه الطريق إلى صاحب الأمر عليه السّلام فرضيت الجماعة بأبي جعفر و سلّمت و أجابت إلى قوله، فكتبوا المسألة فأنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته إنّ اللّه تعالى هو الّذى خلق الأجسام و قسّم الأرزاق، لأنّه ليس بجسم و لا حالّ في جسم، ليس كمثله شي‏ء و هو السّميع البصير، فأمّا الأئمة فانّهم يسألون اللّه فيخلق و يسألونه فيرزق ايجابا لمسألتهم و إعظاما لحقهم إلى غير هذه من الأخبار الواردة في ردّ هذه المقالة الفاسدة و طعن القائلين به، فلا يستريب عاقل في الحكم بكفرهم إن كان مرادهم التّفويض بالاستقلال.

و إن كان مرادهم أنّ اللّه يفعل الأشياء مقارنا لارادتهم كشقّ القمر و إحياء الموتى و قلب العصاحيّة و غير ذلك من المعجزات، بمعنى أن يكون الفاعل لها حقيقة هو اللّه سبحانه و يكون هو الخالق و الرّازق و المحيى و المميت و الضارّ و النافع إلّا أن ذلك لما كان مقارنا لإرادتهم و مقترنا لمشيّتهم فاطلق ذلك عليهم مجازا.

و بعبارة أخرى لما كان وقوع هذه الأفعال بسبب ارادتهم فصاروا بمنزلة الفاعل لها حقيقة، فهذا المعنى مما لا إباء للعقل عنه لأنه لا يأبى عن أن يكون اللّه خلقهم و أكملهم و ألهمهم ما يصلح لنظام العالم ثمّ خلق كلّشي‏ء بقدرته مقارنا لارادتهم و مشيتهم.

إلّا انّ المحدّث المجلسي قال: إنّ الأخبار الكثيرة تمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهرا بل صريحا، مع أنّ القول به قول بما لا يعلم، إذ لم يرد ذلك في الأخبار المعتبرة فيما نعلم، و ما ورد من الأخبار الدّالّة على ذلك كخطبة البيان و أمثالها فلم يوجد إلّا في كتب الغلاة و أشباههم مع أنه يمكن أن يكون المراد كونهم علّة غائية لجميع الممكنات، و ايجاد جميع المكونات و انه تعالى جعلهم مطاعين في الأرضين و السماوات، و يطيعهم باذن اللّه تعالى كلّ شي‏ء حتى الجمادات، و انهم إذا شاءوا امرا لا يرد اللّه مشيتهم و لكنّهم لا يشاءون إلّا أنّ يشاء اللّه.

و أمّا ما ورد من الاخبار فى نزول الملائكة و الرّوح اليهم لكلّ أمر و أنه لا ينزل من السماء ملك لأمر إلّا بدء بهم فليس ذلك لمدخلهم في ذلك و لا للاستشارة بهم، بل له الخلق و الأمر تعالى شأنه و ليس ذلك إلّا لتشريفهم و إكرامهم و اظهار رفعة مقامهم

الثاني

التّفويض في أمر الدّين في الجملة و إنّما قيّدنا به و خالفنا ظاهر أكثر العباير لأنّ كثيرا من الأمور الدّينيّة ممّا نطق به الكتاب العزيز، و بعضها ثبت بالاحاديث القدسيّة، فلا بدّ أن يكون التّفويض فيما عداها، و به يظهر ما في إطلاقات الاكثر، فالمقصود بذلك أنّه سبحانه لمّا أكمل نبيّه بحيث لم يكن يختار من الأمور شيئا إلّا ما يوافق الحقّ و الصّواب، و لم يكن يخطر بباله ما يخالف مشيّة اللّه في كلّ باب فوّض إليه تعيين بعض الامور كالزيادة في الصّلاة و تعيين النّوافل في الصّلاة و الصّوم و طعمة بالجد، و تحريم كلّ مسكر و نحو ذلك ممّا سيأتي في ضمن الأخبار و التّفويض بذلك المعنى حقّ ثابت بالأخبار المستفيضة و قد ذهب إليه جمع من الأصحاب و هو الظّاهر من أكثر المحدّثين بل صريح بعضهم كالكليني حيث عقد في الكافي بابا فيه و الصّدوق في جملة من كتبه، فقد ذكر الأخبار الدالة على ذلك من غير تعرّض لردّها، و صرّح به في عقايده حسبما عرفت سابقا، و المحدّث‏ المجلسي في جملة من كتبه و غيرهم فممّا يدلّ على ذلك رواية ياسر الخادم الّتي أسلفناها و ما رواه في الكافي عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر: إنّ اللّه عزّ و جلّ أدّب نبيّه فأحسن أدبه، فلمّا أكمل له الأدب قال: وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ ثم فوّض إليه أمر الدّين و الامّة ليسوس عباده فقال: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و إنّ رسول اللّه كان مسدّدا موفّقا مؤيّدا بروح القدس لا يذلّ «يزلّ ظ» و لا يخطى شي‏ء ممّا يسوس به الخلق، فتأدّب بآداب اللّه ثمّ إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض الصّلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات، فأضاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الركعتين ركعتين و إلى المغرب ركعة، فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهنّ إلّا في سفر، و أفرد الرّكعة في المغرب فتركها قائمة في السّفر و الحضر، فأجاز اللّه له ذلك كلّه فصارت الفريضة سبع عشر ركعة.

ثمّ سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله النّوافل أربعا و ثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز اللّه له ذلك، و الفريضة و النافلة احدى و خمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّ بركعة مكان الوتر، و فرض اللّه في السّنة صوم شهر رمضان و سنّ رسول اللّه صوم شعبان و ثلاثة أيّام في كل شهر مثلي الفريضة فأجاز اللّه له ذلك و حرّم اللّه الخمر بعينها و حرّم رسول اللّه المسكر من كلّ شراب فأجاز اللّه ذلك و عاف رسول اللّه أشياء و كرهها لم ينه عنها نهى حرام إنما نهى عنها نهى إعافة و كراهة، ثمّ رخّص فيها فصار الاخذ برخصته واجبا على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه و عزايمه و لم يرخّص لهم رسول اللّه فيما نهيهم عنه نهى حرام، و لا فيما أمر به أمر فرض لازم فكثير المسكر من الأشربة نهيهم عنه نهى حرام‏ و لم يرخّص رسول اللّه تقصير الركعتين اللتين ضمّهما إلى ما فرض اللّه بل ألزمهم ذلك إلزاما واجبا لم يرخّص لأحد في شي‏ء من ذلك إلّا للمسافر، و ليس لأحد أن يرخّص ما لم يرخّصه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فوافق أمر رسول اللّه أمر اللّه عزّ و جلّ، و نهيه نهى اللّه عزّ و جلّ، و وجب على العباد التسليم له كالتسليم للّه تبارك و تعالى و في الكافي أيضا عن عبد اللّه بن سليمان العامرى عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لما عرج برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نزل بالصلاة عشر ركعات ركعتين ركعتين، فلما ولد الحسن و الحسين زاد رسول اللّه سبع ركعات شكرا للّه فأجاز اللّه له ذلك و ترك الفجر لم يزد فيها لضيق وقتها، لأنّه يحضرها ملائكة اللّيل و ملائكة النّهار، فلمّا أمره اللّه تعالى بالتقصير في السّفر وضع عن امّته ستّ ركعات و ترك المغرب لم ينقص منها شيئا و في البحار من كتاب الاختصاص باسناده عن جابر بن يزيد، قال تلوت على أبي جعفر عليه السّلام هذه الآية من قول اللّه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ فقال إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرص أن يكون علىّ وليّ الأمر من بعده فذلك الّذي عنى اللّه لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ و كيف لا يكون له من الأمر شي‏ء و قد فوّض اللّه إليه فقال: ما أحلّ النّبيّ فهو حلال و ما حرّم النّبيّ فهو حرام و فيه أيضا من بصائر الدّرجات باسناده عن محمّد بن الحسن الميثمي، عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ اللّه أدّب رسوله حتّى قوّمه على ما أراد ثمّ فوض إليه فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فما فوّض اللّه إلى رسوله فقد فوّض إلينا، و رواه في الكافي أيضا مثله و في البحار من البصاير أيضا عن أديم بن الحرّ، قال اديم: سأله موسى بن اشيم يعنى أبا عبد اللّه عليه السّلام عن آية من كتاب اللّه فخبّره بها، و لم يبرح حتّى دخل رجل فسأله عن تلك الآية بعينها فأخبره بخلاف ما أخبره، قال ابن أشيم فدخلنى من ذلك ما شاء اللّه حتّى كنت كاد قلبي أن يشرح بالسّكاكين، و قلت. تركت أبا قتادة بالشّام لا يخطي في الحرف الواحد الواو و شبهها و جئت إلى من يخطي هذا الخطاء كلّه فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية بعينها فأخبره بخلاف ما أخبرني و الّذي سأله بعدى فتجلّى عنّي و علمت أنّ ذلك تعمّدا منه، فحدّثت نفسي بشي‏ء فالتفت إلىّ أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال يابن اشيم لا تفعل كذا و كذا فحدّثني عن الامر الذي حدثت به نفسى ثمّ قال: يابن اشيم إنّ اللّه فوّض إلى سليمان بن داود فقال: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ و فوّض إلى نبيّه فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فما فوّض إلى نبيّه فقد فوّضه إلينا، و رواه في الكافي نحوها إلى غير ذلك ممّا ورد في هذا الباب هذا و المستفاد من الرّوايتين الأخيرتين هو ثبوت التّفويض إلى الأئمة كما ثبت للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هو نصّ الصّدوق في عبارته التي نقلناها سابقا، و لكنه مشكل جدّا، و ذلك لأنّ الظاهر من تفويض أمر الدّين إليهم حسبما ذكرناه سابقا هو تسليم أمره إليهم و جعله موكولا إلى اختيارهم، بمعنى أن يكون لهم الخيار في تحريم شي‏ء أو تحليله و الحكم بطهارة شي‏ء أو نجاسته إلى غير ذلك من الأحكام الشّرعية و الوضعيّة و هو مناف للأحاديث المستفيضة بل المتواترة الدّالة على أنّ جميع الأحكام ممّا علمه رسول اللّه عليّا و الأئمة من ولده، و أنّه ما بقي شي‏ء يحتاج إليه الامّة من الأحكام الشّرعيّة و المسائل الدّينيّة حتّى أرش الخدش إلّا بيّنه صلّى اللّه عليه و آله و تنافيه للتّفويض ظاهر، إذ المستفاد من هذه الأخبار أنّه لم يبق من أمر الدّين شي‏ء إلّا و أودعه صلّى اللّه عليه و آله عندهم، فلم يبق حكم واقعىّ حتّى يفوّض الأمر فيه إليهم أو يحكموا به من تلقاء أنفسهم، بل الظاهر أنّ كلّ ما حكموا به فهو نور مقتبس من أنوار الرّسالة.

و منه ينقدح إشكال آخر، و هو أنّ المستفاد من كثير من الأخبار و الآيات أنّ في القرآن تبيان كلّ شي‏ء و أنّه لا رطب و لا يابس إلّا في كتاب مبين، و أنّ جميع الأحكام ممّا نزل به الرّوح الأمين من عند ربّ العالمين، و ذلك ينافي التفويض إلى النّبيّ أيضا بالتقريب الذي ذكرناه آنفا، و قد قال سبحانه: «و ما ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحى يوحى، و إن اتّبع إلّا ما يوحى الىّ و ما أنا إلّا نذير مبين» و من المعلوم أنّه كثيرا ما كان ينتظر الوحى و لا يجيب من تلقاء نفسه، فلو كان الأمر مفوّضا إليه لما احتاج إلى ذلك و يمكن الجواب عن الاشكال الأوّل بحمل الأحكام المفوّضة إليهم على الأحكام الظاهريّة كالواردة في مقام التّقية و ربّما يشعر به الرّواية الأخيرة إلّا أنّ المستفاد من ذيلها كالرّواية المتقدّمة عليها هو كون التّفويض إلى الأئمة على حدّ التّفويض إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنّ ما فوّض إلى رسول اللّه فوّض إلى الأئمة، و قد ظهر من رواية الفضيل أنّ التّفويض إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما هو في الأحكام الواقعيّة فالأولى الجواب بأنّ المراد بالتّفويض إليهم هو التّفويض في تشريع الأحكام و اختراعها.

لا يقال: إنّ تشريع الأحكام كان مختصّا بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذ لم يبق بعده حكم حتّى يكون مفوّض التشريع إلى الأئمة لأنّا نقول: إنّ غاية ما يستفاد من الأخبار هو أنّ إكمال الدّين و إنزال جميع الاحكام كان في زمن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمّا تبليغه لها كلّها إلى الامة فلا بل لم يبلّغ صلوات اللّه عليه إلّا قليلا من الاحكام، و إنّما أودعها كلّها عند الأئمة و سلّمها إليهم و هم عليهم السّلام بلّغوا منها إلى الامّة ما كانت محتاجة إليه، و بقى مخزونا عندهم ما لم يكن لها إليه حاجة و بمثل هذا الجواب أيضا يمكن الذّبّ عن الاشكال الثّاني إلّا أنّ التّحقيق في الجواب عنه أن يقال: إنّ كون جميع الاحكام ممّا اوحى بها إلى النبيّ لا ينافي‏ التّفويض إليه، لأنّ المستفاد من الأخبار أنّ تفويض أمور الدّين إليه صلّى اللّه عليه و آله إنّما وقع بعد أن أدّبه اللّه سبحانه، و المراد بتأديبه هو اجتبائه بالهداية إلى جميع ما فيه صلاح العباد في أمر المعاش و المعاد، و اكرامه بالعصمة المانعة من الخطاء و الزّلل، و اكمال عقله و إقداره على معرفة جهات الأفعال من المصالح و المفاسد الواقعة فيها فيكون محصّل المراد بتلك الأخبار أنّ اللّه أكمل عقل نبيّه و علّمه جميع المصالح و المفاسد الواقعيّة، فحسن علمه و كماله، ثمّ فوّض إليه أمر دينه أى أذن له في مراجعة عقله في معرفة الأحكام، فعرف في شي‏ء جهة حسن ملزم فحكم في نفسه بوجوبه، و في شي‏ء آخر جهة قبح ملزم فحكم في نفسه بحرمته، و هكذا ثمّ لحقه الاجازة من اللّه سبحانه، فحاله عند التّحقيق كحال المجتهد إذا رجع الأدلّة فحكم بحكم ثمّ عرض على المعصوم فأقرّه عليه و أجاز له ذلك و بعبارة أخرى أنّ اللّه لمّا أكمل نبيّه بالعقل و العلم و العصمة و الهداية، و النّبيّ لمّا عرف الجهات الواقعيّة للأفعال، فعيّن في نفسه الشّريف لكلّ فعل حكما من الأحكام على حسب ملاحظة الجهات و مراعات اقتضاء المقتضيات الواقعيّة فلحقه الاجازة منه سبحانه بما عيّنه في نفسه، ثمّ كلف النّاس به بعد لحوق الاجازة فيكون و حيا و يندرج في أحكام اللّه سبحانه، ثمّ في الكتاب المشتمل عليها و على غيرها، و كيف كان فلا ينطق بما اختاره في نفسه إلّا بعد الاجازة و نزول وحى يدلّ على تقريره عليه.

و من هنا ذهب بعض أصحابنا الأصوليّين إلى أنّ المراد بقولهم كلّما حكم به العقل حكم به الشّرع: هو العقل الكلّ العالم بالجهات المحسّنة و المقبحة العارف بالمصالح و المفاسد الواقعيّة، و يوضح ما حقّقناه ما ورد في أمر تحويل القبلة من أنّ النبيّ كان متعبّدا باستقبال بيت المقدّس، فلما عيرت به اليهود و قالوا له: إنك تابع لقبلتنا كره استقبال قبلتهم و أحبّ التحويل إلى الكعبة فأنزل اللّه سبحانه: قَدْ نَرى‏ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِ‏ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.

فانّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد اختار في نفسه التّحويل، و مع ذلك لم يكلّف النّاس به من هوى نفسه و إنما كلّفهم بعد نزول الوحى، فولّى وجهه شطره فولّوا وجوههم إليه، فافهم و اغتنم

الثالث

تفويض أمر الخلق إليهم من سياستهم و تأديبهم و تكميلهم و تعليمهم و وجوب إطاعتهم فيما أحبّوا و كرهوا، و فيما علموا جهة المصلحة فيه و ما لم يعلموا، و بعبارة اخرى أنّه تعالى فوّض زمام الخلق إليهم و أوجب عليهم طاعتهم في كلّ ما يأمرون به و ينهون عنه، سواء علموا جهة المصلحة أم لم يعلموا، و انما الواجب عليهم الاذعان و الانقياد.

قال العلّامة المجلسي (ره): و هذا المعنى حقّ دلّت عليه الآيات و الأخبار و أدلّة العقل اه أقول: من الآيات قوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و قوله: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ.

و من الأخبار ما رواه في الكافي باسناده عن أبي اسحاق النحوي قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فسمعته يقول: إنّ اللّه أدّب نبيّه على محبّته«» فقال: وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ ثمّ فوّض إليه، فقال: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و قال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ ثمّ قال و إنّ نبىّ اللّه فوّض إلى عليّ و ائتمنه فسلمتم و جهد الناس فو اللّه لنحبّكم (لحسبكم خ ل) أن تقولوا اذا قلنا، و أن تصمتوا اذا صمتنا و نحن فيما بينكم و بين‏ اللّه ما جعل اللّه لأحد خيرا في خلاف أمرنا و في الكافي و البحار من بصاير الدّرجات باسنادهما عن زرارة قال سمعت أبا جعفر و أبا عبد اللّه عليهما السّلام يقول: إنّ اللّه فوّض الى نبيّه أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثمّ تلى هذه الآية: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.

و عن زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام قال: وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دية العين و دية النفس و دية الأنف، و حرّم النبيذ و كلّ مسكر فقال له رجل: فوضع هذا رسول اللّه من غير أن يكون جاء فيه شي‏ء قال: نعم ليعلم من يطع الرّسول ممن يعصيه

الرابع

تفويض القول بما هو أصلح لهم أو للخلق بسبب اختلاف العقول و الافهام و الازمنة و الحالات أو غير ذلك من الاعتبارات و بعبارة أوضح أنّه سبحانه فوّض إليهم بيان العلوم و الأحكام بما أراد و أراد المصلحة فيها بسبب اختلاف عقول النّاس و بسبب التقيّة فيفتون بعض النّاس بالواقع من الأحكام و بعضهم بالتقيّة، و يبيّنون تفسير الآيات و تأويلها بحسب ما يحتمل عقل كلّ سائل و لهم أن يبيّنوا و لهم أن يسكتوا بحسب ما يريهم اللّه من مصالح الوقت و يشهد بذلك رواية ابن أشيم السّالفة.

و ما رواه الكلينيّ باسناده عن الوشا عن الرّضا عليه السّلام قال: قلت له: حقّا علينا أن نسألكم قال: نعم، قلت: حقّا عليكم أن تجيبونا، قال: لا ذاك إلينا إن شئنا فعلنا و ان شئنا لم نفعل أما تسمع قول اللّه: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

و باسناده عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن مسألة فأجابني ثمّ جاءه رجل آخر فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ثمّ جاء آخر فأجابه بخلاف ما أجابني و أجاب صاحبي فلمّا خرج الرّجلان قلت له: يابن رسول اللّه‏ رجلان من أهل العراق من شيعتكم قد ما يسألان فأجبت كلّ واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه، فقال: يا زرارة إنّ هذا خير لنا و لكم و أبقى لنا و لكم و لو اجتمعتم على أمر واحد لما صدقكم النّاس علينا و لكان أقلّ لبقائنا و لبقائكم و عن الخصال بسنده عن حماد قال: قلت للصّادق عليه السّلام: انّ الأحاديث تختلف عنكم قال: فقال: إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف و أدنى ما للامام أن يفتى على سبعة وجوه ثمّ قال: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

و في الكافي مسندا عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب، يجيئك غيرى فتجيب فيها بجواب آخر، فقال: إنّا نجيب النّاس على الزّيادة و النقصان قال العلّامة المجلسي: و لعلّ تخصيص هذا النّحو من التّفويض بالنّبيّ و الأئمة عليهم السّلام لعدم تيسّر هذه التّوسعة لساير الأنبياء و الأوصياء، بل كانوا مكلّفين بعدم التّقية في بعض الموارد و إن أصابهم الضّرر

الخامس

التّفويض في قطع الخصومات و مقام القضاء، فلهم أن يحكموا بظاهر الشريعة و لهم أن يحكموا بعلمهم و بما يلهمهم اللّه من الواقع و مخّ الحقّ في كلّ واقعة و يدلّ عليه ما رواه محمّد بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لا و اللّه ما فوّض اللّه إلى أحد من خلقه إلّا إلى الرسول و إلى الأئمة عليه و عليهم السّلام فقال: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ و هي جارية في الأوصياء فانّ الظاهر أنّ المراد بالارائة هو الالهام و ما يلقى في القلب فتدلّ على التّفويض بالمعنى المذكور، و يأتي تحقيق ذلك إنشاء اللّه في شرح كلامه المأة و التاسع عشر

السادس

التفويض في العطاء و المنع، فانّ اللّه تعالى خلق لهم الأرض و ما فيها و جعل لهم الأنفال و الخمس و الصّفايا فلهم أن يعطوا من شاءوا و أن يمنعوا من شاءوا و يدلّ عليه ما رواه في البحار من كتاب الاختصاص و بصاير الدّرجات، عن محمّد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن رفيد مولى ابن هبيرة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إذا رأيت القائم اعطى رجلا مأئة ألف و أعطى آخر درهما فلا يكبر في صدرك، و في رواية اخرى فلا يكبر ذلك في صدرك فانّ الأمر مفوّض اليه و في هذا المعنى أخبار كثيرة أوردها الأصحاب بعضها في أبواب الخمس و بعضها في أبواب الجهاد هذا، و أنت بعد ما أحطت خبرا بما ذكرناه من أقسام التّفويض و عرفت صحيحها و باطلها ظهر لك فساد القول بالنّفى و الاثبات على وجه الاطلاق، و عليك بالتّأمّل حقّ التّأمل في هذا المقام فانّه من مزالّ الاقدام

الترجمة

و گفته أمير مؤمنان عليه التّحيّة و السّلام در وقتى كه عزم نمود بر حرب خوارج نهروان و گفته شده آن حضرت را كه خارجيان عبور كرده‏ اند از پل نهروان: مواضع هلاك شدن ايشان نزد آب نهروانست، بخدا سوگند نمي ر هند از ايشان ده نفر و هلاك نمى‏ شود از شما ده نفر، شارح مى‏ گويد بقرارى كه آن حضرت خبر داده بود نه نفر از خوارج خلاصى يافت و نه نفر از أصحاب آن حضرت شهيد شد و اين از جمله اخبار غيبيّه آن حضرتست.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 57 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 58 صبحی صالح

58- و من كلام له ( عليه ‏السلام  ) كلم به الخوارج

حين اعتزلوا الحكومة و تنادوا أن لا حكم إلا لله‏

أَصَابَكُمْ حَاصِبٌ

وَ لَا بَقِيَ مِنْكُمْ آثِرٌ

أَ بَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّهِ                  

وَ جِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى‏ الله ‏عليه  )

أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ

لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ‏

فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ

وَ ارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الْأَعْقَابِ

أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلًّا شَامِلًا

وَ سَيْفاً قَاطِعاً

وَ أَثَرَةً يَتَّخِذُهَا الظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً

قال الشريف قوله ( عليه ‏السلام  ) و لا بقي منكم آبر يروى على ثلاثة أوجه

أحدها أن يكون كما ذكرناه

آبر بالراء من قولهم للذي يأبر النخل أي يصلحه.

و يروى آثر

و هو الذي يأثر الحديث و يرويه أي يحكيه

و هو أصح الوجوه عندي

كأنه ( عليه ‏السلام  ) قال لا بقي منكم مخبر.

و يروى آبز بالزاي المعجمة و هو الواثب

و الهالك أيضا يقال له آبز

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من كلام له عليه السلام كلم به الخوارج و هو السابع و الخمسون من المختار فى باب الخطب

أصابكم حاصب، و لا بقي منكم آبر، أبعد إيماني باللّه و جهادي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أشهد على نفسي بالكفر، لقد ضللت إذا و ما أنا من المهتدين، فأوبوا شرّ مآب، و ارجعوا على أثر الأعقاب، أما إنّكم ستلقون بعدي ذلّا شاملا، و سيفا قاطعا، و أثرة يتّخذها الظّالمون فيكم سنّة.

اللغة

(الحاصب) الريح الشديدة التي تثير الحصباء، و هي صغار الحصى قال أبو نواس:

  كأنّ صغرى و كبرى من فواقعها            حصباء درّ على أرض من الذّهب‏

قال السّيد قوله (و لا بقى منكم آبر) يروى بالراء من قولهم ابر للذي يأبر النخل اى يصلحه، و يروى آثر و هو الذى يأثر الحديث أى يحكيه و يرويه، و هو أصحّ الوجوه عندى كانّه قال: لا بقى منكم مخبر، و يروى آبز بالزاء المعجمة و هو الواثب و الهالك يقال له أيضا آبز انتهى.

و قيل: يجوز أن يكون المراد بالآبر النمام و (آب) يؤب رجع و (الاعقاب) جمع عقب بالكسر و هو مؤخّر القدم و أثرها و علامتها و (الأثرة) بالفتحات اسم من الاستيثار و هو الاستبداد بالشي‏ء و التّفرّد به أو من آثر ايثارا إذا اعطى

الاعراب

جملة اصابكم حاصب و لا بقى منكم آبر، دعائيّة لا محلّ لها من الاعراب، و كلمة بعد ظرف لغو متعلّق بقوله اشهد، و الفاء في قوله فاوبوا فصيحة، و جملة يتّخذها الظالمون في محلّ النّصب على الوصفيّة

المعنى

اعلم أنّ المروىّ في عدّة من شروح الكتاب و فى البحار هو أنّ الخوارج لمّا اعتزلوا منه و تنادوا من كلّ ناحية لا حكم إلّا اللّه الحكم للّه يا على لا لك، و قالوا: بان لنا خطائنا فرجعنا و تبنا فارجع إليه أنت و تب، و قال بعضهم: اشهد على نفسك بالكفر ثمّ تب منه، حتّى نطيعك، على ما مرّ تفصيل ذلك كلّه في شرح الخطبة السّادسة و الثّلاثين و الكلام الأربعين أيضا أجابهم بهذا الكلام فقال (أصابكم حاصب) و هو كناية عن العذاب و قيل أى أصابكم حجارة من السّماء (و لا بقى منكم آبر) و هو دعاء عليهم بانقطاع نسلهم كما قال نوح:

 رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً ثمّ نبّه على إنكار مقالتهم و طلبهم شهادته على نفسه بالكفر بقوله (أبعد ايماني باللّه و جهادي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أشهد على نفسى بالكفر) و الخطاء (ل قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ) إذ الشّهادة على النّفس بالكفر مع وجود الايمان الرّاسخ ضلال عن الهدى و عدول عن الرّشاد لا محالة قال المبرّد و من شعر أمير المؤمنين عليه السّلام الذي لا اختلاف فيه أنّه قال، و كان يرووه انّهم لمّا سألوه أن يقرّ بالكفر و يتوب حتّى يسيروا معه إلى الشّام فقال: أ بعد صحبة رسول اللّه و التّفقّه في دين اللّه أرجع كافرا، ثمّ قال عليه السّلام:

يا شاهد اللّه علىّ فاشهد
إنّي على دين النّبيّ أحمد

من شكّ في اللّه فانّي مهتدى‏
يا ربّ فاجعل في الجنان موردى‏

و قوله (فأوبوا شرّ مآب و ارجعوا إلى أثر الاعقاب) قيل هو أمر لهم بالرّجوع و الاياب إلى الحقّ من حيث خرجوا منه قهرا كان القاهر يضرب في وجوههم بردّهم على الاعقاب و الرّجوع هكذا شرّ الأنواع، و قيل هو دعاء عليهم بالذّلّ و انعكاس الحال قال العلّامة المجلسيّ (ره): و يحتمل أن يكون الأمر على التّهديد كقوله تعالى: قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ (أما انّكم ستلقون بعدى ذلّا شاملا و سيفا قاطعا) و هو كناية عن ابتلائهم بعده بالقنل و الاستيصال و قد كان الأمر بعده على ما أخبر، و قتلوا بيد مهلب و غيره حتى أفناهم اللّه تعالى و تفصيل احوالهم و استيصالهم و مقاتلتهم مع المهلب مذكور في شرح المعتزلي من أراد الاطلاع فليرجع اليه (و اثرة يتّخذها الظالمون فيكم سنّة) يعنى أنّ الظالمين يختارون لأنفسهم في الفي‏ء و الغنايم أشياء حسنة، و ينفردون بها، أو أنّهم يفضّلون غيركم عليكم‏ في نصيبكم و يعطونهم دونكم.

الترجمة

از جمله كلام آن حضرتست كه تكلم كرده به آن با خوارج در وقتى كه ايشان گفتند ما و تو بجهت تحكيم خطا نموديم و كافر شديم و ما از كفر خود توبه نموديم بايست تو هم شهادت بدهى بر نفس خود با كفر و توبه كنى از آن پس تعرّض فرمود بايشان و گفت كه: برسد بشما عذاب و باقى نماند از شما مصلح كار ساز، آيا بعد از ايمان آوردن من بحضرت پروردگار و مجاهده نمودن من با رسول مختار شهادت بدهم بر نفس خود بكافر شدن و از دين برگشتن، هر آينه گمراه باشم اين هنگام كه شهادت بر كفر خود دهم، و نباشم از هدايت يافتگان پس برگرديد از بدترين جاى بازگشت بسوى حق، و رجوع نمائيد بحق بر اثر پاشنهاى خود، آگاه بشويد كه شما زود باشد كه ملاقات نمائيد بعد از من بخوارى فراوان و بشمشير بران و باشياء نفيسه كه فرا گيرند آنرا ظالمان در شما سنة جاريه يعنى بعد از من ظالمين خوب ترين مالهاى شما را از شما مى‏ گيرند و بجهت خودشان اختيار مى‏نمايند، و اين سنت مى ‏شود در ميان شما.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 56 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)پیشگویی وپیش بینی حضرت امیر علیه السلام

خطبه 57 صبحی صالح

57- و من كلام له ( عليه ‏السلام  ) في صفة رجل مذموم ثم في فضله هو ( عليه‏ السلام  )

أَمَّا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ

مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ

يَأْكُلُ مَا يَجِدُ

وَ يَطْلُبُ مَا لَا يَجِدُ

فَاقْتُلُوهُ

وَ لَنْ تَقْتُلُوهُ

أَلَا وَ إِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بِسَبِّي وَ الْبَرَاءَةِ مِنِّي

فَأَمَّا السَّبُّ فَسُبُّونِي

فَإِنَّهُ لِي زَكَاةٌ

وَ لَكُمْ نَجَاةٌ

وَ أَمَّا الْبَرَاءَةُ فَلَا تَتَبَرَّءُوا مِنِّي

فَإِنِّي وُلِدْتُ عَلَى الْفِطْرَةِ

وَ سَبَقْتُ إِلَى الْإِيمَانِ وَ الْهِجْرَةِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من كلام له عليه السّلام و هو السادس و الخمسون من المختار فى باب الخطب

أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، و يطلب ما لا يجد، فاقتلوه، و لن تقتلوه، ألا و إنّه سيأمركم بسبّي و البراءة منّي، فأمّا السّبّ فسبّوني، فإنّه لي زكاة و لكم نجاة، و أمّا البراءة فلا تتبرّؤا منّي، فإنّي ولدت على الفطرة،و سبقت إلى الإيمان و الهجرة.

اللغة

(ظهر) عليه غلب و (رحب البلعوم) و اسعه و البلعوم بضّم الباء مجرى الطعام في الحلق و (المندحق) البارز من اندحقت رحم النّاقة إذا خرجت من مكانه و (الفطرة) بالكسر الخلقة و المراد بها الاسلام.

الاعراب

أما بالفتح و التّخفيف حرف استفتاح بمنزلة ألا قال الرّضيّ كانّهما مركبان من همزة الانكار و حرف النّفى، و نفى النّفى اثبات ركبا لافادة الاثبات و التّحقيق و قول الشّارح البحراني يحتمل أن يكون المشدّدة و التّقدير أما بعد إنّه كذا، فيه أنّ أمّا الشّرطية يلزمها الفاء بعدها اللازمة للشّرط و لا يجوز حذفها إلّا في مقام الضّروره قال الشّاعر:

         فأمّا القتال لا قتال لديكم‏

و أيضا فانّهم قد قالوا في كتب الأدبيّة إنّ أمّا بعد أصله مهما يكن من شي‏ء بعد الحمد فوقعت كلمة أما موقع اسم هو المبتدأ و فعل هو الشّرط و تضمّنت معناهما فلتضمّنها معنى الابتداء لزمها لصوق الاسم اللّازم للمبتدأ أداء بحقّ ما كان و إبقاء له بقدر الامكان، و لتضمّنها معنى الشّرط لزمتها الفاء، فعلى ما ذكروه يستلزم حذف كلمة بعد القائها عن اصلها و عدم أداء الحقّ الواجب مراعاته.

المعنى

اعلم أنّ هذا الكلام له عليه السّلام اخبار ببعض ما يبتلى به أهل الكوفة بعده و أمر لهم بما يجب عليهم أن يعملوه حين الابتلاء بتلك البليّة فخاطبهم بقوله (أما انّه سيظهر عليكم بعدى رجل) أكول (رحب البلعوم مند حق البطن) و هو لفرط حرصه بالأكل (يأكل ما يجد و يطلب ما لا يجد) و حيث أدركتموه (فاقتلوه) لعدوله عن طريق السداد و كونه من أهل الزّندقة و الالحاد (و لن تقتلوه ألا و إنّه سيأمركم بسبّي) لشدّة ما فيه من الكفر و النّفاق (و بالبرائة منّي) لغلبة ما عليه من البغضاء و الشقاق (فأما السّبّ فسبّوني فانّه لي زكاة) إذ ذكر المؤمن بسوء هو زكاة له و سبّه ما ليس فيه هو زيادة في جاهه و شرفه كما ورد في الحديث (و لكم نجاة) إذ مع السّبّ يرتفع التهمة عنكم و لا يؤخذ بأعناقكم (و أما البراءة فلا تتبرّءوا منّي) و ذلك (فانّي ولدت على الفطرة) أى على فطرة الاسلام التي فطر النّاس عليها (و سبقت) النّاس (إلى الايمان و الهجرة).

و في هذا الكلام نكات شريفة ينبغي الاشارة اليها

الاول

أنّ هذا الكلام له عليه السّلام إخبار بما يكون قبل كونه باعلام من اللّه و تعليم من رسول اللّه، و نحو هذا قد وقع منه عليه السّلام كثيرا فوق حدّ الاحصاء في الوقايع الملحمة و الخطوب المعظمة حسبما يأتي في شرح الخطبة الثّانية و التسعين و غيرها أيضا، و لا باس بالاشارة إلى نبذ منها هنا.

مثل ما عن كتاب الغارات لابراهيم بن هلال الثقفي عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل، عن محمّد بن علي عليهما السّلام، قال قال لمّا قال عليّ عليه السّلام: سلوني قبل أن تفقدوني فو اللّه لا تسألوني عن فئة تضلّ مأئة و تهدى مأئة إلّا أنبأتكم بناعقها و سائقها، قام إليه رجل فقال: أخبرني بما في رأسى و لحيتي من طاقة شعر، فقال له عليّ عليه السّلام: و اللّه لقد حدّثني خليلي انّ على كلّ طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك، و أنّ على كلّ طاقة شعر من لحيتك شيطانا يغويك، و إنّ في بيتك سخل يقتل ابن رسول اللّه، و كان ابنه قاتل الحسين يومئذ طفلا يحبو، و هو سنان بن أنس النخعي.

و روى الحسن بن محبوب، عن ثابت الثّمالي، عن سويد بن غفلة أنّ عليّا خطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره فقال: يا أمير المؤمنين إنّى مررت بواد القرى فوجدت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له فقال عليه السّلام: ما مات و لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن حمّاد، فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال: يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حمّاد و انّي لك شيعة و محبّ، فقال: و أنت حبيب ابن حمّاد قال: نعم فقال له ثانية: و اللّه إنّك لحبيب بن حمّاد فقال اي و اللّه‏

قال: أما و اللّه إنّك لحاملها و لتحملنّها و لتدخلنّ بها من هذا الباب، و أشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة، قال ثابت فو اللّه مامتّ حتّى رأيت ابن زياد و قد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن عليّ و جعل خالد بن عرفطة على مقدّمته، و حبيب بن حمّاد صاحب رايته، و دخل بها من باب الفيل.

و روى عثمان بن سعيد، عن يحيى التّميمى عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجا قال قام أعشي باهله و هو غلام يومئذ حدث إلى علّي و هو يخطب و يذكر الملاحم، فقال: يا أمير المؤمنين ما أشبه هذا الحديث بحديث الخرافة، فقال: إن كنت آثما فيما قلت يا غلام فرماك اللّه بغلام ثقيف ثمّ سكت، فقال رجال: و من غلام ثقيف يا أمير المؤمنين قال: غلام يملك بلدتكم هذه لا يترك للّه حرمة إلّا انتهكها يضرب عنق هذا الغلام بسيفه.

فقالوا: كم يملك يا أمير المؤمنين قال: عشرين إن بلغها، قالوا فيقتل قتلا أم يموت موتا، قال: بل يموت حتف أنفه بداء البطن يثقب مريره لكثرة ما يخرج، قال اسماعيل بن رجا: فو اللّه لقد رأيت بعيني أعشى باهلة و قد احضر في جملة الاسرى الذين اسروا من جيش عبد الرّحمن بن محمّد بن الأشعث بين يدي الحجاج، فقرعه و ذبحه و استنشده شعره الذي يحرض فيه عبد الرّحمن على الحرب، ثمّ ضرب عنقه في ذلك المجلس.

و روى إبراهيم بن ميمون الأزدي عن حبّة العرنى قال: كان جويرية بن مسهر العبدي صالحا، و كان لعليّ بن أبى طالب صديقا، و كان عليّ يحبّه، و كان له شدّة اختصاص به حتّى دخل على عليّ يوما و هو مضطجع و عنده قوم من أصحابه، فناداه جويرية أيّها النّائم استيقظ فلتضر بنّ على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك، قال: فتبسّم أمير المؤمنين عليه السّلام قال: و أحدّثك يا جويرية بأمرك أما و الذي نفسي بيده لتعتلنّ إلى العتلّ الزّنيم فليقطعنّ يدك و رجلك و ليصلّبنك تحت جذع كافر، قال: فو اللّه ما مضت الأيّام على ذلك حتّى أخذ زياد جويرية، فقطع يده و رجله و صلبه إلى جانب جذع ابن مكعبر، و كان جذعا طويلا فصلبه على جذع‏ قصير إلى جانبه.

و عن كتاب الغارات عن أحمد بن الحسن الميثمي قال: كان ميثم التّمار مولى عليّ بن أبى طالب عبدا لا مرئة من بني أسد، فاشتراه عليّ منها و أعتقه، و قال له ما اسمك فقال: سالم فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أخبرني أنّ اسمك الذي سمّاك به أبوك في العجم ميثم، فقال: صدق اللّه و صدق رسوله و صدقت يا أمير المؤمنين فهو و اللّه اسمي قال: فارجع إلى اسمك و دع سالما فنحن نكنّيك به فكنّاه أبا سالم.

قال: و قد كان قد اطلعه عليّ عليه السّلام على علم كثير و أسرار خفيّة من أسرار الوصيّة، فكان ميثم يحدّث ببعض ذلك فيشكّ فيه قوم من أهل الكوفة و ينسبون عليا في ذلك إلى المخرفة و الايهام و التّدليس.

حتّى قال له يوما بمحضر من خلق كثير من أصحابه و فيهم الشّاك و المخلص: يا ميثم إنّك تؤخذ بعدي و تصلب، فاذا كان اليوم الثّاني ابتدر منخراك و فمك دما حتّى يخضب لحيتك، فاذا كان اليوم الثّالث طعنت بحربة يقضى عليك، فانتظر ذلك، و الموضع الذي تصلب فيه نخلة على باب دار عمرو بن حريث، إنّك لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة و أقربهم من المطهرة يعنى الأرض، و لارينّك النّخلة التي تصلب على جذعها، ثمّ أراه إيّاها بعد ذلك بيومين.

و كان ميثم يأتيها فيصلّي عندها و يقول: بوركت من نخلة، لك خلقت، ولي نبتّ، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل عليّ عليه السّلام حتّى قطعت، فكان يرصد جذعها و يتعاهده و يتردّد إليه و يبصره، و كان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إنّى مجاورك فأحسن جواري، فلا يعلم ما يريد فيقول له: أ تريد أن تشترى دار ابن مسعود أم دار ابن حكيم قال: و حجّ في السّنة التي قتل فيها، فدخل على أمّ سلمة رضي اللّه عنها، فقالت له: من أنت قال: عراقيّ فاستنسبته فذكر لها أنّه مولى عليّ بن أبي طالب، فقالت: و أنت ميثم قال: أنا ميثم، فقالت: سبحان اللّه و اللّه لربما سمعت رسول اللّه يوصي بك عليّا في جوف الليل فسألها عن الحسين بن عليّ عليه السّلام فقالت: هو في حايط له،

قال: أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه و نحن ملتقون عند ربّ العالمين إنشاء اللّه و لا اقدر اليوم على لقائه و أريد الرّجوع.

فدعت بطيب فطيب لحيته فقال لها: أما أنها ستخضب بدم فقالت: من أنباك هذا قال: أنبأني سيدي فبكت أمّ سلمة و قالت له: إنّه ليس بسيّدك وحدك و هو سيّدي و سيّد المسلمين ثمّ و دّعته.

فقدم الكوفة فاخذوا دخل على عبيد اللّه بن زياد، و قيل له: هذا كان من آثر النّاس عند أبي تراب، قال: و يحكم هذا الأعجمى قالوا: نعم، فقال له عبيد اللّه: أين ربك قال: بالمرصاد، قال: قد بلغنى اختصاص أبي تراب لك، قال: قد كان بعض ذلك فما تريد قال: و انّه ليقال إنّه قد أخبرك بما سيلقاك، قال نعم: أخبرني.

قال: ما الذي أخبرك أنّى صانع بك قال: أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة و أنا أقصرهم خشبة و أقربهم من المطهرة، قال: لاخالفنّه، قال: ويحك كيف تخالفه إنّما أخبر عن رسول اللّه، و أخبر رسول اللّه عن جبرئيل، و أخبر جبرئيل عن اللّه، فكيف تخالف هؤلاء أما و اللّه لقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه أين هو من الكوفة، و إنّى لأوّل خلق اللّه الجم في الاسلام بلجام كما يلجم الخيل، فحبسه و حبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي، فقال ميثم للمختار و هما في حبس ابن زياد: إنّك تفلت و تخرج ثائرا بدم الحسين فتقتل هذا الجبار الذي نحن في حبسه و تطاء بقدمك هذا على جبهته و خديه، فلما دعا عبيد اللّه بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد اللّه بن زياد يأمره بتخلية سبيله و ذاك أنّ اخته كانت تحت عبد اللّه بن عمر بن الخطاب، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد فشفع فأمضى شفاعته و كتب بتخلية سبيل المختار على البريد فوافى البريد و قد اخرج ليضرب عنقه فاطلق.

و أما ميثم فاخرج بعده ليصلب و قال عبيد اللّه لأمضينّ حكم أبي تراب فيك فلقاه رجل فقال له: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم فتبسّم فقال و هو يؤمي إلى‏ النخلة لها خلقت ولي غذّيت، فلما رفع على الخشبة اجتمع النّاس حوله على باب عمرو ابن حريث، فقال عمرو: و لقد كان يقول لي إنّى مجاورك فكان يأمر جاريته كلّ عشيّة أن تكنس تحت خشبته و ترشّه و تجمر بالمجمر تحته.

فجعل ميثم يحدّث بفضايل بني هاشم و مخازي بنى أميّة و هو مصلوب على الخشبة فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: ألجموه، فالجم، فكان أوّل خلق اللّه ألجم في الاسلام، فلما كان اليوم الثاني فاضت منخراه و فمه دما، فلما كان اليوم الثالث طعن بحربة فمات، و كان قتله قبل قدوم الحسين عليه السّلام العراق بعشرة أيام.

و روى صاحب الغارات عن زياد بن النّصر الحارثى قال كنت عند زياد و قد اتى برشيد الهجرى و كان من خواصّ أصحاب عليّ عليه السّلام فقال له زياد: ما قال لك خليلك إنّا فاعلون بك قال: تقطعون يدي و رجلي و تصلبونني فقال زياد: أما و اللّه لأكذّبنّ حديثه خلّوا سبيله، فلما أراد أن يخرج قال: ردّوه لا نجد شيئا أصلح ممّا قال لك صاحبك، إنّك لا تزال تبغي لنا سوء إن بقيت، اقطعوا يديه و رجليه، فقطعوا يديه و رجليه و هو يتكلّم، فقال: اصلبوه خنقا في عنقه، فقال رشيد: قد بقي لي عندكم شي‏ء ما أراكم فعلتموه، فقال زياد: اقطعوا لسانه، فلما أخرجوا لسانه ليقطع قال: خلّوا عنّي أتكلّم كلمة، فنفسوا عنه، فقال: هذا و اللّه تصديق خبر أمير المؤمنين أخبرني بقطع لساني، فقطعوا لسانه و صلبوه.

و في البحار من كتاب كشف الغمة، من كتاب لطف التّدبير لمحمد بن عبد اللّه الخطيب قال: حكي أنّ معاوية بن أبي سفيان قال لجلسائه بعد الحكومة: كيف لنا أن نعلم ما تؤل إليه العاقبة في أمرنا، قال جلساؤه: ما نعلم لذلك وجها، قال: فأنا استخرج علم ذلك من عليّ فانّه لا يقول الباطل.

فدعا ثلاثة رجال من ثقاته و قال لهم امضوا حتّى تصيروا جميعا من الكوفة على مرحلة، ثمّ تواطئوا على أن تنعوني بالكوفة و ليكن حديثكم واحد في ذكر العلّة و اليوم و الوقت و موضع القبر و من تولّى الصلاة عليه و غير ذلك حتى لا تختلفوا في شي‏ء ثمّ ليدخل أحدكم فليخبر بوفاتي، ثمّ ليدخل الثاني فيخبر بمثله، ثمّ ليدخل الثّالث فليخبر بمثل خبر صاحبه و انظروا ما يقول عليّ.

فخرجوا كما أمرهم معاوية ثمّ دخل أحدهم و هو راكب مغذّ«» شاحب فقال له النّاس بالكوفة: من أين جئت قال: من الشّام قالوا له: ما الخبر قال: مات معاوية، فأتوا عليّا عليه السّلام فقالوا رجل راكب من الشّام يخبر بموت معاوية فلم يحفل عليّ عليه السّلام بذلك، ثمّ دخل آخر من الغد و هو مغذّ فقال له النّاس: ما الخبر فقال: مات معاوية و خبر بمثل ما خبر صاحبه، فأتوا عليّا عليه السّلام فقالوا: رجل راكب يخبر بموت معاوية بمثل ما أخبر صاحبه و لم يختلف كلامهما، فأمسك عليّ عليه السّلام ثمّ دخل الآخر في اليوم الثّالث فقال النّاس: ما وراك قال: مات معاوية، فسألوه عمّا شاهد فلم يخالف قول صاحبيه، فأتوا عليّا فقالوا: يا أمير المؤمنين صحّ الخبر هذا راكب ثالث قد خبر بمثل ما خبر صاحباه.

فلمّا أكثروا عليه قال عليّ صلوات اللّه عليه، كلّا أو تخضب هذه من هذه يعني لحيته من هامته و يتلاعب بها«» ابن آكلة الاكباد، فرجع الخبر بذلك إلى معاوية هذا.

و الأنباء الغيبية منه عليه السّلام متجاوزة عن حدّ الاحصاء، و لو أردنا أن نجمع منها ما يسعها الطاقة و تناولها يد التّتبّع لصار كتابا كبير الحجم، و يأتي بعض منها في تضاعيف الشّرح، و منها إخباره بغرق البصرة و من في ضمنها و بقاء مسجدها كجؤجؤ سفينة في لجّة بحر على ما مرّ إليه الاشارة في كلامه الحادى عشر.

الثاني

اختلف الشّرّاح في الرّجل الذي أخبر عليه السّلام بظهوره على أهل الكوفة فقيل: هو زياد بن ابيه، و قيل: الحجاج بن يوسف، و قيل المغيرة بن شعبة، و الأكثرون على أنّ المراد به معاوية بن ابي سفيان، لاتّصافه بما وصفه عليه السّلام به من النّهم و كثرة الأكل، و كان بطينا يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه، و كان جوادا بالمال و الصّلاة و بخيلا على الأكل و الطعام.

يقال: إنّه مازح أعرابيا على طعامه و قد قدم بين يديه خروف، فأمعن الاعرابي في أكله فقال له ما ذنبه اليك انطحك أبوه، فقال الأعرابى (للأعرابى): و ما حنوك عليه أرضعتك أمّه، و قد روى أنّه كان يأكل فيكبر ثمّ يقول: ارفعوا فو اللّه ما شبعت و لكن مللت و تعبت.

قال في شرح المعتزلي تظاهرت الأخبار أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دعا على معاوية لمّا بعث إليه يستدعيه فوجده يأكل ثمّ بعث فوجده يأكل فقال: اللهمّ لا تشبع بطنه قال الشّاعر:

         و صاحب لي بطنه كالهاوية            كانّ في أمعائه معاوية

و يدلّ على ما ذكرنا من أنّ مراده عليه السّلام بالرّجل الموصوف معاوية قوله: أما أنّه سيأمركم بسبّي و البراءة منّي، فانّ غيره ممّن ذكرنا و إن كان يأمر بالبرائة و السّب أيضا إلّا أنّ هذا الملعون ابن الملعون قد أخذ ذلك شعارا له، و قد أمر النّاس بالشّام و العراق بسبّه و البراءة منه، و خطب بذلك على منابر الاسلام حتّى صار ذلك سنة في أيام بني أميّة على ما يأتي تفصيله في شرح الكلام السّابع و التسعين إلى أن قام عمر بن عبد العزيز، فأزاله.

روى الجاحظ أنّ قوما من بني امية قالوا لمعاوية يا أمير المؤمنين إنك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن لعن هذا الرّجل، فقال: لا و اللّه حتّى يربو عليها الصغير و يهرم عليها الكبير و لا يذكر له ذاكر فضلا.

و أمّا السّبب في منع عمر بن عبد العزيز عن ذلك فهو على ما روى عنه أنّه قال: كنت غلاما أقرء القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود، فمرّ بي يوما و أنا ألعب مع الصّبيان و نحن نلعن عليا، فكره ذلك و دخل المسجد فتركت الصّبيان و جئت إليه لادرس عليه وردى، فلمّا رءانى قام و صلّى و أطال في الصّلاة شبه المعرض عنّى حتّى أحسست منه بذلك فلمّا انفتل من صلاته كلح في وجهى، فقلت له: مابال الشّيخ، فقال لي: يا بنىّ أنت اللاعن عليّا منذ اليوم، قلت: نعم، قال: فمتى علمت أنّ اللّه سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم فقلت: يا ابه و هل كان عليّ من أهل بدر فقال: ويحك و هل كان بدر كلّها إلّا له، فقلت: لا أعود، فقال: اللّه انك لا تعود، قلت: نعم، فلم العنه بعدها ثمّ كنت احضر تحت منبر المدينة و أبي يخطب يوم الجمعة و هو حينئذ أمير المدينة فكنت أسمع يمرّ في خطبه حتّى تهدر شقاشقه حتّى يأتي إلى لعن عليّ فيجمجم و يعرض له من الفهاهة و الحصر ما اللّه عالم به، فكنت أعجب من ذلك فقلت له يوما: أنت أفصح النّاس و أخطبهم فما بالى أراك أفصح خطيب يوم حفلك و إذا مررت بلعن هذا الرّجل صرت ألكن عييّا فقال: يا بنيّ إنّ من ترى تحت منبرنا من أهل الشّام و غيرهم لو علموا من فضل هذا الرّجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد، فوقرت كلمته في صدرى مع ما كان قال لي معلمي ايام صغرى، فأعطيت اللّه عهدا لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لاغيّرن، فلما منّ اللّه علىّ بالخلافة أسقطت ذلك و جعلت مكانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى‏ وَ يَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ و كتبت به إلى الآفاق فصار سنّة و عن مروج الذهب جعل مكانه: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ و في هذا المعنى قال السّيد الرّضى رحمة اللّه عليه:

يابن عبد العزيز لو بكت العين
فتا من أميّة لبكيتك‏

غير انّي أقول إنّك قد طبت‏
و إن لم يطب و لم يزك بيتك‏

أنت نزّهتنا عن السّبّ و القذف
فلو أمكن الجزاء جزيتك‏

و لو إنّي رأيت قبرك لاستحييت‏
من أن أرى و ما حيّيتك‏

و قليل أن لو بذلت دماء البدن
صردا على الذي اسقيتك‏

دير سمعان«» فيك نادى أبي حفص‏
يؤدي لو انني اوتيتك‏

دير سمعان لا أعبك«» غيث
خير ميت من آل مروان ميتك‏

أنت بالذكر بين عيني و قلبى‏
إن تدا نيت منك أو إن نأيتك‏

و عجبت إنّي قليت بني مروان
كلّا و أنّنى ما قليتك‏

قرب العدل منك لما نأى الجور
منهم فاحتويتهم و اجتبيتك‏

فلو انّى ملكت دفعا لما نابك
من طارق الرّدى لفديتك

 

«»الثالث

لقائل أن يقول: ما الفرق بين السّبّ و التبرّى حيث رخّص في الأوّل و نهى عن الثاني مع أنّ السّبّ أفحش من التبرّى قال الشّارح المعتزلي: لأنّ هذه اللفظة ما وردت في القرآن العزيز إلّا عن المشركين ألا ترى إلى قوله:

 بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

و قال تعالى: وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى فقد صارت بحسب العرف الشّرعي مطلقة على المشركين خاصّة، فاذن يحمل هذا النّهى على ترجيح تحريم لفظ البراءة على لفظ السّبّ و إن كان حكمهما واحدا أقول و التحقيق في الجواب ما ذكره الشّارح البحراني حيث قال: إنّ السّبّ من صفات القول اللساني و هو أمر يمكن ايقاعه من غير اعتقاده مع احتماله التّعريض و مع ما يشتمل عليه من حقن دماء المأمورين و نجاتهم بامتثال الأمر به و أمّا التبرّء فليس بصفة قوليّة فقط بل يعود إلى المجانبة القلبيّة و المعاداة و البغض و هو المنهىّ عنه ههنا، فانّه أمر باطن يمكنهم الانتهاء عنه و لا يلحقهم بسبب تركه و عدم امتثال الأمر به ضرر، و كأنّه لحظ فيه قوله تعالى إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ الآية.

و محصّله ارجاع النّهى عن التبريّ فى قوله: و لا تتبرّؤا، على التّبرّى بالقلب دون التّبرّى بمجرّد اللسان مع اطمينان القلب بالايمان، و يدل على ذلك ما يأتي في حديث الطبيب اليوناني مع أمير المؤمنين عليه السّلام في شرح الفصل الأوّل من الخطبة المأة و السّابعة، من أمره عليه السّلام له باظهار التّبرّى في مقام التّقية، و يستفاد من بعض الأخبار أنّ ترك كلمة الكفر و الصّبر على القتل أفضل من التقيّة و هو ما رواه المحدّث الجزائرى.

قال في زهر الرّبيع: روى أنّ مسيلمة الكذّاب أخذ رجلين من المسلمين فقال لأحدهما: ما تقول في محمّد قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: فما تقول فيّ قال: أنت أيضا، فخلاه، و قال للآخر فما تقول في محمّد قال: رسول اللّه، قال: فما تقول فيّ قال: أنا أصمّ، فأعاد عليه ثلاثا، فأعاد جوابه الأوّل فقتله، فبلغ ذلك رسول اللّه‏

فقال: أمّا الأوّل فقد أخذ برخصة اللّه، و أمّا الثّاني فقد صدع بالحقّ فهنيئا له

الترجمة

از جمله كلام بلاغت انجام آن حضرت است كه فرمود بأصحاب خود: آگاه باشيد كه زود باشد غالب شود بر شما بعد از من مردى گشاده گلوى بر آمده شكم كه مى‏ خورد آنچه را كه يابد و مى‏ جويد آنچه را كه نيابد، منظور معاوية بن ابي سفيان عليه اللعنة و النيرانست پس بكشيد آنرا و حال آنكه هرگز نخواهيد كشت، بدانيد بدرستى زود باشد كه امر نمايد شما را آن مرد بناسزا گفتن بمن و به تبرّى كردن از من، پس اما ناسزا گفتن پس ناسزا گوئيد مرا از جهة اين كه آن ناسزا گفتن شما باعث پاكيزگى من است و سبب نجاة و خلاصى شماست و اما برائت و بيزارى پس تبرّى نكند از جهة اين كه من مولود شده‏ام بر فطرة اسلام و پيشى گرفته‏ام بر هجرت و ايمان و معلوم است كسى كه متّصف باين صفت باشد تبرى از او جايز و سزا نيست، بلكه باعث عذاب ابديست و سبب عقاب دائمى

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 55 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 56 صبحی صالح

56- و من كلام له ( عليه‏ السلام  ) يصف أصحاب رسول الله و ذلك يوم صفين حين أمر الناس بالصلح‏

وَ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى ‏الله‏ عليه‏ وآله  )

نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَ أَبْنَاءَنَا وَ إِخْوَانَنَا وَ أَعْمَامَنَا

مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلَّا إِيمَاناً وَ تَسْلِيماً

وَ مُضِيّاً عَلَى‏ اللَّقَمِ

وَ صَبْراً عَلَى مَضَضِ الْأَلَمِ

وَ جِدّاً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ

وَ لَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَ الْآخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا

يَتَصَاوَلَانِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ

يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا

أَيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ

فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا

وَ مَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا

فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ

وَ أَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ

حَتَّى اسْتَقَرَّ الْإِسْلَامُ مُلْقِياً جِرَانَهُ

وَ مُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ

وَ لَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ

مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ

وَ لَا اخْضَرَّ لِلْإِيمَانِ عُودٌ

وَ ايْمُ اللَّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً

وَ لَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من كلام له عليه السّلام و هو الخامس و الخمسون من المختار في باب الخطب

و قد قاله في قصّة ابن الحضرمي بعد إصابة محمّد بن أبي بكر بمصر حسبما تطلع عليه لا في يوم صفّين على ما زعمه الشّارح البحرانى و لقد كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نقتل آبائنا و أبنائنا و إخواننا و أعمامنا ما يريدنا ذلك إلّا إيمانا و تسليما، و مضيّا على اللّقم، و صبرا على مضض الألم، و جدّا في جهاد العدوّ، و لقد كان الرّجل منّا و الآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيّهما يسقي‏ صاحبه كأس المنون، فمرّة لنا من عدوّنا و مرّة لعدوّنا منّا، فلمّا رأى اللّه صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت، و أنزل علينا النّصر، حتّى استقرّ الاسلام ملقيا جرانه، و متبوّء أو طانه و لعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم ما قام للدّين عمود، و لا اخضرّ للإيمان عود، و أيم اللّه لتحتلبنّها دما، و لتتبعنّها ندما.

اللغة

(لقم) الطريق بالتّحريك الجادّة الواضحة و (المضض) بفتح الأوّل و الثاني أيضا وجع الالم و (الصّولة) الحملة و التصاول مأخوذ منه و هو أنّ يحمل كلّ واحد من القرنين على صاحبه و (التخالس) التّسالب و (الكبت) الاذلال و (جران) البعير مقدّم عنقه من مذبحه إلى منحره و (تبوّأت) المنزل نزلته

الاعراب

جملة يتصاولان في محلّ النّصب على الخبريّة، و أيّهما يسقى بالرّفع مرفوع على الابتداء، و جملة يسقى خبره و اىّ هذه استفهاميّة لا يجوز كونها موصولة لفساد المعنى مضافا إلى أنّ الموجود في النّسخ رفعها، و لو كانت موصولة لا بدّ من انتصابها قال نجم الأئمة الرّضيّ: يتبيّن الاستفهام من غيره في أىّ لكونه معربا تقول في الاستفهام علمت أيهم قام برفع أىّ، و إذا كان موصولا قلت علمت أيّهم قام بنصبه و ليس معنى الاستفهام هنا هو استفهام المتكلّم للزوم التّناقض لأنّ علمت المقدّم على أيّهم مفيد أنّ قائل هذا الكلام عارف بنسبة القيام إلى القائم المعيّن، لأنّ العلم واقع على مضمون الجملة فلو كان أىّ لاستفهام المتكلّم لكان دالّا على أنّه لا يعرف انتساب القيام إليه، لأنّ ايّهم قام استفهام عن مشكوك فيه هو انتساب القيام إلى معين ربّما يعرفه الشّاك بانّه زيد أو غيره، فيكون المشكوك فيه اذن النّسبة و قد كان المعلوم هو تلك النّسبة و هو تناقض فنقول اذن أداة الاستفهام لمجرّد الاستفهام‏ لا لاستفهام المتكلّم و المعنى عرفت المشكوك فيه الذي يستفهم عنه و هو أنّ نسبة القيام إلى أىّ شخص هي ثمّ قال: ثمّ اعلم أنّ جميع أدوات الاستفهام ترد على الوجه المذكور أى لمجرّد الاستفهام لا لاستفهام المتكلّم بعد كلّ فعل شكّ لا ترجيح فيه لأحد الجانبين على الآخر لتبيين المشكوك فيه نحو شككت أزيد في الدّار أم عمرو، و نسيت أو تردّدت أقوم أم أقعد، كما ترد بعد كلّ فعل يفيد العلم كعلمت و تبيّنت و دريت و بعد كلّ فعل يطلب به العلم كفكرت و امتحنت و بلوت و سألت و استفهمت و جميع أفعال الحواس الخمس كلمست و أبصرت و نظرت و استمعت و شممت و ذقت، تقول: تفكرت أزيد يأتيني أم عمرو، و قد يضمر الدّالّ على التفكّر كقوله تعالى: يَتَوارى‏ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ يُمْسِكُهُ عَلى‏ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ.

أى مفكّرا أ يمسكه أم يدسّه و في نهج البلاغة: يتخالسان أنفسهما أيّهما يسقى صاحبه كأس المنون، أى مفكّرين أيّهما يسقى انتهى كلامه رفع مقامه و مرّة، منصوب على الظرفيّة و العامل محذوف تقديره فمرّة تكون الدوالة لنا من عدوّنا و مرّة تكون له منّا، و ملقيا و متبوء منصوبان على الحاليّة، و دما و ندما منصوبان على التّميز

المعنى

اعلم أنّ مقصوده بهذا الكلام توبيخ أصحابه على التّثاقل عن الجهاد و التّقصير في الحرب، فمهّد قبل الاتيان بمقصوده مقدّمة تهييجا لهم و الهابا بالاشارة إلى حاله و حال ساير الصّحابة في الثّبات على الشّدايد و تحمّل المشاق في الحروب في زمن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله.

و ذلك قوله: (و لقد كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نقتل آبائنا و أبنائنا و اخواننا و أعمامنا) ابتغاء لمرضات اللّه (ما يزيدنا ذلك إلّا ايمانا) باللّه (و تسليما) لقضاء اللّه‏ (و مضيّا على اللّقم) و الجادّة الوسطى (و صبرا على مضض الألم) و مرارة البلاء (و جدّا في جهاد العدوّ) و الخصماء (و لقد كان الرّجل منّا و الآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما) مفكرين (أيّهما يسقى صاحبه كأس المنون) و جرع الموت (فمرّة) كانت الدّوالة (لنا من عدوّنا و مرّة) اخرى كانت (لعدوّنا منّا فلمّا رأى اللّه صدقنا) و علم استعدادنا و قابليّتنا بمشاهدة الصّبر و الثبات الذي كان منّا (أنزل بعدوّنا الكبت) و الخذلان (و أنزل علينا النّصر) و التّأييد.

كما قال سبحانه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (حتّى) انتظم أمر الدّين و (استقرّ الاسلام ملقيا جرانه) تشبيه الاسلام بالبعير استعارة بالكناية و اثبات الجران تخييل و ذكر الالقاء ترشيح و كذلك قوله (و متبوّء أوطانه) استعار لفظ التبوّء و نسبه إلى الأوطان تشبيها له بمن كان من النّاس خائفا متزلزلا غير مستقرّ ثمّ اطمأنّ و استقرّ في وطنه، و استعار لفظ الأوطان لقلوب المؤمنين و كنّى يتبوّء أوطانه عن استقراره فيها ثمّ إنّه بعد ما مهّد المقدّمة التي أشرنا اليها رجع إلى ما هو مقصوده الأصلي من سوق الكلام، و هو تنبيه الأصحاب على التّقصير و التفريط فقال: (و لعمرى لو كنّا نأتي) مثل (ما أتيتم) يعنى لو قصرنا في بدو الاسلام كتقصيركم اليوم (ما قام للدّين عمود و لا اخضرّ للايمان عود) الأوّل تشبيه للدّين بالبيت ذي العمود الذي قوائمه عليه و لولاه لا نهدم و خرب و الثاني تشبيه للايمان بالشّجرة ذات الفروع و الاغصان التي بهجتها و نضارتها بها (و أيم اللّه لتحتلبنّهادما) قال البحراني استعار لفظ حلب الدّم لثمرة تقصيرهم و تخاذلهم عمّا يدعوهم إليه من الجهاد، و لاحظ في تلك الاستعارة تشبيههم لتقصيرهم في أفعالهم‏ بالنّاقة التي اصيب ضرعها ناقة من تفريط صاحبها فيها، و الضّمير المؤنث يرجع في المعنى إلى أفعالهم، و كذلك الضّمير في قوله: (و لتتبعنّها ندما) فانّ ثمرة التّفريط النّدامة

تنبيه

زعم الشّارح البحراني أنّ هذا الكلام صدر منه يوم صفّين حين أقرّ النّاس بالصّلح و أنّه هو الذي قدّمنا ذكره في شرح الخطبة الخامسة و الثلاثين برواية نصر ابن مزاحم عند شرح كيفيّة التّحكيم، و لكنّ الأظهر بملاحظة الاختلاف بين ما هنا و ما سبق أنّه ليس بذلك، و المستفاد من رواية الواقدي الآتية أنّه قال في قضيّة ابن الحضرمي.

و أصل تلك القضيّة على ما رواه ملخّصا في البحار من كتاب الغارات لابراهيم ابن محمّد الثقفي هو أنّ معاوية لمّا أصاب محمّد بن أبي بكر بمصر بعث عبد اللّه بن عامر الحضرمي إلى أهل البصرة ليدعوهم إلى نفسه و إلى الطلب بدم عثمان، فلما أتاهم و قرء عليهم كتاب معاوية اختلفوا، فبعضهم ردّوا و أكثرهم قبلوا و أطاعوا، و كان الأمير يومئذ بالبصرة زياد بن عبيد، و قد استخلف عبد اللّه بن العبّاس و ذهب إلى عليّ ليعزيه عن محمّد بن أبي بكر فلمّا رأى زياد إقبال النّاس على ابن الحضرمي استجار من الأزد و نزل فيهم، و كتب إلى ابن عبّاس و أخبره بما جرى، فرفع ابن عبّاس ذلك إلى عليّ عليه السّلام و شاع في النّاس بالكوفة ما كان من ذلك و اختلف أصحابه عليه السّلام فيمن يبعثه اليهم فقال عليه السّلام: تناهوا أيّها النّاس و ليرد عكم الاسلام و وقاره عن التباغي و التّهاوي، و لتجتمع كلمتكم، و الزموا دين اللّه الذي لا يقبل من أحد غيره، و كلمة الاخلاص التي هي قوام الدّين، و حجّة اللّه على الكافرين، و اذكروا إذ كنتم قليلا مشركين متباغضين متفرّقين، فألف بينكم بالاسلام، فكثّرتم و اجتمعتم و تحاببتم، فلا تتفرّقوا بعد إذ اجتمعتم، و لا تباغضوا بعد إذ تحاببتم، و إذا رأيتم النّاس و بينهم النّايرة و قد تداعوا إلى العشائر و القبائل فاقصدوا لهامهم و وجوههم بسيوفكم حتى يفرغوا إلى اللّه و كتابه و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و آله، فأمّا تلك الحمية فانها من خطوات الشيطان فانتهوا عنها لا أبا لكم‏

ثمّ قال: و قال ابن أبي الحديد: و روى الواقدي أنّ عليّا استنفر بني تميم أيّاما لينهض منهم إلى البصرة من يكفيه أمر ابن الحضرمي و يردّ عاوية بني تميم الذين أجاروه بها، فلم يجبه أحد فخطبهم و قال: أليس من العجب أن ينصرني الأزد و يخذلني مضر، و أعجب من ذلك تقاعد بني تميم الكوفة بي و خلاف بني تميم البصرة و أن أستنجد بطائفة منهم ما يشخص إلى أحد منها فيدعوهم إلى الرّشاد فان أجابت و إلّا فالمنابذة و الحرب، فكأني اخاطب صمّا بكما لا يفقهون حوراء و لا يجيبون نداء، كلّ ذلك حبّا عن النّاس و حبّا للحياة، لقد كنّا مع رسول اللّه نقتل آبائنا إلى آخر ما مرّ في المتن قال: فقام إليه أعين بن صبيعة المجاشعي فقال: أنا إنشاء اللّه أكفيك يا أمير المؤمنين هذا الخطب و أتكفّل لك بقتل ابن الحضرمي و إخراجه عن البصرة، فأمره بالتّهيؤ للشخوص فشخص حتّى قدم البصرة قال: قال الثّقفي في كتاب الغارات: فلمّا قدمها دخل على زياد و هو بالأزد مقيم فرحّب به و أجلسه إلى جانبه فأخبره بما قال له عليّ و أنّه ليكلّمه إذ جاءه كتاب من عليّ فيه: من عبد اللّه أمير المؤمنين عليّ إلى زياد بن عبيد، سلام عليك أمّا بعد فانّي قد بعثت أعين بن صبيعة ليفرّق قومه عن ابن الحضرمي فارقب ما يكون منه فان فعل و بلغ من ذلك ما يظنّ به و كان في ذلك تفريق تلك الأوباش فهو ما نحبّ، و إن ترامت الامور بالقوم إلى الشّقاق و العصيان فانبذ من أطاعك إلى من عصاك فجاهدهم، فان ظفرت فهو ما ظننت، و الّا فطاولهم و ما طلهم فكان كتائب المسلمين قد أظلت عليك، فقتل اللّه الظالمين المفسدين، و نصر المؤمنين المحقّين و السّلام فلمّا قرأه زياد أقرئه أعين بن صبيعة فقال له: إنّي لأرجو أن يكفى هذا الأمر إنشاء اللّه، ثمّ خرج من عنده فأتى رحله فجمع إليه رجالا من قومه فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: يا قوم على ما ذا تقتلون أنفسكم و تهريقون دمائكم على الباطل مع السّفهاء و الاشرار، و إنّى و اللّه ما جئتكم حتّى عبّيت إليكم الجنود، فان تنيبوا إلى الحقّ نقبل منكم و نكفّ عنكم، و إن أبيتم فهو و اللّه استيصالكم و بواركم فقالوا بل نسمع و نطيع فقال: انهضوا اليوم على بركة اللّه، فنهض بهم على جماعة ابن الحضرمي فخرجوا إليه فصافوه و وافقهم عامّة يومه يناشدهم اللّه و يقول: يا قوم لا تنكثوا بيعتكم و لا تخالفوا إمامكم و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا، فقد رأيتم و جرّبتم كيف صنع اللّه بكم عند نكثكم بيعتكم و خلافكم، فكفّوا عنه و هم فى ذلك يشتمونه فانصرف عنهم و هو منهم منتصف فلمّا آوى إلى رحله تبعه عشرة نفر يظنّ الناس أنهم خوارج فضربوه بأسيافهم و هو على فراشه لا يظنّ انّ الذي كان يكون فخرج يشتدّعريانا فلحقوه في الطريق فقتلوه فكتب زياد إلى عليّ عليه السّلام ما وقع، و كتب أني أرى أن تبعث إليهم جارية بن قدامة فانه نافذ البصيرة، و مطاع في العشيرة، شديد على عدوّ أمير المؤمنين فلما قرء الكتاب دعا جارية فقال عليه السّلام، يابن قدامة تمنع الأزد عاملي و بيت مالي و تشاقّني مضروتنا بذني و بنا ابتدأها اللّه بالكرامة، و عرفها الهدى و تدعو الى المعشر الذين حادّوا اللّه و رسوله و أرادوا إطفاء نور اللّه سبحانه حتّى علت كلمته عليهم و أهلك الكافرين.

فروى إبراهيم باسناده عن كعب بن قعين قال: خرجت مع جارية من الكوفة في خمسين رجلا من بني تميم و ما كان فيهم يمانيّ غيري و كنت شديد التّشيّع فقلت لجارية إن شئت كنت معك و إن شئت ملت إلى قومي، فقال، بل سر معي فو اللّه لوددت أنّ الطير و البهايم تنصرني عليهم فضلا عن الانس، فلما دخلنا البصرة بدء بزياد فرحّب به و أجلسه إلى جانبه و ناجاه ساعة و سائله، ثمّ خرج فقام في الأزد فقال: جزاكم اللّه من حيّ خير الجزاء، ثمّ قرء عليهم و على غيرهم كتاب أمير المؤمنين فاذا فيه: من عبد اللّه أمير المؤمنين إلى من قرء عليه كتابي هذا من ساكني البصرة من المؤمنين و المسلمين، سلام عليكم أمّا بعد فانّ اللّه حليم ذو اناة لا يعجل بالعقوبة قبل البيّنة،و لا يأخذ المذنب عند أوّل و هلة، و لكنّه يقبل التّوبة، و يستديم الاناة، و يرضى بالانابة ليكون أعظم للحجّة و أبلغ في المعذرة.

و قد كان من شقاق جلّكم أيّها النّاس ما استحققتم أن تعاقبوا عليه، فعفوت عن مجرمكم، و رفعت السّيف عن مدبركم، و قبلت من مقبلكم، و أخذت بيعتكم، فان تفوا ببيعتي و تقبلوا نصيحتي و تستقيموا على طاعتي، أعمل فيكم بالكتاب و قصد الحقّ، و اقم فيكم سبيل الرّشد، فو اللّه ما أعلم أنّ واليا بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله أعلم بذلك منّي و لا أعلم، أقول قولي هذا صادقا غير ذامّ لمن مضى و لا منتقصا لأعمالهم و إن خطت بكم الأهواء المردية و سفه الرّأى الجائر إلى منا بذتي و تريدون خلافي فها أناذا قربت جيادى و رحلت ركابي.

و أيم اللّه لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل عندها إلّا كلعقة لاعق، و إنّي لظانّ إنشاء اللّه أن لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا، و قد قدمت هذا الكتاب حجة عليكم، و ليس أكتب إليكم من بعده كتابا إن أنتم استغششتم نصيحتي، و نابذتم رسولي حتّى أكون، أنا الشّاخص نحوكم إنشاء اللّه و السّلام.

فلما قرء الكتاب على النّاس قام صبرة بن شقان فقال: سمعنا و أطعنا و نحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب، و لمن سالم سلم، إن كفيت يا جارية قومك بقومك فذاك، و إن أحببت أن ننصرك نصرناك، و قام وجوه النّاس فتكلّموا مثل ذلك فلم يأذن لأحد أن يصير معه و مضى نحو بني تميم و كلّمهم فلم يجيبوه، و خرج منهم أوباش فنا و شوه بعد أن شتموه، فأرسل إلى زياد و الأزد يستصرخهم و يأمرهم أن يسيروا إليه.

فسارت الأزد بزياد، و خرج إليهم ابن الحضرمي فاقتتلوا ساعة و اقتتل شريك ابن أعور الحارثي و كان من شيعة عليّ و صديقا لجارية، فما لبث بنو تميم أن هزموهم و اضطروهم إلى دار سبيل السّعدي، فحصروا ابن الحضرمي فيها، و أحاط جارية و زياد بالدّار، و قال جارية علىّ بالنّار، فقالت الأزد: لسنا من الحريق‏ في شي‏ء و هم قومك و أنت أعلم، فحرق جارية الدّار عليهم، فهلك ابن الحضرمي في سبعين رجلا أحدهم عبدّ الرحمن بن عثمان القرشي، و سارت الأزد بزياد حتّى أوطئوا قصر الامارة، و معه بيت المال و قالت له: هل بقى علينا من جوارك شي‏ء قال: لا، فانصرفوا عنه و كتب زياد إلى أمير المؤمنين: أمّا بعد فانّ جارية بن القدامة العبد الصالح قدم من عندك، فناهض جمع ابن الحضرمي ممّن نصره و أعانه من الأزد، فقصّه و اضطره إلى دار من دور البصرة في عدد كثير من أصحابه، فلم يخرج، حتّى حكم اللّه بينهما، فقتل ابن الحضرمي و أصحابه، منهم من احرق و منهم من القى عليه جدار و منهم من هدم عليه البيت من أعلاه، و منهم من قتل بالسّيف، و سلم منهم نفر فتابوا و أنابوا فصفح عنهم، و بعد المن عصى و غوى و السّلام على أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته.

فلما وصل الكتاب قرأه على النّاس فسرّ بذلك و سرّ أصحابه و أثنى على جارية و على الأزد، و ذمّ البصرة فقال إنّها أوّل القرى خرابا إمّا غرقا و إما حرقا حتّى يبقى مسجدها كجؤجؤ سفينة.

الترجمة

از جمله كلام آن حضرتست در بيان حال اصحاب سيد ابرار و تحريص اصحاب خود را بر اين كه متابعت نمايند بر ايشان در افعال و كردار و ثابت قدم باشند در روز مصاف و كارزار كه مى‏ فرمايد: و هر آينه بتحقيق بوديم ما با رسول خدا صلوات اللّه و سلامه عليه و آله در حالتى كه مى ‏كشتيم پدران خود را و پسران خود را و برادرها و عموهاى خود را، زياده نمى ‏ساخت ما را آن كشتن مگر ايمان و تسليم و گذشتن بر راه راست مستقيم و صبر نمودن بر سوزش الم و محن و جد و جهد كردن در محاربه دشمن، و هر آينه بود در زمان پيغمبر كه مردى از ما و مردى ديگر از دشمن ما حمله مى‏آوردند بر يكديگر مثل حمله آوردن دو نر با قوّه تمامتر كه مى ‏ربودند نفس يكديگر درحالتى كه فكر مى ‏نمودند كه كدام يك از ايشان مى‏ نوشاند به همراه خود كاسه مرگ را.

پس يك بار نوبت گردش دولت ما را بود از دشمن ما، و بار ديگر دشمن ما را بود از ما، پس چون كه ديد حق سبحانه و تعالى صدق و راستى ما را نازل فرمود بر دشمن ما ذلت و خوارى را، و نازل فرمود بر ما نصرت و يارى را، تا اين كه قرار گرفت دين اسلام در حالتى كه افكنده بود پيش گردن را بر زمين مثل شتر آرام گيرنده، و جاى گيرنده بود در مكانهاى خود كه عبارتست از قلوب مؤمنان گرونده.

و سوگند به زندگانى خودم كه اگر مى‏ بوديم ما در آن زمان كه مى ‏آمديم با مثل آنچه كه شما آمديد به آن يعنى تقصير مى ‏كرديم در حرب چنانچه شما تقصير مى ‏كنيد بر پاى نمى‏ شد از براى دين هيچ ستونى، و سبز نمى ‏شد از براى ايمان هيچ شاخ و دعوي، و بحق خدا سوگند هر آينه مى‏ دوشيد از آن حالت تقصير خون را بعوض شير، و در مى ‏آوريد پشيمانى را عقب آن حالت تفريط و تقصير، و اللّه أعلم بحقايق كلماته.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 54 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 55 صبحی صالح

55- و من كلام له ( عليه ‏السلام  ) و قد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين‏

أَمَّا قَوْلُكُمْ أَ كُلَّ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ

فَوَاللَّهِ مَا أُبَالِي دَخَلْتُ إِلَى الْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ الْمَوْتُ إِلَيَّ

وَ أَمَّا قَوْلُكُمْ شَكّاً فِي أَهْلِ الشَّامِ

فَوَاللَّهِ مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً

إِلَّا وَ أَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي

وَ تَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي

وَ ذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلَالِهَا

وَ إِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من كلام له عليه السّلام و هو الرابع و الخمسون من المختار فى باب الخطب

و قد استبطأ اصحابه اذنه لهم في القتال بصفين أمّا قولكم أكلّ ذلك كراهية الموت فو اللّه ما أبالي أدخلت إلى الموت أو خرج الموت إليّ، و أمّا قولكم شكاّ في أهل الشّام فو اللّه ما دفعت الحرب يوما إلّا و أنا أطمع أن تلحق بي طايفة فتهتدي بي و تعشو إلى ضوئي و ذلك أحبّ إلىّ من أن أقتلها على ضلالها و أن كانت تبوء بآثامها.

اللغة

(عشى) إلى نار و إليها يعشو عشوا رآها ليلا من بعيد ببصر ضعيف فقصدها، و يقال لكلّ قاصد عاش، قال الشّاعر:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره            تجد خير نار عندها خير موقد

و (باء) باثمه رجع به قال سبحانه: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ اى ترجع إلى ربّك متلبّسا باثمي و اثمك

الاعراب

كلّ ذلك في بعض النّسخ بالنّصب فيكون مفعولا لفعل محذوف، و كراهيّة منصوب على المفعول لاجله اى تفعل كلّ ذلك لأجل كراهيّة الموت، و في أكثر النّسخ كلّ مرفوع فيكون مبتدأ محذوف الخبر تقديره أكلّ هذا مفعول او تفعله كراهية للموت، و جوز في الكراهية الرّفع أيضا على قراءة كلّ بالرّفع على أنّه خبر منه و شكّا منصوب على أنّه مفعول له أيضا و عامله محذوف أى إنّي اسامح في القتال للشّكّ، او منصوب على المصدريّة أى أشكّ شكّا

المعنى

اعلم أنّه قد روى أنّه لمّا ملك أمير المؤمنين الماء بصفّين و سمح بأهل الشّام في المشاركة و المساهمة رجاء أن يعطفوا إليه استمالة لقلوبهم و إظهار المعدلة و حسن السّيرة فيهم، مكث أيّاما لا يرسل إلى معاوية أحدا و لا يأتيه من عنده أحد، قال له أهل العراق: يا أمير المؤمنين خلّفنا نسائنا و ذرارينا بالكوفة و جئنا إلى أطراف الشّام لنتّخذها وطنا ائذن لنا في القتال فانّ النّاس قد قالوا، قال لهم: ما قالوا فقال منهم قائل: إنّ النّاس يظنّون أنّك تكره الحرب كراهية للموت و أنّ من النّاس من يظنّ أنّك في شكّ من قتال أهل الشّام فأجابهم عليه السّلام بذلك و ردّ زعم الفرقة الاولى بقوله (أمّا قولكم أكل ذلك كراهيّة الموت فو اللّه ما أبالى أدخلت إلى الموت أو خرج الموت إلى) ضرورة أنّ العارف باللّه بمعزل عن تقيّته الموت خصوصا من بلغ الغاية في الكمالات النّفسانية و الخصال القدسيّة و ردّ زعم الفرقة الثّانية بقوله (و أمّا قولكم شكّا في أهل الشّام فو اللّه ما دفعت الحرب يوما إلا و أنا أطمع أن تلحق بي طائفة) منهم (فتهتدي بى و تعشو إلى ضوئى) و تستضيئوا بي و فيه تعريض بضعف بصائر أهل الشّام فهم في الاهتداء بهداه كمن يعشو ببصر ضعيف إلى النّار في الليل و لمّا كان المقصود بالذات للأنبياء و الأولياء هو اهتداء الخلق بهم و الاكتساب من كمالاتهم و الاستضائة بأنوارهم، و كان تحصيل ذلك المقصود باللّطف و الرّفق أولى من القتل و القتال، لا جرم حسن انتظاره بالحرب و مدافعتها يوما فيوما طمعا لأن يلحق به منهم من يجذب العناية الالهيّة بذهنه و يجرّه نور التّوفيق الأزلي إلى مدارج الكمال و اليقين و سلوك طريق الحقّ المبين و لأجل ذلك رتّب عليه قوله (و ذلك أحبّ إلىّ من أن أقتلها على ضلالها و ان كانت) الطائفة الضّالّة (تبوء) إلى ربّها (بآثامها)إذ كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏

الترجمة

از جمله كلام آن عاليمقام است در حالتى كه دير شمردند اصحاب او رخصت و اذن دادن او ايشان را در جنگ صفين كه فرمود: امّا گفتار شما كه آيا اين همه تعلّل و تأخير و منع از قتال بجهة مكروه داشتن مرگست و فنا پس قسم بخداوند كه هيچ باك ندارم كه داخل شوم بسوى مرگ يا خارج شود مرگ بسوى من، و أمّا گفتار شما كه اين تاخير و مسامحه بجهة شك من است در قتال أهل شام پس بحقّ خدا كه دفع نكردم حرب را يك روز مگر بملاحظه طمعى كه دارم در اين كه لاحق شود بمن طايفه پس هدايت يابند بجهة اقتداء بمن و بنگرند بچشم ضعيف بسوى روشنى راه من، و اين محبوب‏تر است نزد من از آنكه بكشم آن گروه را بگمراهى ايشان و اگر چه باشند كه باز مى‏گردند بگناهان خود در آن جهان.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 53 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 53 صبحی صالح

53- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) في ذكرى يوم النحر و صفة الأضحية

وَ مِنْ تَمَامِ الْأُضْحِيَّةِ اسْتِشْرَافُ أُذُنِهَا

وَ سَلَامَةُ عَيْنِهَا

فَإِذَا سَلِمَتِ الْأُذُنُ وَ الْعَيْنُ

سَلِمَتِ الْأُضْحِيَّةُ وَ تَمَّتْ

وَ لَوْ كَانَتْ عَضْبَاءَ الْقَرْنِ

تَجُرُّ رِجْلَهَا إِلَى الْمَنْسَكِ

قال السيد الشريف و المنسك هاهنا المذبح

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من خطبة له عليه السلام و هى الثالثة و الخمسون من المختار في باب الخطب

فتداكّوا عليّ تداكّ الإبل الهيم يوم وردها قد أرسلها راعيها و خلعت مثانيها، حتّى ظننت أنّهم قاتليّ، أو بعضهم قاتل بعض لديّ، و قد قلّبت هذا الأمر بطنه و ظهره، حتّى منعني النّوم فما وجدتني يسعني إلّا قتالهم أو الجحود بما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فكانت معالجة القتال أهون عليّ من معالجة العقاب، و موتات الدّنيا أهون عليّ من موتات الآخرة.

اللغة

(الدّك) هو الدّق و التّداك مأخوذ منه و (الهيم) بالكسر العطاش و (الورد) الشّرب و في بعض النّسخ يوم ورودها و هو حضورها لشرب الماء و (المثاني) جمع مثناة بالفتح و الكسر و هى الحمال من صوف أو شعر يثنى و يعقل بها البعير و (قاتلي) على صيغة الجمع مضافة إلى ياء المتكلم، و (وجدتنى) على صيغة المتكلم.

الاعراب

بعضهم بالنّصب عطف على محلّ اسم انّ و النّوم منصوب بنزع الخافض، و جمله يسعني مفعول ثان، و علي في قوله اهون علىّ، للاستعلاء المعنوى على حدّ قوله تعالى وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ.

المعنى

قال الشّارح البحراني: هذا الكلام إشارة إلى صفة أصحابه بصفّين لمّا طال منعهم من قتال أهل الشّام و في البحار أنّ كثيرا من الشّواهد تدلّ على أنّه لبيان حالة البيعة لا سيّما ما كان في نسخة ابن أبي الحديد فانه ذكر العنوان: و من كلام له عليه السّلام في ذكر البيعة و كيف كان فقوله (فتداكّوا علىّ تداكّ الابل الهيم يوم وردها) كناية عن شدّة ازدحامهم يعني أنّهم اجتمعوا علىّ و تزاحموا مثل تزاحم الابل العطاش حين شرب الماء تدكّ بعضها بعضا (قد أرسلها راعيها و خلعت مثانيها) اى اطلقها راعيها و خلع عقالها (حتّى ظننت انّهم قاتلي أو بعضهم قاتل بعض لدىّ) لفرط ما شاهدت منهم من الزّحام و شدّة ما رأيت منهم من الاجتماع و التداكّ (و قد قلبت هذا الأمر بطنه و ظهره) و صرت أتفكّر في أمر القتال مع أهل الشّام و أتردّد بين الاقدام عليه و تركه، او المراد أمر الخلافة حسبما استظهره المحدّث المجلسى (حتّى منعنى) ذلك من (النّوم) و الكرى (فما وجدتنى يسعني إلّا قتالهم) اى قتال معاوية و أصحابه على ما ذكره البحراني أو قتال النّاكثين على ما ذكره المجلسي «قد» (او الجحود بما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و قد مرّ وجه انحصار أمره في القتال و الجحود في شرح كلامه الثّالث و الأربعين مفصّلا و قد ذكرنا هناك أنّه كان سامورا من اللّه و من رسوله بقتال النّاكثين و القاسطين‏ و المارقين، فكان أمره دائرا بين الجهاد و القتال امتثالا لحكم اللّه و حكم رسوله و بين الترك و المنابذة المستلزمين للجحود و المخالفة و العقاب في الآخرة (فكانت معالجة القتال أهون عليّ من معالجة العقاب) إذ سعادة الدّنيا و شقاوتها و نعمتها و نقمتها لا نسبة لها إلى سعادة الآخرة و شقوتها، لأنّها فانية لا تبقى و تلك دائمة لا تزول (و موتات الدّنيا أهون علىّ من موتات الآخرة) و المراد بموتات الدّنيا شدايدها و أهوالها و متاعبها بقرينة موتات الآخرة، و يحتمل أن يراد بالاولى أنواع الموت و بالثّانية الشّدايد التي هى أشدّ من الموت

الترجمة

از جمله كلام بلاغت نظام آن حضرت است كه اشاره است بحال اصحاب خود در صفين در حينى كه ايشان را منع مى‏ فرمود از قتال أهل شام بجهة اين كه حرص و شوق ايشان بجهاد بيشتر گردد بملاحظه اين كه طبيعت انسان مجبولست به آن كه هر چند او را از امرى منع نمايند شوق او در طلب او زياد خواهد شد چنانكه گفته ‏اند: أحبّ شي‏ء إلى الانسان مامنعا، و يا اشاره است بحال بيعت كندگان مرا و را بعد از قتل عثمان كه ازدحام داشتند در بيعت او مى ‏فرمايد: پس كوفتند يكديگر را بر سر بيعت من چون كوفتن شتران تشنه يكديگر را در روز وارد شدن ايشان بر آب در حالتى كه واگذاشته باشد ايشان را چراننده ايشان و بركنده شده باشد ريسمانهاى زانو بند ايشان تا اين كه گمان كردم كه ايشان كشنده منند يا بعض ايشان كشنده بعض ديگرند نزد من و بتحقيق كه برگرداندم پشت و شكم اين كار را حتّى اين كه بازداشت تفكّر در آن مرا از خواب، پس نيافتم خود را كه وسعت داشته باشد بمن امرى مگر كار زار نمودن با أهل شام يا با طلحه و زبير و اتباع ايشان، و يا انكار نمودن به آن چه كه آمده است با او حضرت خاتم الأنبياء از جانب حقّ جلّ و علا، پس شد علاج جنك نمودن و كوشش نمودن در آن آسان‏تر نزد من از علاج كردن عقاب و عذاب، و مرگ‏هاى دنيا آسانتر در نزد من از مرگ‏هاى آخرت و سختيهاى روز قيامت

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 52 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 52 صبحی صالح

52- و من خطبة له ( عليه‏ السلام  ) و هي في التزهيد في الدنيا

و ثواب الله للزاهد

و نعم الله على الخالق‏

التزهيد في الدنيا

أَلَا وَ إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَصَرَّمَتْ

وَ آذَنَتْ بِانْقِضَاءٍ

وَ تَنَكَّرَ مَعْرُوفُهَا

وَ أَدْبَرَتْ حَذَّاءَ

فَهِيَ تَحْفِزُ بِالْفَنَاءِ سُكَّانَهَا

وَ تَحْدُو بِالْمَوْتِ جِيرَانَهَا

وَ قَدْ أَمَرَّ فِيهَا مَا كَانَ حُلْواً

وَ كَدِرَ مِنْهَا مَا كَانَ صَفْواً

فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا سَمَلَةٌ كَسَمَلَةِ الْإِدَاوَةِ

أَوْ جُرْعَةٌ كَجُرْعَةِ الْمَقْلَةِ

لَوْ تَمَزَّزَهَا الصَّدْيَانُ لَمْ يَنْقَعْ

فَأَزْمِعُوا عِبَادَ اللَّهِ الرَّحِيلَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ

الْمَقْدُورِ عَلَى أَهْلِهَا الزَّوَالُ

وَ لَا يَغْلِبَنَّكُمْ فِيهَا الْأَمَلُ

وَ لَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ فِيهَا الْأَمَدُ

ثواب الزهاد

فَوَاللَّهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ الْوُلَّهِ الْعِجَالِ

وَ دَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ الْحَمَامِ

وَ جَأَرْتُمْ جُؤَارَ مُتَبَتِّلِي الرُّهْبَانِ

وَ خَرَجْتُمْ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَ الْأَوْلَادِ

الْتِمَاسَ الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي ارْتِفَاعِ دَرَجَةٍ عِنْدَهُ

أَوْ غُفْرَانِ‏ سَيِّئَةٍ أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ

وَ حَفِظَتْهَا رُسُلُهُ

لَكَانَ قَلِيلًا فِيمَا أَرْجُو لَكُمْ مِنْ ثَوَابِهِ

وَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِهِ

نعم الله‏

وَ تَاللَّهِ لَوِ انْمَاثَتْ قُلُوبُكُمُ انْمِيَاثاً

وَ سَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَيْهِ

أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ دَماً

ثُمَّ عُمِّرْتُمْ فِي الدُّنْيَا

مَا الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ

مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ عَنْكُمْ

وَ لَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئاً مِنْ جُهْدِكُمْ أَنْعُمَهُ عَلَيْكُمُ الْعِظَامَ

وَ هُدَاهُ إِيَّاكُمْ لِلْإِيمَانِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من خطبة له عليه السّلام و هى الثانية و الخمسون من المختار فى باب الخطب

و هى ملتقطة من خطبة طويلة خطب بها يوم النّحر رواها الصّدوق مرسلة في كتاب من لا يحضره الفقيه على ما ستطلع عليه و شرح ما أورده السّيد في الكتاب في ضمن فصلين:

الفصل الاول

ألا و إنّ الدّنيا قد تصرّمت و آذنت بانقضاء و تنكّر معروفها و أدبرت حذّاء فهي تحفز بالفناء سكاّنها، و تحدو بالموت جيرانها، و قد أمرّ منها ما كان خلوا، و كدر منها ما كان صفوا، فلم يبق منها إلّا سملة كسملة الإداوة، أو جرعة كجرعة المقلة لو تمزّزها الصّديان لم ينقع، فأزمعوا عباد اللّه الرّحيل عن هذه الدّار المقدور على أهلها الزّوال، و لا يغلبنّكم فيها الأمل، و لا يطولنّ عليكم الأمد، فو اللّه لو حننتم حنين الولّه العجال، و دعوتم بهديل الحمام، و جأرتم جؤار متبتّلي الرّهبان، و خرجتم إلى اللّه من الأموال و الأولاد، التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده، أو غفران سيّئة أحصتها كتبه، و حفظها رسله، لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه، و أخاف عليكم من عقابه، و تاللّه لو اناثت قلوبكم انمياثا، و سالت عيونكم من رغبة إليه أو رهبة منه دما، ثمّ عمّرتم في الدّنيا ما لدّنيا باقية، ما جزت‏ أعمالكم، و لو لم تبقوا شيئا من جهدكم أنعمه عليكم العظام، و هداه إيّاكم للإيمان.

اللغة

(تصرّمت) انقطعت و فنيت و (آذنت) بالمدّ أعلمت و (تنكّر) جهل و (الحذاء) السّريعة الذّهاب و روى جذّاء بالجيم و هى منقطعة النّفع و الخير و (حفزه) يحفزه من باب ضرب دفعه من خلفه، و بالرّمح طعنه، و عن الأمر أعجله و أزعجه، و حفز الليل النّهار ساقه و (أمرّ) الشّي‏ء صار مرّا و (كدر) الماء كدرا من باب تعب زال صفائه و كدر كدورة من باب صعب.

و (السملة) بالفتحات البقيّة من الماء يبقى في الاناء و (الاداوة) بالكسر المطهرة و (المقلة) بفتح الميم و سكون القاف حصاة للقسم يقسم بها الماء عند قلته في المفاوز و في السّفر تلقى في الماء ليعرف قدر ما يسقى كلّ واحد منهم و (التّمزّز) تمصّص الشّراب قليلا قليلا و (الصّديان) كعطشان لفظا و معنى و (نقع) ينقع أى سكن عطشه و (ازمعت) الأمر أى أجمعت و عزمت على فعله و (المقدور) المقدّر الذى لا بدّ منه و (الأمد) بالتّحريك الغاية و (الحنين) مصدر بمعنى الشوق واصله ترجيع النّاقة صوتها أثر ولدها.

و (الوله) جمع واله من الوله و هو ذهاب العقل و فقد التّميز و (العجال) جمع عجول و هى النّاقة التي تفقد أولادها و (هديل الحمام) نوحها و (جار) يجار من باب منع جارا و جؤارا بالضّم رفع صوته و تضرّع و استغاث و (التّبتل) الانقطاع إلى اللّه باخلاص النّية و (انماث) القلب ذاب و (الجهد) بالضّم و الفتح الطاقة و (الأنعم) كأفلس جمع النّعمة.

الاعراب

حذّاء منصوب على الحال، و الرّحيل منصوب على المفعوليّة، و قوله التماس منصوب على المفعول له، و لكان قليلا جواب لوحننتم، و ما في قولها ما الدّنيا باقية ظرفيّة أى مدة بقائه، و جملة و لو لم تبقوا اه معترضة بين الفعل و هو جزت و مفعوله الذى هو أنعمه و العظام صفة الانعم، و هداه بالنّصب المحلّي عطف على أنعمه.

المعنى

اعلم انّ مدار هذا الفصل من الخطبة على فصول ثلاثة.

الفصل الاول

متضمّن للتّنفير عن الدّنيا و التّحذير منها و النّهى عن عقد القلب عليها و الأمر بالرّحيل عنها، و إليه أشار بقوله (ألا و إنّ الدّنيا قد تصرّمت) اى انقطعت (و آذنت بانقضاء) قد مضى في شرح الخطبة الثّامنة و العشرين و الخطبة الثّانية و الأربعين ما يوضح معنى هذه الفقرة من كلامه عليه السّلام، فان رجعت إلى ما ذكرناه هناك تعرف أنّ مراده عليه السّلام من تصرّم الدّنيا و انقطاعها هو تقضى أحوالها الحاضرة شيئا فشيئا و أنّ المراد من إعلامها بالانقضاء هو الاعلام بلسان الحال على ما مرّ تفصيلا.

(و تنكّر معروفها و أدبرت حذاء) و هى اشارة إلى تغيّرها و تبدّلها و سرعة انقضائها و ادبارها حتّى أنّ ما كان منها معروفا لك يصير في زمان يسير مجهولا عندك و ادنى ما هو شاهد على ذلك هو حالة شبابك الذي كنت انس إليه متبهجا به كيف طرء عليها المشيب في زمان قليل:

فولّى الشّباب كأن لم يكن
و حلّ المشيب كأن لم يزل‏

كأنّ المشيب كصبح بدا
و أمّا الشّباب كبدر أفل‏

(فهى تحفز بالفناء سكّانها) اى تعجلهم و تسوقهم أو تطعنهم برماح الفناء و تدفعهم من خلفهم حتّى توقعهم في حفرتهم (و تحدو بالموت جيرانها) حتّي توصلهم إلى دار غربتهم، أفلا ترى إلى السّلف الماضين و الأهلين و الأقربين كيف توالت عليهم السّنون و طحنتهم المنون و فقدتهم العيون، أو لا ترى إلى الملوك و الفراعنة و الأكاسرة و السّياسنة كيف انتقلوا عن القصور و ربات الخدور إلى ضيق القبور.

باتوا على قلل الجبال تحرسهم
غلب الرّجال فلم ينفعهم القلل‏

و استنزلوا بعد عزّ عن معاقلهم‏
إلى مقابرهم يابئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا
أين الأسرة و التّيجان و الحلل‏

أين الوجوه التّي كانت محجّبة
من دونها تضرب الأستار و الكلل‏

فأفصح القبر عنهم حين سائلهم
تلك الوجوه عليها الدّود تنتقل‏

قد طال ما أكلوا فيها و هم شربوا
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا

و طال ما كثروا الأموال و ادّخروا
فخلّفوها على الأعداء و ارتحلوا

و طال ما شيّدوا دورا لتحصنهم‏
ففارقوا الدّور و الأهلين و انتقلوا

أضحت مساكنهم و حشا معطلة
و ساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا

سل الخليفة إذ وافت منيّته‏
أين الجنود و أين الخيل و الخول‏

أين الكنوز التي كانت مفاتحها
تنوء بالعصبة المقوين لو حملوا

أين العبيد التي أرصدتهم عددا
أين الحديد و أين البيض و الأسل‏

أين الفوارس و الغلمان ما صنعوا
أين الصّوارم و الخطّية الذبل‏

أين الكفاة أ لم يكفوا خليفتهم‏
لمّا رأوه صريعا و هو يبتهل‏

أين الكماة التي ماجوا لما غضبوا
أين الحماة التي تحمى به الدّول‏

أين الرّماة أ لم تمنع بأسهمهم‏
لمّا أتتك سهام الموت تنتصل‏

هيهات ما منعوا ضيما و لا دفعوا
عنك المنيّة إذ وافى بك الأجل‏

و لا الرّشا دفعتها عنك لو بذلوا
و لا الرّقى نفعت فيها و لا الخيل‏

ما ساعدوك و لا واساك أقربهم
بل سلّموك لها يا قبح ما فعلوا«»

(و قد أمرّ منها ما كان حلوا و كدر منها ما كان صفوا) و ذلك مشاهد بالوجدان و مرئي بالعيان، إذ الامور التي تقع لذيذة فيها و يجدها الانسان في بعض الأحيان حلوة صافية عن الكدورات خالية عن مرارة التّنغيص هي في معرض التّغير و التّبدّل بالمرارة و الكدر، فما من أحد تخاطبه بما ذكر إلّا و يصدق عليه أنّه قد عرضت له من تلك اللذات ما استعقب صفوتها كدرا و حلاوتها مرارة إمّا من شباب تبدّل بمشيب أو غنى بفقر أو عزّ بذلّ أو صحّة بمرض.

(فلم يبق منها إلّا سملة كسملة الاداوة أو جرعة كجرعة المقلة لو تمزّزها الصّديان) و تمصّصها العطشان لم يرو و (لم ينقع) قال الشّارح البحراني: هذا تقليل و تحقير لما بقي منها لكلّ شخص شخص من النّاس، فانّ بقاء ماله على حسب بقائه فيها و بقاء كلّ شخص فيها يسير و وقته قصير، و استعار لفظ السّملة لبقيتها و شبهها بقيّة الماء في الاداوة و بجرعة المقلة، و وجه الشّبه ما أشار إليه بقوله: لو تمزّزها الصّديان لم ينقع، أى كما أنّ العطشان الواجد لبقيّة الماء في الاداوة أو الجرعة لو تمصّصها لم ينقع عطشه، كذلك طالب الدّنيا المتعطش إليها الواجد لبقيّة عمره و لليسير من الاستمتاع فيه بلذّات الدّنيا لا يشفى ذلك غليله و لا يسكن عطشه.

ثمّ أنّه بعد التّنبيه على تحقير الدّنيا و التّنفير عنها أمر بالرّحيل عنها بقوله (فازمعوا عباد اللّه الرّحيل عن هذه الدّار المقدور على أهلها الزوال) يعنى إذا كانت الدّنيا بهذه المثابة من الدّنائة و الحقارة معقبة صفوها للكدورة متغيّرة حلاوتها إلى المرارة فلا بدّ لكم من العزم على الرّحيل عنها بقطع العلايق الدّنيوية عن القلب و الاقبال إلى اللّه و الرغبة إلى رضوان اللّه مع ما قدّر في حقّ أهلها من الزّوال و كتب لسكانها من الرّحيل و الانتقال، أفلا تنظر إلى الامم الماضية و القرون الفانية و إلى من عاشرتهم من صنوف النّاس و شيّعتهم إلى الارماس كيف اخترمتهم أيدى المنون من قرون بعد قرون، أ و لا تعتبر ممّن مضى من أسلافك و من وارته الأرض من الافّك، و من فجعت به من اخوانك و نقلت إلى دار البلا من أقرانك.

فهم في بطون الارض بعد ظهورها
محاسنهم فيها بوال دواثر

خلت دورهم منهم و اقوت عراصهم‏
و ساقتهم نحو المنايا المقادر

و خلوا عن الدّنيا و ما جمعوا لها
و ضمّتهم تحت التّراب الحفاير

(و) بعد ما اعتبرت بما رأيته من الأهلين و الاخوان، و ادّكرت بما شاهدته من الامثال و الأقران فالبتة (لا يغلبنكم فيها الأمل و لا يطولنّ عليكم) فيها (الأمد) أى لا تتوّهم طول مدة البقاء فيها مع ما شاهدت من قصر مدّتها و قرب زوالها.

و الفصل الثاني

متضمّن للتّنبيه على عظيم ثواب اللّه و عقابه، فانّه بعد ما نبّه على تحقير الدّنيا و التّحذير عنها و أمر بالعزم على الجدّ و الارتحال أشار إلى ما ينبغي أن يهتمّ به‏ و يلتفت إليه و يرجي و يخشى من ثواب اللّه و عقابه فأشار إلى تعظيمها بتحقير الأسباب و الوسايل التي يتوصّل بها العباد، و يعتمدون عليها في الفوز إلى الثّواب و الهرب من العقاب.

و قال (فو اللّه لو حننتم) إلى اللّه مثل (حنين الوله العجال) شوقا و رغبة (و دعوتم) له تعالى (بهديل) مثل هديل (الحمام) استيحاشا و وحشة (و جأرتم) إليه سبحانه بمثل (جؤار متبتّلى الرّهبان«») خوفا و خشية (و خرجتم إلى اللّه من الأموال و الأولاد) و تركتم الأوطان و البلاد و فعلتم كل ذلك (لا لتماس القربة إلى اللّه) و ثمينا للوصول إلى رضوان اللّه (في ارتفاع درجة عنده أو غفران سيئة أحصتها كتبه و حفظها رسله) الكرام البررة (لكان) ذلك كلّه (قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه و أخاف عليكم من عقابه.) و محصّله على ما ذكره البحراني هو أنكم لو أتيتم بجميع أسباب التّقرّب إلى اللّه الممكنة لكم من عبادة و زهد ملتمسين بذلك التّقرّب إليه في أن يرفع لكم عنده درجة أو يغفر لكم سيّئة أحصتها كتبه و الوجه المحفوظة لكان الذي أرجوه من نوابه للمتقرّب إليه في أن يرفع منزلته من حضرة قدسه أكثر ممّا يتصوّره المتقرّب أنّه يصل إليه بتقرّبه، و لكان الذي أخافه من عقابه على المتقرّب في غفران سّيئة عنده أكثر من العقاب الذي يتوّهم أنّه يدفعه عن نفسه بتقرّيه.

فينبغي لطالب الزّيادة في المنزلة عند اللّه أن يخلص بكليّته في التقرّب إليه ليصل إلى ما هو أعظم ممّا يتوّهم أنّه يصل إليه من المنزلة عنده، و ينبغي للهارب من ذنبه إلى اللّه أن يخلص من هول ما هو أعظم مما يتوهم انه يدفعه عن نفسه بوسيلته، فانّ الأمر في معرفة ما أعدّ اللّه لعباده الصالحين من الثواب العظيم و ما أعدّه لأعدائه الظالمين من العقاب الأليم أجلّ ممّا يتصوّره عقول البشر ما دامت في عالم الغربة، و إن كان عقولهم في ذلك الادراك متفاوتة، و لمّا كانت نفسه القدسيّة أشرف نفوس الخلق لاجرم نسب الثّواب المرجوّ لهم و العقاب المخوف عليهم إلى رجائه و خوفه و ذلك لقوّة اطلاعه من ذلك على ما لم يطلعوا عليه.«»

و الفصل الثالث

متضمّن للتّنبيه على عظيم نعمة اللّه على العباد و إليه أشار بقوله (و تاللّه لو انماثت قلوبكم انمياثا و سالت عيونكم في رغبة إليه) سبحانه (أو رهبة منه دما ثمّ عمّرتم في الدّنيا ما الدّنيا باقية ما جزت أعمالكم) التي أتيتموها و بذلتم فيها جهدكم و سعيكم (و لو لم تبقوا شيئا من جهدكم أنعمه) التي أنعم بها (عليكم) من نعمه (العظام و هداه اياكم للايمان).

يعنى أنّ كلّ ما أتيتم به من الأعمال التي بذلتم جهدكم فيها في طاعة اللّه و ما عساه يمكنكم أن تأتوا به منها فهو قاصر عن مجازاة نعمه العظام و لا سيّما نعمة الهداية التي هى أشرف الآلاء و أفضل النّعماء، مع أنّ القيام بوظايف العبوديّة ليس إلّا بتوفيق منه سبحانه و تأييد منه، و ذلك من جملة نعمه أيضا فكيف يجازى نعمته و نعم ما قيل:

شكر الاله نعمة موجبة لشكره            و كيف شكري برّه و شكره من برّه‏

الترجمة

از جمله خطب لطيفه و شريفه آن حضرتست در بيان تحقير دنياى فانى و ترغيب به عقباى جاودانى مى‏ فرمايد: آگاه باشيد كه بدرستى دنيا روى آورده بانقطاع و فنا و اعلام كرده است به زوال و انقضاء و مجهول شده است معروف آن بجهت اين كه باندك فرصتى و كمتر مدتى تغيير و تبديل مى يابد لذايذ آن بر ضدّ آن، و پشت كرده و ادباد نموده در حالتى كه سرعت كننده و شتابنده است، پس آن ميراند بنيزه فنا ساكنان خود را و ميراند بسوى مرگ همسايگان خود را، و به تحقيق كه تلخ گشت از دنيا آنچه بود شيرين و با كدورت و ناصاف شد از آن آنچه بود صاف و گزين، پس باقى نمانده است از دنيا مگر بقيه مانند بقيه آب در مطهره يا مقدار يك آشاميدن مثل مقدار يك آشاميدن كه بمقله اخذ نمايند در وقت قحط آبي كه اگر بمكد آن بقيه و جرعه را صاحب عطش فرونه نشاند تشنگى او را پس عزم نمائيد اى بندگان خدا بر كوچ‏ نمودن از اين سراى پر جفا كه مقدّر شده است در حق اهل او زوال و فنا، و بايد كه غالب نشود شما را در اين دنيا آرزوى نفس و هوا و بايد كه توهم ننمائيد در اين سرا در ازى مدت و طول بقا را.

پس قسم به خداوند كه اگر ناله كنيد شما مثل ناله كردن شتران حيران و سر گردان كه گم نماينده باشند بچه كان خود شان را، و بخوانيد خدا را بنوحه حزين مثل نوحه نمودن كبوتران، و تضرع نمائيد بخداوند مانند تضرع نمودن زاهدان نصارى و بيرون آييد از أموال و اولاد بجهة خدا در بلند شدن درجه نزد او سبحانه و تعالى، يا آمرزيدن گناهى كه شمرده باشد آن گناه را نامه اعمال و ضبط نموده باشد او را فرشتگان حضرت ذو الجلال هر آينه باشد اين جمله اندك در آنچه اميد مى‏ دارم براى شما از ثواب دادن او و در آنچه مى‏ترسم از براى شما از عقاب كردن او.

و سوگند به خدا كه اگر گداخته شود قلبهاى شما گداختنى از ترس الهى، و روان شود چشمهاى شما بجهت رغبت ثواب او و از جهت ترس از عذاب او بخون هاى دمادم پس از آن عمر نمائيد در دنيا مادامى كه دنيا باقيست جزا و مكافات نباشد عملهاى شما كه در اين مدت به عمل آورده ‏ايد و اگر چه باقى نگذاريد چيزى از سعى و طاقت خود بنعمت‏هاى عظيمه او سبحانه، كه بشما انعام فرموده، و به هدايت و راهنمائى او بسوى ايمان كه در حق شما مرعى داشته: يعنى اگر تا انقراض دنيا مشغول عمل صالح شويد و دقيقه فتور ننمائيد برابرى اين نعم عظيمه كه در حقّ شما التفات فرموده است نخواهد بود.

الفصل الثاني

منها في ذكر يوم النحر في صفة الاضحية و من تمام الاضحية استشراف اذنها، و سلامة عينها، فإذا سلمت الاذن و العين سلمت الاضحية و تمّت، و لو كانت عضباء القرن تجرّ رجلها إلى المنسك.

اللغة

(الاضحية) بضّم الهمزة و كسرها اتباعا للحاء و الياء المخفّفة و الجمع أضاحى و يقال ضحية أيضا و الجمع ضحايا كعطية و عطايا و هي الشّاة التي تضحى بها أى تذبح بها ضحاة، و منها سمّى يوم الاضحى للعاشر من ذي الحجة و (الاستشراف) الارتفاع و الانتصاب يقال اذن شرفاء اى منتصبة و (العضباء) المكسور القرن و قيل القرن الدّاخل و (المنسك) محلّ النسك و هو العبادة و المراد به هنا المذبح و يجوز فيه فتح السّين و كسرها.

الاعراب

قوله و لو كانت، شرطيّة وصليّة، و جملة تجرّ في محلّ الرّفع على النّصب من اسم كان أو في محلّ النّصب على الحاليّة، و في نسخة الفقيه على ما ستطلع عليه و لو كانت عضباء القرن أو تجرّ رجلها إلى المنسك فلا تجزى.

المعنى

اعلم أنّ الاضحية مستحبة مؤكدة إجماعا بل يمكن دعوى ضرورة مشروعيتها و قول الاسكافي بوجوبها شاذّ و يدلّ على شدّة الاستحباب مضافا إلى الاجماع أخبار كثيرة.

ففى الفقيه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم استفر هو اضحاياكم فانّها مطاياكم على الصّراط.

و جاءت أمّ سلمة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحضر الأضحى و ليس عندي ثمن الاضحية فأستقرض فأضحّي فقال: استقرضي و ضحّي فانّه دين مقضيّ و يغفر لصاحب الاضحية عند أوّل قطرة يقطر من دمها.

و من العلل عن أبي بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قلت له: ما علّة الاضحية فقال: إنّه يغفر لصاحبها عند أوّل قطرة تقطر من دمها في الأرض و ليعلم اللّه عزّ و جلّ من يتّقيه بالغيب قال اللّه عزّ و جلّ: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها، وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ ثمّ قال: انظر كيف قبل اللّه قربان هابيل وردّ قربان قابيل.

و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ما من عمل يوم النّحر أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ من‏ إراقة دم و أنّها لتأتى يوم القيامة بقرونها و أظلافها، و أنّ الدّم ليقع من اللّه بمكان قبل أن يقع الارض فطيبوا بها نفسا.

و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا أنّ لكم بكلّ صرفة من جلدها حسنة، و بكلّ قطرة من دمها حسنة، و أنّها لتوضع في الميزان فابشروا.

إذا عرفت ذلك فأقول إنّ قوله (و من تمام الاضحية استشراف اذنها و سلامة عينها) أراد بذلك أن لا يكون بعض أذنها أو جميعها مقطوعة و أن لا يكون عوراء (فاذا سلمت الاذن) من النّقص (و العين) من العور (سلمت الاضحية و تمّت) أى أجزئت (و لو كانت عضباء القرن) و عرجاء (تجرّ رجلها إلى المنسك).

فروع

الاول

قد عرفت أنّ الاضحية مستحبة عندنا و هل سلامة العين و الاذن شرط الاجزاء أو شرط الكمال ظاهر كلامه يعطى الأوّل، لأنّ قوله: إذا سلمت الاذن و العين سلمت الاضحية يدل بمفهومه على أنّه إذا لم تسلم الاذن و العين لم تسلم الاضحية، و معنى عدم سلامتها عدم كفايتها في الاتيان بالمستحب.

و هو المستفاد أيضا ممّا رواه في الوسايل عن محمّد بن الحسن الصّفار باسناده عن شريح بن هاني عن عليّ صلوات اللّه عليه قال: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الأضاحي أن تستشرف العين و الاذن و نهانا عن الخرقاء و الشّرقاء و المقابلة و المدابرة.

و عن الصّدوق في معانى الاخبار الخرقاء أن يكون في الاذن نقب مستدير و الشرقاء المشقوقة الاذن باثنين حتّى ينفذ إلى الطرف و المقابلة أن يقطع في مقدم اذنها شي‏ء ثمّ يترك ذلك معلقا لاثنين كأنه زنمة و يقال لمثل ذلك من الابل المزنم و المدابرة ان يفعل ذلك بمؤخر اذن الشّاة.

و في الوسايل أيضا عن السكونى عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يضحّى بالعرجاء البيّن عرجها، و لا بالعوراء البيّن عورها و لا بالعجفاء، و لا بالخرقاء، و لا بالجدعاء، و لا بالعضباء، هذا.

و لكن الأظهر هو أنّهما شرطا الكمال فيكون المراد بالأمر و النّهى في رواية شريح هو الاستحباب و الكراهة دون الوجوب و الحرمة، و على الكراهة أيضا يحمل قوله: لا يضحّى بالعرجاء اه في الرّواية الثّانية.

و يدلّ على ما ذكرناه ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الضّحية تكون الاذن مشقوقة، فقال: إن كان شقّها و سما فلا باس و إن كان شقّا فلا يصلح، فان لفظة لا يصلح ظاهرة في نفى الكمال أو المراد بالاضحية في الرّوايتين هي الاضحية الواجبة المسماة بالهدى دون المستحبة، و على ذلك فيبقى الامر و النهى و النّفي على ظاهرها فيكون الشّروط المذكورة شرطا للصّحة.

و يدلّ عليه ما رواه الصّدوق باسناده عن عليّ بن جعفر انّه سأل أخاه موسى ابن جعفر عليه السّلام عن الرّجل يشترى الاضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها هل تجزى عنه قال: نعم إلّا أن يكون هديا واجبا فانّه لا يجوز أن يكون ناقصا، هذا.

و لعلّ حمل الرّوايتين على الوجه الأخير أولى نظرا إلى فهم الأصحاب حيث إنّ بناء استدلالهم في الشروط الواجبة للهدى عليهما و لا يتمّ إلّا بعد صرف الاضحية فيهما إلى الهدى، و كيف كان فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ سلامة العين و الاذن في الاضحية شرط الكمال كما هو صريح رواية عليّ بن جعفر التي قد مرّت، و قد نصّ به غير واحد من الأصحاب أيضا، و عليه فلا بدّ أن يراد بقوله عليه السّلام في الخطبة: و من تمام الاضحية انه كمالها فافهم جيّدا

الثاني

أنّ كسر القرن الخارج مع سلامة الداخل و هو الابيض الذي في وسط الخارج لا بأس به في الهدي و الاضحية جميعا، و أمّا كسر الدّاخل فان كان في الهدى فلا يجزي قطعا، و أما في الاضحية فظاهر كلامه عليه السّلام على ما رواه السيّد (ره) يعطي الاجزاء، و أمّا على رواية الصّدوق الآتية فالعدم، قال المحدّث الحرّ في الوسائل بعد نقله رواية الصّدوق: و هو محمول على الاستحباب.

الثالث

أنّ المستفاد من كلامه هنا أيضا إجزاء العرجاء و على ما رواه الصّدوق فهى‏ أيضا غير مجزية و يطابقه قوله: و لا يضحّى بالعرجاء البيّن عرجها في رواية السكوني السالفة، إلّا أن يراد بها التّضحية بالواجب على ما ذكرناه سابقا، قال العلامة (ره) في محكيّ المنتهى العرجاء البيّن عرجها التي عرجها متفاحش يمنعها السّير مع الغنم و مشاركتهنّ في العلف و الرّعى فتهزل.

تكملة استبصارية

روى الصّدوق هذه الخطبة في الفقيه مرسلة قال: و خطب عليه السّلام أى أمير المؤمنين عليه السّلام في عيد الأضحى فقال اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر اللّه أكبر و للّه الحمد اللّه أكبر على ما هدانا و له الشّكر على ما «فيما» أولانا و الحمد للّه على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، و كان عليه السّلام يبدء بالتّكبير إذا صلّى الظهر من يوم النّحر و كان يقطع التّكبير آخر أيام التشريق عند الغداة، و كان يكبّر في دبر كلّ صلاة فيقول: اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر اللّه أكبر و للّه الحمد، فاذا انتهى إلى المصلّى تقدّم فصلّى بالنّاس بغير أذان و لا إقامة، فاذا فرغ من الصّلاة صعد المنبر ثمّ بدء فقال: اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر زنة عرشه رضا نفسه و عدد قطر سمائه و بحاره له الأسماء الحسنى و الحمد للّه حتّى يرضى و هو العزيز الغفور، اللّه أكبر كبيرا متكبرا و إلها متّعززا و رحيما متحنّنا يعفو بعد القدرة و لا يقنط من رحمته إلّا الضّالّون.

اللّه أكبر كبيرا و لا إله إلّا اللّه كثيرا و سبحانه اللّه حنّانا قديرا و الحمد للّه نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه و نشهد أن لا إله إلّا هو و أنّ محمّدا عبده و رسوله، من يطع اللّه و رسوله فقد اهتدى و فاز فوزا عظيما، و من يعص اللّه و رسوله فقد ضلّ ضلالا بعيدا و خسر خسرانا مبينا.

أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه و كثرة ذكر الموت و الزّهد في الدّنيا التي لم يتمتّع بها من كان فيها قبلكم، و لن تبقى لأحد من بعدكم، و سبيلكم فيها سبيل الماضين ألا ترون أنّها قد تصرّمت و آذنت بانقضاء و تنكّر معروفها و أدبرت حذّاء فهى تخبر «تحفز خ» بالفناء و ساكنها يحدي بالموت، فقد أمرّ منها ما كان حلوا و كدر منها ما كان‏صفوا فلم يبق منها إلّا سملة كسملة الادواة و جرعة كجرعة الاناء و لو يتمزّزها الصّديان لم تنقع غلبة بها.

فازمعوا عباد اللّه بالرّحيل من هذه الدّار المقدور على أهلها الزّوال، الممنوع أهلها من الحياة المذللة أنفسهم بالموت، فلا حىّ يطمع بالبقاء و لا نفس إلّا مذعنة بالمنون، فلا يغلبنّكم الأمل، و لا يطل عليكم الأمد، و لا تغترّوا فيها بالآمال، و تعبّدوا للّه أيّام الحياة.

فو اللّه لو حننتم حنين الواله العجلان، و دعوتم بمثل دعاء الأنام، و جأرتم جؤار متبتّلي الرّهبان، و خرجتم إلى اللّه من الأموال و الأولاد التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده، أو غفران سيّئة أحصتها كتبه و حفظتها رسله، لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه و أتخوّف عليكم من أليم عقابه.

و باللّه لو انماثت قلوبكم انمياثا، و سالت عيونكم من رغبة إليه أو رهبة منه دما، ثمّ عمّرتم في الدّنيا ما كانت الدّنيا باقية ما جزت أعمالكم و لو لم تبقوا شيئا من جهدكم لنعمه العظام عليكم، و هداه إيّاكم إلى الايمان ما كنتم لتستحقّوا أبد الدّهر ما الدّهر قائم بأعمالكم جنّته و لا رحمته و لكن برحمته ترحمون، و بهداه تهتدون، و بهما إلى جنّته تصيرون، جعلنا اللّه و إيّاكم برحمته من التّائبين العابدين.

و إنّ هذا يوم حرمته عظيمة و بركته مأمولة، و المغفرة فيه مرجوّة، فأكثروا ذكر اللّه و استغفروه و توبوا إليه إنّه هو التّواب الرّحيم، و من ضحّى منكم بجذع من المعز فانّه لا يجزى عنه، و الجذع من الضّأن يجزي، و من تمام الاضحية استشراف عينها و اذنها، و إذا سلمت العين و الاذن تمّت الاضحية، و إن كانت عضباء القرن أو تجرّ برجلها إلى المنسك فلا تجزي.

و إذا ضحيتم فكلوا و أطعموا و اهدوا و احمدوا اللّه على ما رزقكم من بهيمة الانعام و أقيموا الصّلاة، و آتوا الزكاة، و أحسنوا العبادة، و أقيموا الشّهادة، و ارغبوا فيما كتب عليكم و فرض الجهاد و الحجّ و الصّيام، فانّ ثواب ذلك عظيم لا ينفذ، و تركه و بال لا يبيد، و أمروا بالمعروف، و انهوا عن المنكر، و اخيفوا الظالم، و انصروا المظلوم، و خذوا على يد المريب و احسنوا إلى النساء و ما ملكت أيمانكم، و اصدقوا الحديث، و أدّوا الامانة و كونوا قوّامين بالحقّ، و لا تغرنّكم الحياة الدّنيا و لا يغرنّكم باللّه الغرور

الترجمة

بعض ديگر از اين خطبه در ياد كردن عيد قربان در صفت گوسفند قربانى بيان مى‏ فرمايد: كه از تمامى گوسفند قربانيست درازى گوش او و سلامتى چشم او پس هر گاه سلامت باشد گوش و چشم بسلامت باشد آن قربانى و بمرتبه تماميت مى ‏رسد، و اگر چه باشد گوسفند شاخ شكسته و بكشد پاى خود را بسبب لنگى بسوى رفتن بموضع عبادت كه عبارتست از قربانگاه، و اللّه أعلم بالصّواب، و إليه المآب.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 51 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 51 صبحی صالح

51- و من خطبة له ( عليه‏ السلام ) لما غلب أصحاب معاوية أصحابه ( عليه ‏السلام ) على شريعة الفرات بصفين و منعوهم الماء
قَدِ اسْتَطْعَمُوكُمُ الْقِتَالَ
فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّةٍ
وَ تَأْخِيرِ مَحَلَّةٍ
أَوْ رَوُّوا السُّيُوفَ مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ
وَ الْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ
أَلَا وَ إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ
وَ عَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ
حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من خطبة له عليه السّلام لما غلب أصحاب معاوية اصحابه على شريعة الفرات بصفين و منعوهم الماء

و هى الحادية و الخمسون من المختار فى باب الخطب

و رواها في البحار و في شرح المعتزلي جميعا من كتاب صفّين لنصر بن مزاحم، قال نصر: حدّثنا عمرو بن سعيد عن جابر قال: خطب عليّ عليه السّلام: يوم الماء فقال: أمّا بعد فإنّ القوم قد بدؤكم بالظّلم، و فاتحوكم بالبغي، و استقبلوكم بالعدوان، و قد استطعموكم القتال حيث منعوكم الماء، فأقرّوا على مذلّة و تأخير محلّة، أو روّوا السيّوف من الدّماء ترووا من الماء، فالموت في حياتكم مقهورين، و الحيوة في موتكم قاهرين، ألا و إنّ معاوية قاد لمّة من الغواة، و عمس عليهم الخبر، حتّى جعل نحورهم أغراض المنيّة.

اللغة

(استطعموكم القتال) اى طلبوه منكم يقال فلان يستطعمني الحديث اى يستدعيه منّي و يطلبه (فأقرّوا على مذلّة) من القرار و هو السّكون و الثبات كالاستقرار، أو من الاقرار و الاعتراف و الأول أظهر و (اللّمة) بالضّم و التّخفيف جماعة قليلة و (عمس عليهم الخبر) بفتح العين المهملة و تخفيف الميم و تشديدها أبهمه عليهم و جعله مظلما، و التّشديد لافادة الكثرة و منه ليل عماس أى مظلم و (الأغراض) جمع غرض و هو الهدف.

الاعراب

ضمير الخطاب في استطعموكم منصوب المحلّ بنزع الخافض على حدّ قوله تعالى: و اختار موسى قومه، أو مجروره على حدّ قوله: أشارت كليب بالأكفّ الأصابع، و الفاء في قوله فأقرّوا فصيحة، و قوله ترووا من الماء مجزوم لوقوعه في جواب الأمر على حدّايتني اكرمك، و مقهورين و قاهرين منصوبان على الحال.

المعنى

اعلم أنّ هذا الكلام له عليه السّلام من أبلغ الكلام و ألطفه في التّحريص على الحرب و الجذب إلى القتال و قد خطب به لما غلب أصحاب معاوية على شريعة الفرات بصفّين و منعوا أصحابه من الماء و حالوا بينهم و بينه فقال لهم (انّهم قد استطعموكم القتال حيث منعوكم الماء) يعنى أنّهم من جهة مما نعتهم من الماء طلبوا منكم أن تطعموهم القتال فكأنهم لما حازوا الماء أشبهوا في ذلك من طلب الطعام له، و لما استلزم ذلك المنع طلبهم للقتال تعيّن تشبيه ذلك بالطعام و هو من لطايف الاستعارة.

(فأقرّوا على مذلّة و تأخير محلّة اوروّوا السّيوف من الدّماء ترووا من الماء) يعنى انهّم لما طلبوا منكم القتال بالمنع من الماء فاللّازم عليكم حينئذ أحد الأمرين،إمّا الكفّ عن الحرب و الاذعان بالعجز و الاستقرار على الذّلة المستلزم لتأخير المنزلة و انحطاط الدّرجة عن رتبة أهل الشّرف و الشّجاعة، و إمّا الاستعداد للقتال و تروية السّيوف من الدّماء المستلزم للتّروية من الماء.

و في هذا الكلام من الحسن و اللّطف ما لا يخفى إذ من المعلوم أنّ الاقرار بالعجز و الثبات على الذّلة مكروه بالطبع، و التّروّي من الماء للعطاش محبوب بالطبع و العاقل لا يختار للمكروه على المحبوب قطعا بل يرجّحه عليه و يتوصّل إليه و لو بتروية سيفه من الدّماء فيكون القتال محبوبا عنده أيضا مع كونه مكروها بالطبع من أجل ايصاله إلى المطلوب.

و لمّا أشار عليه السّلام الى كون التّواني في الجهاد موجبا للذّلّ و انحطاط الرّتبة فرّع على ذلك قوله (فالموت في حياتكم مقهورين و الحياة في موتكم قاهرين) تنبيها على أنّ الحياة مع الذّلة موت في الحقيقة و الموت مع العزّة حياة كما قال الشّاعر:

و من فاته نيل العلى بعلومه
و أقلامه فليبغها بحسامه‏

فموت الفتى في العزّ مثل حياته‏
و عيشته في الذّلّ مثل حمامه‏

و ذلك لأنّ الحياة في حالة المقهورية و مع الذّلة و سقوط المنزلة أشدّ مقاساة من موت البدن عند العاقل بكثير، بل موتات متعاقبة عند ذي اللب البصير، كما أنّ الموت في حالة القاهريّة و مع العزّة موجب للذّكر الباقي الجميل في الدّنيا و للأجر الجزيل في العقبى، فهو في الحقيقة حياة لا تنقطع و لا تفنى كما قال تعالى: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ هذا و لا يخفى ما في هاتين الفقرتين من حسن المقابلة كما في ما قبلهما من السّجع المطرف، و فيما قبلهما من السّجع المتوازي.

ثمّ أنّه بعد حثّ أصحابه على الجهاد أشار إلى ما عليه معاوية و أصحابه من الغوى‏ و الضّلالة و العدول عن المنهج القويم و الصراط المستقيم بقوله (ألا إنّ معاوية قاد لمة من الغواة و) ساق طائفة من البغاة (عمس عليهم الخبر) و أظلم عليهم الأثر (حتّى جعل نحورهم أغراض المنية) بايهام أنّ عثمان قتل مظلوما و أنّه عليه السّلام و أصحابه قاتله و أنّ ذلك الملعون و أصحابه أولياء دمه و المستحقّون لأخذ ثاره، مع أنّهم عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ و فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ و اما كيفية غلبة اصحاب معاوية على الماء فنحن نرويها من البحار و من شرح المعتزلي جميعا من كتاب صفّين لنصر بن مزاحم بتلخيص منّا.

قال نصر: كان أبو الأعور السّلمى على مقدّمة معاوية و اسمه سفيان بن عمرو و كان قد ناوش مقدمة عليّ و عليه الأشتر النّخعي مناوشة ليست ما بعظيمة، فلما انصرف أبو الأعور عن الحرب راجعا سبق إلى الماء فغلب عليه في الموضع المعروف بقنصرين إلى جانب صفّين قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا بساطا واسعا و أخذوا الشريعة، فهى في أيديهم.

و ساق الأشتر يتبعه فوجده غالبا على الماء و كان في أربعة آلاف من مستبصرى أهل العراق فصدموا أبا الأعور و أزالوه عن الماء، فأقبل معاوية في جميع الفيلق«» بقضّه و قضيضه، فلما رآهم الاشتر انحاز الى عليّ و غلب معاوية و أهل الشّام على الماء و حالوا بين أهل العراق و بينه و أقبل عليّ عليه السّلام في جموعه، فطلب موضعا لعسكره و أمر النّاس أن يضعوا أثقالهم و هم أكثر من مأئة ألف فارس فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس عليّ عليه السّلام على خيولهم إلى معاوية يطعنون و يرمون بالسّهام و معاوية بعد لم ينزل، فناوشهم أهل الشّام القتال فاقتتلوا هوّيا.«» قال نصر: فحدّثني عمر بن سعد، عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال فكتب‏معاوية إلى عليّ عليه السّلام عافانا اللّه و إيّاك.

ما أحسن العدل و الانصاف من عمل            و أقبح الطيس ثمّ النّفش«» في الرّجل‏

و كتب بعده شعرا يحثه فيه بأن يروع بجيشه من التّسرّع و العجلة عند الحرب، فأمر عليّ عليه السّلام أن يوزع النّاس عن القتال حتّى أخذ أهل الشّام مصافهم، ثمّ قال: أيّها النّاس إنّ هذا موقف من نطف«» فيه نطف يوم القيامة و من فلح فيه فلح يوم القيامة.

قال فتراجع النّاس كلّ من الفريقين إلى معسكره و ذهب شباب من النّاس إلى الماء ليستسقوا فمنعهم أهل الشّام و قد أجمعوا أن يمنعوا الماء و روى نصر عن عبد اللّه بن عوف قال: فتسرعنا إلى أمير المؤمنين فأخبرناه بذلك فدعا صعصعة بن صوحان فقال: ائت معاوية فقل إنّا صرنا إليك مصيرنا هذا و أنا أكره قتالكم قبل الاعذار إليكم و أنك قدمت خيلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك و بدئتنا بالحرب و نحن من رأينا الكفّ حتّى ندعوك و نحتجّ عليك، و هذه اخرى قد فعلتموها قد حلتم بين النّاس و بين الماء فخلّ بينهم و بينه حتّى ننظر فيما بيننا و بينكم و فيما قدمنا له و قدمتم له، و إن كان أحبّ إليك أن ندع ما جئنا له و ندع النّاس يقتتلون حتّى يكون الغالب هو الشّارب فعلنا فلمّا مضى صعصعة برسالته إلى معاوية قال معاوية لأصحابه: ما ترون فقال الوليد بن عقبة: أمنعهم الماء كما منعوه ابن عفان، حصروه اربعين يوما يمنعونه برد الماء و لين الطعام، اقتلهم عطشا قتلهم اللّه، و قال عمرو بن العاص: خلّ بين القوم و بين‏ الماء فانهم لن يعطشوا و أنت ريّان، و لكن لغير الماء، فانظر فيما بينك و بينهم فأعاد الوليد مقالته.

و قال عبد اللّه بن سعيد بن أبي سرح و كان أخا عثمان من الرضاعة امنعهم الماء إلى الليل فانّهم إن لم يقدروا عليه رجعوا و كان رجوعهم هزيمتهم، امنعهم الماء منعهم اللّه يوم القيامة فقال صعصعة انّما يمنع الماء يوم القيامة الفجرة الكفرة شربة الخمر ضربك و ضرب هذا الفاسق يعنى الوليد فتواثبوا إليه يشتمونه و يتهدّدونه، فقال معاوية: كفّوا عن الرّجل فانّما هو رسول قال عبد اللّه بن عوف: إنّ صعصعة لمّا رجع إلينا حدّثنا بما قال معاوية و ما كان منه و ما ردّه عليه، قلنا: و ما الذي ردّه عليك فقال: لمّا أردت الانصراف من عنده قلت ما تردّ عليّ قال سيأتيكم رائي، قال: فو اللّه ما راعنا إلّا تسوية الرّجال و الصّفوف و الخيل فأرسل إلى أبى الأعورا منعهم الماء فازدلفنا و اللّه إليهم فارتمينا و اطعنا بالرّماح و اضطربنا بالسّيوف، فقال: ذلك بيننا و بينهم حتّى صار الماء بأيدينا فقلنا: لا و اللّه لا نسقيهم فأرسل عليّ عليه السّلام أن خذوا من الماء حاجتكم و ارجعوا إلى معسكركم و خلّوا بينهم و بين الماء فانّ اللّه قد نصركم عليهم ببغيهم و ظلمهم و قال نصر: قال عمرو بن العاص: خلّ بينهم و بين الماء فانّ عليّا لم يكن ليظمأ و أنت ريّان و في يده أعنة الخيل و هو ينظر إلى الفرات حتّى يشرب أو يموت و أنت تعلم أنّه الشّجاع المطرق، و قد سمعته أنا و أنت مرارا و هو يقول لو أنّ معى أربعين رجلا يوم فتش البيت يعني بيت فاطمة و يقول لو استمسكت من أربعين رجلا يعني من أمر الأوّل.

قال: و لمّا غلب أهل الشّام على الفرات فرجعوا بالغلبة و قال معاوية: يا أهل الشّام هذا و اللّه أوّل الظفر لا سقاني اللّه و لا أبا سفيان إن شربوا منه أبدا حتّى يقتلوا بأجمعهم و تباشر أهل الشام فقام إلى معاوية رجل من أهل الشّام همداني ناسك يتألّه و يكثر العبادة يقال‏له المعرى بن الافيل، و كان صديقا لعمرو بن العاص مواجا له، فقال: يا معاوية سبحان اللّه سبقتم القوم إلى الفرات تمنعونهم الماء أما و اللّه لو سبقوكم إليه لسقوكم منه أليس أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعوهم الفرات فينزلون على فرضة«» اخرى فيجازونكم بما صنعتم، أما تعلمون أنّ فيهم العبد و الامة و الاجير و الضّعيف و من لا ذنب له، هذا و اللّه أوّل الجهل (الجور) فأغلظ له معاوية و قال لعمرو: اكفنى صديقك فأتاه عمرو فأغلظ له فقال الهمدانى في ذلك شعرا

لعمر و ابي معاوية بن حرب
و عمرو ما لدائهما دواء

سوى طعن يحار العقل فيه‏
و ضرب حين يختلط الدّماء

و لست بتابع دين ابن هند
طوال الدّهر يا ارسي حراء

لقد وهب العتاب فلا عتاب‏
و قد ذهب الولاء فلا ولاء

و قولي في حوادث كلّ حرب
على عمرو و صاحبه العفاء

ألا للّه درّك يا ابن هند
لقد برح الخفاء فلا خفاء

أ تحمون الفرات على رجال
و في أيديهم الأسل الظماء

و في الأعناق أسياف حداد
كأنّ القوم عند هم نساء

أ ترجو أن يحاوركم عليّ
بلا ماء و للأحزاب ماء

دعا هم دعوة فأجاب قوم‏
كجرب الابل خالطها الهناء

قال ثمّ سار الهمداني في سواد الليل حتّى لحق بعليّ عليه السّلام و مكث أصحاب عليّ يوما و ليلة بغير ماء و اغتمّ عليه السّلام بما فيه أهل العراق من العطش و في رواية سهل بن حنيف المروية في المجلّد التّاسع من البحار أنّه لمّا أخذ معاوية مورد الفرات أمر أمير المؤمنين عليه السّلام لمالك الأشتر أن يقول لمن على جانب الفرات: يقول لكم عليّ: اعدلوا عن الماء، فلما قال ذلك: عدلوا عنه فورد قوم أمير المؤمنين عليه السّلام الماء فأخذوا منه، فبلغ ذلك معاوية فأحضرهم و قال لهم في ذلك فقالوا: إنّ عمرو بن العاص جاء و قال: إنّ معاوية يأمركم أن تفرجوا عن الماء فقال معاوية لعمرو: إنك لتأتى أمرا ثمّ تقول ما فعلته فلمّا كان من غدو كل معاوية حجل بن عتاب النّخعي في خمسة آلاف فأنفذ أمير المؤمنين مالكا فنادى مثل الأوّل فمال حجل عن الشّريعة فورد أصحاب عليّ و أخذوا منه، فبلغ ذلك معاوية فأحضر حجلا و قال له في ذلك، فقال: إنّ ابنك يزيد أتاني فقال: إنّك أمرت بالتّنحّي عنه، فقال ليزيد في ذلك فأنكر، فقال معاوية: فاذا كان غدا فلا تقبل من أحد و لو أتيتك حتّى تأخذ خاتمي فلمّا كان اليوم الثالث أمر أمير المؤمنين عليه السّلام لمالك مثل ذلك فرأى حجل معاوية و أخذ منه خاتمه و انصرف عن الماء و بلغ معاوية فدعا و قال له في ذلك فأراه خاتمه فضرب معاوية يده على يده فقال: نعم و انّ هذا من دواهي عليّ، رجعنا إلى رواية نصر بن مزاحم قال: فاتى الأشعث عليّا فقال يا أمير المؤمنين أ يمنعنا القوم ماء الفرات و أنت فينا و السّيوف في أيدينا خلّ عنّا و عن القوم فو اللّه لا نرجع حتّى نردّه أو نموت و مرّ الأشتر يعلو بخيله و يقف حيث يأمره عليّ عليه السّلام فقال عليّ: ذلك إليكم فرجع الأشعث فنادى في الناس من يريد الماء أو الموت فميعاده موضع كذا فانّي ناهض فأتاه إثنى عشر ألفا من كندة و أفناء قحطان واضعي سيوفهم على عواتقهم فشدّ عليه سلاحه و نهض بهم حتّى كاد يخالط أهل الشّام و جعل يلقي رمحه و يقول لأصحابه: بأبى أنتم و أميّ تقدّموا إليهم قاب رمحي هذا فلم يزل ذلك دأبه حتّى خلط القوم و حسر عن رأسه و نادى أنا الأشعث بن قيس خلّوا عن الماء فنادى أبو الأعور أما حتّى لا يأخذنا و إيّاكم السّيوف فلا، فقال الأشعث قد و اللّه أظنّها دنت منّا و منكم، و كان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره عليّ فبعث إليه الاشعث أقحم الخيل، فأقحمها حتّى وضعت بسنابكها في الفرات و أخذت أهل الشّام السّيوف فولّوا مدبرين.

قال نصر: و حدّثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر و زيد بن الحسن قالا:

فنادى الأشعث«» عمرو بن العاص فقال: ويحك يابن العاص خلّ بيننا و بين الماء فو اللّه لئن لم تفعل لتاخذنا و إيّاكم السّيوف: فقال عمرو: و اللّه لا نخلّي عنه حتّى تأخذنا السّيوف و إيّاكم فيعلم ربّنا سبحانه ايّنا أصبر اليوم، فترجّل الأشعث و الأشتر و ذووا البصاير من أصحاب عليّ و ترجّل معهما اثنى عشر ألفا فحملوا على عمرو و أبي الأعور و من معهما من أهل الشّام، فأزالوهم عن الماء حتّى غمست خيل عليّ عليه السّلام سنابكها في الماء قال نصر: فروى عمر بن سعيد أنّ عليّا قال ذلك اليوم: هذا يوم نصرتم فيه بالحميّة.

قال نصر: فحدّثنا عمر بن «شمر عن ظ» جابر قال: خطب عليّ يوم الماء فقال: أمّا بعد فانّ القوم قد بدؤكم بالظلم إلى آخر ما رويناه سابقا قال نصر: و حدّثنا عمر بن شمر عن جابر عن الشّعبي عن الحرث بن أدهم و عن صعصعة قال أقبل الأشتر يوم الماء فضرب بسيفه جمهور أهل الشّام حتّى كشفهم عن الماء و كان لواء الأشعث بن قيس مع معاوية بن الحرث، فقال الأشعث: للّه أبوك ليست النّخع بخير من كندة قدّم لواءك فانّ الحظّ لمن سبق، فتقدّم لواء الأشعث و حملت الرّجال بعضها على بعض فما زالوا كذلك حتّى انكشف أهل الشّام عن الماء، و ملك أهل العراق المشرعة هذا و في رواية أبي مخنف عن عبد اللّه بن قيس قال قال أمير المؤمنين يوم صفّين و قد أخذ أبو الأعور السّلمي الماء على النّاس و لم يقدر عليه أحد فبعث إليه الحسين عليه السّلام في خمسمائة فارس فكشفه عن الماء، فلمّا رأى ذلك أمير المؤمنين قال: ولدي هذا يقتل بكربلا عطشانا و ينفرّ فرسه و يحمحم و يقول في حمحمته: الظليمة الظليمة من امّة قتلت ابن بنت نبيّها و هم يقرءون القرآن الذي جاء به اليهم ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أنشأ يقول:

أرى الحسين قتيلا قبل مصرعه
علما يقينا بأن يبلى بأشرار

و كلّ ذي نفس أو غير ذي نفس‏
يجرى إلى أجل يأتي باقدار

قال و قال عمرو بن العاص لمعاوية لمّا ملك أهل العراق الماء: ما ظنّك يا معاوية بالقوم إن منعوك اليوم الماء كما منعتهم أمس أتراك تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه ما أغنى عنك أن تكشف لهم السّورة، فقال له معاوية: دع عنك ما مضى فما ظنّك بعليّ بن أبي طالب قال ظنّي أنّه لا يستحلّ منك ما استحللت منه و إنّ الذي جاء له غير الماء قال نصر: فقال أصحاب عليّ له: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك، فقال: لا، خلّوا بينهم و بينه لا أفعل ما فعله الجاهلون سنعرض عليهم كتاب اللّه و ندعوهم إلى الهدى فان أجابوا و إلّا ففى حدّ السّيف ما يغني إنشاء اللّه قال: فو اللّه ما أمسى النّاس حتّى رأوا سقاتهم و سقاة أهل الشّام و روايا أهل الشام يزدحمون على الماء ما يؤذي إنسان إنسانا

الترجمة

از جمله كلام آن امام انامست كه فرموده در حينى كه غالب شدند أصحاب معاويه بر شريعه فرات در صفّين و منع نمودند اصحاب آن حضرت را از آب: بتحقيق كه اصحاب معاوية طلب مى‏ كنند از شما آنكه طعام بدهيد بر ايشان قتال را پس قرار بدهيد يا اقرار نمائيد بر خوارى و مذلت و بر باز پس انداختن منزلت و مرتبت يا سيراب سازيد شمشيرهاى خود را از خونهاى آن جماعت ياغى تا سيراب شويد از آب صاف جارى پس مرگ در زندگانى شما است در حالتى كه مقهور و مغلوب هستيد و زندگانى در مرگ شما است، در حالتى كه غالب و قاهر باشيد، بدانيد و آگاه شويد كه معاويه بد بنياد كشيده دست بحرب جماعت اندك را از صاحبان ضلالت و عناد و پوشانيده است بر ايشان خبر را تا آنكه گردانيده است گلوهاى ايشان را نشانيهاى سهام موت از طعن و ضرب و ساير أسباب فوت.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 50 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 50 صبحی صالح

50- و من كلام له ( عليه ‏السلام  )

و فيه بيان لما يخرب العالم به من الفتن و بيان هذه الفتن‏

إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ

وَ أَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ

يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ

وَ يَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالًا عَلَى غَيْرِ دِينِ اللَّهِ

فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ

لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ

وَ لَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ

انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ

وَ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ

وَ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ

فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ

وَ يَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنى‏

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من خطبة له عليه السلام و هى الخمسون من المختار فى باب الخطب

و رواها ثقة الاسلام الكليني عطر اللّه مضجعه في أصول الكافي و في كتاب‏ الرّوضة منه أيضا مسندة بالسّندين الآيتين باختلاف يسير في الأوّل و مبسوطة في الثّاني.

إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع، و أحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب اللّه، و يتولّى عليها رجال رجالا على غير دين اللّه، فلو أنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين، و لو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين، و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان، فهنالك يستولى الشّيطان على أوليائه، و ينجو الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى.

اللغة

(البدء) بفتح الباء و سكون الدالّ و الهمزة أخيرا بمعنى الأوّل و بمعنى الابتداء أيضا يقال بدءت بالشي‏ء بدء أى أنشأته إنشاء، و منه بدء اللّه الخلق أى أنشأهم و (الفتن) جمع الفتنة و هو الاختبار و الامتحان تقول: فتنت الذّهب إذا أدخلته النّار لتنظر جودته، و قد أكثر استعمالها فيما يقع به الاختبار كما في قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ ثمّ اكثر استعمالها في الاثم و الكفر و الضّلال و الاحراق و الازالة و الصّرف عن الشّي‏ء كذا حكى عن النّهاية و (البدعة) اسم من ابتدع الامر اى ابتدئه ثمّ غلب على ما هو زيادة في الدّين أو نقصان منه و (التّولّى) الاتباع و منه قوله سبحانه: وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ أى من يتّبعهم و (المزاج) ككتاب ما يمزج به قال سبحانه: إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ و قال الشّاعر:

كانّ سبيئة من بيت رسّ            يكون مزاجها عسل و ماء

و الارتياد) الطلب و المرتاد الطالب و (الضّغث) قبضة حشيش مختلط رطبها بيابسها و يقال ملاء الكفّ من قضبان أو حشيش أو شماريخ و في التنزيل: وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ

الاعراب

جملة تتّبع و تبتدع مرفوعة المحلّ على الوصفيّة، و جملة يخالف و يتولّى إمّا في محلّ الرّفع على الوصف أيضا أو في محلّ النّصب على الحاليّة، و قوله: على غير دين اللّه متعلّق بالمقدّر، و هو إمّا حال من رجالا أو صفة له و إضافة المزاج إلى الحقّ بيانيّة

المعنى

اعلم أنّ مقصوده بهذه الخطبة هو توبيخ الخلق على متابعة الأهواء المبتدعة و الآراء المضلّة، و على مخالفة الكتاب القويم، و العدول عن الصّراط المستقيم المؤدّي إلى وقوع الفتن و فساد نظم العالم كما قال عليه السّلام: (إنّما بدء وقوع الفتن) و الضّلالات (أهواء) مضلّة (تتبع و أحكام) باطلة (تبتدع) الّتي (يخالف فيها) أى في تلك الأحكام (كتاب اللّه) إذ الاحكام المبتدعة خارجة من الكتاب و السّنة مخالفة لهما لما قد عرفت سابقا أنّ البدعة عبارة عن إدخال ما ليس من الدّين في الدّين فهى لا محالة مخالفة لاصول الشّريعة المستفادة من الكتاب و السّنة.

و من ذلك«» أنّ يونس بن عبد الرّحمن لمّا قال لأبي الحسن عليه السّلام: بما أوحّد اللّه قال له: يا يونس لا تكوننّ مبتدعا من نظر برأيه هلك، و من ترك أهل بيت نبيّه ضلّ، و من ترك كتاب اللّه و قول نبيّه كفر.

فانّ المستفاد منه أنّ في العمل بالرّأى و متابعة الهوى مخالفة لكتاب اللّه و عدولا عن سنة رسول اللّه (و يتولّى فيها رجال رجالا على غير دين اللّه) أى يتّخذ طايفة من المايلين إلى تلك الأهواء الزّايفة و الآراء الباطلة طايفة أخرى من أمثالهم أولياء و نواصر لهم، فيتّبعونهم و يحبّونهم تربية لأهوائهم الفاسدة و تقوية لبدعهم الضّالة.

ثمّ أشار عليه السّلام إلى أنّ أسباب تلك الآراء أيضا إنّما هى امتزاج المقدّمات الحقّة بالباطلة في الحجج التي يستعملها المبطلون في استخراج المجهولات، و نبّه على ذلك بشرطيّتين متّصلتين.

إحداهما قوله (فلو أنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين) وجه الملازمة أنّ مقدّمات الشّبهة إذ كانت كلّها باطلة أدرك طالب الحقّ بظلانها بأدنى سعى و لم يخف عليه فسادها، مثال ذلك قول قوم من الباطنيّة: البارى تعالى لا موجود و لا معدوم و كلّ ما لا يكون موجودا و لا معدوما يصح أن يكون حيّا قادرا فالبارى تعالى يصحّ أن يكون قادرا فهاتان المقدّمتان جميعا باطلتان و لذلك صار هذا القول مرغوبا عنه عند العقلاء.

و الاخرى قوله: (و لو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين) لأنّ المقدّمات إذا كانت صحيحة حقّة كانت النتيجة حقّا و انقطع عنها اللّجاج و العناد، كقولنا: العالم حادث و كلّ حادث محتاج إلى المحدث فالعالم محتاج إلى المحدث، و لكن لما لم يخلص الباطل من المزاج و لم يمحض الحقّ من الالتباس بل امتزج الباطل بالحقّ و اختلط الحقّ بالباطل و تركّبت القضايا من المقدّمات الحقّة و الباطلة، مثل ما قال المدّعون للرؤية: الباري تعالى موجود و كلّ موجود يصحّ أن يكون مرئيا فالباري تعالى يصحّ أن يكون مرئيا، لا جرم خفى الامر على الطالب المرتاد و كثر لذلك اللّجاج و العناد.

و هذا هو معنى قوله عليه السّلام (و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان) أى الضّغثان (فهنا لك يستولى الشيطان على أوليائه) و يغلب على اتباعه و أحبّائه و يجد مجالا للاضلال و الاغواء، و يزيّن لهم اتباع الآراء و الأهواء، فأولئك سيجدون قبايح أعمالهم و عقايدهم و هم عليها واردون و أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (و) أمّا العارفون باللّه بعين الحقيقة و السّالكون لسبيله بنور البصيرة ف (ينجو) ن من ذلك و يتخلّصون من المهالك و هم (الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى) و العناية الازليّة و قادتهم التوفيقات الرّبانية و هؤلاء عن النّار مبعدون و أولئك في الجنّة هم خالدون.

و اعلم أنّ ما ذكرته في شرح المقام إنّما هو جريا على ما هو المستفاد من ظاهر كلامه عليه السّلام المسوق على نحو العموم و الاطلاق، و الذي ظهر لي منه بعد النظر الدّقيق خصوصا بملاحظة الزّيادات الآتية في رواية الرّوضة هو أنّ غرضه بذلك الطعن على المتخلّفين الغاصبين للخلافة و التابعين لهم و على من حذا حذوهم من الناكثين و القاسطين و المارقين و أضرابهم، فانّهم أخذوا بظاهر أحكام الشّريعة، و دسّوا فيها بدعاتهم الباطلة النّاشئه من متابعة أهوائهم المضلّة، فخلطوا عملا صالحا بآخر سيّئا و صار ذلك سببا لافتتان النّاس بهم و اتباع أفعالهم و أقوالهم و اشتباه الأمر عليهم.

لأنّ كلّ باطل و كذب ما لم يكن فيه شبه حقّ و صدق لا يقبله ذو عقل و حجى كما أنّ كلّ مزيف كاسد ما لم يكن مغشوشا بنقد رايج لا يصير رايجا في سوق ذوى الأبصار إذ التّميز بين الذهب و النّحاس و الفضة و الرّصاص ممّا لا يخفى على ذوي العقول السّليمة.

لأنّ الباطل الصّرف لاحظّ له في الوجود و لا يقع في توّهم ذوي العقول إلّا إذا اقترن بشبه الحقّ، و لا الكذب المحض ممّا يصدق به ذو عقل إلّا إذا امتزج بالصّدق فلما حصل الامتزاج و الاختلاط و اشتبك الظلمة بالنّور التبس الأمر على النّاس فأضلّهم الشيطان و زيّن لهم أعمالهم فصدّوا عن سبيل الدّين و انحرفوا عن الامام المبين، فارتدّ كلّهم أجمعون إلّا أولياء اللّه المخلصين، ف إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ.

تكملة

قد أشرنا سابقا إلى أنّ هذه الخطبة مرويّة مسندة في الكافي فينبغى لنا أن نورد ما هناك جريا على ما هو دأبنا في هذا الشّرح ثمّ نعقبه بتفسير بعض كلماته الغريبة و توضيح ما فيه من النّكات اللطيفة الشّريفة فأقول:

في باب البدع و الرأى و المقاييس من كتاب العقل و الجهل منه عن الحسين بن محمّد الأشعرى، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّا، و عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن ابن فضال جميعا، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السّلام النّاس فقال: أيّها الناس إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع و أحكام تبتدع يخالف فيها كتاب يتولّى فيها رجل «رجال خ ل» رجالا، فلو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذى حجى، و لو أنّ الحقّ خلص لم يكن اختلاف، و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معافهنا لك استحوذ الشيطان على أوليائه و نجى الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى.

و في كتاب الرّوضة عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن ابراهيم ابن عثمان عن سليم بن قيس الهلالي، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ صلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال: ألا إنّ أخوف ما أخاف عليكم خلّتان: اتّباع الهوى و طول الأمل أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، و أمّا طول الأمل فينسى الآخرة، ألا إنّ الدّنيا قد ترحّلت مدبرة، و إنّ الآخرة قد ترحّلت مقبلة، و لكلّ واحدة بنون فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدّنيا، فانّ اليوم عمل و لا حساب و إنّ غدا حساب و لا عمل.

و إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع و آراء تبتدع يخالف فيها حكم اللّه يتولّى فيها رجال رجلا إنّ الحقّ لو خلص لم يكن اختلاف، و لو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، لكنه يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجتمعان فيجللان معا فهنا لك يستولى الشّيطان على أوليائه و نجى الذين سبقت لهم من اللّه «منّاخ» الحسنى.

إنّى سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصّغير و يهرم فيها الكبير، يجرى النّاس عليها و يتّخذونها سنّة، فاذا غيّر منها شي‏ء قيل قد غيّرت السنّة و قد أتى النّاس منكرا ثمّ تشتدّ البليّة و نسى الذّريّة و تدقّهم الفتنة كما تدقّ النّار الحطب و كما تدقّ الرّحا بثفالها و يتفقّهون لغير اللّه،و يتعلّمون لغير العمل و يطلبون الدّنيا بأعمال الآخرة.

ثمّ أقبل بوجهه و حوله ناس من أهل بيته و خاصّته و شيعته فقال عليه السّلام: قد عملت الولاة قبلى أعمالا خالفوا فيها رسول اللّه متعمّدين لخلافه ناقضين لعهده، مغيّرين لسنّته، و لو حملت الناس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها و إلى ما كانت في عهد رسول اللّه لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقى وحدى أو قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضليّ و فرض امامتي من كتاب اللّه عزّ ذكره و سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

أرايتم لو أمرت بمقام ابراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللّه، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة، ورددت صاع رسول اللّه كما كان، و أمضيت قطايع أقطعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأقوام لم تمض لهم و لم تنفض، ورددت دار جعفر عليه السّلام إلى ورثته و هدمتها من المسجد، ورددت قضايا من الجور قضى بها، و نزعت نساء تحت رجال بغير حقّ فرددتهنّ إلى أزواجهنّ و استقبلت بهنّ الحكم في الفروج و الأحكام و سبيت ذراري بني تغلب، و رددت ما قسّم من أرض خيبر، و محوت دواوين العطايا و أعطيت كما كان رسول اللّه يعطى بالسّويّة و لم أجعلها دولة بين الأغنياء، و ألقيت المساحة، و سوّيت بين المناكح، و أنفذت خمس الرّسول كما أنزل اللّه عزّ و جلّ و فرضه، ورددت مسجد رسول اللّه على ما كان عليه، و سددت ما فتح فيه من الأبواب، و فتحت ما سدّ منه، و حرّمت المسح على الخفّين، و حددت على النّبيذ، و أمرت باحلال المتعتين، و أمرت بالتكبير علي الجنائز خمس تكبيرات، و ألزمت النّاس الجهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم، و أخرجت من ادخل مع رسول اللّه في مسجده ممّن كان رسول اللّه أخرجه، و أدخلت من اخرج بعد رسول اللّه ممّن كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أدخله، و حملت النّاس على حكم القرآن، و على الطلاق على السّنة، و أخذت الصّدقات على أصنافها و حدودها، و رددت الوضوء و الغسل و الصّلاة إلى مواقيتها و شرايعها و مواضعها، و رددت أهل نجران إلى مواضعهم، و رددت سبايا فارس و ساير الامم إلى كتاب اللّه و سنّة نبيه إذا لتفرّقوا عنّى.

و اللّه لقد أمرت النّاس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة و علّمتهم‏ أنّ اجتماعهم في النّوافل بدعة فنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي: يا أهل الاسلام غيّرت سنّة عمر ينهانا عن الصّلاة في شهر رمضان تطوّعا.

و لقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ما لقيت هذه الامة من الفرقة و طاعة أئمة الضّلالة و الدّعاة إلى النّار، و أعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال اللّه عزّ و جلّ: إن كنتم آمنتم باللّه و ما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان.

فنحن و اللّه عنى بذي القربى الذي قرّبنا اللّه بنفسه و برسوله فقال تعالى: فللّه و للرّسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السّبيل، فينا خاصّة كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم و ما آتيكم الرّسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا و اتّقوا اللّه في ظلم آل محمّد إنّ اللّه شديد العقاب لمن ظلمهم رحمة منه لنا و غنا أغنانا اللّه به.

و وصّى به نبيّه و لم يجعل لنا في سهم الصّدقة نصيبا أكرم اللّه رسوله و أكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس فكذّبوا اللّه و كذّبوا رسول اللّه و جحدوا كتاب اللّه النّاطق بحقّنا و منعونا فرضا فرضه اللّه لنا، ما لقى أهل بيت نبيّ من امّته ما لقيته بعد نبيّنا و اللّه المستعان على من ظلمنا و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العلّي العظيم.

بيان

«يجللان» بضّم الياء بصيغة المضارع المبنيّ للمفعول مأخوذ من التّجليل يقال جللت الشّي‏ء إذا غطيته «ألبستكم» كذا في اكثر النّسخ و في بعضها البستم علي بناء المجهول من باب الافعال و هو الأظهر و في بعض النّسخ لبستم «و الثفال» بالفاء مثل كتاب جلد أو نحوه يوضع تحت رحى اليد يقع عليه الدّقيق قال الفيروز آبادي بثفالها أى على ثفالها أى حال كونها طاحنة لأنّهم لا يقفلونها إلّا إذا طحنت، و في أكثر النّسخ ثقالها بالقاف و لعلّه تصحيف، و عليه فلعلّ المراد مع ثقالها أى إذا كانت معها ما يثقلها من الحبوب فيكون أيضا كناية عن كونها طاحنة.

قال المجلسي (ره): «لو أمرت بمقام إبراهيم» اشارة إلى ما فعله عمر من‏تغيير المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى موضع كان فيه في الجاهلية «ورددت صاع رسول اللّه» كان صاعه على ما قيل أربعة أمداد فجعله عمر خمسة أمداد «و نزعت نساء» اه كالمطلّقات ثلاثا في مجلس واحد و غيرها ممّا خالفوا فيه حكم اللّه «و سبيت ذرارى بني تغلب» لأنّ عمر رفع عنهم الجزية.

قال المطرزي: بنو تغلب قوم من مشركى العرب طالبهم عمر بالجزية فأبوا فصولحوا على أن يعطوا الصّدقة متضاعفة فقبلوا و رضوا اه، و لعدم كونهم من أهل الذمة يحلّ سبى ذراريهم «و محوت دواوين العطايا» أى التي بنيت على التّفضيل بين المسلمين في زمن عمر و عثمان «و ألقيت» إشارة إلى ما عدّه الخاصّة و العامّة من بدع عمر أنّه قال ينبغي أن نجعل مكان هذا العشر و نصف العشر دراهم نأخذها من أرباب الأملاك، فبعث الى البلدان من مسح على أهلها فألزمهم الخراج، فأخذ من العراق و مايليها ما كان أخذه منهم ملوك الفرس على كلّ جريب درهما واحدا و قفيزا من أصناف الحبوب، و أخذ من مصر و نواحيها دينارا و ازدبّا عن مساحة جريب كما كان يأخذ منهم ملوك الاسكندرية، و الازدب لأهل مصر أربعة و ستّون منّا، و كان أوّل بلد مسحه عمر بلد الكوفة.

«و سوّيت بين المناكح» بأن يزوّج الشّريف و الوضيع كما فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و زوّج بنت عمه مقدادا و عمر نهى عن تزويج الموالى و العجم «ورددت مسجد رسول اللّه» اه إشارة إلى ما وقع فيه من التغيير في زمن عثمان حيث و سمّعوه و أدخلوا فيه بعض الدّور التي كانت جواره غصبا و عدوانا «و أمرت بالتّكبير على الجنائز خمس تكبيرات» أى لا أربعا كما ابتدعته العامّة و نسبوه إلى عمر «و ألزمت النّاس الجهر» قال في البحار: يدلّ ظاهرا على وجوب الجهر بالبسملة مطلقا و إن امكن حمله على تأكّد الاستحباب.

«و أخرجت من ادخل» يحتمل أن يكون المراد إخراج جسدى الملعونين الذين دفنا في بيته بغير اذنه مع أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يأذن لهما لخوخة في مسجده‏ و ادخال جسد فاطمة و دفنها عند النبيّ أو رفع الجدار من بين قبريهما، و يحتمل أن يكون المراد إدخال من كان ملازما لمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حياته كعمار و أبي ذر و أضرابهما و إخراج من أخرجه الرّسول صلّى اللّه عليه و آله من المطرودين كحكم ابن أبي العاص و ابنه مروان، و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخرجهما فأدخلهما عثمان «ورددت أهل نجران إلى مواضعهم» قال المجلسي: لم أظفر إلى الآن بكيفية إخراجهم و سببه و بمن أخرجهم «ورددت سبايا فارس» لعلّ المراد الاسترداد ممّن اصطفاهم أو أخذ زايدا من حقّه «ما لقيت» كلام مستأنف للتّعجب «و اعطيت» رجوع إلى الكلام السّابق و لعلّ التّاخير من الرّواة «إن كنتم آمنتم باللّه» من تتمّة آية الخمس حيث قال تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى‏ وَ الْيَتامى‏ وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ، الآية.

قال البيضاوي: إن كنتم آمنتم باللّه متعلّق بمحذوف دلّ عليه و اعلموا أى إن كنتم آمنتم باللّه فاعلموا أنّه جعل الخمس لهؤلاء فسلموه إليهم و اقتنعوا بالأخماس الأربعة الباقية، فانّ العلم المتعلّق بالعمل لم يرد منه العلم المجرّد، لأنّه مقصود بالعرض و المقصود بالذّات هو العمل «و ما أنزلنا على عبدنا» محمّد من الآيات و الملائكة و النصر «يوم الفرقان» يوم بدر فانّه فرق فيه بين الحقّ و الباطل «يوم التقى الجمعان» المسلمون و الكفّار.

و قوله «كيلا يكون دولة» تتمّة لآية اخرى ورد في فيئهم حيث قال: ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه و للرّسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل كيلا يكون، أى الفي‏ء الّذي هو حقّ الامام «دولة بين الأغنياء منكم» الدولة بالضّم ما يتداوله الأغنياء و يدور بينهم كما كان في الجاهليّة «رحمة لنا» أى قرّر الخمس و الفي‏ء لنا رحمة منه لنا و ليغنينا بهما عن أوساخ أيدى النّاس.

الترجمة

از جمله كلام فصاحت نظام آن امام است كه مى‏ فرمايد: جز اين نيست كه ابتداء واقع شدن فتن‏ها هواها و خواهشات نفسانيست كه پيروى كرده مى‏ شود و حكم‏ هاى شيطانيست كه اختراع كرده مى‏ شود، مخالفت كرده مى‏ شود در آن اهواء و احكام كتاب خدا، و متابعت مى‏ نمايد در آن احكام مردانى مردانى را در حالتى كه مى ‏باشند ايشان بر غير دين خدا، پس اگر باطل خالص مى‏ بود از آميزش حق مخفى نمى ‏ماند بر طلب كنندگان، و اگر حق خالص مى ‏بود از التباس بباطل بريده مى‏ شد از او زبانهاى ستيزه نمايندگان، و ليكن فرا گرفته مى‏ شود از حق دسته و از باطل دسته پس اينجا يعنى نزد امتزاج حق بباطل مستولى مى‏ شود شيطان بر اولياء خود، و نجات مى‏ يابد از خطر اين شبهه آن كسانى كه پيشى گرفته است از براى ايشان از جانب خدا حالتى نيكو كه عبارتست از عنايت ازلي و توفيق لم يزلي.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 49 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 49 صبحی صالح

49- و من كلام له ( عليه ‏السلام  )

و فيه جملة من صفات الربوبية و العلم الإلهي‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ

وَ دَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلَامُ الظُّهُورِ

وَ امْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ

فَلَا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ

وَ لَا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ

سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلَا شَيْ‏ءَ أَعْلَى مِنْهُ

وَ قَرُبَ فِي‏الدُّنُوِّ فَلَا شَيْ‏ءَ أَقْرَبُ مِنْهُ

فَلَا اسْتِعْلَاؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْ خَلْقِهِ

وَ لَا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ

لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ

وَ لَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ

فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلَامُ الْوُجُودِ

عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ

تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ

وَ الْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من خطبة له عليه السّلام و هى التاسعة و الاربعون من المختار فى باب الخطب

الحمد للّه الّذي بطن خفيّات الأمور، و دلّت عليه أعلام الظّهور، و امتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره، و لا قلب من أثبته يبصره، سبق في العلوّ فلا شي‏ء أعلا منه، و قرب في الدّنوّ فلا شي‏ء أقرب منه، فلا استعلائه باعده عن شي‏ء من خلقه، و لا قربه ساواهم في المكان به، لم يطلع العقول على تحديد صفته، و لم يحجبها عن واجب معرفته، فهو الّذي تشهد له أعلام الوجود، على إقرار قلب ذي الجحود، تعالى اللّه عمّا يقول المشبّهون به و الجاحدون له علوّا كبيرا.

اللغة

(بطنته) أبطنه علمته و أخبرته و (الأعلام) جمع العلم بالتّحريك و هو ما يستدلّ به على الشي‏ء كالعلامة و (لم يطلع) من باب الافعال يقال اطلعت زيدا على كذا مثل أعلمته و زنا و معنا و (الجحود) الانكار يقال جحد حقّه أى أنكره قال الفيومي و لا يكون إلّا على علم من الجاحد به.

الاعراب

فاعل امتنع محذوف بقرينة المقام أى امتنع رؤيته، و كلمة لا في قوله فلاعين و لا قلب بمعنى ليس، و في قوله فلا شي‏ء لنفى الجنس و به متعلّق بقوله ساواهم، و اضافة الواجب إلى معرفته من باب إضافة الصّفة إلى الموصوف، و على اقرار متعلّق بتشهد.

المعنى

اعلم أنّ هذه الخطبة الشّريفة مشتملة على مباحث جليلة من الحكمة الالهيّة و مطالب نفيسة من صفات الرّبوبية.

الاول أنّه سبحانه عالم بالخفيّات و السّراير و خبير بما في الصّدور و الضمائر و إليه الاشارة بقوله (الحمد للّه الذى بطن خفيّات الامور) و يدلّ ذلك على كونه عالما بالجليّات بطريق أولى كما برهن ذلك في الكتب الكلاميّة، و قد حقّقنا الكلام في علمه بجميع الأشياء و دللنا عليه بطريق النقل و العقل بما لا مزيد عليه في تنبيه الفصل السّابع من فصول الخطبة الاولى و لا حاجة لنا إلى إطناب الكلام في المقام و كفى بما ذكره عليه السّلام شهيدا قوله سبحانه: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً و قوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

و قوله: وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ فانّ المراد بالغيب هو الغايب عن الحواسّ الخفىّ على الخلق، و أظهر منها دلالة قوله سبحانه: وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى‏ يعنى لا تجهد نفسك برفع الصّوت فانّك و إن لم تجهر علم اللّه السرّ و أخفى من السّرّ، قال الطبرسي: اختلفوا فيما هو أخفى من السّرّ فقيل: السّرّ ما حدّث به العبد غيره في خفيّة و أخفى منه ما أضمره في نفسه ما لم يحدّث به غيره، و قيل: السّرّ ما أضمره العبد في نفسه و أخفى منه ما لم يكن و لا أضمره أحد، و روى عن السّيدين الباقر و الصّادق عليهما السّلام السّرّ ما أخفيته في نفسك و أخفى ما خطر ببالك ثمّ أنسيته.

(و) الثاني أنّه تعالى (دلّت عليه أعلام الظهور) و المراد بأعلام الظهور الآيات و الآثار الدالة على نور وجوده الظاهر في نفسه المظهر لغيره، و اليها الاشارة في قوله سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ و لا يخفى أنّ الاستدلال بتلك الأدلّة و الآيات هو طريق الملّيّين و ساير فرق المتكلّمين فانّهم قالوا: إنّ الأجسام لا يخلو عن الحركة و السّكون، و هما حادثان و ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، فالأجسام كلّها حادثة، و كلّ حادث مفتقر إلى محدث فمحدثها غير جسم و لا جسماني و هو الباري جلّ اسمه دفعا للدّور و التّسلسل.

و قريب منها طريقة الطبيعيين و هو الاستدلال بالحركة قالوا: إنّ المتحرّك لا يوجب حركة بل يحتاج إلى محرّك غيره، و المحرّك لا محالة ينتهى إلى محرّك غير متحرّك أصلا دفعا للدّور و التّسلسل، و هو لعدم تغيّره و براءته عن القوة و الحدوث واجب الوجود.

و هنا طريقة اخرى أحكم من السّابقتين و هو الاستدلال بالفعل على الفاعل و إليه الاشارة في حديث الزنديق المروىّ في الكافي فانّه بعد ما سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن دليل التّوحيد و أجاب عنه عليه السّلام فكان من سؤاله أن قال: فما الدّليل عليه أى على وجوده تعالى فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: وجود الأفاعيل دلّت على أنّ صانعا صنعها، ألا ترى أنّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد مبني علمت أنّ له بانيا و إن كنت لم تر الباني و لم تشاهده، قال: فما هو: قال: شي‏ء بخلاف الاشياء.

و إنّما قلنا: إنّ هذه الطريقة أحكم لأنّه يرجع إلى البرهان اللّمّي و ذلك لأنّ كون الشي‏ء على صفة قد يكون معلولا لما ذاته علّة له، ألا ترى أنّ البنامن حيث إنّه بناء لا يعرف إلّا بالبناء، و الكاتب من حيث هو كاتب يدخل في حدّ الكتابة و ما يدخل في حدّ الشّي‏ء يكون سببا له و برهانا عليه لميّا، فذاته تعالى و إن لم يكن من حيث ذاته برهان عليه إذ لا جنس له و لا فصل له، و ما ليس له جنس و لا فصل لا حدّ له و ما لا حدّ له لا برهان عليه، إلّا أنّه من حيث صفاته و كونه مصدرا لأفعاله ممّا يقام عليه البرهان، كقولنا: العالم مصنوع مبنيّ يقتضي أن له صانعا بانيا، و إذا ثبت أنّ له صانعا ثبت وجوده في نفسه ضرورة، إذ ثبوت الشّي‏ء على صفة في الواقع لا ينفكّ عن ثبوته في نفسه كما هو ظاهر، و كيف كان فهذه الطرق هي المشار إليها بقوله سبحانه: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ‏ و هي كلها مشتركة في أنّ التّوسّل فيها إلى معرفته سبحانه إنّما هو باعتبار امر آخر غيره، كالامكان للمهيّة و الحدوث للخلق و الحركة للجسم.

و هنا طريقة اخرى هي أسدّ و ألطف و أشرف و هي أن يستدلّ به تعالى عليه ثمّ يستشهد بذاته على صفاته و أفعاله واحدا بعد واحد و إليها أشار الشّارح البحرانيّ بقوله: و أمّا الالهيّون فلهم في الاستدلال طريق آخر، و هي انّهم ينظرون أوّلا في مطلق الوجود أهو واجب أو ممكن، و يستدلّون من ذلك على اثبات واجب، ثمّ بالنظر في لوازم الوجوب من الوحدة الحقيقية على نفى الكثرة بوجه ما المستلزمة«» لعدم الجسمية و العرضيّة و الجهة و غيرها، ثمّ يستدلّون بصفاته على كيفية صدور أفعاله عنه واحدا بعد آخر.

و ظاهر أنّ هذا الطريق أجلّ و أشرف من الطريق الأوّل و ذلك لأنّ الاستدلال بالعلّة على المعلول أولى البراهين باعطاء اليقين، لكون العلم بالعلّة المعينة مستلزما للعلم بالمعلول المعين من غير عكس.

قال بعض العلماء: و إنّه طريق الصّديقين الذين يستشهدون به لا عليه أى يستدلّون بوجوده على وجود كلّ شي‏ء إذ هو منه و لا يستدلّون بوجود شي‏ء عليه بل هو أظهر وجودا من كلّ شي‏ء فان خفى مع ظهوره، فلشدّة ظهوره، و ظهوره سبب بطونه، و نوره هو حجاب نوره، إذ كلّ ذرّة من ذرّات مبدعاته و مكوناته فلها عدّة ألسنة تشهد بوجوده و بالحاجة إلى تدبيره و قدرته لا يخالف شي‏ء من الموجودات شيئا من تلك الشّهادات و لا يتخصّص أحدها بعدم الحاجات.

و قال الصّدر الشّيرازى في شرح الكافي: و اعلم أنّ للحكماء في إثبات هذا المطلب يعني وجود الصّانع منهجين احدهما الاستدلال على وجوده تعالى من جهة النظر في أفعاله و آثاره و ثانيهما الاستشهاد عليه من جهة النظر في حقيقة الوجود و أنّها يجب أن يكون بذاتها محقّقة و بذاتها واحدة و هي ذات الواجب و أنّ ما سواه من الأشياء التي لها مهيّات غير حقيقة الوجودية تصير موجودة و انّ‏ وجودها رشح و تبع لوجوده فدلّت ذاته على ذاته.

و إلى هذين المنهجين اشير في الكتاب الالهي حيث قال اللّه تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ هذا منهج قوم و قال: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ هذا منهج قوم آخروهم الصّديقون الذين يستشهدون من ذاته على حقيقة ذاته و من حقيقة ذاته على احديّة ذاته كما قال اللّه تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ و من أحديّة ذاته على ساير صفاته، و من معرفة صفاته على كيفية أفعاله الأوائل و الثّواني واحدا بعد واحد على ترتيب الأشرف و الأشرف إلى أن ينتهى إلى الجسمانيات و المتحركات، و لا شك أنّ هذا المنهج أحكم و أوثق و أشرف و أعلا انتهى كلامه.

فليفهم جيّدا فانّه غير خال عن ايهام القول بوحدة الوجود الفاسد عند أهل الشّرع كما يأتي تفصيلا في شرح الكلام المأتين و الثّامن إنشاء اللّه تعالى، و قد قرّر هذا المرام في أوّل السّفر الالهى من كتابه الأسفار بتقرير أوضح و أبسط، و لا حاجة بنا إلى ذكره و فيما أوردناه هنا كفاية للمستر شد و هداية للمهتدى.

و في كلّ شي‏ء له آية            تدلّ على أنّه واحد

(و) الثالث أنّه سبحانه (امتنع) رؤيته (على عين البصير): فَ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ و هذا هو مذهب أصحابنا وفاقا للمعتزلة، و عليه دلّت الآيات الكريمة و البراهين المتينة و الأخبار المتواترة عن أهل بيت العصمة سلام اللّه عليهم و لنقتصر منها على رواية واحدة.

و هو ما رواه في الكافي باسناده عن أحمد بن إسحاق قال: كتبت إلى أبى الحسن الثالث عليه السّلام أسأله عن الرؤية و ما اختلف فيه النّاس قال: فكتب لا يجوز الرّؤية ما لم يكن بين الرّائي و المرئي هواء ينفذه البصر فاذا انقطع الهواء من الرائي و المرئي لم يصّح الرؤية و كان في ذلك الاشتباه، لأنّ الرّائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه و كان ذلك التّشبيه لأنّ الأسباب لا بدّ من اتّصالها بالمسبّبات.

و هذه الرّواية كما ترى دالّة على امتناع الرّؤية بوجهين احدهما أنّ من شرايط تحقّق الرؤية وجود الهواء أو ما يجري مجراه كالماء الصافي و نحوه بين الرائي و المرئي لتنفذ فيه شعاع البصر و يتّصل بالمبصر فاذا انقطعت الهواء عنهما أو عن أحدهما امتنعت الرّؤية الثاني لو جاز رؤيته سبحانه لزم كونه مشابها لخلقه تعالى عن ذلك علوّا كبيرا و إليه أشار عليه السّلام بقوله: و كان في ذلك الاشتباه، يعنى في كون الهواء بين الرّائي و المرئي الاشتباه يعنى شبه كل منهما بالآخر يقال اشتبها إذا شبه كلّ منهما الآخر لأنّ الرّائي متى ساوى المرئي و ماثله في النّسبة إلى السّبب الذى أوجب بينهما الرؤية وجب الاشتباه و مشابهة أحدهما الآخر في توسّط الهواء بينهما.

و كان في ذلك التّشبيه أى كون الرّائى و المرئى في طرفي الهراء الواقع بينهما يستلزم الحكم بمشابهة المرئي بالرّائي من الوقوع في جهة ليصحّ كون الهواء بينهما فيكون متحيّزا ذا صورة وضعية فانّ كون الشّي‏ء في طرف مخصوص من طرفي الهواء و توسط الهواء بينه و بين شي‏ء آخر سبب عقليّ للحكم بكونه في جهة و متحيّزا و ذا وضع، و هو المراد بقوله: لأنّ الأسباب لا بدّ من اتّصالها بالمسبّبات فقد تحقّق و استبان من ذلك امتناع رؤيته سبحانه مطلقا في الدّنيا و الآخرة.

و ظهر بطلان ما ذهبت إليه الاشاعرة من امكان رؤيته منزّها عن المقابل و الجهة و المكان كما قال عمر النّسفى و هو من عظماء الأشاعرة: و رؤية اللّه جايزة في العقل واجبة بالنّقل فيرى لا في مكان و لا على جهة من مقابلة أو اتصال شعاع أو ثبوت مسافة بين الرّائى و بين اللّه تعالى.

و قوله: فيرى لا في مكان له ناظر إلى منع اشتراط الهواء بين الرائي و المرئي و اشتراط الجهة و المكان كما استدلّ به الباقون للرؤية، و توضيح هذا المنع ما ذكره الغزالي في محكيّ كلامه من كتابه المسمّى بالاقتصاد في الاعتقاد، فانّه بعد ما نقل استدلال أهل الحقّ في نفى الرّؤية من أنّه يوجب كونه تعالى في جهة و كونه في جهة يوجب كونه عرضا أو جوهرا جسمانيا و هو محال.

قال: إنّ أحد الأصلين من هذا القياس مسلّم و هو أنّ كونه تعالى في جهة يوجب المحال، و لكنّ الأصل الأوّل و هو ادّعاء هذا اللّازم على اعتقاد الرّؤية ممنوع، فنقول: لم قلتم انّه إن كان مرئيا فهو في جهة من الرّائي أعلمتم ذلك ضرورة أم بنظر و لا سبيل إلى دعوى الضرورة، و أمّا النظر فلا بدّ من بيانه و منتهاه أنّهم لم يروا إلى الآن شيئا إلّا و كان بجهة من الرّائي مخصوصة، و لو جاز هذا الاستدلال لجاز للخصم «للمجسم خ ل» أن يقول: إنّ الباري تعالى جسم لأنّه فاعل فانّا لم نر إلى الآن فاعلا إلّا جسميا، و حاصله يرجع إلى الحكم بأنّ ما شوهد و علم ينبغي أن يوافقه ما لم يشاهد و لم يعلم أقول: و هذا معنى قول التفتازاني في شرح العقائد النّسفية في هذا المقام من أنّ قياس الغايب على الشّاهد فاسد هذا، و غير خفيّ على الفطن العارف فساد ما زعموه، إذ دعوى كون المرئى بهذا العين مطلقا يجب أن يكون في جهة ليست مبنيّة على أنّ المرئيات في هذا العالم لا يكون إلّا في جهة حتّى يكون من باب قياس الغايب على الشّاهد، بل النظر و البرهان يؤدّيان إليه.

بيان ذلك على ما حقّقه بعض المحقّقين«» هو أنّ القوّة الباصرة التي في عيوننا قوّة جسمانية وجودها و قوامها بالمادّة الوضعيّة، و كلّ ما وجوده و قوامه بشي‏ء فقوام فعله و انفعاله بذلك الشّي‏ء إذ الفعل و الانفعال بعد الوجود و القوام و فرعه، إذ الشّي‏ء يوجد أوّلا إمّا بذاته أو بغيره، ثمّ يؤثّر في شي‏ء أو يتأثّر عنه، فلأجل هذا نحكم بأنّ البصر لا يرى إلّا لما له نسبة وضعية إلى محلّ الباصرة، و السّامعة لا تنفعل و لا تسمع إلّا ما وقع منها في جهة أو أكثر فهذا هو البرهان.

ثمّ إنّه عليه السّلام بعد ما نبّه على امتناع رؤيته سبحانه أردف ذلك بجملتين.

إحداهما قوله: (فلا عين من لم يره تنكره) مشيرا بذلك إلى ردّ ما ربما يسبق إلى الوهم في بادى الرّأى من أنّ العين إذا امتنع عليها رؤيته فلا بدّ من إنكارها له، و محصّل دفع ذلك التّوهّم أنّ عدم الرّؤية لا يستلزم الانكار، إذ آيات القدرة و علامات المقدرة و آثار العظمة من الآفاق و الأنفس شاهد حقّ على وجوده و برهان صدق على ذاته، فكيف يمكن مع هذه الآيات الظاهرة و البراهين الساطعة الانكار بمجرّد عدم الابصار، مضافا إلى أنّ حظّ العين أن يدرك بها ما صحّ إدراكه فأمّا أن ينفى بها ما لا يدرك من جهتها فلا، و يأتي تحقيق الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه في شرح الخطبة الرّابعة و الستّين إنشاء اللّه تعالى.

و الثانية قوله عليه السّلام: (و لا قلب من أثبته يبصره) مريدا بذلك تاكيد امتناع الاحاطة به و بيان عجز العقول عن الوصول إلى كنه حقيقته، فانّ معنى الابصار هو الادراك على وجه الاكتناه، فالمقصود أنّ المثبت لا يمكن له أن يعرفه بقلبه معرفة ضروريّة و أن يحيط به إحاطة تامّة.

و لمّا كان الابصار حقيقة في الرّؤية بالعين المستلزمة للاحاطة بالعلم و العرفان الضّروري فاطلق لفظ يبصر و اريد به ذلك مجازا من باب اطلاق اسم الملزوم على اللّازم.

بيان ذلك أنّ اثباته تعالى بالقلب الّذي هو عبارة اخرى عن الايمان به ممّا يضعف و يشتدّ و ينقص و يكمل و يكون في مبدء اكتسابه ضعيفا ناقصا، ثمّ يتدرج بمزاولة الأفكار و الأعمال و يشتدّ شيئا فشيئا و يستكمل قليلا قليلا كما يقع للفحم بمجاورة النّار يتسخّن أوّلا تسخّنا قليلا، ثمّ يشتدّ تسخّنه حتّى يحمرّ، ثمّ يتنوّر ثمّ يضي‏ء و يحرق، و يفعل كما يفعله النّار من التّسخين و الاضائة و الاحراق، فهكذا يشتدّ نور العلم و قوّة الايمان حتّى يصير العلم عينا، و الايمان عيانا، و المعرفة تنقلب مشاهدة و لهذا قيل إنّ المعرفة بذر المشاهدة.

و لكن يجب أن يعلم أنّ العلم إذا صار عينا لم يصرعينا محسوسا، و أنّ المعرفة إذا انقلب مشاهدة لم ينقلب مشاهدة بصرّية حسية لأن الحسّ و المحسوس نوع مضاد للعقل و المعقول لا يمكن لشي‏ء من أفراد أحد النّوعين المضادّين أن ينتهى في مراتب استكمالاته و اشتداداته إلى شي‏ء من أفراد النّوع الآخر فالابصار إذا اشتدّ لا يصيرتخيلا مثلا، و لا التّخيل إذا اشتدّ يصير تعقّلا، و لا بالعكس.

نعم إذا اشتدّ التّخيل ير مشاهدة و رؤية بعين الخيال لا بعين الحسّ و كثيرا ما يقع الغلط من صاحبه أنّه رأى بعين الخيال أم بعين الحسّ الظاهر كما يقع للمجانين و الكهنة، و كذا التّعقل إذا اشتدّ يصير مشاهدة قلبيّة و رؤية عقليّة لا خيالية و لا حسية و هذا هو معنى الابصار بالقلب على ما ثبت في بعض الأخبار.

و هو ما رواه في الكافي عن أبى جعفر عليه السّلام فى جواب الرّجل الخارجي الذي قال له: أيّ شي‏ء تعبد قال: اللّه، قال: رأيته قال عليه السّلام: بل لم تره العيون بمشاهدة الابصار و لكن رأته القلوب بحقايق الايمان.

فانّ المراد برؤية القلوب له هو ادراك العقول القدسّية له بالأنوار العقليّة الناشية من الايمان و الاذعان الخالص فانّ الايمان إذا اشتدّ حسبما ذكرنا حصل في القلب نور يشاهد به الرّبّ كمشاهدة العيان، و سيأتى لهذا مزيد توضيح و تحقيق في مقامه المناسب إنشاء اللّه.

فان قلت: فكيف يجتمع ذلك مع كلامه عليه السّلام الذي نفى فيه الابصار.

قلت لعلك لم تتأمّل فيما حقّقناه حقّ التّامل إذ لو تأمّلته عرفت عدم التدافع بين الخبرين لعدم رجوع النفى و الاثبات فيهما إلى شي‏ء واحد إذ الابصار المنفى في حقّه هو إدراكه على وجه الاحاطة و معرفته حقّ المعرفة، كما قال صلوات اللّه عليه: ما عرفناك حقّ معرفتك، و الرؤية المثبتة في خبر أبي جعفر عليه السّلام هو إدراكه لا على وجه الاحاطة، بل غاية ما يمكن أن يتصوّر في حقّ العبد الّتي هى أشدّ مراتب الايمان و أكمل درجاته، و يأتي لذلك الخبر توجيهات اخر في شرح الكلام المأة و الثامن و السّبعين إنشاء اللّه.

فان قلت: هل لك شاهد من الأخبار على حمل الابصار المنفىّ في كلامه على المعنى الّذي ذكرت قلت: نعم و هو ما رواه في الكافي باسناده عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى:

لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ قال: إحاطة الوهم ألا ترى إلى قوله: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ليس يعني به بصر العيون: فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ليس يعني من أبصر بعينه: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ ليس بعني عمى العيون إنّما عنى إحاطة الوهم كما يقال فلان بصير بالشعر، و فلان بصير بالفقه، و فلان بصير بالدّراهم، و فلان بصير بالثّياب اللّه أعظم من أن يرى بالعين فانّ السّائل لمّا توهّم كون المراد بالآية نفي الرّؤية المعتادة بهذا البصر الحسّي نبّه عليه السّلام على أنّ المراد بها ليس ذلك، لأنّه أمر مستغنى عنه، و ذاته تعالى أجلّ من أن يحتمل في حقّه ذلك حتّى يصير الآية محمولة عليه، بل المراد نفى إحاطة الوهم به عنه و أنّ الابصار ليست ههنا بمعنى العيون بل بمعنى العقول و الأوهام على ما وردت في الآيات و اشتهر اطلاقها عليها بين أهل اللّسان و مثله ما رواه أيضا عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي هاشم الجعفرى عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال: سألته عن اللّه هل يوصف، فقال: أما تقرء القرآن قلت: بلى قال: أما تقرء قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ قلت: بلى، قال: فتعرفون الابصار، قلت: بلى، قال: ماهى قلت: إبصار العيون، قال: إنّ أوهام القلوب أكبر من ابصار العيون، فهو لا يدركه الأوهام و هو يدرك الأوهام قال المحدّث المجلسي في مرآت العقول: و المراد بأوهام القلوب إدراك القلوب باحاطتها به، و لما كان إدراك القلوب بالاحاطة لما لا يمكن أن يحاط به و هما عبّر عليه السّلام عنه بأوهام القلوب هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام و يحمل عليه كلام الامام عليه السّلام، و أمّا ما ذكره الشّارح البحراني من أنّ المراد بقوله: و لا قلب من أثبته يبصره، أنّ من أثبته مع كونه مثبتا له بقلبه لا يبصره فبعيد لفظا و معنى فافهم جيّدا (و) الرابع أنّه سبحانه (سبق في العلوّ) و تقدّم على من عداه (فلا شي‏ء أعلا منه) و المراد بالعلوّ العقلي لا الحسّي كعلوّ السّماء بالنّسبة إلى الأرض، و لا التّخييلي كما للملك بالنّسبة إلى الرّعية إذ الأوّل مقصور في المحسوسات و المتحيّزات، و الثّاني متغيّر بحسب الاشخاص و الأوقات، و هو سبحانه منزّه عن الحسّ و المكان، و مقدّس عن الكمال الخيالي القابل للزّيادة و النّقصان، فله الفوقيّة المطلقة و العلوّ العقلي و ذلك انّ أعلى مراتب الكمال هو مرتبة العليّة و لمّا كان الأوّل تعالى مبدء كلّ شي‏ء حسّي و عقليّ و علّته التي لا يتصوّر فيها النّقصان بوجه لا جرم كان مرتبته أعلى المراتب العقليّة مطلقا، و له الفوق المطلق في الوجود العاري عن الاضافة إلى شي‏ء دون شي‏ء، و عن إمكان أن يكون فوقه ما هو أعلى منه أو في مرتبته ما يساويه، فهو المتفرّد بالفوقية المطلقة و العلوّ المطلق لا يلحقه فيهما غيره و يحتمل أن يكون المراد بالعلوّ العلوّ بالقدرة و القهر و الغلبة أو بالكمال و الاتّصاف بالصّفات الحسنة و تماميّته بالنّسبة إلى كلّ شي‏ء و نقص الكلّ بالنّسبة إليه فكلّ متوجّه إلى فوق ما عليه متوجّه إليه، فهو فوق كلّ شي‏ء و لا يقال شي‏ء فوقه و مرجع ذلك كلّه إلى كمال رتبة وجوده و شدّة نوره (و) الخامس أنّه جلّت عظمته (قرب في الدّنوّ) إلى من سواه (فلا شي‏ء أقرب منه) إليهم، و لمّا كان السّبق في العلوّ مستلزما للبعد عن الغير حسن المقابلة بينه و بين القرب في الدّنوّ، و كما أنّ علوّه على خلقه كان علوّا عقليّا، فكذلك قربه إليه قرب عقليّ و هو القرب بالعلم و الاحاطة أو القرب بالرّحمة و الافاضة، فهو الذي لا يعزب عن علمه شي‏ء و أقرب إلى النّاس من حبل الوريد و لمّا كان قربه إلى الأشياء و إلى الخلق بهذا المعنى لا يكون له منافاة لبعده عنهم اللازم من علوّة، فهو سبحانه في كمال علوّه عليهم و بعده عنهم من حيث الذّات و الصّفات منهم قريب، و في كمال قربه منهم و دنوّه إليهم من حيث العلم و الاحاطة عنهم بعيد، لأنّ النّور كلّما كان أشدّ و أقوى كان مع علوّه و بعده أقرب و أدنى و اعتبر ذلك بنور الشّمس و هي في السّماء الرّابعة و بنور السّراج و المشعل و هو عندك في وجه الأرض فانظر أيّهما أقرب منك حتّى تعلم أنّ أعلى الموجودات شرفا و نورا يجب أن يكون أقربها منك و حيث إنّ علوّه سبحانه لم يكن علوّا حسّيا و لا فوقيّته فوقيّة مكانيّة (فلا) يكون (استعلاؤه باعده عن شي‏ء من خلقه) بعدا مكانيّا و إن كان بعيدا منهم بمقتضى علوّه العقليّ و متباعدا عن عقولهم بسبب ارتفاعه الذّاتي (و) حيث إنّ قربه من الخلق لم يكن قربا حسيّا و لا دنوّه دنوّا مكانيّا ف (لا) يكون (قربه) منهم (ساواهم في المكان به) و المقصود بهاتين الجملتين ردّ توهّم اولى الأوهام النّاقصة و الأذهان القاصرة الذين لم يفهموا من العلوّ إلّا الحسّي المستلزم للتّباعد، و لم يعرفوا من القرب إلّا المكاني المستلزم لمساواة المتقاربين في المحلّ، و قد عرفت هنا و في شرح الفصل الخامس و السّادس من الخطبة الاولى في بيان معنى قوله: و من قال علام فقد اعلا منه، و قوله: مع كلّ شي‏ء لا بمقارنة بطلان هذا التوهم بما لا مزيد عليه و أقول الآن تأكيدا لما سبق و توضيحا لما هنا إنّه روى في الكافي في باب الحركة و الانتقال باسناده عن يعقوب بن جعفر الجعفرى عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: ذكر عنده قوم يزعمون أنّ اللّه ينزل إلى السّماء الدّنيا، فقال إنّ اللّه لا ينزل و لا يحتاج إلى أن ينزل إنّما منظره في القرب و البعد سواء، لم يبعد منه قريب و لم يبعد منه بعيد و لم يحتج إلى شي‏ء بل يحتاج إليه، و هو ذو الطول لا إله إلّا هو العزيز الحكيم الحديث أقول: لمّا كان زعم بعض العامّة أنّ للّه سبحانه مكانا أعلى الأمكنة و هو العرش و أنّه ينزل في الثلث الأخير من اللّيل إلى السّماء الدّنيا ليقرب من أهل الأرض و يناديهم بما أراد، ردّ زعمهم بأنّه تعالى لا ينزل و لا حاجة له إلى أن ينزل، و ذلك لأنّ المتحرّك من مكان إلى مكان إنّما يتحرّك لحاجته إلى الحركة، حيث إنّ نسبة جميع الأمكنة إليه ليست نسبة واحدة بل إذا حضر له مكان أو مكاني غاب عنه مكان أو مكاني آخر، و إذا قرب من شي‏ء بعد من شي‏ء آخر، فيحتاج في حصول مطلوبه الغائب إلى الحركة إليه، و اللّه تعالى لما لم يكن مكانيا كانت نسبته إلى جميع الامكنة و المكانيات نسبة واحدة، و ليس شي‏ء أقرب اليه من شي‏ء آخر و لا أبعد و لا هو أقرب إلى شي‏ء من شي‏ء آخر و لا أبعد، و نظره في القرب و البعد أى فيما يتصوّر فيه القرب و البعد بالنظر إلى عالم الحواسّ و أوهام الخلق سواء لا تفاوت فيه أصلا و فيه أيضا عن عبد الرّحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى‏ فقال: استوى في كلّ شي‏ء فليس شي‏ء أقرب إليه من شي‏ء، لم يبعد منه بعيد و لم يقرب منه قريب، استوى في كلّ شي‏ء.

و عن ابن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ فقال هو واحد واحديّ الذّات، باين من خلقه، و بذلك وصف نفسه و هو بكلّ شي‏ء محيط بالاشراف و الاحاطة و القدرة و لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السّموات و لا في الأرض و لا أصغر من ذلك و لا أكبر بالاحاطة و العلم لا بالذّات لأنّ الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة فاذا كان بالذّات لزمها الحواية توضيح جوابه عليه السّلام إنّ وحدته سبحانه وحدة ذاتيّة لا عدديّة حتّى ينافي الكثرة و كونه رابعا لثلاثة و بعينه سادسا لخمسة، باين من خلقه و تباعد عنهم لا مباينته من حيث التّشخّصات و الأوضاع، و تباعدا من حيث الامكنة و الحيزات، و إنما مباينته من حيث الذّات و عدم مشاركتهم له في شي‏ء من الصّفات، فهو تامّ كامل و هم ناقصون محتاجون إليه و به تمامهم و غنائهم، و بذلك التّباين، وصف نفسه و قال: ليس كمثله شي‏ء و هو بكلّ شي‏ء محيط، لا يخلو منه شي‏ء من الأشياء و احاطته إنّما هو بالاشراف و الاطلاع و إحاطة العلم و القدرة فمثال احاطته بكلّ شي‏ء كمثال علم أحد منّا بأشياء كثيرة متباينة الوضع من جهة العلم بأسبابها و مباديها، لكن علمه عين ذاته و علمنا زايد على ذاتنا، و علمه تامّ و لكلّ شي‏ء و علمنا ناقص و ببعض الأشياء و كما لا يلزم من علمنا بتلك الأشياء حصول شي‏ء واحد بالعدد في أماكن متباينة الوضع، فكذلك لا يلزم فيه بل ذاته أشدّ إحاطة و أوسع علما و هو معنى قوله عليه السّلام لا بالذات يعني أنّ عدم عزوب شي‏ء من الأشياء عنه باعتبار الاحاطة العلميّة لا باعتبار حصول ذاته في مكان قريب من مكانه، لأنّ الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة، عدّها أربعة مع كونها ستّة لأنّ القدام و الخلف و اليمين و الشّمال لما كانت غير متحيّزة إلّا باعتبار عدّ الجميع عدّين و عدّ الفوق و التحت حدّين فصارت أربعة، و المعنى أنه لو كان عدم بعد شي‏ء عنه باعتبار كون ذاته فر مكان قريب منه لزم احتواء المكان عليه كالمتمكّن و كونه محاطا بالمكان تعالى اللّه عمّا يقول الظّالمون علوّا كبيرا، و بذلك التحقيق ظهر معنى قوله عليه السّلام و لا قربه ساواهم في المكان به و السادس أنه تعالى شأنه (لم يطلع العقول على تحديد صفته) إذ ليس لصفاته الكمالية التي هي عين ذاته حدّ يحدّ به حتّى يمكن للعقول الاطلاع عليه بيان ذلك أنّ الحدّ يراد به أحد معنيين أحدهما القول الشارح لمهيّة الشي‏ء المؤلف من المعاني الذّاتية المختصّة إمّا بحسب الحقيقة أو بحسب الاسم الثاني النهاية و الطرف، و كلاهما منفيّان عنه سبحانه أمّا الحدّ بالمعنى الأوّل فلأنّ ذاته غير مؤلف من معانى و امور ذاتية و لا تركيب فيها أصلا بشي‏ء من أنحاء التركيب، بل هو بسيط الذات من جميع الجهات و صفاته عين ذاته و وجودها وجود ذاته، فليس لصفاته حدّ به تحدّ حتى يصحّ اطلاع العقول عليه و أمّا الحدّ بالمعنى الثاني فلأنّ التناهي و اللّاتناهي إنّما يوصف بهما أوّلا و بالذّات المقادير و الأعداد و إذا وصف بها شي‏ء آخر كان إمّا باعتبار تعلّقه بالكمّيات و إمّا باعتبار ترتّبها أو ترتّب ما يوصف بها على ذلك الشي‏ء، و اللّه سبحانه أجلّ من ذلك و إلّا لزم كونه محلّا للحوادث مضافا إلى أنّه لو كان له حدّ معيّن و نهاية معيّنة لزم احتياحه إلى علّة محدّدة قاهرة، إذ طبيعة الوجود بما هو وجود لا يقتضي حدّا خاصّا، و يلزم من ذلك أى من وجود العلة المتباينة القاهرة أن يكون لخالق الأشياء كلّها من خالق محدّد فوقه، و هو محال (و) السابع أنّه سبحانه (لم يحجبها) أى لم يجعل العقول محجوبة (عن واجب معرفته) بل قد وهب لكلّ نفس قسطا من معرفته هو الواجب لها بحسب استعدادها لقبوله و لو لا ذلك لكان تكليفهم بالأصول و الفروع تكليفا بما لا يطاق و لذلك قال الصّادق عليه السّلام: ليس للّه على خلقه أن يعرفوا و للخلق على اللّه أن يعرّفهم و للّه على الخلق إذا عرفهم أن يقبلوا و في رواية الكافي عن إبراهيم عمر اليماني قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ أمر اللّه كلّه عجيب إلّا أنّه قد احتجّ عليكم بما عرفكم من نفسه، يعني أنّ معرفة ذاته و صفاته الحقيقيّة كما هي فوق إدراك كلّ أحد، تكلّ العقول و الأذهان و تبهر الألباب عن كنه جلاله و غور عزّه و كماله إلّا أنّه مع ذلك لكلّ أحد نصيب عن لوامع إشراقات نوره قلّ أو أكثر، فله الحجّة على كلّ أحد بما عرفه من آيات وجوده و دلايل صنعه وجوده فوقع التّكليف بمقتضى المعرفة و العمل بموجب العلم (فهو الذي تشهد له أعلام الوجود) و آيات الصّنع و القدرة (على اقرار) قلب كلّ أحد حتّى (قلب ذي الجحود) لأنّ الجاحد و إن كان يجحده متابعة لرايه و هواه إلّا أنّه لو تدبّر في آثار القدرة و الجلال و اعلام العظمة و الكمال لارتدع عن رأيه و هواه، و رجع عن جحده و إنكاره، و أذعن بوجود الإله، فلا يعبد معبودا سواه، لكفاية تلك الآثار في الشّهادة، و تماميّة هذه الأعلام في الهداية و الدّلالة كما قال سبحانه: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ، وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ و في الكافي باسناده عن أبي سعيد الزّهري عن أبي جعفر عليه السّلام قال: كفى لأولى الألباب بخلق الرّبّ المسخّر، و ملك الربّ القاهر، و جلال الربّ الظاهر، و نور الربّ الباهر و برهان الربّ الصّادق، و ما أنطق به ألسن العباد، و ما ارسل به الرّسل، و ما انزل على العباد، دليلا على الرّبّ عزّ و جلّ قال بعض شرّاح الحديث: ذكر عليه السّلام ثمانية امور كلّ منها كاف لذوي العقول دليلا على وجود الرّبّ أحدها خلقه المسخّر له و ثانيها ملكه القاهر على كلّ مالك و مملوك و ثالثها جلاله الظاهر من عظائم الخلقة و بدايع الفطرة كالأجرام العالية و النّفوس و غيرها و رابعها نوره الغالب على نور كلّ ذي نور و حسّ كلّ ذي حسّ و شعور و خامسها برهانه الصّادق و هو وجود آياته الكاينة في السّموات و الأرض و سادسها ما أنطق به ألسن العباد من العلوم و المعارف و غيرهما و سابعها ما أرسل به الرّسل من الشّرايع و الأحكام و السّياسات و الحدود و ثامنها ما أنزل على العباد من الصّحايف الالهيّة و الكتاب السّماويّة ف (تعالى اللّه عمّا يقول المشبّهون به و الجاحدون له علوّا كبيرا) و المراد بالمشبّهين المشبّهون للخلق بالخالق، و هم المشركون الذين جعلوا للّه شركاء و قالوا: إنّه ثالث ثلاثة، و نحو ذلك و بالجاحدين المنكرون للصّانع، و ليس المراد بالمشبّهين المشبّهة المعروفة أعني الذين شبّهوه سبحانه بخلقه كالمثبتين له تعالى أوصافا زايدة على الذّات، و المجوّزين في حقّه الرّؤية و المكان و نحوهما و المثبتين له الأعضاء و الجوارح إلى غير هذه ممّا هو من صفات الممكن و بالجملة المراد المشبّهون به كما هو صريح كلامه عليه السّلام لا المشبّهون له بخلقه على ما توهّمه الشّارح البحراني و اعلم أنّ المشبّهين به أوله مقرّون به سبحانه صريحا و جاهدون له لزوما إذ المعنى الذي يتصوّرونه إلها و يجعلونه له شركاء أو يجوّزون في حقّه و يثبتون له صفات الممكن ليس هو نفس الاله، و الجاحدين منكرون له صريحا معترفون به لزوما و اضطرارا على ما حقّقناه آنفا في شرح قوله: فهو الّذي يشهد له أعلام الوجودات و كلا الفريقين جاحدان له في الحقيقة و إن كانا يفترقان في الاعتراف باللسان

الترجمة

از جمله خطبهاى شريفه آن حضرت است: حمد و ثنا مر خداى را سزاست كه عالم است بباطن امور پنهانى، و خبير است بجميع أشياء نهانى، و دلالت كرده بر وجود او علامات ظاهره قدرت و آيات باهره عظمت، و ممتنع و محال شده ديدن او بر چشم بينا پس نه چشم كسى كه او را نديده انكار ذات او بتواند بنمايد، و نه قلب كسى كه اثبات وجود او را كرده احاطه و ادراك تام وجود او را دارد، پيشى گرفته در بلندى بمخلوقات پس هيچ چيز عالى مرتبه بلندتر از او نيست، و قريبست در نزديكى بمخلوقات پس هيچ چيز نزديكتر از او نيست پس نه بلندى او دور مى‏گرداند او را از چيزى از مخلوقات، و نه نزديكى او مساوى نموده ايشان را با او در مكان و جهات، و مطلع نگردانيده عقلها را بر تعريف صفات خود، و ممنوع نگردانيده عقلها را از واجب شناخت خود، پس او آن كسى است كه گواهى مى‏دهد از براى او نشانها وجود بر اقرار كردن دل صاحب انكار و جحود، پس بلند است حق سبحانه و تعالى و منزّهست از آنچه مى‏گويند تشبيه كنندگان خلايق باو و انكار كنندگان وجود او بلندى بزرگ يعنى او برتر است از أقوال باطله مشركين و عقايد فاسده منكرين

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 47 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 47 صبحی صالح

47- و من كلام له ( عليه ‏السلام  ) في ذكر الكوفة

كَأَنِّي بِكِ يَا كُوفَةُ تُمَدِّينَ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ

تُعْرَكِينَ بِالنَّوَازِلِ

وَ تُرْكَبِينَ بِالزَّلَازِلِ

وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جَبَّارٌ سُوءاً إِلَّا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ

وَ رَمَاهُ بِقَاتِلٍ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من كلام له عليه السّلام في ذكر الكوفة و هو السابع و الاربعون من المختار فى باب الخطب

كأنّي بك يا كوفة تمدّين مدّا لأديم العكاظي، و تعركين بالنّوازل، و تركبين بالزّلازل، و إنّي لأعلم أنّه ما أراد بك جبّار سوء إلّا ابتلاه اللّه بشاغل، و رماه بقاتل.

اللغة

(الاديم) الجلد أو مدبوغه و جمعه ادم و (عكاظ) بالضّم اسم سوق للعرب بناحية مكة كانت العرب يجتمع بها في كل سنة و يقيمون شهرا و يتبايعون و يتعاكظون أى يتفاخرون و يتناشدون الأشعار قال أبو ذويب:

اذا بنى القباب على عكاظ            و قام البيع و اجتمع الالوف‏

فلما جاء الاسلام هدمه و أكثر ما كان يباع بها الأديم فنسب إليها و (العرك) الدلك و الحكّ و عركه أى حمل عليه الشّر و عركت القوم في الحرب إذا ما رستهم حتّى اتعبتهم و (النّوازل) المصائب و الشّدايد و (الزّلازل) البلايا.

الاعراب

المستفاد من المطرزى في شرح المقامات أنّ الفعل في كأني بك محذوف، و الأصل كانّى ابصرك فزيدت الباء بعد حذف الفعل، و قال الرّضيّ: و الأولى أن تبقى كان على معنى التّشبيه و لا تحكم بزيادة شي‏ء و تقول التّقدير كأنّي أبصر بك أى اشاهدك من قوله تعالى فبصرت به عن جنب، و الجملة بعد المجرور بالباء حال أى كانّي أبصر بك يا كوفة حال كونك ممدودة مدّ الأديم، و قوله تركبين على البناء للمجهول كالفعلين السّابقين أى تجعلين مركوبة لها أو بها على أن تكون الباء للسّبيّة كالسّابقة.

المعنى

اعلم أنّ هذا الكلام له عليه السّلام من جملة ما أخبر به عن المغيبات بيّن فيه حال الكوفة و حال أهلها و تجاذب أيدى الظالمين، و تسلّطهم عليهم بالظلم و العدوان و في قوله (كأنّي بك يا كوفة) إشارة إلى أنّ المخبر به لا محالة واقع و وقوعه شاهد بعين اليقين (تمدّين مدّ الأديم العكاظى) وجه الشّبه شدّة ما يقع بأهله من الظلم و البلاء كما أنّ الاديم العكاظى مستحكم الدّباغ شديد المدّ (تعركين بالنّوازل و تركبين بالزّلازل) أراد بهما الشّدايد و المصايب التي نزلت بأهل الكوفة و الظلم و البلايا التي حلّت بها و أوجبت اضطراب أهلها، و هي كثيرة معروفة مذكورة في كتب السّير و التواريخ.

و في قوله: (و إنّي لأعلم) مؤكدا بانّ و اللّام و القسم إشارة إلى تحقّق وقوع المخبر به يعني أنّه معلوم بعلم اليقين (أنّه ما أراد بك جبّار سوءا إلّا ابتلاه‏ اللّه بشاغل و رماه بقاتل).

قال أبو الحسن الكيدري في شرحه: فمن الجبابرة الذين ابتلاهم اللّه بشاغل فيها زياد و قد جمع النّاس في المسجد ليلعن عليا صلوات اللّه عليه فخرج الحاجب و قال انصرفوا فانّ الأمير مشغول عنكم و قد أصابه الفالج في هذه الساعة و ابنه عبيد اللّه بن زياد و قد أصابه الجذام و الحجاج بن يوسف و قد تولّدت الحيّات في بطنه حتّى مات و عمر بن هبيرة و ابنه يوسف و قد أصابهما البرص و خالد القسرى و قد حبس فطولت حتّى مات جوعا.

و أمّا الذين رماهم اللّه بقاتل فعبيد اللّه بن زياد و مصعب بن الزبير و ابو السرايا و غيرهم قتلوا جميعا و يزيد بن مهلب قتل على أسوء حال هذا.

و العجب من الشّارح البحراني حيث قال: و أمّا الجبابرة التي أرادوا بها سوء و طعنوا فيها فأكثروا فيها الفساد فصبّ عليهم ربك سوط عذاب و أخذهم بذنوبهم و ما كان لهم من اللّه من واق، فجماعة و ذكر التي تقدّم ذكرها من الكيدرى و أضاف إليها المختار بن أبى عبيدة الثّقفي.

و أنت خبير بأنّ عد المختار في ذلك العداد ظلم في حقّه و سوء أدب بالنّسبة إليه إذ الأخبار في ذمّه و إن كانت كثيرة إلّا أنّها مع ضعف سندها معارضة بأخبار المدح، و قد ذكرهما الكشي في رجاله فغاية الأمر مع عدم التّرجيح لأخبار المدح هو التوقف، و على فرض الترجيج لأخبار الذّم فهي لم تبلغ حدّا يوجب الجرأة على عدّه في عداد أمثال زياد و حجاج و مصعب و نحوهم، و على جعله من الجبابرة الموصوفة لعنهم اللّه.

كيف و ابن طاوس بعد القدح في روايات الذّم قال: إذا عرفت هذا فانّ الرجحان في جانب الشكر و المدح، و لو لم يكن تهمة فكيف و مثله موضع أن يتّهم فيه الرواة و يستغشّ فيما يقول عنه المحدّثون لعيوب تحتاج إلى نظر و يكفى في فضله ما رواه الكشّي عن عبد اللّه بن شريك قال: دخلنا على أبي جعفر عليه السّلام يوم النّحر و هو متّك و قد أرسل إلى الحلّاق فقعدت بين يديه إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبّلها فمنعه، ثمّ قال: من أنت قال: أنا أبو محمّد الحكم بن المختار بن أبي عبيدة الثقفي، و كان متباعدا من أبي جعفر فمدّيده إليه حتّى كاد أن يقعده في حجره بعد منعه يده، ثمّ قال: أصلحك اللّه إنّ النّاس قد أكثروا في أبي و قالوا: و القول و اللّه قولك، قال: أىّ شي‏ء يقولون قال: يقولون كذّاب و لا تأمرني بشي‏ء إلّا قبلته، فقال: سبحان اللّه أخبرني أبي و اللّه أنّ مهر امّي كان ممّا بعث به المختار أو لم يبن دورنا، و قتل قاتلنا، و طلب بدمائنا رحم اللّه، و أخبرني و اللّه أنّه كان ليقيم عند فاطمة بنت عليّ يمهدها الفراش و يثنى لها الوسائد و منها أصاب الحديث رحم اللّه أباك رحم اللّه أباك ما ترك لنا حقّا عند أحد إلّا طلبه قتل قتلتنا و طلب بدمائنا هذا و اعلم أنّ في قوله: ما أراد بك جبّار سوء إلّا ابتلاه اللّه إشعارا بمدح الكوفة و فضلها و قد جاء عن أهل البيت عليهم السّلام في ذلك شي‏ء كثير مثل قول أمير المؤمنين عليه السّلام نعمت المدرة، و قوله عليه السّلام إنّه يحشر من ظهرها يوم القيامة سبعون ألفا وجوههم في صورة القمر، و قوله عليه السّلام مدينتنا و محلّتنا و مقرّ شيعتنا، و قول الصّادق عليه السّلام اللّهمّ ارم من رماها و عاد من عاداها، و قوله عليه السّلام تربة تحبّنا و نحبّها و في البحار من معانى الأخبار و الخصال للصّدوق باسناده عن موسى بن بكير عن أبي الحسن الأوّل قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ اللّه اختار من البلدان أربعة فقال عزّ و جلّ: وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ وَ طُورِ سِينِينَ وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ فالتّين المدينة، و الزّيتون البيت المقدّس، و طور سينين الكوفة، و هذا البلد الأمين مكّة، الخبر.

قال المجلسي: لعلّه إنّما كنى عن المدينة بالتّين لو فوره و جودته فيها، أو لكونها من أشارف البلد كما أنّ التّين من أفاضل الثّمار، و كنّى عن الكوفة بطور سينين لأنّ ظهرها و هو النّجف كان محلّ مناجاة سيّد الأوصياء كما أنّ الطور محلّ مناجاة الكليم، أو لأنّ الجبل الذي سأل موسى عليه الرّؤية تقطّع فوقع جزء منهاهناك كما ورد في بعض الأخبار، أو أنّ ابن نوح لمّا اعتصم بهذا الجبل تقطّع فصار بعضها في طور سينا، أو أنّه طور سينا حقيقة.

و غلط فيه المفسّرون و اللغويّون كما روى الشّيخ في التّهذيب باسناده عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: كان في وصيّة أمير المؤمنين أن أخرجوني إلى الظهر فاذا تصوّبت أقدامكم و استقبلتكم ريح فادفنوني و هو أوّل طور سينا ففعلوا ذلك و من مجالس الشّيخ باسناده عن عبد اللّه بن الوليد قال: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام فسلّمنا عليه و جلسنا بين يديه فسألنا من أنتم قلنا: من أهل الكوفة فقال: أما إنّه ليس من بلد من البلدان أكثر محبّا لنا من أهل الكوفة، ثمّ هذه العصابة«» خاصّة إنّ اللّه هداكم لأمر جهله النّاس، احببتمونا و أبغضنا النّاس، و صدّقتمونا و كذبنا النّاس، و اتّبعتمونا و خالفنا النّاس، فجعل اللّه محياكم محيانا و مماتكم مماتنا

الترجمة

از جمله كلام آن حضرتست در ذكر حال كوفه و خراب شدن آن از دست ظلمه مى‏ فرمايد: گويا مى بينم تو را اى كوفه در حالتى كه كشيده مى‏ شوى همچو كشيدن چرم عكاظى، ماليده شوى بسبب فرود آمدن مصيبتها و حادثها، و سوار كرده شوى بجنبشها و زلزلها، اين همه اشاره است به انواع بلا و محنت و جفا و مصيبت كه واقع شد بأهل كوفه از ظلم ظلمه و ستم فجره، و بدرستي كه مى ‏بينم آنكه اراده نكند بتو هيچ گردن كش ستمكار بدى و مضرّت را مگر اين كه گرفتار سازد او را خداوند قهّار ببلائى كه مشغول كننده اوست، و بيندازد او را بدست قاتلي كه كشنده او است و اللّه أعلم بمعاني كلامه

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 46 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 46 صبحی صالح

46- و من كلام له ( عليه ‏السلام  ) عند عزمه على المسير إلى الشام

و هو دعاء دعا به ربه عند وضع رجله في الركاب

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ

وَ كَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ

وَ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَ الْمَالِ وَ الْوَلَدِ

اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ

وَ أَنْتَ الْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ

وَ لَا يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ

لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ لَا يَكُونُ مُسْتَصْحَباً

وَ الْمُسْتَصْحَبُ لَا يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً

قال السيد الشريف رضي الله عنه

و ابتداء هذا الكلام مروي عن رسول الله ( صلى ‏الله‏ عليه ‏وآله  )

و قد قفاه أمير المؤمنين ( عليه ‏السلام  ) بأبلغ كلام و تممه بأحسن تمام

من قوله و لا يجمعهما غيرك إلى آخر الفصل

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من كلام له عليه السّلام عند عزمه على المسير الى الشام و هو السادس و الاربعون من المختار في باب الخطب

اللّهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر، و كأبة المنقلب، و سوء المنظر في الأهل و المال، أللّهمّ أنت الصّاحب في السّفر، و أنت الخليفة في الأهل، و لا يجمعهما غيرك، لأنّ المستخلف لا يكون مستصحبا، و المستصحب لا يكون مستخلفا. و في نسخة ابن أبي الحديد قال الرّضيّ و ابتداء هذا الكلام مرويّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد قفاه أمير المؤمنين عليه السّلام بأبلغ كلام و بأحسن تمام من قوله: و لا يجمعهما غيرك إلى آخر الفصل‏

اللغة

(و عثاء السّفر) مشقّته و أصل الوعث المكان السّهل الدّهس، تغيب فيه الأقدام و الطريق العسر، و قد وعث الطريق كسمع و كرم تعسّر سلوكه و (الكأبة) و الكأب الغمّ و سوء الحال و الانكسار من حزن و (المنقلب) مصدر و مكان من القلب اى اى رجع و مثله (المنظر) قال الفيروز آبادي: نظره كضربه و سمعه و إليه نظرا و منظرا و نظرانا و منظرة و قال: و المنظر و المنظرة ما نظرت إليه فأعجبك حسنه أو ساءك.

الاعراب

لفظة اللّهمّ منادى محذوف النّداء و لا يجوز حذف حرف النّداء من لفظ الجلالة إلّا مع الحاق الميم المشدّدة به، و ذلك لأنّ حقّ ما فيه اللام أن يتوصّل إلى ندائه بأىّ أو باسم الاشارة، فلمّا حذفت الوصلة في هذه اللفظة الشّريفة لكثرة ندائها لم يحذف الحرف إلّا نادرا لئلّا يكون إجحافا، فان أردت الحذف ألحقت الميم المشدّدة، و إنّما اخّرت الميم تبرّكا باسمه سبحانه، و قال الكوفيّون: إنّ الميم ليست عوضا بل مأخوذة من فعل و الأصل يا اللّه آمنّا بخير فيخيّرون الجمع بينها و بين ياء في السّعة و ردّ بأنه لو كان كذلك لما حسن اللهمّ آمنّا بخير و في حسنه دليل على أنّ الميم ليست مأخوذة منه إذ لو كان كذلك لكان تكرارا

المعنى

اعلم أنّ هذا الدّعاء دعا به أمير المؤمنين عليه السّلام بعد وضع رجله في الرّكاب حين ما توجّه من النّخيلة إلى الشّام لحرب معاوية و أتباعه، قال نصر بن مزاحم لمّا وضع عليّ عليه السّلام رجله في ركاب دابّته قال: بسم اللّه، فلمّا جلس على ظهرها قال: سبحان الذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون (اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر) و مشقّته (و كأبة المنقلب) أى الحزن بعد الرّجوع إلى الوطن، و في رواية نصر بعده و الحيرة بعد اليقين (و سوء المنظر في الأهل و المال) الموروث للكأبة و الملال.

(اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر) و من شأن الصّاحب العناية بامور صاحبه‏ (و أنت الخليفة في الأهل و) من وظيفة الخليفة على الشي‏ء حسن القيام و الولاية على ضروريّات ذلك الشي‏ء و حفظه ممّا يوجب له الضّرر (لا يجمعهما) أى الصّحابة و الخلافة في آن واحد (غيرك) لامتناع ذلك في حقّ الأجسام (لأنّ المستخلف لا يكون مستصحبا و المستصحب لا يكون مستخلفا) و أمّا اللّه سبحانه فلتنزهّه عن الجهة و الجسميّة يجوز كونه خليفة و صاحبا معا في آن واحد كما قال سبحانه وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ و قال: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى‏ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا و قد مضى تحقيق الكلام في ذلك في الفصل الخامس و السّادس من فصول الخطبة الاولى عند شرح قوله: مع كلّ شي‏ء لا بمقارنة فتذكّر

تنبيه و تحقيق

اعلم أنّ الدّعاء من معظم أبواب العبادات و أعظم ما يستعصم به من الآفات و أمتن ما يتوسل به إلى استنزال الخيرات، و وجوبه و فضله معلوم من العقل و الشّرع أما العقل فلأنّ دفع الضّرر عن النّفس مع القدرة عليه و التمكّن منه واجب و حصول الضّرر ضروريّ الوقوع في دار الدّنيا، إذ كلّ انسان لا ينفكّ عمّا يشوّش نفسه و يشغل عقله و يتضرّر به إمّا من داخل كحصول عارض يغشي مزاجه، أو من خارج كأذيّة ظالم و نحوها و لو خلا من الكلّ فالعقل يجوز وقوعه فيها، و كيف لا و هو في دار الحوادث التي لا تستقرّ على حال، و فجايعها لا ينفك عنها آدميّ إمّا بالفعل أو بالقوّة، فضررها إمّا واقع حاصل أو ممكن الوقوع و متوقّع الحصول، و كليهما يجب إزالته مع القدرة عليه، و الدّعاء محصّل لذلك و هو مقدور فيجب المصير إليه.

و قد نبّه على ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام حيث قال: ما من أحد ابتلي و ان عظمت بلواه بأحقّ بالدّعاء من المعافى الّذي لا يأمن من البلاءفقد ظهر من هذا الحديث احتياج كلّ أحد إلى الدّعاء معافا و مبتلا، و فايدته رفع البلاء الحاصل و دفع السّوء النّازل أو جلب نفع مقصود أو تقرير خير موجود فان قلت: المطلوب بالدّعاء إمّا أن يكون معلوم الوقوع للّه سبحانه، أو معلوما عدم وقوعه، فعلى الأوّل يكون واجبا و على الثاني ممتنعا، و على التّقديرين فلا يكون للدّعاء فايدة، لأنّ الأقدار سابقة، و الأقضية واقعة و قد جفّ القلم بما هو كائن، فالدّعاء لا يزيد و لا ينقص فيها شيئا قلنا: هذه شبهة ربّما سبقت إلى الأذهان القاصرة و فسادها ظاهر، لأنّ كلّ كاين فاسد موقوف في كونه و فساده على شرايط توجد و أسباب تعدّ لأحدهما لا يمكن يدونها، و على ذلك فلعلّ الدّعاء من شرايط ما يطلب به و هما، و ان كانا معلومي الوقوع للّه سبحانه و هو تعالى علّتهما الاولى إلّا أنّه هو الذي ربط أحدهما بالآخر، فجعل سبب وجود ذلك الشي‏ء الدّعاء كما جعل سبب صحّة المرض شرب الدّواء و ما لم يشرب الدّواء لم يصحّ، و بذلك ايضا ظهر فساد ما قيل إنّ المطلوب بالدّعاء إن كان من مصالح العباد فالجواد المطلق لا يبخل به، و إن لم يكن من مصالحهم لم يجز طلبه، وجه ظهور الفساد أنّه لا يمتنع أن يكون وقوع ما سأله مصلحة بعد الدّعاء و لا يكون مصلحة قبل الدّعاء و أما النقل فمن الكتاب قوله سبحانه: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ و قوله: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ.

فجعل الدّعاء عبادة و المستكبر عنها كافرا و قوله: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.

قال أحمد بن فهد الحلّي في كتاب عدّة الدّاعي: هذه الآية قد دلّت على امور الأوّل تعريفه تعالى لعباده بالسؤال بقوله: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ الثّاني غاية عنايته بمسارعة اجابته و لم يجعل الجواب موقوفا على تبليغ الرّسول بل قال: فانّي قريب و لم يقل قل لهم إنّي قريب الثّالث خروج هذا الجواب بالفاء المقتضي للتعقيب بلا فصل الرّابع تشريفه تعالى لهم بردّ الجواب بنفسه لينبّه بذلك على كمال منزلة الدّعاء و شرفه عنده تعالى و مكانه منه، قال الباقر عليه السّلام لا تملّ من الدّعاء فانّه من اللّه بمكان.

الخامس دلّت هذه الآية على أنّه لامكان له إذ لو كان له مكان لم يكن قريبا من كلّ من يناجيه.

السّادس أمره تعالى لهم بالدّعاء في قوله: فليستجيبوا لى أى فليدعوني السّابع قوله تعالى: و ليؤمنوا بي أى و ليتحقّقوا أنّي قادر على إعطائهم ما سألوه، فأمرهم باعتقادهم قدرته على إجابتهم و فيه فايدتان: إعلامهم باثبات صفة القدرة له و بسط رجائهم في وصولهم إلى مقترحاتهم و بلوغ مراداتهم و نيل سؤالاتهم فانّ الانسان إذا علم قدرة معامله و معاوضه على دفع عوضه كان ذلك داعيا له إلى معاملته و مرغبا له في معاوضته، كما أنّ علمه بعجزه عنه على الضدّ من ذلك، و لهذا تراهم يجتنبون معاملة المفلس الثّامن تبشيره تعالى لهم بالرّشاد الذي هو طريق الهداية المؤدّي إلى المطلوب فكأنّه بشّرهم باجابة الدّعاء، و مثله قول الصّادق عليه السّلام: من تمنّى شيئا و هو للّه رضى لم يخرج من الدّنيا حتّى يعطاه، و قال: إذا دعوت فظنّ حاجتك بالباب فان قلت: نحن نرى كثيرا من النّاس يدعون اللّه فلا يجيبهم فما معنى قوله: اجيب دعوة الدّاع إذا دعان و بعبارة اخرى إنّه سبحانه وعد إجابة الدّعاء و خلف الوعد عليه تعالى محال لأنّه كذب قبيح في حقّه عزّ و جلّ‏

قلت: قد أجاب الطبرسي في مجمع البيان بأنّه ليس أحد يدعو اللّه على ما يوجبه الحكمة إلّا أجابه اللّه، فانّ الدّاعي إذا دعاه يجب أن يسأل ما فيه صلاح له في دينه و لا يكون له مفسدة فيه فانّه سبحانه يجيب إذا اقتضت المصلحة إجابته أو يؤخّر الاجابة إن كانت المصلحة في التأخير، ثمّ قال: و إذا قيل إنّ ما يقتضيه الحكمة لا بدّ أن يفعله فما معنى الدّعاء و اجابته أجاب بأنّ الدّعاء عبادة في نفسها لما فيه من إظهار الخضوع و الانقياد، و أيضا لا يمتنع أن يكون وقوع ما سأله إنّما صار مصلحة بعد الدّعاء أقول: أمّا ما ذكره من أنّه ليس أحد يدعو اللّه اه، فهو حقّ لا ريب فيه و به صرّح في عدّة الدّاعي حيث قال: ليس أحد يدعو اللّه سبحانه و تعالى على ما يوجبه الحكمة ممّا فيه صلاحه إلّا أجابه و على الدّاعي أن يشرط ذلك بلسانه او يكون منويّا في قلبه، فاللّه يجيبه البتّة إن اقتضت المصلحة إجابتها، أو يؤخّر له إن اقتضت المصلحة التأخير قال اللّه تعالى: وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ و في دعائهم: يا من لا تغيّر حكمته الوسايل، و لما كان علم الغيب منطويا عن العبد و ربّما تعارض عقله القوى الشّهويّة و يخالطه الخيالات النّفسانيّة فيتوهّم أمرا ممّا فيه فساده صلاحا له فيطلبه من اللّه سبحانه و يلحّ في السّؤال عليه، و لو يعجّل اللّه إجابته و يفعله به لهلك البتّة، و هذا أمر ظاهر العيان غنيّ عن البيان كثير الوقوع، فكم نطلب أمرا ثمّ نستعيذ منه و كم نستعيذ من أمر ثمّ نطلبه، و على هذا خرج قول عليّ عليه السّلام: ربّ أمر حرص الانسان عليه فلمّا أدركه ودّ أن لم يكن أدركه و كفاك قوله تعالى: وَ عَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسى‏ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فانّ اللّه سبحانه و تعالى من وفور كرمه و جزيل نعمه لا يجيبه، و ذلك إمّا لسابق رحمته به فانّه هو الذي سبقت رحمته غضبه و إنّما أنشأه رحمة به و تعريضا لا ثابته و هو الغنيّ عن خلقته و معاقبته أو لعلمه سبحانه بأنّ المقصود للعبد من دعائه هو إصلاح حاله فكان ما طلبه ظاهرا غير مقصود له مطلقا، بل بشرط نفعه له فالشّرط المذكور حاصل في نيّته و إن لم يذكره بلسانه بل و إن لم يخطر بقلبه حالة الدّعاء و إيضاح ذلك على سبيل المثل أنّه إذ قال كريم أنا لا أردّ سائلا و لا أخيّب آملا، ثمّ اتى سفيه و طلب منه ما يعلم أنّه يقتله و السّائل لم يكن عالما بذلك، أو أتى صبيّ جاهل و طلب منه أفعيّا لحسن نقشه و نعومته، فالحكمة و الجود يقتضيان منعهما لا عطائهما، و لو أعطاهما لذمّه العقلاء، فظهر أنّ هذا الوعد من الحكيم لا بدّ أن يكون مشروطا بالمصلحة و توهّم أنّ ما فيه صلاح العباد يأتي اللّه تعالى به لا محالة من دون حاجة إلى الدّعاء، مدفوع بما أشار إليه الطبرسي من إمكان كون المصلحة في الاعطاء مع الدّعاء و مع عدمه يكون الصّلاح في المنع و على هذا فالمطالب ثلاثة الاول ما يكون المصلحة في إعطائه مطلقا كالرّزق الضّروريّ الثاني ما يكون المصلحة في المنع كذلك الثالث أن يكون المصلحة في العطاء مع الدّعاء و في العدم مع العدم و إنّما يظهر أثر الدّعاء في الثّالث هذا.

و أمّا ما ذكره أخيرا في الجواب من أنّ الدّعاء عبادة في نفسها فصحيح إلّا أنّه لا ربط له بالسؤال هذا، و الانصاف أنّ مجرّد اشتمال الدّعاء على المصلحة لا يستلزم الاجابة بل لا بدّ من اقترانه مضافا إلى ذلك بشرايطها المقرّرة المستفادة من الأخبار مع كونه صادرا عن وجه الاخلاص و تمام الانقطاع و الفراغ و التّخلية التّامّة للقلب و لنعم ما قال إبراهيم بن أدهم حيث قيل له: ما بالنا ندعو اللّه سبحانه فلا يستجيب لنا قال: لانّكم عرفتم اللّه فلم تطيعوه، و عرفتم الرّسول فلم تتّبعوا سنّته، و عرفتم القرآن فلم تعملوا بما فيه، و أكلتم نعمة اللّه فلم تؤدّوا شكرها، و عرفتم الجنّة فلم تطلبوها، و عرفتم النّار فلم تهربوا منها، و عرفتم الشّيطان فلم تحاربوه و وافقتموه، و عرفتم الموت فلم تستعدّوا له، و دفنتم الأموات فلم تعتبروا بهم، و تركتم عيوبكم و اشتغلتم بعيوب النّاس و الحاصل أنّ الدّعاء كساير العبادات لها شروط لحصولها و موانع عن قبولها فلمّا لم يتحقّق الشّرايط و لم ترتفع الموانع لم يترتّب عليها آثارها الدّنيويّة و الاخرويّة مثلا الصّلاة إذ ورد فيها من صلّى دخل الجنّة أو زيد في رزقه، فاذا صلّى بغير وضوء أو فعل ما يبطلها و يحبطها لم يترتّب عليها آثارها الدّنيويّة و الاخرويّة، و إذا قال الطبيب: السّقمونيا مسهل فاذا شرب الانسان معه ما يبطل تأثيره كالأفيون فهو لا ينافي قول الطبيب و لا ينافي حكمه في ذلك فكذا الدّعاء استجابتها و قبولها و ترتيب الأثر عليها مشروطة بشرايط، فاذا أخلّ لشي‏ء منها لم تترتّب عليها الاستجابة، و قد وردت أخبار كثير في شرايط الدّعاء و منافاته، و ربّما يشير إليه قوله تعالى: اوفوا بعهدي أوف بعهدكم قال الشّارح البحراني: سبب اجابة الدّعاء هو توافى الأسباب، و هو أن يتوافى دعاء رجل مثلا فيما يدعو فيه و ساير أسباب وجود ذلك الشّي‏ء معا عن الباري تعالى لحكمة الهيّة على ما قدر و قضى، ثمّ الدّعاء واجب و توقّع الاجابة واجب، فانّ انبعاثنا للدّعاء سببه من هناك، و يصير دعانا سببا للاجابة و موافاة الدّعاء الحدوث الأمر المدعوّ لأجله و قد يكون أحدهما بواسطة الاخر، و إذا لم يستجب الدّعاء لداع و إن كان يرى أنّ الغاية التي يدعو لأجلها نافعة فالسّبب في عدم الاجابة أنّ الغاية النّافعة ربّما لا تكون نافعة بحسب نظام الكلّ بل بحسب مراده فلذلك تتأخّر إجابة الدّعاء أو لا يستجاب له، و بالجملة قد يكون عدم الاجابة لفوات شرط من شروط ذلك المطلوب حال الدّعاء و اعلم أنّ النّفس الزّكيّة عند الدّعاء قد يفيض عليها من الأوّل قوّة تصير بها مؤثّرة في العناصر فتطاوعها متصرّفة على ارادتها فيكون ذلك إجابة للدّعاء، فانّ العناصر موضوعة لفعل النّفس فيها و اعتبار ذلك في أبداننا فانّا ربّما تخيلنا شيئا فتتغيّر أبداننا بحسب ما تقتضيه أحوال نفوسنا و تخييلاتها و قد يمكن أن تؤثر النّفس في غير بدنها كما تؤثّر في بدنها، و قد تؤثّر في نفس غيرها و قد يسجيب اللّه لتلك النّفس إذا دعت فيما تدعو فيه إذا كانت الغاية التي تطلبها بالدّعاء نافعة بحسب نظام الكلّ.

و من السنة أخبار فوق حدّ الاحصاء و لتقصر على بعض ما رواه في عدّة الدّاعي فعن حنّان بن سدير قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: أيّ العبادة أفضل فقال عليه السّلام: ما شي‏ء أحبّ إلى اللّه من أن يسأل و يطلب ما عنده، و ما أحد أبغض إلى اللّه ممّن يستكبر عن عبادته و لا يسأله ما عنده و عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ قال: هو الدّعاء و أفضل العبادة الدّعاء، قلت: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ قال: الأوّاه هو الدّعاء.

و عن ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أمير المؤمنين عليه السّلام: أحبّ الأعمال إلى اللّه في الأرض الدّعاء، و أفضل العبادة العفاف، و كان أمير المؤمنين عليه السّلام رجلا دعّاء.

و عن عبيد بن زرارة، عن أبيه، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الدّعاء هو العبادة التي قال اللّه: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ و لا تقل إِنّ الأمر قد فرغ منه.

و عن عبد اللّه بن ميمون القداح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الدّعاء كهف الاجابة كما أنّ السّحاب كهف المطر و عن هشام بن سالم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: هل تعرفون طول البلاء من‏ قصره قلنا: لا، قال: إذا الهم أحدكم الدّعاء فاعلموا أنّ البلاء قصير و عن أبي ولّاد قال: قال أبو الحسن عليه السّلام: ما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيلهمه اللّه الدّعاء إلّا كان كشف ذلك البلاء وشيكا«»، و ما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيمسك عن الدّعاء إلّا كان البلاء طويلا، فاذا نزل البلاء فعليكم بالدّعاء و التّضرّع إلى اللّه عزّ و جلّ.

و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أفزعوا إلى اللّه عزّ و جلّ في حوائجكم، و الجئوا إليه في ملمّاتكم، و تضرّعوا إليه و ادعوه، فانّ الدّعاء مخّ«» العبادة، و ما من مؤمن يدعو اللّه إلّا استجاب له فامّا أن يعجّل له في الدّنيا أو يؤجّل له في الآخرة، و إمّا أن يكفّر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بما ثم و عنه صلّى اللّه عليه و آله أعجز النّاس من عجز عن الدّعاء، و أبخل النّاس من بخل بالدّعا و عنه صلّى اللّه عليه و آله ألا أدلكم على أبخل النّاس و أكسل النّاس و أسرق النّاس و أجفا النّاس و أعجز النّاس قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال، أمّا أبخل النّاس فرجل يمرّ بمسلم و لم يسلّم عليه، و أمّا أكسل النّاس فعبد صحيح فارغ لا يذكر اللّه بشفة و لا بلسان، و أمّا أسرق النّاس فالذي يسرق من صلاته، فصلاته تلفّ كما يلفّ الثّوب الخلق فيضرب بها وجهه، و أمّا أجفى النّاس فرجل ذكرت بين يديه فلم يصلّى عليّ، و أمّا أعجز النّاس فمن عجز عن الدّعاء و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل العبادات الدّعاء و إذا أذن اللّه للعبد في الدّعاء فتح له باب الرّحمة، إنّه لن يهلك مع الدّعاء أحد و عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجلين افتتحا الصّلاة في ساعة واحدة فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه، و دعا هذا فكان دعاؤه أكثر من تلاوته، ثمّ انصرفا في ساعة واحدة أيّهما أفضل قال عليه السّلام: كلّ فيه فضل و كلّ حسن، قلت: إنّي قد علمت أنّ كلّا حسن و أنّ كلّا فيه فضل، لكن أيّهما أفضل فقال عليه السّلام الدّعاء أفضل أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ هى«» و اللّه العبادة هي و اللّه أفضل أ ليست هي العبادة هي و اللّه العبادة، أ ليست هي أشدّ هن هي و اللّه أشدّ هنّ هي و اللّه أشدّهنّ و عن يعقوب بن شعيب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ اللّه أوحى إلى آدم إنّي سأجمع لك الكلام في أربع كلمات، قال: يا ربّ و ما هنّ قال: واحدة لي، واحدة لك، واحدة فيما بيني و بينك، واحدة بينك و بين النّاس، فقال آدم: بيّنهنّ لي يا ربّ، فقال اللّه تعالى: أمّا التي لي فتعبدني و لا تشرك بي شيئا، و أمّا التي لك فاجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه، و أمّا التي بيني و بينك فعليك الدّعاء و عليّ الاجابة و أمّا التي بينك و بين النّاس فترضى للنّاس ما ترضى لنفسك و من كتاب الدّعاء لمحمّد بن حسن الصّفار في حديث مرفوع قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يدخل الجنّة رجلان كانا يعملان عملا واحدا فيرى أحدهما صاحبه فوقه فيقول: يا ربّ بما أعطيته و كان عملنا واحدا، فيقول اللّه تبارك و تعالى سألني و لم تسألني ثمّ قال: اسألوا اللّه و اجزلوا فانّه لا يتعاظمه شي‏ء و منه أيضا برواية مرفوعة قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليسألنّ اللّه أو ليقضينّ عليكم إنّ للّه عبادا يعملون فيعطيهم و آخرين يسألونه صادقين فيعطيهم ثمّ يجمعهم في الجنّة فيقول الذين عملوا ربّنا عملنا فأعطيتنا فبما اعطيت هؤلاء، فيقول: عبادي اعطيتكم اجوركم و لم ألتكم من أعمالكم شيئا و سألني هؤلاء فأعطيتهم و هو فضلي اوتيه من أشاء و عن الصّادق عليه السّلام قال لميسر بن عبد العزيز: يا ميسرادع اللّه و لا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه إنّ عند اللّه منزلة لا تنال إلّا بمسألة، و لو أنّ عبدا سدّ فاه و لم يسأل لم‏ يعط شيئا فاسأل تعط، يا ميسر انّه ليس يقرع باب إلّا يوشك أن يفتح لصاحبه و في هذه الرّواية دلالة على ما قدّمناه سابقا من أنّه لا امتناع في كون الدّعاء محدثا للمصلحة في المطلوب بعد أن لم يكن فيه مصلحة و لا بعد في كونه من أسباب وجود المطلوب و شرايط حصوله حسبما مرّ تفصيلا و اللّه ولىّ التّوفيق

الترجمة

از جمله كلام آن حضرت است هنگام عزم بر تشريف بردن شام و آن اينست: كه بار خدايا بدرستى كه من پناه مى ‏برم بتواز مشقت سفر و از غم و اندوه بازگشت، يعنى از پريشاني كه بعد از مراجعت وطن حاصل مى ‏شود، و از بدى نظر در أهل و مال، بار خدايا توئي همراه در سفر، و توئي جانشين در محافظت أهل در حضر، و جمع نمى ‏كند مصاحبت و خلافت غير تو، از جهت اين كه كسى كه خليفه ساخته شده باشد نمى‏ باشد همراه داشته شده و كسى كه همراه داشته شده باشد نمى ‏شود خليفه ساخته شده، يعنى محالست كه جانشين همراه در سفر باشد بجهت اين كه ممكن نيست جسم واحد در آن واحد در دو مكان بوده باشد، أما خداوند ذو العزة كه منزهست از جهت و جسمية پس در حق او جايز است خلافت و مصاحبت معا.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 45 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 45 صبحی صالح

45- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) و هو بعض خطبة طويلة خطبها يوم الفطر

و فيها يحمد الله و يذم الدنيا

حمد الله‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ

وَ لَا مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ

وَ لَا مَأْيُوسٍ مِنْ مَغْفِرَتِهِ

وَ لَا مُسْتَنْكَفٍ عَنْ عِبَادَتِهِ

الَّذِي لَا تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ

وَ لَا تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ

ذم الدنيا

وَ الدُّنْيَا دَارٌ مُنِيَ لَهَا الْفَنَاءُ

وَ لِأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلَاءُ

وَ هِيَ حُلْوَةٌ خَضْرَاءُ

وَ قَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ

وَ الْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ

فَارْتَحِلُوا مِنْهَا بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ

وَ لَا تَسْأَلُوا فِيهَا فَوْقَ الْكَفَافِ

وَ لَا تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْبَلَاغِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من خطبة له عليه السّلام

و هى الخامسة و الاربعون من المختار فى باب الخطب

الحمد للّه غير مقنوط من رحمته، و لا مخلوّ من نعمته، و لا مأيوس من مغفرته، و لا مستنكف عن عبادته، الّذي لا تبرح منه رحمة، و لا تفقد له نعمة، و الدّنيا دار مني لها الفناء، و لأهلها منها الجلاء، و هي حلوة خضرة، و قد عجّلت للطّالب، و التبست بقلب النّاظر، فارتحلوا عنها بأحسن ما بحضرتكم من الزّاد، و لا تسئلوا فيها فوق الكفاف، و لا تطلبوا منها أكثر من البلاغ.

اللغة

(القنوط) الياس و (الاستنكاف) الاستكبار و المستنكف على صيغة المفعول و (مناه) اللّه أى قدره و (الجلاء) بفتح الجيم الخروج من الوطن قال سبحانه: وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ و (الخضرة) بفتح الخاء المعجمة و كسر الضّاد و الخضر ككتف الغصن و الزّرع و البقلة الخضراء و (الكفاف) من الرزق كسحاب ما اغنى عن النّاس و (البلاغ) كسحاب أيضا الكفاية.

الاعراب

غير مقنوط نصب على الحال، و لا مخلوّ عطف على مقنوط و نحوه قوله سبحانه فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ و ربّما يجي‏ء المعطوف بالنّصب عطفا على موضع غير، و جملة الذي لا يبرح و صفته و لأهلها إمّا متعلق بمقدّر و هو خبر مقدّم و الجلاء مبتداء مؤخّر و الواو عاطفة للجملة على الجملة فتكون المعطوفة في محلّ الرّفع على كونها صفة لدار كالمعطوف عليها أو لأهلها عطف على لها و الجلاء مرفوع على النيابة عن الفاعل كما أنّ الفناء مرفوع كذلك، و الباء في قوله بأحسن للمصاحبة و الملابسة، و في قوله بحضرتكم للظرفيّة و من الزّاد بيان لما

المعنى

اعلم أنّ المستفاد من شرح البحراني هو أنّ هذه الخطبة ملتقطة من خطبة طويلة له عليه السّلام خطبها يوم الفطر، و أنّ بين قوله: و نعمة، و قوله: و الدّنيا، فصل طويل، و المستفاد منه أيضا أنّ الخطبة الثامنة و العشرين أيضا من فصول تلك الخطبة الطويلة إذا عرفت ذلك ظهر لك أنّ ما أتى به السيّد (ره) هنا منتظم من فصلين

الفصل الاول مشتمل على حمد اللّه سبحانه و ثنائه

و هو قوله (الحمد للّه غير مقنوط من رحمته) أصل الرّحمة رقّة القلب و انعطاف أى نيل روحاني يقتضي التّفضّل و الاحسان، و إذا اسندت إلى اللّه سبحانه كان المراد بها غايتها أعنى التفضّل و الاحسان، لأنّ الرّقة من الكيفيّات المزاجيّة المستحيلة في حقّه سبحانه، فيكون اطلاقها على التّفضّل إمّا من باب المجاز المرسل من قبيل ذكر السّبب و إرادة المسبّب لكون الرّقة سببا للتّفضّل و إمّا من باب التمثيل بأن شبّه حاله تعالى بالقياس إلى المرحومين في إيصال الخير إليهم بحال الملك إذا عطف على رعيّته ورقّ لهم فأصابهم بمعروفه و انعامه، فاستعير الكلام الموضوع للهيئة الثانية للاولى من غير أن يتمحّل في شي‏ء من مفرداته و كيف كان ففي كلامه عليه السّلام تنبيه على عدم جواز اليأس من رحمة اللّه سبحانه لعمومها و سعتها للخلايق في الدّنيا و الآخرة كما قال سبحانه: وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ للّه عزّ و جلّ مأئة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض‏ فقسّمها بين خلقه فبها يتعاطفون و يتراحمون، و أخّر تسعا و تسعين لنفسه يرحم بها يوم القيامة.

و روى إنّ اللّه قابض هذه إلى تلك فيكملها مأئة يرحم بها عباده يوم القيامة (و لا مخلوّ من نعمته) لأنّ سبوغ نعمته دائم لآثار قدرته التي استلزمت طبائعها الحاجة إليه فوجب لها فيض جوده إذ كلّ ممكن مفتقر إلى كرمه وجوده (و لا مأيوس من مغفرته) و ذلك لأنّ عفوه تعالى غالب على عقابه، و رحمته سابقة على غضبه، و مغفرته قاهرة لعقوبته كما قال سبحانه: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ و في الحديث ليغفرنّ اللّه يوم القيامة مغفرة ما خطرت قطّ على قلب أحد حتّى أنّ إبليس ليتطاول لها رجاء أن تصيبه هذا و نظير كلامه في الفقرات الثلاث المفيدة لاتّصافه سبحانه بالرّحمة و الانعام و المغفرة ما ورد في دعاء الاستقالة عن الذّنوب من الصّحيفة السّجاديّة و هو قوله عليه السّلام: «أنت الّذي و سعت كلّ شي‏ء رحمة و علما، و أنت الّذي جعلت لكلّ مخلوق في نعمك سهما، و أنت الّذي عفوه أعلى من عقابه» (و لا مستنكف عن عبادته) إذ هو المستحقّ للعبادة دون ما عداه، لأنّه جامع الكمال المطلق ليس فيه جهة نقصان إليها يشار، فيكون سببا للاستنكاف و الاستكبار فالمقصود بقوله: و لا مستنكف عن عبادته، أنّ عبادته ليست محلّا لأنّ يستنكف عنها، لأنّها لا استنكاف عنها و لا استكبار، ضرورة أنّ المستكبرين و المستنكفين من الجنّة و النّاس من الكافرين و المنافقين فوق حدّ الاحصاء، و لذلك خصّ سبحانه عدم الاستكبار بأهل التّقرّب و المكانة كما قال: وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ‏ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ

و قال: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يُسَبِّحُونَهُ وَ لَهُ يَسْجُدُونَ و قال: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَ مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ أَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَ اسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً (الذي لا تبرح له رحمة و لا تفقد له نعمة) الاتيان بهذين الوصفين للاشارة إلى وجوب شكره سبحانه بهذين الاعتبارين أيضا فان قلت أليس قوله غير مقنوط من رحمته و لا مخلوّ من نعمته مغنيا عن هذين الوصفين قلت: لا إذ عدم القنوط من رحمته لا يستلزم دوام الرّحمة فلا يغنى ذكره عنه و هو ظاهر، و أمّا عدم الخلوّ من النّعمة و إن كان ملازما لعدم فقدانها إلّا أنّه يمكن أن يكون المراد بالأوّل الخصوص يعنى عدم خلوّ نفسه من نعمته كما أنّ الظاهر في الفقرات الثلاث الباقية أيضا ذلك، و بالثّاني مشمول نعمته لجميع الخلايق و عدم فقدانها في حقّ أحد و أمّا البرهان على دوام رحمته و كمال نعمته فهو على ما ذكره الفخر الرّازي أنّ الأشياء على أربعة أقسام: الذى يكون نافعا و ضروريّا معا و الذى يكون نافعا و لا يكون ضروريّا و الذى يكون ضروريّا و لا يكون نافعا و الذى لا يكون نافعا و لا يكون ضروريّا أمّا القسم الأوّل و هو الذي يكون نافعا و ضروريّا معا، فامّا أن يكون‏كذلك في الدّنيا فقط و هو مثل النّفس، فانّه لو انقطع منك لحظة واحدة لحصل الموت، و إمّا أن يكون كذلك في الآخرة و هو معرفة اللّه تعالى فانّها إن زالت عن القلب لحظة واحدة حصل الموت للقلب و استوجب العذاب الأبد و أمّا القسم الثّاني و هو الذي يكون نافعا و لا يكون ضروريّا فهو كالمال في الدّنيا و كساير العلوم و المعارف في الآخرة و أمّا القسم الثّالث و هو الذي يكون ضروريّا و لا يكون نافعا فكالمضّار التي لا بدّ منها في الدّنيا، كالأمراض و الموت و الفقر و الهرم و لا نظير لهذا القسم في الآخرة، فانّ ضروريّات الآخرة لا يلزمها شي‏ء من المضّار و أمّا القسم الرّابع و هو الذي لا يكون ضروريّا و لا نافعا فهو كالفقر في الدّنيا و العذاب في الآخرة إذا عرفت ذلك فنقول: قد ذكرنا أنّ النّفس في الدّنيا نافع و ضروريّ، فلو انقطع عن الانسان لحظة لمات في الحال، و كذلك معرفة اللّه تعالى أمر لا بدّ منه في الآخرة فلو زالت عن القلب لحظة لمات القلب لا محالة، لكنّ الموت الأوّل أسهل من الثّاني لأنّه لم يتألم في الموت الأوّل إلّا ساعة واحدة، و أمّا الموت الثّاني فانّه يبقى ألمه أبد الآباد.

و كما أنّ التنفّس له أثر ان: أحدهما إدخال النّسيم الطيب على القلب و ابقاء اعتداله و سلامته، و الثاني إخراج الهواء الفاسد الحارّ المحترق عن القلب، كذلك الفكر له أثر ان: أحدهما ايصال نسيم الحجّة و البرهان إلى القلب و ابقاء اعتدال الايمان و المعرفة عليه، و الثّاني إخراج الهواء الفاسد المتولد من الشّبهات عن القلب، و ما ذاك إلّا بان يعرف أنّ هذه المحسوسات متناهية في المقدار منتهية بالأخرة إلى الفناء بعد وجودها، فمن وقف على هذه الأحوال بقى آمنا من الآفات و اصلا إلى الخيرات و المسرّات و كمال هذين الأمرين ينكشف بعقلك بأن تعرف أن كلّ ما وجدته و وصلت إليه فهو قطرة من بحار رحمة اللّه و ذرّة من أنوار إحسانه فعند هذا ينفتح على قلبك معرفة كون اللّه رحمانا رحيما.

فاذا أردت أن تعرف هذا المعنى على التفصيل فاعلم أنك جوهر مركب من نفس و بدن و روح و جسد، أمّا نفسك فلا شكّ أنّها كانت جاهلة في مبدء الفطر كما قال تعالى: وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ثمّ تامّل في مراتب القوى الحسّاسة و المحرّكة و المدركة و العاقلة و تأمّل في مراتب المعقولات و في جهاتها و اعلم أنّه لا نهاية لها البتّة و لو أنّ العاقل أخذ في اكتساب العلم بالمعقولات و سرى فيها سيران البرق الخاطف و الرّيح العاصف، و بقى في ذلك السّير أبد الآبدين و دهر الداهرين لكان الحاصل له من المعارف و العلوم قدرا متناهيا، و لكانت المعلومات التي ما عرفها و لم يصل إليها أصلا غير متناهية و المتناهي في جنب غير المتناهى قليل في كثير فعند هذا يظهر له أنّ الذي قاله اللّه تعالى في قوله: وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا حقّ و صدق.

و أمّا بدنك فانّه جوهر مركب من الأخلاط الأربعة، فتأمّل كيفيّة تركيبها و تشريحها و تأمّل ما في كلّ واحد من الأعضاء و الأجزاء من المنافع العالية و الآثار الشّريفة، و حينئذ يظهر لك صدق قوله سبحانه و تعالى: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها و حينئذ ينجلي لك أثر من آثار كمال رحمته في خلقك و هدايتك، فتفهم شيئا قليلا من رحمته الكاملة و نعمته السّابغة الشّاملة.

الفصل الثاني

متضمّن للتّنفير عن الدّنيا و التّنبيه على بعض عيوباتها و هو قوله (و الدّنيا دار منى لها الفناء و) قدّر (لأهلها منها الجلاء) كما قال سبحانه:

 كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ و قال: كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (و هى حلوة) في الذّوق (خضرة) في النّظر يستلذّ بها الذّائق و النّاظر (و) لكنّها (قد عجّلت للطالب) فليس لها دوام و ثبات حتّى يتمتّع منها على وجه الكمال (و التبست بقلب النّاظر) أى اشتبهت لديه حتّى صار مولعا بحبّها مفتتنا بخضرتها و نضارتها.

 كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في رواية أبي هريرة: لا تكونوا ممّن خدعته العاجلة و غرّته الامنيّة، فاستهوته الخدعة، فركن إلى دار السوء سريعة الزّوال، و شيكة الانتقال إنّه لم يبق من دنياكم هذه في جنب ما مضى إلّا كاناخة راكب أو صر جالب فعلى ما تعرجون و ما ذا تنتظرون، فكأنكم و اللّه و ما أصبحتم فيه من الدّنيا لم يكن، و ما يصيرون إليه من الآخرة لم يزل، فخذوا اهبة لا زوال لنقلة، و أعدّوا الزّاد لقرب الرّاحلة، و اعلموا أنّ كلّ امرء على ما قدّم قادم، و على ما خلف نادم و لما نبّه عليه السّلام على فناء الدّنيا و تعجيل زوالها أردف ذلك بقوله (فارتحلوا عنها) يعنى تهيئوا للارتحال و استعدّوا للموت قبل نزول الفوت (بأحسن ما بحضرتكم من الزّاد) و هو التّقوى و الأعمال الصّالحة (و لا تسألوا فيها فوق الكفاف و لا تطلبوا منها أكثر من البلاغ) كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في رواية انس بن مالك: يا معشر المسلمين شمّروا فانّ الأمر جدّ، و تأهّبوا فانّ الرّحيل قريب، و تزوّدوا فانّ السّفر بعيد، و خفّفوا أثقالكم فانّ ورائكم عقبة كؤدا لا يقطعها إلّا المخفّفون، أيهّا النّاس إنّ بين يدي السّاعة امورا شدادا، و هو الاعظاما، و زمانا صعبا يتملّك فيه الظلمة، و يتصدّر فيه الفسقة، و يضام فيه الآمرون بالمعروف، و يضطهد فيه النّاهون عن المنكر، فأعدّوا لذلك الايمان و عضّوا عليه بالنّواجذ، و الجئوا إلى العمل الصّالح و أكرهوا عليه‏ النّفوس تفضوا إلى النّعيم الدّائم

هداية

عقد ثقة الاسلام الكليني عطر اللّه مضجعه في الكافي بابا للكفاف و روى فيه الأخبار الواردة في مدحه و حسنه و لا بأس برواية بعضها تيمّنا و تبرّكا فأقول: فيه باسناده عن أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال اللّه عزّ و جلّ: إنّ من أغبط أوليائي عندي رجلا خفيف الحال ذا حظّ من صلاة أحسن عبادة ربّه بالغيب، و كان غامضا في النّاس، جعل رزقه كفافا فصبر عليه عجّلت منيّته فقلّ تراثه و قلّت بواكيه.

و عن السّكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طوبى لمن أسلم و كان عيشه كفافا و عن السّكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اللهمّ ارزق محمّدا و آل محمّد و من أحبّ محمّدا و آل محمّد العفاف و الكفاف، و ارزق من أبغض محمّدا و آل محمّد المال و الولد و عن النّوفلي رفعه إلى عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما قال: مرّ رسول اللّه براعى إبل فبعث يستسقيه فقال: أمّا ما في ضروعها فصبوح الحيّ و أمّا ما في آنيتها فغبوقهم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللهمّ أكثر ماله و ولده، ثمّ مرّ براعي غنم فبعث إليه يستسقيه فحلب له ما في ضروعها و أكفا ما في إنائه في إناء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بعث إليه بشاة و قال: هذا ما عندنا و إن أحببت أن نزيدك زدناك، قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللهمّ ارزقه الكفاف، فقال له بعض أصحابه: يا رسول اللّه دعوت للذي ردّك بدعاء عامّتنا نحبّه، و دعوت للذي أسعفك بحاجتك بدعاء كلّنا نكرهه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ ما قلّ و كفى خير ممّا أكثر و ألهى اللهمّ ارزق محمّدا و آل محمّد الكفاف و عن البختريّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: يحزن عبدي المؤمن ان قترت عليه و ذلك أقرب له منّي، و يفرح عبدي المؤمن إن وسّعت عليه و ذلك أبغض له منّي.

و في حديث أبي ذرّ المرويّ في البحار قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا باذر إنّي قد دعوت اللّه جلّ ثناؤه أن يجعل رزق من يحبّني الكفاف، و أن يعطي من يبغضني كثرة المال و الولد و قد أكثر شعراء العرب و العجم في مدح الكفاف و الاستغناء عن النّاس، و من جيّد ما قالوه قول أبي العلاء المعرّى:

فان كنت تهوى العيش قانع توسطا
فعند التناهي يقصر المتطاول‏

توفى البدور النقص و هى أهلّة
و يدركها النّقصان و هى كوامل‏

و قال سليمان بن مهاجر البجلي:

كسوت جميل الصّبر وجهي فصانه
به اللّه عن غشيان كلّ بخيل‏

فلم يتبذلني البخيل و لم اقم‏
على بابه يوما مقام ذليل‏

و انّ قليلا يستر الوجه ان يرى
إلى النّاس مبذولا بغير قليل‏

و قال بعض شعراء الحكماء:

فلا تجزع إذا أعسرت يوما
فقد أيسرت في الدّهر الطويل‏

و لا تظنن بربّك ظنّ سوء
فإنّ اللّه أولى بالجميل‏

و إنّ العسر يتبعه يسار
و قيل اللّه أصدق كلّ قيل‏

و لو أنّ العقول تجرّ رزقا
لكان المال عند ذوي العقول‏

تكملة

قد ذكرنا سابقا أنّ المستفاد من شرح البحراني أنّ هذه الخطبة و الخطبة الثّامنة و العشرين ملتقطتان من خطبة طويلة خطب بها يوم الفطر، و قد ظفرت بعد ما شرحت الخطبة على تمامها برواية الصّدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه فأحببت ايرادها على ما رواها قدّس سرّه فأقول: قال: و خطب أمير المؤمنين عليه السّلام يوم الفطر فقال: الحمد للّه الذي خلق السّموات و الأرض و جعل الظلمات و النّور ثمّ الذين كفروا بربّهم يعدلون، لا نشرك باللّه شيئا و لا نتّخذ من دونه وليّا، و الحمد للّه له ما في السّموات و ما في الأرض و له‏ الحمد في الدّنيا و الآخرة و هو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض و ما يخرج منها و ما ينزل من السّماء و ما يعرج فيها و هو الرّحيم الغفور، كذلك اللّه لا إله إلّا هو إليه المصير، و الحمد للّه الذي يمسك السّماء أن تقع على الأرض إلّا باذنه إنّ اللّه بالنّاس لرؤف رحيم اللهمّ ارحمنا برحمتك، و اعممنا بمغفرتك إنّك أنت العليّ الكبير، و الحمد للّه الذي لا مقنوط من رحمته، و لا مخلوّ من نعمته، و لا مؤيس من روحه، و لا مستنكف عن عبادته، بكلمته قامت السّماوات السّبع، و استقرّت الأرض المهاد، و ثبتت الجبال الرّواسي، و جرت الرّياح الواقع، و سار في جوّ السّماء السّحاب، و قامت على حدودها البحار، و هو إله لها و قاهر يذلّ له المتعزّزون، و يتضأل له المتكبّرون، و يدين له طوعا و كرها العالمون.

نحمده كما حمد نفسه و كما هو أهله، و نستعينه و نستغفره و نستهديه، و نشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له يعلم ما تخفى النّفوس و ما يجنّ البحار و ما توارى منه ظلمة، و لا يغيب عنه غائبة، و ما يسقط من ورقة من شجرة، و لا حبّة في ظلمات الأرض إلّا يعلمها، لا إله إلّا هو، و لا رطب و لا يابس إلّا في كتاب مبين، و يعلم ما يعمل العاملون، و أىّ مجرى يجرون، و إلى أىّ منقلب ينقلبون و نستهدي اللّه بالهدى و نشهد أنّ محمّدا عبده و نبيّه و رسوله إلى خلقه، و أمينه على وحيه، و أنّه قد بلغ رسالات ربّه و جاهد في اللّه الحائدين عنه العادلين به، و عبد اللّه حتّى أتاه اليقين صلّى اللّه عليه و آله اوصيكم بتقوى اللّه الذي لا تبرح منه نعمة، و لا تفقد منه رحمة، و لا يستغنى العباد عنه، و لا يجزى انعمه الاعمال، الذي رغب في التّقوى، و زهد في الدّنيا و حذر المعاصي و تعزّز بالبقاء، و ذلّل خلقه بالموت و الفناء، و الموت غاية المخلوقين، و سبيل العالمين، و معقود بنواصي الباقين، لا يعجزه إباق الهاربين، و عند حلوله ياس أهل الهوى يهدم كلّ لذّة، و يزيل كلّ نعمة، و يقطع كلّ بهجة و الدّنيا دار كتب اللّه لها الفناء، و لأهلها منها الجلاء، فأكثرهم ينوى بقائها و يعظم بنائها: و هى حلوة خضرة قد عجلت للطالب، و التبست بقلب النّاظر و يضني‏ء ذو الثروةالضّعيف، و يحتويها الخائف الوجل، فارتحلوا منها يرحمكم اللّه بأحسن ما بحضرتكم و لا تطلبوا منها أكثر من القليل و لا تسألوا منها فوق الكفاف، و ارضوا منها باليسير و لا تمدّن أعينكم منها إلى ما متّع المترفون و استهينوا بها و لا توطنوها و أضرّوا بأنفسكم فيها، و إيّاكم و التنعّم و التلهّى و الفاكهات، فانّ في ذلك غفلة و اغترارا ألا إنّ الدّنيا قد تنكّرت و ادبرت و أصولت و آذنت بوداع، ألا و إنّ الآخرة قد رحلت فأقبلت و أشرفت و آذنت باطلاع، ألا و إنّ المضمار اليوم و السّباق غدا، ألا و إنّ السّبقة الجنّة و الغاية النّار، أفلا تائب من خطيئته قبل يوم منيته، ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه، و فقره، جعلنا اللّه و إيّاكم ممّن يخافه فيرجو ثوابه ألا و إنّ هذا اليوم يوم جعله اللّه لكم عيدا، و جعلكم له أهلا، فاذكروا اللّه يذكركم و ادعوه يستجب لكم و أدّوا فطرتكم فانّها سنّة نبيّكم و فريضة واجبة من ربّكم فليؤدّها كلّ امرء منكم عن نفسه و عن عياله كلّهم ذكرهم و انثاهم و صغيرهم و كبيرهم و حرّهم و مملوكهم عن كلّ إنسان منهم صاعا من برّ أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير و أطيعوا اللّه فيما فرض عليكم و أمركم به من إقام الصّلاة و إيتاء الزّكاة و حجّ البيت و صوم شهر رمضان و الأمر بالمعروف، و النّهى عن المنكر، و الاحسان إلى نسائكم و ما ملكت أيمانكم و أطيعوا اللّه فيما نهيكم عنه من قذف المحصنة، و إتيان الفاحشة، و شرب الخمر و بخس المكيال، و نقص الميزان، و شهادة الزّور، و الفرار عن الزّحف عصمنا اللّه و إيّاكم بالتّقوى، و جعل الآخرة خيرا لنا و لكم من الاولى، إنّ أحسن الحديث و أبلغ موعظة المتّقين كتاب اللّه العزيز أعوذ باللّه العظيم من الشّيطان الرّجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.

الترجمة

از جمله خطبه ‏هاى آن حضرت است: حمد و ثنا مر خداى را است در حالتى كه نوميد كرده نشده است از رحمة او، و خالى كرده نشده است از نعمة او، و نوميد كرده نشده است از مغفرة او، و كبر ورزيده نشده است از عبادت او، چنان خداوندى كه زايل نمى‏شود از او هيچ رحمتى، و نا ياب نمى‏شود از او هيچ نعمتي، و دنيا سرائيست تقدير كرده شده است از براى او فنا، و از براى اهل او بيرون رفتن از آن با رنج و عنا، و آن دنيا شيرينست در مذاق و سبز و خرّمست در نظر أهل آفاق و بتحقيق كه شتابانيده شده است از براى جوينده او، و مشتبه شده است در قلب نظر كننده او، پس رحلت نمائيد و كوچ كنيد از او به نيكوترين چيزى كه در حضور شماست از توشه كه عبارتست از تقوى و أعمال صالحه، و سؤال نكنيد در او بالاتر از قدر كفاف در معيشت، و طلب ننمائيد از او زياده از حدّ كفاية كه اينست شعار صاحبان بصيرت، و سالكان طريق حقيقت

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 44 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 44 صبحی صالح

44- و من كلام له ( عليه ‏السلام  ) لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية

و كان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين ( عليه ‏السلام  ) و أعتقهم،

فلما طالبه بالمال خاس به و هرب إلى الشام

قَبَّحَ اللَّهُ مَصْقَلَةَ

فَعَلَ فِعْلَ السَّادَةِ

وَ فَرَّ فِرَارَ الْعَبِيدِ

فَمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ وَ لَا صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ

وَ لَوْ أَقَامَ لَأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ

وَ انْتَظَرْنَا بِمَالِهِ وُفُورَهُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من كلام له عليه السّلام

و هو الرابع و الاربعون من المختار في باب الخطب

لمّا هرب مصقلة بن هبيرة الشّيباني إلى معاوية و كان قد ابتاع سبى بني ناجية من عامل أمير المؤمنين و أعتقهم، فلمّا طالبه بالمال خاص به و هرب إلى الشّام قبّح اللّه مصقلة فعل فعل السّادة، و فرّ فرار العبيد، فما أنطق مادحه حتّى أسكته، و لا صدّق واصفه حتّى نكبه، و لو أقام لأخذنا ميسوره، و انتظرنا بماله وفوره.

اللغة

(مصقلة) بفتح الميم و هو مصقلة بن هبيرة بن شبل بن ثيرى بن امرء القيس بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة بن شيبان، و (بنو ناجية) قوم نسبوا انفسهم إلى سامة بن لوى بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة، فدفعتهم قريش عن هذا النسب و نسبتهم إلى امّهم ناجية و هى امرأة سامة بن لوى قالوا إنّ سامة خرج إلى ناحية البحرين مغاضبا لأخيه كعب بن لوي فطاطات ناقته رأسها لتأخذ العشب فعلق بمشفرها أفعىّ ثمّ عطفت على قبتها فحكمته به، فدبّ الأفعيّ على القبت «كذا» حتّى نهش ساق سامة فقتله، و كانت معه امرئته ناجية فلمّا مات تزوّجت رجلا في البحرين فولدت منه الحارث، و مات أبوه و هو صغير فلمّا ترعرع طمعت امّه أن تلحقه بقريش فأخبرته أنّه ابن سامة بن لوي فرحل من البحرين إلى‏ مكّة و معه أمّه، فاخبر كعب بن لوى أنّه ابن أخيه سامة، فعرف كعب أمّه ناجية فظنّ أنّه صادق في دعواه فقبله، و مكث عنده مدّة حتّى قدم ركب من البحرين فرأوا الحارث فسلّموا عليه و حادثوه فسألهم كعب بن لوي اين يعرفونه، فقالوا هذا ابن رجل من بلدنا يعرف بفلان، و شرحوا له خبره فنفاه كعب عن مكة و نفي أمّه فرجعا إلى البحرين فكانا هناك، و تزوّج الحارث و أعقب هذا العقب و (خاس به) يخيس و يخوس أى غدر به، و خاس فلان بالعهد أى أخلف و (التنكيب) التّوبيخ و التّقريع و (الميسور) ضدّ المعسور و (الوفور) مصدر وفر المال اى كثر و تمّ و يجي‏ء متعدّيا و في بعض النّسخ موفوره و هو التّامّ

الاعراب

جملة قبّح اللّه مصقلة دعائية لا محلّ لها من الاعراب، و جملة فعل فعل السّادة استينافيّة بيانيّة واقعة موقع الجواب عن سؤال علّة الدّعاء بالتقبيح

المعنى

اعلم أنّ هذا الكلام قاله عليه السّلام (لمّا هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني) منه (إلى معاوية و كان) سبب هربه انّه (قد ابتاع سبى بني ناجية من) معقل بن قيس الرياحى (عامل أمير المؤمنين و اعتقهم فلمّا طالبه) أمير المؤمنين (بالمال خاس به) و غدر (و هرب إلى الشّام) نحو معاوية فبلغ ذلك إليه عليه السّلام فقال (قبّح اللّه مصقلة) و نحاه عن الخير (فعل فعل السّادة) حيث اشترى القوم و اعتقهم (و فرّ فرار العبيد) على ما هو شيمتهم و عادتهم (فما أنطق مادحه حتّى أسكته) يعنى أنّه جمع بين عاتبين متنافيين انطاقه لمادحه بفداء الاسرى مع اسكاته بهر به قبل تمام انطاقه، و هو وصف لسرعة إلحاقه رذيلته بفضيلته حتّى كأنّه قصد الجمع بينهما (و لا صدّق واصفه حتّى نكبه) يعنى أنّه لم يصدق الواصف له بحسن فعله حتّى وبخه بسوء عمله، ثمّ أشار إلى جواب ما يتوهّم اعتذاره به و هو خوف التضييق عليه في بقيّة المال فقال (و لو أقام) و لم يهرب (لأخذنا) منه (ميسوره و انتظرنا بماله) تمامه (و وفوره) هذا و أما قصة بنى ناجية و سبب هرب مصقلة فعلى ما ذكره في البحار و شرح المعتزلي من كتاب الغارات لابراهيم بن محمّد الثّقفي بتلخيص منّا هو: أنّ الخريت ابن راشد النّاجي أحد بني ناجية قد شهد مع عليّ عليه السّلام صفّين ثمّ استهواه الشّيطان و صار من الخوارج بسبب التّحكيم، فخرج هو و أصحابه إلى المداين و قتلوا في طريقهم مسلما فوجه أمير المؤمنين إليهم زياد بن حفصة في مأئة و ثلاثين رجلا، فلحقوهم بالمداين و اقتتلوا هنالك و استشهد من اصحاب زياد رجلان و اصيب منهم خمسة نفر و حال اللّيل بين الفريقين فبات أصحاب زياد في جانب و تنحّى الخوارج فمكثوا ساعة من اللّيل ثمّ مضوا فذهبوا و لمّا أصبح أصحاب زياد وجدوا أنّهم ذهبوا فمضى أصحاب زياد إلى البصرة و بلغهم أنّهم أتوا الأهواز فنزلوا في جانب منها، و تلاحق بهم ناس من أصحابهم نحو مأتين، فأقاموا معهم و كتب زياد بذلك إلى أمير المؤمنين يخبره الخبر، و يأتي ذكر ذلك الكتاب و تفصيل قتال الفريقين في شرح المختار المأة و الثمانين إنشاء اللّه قال إبراهيم فلمّا أتاه الكتاب قرأه على النّاس، فقام إليه معقل بن قيس الرّياحى فقال: أصلحك اللّه يا أمير المؤمنين إنّما كان ينبغي أن يكون مكان كلّ رجل من هؤلاء الذين بعثتهم في طلبهم عشرة من المسلمين فاذا لحقوهم استأصلوا شافتهم و قطعوا دابرهم، فقال عليه السّلام له: تجهّز يا معقل إليهم و ندب معه ألفين من أهل الكوفة فيهم يزيد بن المعقل و كتب إلى عبد اللّه بن العباس و كان عامل البصرة أمّا بعد فابعث رجلا من قبلك صليبا شجاعا معروفا بالصّلاح في ألفي رجل من أهل البصرة فليتبع معقل بن قيس فاذا خرج من أرض البصرة فهو أمير أصحابه حتّى يلقى معقلا، فإذا لقاه فمعقل أمير الفريقين فليسمع منه و ليطعه و لا يخالفه، و مر زياد بن حفصة فليقبل إلينا فنعم المرء زياد و نعم القبيل قبيلته و كتب عليه السّلام إلى زياد أمّا بعد فقد بلغنى كتابك و فهمت ما ذكرت به النّاجي و أصحابه الذين طَبَعَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ و زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فهم حيارى عمون يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ‏ صُنْعاً

و وصفت ما بلغ بك و بهم الأمر فأمّا أنت و أصحابك فللّه سعيكم و عليه جزائكم و أيسر ثواب اللّه للمؤمن خير له من الدّنيا التي يقتل الجاهلون أنفسهم عليها فما عندكم ينفد و ما عند اللّه باق و لنجزينّ الّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون، و أمّا عدوّكم الذين لقيتم فحسبهم خروجهم من الهدى و ارتكابهم في الضّلالة و ردّهم الحقّ و جماحهم في التّيه، فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ، و دعهم فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ، ف أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ فكانّك بهم عن قليل بين أسير و قتيل، فاقبل الينا أنت و أصحابك ماجورين، فقد أطعتم و سمعتم و أحسنتم البلاء و السلام.

قال: و نزل النّاجي جانبا من الأهواز و اجتمع إليه علوج كثير من أهلها ممّن أراد كسر الخراج و من اللّصوص و طايفة اخرى من الأعراب يرى رأيه.

قال إبراهيم: و روى عن عبد اللّه بن قعين قال: كنت أنا و أخى كعب بن قعين في ذلك الجيش مع معقل بن قيس، فلما أراد الخروج أتى أمير المؤمنين يودّعه فقال عليه السّلام: يا معقل بن قيس اتّق اللّه ما استطعت فانّه (فانها خ) وصيّة اللّه للمؤمنين لا تبغ على أهل القبلة و لا تظلم على أهل الذّمة و لا تتكبّر فانّ اللّه لا يحبّ المتكبّرين، فقال معقل: اللّه المستعان، فقال عليه السّلام: خير مستعان، ثمّ قام فخرج و خرجنا معه حتّى نزل الأهواز، و بعث ابن عباس خالد بن معدان مع جيش البصرة فدخل على صاحبنا فسلّم عليه بالامرة و اجتمعا جميعا في عسكر واحد.

قال عبد اللّه بن قعين ثمّ خرجنا إلى النّاجي و أصحابه فأخذوا نحو جبال رامهرمز يريدون قلعة حصينة، و جاءنا أهل البلد فأخبرونا بذلك فخرجنا في آثارهم فلحقناهم و قد دنوا من الجبل فصفقنا لهم، ثمّ أقبلنا نحوهم فجعل معقل على ميمنته يزيد بن معقل، و على ميسرته منجاب بن راشد، و وقف النّاجى بمن معه من العرب فكانوا ميمنة و جعل أهل البلد و العلوج و من أراد كسر الخراج و جماعة من الاكراد ميسرة.

و سار فينا معقل يحرّضنا و يقول: يا عباد اللّه لا تبدءوا القوم و غضّوا الأبصار و أقلّوا الكلام و وطنوا أنفسكم على الطعن و الضرب و ابشروا في قتالهم بالأجر العظيم إنّما تقاتلون مارقة مرقت و علوجا منعوا الخراج و لصوصا و أكرادا فما تنتظرون فاذا حملت فشدّ و اشدّة رجل واحد.

قال فمرّ في الصّف لكلّهم يقول: هذه المقالة حتّى إذا مرّ بالنّاس كلّهم أقبل فوقف وسط الصّف في القلب و نظرنا إليه ما يصنع فحرّك رايته تحريكتين ثمّ حمل في الثالثة و حملنا معه جميعا، فو اللّه ما صبروا لنا ساعة حتّى ولّوا و انهزموا، و قتلنا سبعين عربيا من بني ناجية، و من بعض من اتّبعه من العرب، و نحو ثلاثمائة من العلوج، و الأكراد، و خرج النّاجي منهزما حتّى لحق بسيف من أسياف البحر و بها جماعة من قومه كثير فما زال يسير فيهم و يدعوهم إلى خلاف عليّ عليه السّلام و يزيّن لهم فراقه و يخبرهم أنّ الهدى في حربه و مخالفته حتّى اتّبعه منهم ناس كثير.

و أقام معقل بن قيس بأرض الأهواز و كتب إلى أمير المؤمنين بالفتح و كان في الكتاب: لعبد اللّه عليّ أمير المؤمنين من معقل بن قيس سلام عليك فانى أحمد إليك اللّه الذى لا إله إلّا هو أمّا بعد، فانّا لقينا المارقين و قد استظهروا علينا بالمشركين فقتلنا منهم ناسا كثيرا و لم نعد فيهم سيرتك، لم نقتل منهم مدبرا و لا أسيرا و لم ندفف منهم على جريح، و قد نصرك اللّه و المسلمين و الحمد للّه ربّ العالمين.

فلما قدم الكتاب على عليّ عليه السّلام قرأه على أصحابه و استشارهم فاجتمع رأى عامّتهم على قول واحد قالوا: نرى أن نكتب إلى معقل بن قيس يتّبع آثارهم و لا يزال في طلبهم حتّى يقتلهم أو ينفيهم من أرض الاسلام.

فكتب عليه السّلام إليه أمّا بعد فالحمد للّه على تأييده أوليائه و خذله أعدائه، جزاك اللّه و المسلمين خيرا فقد أحسنتم البلاء و قضيتم ما عليكم فاسأل عن أخي بنى ناجية فان بلغك أنّه استقرّ في بلد من البلدان فسر إليه حتّى تقتله أو تنفيه، فانّه لم يزل للمسلمين عدوّا و للفاسقين وليّا.

قال فسأل معقل عن مسيره و المكان الذي انتهى إليه فنبّى‏ء بمكانه بسيف«» البحر بفارس و أنّه قد ردّ قومه عن طاعة عليّ عليه السّلام و أفسد من قبله من عبد القيس و من و الاهم من ساير العرب، و كان قومه قد منعوا الصدقة عام صفين و منعوها في ذلك العام أيضا.

فسار إليهم معقل في ذلك الجيش من أهل الكوفة و البصرة فأخذوا على أرض فارس حتّي انتهوا إلى أسياف البحر فلما سمع النّاجى بمسيره أقبل على من كان معه من أصحابه ممّن يرى رأى الخوارج فأسرّ إليهم أنى أرى رأيكم و أن عليا ما كان ينبغي له أن يحكم الرّجال في دين اللّه، و قال للآخرين من أصحابه مسرّا إليهم: إنّ عليّا قد حكم حكما و رضى به فخالف حكمها الذي ارتضاه لنفسه و هذا الرّأى الذي خرج عليه من الكوفة، و قال لمن يراى رأى عثمان و أصحابه: إنّا على رأيكم و إنّ عثمان قتل مظلوما، و قال لمن منع الصّدقة: شدّوا أيديكم على صدقاتكم ثمّ صلوا بها أرحامكم و عودوا إن شئتم على فقرائكم فأرضى كلّ طائفة بضرب من القول.

و كان فيهم نصارى كثير أسلموا، فلما رأوا ذلك الاختلاف قالوا: و اللّه لديننا الذي خرجنا منه خير و أهدى من دين هؤلاء الذين لا ينهيهم دينهم عن سفك الدّماء و إخافة السّبل فرجعوا إلى دينهم، فلقى الناجى اولئك فقال: و يحكم إنّه لا ينجيكم من القتل إلّا الصّبر لهؤلاء القوم و اتّصالهم أ تدرون ما حكم عليّ فيمن أسلم من النصارى ثمّ رجع الى النّصرانية لا و اللّه لا يسمع له قولا، و لا يرى له عذرا، و لا دعوة و لا يقبل منه توبة و لا يدعوه اليها و أنّ حكمه فيه أن يضرب عنقه ساعة يستمكن منه، فما زال حتّى خدعهم فاجتمع اليه ناس كثير و كان منكرا«» داهيا، فلما رجع معقل قرء على أصحابه كتابا من عليّ فيه:

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى من قرأ عليه كتابي هذا من المسلمين و المؤمنين و المارقين و النّصارى و المرتدّين، سلام على من اتّبع الهدى و آمن باللّه و رسوله و كتابه و البعث بعد الموت وافيا بعهد اللّه و لم يكن من الخائنين.

أمّا بعد فانّى أدعوكم إلى كتاب اللّه و سنّة نبيّه و أن أعمل فيكم بالحقّ و بما أمر اللّه تعالى به في كتابه فمن رجع منكم إلى رحله و كفّ يده و اعتزل هذا المارق الهالك المحارب الذي حارب اللّه و رسوله و المسلمين و سعى في الأرض فسادا فله الأمان على ماله و دمه، و من تابعه على حربنا و الخروج من طاعتنا استعنّا باللّه عليه و جعلناه بيننا و بينه و كفى باللّه وليّا و السّلام.

قال فأخرج معقل راية أمان فنصبها و قال: من أتاها من الناس فهو آمن إلّا الخريت و أصحابه الذين نابذوا أوّل مرّة، فتفرّق عن الخريت كلّ من كان معه من غير قومه و عبا معقل أصحابه ثمّ زحف بهم نحوه، و قد حضر مع الخريت جميع قومه مسلمهم و نصرانيهم و مانع الصّدقة منهم فجعل مسلمينهم يمنة و مانع الصّدقة يسرة.

و سار معقل يحرّض أصحابه فيما بين الميمنة و الميسرة و يقول: أيّها النّاس ما تدرون ما سيق اليكم في هذا الموقف من الأجر العظيم إنّ اللّه ساقكم إلى قوم منعوا الصّدقة و ارتدّوا من الاسلام و نكثوا البيعة ظلما و عدوانا، انّى شهيد لمن قتل منكم بالجنّة، و من عاش بأنّ اللّه يقرّ عينه بالفتح و الغنيمة، ففعل ذلك حتّى مرّ بالنّاس أجمعين ثمّ وقف في القلب برايته فحملت الميمنة عليهم ثمّ الميسرة و ثبتوا لهم و قاتلوا قتالا شديدا، ثمّ حمل هو و أصحابه عليهم فصبروا لهم ساعة.

ثمّ إنّ النعمان بن صهبان أبصرت بالخريت فحمل عليه و ضربه فصرعه عن فرسه ثمّ نزل إليه و قد جرحه فاختلفا بينهما ضربتين فقتله النّعمان و قتل معه في المعركة سبعون و مأئة و ذهب الباقون في الأرض يمينا و شمالا، و بعث معقل الخيل‏ إلى رحالهم فسبى من أدرك فيها رجالا و نساء و صبيانا، ثمّ نظر فيهم فمن كان مسلما خلاه و أخذ بيعته و خلا سبيل عياله، و من كان ارتدّ عن الاسلام عرض عليه الرّجوع إلى الاسلام أو القتل فأسلموا فخلّى سبيلهم و سبيل عيالاتهم إلّا شيخا منهم نصرانيا أبى فقتله.

و جمع النّاس فقالوا ردّوا ما عليكم في هذه السّنين من الصّدقة فأخذ من المسلمين عقالين«» و عمد إلى النّصارى و عيالاتهم فاحتملهم معه، و أقبل المسلمون الذين كانوا معهم يشيّعونهم، فأمر معقل بردّهم فلما ذهبوا لينصرفوا تصايحوا و دعا الرّجال و النساء بعضهم إلى بعض، قال: فلقد رحمتهم رحمة ما رحمتها أحدا قبلهم و لا بعدهم.

و كتب معقل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أمّا بعد فانى اخبر أمير المؤمنين عن جنده و عن عدوّه إنّا رفعنا إلى عدوّنا بأسياف البحر فوجدنا بها قبايل ذات جدّ و عدد و قد جمعوا لنا فدعوناهم إلى الجماعة و الطاعة و إلى حكم الكتاب و السنّة و قرأنا عليهم كتاب أمير المؤمنين و رفعنا لهم راية أمان، فمالت الينا طائفة منهم و ثبتت طائفة اخرى، فقبلنا أمر التي أقبلت، و صمدنا إلى التي أدبرت فضرب اللّه وجوهم و نصرنا عليهم، فأمّا من كان مسلما فانا مننّا عليه و أخذنا بيعته لأمير المؤمنين و أخذنا منهم الصّدقة التي كانت عليهم، و أمّا من ارتدّ فعرضنا عليهم الرّجوع إلى الاسلام و إلّا قتلنا فرجعوا إلى الاسلام غير رجل واحد فقتلناه و أمّا النّصارى فانا سبيناهم و أقبلنا لهم ليكونوا نكالا لمن بعدهم من أهل الذّمة كيلا يمنعوا الجزية و لا يجتروا على قتال أهل القبلة و هم للصّغار و الذّلة أهل، رحمك اللّه يا أمير المؤمنين و أوجب لك جنات النّعيم و السّلام.

قال: ثمّ أقبل بالاسارى حتّى مرّ على مصقلة بن هبيرة الشيباني و هو عامل عليّ على أردشير خوّة و هم خمسمائة إنسان فبكى إليه النساء و الصّبيان و تصايح الرّجال يا أبا الفضل يا حامل الثقيل يا مأوى الضعيف و فكاك العصاة، امنن علينا فاشترنا و اعتقنا، فقال مصقلة: اقسم باللّه لأتصدّقنّ عليهم إنّ اللّه يجزى المتصدّقين، فبلغ قوله معقلا فقال: و اللّه لو اعلمه قالها توجعا لهم و وجدا و إزراء علىّ لضربت عنقه، و إن كان في ذلك فناء بنى تميم و بكر بن وايل.

ثمّ إنّ مصقلة بعث زهل بن الحارث إلى معقل فقال: بعنى نصارى بنى ناجيه فقال أبيعكم بألف ألف درهم، فأبى عليه فلم يزل يراضيه حتّى باعه إيّاهم بخمسمائة ألف درهم، و دفعهم إليه و قال: عجّل بالمال إلى أمير المؤمنين فقال مصقلة: أنا باعث الآن بصدر منه، ثمّ أبعث بصدر آخر و كذلك حتّى لا يبقى منه شي‏ء.

و أقبل معقل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبره بما كان من الامر فقال أحسنت و أصبت و وفقت و انتظر عليّ عليه السّلام أن يبعث مصقلة بالمال فأبطأ به، و بلغ عليّا أن مصقلة خلّى الاسارى و لم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشي‏ء فقال: ما أرى مصقلة إلّا قد حمل حمالة و لا أراكم إلّا سترونه عن قريب مبلدحا«» ثمّ كتب عليه السّلام إليه أمّا بعد، فانّ أعظم الخيانة خيانة الامة، و أعظم الغشّ على أهل المصر غشّ الامام، و عندك من حقّ المسلمين خمسمائة ألف درهم، فابعث بها إلىّ حين يأتيك رسولى و إلّا فاقبل إلىّ حين تنظر في كتابى فاني قد تقدّمت إلى رسولى أن لا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد قدومه عليك إلّا أن تبعث بالمال و السّلام.

فلما قرء كتابه أتاه بالكوفة فأقرّه أياما لم يذكر له شيئا، ثمّ سأله المال فأدّى، إليه مأتي ألف درهم و عجز عن الباقي ففرّ و لحق بمعاوية فلما بلغ ذلك عليّا قال: ماله ترحه اللّه فعل فعل السّيد و فرّ فرار العبد، و خان خيانة الفاجر فلو عجز ما زدنا على حسبه، فان وجدنا له شيئا أخذناه، و إن لم نجد له مالا تركناه.

ثمّ سار عليّ عليه السّلام إلى داره فهدمها و كان أخوه نعيم بن هبيرة شيعة لعليّ عليه السّلام مناصحا فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من النّصارى تغلب يقال له حلوان أمّا بعد فانّي كلّمت معاوية فيك فوعدك الكرامة، و مناك الامارة فأقبل ساعة تلقى رسولي و السّلام.

فأخذه مالك بن كعب الأرحبي فسرح به إلى عليّ عليه السّلام فأخذ كتابه فقرأه ثمّ قدّمه فقطع يده فمات، و كتب نعيم إلى مصقلة شعرا يتضمّن امتناعه و تعييره، فلما بلغ الكتاب إليه علم أنّ النّصراني قد هلك و لم يلبث التغلبيّون إلّا قليلا حتّى بلغهم هلاك صاحبهم، فأتوا مصقلة فقالوا: أنت أهلكت صاحبنا فامّا أن تجيئنا به، و إمّا أن تديه فقال: أمّا أن أجي‏ء به فلست أستطيع ذلك، و أمّا أن أديه فنعم فوديه قال إبراهيم: و حدّثنى ابن أبي سيف عن عبد الرّحمن بن جندب عن أبيه قال: قيل لعليّ عليه السّلام حين هرب مصقلة: اردد الذين سبوا و لم يستوف ثمنهم في الرّقّ، فقال عليه السّلام ليس ذلك في القضاء بحقّ قد عتقوا إذ اعتقهم الذي اشتراهم و صار مالي دينا على الذي اشريهم

الترجمة

از جمله كلام آن حضرت است در حينى كه بگريخت مصقلة بن هبيرة شيباني بسوى معاويه ملعون، و جهة فرار او اين بود كه خريده بود اسيران بني ناحيه را از معقل بن قيس رياحي عامل أمير المؤمنين عليه السّلام و آزاد كرده بود ايشان را، پس زمانى كه مطالبه كرد إمام عليه السّلام ثمن آنها را غدر كرد مصقله بآن و گريخت بطرف شام پس چون آن خبر بحضرت رسيد فرمود: دور گرداند خدا مصقله را از رحمت خود، كرد كار خواجگان را كه خريدن بندگان بود و آزاد كردن ايشان، و گريخت همچو گريختن غلامان پس گويا نگردانيد مدح گوينده خود را تا اين كه ساكت ساخت او را بغدر و فرار، و تصديق نكرد وصف كننده خود را تا اين كه توبيخ نمود او را بجهة سوء كردار، و اگر اقامت مي كرد و نمى‏ گريخت هر آينه دريافت مى ‏كرديم از او آنچه مقدور او بود، و انتظار مى ‏كشيديم بمال او افزونى او را، يعنى مى‏ گذاشتيم مال او زياده شود و از عهده قرض و دين خود بر آيد

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 43 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 43 صبحی صالح

43- و من كلام له ( عليه‏ السلام  ) و قد أشار عليه أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام

بعد إرساله جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية

و لم ينزل معاوية على بيعته

إِنَّ اسْتِعْدَادِي لِحَرْبِ أَهْلِ الشَّامِ وَ جَرِيرٌ عِنْدَهُمْ

إِغْلَاقٌ لِلشَّامِ

وَ صَرْفٌ لِأَهْلِهِ عَنْ خَيْرٍ إِنْ أَرَادُوهُ

وَ لَكِنْ قَدْ وَقَّتُّ لِجَرِيرٍ وَقْتاً لَا يُقِيمُ بَعْدَهُ إِلَّا مَخْدُوعاً أَوْ عَاصِياً

وَ الرَّأْيُ عِنْدِي مَعَ الْأَنَاةِ فَأَرْوِدُوا

وَ لَا أَكْرَهُ لَكُمُ الْإِعْدَادَ

وَ لَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا الْأَمْرِ وَ عَيْنَهُ

وَ قَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَ بَطْنَهُ

فَلَمْ أَرَ لِي فِيهِ إِلَّا الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ مُحَمَّدٌ ( صلى‏الله‏عليه  )

إِنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَى الْأُمَّةِ وَالٍ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً

وَ أَوْجَدَ النَّاسَ مَقَالًا

فَقَالُوا ثُمَّ نَقَمُوا فَغَيَّرُوا

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من كلام له عليه السّلام

و هو الثالث و الاربعون من المختار في باب الخطب و قد أشار عليه «إليه خ ل» أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشّام بعد ارساله إلى معاوية لجرير بن عبد اللّه البجلي: إنّ استعدادي لحرب أهل الشّام و جرير عندهم إغلاق للشّام، و صرف لأهله عن خير إن أرادوه، و لكن قد وقتّ لجرير وقتا لا يقيم بعده إلّا مخدوعا أو عاصيا، و الرّأي مع الأناة، فأرودوا و لا أكره لكم الاعداد، و لقد ضربت أنف هذا الأمر و عينه، و قلّبت ظهره و بطنه‏ فلم أر فيه إلّا القتال أو الكفر بما جاء محمّد صلّى اللّه عليه و آله (بما أنزل على محمّد خ ل) إنّه قد كان على الأمّة وال أحدث أحداثا و أوجد النّاس مقالا فقالوا ثمّ نقموا فغيّروا

اللغة

(أشار) عليّ بكذا اى أرانى ما عنده من المصلحة و (البجليّ) بالتّحريك منسوب إلى البجيلية حىّ باليمن من معدو (الاغلاق) الاكراه كما في القاموس و قيل إنّه من أغلق الباب اذا عسر فتحه و (الاناة) كالقناة اسم من التّأنى و هو الرّفق و التثبّت و (أرودوا) أمر من باب الافعال يقال أرود في السير إروادا أى سار برفق و (الحدث) بالتّحريك الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد و لا معروف في السنة، هكذا فسّره ابن الأثير على ما حكى عنه و (أوجد) هنا للصيرورة أى صيّرهم واجدين مقالا (و نقم) منه نقما من باب ضرب و علم عاقبه و نقم الأمر كرهه و أنكره.

الاعراب

اللّام في قول الرضى لجرير زايدة للتقوية و في بعض النّسخ بدون اللّام، و جملة و جرير عندهم حالية، و اغلاق خبر ان و الضّمير في انّه للشأن و الكوفيّون يسمّونه ضمير المجهول لأنّ ذلك الشّأن مجهول لكونه مقدّرا إلى أن يفسّر الضّمير.

قال نجم الأئمة الرّضيّ: و هذا الضّمير كأنّه راجع في الحقيقة إلى المسئول عنه بسوال مقدّر، تقول هو الأمير مقبل كأنه سمع ضوضاة و جلبة فاستبهم الأمر فسأل ما الشأن و القصّة فقلت هو الأمير مقبل، أى الشّأن هذا، فلما كان المعود إليه الذي تضمنه السّؤال غير ظاهر قبل اكتفى في التّفسير بخبر هذا الضّمير الذى يتعقبه بلا فصل، لأنّه معين للمسئول عنه، و مبين له، فبان لك بهذا أنّ الجملة بعد الضّمير لم يؤت بها لمجرّد التّفسير، بل هى كساير أخبار المبتدءات، لكن سمّيت تفسيرا لما قررته، و القصد بهذا الابهام ثمّ التّفسير تعظيم الأمر و تفخيم الشّأن، فعلى هذا لا بدّ أن يكون مضمون الجملة المفسّرة شيئا عظيما يعتنى به فلا يقال مثلا هو الذّباب يطير

المعنى

اعلم أنّه كان ظنّ كثير من النّاس بعد ولايته عليه السّلام أنّ معاوية لا يمكّن له و لا ينقاد لبيعته بأمارات كانت لائحة عندهم (و) لذلك (قد أشار عليه أصحابه بالاستعداد) و التّهيؤ (لحرب أهل الشّام بعد ارساله) عليه السّلام (إلى معاوية لجرير بن عبد اللّه البجلي) مع كتاب له كتبه اليه على ما يأتي ذكره، و لمّا لم يكن هذه الاشارة من الأصحاب مطابقة لرأيه الصّواب أجابهم بقوله: (إنّ استعدادي لحرب أهل الشّام و جرير عندهم إغلاق للشّام) و اكراه (و صرف لأهله عن خير إن أرادوه) و ذلك لأنّهم ما دام كون جرير عندهم في مقام الشّور و التروّى في متابعة أىّ الأميرين و إن لم يكن كلّهم فبعضهم كذلك لا محالة فاستعداده لحربهم في تلك الحال موجب لاستعدادهم لحربه و تأهّبهم للقائه و ملجئا«» لهم إلى قتاله، ففيه صرف لقلب من كان متردّدا في الأمر و مريدا للخير (و لكن قد وقتّ لجرير وقتا لا يقيم بعده الّا مخدوعا أو عاصيا) وجه الحصر أنّ تخلّفه عن الوقت الموقت له إمّا أن يكون بسبب تأخيرهم في الجواب خداعا له و أخذا في تلك المدّة بتهيّة الأسباب، و إمّا أن يكون بسبب تقصير منه في المبادرة إلى المراجعة إليه، فيكون عاصيا و لما لم يستصوب رأيهم أشار إلى وجه المصلحة و ما هو الرّأى الصّواب بقوله: (و الرّأى مع الاناة)، و ذلك لأنّ إصابة المطالب و الظفر بها إنّما يكون في الغالب بالتثبّت و التّأنّي، لأنّ اناة الطالب هى مظنّة فكره في الاهتداء إلى تلخيص الوجه الأليق و الأشمل للمصلحة في تحصيل مطلوبه، و لذلك جعل التوءدة من جنود العقل و التّسرّع و هو ضدّها من جنود الجهل.

قال بعض المحقّقين«»: التّوءدة صفة نفسانية من فروع ملكة التّوسط و الاعتدال في القوّة الغضبيّة يعني هيئة الوقار كما أنّ التّسرّع الذي هو ضدّها و هو الاشتياط من فروع الافراط فيها.

و توضيحه ما قاله بعض«» شرّاح الكافي حيث قال: التوءدة تابعة للسّكون و الحلم الذين من أنواع الاعتدال في القوّة الغضبيّة فانّ حصولها يتوقّف عليهما أمّا على السّكون فلأنّه عبارة عن نقل النّفس و عدم خفّتها في الخصومات، و أمّا على الحلم فلأنّه عبارة عن الطمأنينة الحاصلة للنّفس باعتبار ثقلها و عدم خفّتها بحيث لا يحرّكها الغضب بسرعة و سهولة، و إذا حصلت للنّفس هاتان الصّفتان أمكن لها التّأنّي و التثبّت و عدم العجلة في البطش و الضّرب و الشّتم إلى غير ذلك من أنواع المؤاخذة.

و كيف كان فلمّا أجابهم بكون صلاح الامر في الاناة عقّبه بالأمر بملازمتها بقوله (فأرودوا) فانّ الرّفق و المداراة الذين هما معنى الارواد لا زمان للتثبّت و الاناة، و لمّا كان ظاهر كلامه مفيدا لكون الصّواب في الاناة مطلقا استدرك ذلك بقوله (و لا اكره لكم الاعداد) قال الشّارح المعتزلي: و لا تناقض بينه و بين نهيه لهم سابقا عن الاستعداد، لأنّه كره منهم إظهار الاستعداد و الجهر به و لم يكره الاعداد في السرّ و على وجه الكتمان و الخفاء، و قال الشارح البحراني: إنّه عليه السّلام نبّه بذلك على أنّه ينبغي لهم أن يكونوا على يقظة من هذا الامر حتّى يكونوا حال إشارته إليهم قريبين من الاستعداد.

و قال البحراني أيضا: إنّ قوله (و لقد ضربت أنف هذا الأمر و عينه و قلّبت ظهره و بطنه) استعارة على سبيل الكناية فانّه استعار لفظ العين و الانف و الظهر و البطن التي حقايق في الحيوان، لحاله مع معاوية في أمر الخلافة و خلاف أهل الشّام له، و كنّى بالعين و الأنف عن المهمّ من هذا الأمر و خالصه، فانّ العين و الانف‏ أعزّ ما في الوجه، و كنّى بالضّرب لهما عن قصده للمهمّ على سبيل الاستعارة أيضا، و كنّى بلفظ الظهر و البطن لظاهر هذا الأمر و باطنه و وجوه الرّأى فيه و لفظ التقليب لتصفح تلك الوجوه و عرضها على العقل واحدا واحدا.

ثمّ أشار إلى ما تحصّل له بعد التّروي و التفكّر و التّقليب بقوله: (فلم أر فيه إلّا القتال أو الكفر بما جاء) به (محمّد صلّى اللّه عليه و آله) و من المعلوم أنّ الكفر في حقّه عليه السّلام محال فتعيّن القتال، و وجه انحصار الأمر فيهما أنّه كان مأمورا من اللّه و من رسوله بقتال النّاكثين و القاسطين و المارقين، فكان أمره دائرا بين المقاتلة و الجهاد امتثالا للأمر و التّرك و المنابذة كفرا و عصيانا، و ربّما يسمّى ترك بعض الواجبات بالكفر حسبما مرّ تفصيلا في شرح آخر فقرات الخطبة الاولى أعنى قوله: و من كفر فانّ اللّه غنيّ عن العالمين، فتذكّر و يدلّ على كونه مأمورا بقتال هؤلاء ما رواه في البحار من أمالي الشّيخ باسناده عن مجاهد عن ابن عبّاس قال لمّا نزلت: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: لأجاهدنّ العمالقة يعني الكفّار و المنافقين، فأتاه جبرئيل قال: أنت أو عليّ و من الكافي باسناده عن الفضيل بن عياض عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السّلام قال: قال: بعث اللّه محمّدا بخمسة أسياف ثلاثة منها شاهرة، و سيف منها مكفوف، و سيف سله إلى غيرنا ثمّ قال: و أمّا السّيف المكفوف فسيف على أهل البغى و التأويل، قال اللّه تعالى: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‏ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى‏ أَمْرِ اللَّهِ فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ منكم من يقاتل بعدى على التّأويل كما قاتلت على التّنزيل فسئل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من هو فقال: خاصف النّعل يعني أمير المؤمنين فقال: عمّار بن ياسر: قاتلت بهذه الرّاية مع النّبيّ ثلاثا، و هذه الرّابعة، و اللّه لو زحفوا حتّى بلغوا بنا السّعفات من هجر لعلمنا أنّا على الحقّ و أنّهم على الباطل و من العيون باسناد التّميمي عن الرّضا عن آبائه عليهم السلام، قال: قال عليّ عليه السّلام: أمرت بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين و من رجال النّجاشي مسندا عن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن أبي رافع، عن أبيه، عن أبي رافع قال: دخلت رسول اللّه و هو نائم أو يوحى إليه و إذا حيّة في جانب البيت فكرهت أن أقتلها فاوقظه، فاضطجعت بينه و بين الحيّة حتّى ان كان منها سوء يكون لي دونه، فاستيقظ و هو يتلو هذه الآية: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ثمّ قال: الحمد للّه الذي أكمل لعليّ منيته، و هنيئا لعليّ بتفضيل اللّه إيّاه، ثمّ التفت فرآني إلى جانبه فقال: ما أضجعك ههنايا أبا رافع فأخبرته خبر الحيّة فقال: قم إليها فاقتلها، فقتلتها، ثمّ أخذ رسول اللّه بيدى فقال يا أبا رافع كيف أنت و قوم يقاتلون عليّا هو على الحقّ و هم على الباطل يكون في حقّ اللّه جهادهم فمن لم يستطع جهادهم فبقلبه و من لم يستطع بقلبه فليس وراء ذلك شي‏ء، فقلت: ادع لي إن أدركتهم أن يعينني اللّه و يقويني على قتالهم، فقال صلّى اللّه عليه و آله: اللّهمّ إن أدركهم فقوّه و أعنه ثمّ خرج إلى النّاس فقال: يا أيّها النّاس من أحبّ أن ينظر إلى أمينى على نفسي فهذا أبو رافع أميني على نفسي.

قال عون بن عبيد اللّه بن أبي رافع: فلمّا بويع عليّ و خالفه معاوية بالشّام و سار طلحة و الزّبير إلى البصرة، قال أبو رافع هذا قول رسول اللّه سيقاتل عليّا قوم يكون حقّا في اللّه جهادهم فباع أرضه بخيبر و داره ثمّ خرج مع عليّ عليه السّلام و هو شيخ كبير له خمس و ثمانون سنة، و قال: الحمد للّه لقد أصبحت و لا أحد بمنزلتي لقد بايعت البيعتين: بيعة العقبة، و بيعة الرّضوان، و صلّيت القبلتين و هاجرت الهجر الثلاث،قلت: و ما الهجر الثّلاث قال: هاجرت مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة، و هاجرت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة، و هذه الهجرة مع عليّ بن أبي طالب إلى الكوفة فلم يزل مع عليّ حتّى استشهد عليّ عليه السّلام فرجع أبو رافع إلى المدينة مع الحسن لا دار له بها و لا أرض فقسّم له الحسن دار عليّ بنصفين و أعطاه سنخ أرض اقطعه إيّاها فباعها عبيد اللّه بن رافع من معاوية بمأة ألف و سبعين ألفا و الأخبار في هذا المعنى من طريق الخاصّة و العامّة كثيرة، و فيما ذكرناه كفاية.

ثمّ إنّه عليه السّلام بعد الاشارة إلى مصير مآل أمره مع معاوية إلى القتال، نبّه على بطلان ما نسبه إليه معاوية و جعله عذرا لمخالفته و سببا لعصيانه له، و هو الطلب بدم عثمان و تهمته له بذلك فقال: (انّه كان على الأمة وال) و هو عثمان بن عفان (أحدث) في الدّين (احداثا) و أبدع بدعا (و أوجد النّاس مقالا) أى أبدى لهم طريقا إليه باحداثه (فقالوا) في حقّه و أكثروا القول في أحداثه (ثمّ نقموا فغيّروا) أى أنكروا و عتبوا و طعنوا عليه فغيّروه و أزالوه و ينبغي تذييل المقام بامرين:

الاول

اعلم أنّ الشّارح المعتزلي قد ذكر في شرح هذا الكلام حال أمير المؤمنين منذ قدم الكوفة بعد وقعة الجمل إلى أن سار إلى صفّين، و قد أردت أن اذكر طرفا ملخّصا ممّا رواه ممّا له ارتباط بالمقام و فيه توضيح للمرام باسقاط الزّوايد المستغني عنها حذرا من الاطناب المملّ فأقول: في الشّرح من كتاب الصّفين لنصر بن مزاحم أنّ عليّا حين قدم من البصرة إلى الكوفة بعد انقضاء أمر الجمل كاتب إلى العمّال فكتب إلى جرير بن عبد اللّه البجلي و كان عاملا لعثمان على ثغر همدان كتابا مع زجر بن قيس، فلمّا قرء جرير الكتاب قام فقال: أيّها النّاس هذا كتاب أمير المؤمنين و هو المأمون على الدّين و الدّنيا و قد كان من أمره و أمر عدوّه ما يحمد اللّه عليه، و قد بايعه النّاس الأوّلون من المهاجرين و الأنصار و التّابعين باحسان، و لو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين‏ كان أحقّهم بها، ألا و إنّ البقاء في الجماعة و الفناء في الفرقة، و إنّ عليّا حاملكم على الحقّ ما استقمتم، فان ملتم أقام ميلكم، فقال النّاس: سمعا و طاعة رضينا رضينا، نكتب جرير إلى عليّ جواب كتابه بالطاعة قال نصر: و أقبل جرير سايرا من ثغر همدان حتّى ورد على عليّ الكوفة، فبايعه و دخل فيما دخل فيه النّاس في طاعته و لزوم أمره، فلمّا أراد عليّ أن يبعث إلى معاوية رسولا قال له جرير: ابعثني يا أمير المؤمنين إليه فأدعوه على أن يسلّم لك الأمر و يجامعك على الحقّ على أن يكون أميرا من امرائك و أدعو أهل الشّام إلى طاعتك فجلّهم قومي و أهل بلادي، و قد رجوت أن لا يعصوني، فقال له عليه السّلام الأشتر: لا تبعثه و لا تصدّقه فو اللّه إنّي لأظنّ هواه هواهم و نيته نيّتهم، فقال له عليه السّلام: دعه حتّى ننظر ما يرجع به إلينا، فبعثه عليّ و قال له حين أراد أن يبعثه إنّ حولي من أصحاب رسول اللّه من أهل الرّأى و الدّين من قد رأيت و قد اخترتك لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ فيك من خير ذى يمن ائت معاوية بكتابي فان دخل فيما دخل فيه المسلمون و إلّا فانبذ إليه و اعلمه أنّي لا أرضى به أميرا، و إنّ العامّة لا ترضى به خليفة.

فانطلق جرير حتّى أنى الشّام و نزل بمعاوية، فلمّا دخل عليه حمد اللّه، و أثنى عليه و قال: أمّا بعد يا معاوية فانّه قد اجتمع لابن عمّك أهل الحرمين و أهل المصرين و أهل الحجاز و أهل اليمن و أهل العروض، و العروض عمان، و أهل البحرين و اليمامة فلم يبق إلّا هذه الحصون التي أنت فيها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها و قد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك و يهديك إلى مبايعة هذا الرّجل، و دفع إليه كتاب علىّ و يأتي ذكر هذا الكتاب في باب المختار من كتبه عليه السّلام في الكتاب إنشاء اللّه فلمّا قرء الكتاب قام جرير فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال، أيّها النّاس إنّ أمر عثمان قد أعيى من شهده فما ظنكم بمن غاب عنه، و إنّ النّاس بايعوا عليّا غير واتر و لا موتور، و كان طلحة و زبير ممّن بايعه ثمّ نكثا بيعته على غير حدث ألا و إنّ هذا الدّين لا يحتمل الفتن، ألا و انّ العرب لا يحتمل السّيف، و قد كانت بالبصرة أمس ملحمة إن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للنّاس، و قد بايعت العامّة عليّا و لو ملكنا و اللّه امورنا لم نختر لها غيره و من خالف هذا استعتب فادخل يا معاوية فيما دخل فيه النّاس.

فان قلت استعملنى عثمان ثمّ لم يعزلني، فانّ هذا قول لو جاز لم يقم للّه دين و كان لكلّ امرء ما في يديه، و لكن اللّه جعل للآخر من الولاة حقّ الأوّل و جعل الامور موطاة و حقوقا ينسخ بعضها بعضا، فقال معاوية انظر و ننظر و استطلع رأى أهل الشّام، فمضت أيّام و أمر معاوية مناديا ينادي الصّلاة جامعة فلمّا اجتمع النّاس صعد المنبر و قال بعد كلام طويل: أيّها النّاس قد علمتم أنّي خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و أمير المؤمنين عثمان بن عفّان عليكم، و إنّي لم اقم رجلا منكم على خزاية قطّ، و انّي وليّ عثمان و قد قتل مظلوما و اللّه تعالى يقول: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً و أنا احبّ أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان، فقام أهل الشّام بأجمعهم فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان، و بايعوه على ذلك و أوثقوا اللّه على أن يبذلوا بين يديه أموالهم و أنفسهم حتّى يدركوا بثاره أو يفنى اللّه أرواحهم قال نصر: فلمّا أمسى معاوية اغتمّ بما هو فيه و جنّه اللّيل و عنده أهل بيته و استحثّه جرير بالبيعة، فقال يا جرير: إنّها ليست بخلسة و إنّه أمر له ما بعده فابلغ (فابلع خ ل) ريقى و دعا ثقاته فأشار عليه أخوه بعمرو بن العاص، و قال إنّه من قد عرفت، و قد اعتزل أمر عثمان في حياته و هو لامرك أشدّ اعتزالا إلّا أن يثمن له دينه و قد ذكرنا في شرح الفصل الثّالث من فصول الخطبة السّادسة و العشرين رواية استدعائه عمرو بن العاص و ما شرط له من ولاية مصر و استقدامه شرجيل بن السّمط و دسس الرّجال عليه يغرّونه بعليّ عليه السّلام و يشهدون عنده أنّه قتل عثمان حتّى ملئوا قلبه و صدره حقدا بمالا حاجة إلى اعادته قال نصر: فخرج شرجيل فأتى حصين بن نمير فقال: ابعث فليأتنا فبعث إليه حصين ان زرنا فعندنا شرجيل فاجتمعا عند حصين، فتكلّم شرجيل فقال: يا جرير أتيتنا بأمر ملفّف لتلقينا في لهوات الأسد و أردت أن تخلط الشّام بالعراق و أطريت عليّا و هو قاتل عثمان و اللّه سائلك عمّا قلت يوم القيامة فأقبل عليه جرير و قال يا شرجيل أما قولك: إنّي جئت بأمر ملفّف فكيف يكون أمرا ملفّفا و قد اجتمع عليه المهاجرون و الأنصار و قوتل على ردّه طلحة و الزّبير، و أمّا قولك إنّى ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواتها القيت نفسك، و أمّا خلط الشّام بأهل العراق فخلطهما على حقّ خير من فرقتهما على باطل، و أمّا قولك: إنّ عليّا قتل عثمان فو اللّه ما في يديك من ذلك الّا الرّجم بالغيب من مكان بعيد، و لكنّك ملت الى الدّنيا و شي‏ء كان في نفسك على زمن سعد بن أبي وقاص فبلغ معاوية قول الرّجلين فبعث الى جرير و زجره و كتب جرير الى شرجيل أبياتا يعظه فيها فذعر شرجيل و فكر و قال هذا نصيحة لي في ديني لا و للّه لا اعجل في هذا الأمر لشي‏ء و كاد يحول عن نصر معاوية فلفف معاوية له الرّجال يدخلون اليه و يخرجون و يعظّمون عنده قتل عثمان، حتّى أعادوا رأيه و شحذوا عزمه، ثمّ حثّه معاوية على السّير في مداين الشّام و النّداء فيها انّ عليّا قتل عثمان و أنّه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه، فسار شرجيل فبدء بأهل حمص فأجابه النّاس كلّهم إلّا نساكا من أهل حمص، فانّهم قالوا له: بيوتنا قبورنا و مساجدنا و أنت أعلم بما ترى و جعل شرجيل يستنهض مداين الشّام حتّى استفرغها لا يأتي على قوم إلّا قبلوا ما أتاهم به.

قال نصر: فآيس جرير عند ذلك من معاوية و من عوام أهل الشّام، و كان معاوية قد أتى جريرا قبل ذلك في منزله فقال: يا جرير انّي قد رأيت رأيا، قال: هاته، قال: اكتب الى صاحبك يجعل لي الشّام و مصر جباية فاذا حضرته الوفات لم يجعل لأحد بعده في عنقي بيعة و أسلّم له هذا الأمر، و أكتب إليه بالخلافة، فقال جرير:

أكتب ما أردت و اكتب معك، فكتب معاوية بذلك الى عليّ فكتب عليّ إلى جرير أمّا بعد.

فانّما أراد معاوية أن لا يكون لي في عنقه بيعة و أن يختار من أمره ما أحبّ و أراد أن يورثيك و يبطيك حتّى يذوق أهل الشّام، و أنّ المغيرة بن شعبة قد كان أشار عليّ أن استعمل معاوية على الشّام و أنّا بالمدينة فأبيت ذلك عليه، و لم يكن اللّه ليراني أتّخذ المضلّين عضدا، فان بايعك الرّجل و إلّا فاقبل و السّلام، و فشا كتاب معاوية في النّاس و في حديث صالح بن صدقة قال: أبطأ جرير عند معاوية حتّى اتّهمه النّاس و قال عليّ عليه السّلام: قد وقت لجرير وقتا لا يقيم بعده إلّا مخدوعا أو عاصيا، و أبطأ على عليّ حتّى آيس منه و في حديث محمّد و صالح بن صدقة قال: و كتب عليّ إلى جرير: أمّا بعد فاذا أتاك كتابي فاحمل معاوية على الفصل ثمّ خيّره و خذه بالجواب بين حرب مخزية أو سلم محظية، فان اختار الحرب فانبذ إليه، و إن اختار السّلم فخذه ببيعته و السّلام و يأتي ذكر هذا الكتاب من السّيد في باب المختار من كتبه قال: فلمّا انتهى الكتاب إلى جرير أتى معاوية فاقرئه الكتاب و قال له: يا معاوية انّه لا يطبع على قلب إلّا بذنب، و لا يشرح صدر إلّا بتوبة، و لا أظنّ قلبك إلّا مطبوعا عليه أراك قد وقفت بين الحقّ و الباطل كأنّك تنتظر شيئا في يد غيرك فقال معاوية ألقاك بالفصل في أوّل مجلس انشاء اللّه، فلمّا بايع معاوية أهل الشّام و ذاقهم قال: يا جرير الحق بصاحبك و كتب اليه بالحرب و كتب في أسفل الكتاب شعر كعب بن جعيل

أرى الشّام تكره أهل العراق            و أهل العراق لهم كارهونا

و قد مرّ تمام ذلك الشّعر في شرح الكلام الثلاثين أقول و روى انّ الكتاب الذي كتبه عليه السّلام مع جرير صورته: انّي قد عزلتك ففوّض الأمر إلى جرير و السّلام‏

و قال لجرير: صن نفسك عن خداعه فان سلّم إليك الأمر و توجه إليّ فأقم أنت بالشام، و إن تعلّل بشي‏ء فارجع، فلما عرض جرير الكتاب على معاوية تعلّل بمشاورة أهل الشام و غير ذلك، فرجع جرير و كتب معاوية في اثره في ظهر كتاب عليّ عليه السّلام: من ولّاك حتى تعزلني و السلام قال نصر لمّا رجع جرير إلى عليّ كثر قول النّاس في التّهمة لجرير في أمر معاوية فاجتمع جرير و الاشتر عند عليّ فقال الاشتر: أما و اللّه يا أمير المؤمنين ان لو كنت ارسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخا من خناقه و أقام عنده حتّى لم يدع بابا يرجو فتحه إلّا فتحه، و لا بابا يخاف أمره إلّا سدّه، فقال جرير: و اللّه لكنت أتيتهم لقتلوك و خوّفه بعمر و ذوى الكلاع و حوشب، و قال: إنّهم يزعمون إنّك من قتلة عثمان، فقال الأشتر: و اللّه لو أتيتهم لم يعيني جوابها و لم يثقل عليّ محملها و لحملت معاوية على خطة اعجله فيها عن فكره، قال: فأتهم إذن، قال: الآن و قد افسدتهم و وقع بيننا الشرّ قال نصر و روى الشّعبي قال: اجتمع جرير و الاشتر عند عليّ فقال الأشتر: أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا و أخبرتك بعداوته و غشّه، و أقبل الأشتر يشتمه و يقول: يا أخا بجيله إنّ عثمان اشترى منك دينك بهمدان، و اللّه ما أنت بأهل أن تمشى فوق الأرض حيّا إنّما أتيتهم لتتّخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ثمّ رجعت إلينا من عندهم تهدّدنا بهم، أنت و اللّه منهم و لا أرى سعيك إلّا لهم، لئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ليحبسنّك و أشباهك فى محبس لا يخرجون حتّى يستتمّ هذه الأمور و يهلك اللّه الظالمين.

قال جرير: وددت و اللّه لو كنت مكاني بعثت اذن و اللّه لا ترجع، قال: فلمّا سمع جرير مثل ذلك من قوله فارق عليّا عليه السّلام فلحق بقرقيساء، و لحق به اناس من قسر من قومه فلم يشهد صفين من قسر غير تسعة عشر رجلا، و لكن شهدها من أحمس سبعمائة رجل و خرج عليّ عليه السّلام إلى دار جرير فهدمه و هدم دور قوم ممّن خرج معه حيث فارق عليّا.

التذييل الثاني في احداث عثمان و بدعه و مطاعنه و المثالب التي طعن بها فيه

و هى كثيرة و نحن نذكر منها هنا عشرين.

الاول

أنّه ولّى امور المسلمين من لا يصلح لذلك و لا يؤتمن عليه، و من ظهر منه الفسق و الفساد، و من لا علم له مراعاتا لحرمة القرابة وعد و لا عن مراعاة حرمة الدّين و النّظر للمسلمين حتّى ظهر ذلك منه و تكرّر، و قد كان عمر حذّره من ذلك حيث وصفه بأنّه كلف بأقاربه و قال له: إذا وليت هذا الامر فلا تسلّط بني أبي معيط على رقاب النّاس، فوقع منه ما حذّره إيّاه و عوتب في ذلك فلم ينفع العتب و ذلك نحو استعماله الوليد بن عقبة و تقليده إيّاه حتّى ظهر منه شرب الخمر و استعماله سعيد بن العاص حتّى ظهرت منه الامور التي عندها أخرجه أهل الكوفة و توليته عبد اللّه بن أبي سرج، و عبد اللّه بن عامر بن كريز حتّى روى عنه في أمر ابن أبي سرج أنّه لمّا تظلّم منه أهل مصر و صرفه عنهم بمحمّد بن أبي بكر كاتبه بأن يستمرّ على ولايته فأبطن خلاف ما أظهر فعل من غرضه خلاف الدّين، و يقال إنّه كاتبه بقتل محمّد بن أبي بكر و غيره ممّن يردّ عليه، و ظفر بذلك الكتاب و لذلك عظم التظلم من بعد و كثر الجمع، و كان سبب الحصار و القتل حتّى كان من أمر مروان و تسلّطه عليه و على امور ما قتل بسببه

الثاني

أنّه ردّ الحكم بن أبي العاص طريد رسول اللّه إلى المدينة و قد امتنع أبو بكر من ردّه، فصار بذلك مخالفا للسنّة و لسيرة من تقدّمه و قد شرط عليه في عقد البيعة اتّباع سيرتهما.

الثالث

أنّه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة من بيت مال المسلمين، و قد مرّ ما يوضحه في شرح كلامه في الخطبة الشقشقيّة يخضمون مال اللّه خضم الابل نبت الرّبيع، فتذكّر.

الرابع

أنّه حمى الحمى عن المسلمين مع أنّ رسول اللّه جعلهم شرعا سواء في الماء و الكلاء روى المرتضى عن الواقدي باسناده قال: كان عثمان يحمى الرّبذه و الشرف و النقيع، فكان لا يدخل الحمى بعير له و لا فرس و لا لبنى اميّة حتّى كان آخر الزّمان فكان يحمى الشّرف لابله و كانت ألف بعير، و لابل الحكم بن أبي العاص، و الرّبذة لابل الصّدقة، و يحمى النّقيع لخيل المسلمين و خيله و خيل بني اميّة

الخامس

أنّه اعطى من بيت مال الصّدقة المقاتلة و غيرها، و ذلك ممّا لا يحلّ في الدّين لأنّ المال الذي جعل اللّه له جهة مخصوصة لا يجوز العدول به عن تلك الجهة

السادس

أنه ضرب عبد اللّه بن مسعود حتى كسر بعض أضلاعه، و قد رووا في فضله في صحاحهم أخبارا كثيرة قال المرتضى في محكيّ الشّافي: قد روى كلّ من روى السّيرة على اختلاف طرقهم أنّ ابن مسعود كان يقول: ليتني و عثمان برمل عالج يحثو عليّ و أحثو عليه حتّى يموت الأعجز منّي و منه، و كان يقول في كلّ يوم جمعة بالكوفة جاهرا معلنا إنّ أصدق القول كتاب اللّه، و أحسن الهدى هدى محمّد، و شرّ الامور محدثاتها، و كلّ محدث بدعة، و كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة في النّار، و إنّما كان يقول ذلك معرّضا بعثمان حتّى غضب الوليد بن عقبة من استمرار تعريضه و نهاه عن خطبته هذه فأبى أن ينتهى فكتب إلى عثمان فيه فكتب عثمان يستقدمه عليه و روى الواقدى و غيره أنّ ابن مسعود لمّا استقدم المدينة دخلها ليلة جمعة فلمّا علم عثمان بدخوله قال: أيّها النّاس إنّه قد طرقكم الليلة دويبة من تمش (من تمرّ على طعامه نقى و تسلخ خ ل) على طعامه يقي و يصلح، فقال ابن مسعود لست كذلك، و لكنّني صاحب رسول اللّه يوم بدر، و صاحبه يوم أحد، و صاحبه يوم بيعة الرّضوان، و صاحبه يوم الخندق، و صاحبه يوم حنين، قال: و صاحت عايشة يا عثمان أتقول هذا لصاحب رسول اللّه فقال عثمان: اسكتي، ثمّ قال لعبد اللّه بن زمعة بن الأسود أخرجه اخراجا عنيفا، فاحتمله حتّى جاء به باب المسجد فضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعه فقال: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان

السابع

أنّه جمع النّاس على قراءة زيد بن ثابت خاصة و أحرق المصاحف و أبطل ما لا شك أنّه منزل من القرآن و أنّه مأخوذ من الرّسول، و لو كان ذلك حسنا لسبق إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد مرّ توضيح ذلك في التّنبيه الثّاني من تنبيهات الفصل من فصول الخطبة الاولى و الطعن في ذلك من وجهين احدهما أنّ جمع النّاس على قراءة زيد إبطال للقرآن المنزّل و عدول عن الرّاجح إلى المرجوح في اختيار زيد من جملة قرّاء القرآن، بل هو ردّ صريح لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها كاف شاف على ما ورد في صحاح أخبارهم الثاني أنّ إحراق المصاحف الصّحيحة استخفاف بالدّين محادّة للّه ربّ العالمين

الثامن

أنّه أقدم على عمّار بن ياسر بالضّرب حتّى حدث به فتق، و لهذا صار أحد من ظاهر المتظلمين من أهل الأمصار على قتله و كان يقول قتلنا كافرا قال المرتضى في محكيّ الشّافي: ضرب عمّار ممّا لم يختلف فيه الرّواة و إن اختلفوا في سببه، فروى عبّاس بن هشام الكلبي عن أبي مخنف في اسناده أنّه كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حليّ و جوهر فأخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله و اظهر النّاس الطعن عليه في ذلك و كلّموه فيه بكلّ كلام شديد حتّى غضب فخطب و قال: لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفي‏ء و إن رغمت أنوف أقوام، فقال له عليّ اذا تمنع من ذلك و يحال بينك و بينه، فقال عمّار: اشهد و اللّه انّ أنفى أوّل راغم من ذلك، فقال عثمان أعلىّ يابن ياسر و سميّة تجترى خذوه، فأخذ و دخل عثمان فدعا به فضربه حتّى غشى عليه، ثمّ اخرج فحمل حتّى اتى به منزل امّ سلمة فلم يصلّ‏الظهر و العصر و المغرب فلمّا أفاق توضّأ و صلّى و قال الحمد للّه ليس هذا أوّل يوم أوذينا في اللّه.

فقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي و كان عمّار حليفا لبني مخزوم: يا عثمان أمّا عليّ عليه السّلام فاتّقيته، و أمّا نحن فاجرأت علينا و ضربت أخانا حتّى أشفيت به على التّلف أما و اللّه لئن مات لأقتلنّ به رجلا من بني اميّة عظيم الشأن، فقال عثمان: و إنّك ههنا يابن القسريّة قال: فانّهما قسريّتان و كانت امّ هشام وجدته قسريتين من بحيلة فشتمه عثمان و أمر به فاخرج، و اتى به امّ سلمة فاذا هى قد غضبت لعمّار و بلغ عايشة ما صنع بعمّار فغضبت أيضا و أخرجت شعرا من شعر رسول اللّه و نعلا من نعاله و ثوبا من ثيابه و قالت أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم و هذا شعره و ثوبه و نعله لم تبل و روى آخرون أنّ السّبب في ذلك أنّ عثمان مرّ بقبر جديد فسأل عنه فقيل عبد اللّه بن مسعود، فغضب على عمّار لكتمانه إيّاه موته إذ كان المتولّى للصّلاة عليه و القيام بشأنه فعندها و طى‏ء عثمان عمّارا حتّى أصابه الفتق و روى آخرون أنّ المقداد و طلحة و الزّبير و عمّار او عدّة من أصحاب رسول اللّه كتبوا كتابا عدّدوا فيه أحداث عثمان و خوّفوه ربّه و أعلموا أنّهم مواثبوه ان لم يقلع فأخذ عمّار الكتاب فأتاه به فقرأه منه صدرا، ثمّ قال له أعلىّ تقدم من بينهم، فقال إنّي أنصحهم لك، قال: كذبت يابن سميّة، فقال: أنا و اللّه ابن سميّة و ابن ياسر، فأمر عثمان غلمانا له فمدّوا بيديه و رجليه ثمّ ضربه عثمان برجليه و هى في الخفّين على مذاكيره فأصابه الفتق و كان ضعيفا كبيرا فغشي عليه و قال المحدّث المجلسي: و عندي أنّ السّبب الحامل لعثمان على ما صنع بعمّار هو أنّ عمّارا كان من المجاهرين بحبّ عليّ عليه السّلام و أنّ من غلبه على الخلافة غاصب لها فحملته عداوته لأمير المؤمنين و حبّه للرّياسة على إهانته و ضربه حتّى حدث به الفتق و كسر ضلعا من أضلاعه

التاسع

ما صنع بأبي ذر من الاهانة و الضرب و الاستخفاف مع علوّ شأنه و تقدّمه في الاسلام حتّى سيّره إلى الربذة و نفاه و يأتي تفصيل ذلك في الكتاب حيثما بلغ الكلام محلّه

العاشر

تعطيله الحدّ الواجب على عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب، فانه قتل الهرمزان بعد اسلامه بتهمة أنّه اغرى أبا لؤلؤة إلى قتل أبيه عمر، فلم يقده عثمان به و قد كان أمير المؤمنين يطلبه، و روى أنّه لمّا ولى الخلافة أراد قتله فهرب منه إلى معاوية بالشّام.

الحادي عشر

و هو اجمالي قاليّ و هو أنّه لو لم يقدم عثمان على إحداث يوجب خلعه و البراءة منه لوجب على الصّحابة أن ينكروا على من قصده من البلاد متظلّما، و قد علمنا أنّ بالمدينة كان كبار الصحابة من المهاجرين و الأنصار و لم ينكروا على القوم بل أسلموه و لم يدفعوا عنه، بل أعانوا قاتليه و لم يمنعوا من قتله و حصره و منع الماء عنه، و هذا من أقوى الدّليل على تصديق الصّحابة للمطاعن فيه و براءتهم منه، و لو لم يكن في أمره إلّا ما روى عن أمير المؤمنين من قوله: اللّه قتله و أنا معه مريدا بذلك رضائهما به لكفى هذا كلّه مضافا إلى أنّهم تركوه بعد قتله ثلاثة أيّام على المزابل لم يدفنوه و هو من أدلّ الدلايل على رضاهم بقتله و يناسب المقام حكاية ظريفة روى في كتاب الصّراط المستقيم و غيره إنّ ابن الجوزي قال يوما على منبره سلوني قبل أن تفقدوني فسألته امرأة عمّا روى أنّ عليّا سار في ليلة إلى سلمان فجهّزه و رجع، فقال: روي ذلك، قالت: فعثمان ثمّ ثلاثة أيّام منبوذا في المزابل و علىّ حاضر، قال: نعم، قالت: فقد لزم الخطاء لأحدهما، فقال: إن كنت خرجت من بيتك بغير إذن زوجك فعليك لعنة اللّه، و إلّا فعليه، فقالت: خرجت عايشة إلى حرب علىّ عليه السّلام باذن النبىّ أولا فانقطع و لم يحر جوابا

الثاني عشر

إتمامه الصّلاة بمنى مع كونه مسافرا و هو مخالف للسنّة و للسّيرة، فقد روى في البحار من كتاب جامع الاصول عن عبد الرّحمن بن يزيد قال: صلّى بنا عثمان بمنى أربع ركعات فقيل ذلك لعبد اللّه بن مسعود، فقال: صلّيت مع رسول اللّه بمنى ركعتين و مع أبى بكر ركعتين و مع عمر ركعتين

الثالث عشر

جرأته على الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مضادّته له، فقد حكى العلامة فى كتاب كشف الحقّ عن الحميدي قال: قال السدي فى تفسير قوله تعالى: وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً انّه لمّا توفّى أبو سلمة و عبد اللّه بن حذافة و تزوّج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم امرئتهما امّ سلمة و حفصة قال طلحة و عثمان: أ ينكح محمّد نسائنا إذا متنا و لا ننكح نسائه إذا مات، و اللّه لو قد مات لقد اجلنا على نسائه بالسّهام، و كان طلحة يريد عايشة و عثمان يريد امّ سلمة فأنزل اللّه تعالى: وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً و أنزل إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً و أنزل إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً

الرابع عشر

عدم اذعانه بقضاء رسول اللّه، روى العلامة أيضا في كشف الحقّ عن السّدى في تفسير قوله تعالى: وَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ‏ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ، أَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الآيات قال السّدى: نزلت هذه في عثمان بن عفّان، قال: لمّا فتح رسول اللّه بني النّضير فغنم أموالهم فقال عثمان لعليّ: ائت رسول اللّه فاسأله أرض كذا و كذا، فان أعطاكها فأنا شريكك و آتيه أنا فأسأله إيّاها، فان أعطانيها فأنت شريكى فيها فسأله عثمان أوّلا فأعطاه إيّاها فقال له عليّ اشركنى فأبى عثمان، فقال بيني و بينك رسول اللّه فأبى أن يخاصمه إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقيل له لم لم تنطلق معه إلى النبيّ فقال: هو ابن عمّه فأخاف أن يقضى له فنزل قوله: وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إلى قوله بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فلمّا بلغ النبيّ ما انزل اللّه فيه أتى النّبيّ فأقرّ لعليّ بالحقّ

الخامس عشر

انّه زعم أنّ في المصحف لحنا، فقد حكى في البحار من كشف الحق«» عن تفسير الثّعلبي في قوله تعالى: «إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» قال قال عثمان: إنّ في المصحف لحنا فقيل له ألا تغيّره فقال: دعوه فلا يحلّل حراما و لا يحرّم حلالا قال في البحار: و رواه الرّازي أيضا في تفسيره

السادس عشر

تقديمه الخطبتين في العيدين، و كون الصّلاة مقدّمة على الخطبتين قبل عثمان ممّا تظافرت به الأخبار العاميّة و أخبار أهل البيت في ذلك أيضا بالغة حدّ الاستفاضة و قال العلامة (ره) في محكيّ المنتهى: لا نعرف في ذلك خلافا إلّا من بني أميّة، و في البحار من التّهذيب باسناده عن محمّد بن مسلم عن أحدهما قال: الصّلاة قبل‏ الخطبتين: و كان أوّل من أحدثها بعد الخطبة عثمان لمّا أحدث احداثها كان إذا فرغ من الصّلاة قام النّاس ليرجعوا فلمّا رأى ذلك قدّم الخطبتين و احتبس النّاس للصّلاة

السابع عشر

إحداثه الأذان يوم الجمعة زايدا على ما سنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو بدعة محرّمة

الثامن عشر

أنّه لم يتمكّن من الاتيان بالخطبة، فقد روى في البحار من روضة الأحباب أنّه لمّا كان أوّل جمعة من خلافته صعد المنبر فعرضه العىّ فعجز عن أداء الخطبة فتركها، و قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أيّها النّاس سيجعل اللّه بعد عسر يسرا و بعدعيّ نطقا، و إنّكم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى امام قوّال، أقول قولي و أستغفر اللّه لي و لكم فنزل قال و في رواية أنّه قال: الحمد للّه و عجز عن الكلام، و في رواية أنّه قال أوّل كلّ مركب صعب و أنّ أبا بكر و عمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا و أنتم إلى امام عادل أحوج منكم إلى امام قائل، و إن أعش فآتكم الخطبة على وجهها و يعلم اللّه إنشاء اللّه تعالى فانّ الظّاهر من الرّواية أنّ الخطبة كانت خطبة الجمعة الواجبة و أنّ عثمان لمّا حصر و عرضه العيّ ترك الخطبة و لم يأمر أحدا بالقيام بها و إقامة الصّلاة و إلّا لرووه فالأمر في ذلك ليس مقصورا على العجز و القصور، بل فيه ارتكاب المحظور فيكون أوضح في الطعن.

التاسع عشر

جهله بالأحكام، فقد روى العلامة في كشف الحقّ من صحيح مسلم أنّ امرأة دخلت على زوجها فولدت لستّة أشهر فذكر ذلك لعثمان بن عفّان فأمر بها أن ترجم فدخل عليه عليّ عليه السّلام فقال: إنّ اللّه عزّ و جل يقول: حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً و قال أيضا وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ فلم يصل رسولهم إليه إلّا بعد الفراغ من رجمها، فقتل المرأة المسلمة، عمدا لجهله بحكم اللّه و قد قال اللّه:

وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً و قال أيضا وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ…، وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ…، وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ

الطعن العشرون

قلّة اعتنائه بالشريعة، و قد قال في البحار أنّ مرويّاته في كتب الجمهور مع حرص أتباعه من بني اميّة و المتأخّرين عنهم على إظهار فضله لم يزد على مأئة و ستّة و أربعين، و قد رووا عن أبي هريرة خمسة آلاف و ثلاثمأة و أربعة و سبعين حديثا، و ذلك إمّا لغلبة الغباوة حيث لم يأخذ في طول الصّحبة إلّا نحوا ممّا ذكر أو لقلّة الاعتناء برواية كلام الرّسول و كلاهما يمنعان من استيهال الخلافة و الامامة

و اعلم أنّ الشّارح المعتزلي بعد ما أورد المطاعن العشرة الاول مع الطعن الحادى عشر في الشّرح و ما أجاب به قاضى القضاة عن تلك المطاعن في المغني و ما أورده السيّد في الشّافي على تلك الأجوبة أجاب عنها جميعا بوجه إجمالىّ و هو انّا لا ننكر أنّ عثمان أحدث أحداثا أنكرها كثير من المسلمين، و لكنّا ندّعى مع ذلك أنّها لم تبلغ درجة الفسق و لا احبطت ثوابه و أنّها من الصغائر التي وقعت مكفّرة، و ذلك لأنّا قد علمنا أنّه مغفور له و أنّه من أهل الجنّة لثلاثة أوجه: أحدها أنّه من أهل بدر و قد قال رسول اللّه إنّ اللّه اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم لا يقال: إنّ عثمان لم يشهد بدرا لانا نقول: صدقتم إنّه لم يشهدها و لكنّه تخلّف على رقية ابنة رسول اللّه بالمدينة لمرضها و ضرب له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بسهمه و أجره باتّفاق ساير الناس و ثانيها أنه من أهل بيعة الرّضوان الذين قال اللّه تعالى فيهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ

لا يقال: إنّه لم يشهد البيعة تحت الشّجرة لانا نقول: صدقتم إنّه لم يشهدها و لكنّه كان رسول اللّه أرسله إلى أهل مكّة و لأجله كانت بيعة الرّضوان حيث ارجف بأنّ قريشا قتلت عثمان، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و إن كانوا قتلوه لأضر منّها عليهم نارا ثمّ جلس تحت الشّجرة و بايع النّاس على الموت ثمّ قال: إن كان عثمان حيّا فأنا بايع عنه فصفح بشماله على يمينه و قال: شمالي خير من يمين عثمان، روى ذلك جميع أرباب أهل السّيرة متّفقا عليه و ثالثها انّه من جملة العشرة الذين تظاهرت الأخبار بأنّهم من أهل الجنّة و إذا كانت هذه الوجوه الثلاثة دالّة على أنّه مغفور له و أنّ اللّه قد رضى عنه و أنّه من أهل الجنّة بطل أن يكون فاسقا، لأنّ الفاسق عندنا يخرج من الايمان و ينحطّ ثوابه و يحكم له بالنّار و لا يغفر له و لا يرضى عنه و لا يرى الجنّة و لا يدخلها، فاقتضت هذه الوجوه الصّحيحة الثّابتة أن يحكم بأنّ كلّ ما وقع منه فهو من باب الصغائر المكفّرة توفيقا بين هذه الوجوه و بين روايات الأحداث المذكورة انتهى و يورد عليه انّ المستند في جميع تلك الوجوه ليس إلّا ما تفرّد المخالفون بروايته و لا يصحّ التمسّك به في مقام الاحتجاج كما مرّ مرارا، و الأصل في أكثرها ما رواه البخاري عن عثمان عبد اللّه قال: قال رجل من أهل مصر لعبد اللّه بن عمر: أنا سائلك عن شي‏ء فحدّثنى هل تعلم أنّ عثمان فرّيوم أحد قال: نعم، فقال: تعلم أنّه تغيب عن بدر و لم يشهد قال: نعم قال: تعلم أنّه تغيب عن بيعة الرّضوان فلم يشهدها قال: نعم، قال: اللّه أكبر، قال ابن عمر: تعال ابيّن لك، أمّا فراره يوم أحد فاشهد أنّ اللّه عفا عنه و غفر له، و أمّا تغيّبه عن بدر فانّه كانت تحته بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و كانت مريضة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ لك أجر رجل ممن شهد بدرا و سهمه، و أما تغيّبه عن بيعة الرّضوان فلو كان أحد أعزّ ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عثمان و كانت بيعة الرّضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول اللّه بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان، ثمّ قال ابن عمر اذهب بها الآن معك و ابن عمر هو الذي قعد عن نصرة أمير المؤمنين و بايع رجل الحجّاج و لا عبرة بقوله و لا روايته مع قطع النّظر عن ساير رواة الخبر، و حديث العشرة المبشّرة أيضا ممّا تفرّدوا بروايته، و قد روى أصحابنا تكذيب أمير المؤمنين لهذه الرّواية.

و هو ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن سليم بن قيس الهلالي قال: لمّا التقى أمير المؤمنين أهل البصرة يوم الجمل نادى الزّبير يا أبا عبد اللّه اخرج إلىّ، فخرج الزّبير و معه طلحة، قال: و اللّه إنّكما لتعلمان و أولو العلم من آل محمّد و عايشة بنت أبي بكر أنّ كلّ أصحاب الجمل ملعونون على لسان محمّد و قد خاب من افترى، قال الزّبير: كيف نكون ملعونين و نحن أهل الجنّة فقال عليّ عليه السّلام: لو علمت أنّكم من أهل الجنّة لما استحللت قتالكم.

فقال له الزّبير أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل، و هو يروى أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: عشرة من قريش في الجنّة قال عليّ عليه السّلام: سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته، فقال له الزّبير: أ فتراه يكذب على رسول اللّه فقال عليّ عليه السّلام لست اخبرك بشي‏ء حتّى تسمّيهم، قال الزبير: أبو بكر، و عمر، و عثمان، و طلحة، و الزبير، و عبد الرّحمن بن عوف، و سعد بن أبي وقاص، و أبو عبيدة بن الجرّاح، و سعيد بن عمرو ابن نفيل، فقال له عليّ عليه السّلام عددت تسعة فمن العاشر قال له: أنت قال له عليّ عليه السّلام: أمّا أنت فقد أقررت أنّي من أهل الجنّة، و أمّا ما ادّعيت لنفسك و أصحابك فأنا به من الجاحدين الكافرين، قال الزّبير: أ فتراه كذب على رسول اللّه قال: ما أراه كذب و لكنّه و اللّه اليقين، فقال عليّ عليه السّلام: و اللّه إنّ بعض ما سمّيته لفى تابوت في شعب في جبّ في أسفل درك من جهنّم، على ذلك الجبّ صخرة إذا أراد اللّه أن يسعر جهنّم رفع تلك الصّخرة، سمعت ذلك من رسول اللّه و إلّا أظفرك اللّه بي و سفك دمي على يديك و إلّا أظفرني اللّه عليك و على أصحابك و عجّل أرواحكم إلى النّار. فرجع الزّبير إلى أصحابه و هو يبكي و يؤيّد ضعفه أيضا أنّه ليس بمرويّ في صحاحهم إلّا عن رجلين عدّا انفسهما، و هما سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، و عبد الرحمن بن عوف و التّهمة في روايتهما لتزكيتهما أنفسهما واضحة و يؤكّده أيضا ما ذكره السيّد (ره) في الشّافي من أنّه تعالى لا يجوز ان يعلم مكلفا يجوز أن يقع منه القبيح و الحسن و ليس بمعصوم من الذّنوب بأنّ عاقبته الجنة لأنّ ذلك يغريه بالقبيح و لا خلاف في أنّ أكثر العشرة لم يكونوا معصومين من الذّنوب و قد أوقع بعضهم بالاتفاق كباير و ان ادّعى المخالفون أنّهم تابوا منها قال و ما يبيّن بطلان هذا الخبر أنّ أبا بكر لم يحتجّ به لنفسه و لا احتجّ به له في مواقع وقع فيه الاحتياج إلى الاحتجاج، كالسقيفة و غيرها، و كذلك عمر و عثمان لمّا حوصر و طولب بخلع نفسه و همّوا بقتله، و قد رأينا احتجّ بأشياء يجرى مجرى الفضايل و المناقب، و ذكر القطع له بالجنة أولى و أحرى بأن يعتمد عليه في الاحتجاج و في عدول الجماعة عن ذكره دلالة واضحة على بطلانه

تبصرة

روى الشّارح المعتزلي في تضاعيف شرح هذا المقام عن إبراهيم بن و يزيل، قال: حدّثنا زكريّا بن يحيى، قال: حدّثنا عليّ بن القاسم، عن سعيد بن طارق، عن عثمان بن القاسم، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ألا أدلكم على ما إن تسالمتم عليه لم تهلكوا، إنّ وليّكم اللّه و إمامكم عليّ بن أبي طالب فناصحوه و صدّقوه، فان جبرئيل أخبرنى بذلك ثمّ قال الشّارح: فان قلت: هذا نصّ صريح في الامامة فما تصنع المعتزلة قلت: يجوز أن يريد أنّه إمامهم في الفتاوى و الأحكام الشّرعية لا في الخلافة، و أيضا فانّا قد شرحنا من قول شيوخنا البغداديّين ما محصوله أنّ الامامة كانت لعليّ ان رغب فيها و نازع عليها، و إن أقرّها في غيره و سكت عنها تولينا ذلك الغير، و قلنا بصحّة خلافته، و أمير المؤمنين لم ينازع الأئمّة الثلاثة و لا جرّد السّيف و لا استنجد بالنّاس عليهم، فدلّ ذلك على اقراره لهم على ما كانوا فيه، فلذلك توليناهم و قلنا فيهم بالطهارة و الخير و الصّلاح، و لو حاربهم و جرّد السّيف عليهم و استصرخ العرب على حربهم، قلنا فيهم ما قلناه فيمن عامله هذه المعاملة من التّفسيق و التّضليل انتهى أقول: بعد الاعتراف بكون الرّواية نصّا صريحا في الامامة كما هى كذلك‏ في الواقع أيضا كيف يجوز تأويله، إذ التأويل إنّما يأتي في المتشابهات و المحتملات لا في النّصوصات، و على فرض التنزيل أقول: لا أقلّ من كونها ظاهرة في الامامة المطلقة و لا دليل و لا داعي إلى رفع اليد عن الظهور و حملها على الامامة في الفتاوى و الأحكام مع تنافي المعطوف عليه أعني قوله: وليّكم، لذلك الحمل أيضا، لأنّ المتبادر منه هو الاولى بالتّصرف حسبما ذكرناه في مقدّمات الخطبة الشّقشقيّة، مضافا إلى عدم تعارف استعمال لفظ الامامة في مقام الفتوى و القضا كما لا يخفى و أمّا ما ذكره من قول شيوخه البغداديّين فهو محصّل ما حكيناه عنه في مقدّمات الخطبة الشقشقية و في شرح الكلام السابع و الثلاثين في أوّل التنبيهين، و نبّهنا هناك على فساده بما لا مزيد عليه و دللنا على أنه عليه السّلام طلب الخلافة و رغب فيها و استنجد في الناس و استصرخ العرب على الحرب و حمل امرأته و ابناه معه، فلم يدع أحدا من المهاجرين و الأنصار إلّا استنجد بهم و استنصر منهم، فلم يجبه إلّا ثلاثة أو أربعة و لما لم يجد أعوانا كفّ و سكت تقيّة و حقنا لدمه، فليس في عدم تجريد السيف و النزاع دليلا على التقرير و الرّضاء كما علمت تفصيلا فتذكّر

الترجمة

از جمله كلام بلاغت نظام آن امام عالى مقام است در وقتي كه اشاره كردند بر او أصحاب او بمهيا شدن از براى حرب اهل شام بعد از فرستادن آن حضرت جرير بن عبد اللّه بجلى را بسوى معاويه ملعون مى‏فرمايد: بدرستى كه مهيا شدن من از براى محاربه اهل شام و حال آنكه جرير نزد ايشان است اكراه كردن است يا در بستن شام را و باز گردانيدنست اهل آن را از قبول طاعت اگر اراده طاعت داشته باشند، و لكن من تعيين كرده‏ام از براى جرير وقتى را كه نمى‏ايستد بعد از آن وقت مگر فريفته شده يا عصيان ورزيده، و فكر صايب با تأني و آهستگى است، پس بنرمى كار كنيد، و مكروه نمى‏شمارم از براى شما مهيا ساختن اسباب حرب را بجهه حزم و احتياط و بتحقيق كه زدم بينى اين كار را و چشم او را و گردانيدم پشت و شكم او را، پس نديدم از براى خود در آن كار مگر محاربه نمودن يا كافر شدن به آن چيزى كه پيغمبر خدا آنرا آورده است، بدرستى كه بود بر امّة حضرت رسالت حاكمى كه پديد آورد كارهاى بى‏موقع و نا مناسب را، و موجود ساخت از براى مردمان محلّ گفتگو را، پس گفتند در حق او آنچه گفتنى بود، بعد از آن انكار كردند و عتاب نمودند، پس تغيير دادند و بقتل آوردند او را.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 42 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 42 صبحی صالح

42- و من كلام له ( عليه‏ السلام  ) و فيه يحذر من اتباع الهوى و طول الأمل في الدنيا

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ

اتِّبَاعُ الْهَوَى وَ طُولُ الْأَمَلِ

فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ

وَ أَمَّا طُولُ الْأَمَلِ‏

فَيُنْسِي الْآخِرَةَ

أَلَا وَ إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ حَذَّاءَ

فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ

كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ اصْطَبَّهَا صَابُّهَا

أَلَا وَ إِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ

وَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ

فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ

وَ لَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا

فَإِنَّ كُلَّ وَلَدٍ سَيُلْحَقُ بِأَبِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

وَ إِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَ لَا حِسَابَ

وَ غَداً حِسَابٌ وَ لَا عَمَلَ

قال الشريف أقول الحذاء السريعة و من الناس من يرويه جذاء

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من خطبة له عليه السّلام و هى الثانية و الاربعون من المختار في باب الخطب

و قد رواها المحدّث المجلسي و غيره بطرق مختلفة و اختلاف يسير، و رواها الشارح المعتزلي أيضا في شرح الخطبة الآتية، و نشير الى تلك الرّوايات بعد الفراغ من شرح ما أورده السّيد قدّس سرّه في الكتاب و هو قوله عليه الصّلاة و السّلام: أيّها النّاس إنّ أخوف ما أخاف عليكم إثنتان: اتّباع الهوى، و طول الأمل، فأمّا اتّباع الهوي فيصدّ عن الحقّ، و أمّا طول الأمل فينسى الآخرة، ألا و إنّ الدّنيا قد ولّت حذّاء، فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الاناء إصطبّها صابّها، ألا و إنّ الآخرة قد أقبلت، و لكلّ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، و لا تكونوا من أبناء الدّنيا، فإنّ كلّ ولد سيلحق بأبيه (بأمّه خ ل) يوم القيمة، و إنّ اليوم عمل و لا حساب، و غدا حساب و لا عمل.

اللغة

قال السيّد (ره) قوله: (حذّاء) الحذّاء السّريعة و من الناس من يروى جذّاء بالجيم و الذال اى انقطع خيرها و درّها انتهى«» و (الصّبابة) بضمّ الصّاد المهملة بقية الماء في الاناء و (الاصطباب) افتعال من الصّبّ و هو الاراقة.

الاعراب

كلمة ما في قوله أخوف ما أخاف نكرة موصوفة، و العايد من الصّفة إلى الموصوف محذوف، أى أخوف ما أخافه على حدّ قوله ربما تكره النّفوس له فرجة كحلّ العقال، أى ربّ شي‏ء تكرهه النّفوس، و قوله: اتّباع الهوى و طول الأمل مرفوعان على أنّهما خبران لمبتدأ محذوف واقعان موقع التفسير لاثنتان، و هو من باب الايضاح بعد الابهام المسمّى في فنّ البلاغة بالتّوشيح، و هو أن يؤتى في عجز الكلام بمثنّى مفسّر باسمين ثانيهما عطف على الأوّل، و مثله يشيب ابن آدم و يشبّ فيه خصلتان: الحرص و طول الأمل، و حذّاء منصوب على الحالية، و إلّا صبابة مرفوع على الاستثناء المفرغ.

المعنى

اعلم أنّ مقصوده بهذه الخطبة النّهى عن اتّباع الهوى و المنع من طول الأمل في الدّنيا، فانّهما من أعظم الموبقات و أشدّ المهلكات كما قال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ طَغى‏ وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى‏، وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى‏ يعنى من تجاوز الحدّ الذي حدّه اللّه و ارتكب المعاصي و فضّل الدّنيا على الآخرة و اختارها عليها: فانّ النّار منزلها و مأواها، و أمّا من خاف مقام مسألة ربّه فيما يجب عليه فعله أو تركه، و نهى نفسه عن الحرام الذي تهويه و تشتهيه، فانّ الجنّة مقرّه و مثواه و لكونهما من أعظم المهلكات كان خوفه منهما أشدّ كما أشار إليهما بقوله عليه السّلام (أيها النّاس إنّ أخوف ما أخاف) ه (عليكم اثنتان) اى خصلتان إحداهما (اتّباع الهوى) و المراد به هو ميل النّفس الأمارة بالسّوء الى مقتضى طباعها من اللّذات الدّنيوية إلى حدّ الخروج عن قصد الشّريعة.

و مجامع الهوى خمسة امور جمعها قوله سبحانه: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا، لَعِبٌ وَ، لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ، بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ، الْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ‏ و الاعيان التي تحصل منها هذه الخمسة سبعة جمعها قوله سبحانه: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (و) الخصلة الثانية (طول الأمل) و المراد بالأمل تعلّق النّفس بحصول محبوب في المستقبل، و يرادفه الطمع و الرّجاء إلا أنّ الأمل كثيرا ما يستعمل فيما يستبعد حصوله و الطمع فيما قرب حصوله و الرّجاء بين الأمل و الطمع و طول الأمل عبارة عن توقع امور دنيوية يستدعى حصولها مهلة في الاجل و فسحة من الزمان المستقبل.

ثمّ إنّه عليه السّلام بعد تحذيره عن اتباع الهوى و طول الأمل أشار إلى ما يترّتب عليهما من المفاسد الدّينية و المضار الأخرويّة فقال: (أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ) و ذلك لأنّ اتّباع الهوى يوجب صرف النّظر إلى الشهوات الدّنيوية و قصر الهمّة في اللذات الفانية و هو مستلزم للاعراض عن الحقّ و هو واضح، لأنّ حبّك للشي‏ء صارفك عمّا وراه و شاغلك عمّا عداه.

(و أمّا طول الأمل فينسى الآخرة) و ذلك لما قد عرفت من أنّ طول الأمل عبارة عن توقع امور محبوبة دنيويّة فهو يوجب دوام ملاحظتها و دوام ملاحظتها مستلزم لاعراض النّفس عن ملاحظة أحوال الآخرة و هو مستعقب لا نمحاء تصورها في الذّهن و ذلك معنى النّسيان لها.

قال بعضهم: سبب طول الأمل هو حبّ الدّنيا فانّ الانسان إذا أنس بها و بلذّاتها ثقل عليه مفارقتها و أحبّ دوامها، فلا يتفكّر في الموت الذي هو سبب مفارقتها، فانّ من أحبّ شيئا كره الفكر فيما يزيله و يبطله، فلا يزال تمنّى نفسه البقاء في الدّنيا و تقدّر حصول ما تحتاج إليه من أهل و مال و أدوات و أسباب، و يصير فكره مستغرقا في ذلك فلا يخطر الموت و الآخرة بباله.

و إن خطر بخاطره الموت و التّوبة و الاقبال على الأعمال الأخرويّة أخّر ذلك‏ من يوم إلى يوم، و من شهر إلى شهر و من عام إلى عام و قال إلى أن اكتهل و يزول سنّ الشباب، فاذا اكتهل قال إلى أن أصير شيخا، فاذا شاخ قال إلى أن اتمّ هذه الدّار و ازوّج ولدي فلانا و إلى أن أعود من هذا السّفر و هكذا يسوّف التوبة كلّما فرغ من شغل عرض له شغل آخر بل اشغال حتّى يختطفه الموت و هو غافل عنه غير مستعدّله مستغرق القلب في امور الدّنيا، فتطول في الآخرة حسرته و تكثر ندامته و ذلك هو الخسران المبين.

ثمّ إنّه بعد الاشارة إلى كون اتّباع الهوى صادّا عن الحقّ و طول الأمل منسيا للآخرة أردف ذلك بالتنبيه على سرعة زوال الدّنيا و فنائها كى يتنبّه الغافل عن نوم الغفلة و يعرف عدم قابليتها لأن يطال الأمل فيها أو يتّبع الهوى فقال (ألا و إنّ الدّنيا قد ولّت حذّاء) أى أدبرت سريعة لكونها مفارقة لكلّ شخص (فلم يبق منها) بالنّسبة إليه (إلّا صبابة كصبابة الانآء اصطبّها صابّها) اطلاق الصبابة استعارة لبقيّتها القليلة، و القلّة هى الجامع بين المستعار منه و المستعار له (ألا و إنّ الآخرة قد أقبلت) إشارة إلى سرعة لحوق الآخرة، إذا إدبار العمر مستلزم لاقبال الموت الذي هو آخر أيام الدّنيا و أوّل أيّام الآخرة.

و الاتيان بانّ المؤكدة و حرف التّنبيه و قد التّحقيقية، من أجل تنزيل العالم منزلة الجاهل فكان المخاطبين لغفلتهم عن اقبالها حيث لم يتزّودوا لها و لم يتّخذوا لها ذخيرة جاهلون له و قوله عليه السّلام (و لكلّ منهما بنون) شبّه الدّنيا و الآخرة بالأب أو الامّ و أهلها بالأبناء و الأولاد إشارة إلى فرط ميل أهل الدّنيا إلى دنياهم و أهل الآخرة إلى آخرتهم فهم من فرط المحبة إليهما بمنزلة الابن إلى أبويه، و هما من حيث تهيّة الاسباب لأهلهما بمنزلة الأبوين الصّارفين نظرهما إلى تربية الأولاد.

ثمّ لما كان غرضه عليه السّلام حثّ الخلق على السّعى للآخرة، و الميل إليها و الاعراض عن الدّنيا قال (فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدّنيا) و علّله بقوله (فانّ كلّ ولد سيلحق بأبيه يوم القيامة) قال الشّارح البحراني: و أشار بذلك إلى أنّ أبناء الآخرة و الطالبين لها و العاملين لأجلها مقرّبون في الآخرة لاحقون لمراداتهم فيها، و لهم فيها ما تشتهى أنفسهم و لهم ما يدّعون نزلا من غفور رحيم.

و أما أبناء الدّنيا فانّ نفوسهم لما كانت مستغرقة في محبّتها و ناسية لطرف الآخرة و معرضة عنها، لا جرم كانت يوم القيامة مغمورة في محبّة الباطل، مغلولة بسلاسل الهيئات البدنية و الملكات الرّديّة، فهي لتعلّقها بمحبة الدّنيا حيث لا يتمكّن من محبوبها بمنزلة ولد لا تعلّق له إلّا بوالده و لا ألف له إلّا هو و لا انس إلّا معه، ثمّ حيل بينه و بينه مع شدّة تعلّقه به و شوقه إليه، و اخذ إلى ضيق الأسجان و بدل بالعزّ الهوان فهو في أشدّ وله و همّ و أعظم حسرة و غمّ.

و أمّا أبناء الآخرة ففي حضانة أبيهم و نعيمه قد زال عنهم بؤس الغربة و شقاء اليتم و سوء الحضن فمن الواجب إذا تعرف احوال الوالدين و اتباع اثرهما و ادومهما شفقة و أعظمهما بركة، و ما هى الّا الآخرة و ليكن ذو العقل من أبناء الآخرة و ليكن برا بوالده متوصلا إليه بأقوى الاسباب و أمتنها (و انّ اليوم عمل و لا حساب) أراد باليوم مدّة الحياة يعنى أنّ هذا اليوم يوم عمل، لأنّ التكليف إنّما هو في هذا اليوم و العمل به و الامتثال له إنّما يكون فيه (و غدا حساب و لا عمل) أراد بالغد ما بعد الموت و هو وقت الحساب و لا عمل فيه لانقطاع زمان التكليف فعلى هذا فاللّازم للعاقل أن يبادر إلى العمل الذي به يكون من أبناء الآخرة في وقت امكانه قبل مجي‏ء الغد الذي هو وقت الحساب دون العمل، و اللّه ولىّ التوفيق.

تبصرة

اعلم أنّ طول الأمل من أعظم الموبقات حسبما مرّت إليه الاشارة، و كفى في ذلك قوله سبحانه: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ، ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَ يَتَمَتَّعُوا وَ يُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ فنبّه سبحانه على أنّ ايثار التّنعّم و التّلذّذ الذي هو من شئونات اتّباع الهوى و مايؤدّي إليه طول الأمل من أخلاق الكافرين لا من أخلاق المؤمنين.

و أمّا الأخبار في ذمّه و التّحذير منه و بيان ما يترّتب عليه من المفاسد فهو فوق حدّ الاحصاء.

فمن ذلك ما ورد في الحديث القدسي: يا موسى لا تطول في الدّنيا أملك فيقسو لذلك قلبك و قاسي القلب منّى بعيد.

و في النّبويّ المعروف المرويّ في البحار بعدّة طرق قال صلّى اللّه عليه و آله: يا باذر إيّاك و التّسويف بأملك فانك بيومك و لست بما بعده فان يكن غدلك فكن في الغد كما كنت في اليوم، و إن لم يكن غدلك لم تندم على ما فرطت في اليوم، يا باذركم مستقبل يوما لا يستكمله و منتظر غدا لا يبلغه، يا باذر لو نظرت إلى الأجل و مصيره لأبغضت الأمل و غروره، يا باذر إذا أصبحت لا تحدّث نفسك بالمساء، و إذا أمسيت فلا تحدّث نفسك بالصّباح، و خذ من صحتّك قبل سقمك، و من حياتك قبل موتك، فانّك لا تدرى ما اسمك غدا.

و عن أنس أنّ النّبيّ خطّ خطا و قال: هذا الانسان، و خطّ إلى جنبه و قال: هذا أجله، و خطّ اخرى بعيدا منه فقال: هذا الأمل فبينما هو كذلك إذ جاءه الأقرب.

و في رواية أنّه اجتمع عبدان من عباد اللّه فقال أحدهما للآخر: ما بلغ من قصر أملك فقال: أملي إذا أصبحت أن لا امسى و إذا امسيت أن لا اصبح، فقال: إنك لطويل الأمل، أمّا أنا فلا اؤمّل أن يدخل لي نفس إذا خرج و لا يخرج لي نفس إذا دخل.

و في الصّحيفة السّجادية على منشئها آلاف السّلام و التّحية: اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و اكفنا طول الأمل، و قصره عنّا بصدق العمل، حتّى لا نؤمل استتمام ساعة بعد ساعة، و لا استيفاء يوم بعد يوم، و لا اتّصال نفس بنفس، و لا لحوق قدم بقدم، و سلّمنا من غروره، و آمنّا من شروره.

و في الدّيوان المنسوب إلى علىّ عليه السّلام:

تؤمّل في الدّنيا طويلا و لا تدرى
اذا جنّ ليل هل تعيش إلى فجر

فكم من صحيح مات من غير علّة
و كم من مريض عاش دهرا إلى دهر

و كم من فتى يمسى و يصبح آمنا
و قد نسجت اكفانه و هو لا يدرى‏

و بالجملة فانّ مضار طول الأمل و مفاسده غير خفيّة على من تنوّر قلبه بنور العرفان، و لو لم يكن فيه إلّا نسيان الآخرة الذى أشار عليه السّلام إليه بقوله: و أمّا طول الأمل فينسى الآخرة لكفى، فكيف بمفاسد متجاوزة عن حدّ الاحصاء، و قاصرة عن طىّ مسافتها قدم الاستقصاء، عصمنا اللّه من طول الأمل في الدّنيا و من طول الحساب في الآخرة بمحمد و آله أعلام الهدى إنّه على كلّ شي‏ء قدير و بالاجابة حقيق و جدير.

تكملة

اعلم أنّ هذه الخطبة مرويّة في البحار و غيره مسندة بعدة طرق و اختلاف يسير أحببت الاشارة إليها.

فأقول: في البحار من مجالس المفيد عن أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن معروف عن ابن مهزيار عن عاصم عن فضيل الرّسال عن يحيى بن عقيل قال: قال عليّ عليه السّلام: إنّما أخاف عليكم اثنتين اتّباع الهوى و طول الأمل فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، و أمّا طول الأمل فينسى الآخرة، ارتحلت الآخرة مقبلة و ارتحلت الدّنيا مدبرة، و لكلّ بنون فكونوا من بني الآخرة و لا تكونوا من بني الدّنيا، اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل.

و في بعض مؤلّفات أصحابنا من المجالس و الأمالى عن المفيد عن الجعابي عن محمّد بن الوليد عن عنبر بن محمّد عن شعبة عن مسلمة عن أبي الطفيل قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: إنّ أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل و اتّباع الهوى، فأمّا طول الامل فينسى الآخرة، و أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، ألا و إنّ الدّنيا قد تولّت مدبرة، و انّ الآخرة قد أقبلت مقبلة، و لكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدّنيا فانّ اليوم عمل و لا حساب‏ و الآخرة حساب و لا عمل.

و في شرح المعتزلي من كتاب نصر بن مزاحم أنّ عليّا قدم من البصرة في غرة شهر رجب من سنة ستّ و ثلاثين إلى الكوفة و أقام بها سبعة عشر شهرا يجرى الكتب بينه و بين معاوية و عمرو بن العاص حتّى صار إلى الشام.

قال نصر و قد روى من طريق أبي الكنود و غيره أنّه قدم الكوفة بعد وقعة الجمل لا ثنتى عشرة ليلة خلت من شهر رجب سنة ستّ و ثلاثين، فدخل الكوفة و معه أشراف النّاس من أهل البصرة و غيرهم فاستقبل أهل الكوفة و فيه قرّائهم و أشرافهم فدعوا له بالبركة و قالوا يا أمير المؤمنين أين تنزل أتنزل القصر قال عليه السّلام: و لكنّى أنزل الرهبة، فنزلها و أقبل حتّى دخل المسجد الأعظم فصلّى فيه ركعتين، ثمّ صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على رسوله ثمّ قال: أما بعد يا أهل الكوفة فانّ لكم في الاسلام فضلا ما لم تبدّلوا و تغيّروا، دعوتكم إلى الحقّ فأجبتم و بدأتم بالمنكر فغيّرتم، ألا إنّ فضلكم فيما بينكم و بين اللّه، فأمّا الأحكام و القسم فأنتم أسوة غيركم ممّن أجابكم، و دخل فيما دخلتم فيه، ألا إنّ أخوف ما عليكم اتّباع الهوى و طول الأمل أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، و أمّا طول الأمل فينسى الآخرة، ألا إنّ الدّنيا قد رحلت مدبرة، و إنّ الآخرة قد ترحلت مقبلة، و لكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل.

و يأتي روايتها بسند آخر في شرح الخطبة المأتين و الرّابعة و العشرين إنشاء اللّه تعالى باختلاف و زيادة كثيرة.

الترجمة

از جمله خطب آن حضرتست در تنفير مردمان از اتباع هوى و طول أمل باين وجه كه مى‏ فرمايد: أى مردمان بدرستى كه ترسناك‏ترين چيزى كه مى‏ ترسم بر شما از عقوبت آن دو چيز است: يكى متابعت خواهشات نفس أماره، و دويمى درازى اميد درامور دنيويه، پس أما متابعت هواى نفس پس باز مى ‏دارد بنده را از راه حقّ و أما درازى اميد پس فراموش مى‏ گرداند آخرت را آگاه باشيد كه دنياى فانى رو گردانيده است در حالتى كه شتابان است يا در حالتى كه مقطوع المنفعة است، آگاه باشيد كه آخرت رو آورده است و مر هر يكى را از دنيا و آخرت پسرانست، پس باشيد از فرزندان آن جهان تا داخل شويد در بهشت جاويدان، و نباشيد از فرزندان اين جهان تا معذب شويد بعذاب نيران، پس بدرستى كه هر فرزند ملحق مى‏ شود به پدر خود فرداى قيامت، و بدرستى امروز كه روز زندگانيست روز عملست و حساب نيست، و فردا روز حسابست و عمل نيست، پس لازم است كه امروز كه روز عملست فرصت را غنيمت شمرده و در عمل كوشيد تا فردا كه روز حسابست فارغ البال از كوثر و سلسبيل آب نوشيد، و از سندس و استبرق لباس پوشيد، و اللّه العالم.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 41 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 41 صبحی صالح

41- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) و فيها ينهى عن الغدر و يحذر منه‏

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ

وَ لَا أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقَى مِنْهُ

وَ مَا يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ

وَ لَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً

وَ نَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ الْحِيلَةِ

مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ

قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ

وَ دُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَ نَهْيِهِ

فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا

وَ يَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لَا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج 

و من خطبة له عليه السلام و هى الاحدى و الاربعون من المختار فى باب الخطب

و قد رواها المحدّث المجلسى في البحار من كتاب مطالب السؤول لمحمد بن طلحة قال: و من خطبه عليه السّلام الحمد للّه و إن أتى الدّهر بالخطب الفادح و الحدث الجليل، فانّه لا ينجو من الموت من خافه و لا يعطى البقاء من أحبه ألا وإنّ الوفاء توأم الصّدق، و لا أعلم جنّة أوقى منه، و لا يغدر من علم كيف المرجع، و لقد أصبحنا في زمان قد اتّخذ أكثر أهله الغدر كيسا، و نسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم قاتلهم اللّه قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة و دونه مانع من أمر اللّه و نهيه، فيدعها رأى عين بعد القدرة عليها، و ينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدّين.

اللغة

(التوأم) معروف يقال هذا توأم هذا و هذه توأم هذه و هما توأمان و (الجنّة) بالضم الترس و (المرجع) اسم مكان أو مصدر و الموجود في اكثر النّسخ بفتح الجيم و في بعضها بالكسر، و الظاهر أنّه الصّحيح، قال الفيروزآبادي: رجع يرجع رجوعا و مرجعا كمنزل و مرجعة شاذّان، لأنّ المصادر من فعل يفعل إنّما تكون بالفتح و (الكيس) وزان فلس مصدر من كاس كيسا و هو الفطنة و العقل و (الحوّل القلّب) البصير بتقليب الامور و تحويلها و (الرّاى) مصدر كالرّؤية و (الانتهاز) المبادرة يقال انتهز الفرصة اغتنمها و بادر إليها و (الحريجة) التّحرج، و التّأثمّ، اى التحرّز من الحرج و الاثم، قال الفيومي تحرّج الانسان تحرّجا هذا ممّا ورد لفظه مخالفا لمعناه و المراد فعل فعلا جانب به الحرج كما يقال، تحنّث إذا فعل ما يخرج به عن الحنث، قال ابن الاعرابي: للعرب أفعال تخالف معانيها ألفاظها يقال تحرّج و تحنّث و تأثمّ و تهجّد إذا ترك الهجود.

الاعراب

قوله: كيف المرجع كيف اسم استفهام مبنيّ على الفتح و هو في محلّ رفع على الخبرّية، و المرجع مبتداء مؤخر و الجملة في موضع نصب بعلم و هي معلّقة عنها العامل لأنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، و ما لهم استفهام انكاريّ، و جملةقاتلهم اللّه دعائية لا محلّ لها من الاعراب، و جملة و دونه مانع حالية، و انتصاب رأى عين على حذف المضاف لدى بعد رايه أو مع رايه بعين و يحتمل أن يكون حالا أى يتركها حال كونها مرئية بعين، و جملة و ينتهز فرصتها استينافية لا محلّ لها من الاعراب، و من الموصولة فاعل ينتهز.

المعنى

اعلم انّ الوفاء و الصّدق من جنود العقل كما أنّ الغدر و الكذب من جنود الجهل على ما ورد في رواية الكافي باسناده عن ابن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و تقابل الأوّلين مع الآخرين تقابل العدم و الملكة، لأنّ عدّ هذه الأوصاف من جنود العقل و الجهل باعتبار مباديها الرّاسخة و ملكاتها الثّابته في النّفس دون آثارها التي هى من الأعمال و الأفعال، و على هذا فالوفاء ملكة نفسانية تنشأ من لزوم العهد كما ينبغي و البقاء عليه، و الغدر عدم الوفاء عمن من شأنه الوفاء، و الصّدق ملكة تحصل من لزوم مطابقة الأقوال للواقع، و الكذب عدم الصّدق لمن من شأنه الصّدق.

و أما النّسبة بين الوفاء و الصّدق فهى أنّ الأوّل أخصّ من الثّاني مطلقا لأنّ الوفاء هو الصّدق في الوعد و ربّما يكون صادقا في غير مقام الوعد فكلّ وفاء صدق و لا يكون كلّ صدق وفاء، و يمكن أن يقال: انّ النسبة عموم من وجه إذ الصّدق لا يكون إلّا في القول، لأنّه من أنواع الخبر، و الخبر قول و الوفاء قد يكون بالعمل، و مثلها النّسبة بين الغدر و الكذب قال الشّاعر:

غاض الوفاء و فاض الغدر و اتّسعت            مسافة الخلف بين القول و العمل‏

إذا عرفت ذلك فأقول: إنّ الوفاء و الصّدق لما كانا متشاركين في كونهما من جنود العقل متلازمين غالبا لاجرم شبّههما بالتّوأمين و قال عليه السّلام (إنّ الوفاء توأم الصّدق) و ذلك إنّ التّوأم الولد المقارن للولد في بطن واحد، فشبّه الوفاء به لتقارنه الصّدق بحسب العقل و تصاحبه معه غالبا (و لا أعلم جنّة أوقى منه) أى أشدّ وقاية منه من عذاب الآخرة و من عار الدّنيا المترتّبين على الغدر و خلف‏ الوعد، مضافا إلى ما فيه من الثمرات و المنافع الاخر، و سنشير إلى منافعه الأخروية بعد الفراغ من شرح الخطبة، و أما الثمرات الدّنيويّة قمنها اعتماد الناس على قول الوفيّ و ثقتهم به و ركونهم إليه و استحقاق المدح و الثّناء عند الخالق و الخلائق، و من هنا قيل الوفاء مليح و الغدر قبيح.

قال المطرزي في شرح المقامات: السّمؤل يضرب به المثل في الوفاء يقال أو في من السمؤل، و من وفائه أنّ امرء القيس بن الحجر لما أراد الخروج استودع السمؤل دروعا فلما مات امرء القيس غزاه ملك من ملوك الشام فتحرز منه السمؤل، فأخذ ابنا له كان مع ظئر خارجا من الحصن، ثمّ صاح بالسمؤل فأشرف عليه ثمّ قال هذا ابنك في يدي و قد علمت أنّ امرء القيس ابن عمّي و أنا احقّ بميراثه، فان دفعت إليّ الدّروع و إلّا ذبحت ابنك، فقال: أجّلني، فأجّله فجمع أهل بيته و نساءه فشاورهم فكلّ أشار إليه أن يدفع الدّروع، فقال: ما كنت لاحقّر أمانة فاصنع ما انت صانع إنّ الغدر طوق لا يبلى و لا بني هذا اخوة فذبح الملك ابنه و هو ينظر إليه، و رجع خائبا فلما دخلت أيّام الموسم وافى السّمؤل بالدّروع الموسم فدفعها إلى ورثة امرء القيس.

و في الأثر إنّ النّعمان بن المنذر قد جعل له يومين، يوم بؤس من صادفه فيه قتله و أرداه، و يوم نعيم من لقى فيه أحسن إليه و أغناه، و كان رجل من طيّ قد خرج ليطلب الرّزق لأولاده، فصادفه النّعمان في يوم بؤسه فعلم الطائيّ أنّه مقتول، فقال: حيا اللّه الملك إنّ لي صبية صغارا و لم يتفاوت الحال في قتلي بين أوّل النّهار و آخره، فان رأى الملك أن اوصل إليهم هذا القوت و أوصى بهم أهل المروّة من الحيّ ثمّ أعود للملك، فقال النعمان: لا إذن لك إلّا أن يضمنك رجل معنا فان لم ترجع قتلناه، و كان شريك بن عديّ نديم النعمان معه، فقال: أيّها الملك أنا أضمنه فمضى الطائيّ مسرعا و صار النعمان يقول لشريك جاء وقتك فتأهّب للقتل، فقال: ليس للملك علىّ سبيل حتّى يأتي المساء.

فلما قرب المساء قال النعمان: تأهّب للقتل، فقال شريك، هذا شخص قد لاح‏ مقبلا و أرجو أن يكون الطائي، فلما قرب إذا هو الطائي قد اشتدّ في عدوه مسرعا حتّى وصل، فقال: خشيت أن ينقضي النّهار قبل وصولى فعدوت، ثمّ قال: أيّها الملك مر بأمرك، فأطرق النّعمان ثمّ رفع رأسه فقال: ما رأيت أعجب منكم، أما أنت يا طائي فما تركت لأحد في الوفاء مقاما يفتخر به، و أما أنت يا شريك فما تركت لكريم سماحة يذكر بها في الكرماء، فلا أكون أنا ألام الثلاثة ألا و إنّي قد رفعت يوم بؤسى عن النّاس و نقضت عادتي كرما لوفاء الطائي و كرم شريك، فقال له النعمان: ما حملك على الوفاء و فيه اتلاف نفسك، فقال: من لا وفاء له لا دين له فأحسن إليه النعمان و وصله بما أغناه.

ثمّ إنّه عليه السّلام بعد الترغيب في الوفاء و بيان حسنه رهّب عن الغدر بقوله (و لا يغدر من علم كيف المرجع) يعنى من كان له علم بحالة الغادر في الآخرة و بما يستحقّ به بغدره من الجحيم و العذاب الأليم، لا يصدر منه غدر و لا يكون له رغبة إليه.

روى في البحار من الكافي مسندا عن الاصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم و هو يخطب على المنبر بالكوفة: يا أيّها الناس لو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى النّاس الا أن لكلّ غدرة فجرة، و لكلّ فجرة كفرة ألا و إنّ الغدر و الفجور و الخيانة في النّار هذا.

و لمّا بيّن حسن الوفاء و قبح الغدر أشار إلى ما عليه أكثر أهل زمانه من رغبتهم إلى الغدر و عدّهم ذلك حسنا و غفلتهم عن قبحه فقال: و (لقد أصبحنا في زمان اتّخذ أكثر أهله الغدر) و الخديعة (كيسا) و فطانة (و نسبهم أهل الجهل فيه إلى) صحة التّدبير و (حسن الحيلة).

و ذلك لأنّ الغدر كثيرا ما يستلزم الذّكاء و التفطن لوجه الحيلة و ايقاعها بالمغد و ربه كما أنّ الكيس أيضا عبارة عن الفطانة وجودة الذّهن في استخراج وجوه المصالح، فالغادر و الكيس يشتركان في الاتصاف بالفطنة إلّا أنّ‏ الأوّل يستعمل فطنته في استخراج وجوه الحيلة لجلب منفعة دنيويّة و إن خالفت القوانين الشّرعيّة، و الكيّس يستعمل تفطنه في استنباط وجوه المصالح الكلية على وجه لا يخالف قواعد الشّريعة، فلدقّة الفرق استعمل الغادرون غدرهم في موضع الكيس و نسبهم أهل الجهالة و الغفلة إلى صحّة الرأى و حسن الحيلة، كما كانوا يقولون في عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و لم يعلموا أنّ حيلة الغادر تخرجه إلى رذيلة الفجور و أنّه لا حسن في حيلة جرّت الى رذيلة.

(ما لهم) اى لهؤلاء الغادرين في افتخارهم بغدرهم (قاتلهم اللّه) و أبعدهم من رحمته (قد يرى الحوّل القلّب) أى كثير البصيرة في تحويل الامور و تقليبها لاستنباط وجوه المصالح، و أراد به نفسه الشّريف و مقصوده أنّ الغدر و الخديعة ليس قابلا لأنّ يفتخر به فانّ صاحب البصيرة ربّما يعرف (وجه الحيلة) كأنّه يراه عيانا (و) مع ذلك لا يقدم عليها لما يشاهد أنّ (دونها) أى دون الحيلة و العمل بها (مانع من أمر اللّه) بتركها (و نهيه) عن فعلها (فيدعها) و يتركها (رأى عين) أى مع رؤيته عيانا (بعد القدرة عليها) و تمكّنه منها تجنّبا من الرّذايل الموبقة و خوفا من اللّه سبحانه (و ينتهز فرصتها) و يبادر إليها (من لا حريجة له في الدّين) و لا مبالاة له في أوامر الشّرع المبين و لا خوف له من اللّه ربّ العالمين.

تبصرة

قد عرفت حسن الوفاء و أنّه ممّا يترتب عليه المدح و الثّواب، و قبح الغدر و أنّه ممّا يترتب عليه اللّوم و العقاب، فيكون الأوّل واجبا سواء كان في عهود اللّه سبحانه أو عهود الخلق، و الآخر حراما، و قد اشير إلى ذلك المعنى في غير موضع من القرآن و وردت بذلك أخبار كثيرة و لا بأس بالاشارة إلى بعضها فانّ الاستقصاء غير ممكن.

فأقول: قال سبحانه في سورة المائدة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ اى بالعهود قال ابن عباس: و المراد بها العهود التي أخذ اللّه سبحانه على عباده بالايمان به و طاعته فيما أحلّ لهم أو حرّم عليهم، و في رواية اخرى قال: ما هو أحلّ و حرّم و ما فرض و ما حدّ في القرآن كلّه، أى فلا تتعدّوا و لا تنكثوا، و قيل المراد العقود التي يتعاقدها النّاس بينهم.

و في سورة النّحل وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ و فيها أيضا: وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال الطبرسيّ: أى لا تخالفوا عهد اللّه بسبب شي‏ء يسير تنالوه من حكّام الدّنيا فتكونوا قد بعتم عظيم ما عند اللّه بالشي‏ء الحقير.

و في سورة مريم: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا.

قال في مجمع البيان: إذا وعد بشي‏ء و في به و لم يخلف، قال ابن عبّاس: إنّه واعد رجلا أن ينتظره في مكان و نسي الرّجل فانتظره سنة حتّى أتاه الرّجل، و عن الكافي عن الصادق، و العيون عن الرّضا عليهما السّلام ما في معناه و الإسماعيل ابن خرقيل و قيل اسماعيل بن إبراهيم، و الأوّل رواه أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

أقول: و لعلّه أراد بهذه الرّواية ما رواه المحدّث العلامة المجلسي في البحار عن الصّدوق باسناده عن الصّادق عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ أفضل الصّدقة صدقة اللّسان تحقن به الدّماء و تدفع به الكريهة و تجرّ المنفعة الى أخيك المسلم.

ثمّ قال: إنّ عابد بني اسرائيل الذي كان أعبدهم كان يسعى في حوائج النّاس عند الملك، و إنّه لقى اسماعيل بن خرقيل فقال لا تبرح حتّى أرجع اليك يا اسماعيل، فسهل عنه عند الملك فبقى عند الملك، فبقى اسماعيل إلى الحول هناك فأنبت اللّه‏ لاسماعيل عشبا فكان يأكل منه و اجرى له عينا و أظلّه بغمام فخرج الملك بعد ذلك إلى التّنزه و معه العابد فرأى اسماعيل: فقال له: إنّك لهاهنا يا اسماعيل: فقال له: قلت لا تبرح فلم أبرح فسمّى صادق الوعد.

قال: و كان جبّار مع الملك فقال: أيّها الملك كذب هذا العبد قد مررت بهذه البرّية فلم أراه ههنا، فقال اسماعيل إن كنت كاذبا فنزع اللّه صالح ما أعطاك قال فتناثرت أسنان الجبّار، فقال جبّار إنّى كذبت على هذا العبد الصّالح فاطلب أن يدعو اللّه أن يردّ علىّ أسنانى فاني شيخ كبير، فطلب إليه الملك فقال: إنّى أفعل قال: الساعة، قال: لا، و أخّره إلى السّحر، ثمّ دعى ثمّ قال: يا فضل إنّ أفضل ما دعوتم اللّه بالأسحار، قال اللّه تعالى وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.

و في سورة الأحزاب: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.

روى في الصافي من الكافي عن الصّادق عليه السّلام أنّه قال المؤمن مؤمنان، فمؤمن صدق بعهد اللّه و وفى بشرط اللّه، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، و ذلك الذي لا يصيبه أهوال الدّنيا و لا أهوال الآخرة، و ذلك ممّن يشفع و لا يشفع له، و مؤمن كخامة الزّرع يعوج احيانا و يقوم احيانا، فذلك ممّن يصيبه أهوال الدّنيا و أهوال الآخرة، و ذلك ممّن يشفع له و لا يشفع.

و عنه عليه السّلام لقد ذكّركم اللّه في كتابه فقال مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا، الآية إنّكم و فيتم بما أخذ اللّه عليه ميثاقكم من ولايتنا و انكم لم تبدلوا بنا غيرنا.

و في سورة الصّف: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ الآية و نحوها آيات أخر.

و أمّا الأخبار فمضافا إلى ما ذكرنا ما رواه في الوسايل من الكافي باسناده عن شعيب العقرقوفي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من كان يؤمن‏باللّه و اليوم الآخر فليف إذا وعد.

و من العلل باسناده عن عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام، يقول: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وعد رجلا إلى صخرة فقال أنا لك ههنا حتّى تأتى، قال: فاشتدّت الشمس عليه فقال له أصحابه يا رسول اللّه لو أنك تحوّلت إلى الظلّ، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد وعدته إلى ههنا و إن لم يجي‏ء كان منه المحشر.

و في كتاب تحف العقول قال: و من حكم أمير المؤمنين عليه السّلام و ترغيبه و ترهيبه و وعظه أما بعد فانّ المكر و الخديعة في النار فكونوا من اللّه على وجل و من صولته على حذر إنّ اللّه لا يرضى لعباده بعد اعذاره و اندازه استطرادا و استدراجا لهم من حيث لا يعلمون، و لهذا يضلّ سعى العبد حتّى ينسى الوفاء بالعهد و يظنّ أنّه قد أحسن صنعا.

و لا يزال كذلك في ظنّ و رجاء و غفلة عمّا جاءه من النباء يعقد على نفسه العقد و يهلكها بكل الجهد و هو في مهلة من اللّه على عهد (عمد خ) يهوى مع الغافلين، و يغدو مع المذنبين و يجادل في طاعة اللّه المؤمنين، و يستحسن تمويه المترفين «المسرفين خ»، فهؤلاء قوم شرحت قلوبهم بالشّبهة، و تطاولوا على غيرهم بالفرية، و حسبوا أنّها للّه قربة.

و ذلك لأنّهم عملوا بالهواء، و غيّروا كلام الحكماء، و حرّفوه بجهل و عمى و طلبوا به السّمعة و الرّياء، بلا سبيل قاصدة، و لا أعلام جارية، و لا منار معلوم إلى أمدهم و الى منهل هم واردوه حتّى إذا كشف اللّه لهم عن ثواب سياستهم، و استخرجهم من جلابيب غفلتهم، استقبلوا مدبرا و استدبروا مقبلا، فلم ينتفعوا بما أدركوا من امنيّتهم، و لا بما نالوا من طلبتهم، و لا ما قضوا من وطرهم، و صار ذلك عليهم و بالافصاروا يهربون ممّا كانوا يطلبون.

و إنّى احذّركم هذه المنزلة، و آمركم بتقوى اللّه الذي لا ينفع غيره فلينتفع بتقية «بنفسه خ ل» إن كان صادقا على ما يحنّ ضميره، فانّ البصير من سمع و تفكّر و نظر فأبصر، و انتفع بالعبر، و سلك جددا واضحا يتجنّب فيه الصّرعة في الهوى،و يتنكّب طريق العمى، و لا يعين على فساد نفسه الغوات بتعسّف في حقّ أو تحريف في نطق أو تغيير في صدق، و لا قوّة إلّا باللّه، الحديث.

و في حديث الائمة إنّ اللّه أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ على بني آدم أ لست بربكم فمن و في لنا و في اللّه له بالجنّة.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يجي‏ء كلّ غادر يوم القيامة بامام مايل شدقه«» حتّى يدخل النّار هذا.

و قد ظهر لك ممّا ذكرناه و رويناه أنّ متعلّق الوفاء أعمّ من عهود اللّه سبحانه و مواثيقه التّي أخذها من العباد، و من عهود النّاس و شروط بعضهم مع بعض و مواثيقهم الموافقة للقوانين الشّرعية، و الاولى عامة لاصول العقائد من التّوحيد و النّبوة و الولاية حيث أخذ ميثاق النّاس عليها في عالم الذّرّ، و بالسّنة الأنبياء و الرّسل و الكتب المنزلة، و الفروع العقائد من العبادات البدنية و الواجبات العملية، و الثانية شاملة للعقود التي يتعاقدونها بينهم من البيع و الصّلح و الاجارة و نحوها، و للعهود و العدات المجرّدة عن العقد.

و ثمرة الوفاء بالاولى الترقّى الى مدارج الكمال و اليقين و الطيران في حظيرة القدس مع الأولياء المقرّبين، و ثمرة الوفاء بالفروع البدنيّة النجاة من الجحيم و الخلاص من العذاب الأليم، و نتيجة الوفاء بالعقود المعقودة استكمال النّظام و حصول الانتظام، و بالعهود المجرّدة اقتاء الفضايل و اجتناب الرّذايل.

و الظاهر من كلامه عليه السّلام الذي نحن في شرحه هو أنّ مراده بالوفاء هو وفاء الناس بما يتعاهدون بينهم، و بالغدر الغدر المقابل له، و غير خفيّ أنّ حسن الوفاء و وجوبه إنما هو في حقّ أهل الوفاء كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السّلام في بعض كلماته: الوفاء لأهل الغدر غدر عند اللّه، و الغدر بأهل الغدر وفاء عند اللّه.

يعني أنّه إذا كان بينهما عهد و مشارطة فغدر أحدهما و خالف شرطه فيجوز للآخر نقض العهد أيضا، و لا يجب له الوفاء بل يكون وفائه في حقّه غدرا قبيحا،و غدره وفاء متّصفا بالحسن، و ذلك لأنّ اللّه سبحانه قد أمر بالوفاء مع وفاء الطرف الآخر و بالنقض مع نقضه كما اشير اليه في قوله: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ فيكون الوفاء مع مخالفة الطرف الآخر مخالفا لأمر اللّه و لحكمه الذي كان يجب عليه امتثاله و الالتزام به، فيكون ذلك الوفاء غدرا في حكم اللّه و يترّتب عليه أثره، و الغدر له امتثالا لأمر اللّه و وفاء بحكم اللّه فيستحقّ الثناء الجميل و الأجر الجزيل، و يحتمل أن يكون المراد أنّه يترّتب على الموفى إثم الغادر و على الغادر أجر الموفي، و اللّه العالم.

الترجمة

از جمله خطب آن حضرتست در مدح وفا و ذمّ غدر مى ‏فرمايد: بدرستى كه وفا نمودن بعهد همزاد راستى و درستى است، و نمى‏ دانم هيچ سپرى كه نگاه دارنده‏ تر باشد از اين خصلت، و غدر نمى ‏كند كسى كه داند كه چگونه است بازگشت بخدا، و بتحقيق كه صباح كرده ‏ايم در زمانى كه أخذ نموده ‏اند بيشترين أهل آن زمان بى وفائى را كياست و زيركى، و نسبت داده أهل جهالت جماعت غدار را در آن روزگار به نيكوئى حيلت و فراست، چيست اين جماعت را خدا دور گرداند ايشان را از رحمت خود در هر دو جهان بدرستى كه مى ‏بيند مردى كه صاحب بصيرتست در تحويل امور و تقليب آنها و در استنباط وجوه مصالح ظاهر حيله را و حال آنكه نزد آن حيله مانعى است از امر خدا و نهى او، پس ترك مى كند آن حيله را در حال ديدن آن بچشم بعد از قدرت او بر آن بجهت خوف از عقاب خداوند، و غنيمت مى‏ شمارد مجال آن را كسى كه صاحب پرهيز از گناه نيست در دين.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»