نامه 78 شرح ابن میثم بحرانی

و من كتاب له عليه السّلام لما استخلف، إلى أمراء الأجناد

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ- أَنَّهُمْ مَنَعُوا النَّاسَ الْحَقَّ فَاشْتَرَوْهُ- وَ أَخَذُوهُمْ بِالْبَاطِلِ فَاقْتَدَوْهُ

المعنى

أقول: نفّرهم عن منع الحقّ أهله، و معاملتهم الناس بالباطل، يذكّر أنّ ذلك هو سبب هلاك من كان قبلهم من أمثالهم. و قوله: فاشتروه. أى فباعوه و تعوّضوا عنه بالباطل لمّا منعوا منه كقوله تعالى وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ«» و كذلك قوله: و أخذوهم بالباطل: أى جعلوا تصرّفاتهم معهم بالباطل فاقتدوه: أي اقتدوا الباطل و سلكوا فيه مسلك من أخذهم به كقوله تعالى فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ«» و باللّه التوفيق. تمّ باب الكتب و الوصايا و العهود و الحمد للّه حقّ حمده.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحه‏ى 237

نامه 77 شرح ابن میثم بحرانی

و من كتاب له عليه السّلام إلى أبى موسى الأشعرى جوابا فى أمر الحكمين
ذكره سعيد بن يحيى الأموى فى كتاب المغازى

فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ حَظِّهِمْ- فَمَالُوا مَعَ الدُّنْيَا وَ نَطَقُوا بِالْهَوَى- وَ إِنِّي نَزَلْتُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْزِلًا مُعْجِباً- اجْتَمَعَ بِهِ أَقْوَامٌ أَعْجَبَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ- وَ أَنَا أُدَاوِي مِنْهُمْ قَرْحاً أَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَلَقاً- وَ لَيْسَ رَجُلٌ فَاعْلَمْ أَحْرَصَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص- وَ أُلْفَتِهَا مِنِّي- أَبْتَغِي بِذَلِكَ حُسْنَ الثَّوَابِ وَ كَرَمَ الْمَآبِ- وَ سَأَفِي بِالَّذِي وَأَيْتُ عَلَى نَفْسِي- وَ إِنْ تَغَيَّرْتَ عَنْ صَالِحِ مَا فَارَقْتَنِي عَلَيْهِ- فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ نَفْعَ مَا أُوتِيَ مِنَ الْعَقْلِ وَ التَّجْرِبَةِ- وَ إِنِّي لَأَعْبَدُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ بِبَاطِلٍ- وَ أَنْ أُفْسِدَ أَمْراً قَدْ أَصْلَحَهُ اللَّهُ- فَدَعْ مَا لَا تَعْرِفُ- فَإِنَّ شِرَارَ النَّاسِ طَائِرُونَ إِلَيْكَ بِأَقَاوِيلِ السُّوءِ

اللغة
أقول: العلق: الدم الغليظ. و أيت: وعدت. و أعبد: استنكف و أغضب.

المعنى
و قوله: فإنّ الناس. إلى قوله: حظّهم. أى الحظّ الّذي ينبغي لهم من الدين و الهدى. و قوله: فمالوا. إلى قوله: الهوى.

 

بيان لأنواع تغيّرهم. و قوله: و إنّي نزلت من هذا الأمر. أي أمر الخلافة منزلا معجبا و هو الحال الّتي انتهى إليها مع الصحابة و صارت محل التعجّب منها و كيف صار محكوما لهم في قبول الحكومة و الرضى بالصلح و غيره. و قوله: اجتمع به أقوام. صفة منزل: أي أنّ هذا المنزل الّذى أنا فيه من هذا الأمر قد اجتمع معى و شاركني في رأيي فيه أقوام أعجبتهم أنفسهم و آرائهم فأفسدوا علىّ الأمر فأنا اداوى منهم قرحا، و استعار لفظ القرح لما أفسد من حاله باجتماعهم على التحكيم. و لفظ المداواة لاجتهاده في إصلاحهم، و روى: ادارى. و كذلك استعار لفظ العلق لما يخاف من تفاقم أمرهم من حاله. و قوله: و ليس رجل أحرص منه على الفة جماعة محمّد صلّى اللّه عليه و آله للغرض المذكور.

و قوله: فاعلم. اعتراض حسن بين ليس و خبرها و رجل يفيد العموم و إن كان مفردا نكرة لكونه في سياق النفى على ما بيّن في اصول الفقه. ثمّ أخبر أنّه سيفي بما وعد على نفسه من شرط الصلح على ما وقع عليه، و توعّده بلزوم الشقاوة إن تغيّر عن صالح ما فارقه عليه من وجوب الحكم بكتاب اللّه و عدم اتّباع الهوى و الاغترار بمقارنة الأشرار. و فسّر الشقيّ بمن حرم نفع ما اوتى من العقل و التجربة مشيرا بذلك إلى أنّه إن خدع أو تغيّر بأمر آخر فقد حرم نفع عقله و سابقة تجربته فلزمته الشقاوة. ثمّ نبّهه على أنّه يأنف من قول الباطل، و أن يفسد أمرا أصلحه اللّه به و هو أمر الدين ليحترز من غضبه بلزوم الحقّ و الصدق و حفظ جانب اللّه في حقّه، و أكّد ذلك بقوله: فدع ما لا تعرف: أى من الحكم في هذه القضيّة بالشبهة. و قوله: فإنّ شرار الناس. إلى آخره.

أراد عمرو بن العاص و نحوه فيما كان يسرع بإلقائه إليه من الوساوس و الشبه الكاذبة الّتي هي أقاويل السوء.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحه‏ى 236

نامه 76 شرح ابن میثم بحرانی

و من وصيّة له عليه السّلام لعبد اللّه بن العباس، لما بعثه للاحتجاج إلى الخوارج

لَا تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ- فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ- تَقُولُ وَ يَقُولُونَ… وَ لَكِنْ حَاجِجْهُمْ بِالسُّنَّةِ- فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصاً

اللغة

أقول: المحيص: المعدل.

المعنى

و قد نهاه أن يحاجّهم بالقرآن. و نبّهه على ذلك بضمير صغراه قوله: فإنّ القرآن. إلى قوله: و يقولون: أى إنّ الآيات الّتي يمكنه الاحتجاج بها غير ناصّة في المطلوب بل لها ظاهر و تأويلات محتملة يمكنهم أن يتعلّقوا بها عند المجادلة.
و تقدير الكبرى: و كلّ ما كان كذلك فلا يتمّ الغرض به في مخاصمتهم. ثمّ أمره أن يحاجّهم بالسنّة. و نبّه على ذلك بضمير صغراه قوله: فإنّهم لا يجدون عنها معدلا لكونها ناصّة في المطلوب كقوله صلّى اللّه عليه و آله: حربك يا علىّ حربي. و نحوه. و تقدير الكبرى:

و كلّ ما لم يجدوا عنه معدلا فالأولى محاجّتهم به. و قد أشرنا من قبل إلى مجادلة ابن عبّاس.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحه‏ى 235

نامه 75 شرح ابن میثم بحرانی

و من كتاب له عليه السّلام لعبد اللّه بن العباس، عند استخلافه إياه على البصرة

سَعِ النَّاسَ بِوَجْهِكَ وَ مَجْلِسِكَ وَ حُكْمِكَ- وَ إِيَّاكَ وَ الْغَضَبَ فَإِنَّهُ طَيْرَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ- وَ اعْلَمْ أَنَّ مَا قَرَّبَكَ مِنَ اللَّهِ يُبَاعِدُكَ مِنَ النَّارِ- وَ مَا بَاعَدَكَ مِنَ اللَّهِ يُقَرِّبُكَ مِنَ النَّارِ

اللغة

أقول: الطيرة: فعلة من الطيران، و يستعمل في الخفّة و ما لاثبات له. و روي: طيرة من التطيّر و هو التشأم.

و قد أمره بفضائل من الأخلاق:
أحدها: أن يسع الناس بوجهه.
و كنّى بذلك عن البشر و الطلاقة، و بمجلسه. و هو كناية عن التواضع، و بحكمه. و كنّى به عن العدل لأنّ الحكم‏ العدل يسع كلّ أحد، و الجور ضيّق لا يحتمله الكلّ.

الثانية: حذّره من الغضب
و هو أمر بفضيلة الثبات و الحلم، و نفّره بقوله: فإنّه طيرة من الشيطان: أى خفّة ينشأ من الشيطان، أو أنّه ممّا يتشأم الناس بصاحبه و يكرهه. و نسبه إلى الشيطان لينفر عنه، و أراد الغضب المذموم. و هو صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّما كان كذلك فواجب أن يحذر. ثمّ رغّبه فيما يقرّبه من اللّه بما يستلزمه من كونه مباعدا له من النار، و نفّره عمّا يبعّده من اللّه بما يستلزمه من كونه مقرّبا له إلى النار. و هما صغريا ضميرين تقدير كبرى الأوّل منهما: و كلّ ما باعدك من النار فواجب أخذه، و تقدير كبرى الثاني: و كلّ ما يقرّبك من النار فواجب أن يحذره. و باللّه التوفيق.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحه‏ى 234

نامه 74 شرح ابن میثم بحرانی

و من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية فى أول ما بويع له ذكره الواقدى فى كتاب الجمل

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ- إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتَ إِعْذَارِي فِيكُمْ- وَ إِعْرَاضِي عَنْكُمْ- حَتَّى كَانَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَ لَا دَفْعَ لَهُ- وَ الْحَدِيثُ طَوِيلٌ وَ الْكَلَامُ كَثِيرٌ- وَ قَدْ أَدْبَرَ مَا أَدْبَرَ- وَ أَقْبَلَ مَا أَقْبَلَ- فَبَايِعْ مَنْ قِبَلَكَ- وَ أَقْبِلْ إِلَيَّ فِي وَفْدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ

اللغة
أقول: الوفد: الواردون على الملك.

المعنى

و أعلمه أوّلا إعذاره فيهم إلى اللّه: أى إظهار عذره و ذلك باجتهاده في نصيحة عثمان أوّلا، و نصرة بني اميّة بالذبّ عنه ثانيا، و إعراضه عنهم بعد إياسه من قبول عثمان لنصيحته و عجزه عن نصرته و الدفع عنه حتّى كان ما لابدّ منه و لا دفع له من قبله. ثمّ قال: و الحديث طويل و الكلام كثير: أى في أمره و من قبله.

و قوله: و قد أدبر. إلى قوله: أقبل. يحتمل أن يكون إخبارا له بأنّ بعض الناس أدبر عنه كطلحة و الزبير و من تابعهما و بعضهم أقبل عليه، و يحتمل أن يكون إنشاء أى قد دخل في الإدبار من أدبر عنّى و دخل في الإقبال من أقبل علىّ. ثمّ أمره أن يبايع له من قبله من الجماعة و تقبل إليه، و يحتمل أن يكون الضمير في قوله: فيكم و عنكم خطابا لمعاوية و ساير المسلمين على سبيل التعتّب و التشكّي: أى قد علمت أنّي أعذرت فيكم حيث لم اعاجل مسيئكم بالعقوبة و أعرضت عنكم حتّى كان ما كان من خروج طلحة و الزبير و من تابعهم ممّا لابدّ من وقوعه منهم و لا دفع له. و الحديث في شأنهم طويل، و الكلام في شبهتهم كثير، و قد أدبر من أدبر: أى هؤلاء الخارجون، و أقبل من أقبل. و تمام الكلام بحاله. و اللّه أعلم.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحه‏ى 233

نامه 73 شرح ابن میثم بحرانی

و من حلف له عليه السّلام كتبه بين ربيعة و اليمن، و نقل من خط هشام ابن الكلبى

هَذَا مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْيَمَنِ- حَاضِرُهَا وَ بَادِيهَا- وَ رَبِيعَةُ حَاضِرُهَا وَ بَادِيهَا- أَنَّهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ يَدْعُونَ إِلَيْهِ- وَ يَأْمُرُونَ بِهِ وَ يُجِيبُونَ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ وَ أَمَرَ بِهِ- لَا يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً- وَ لَا يَرْضَوْنَ بِهِ بَدَلًا- وَ أَنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَ تَرَكَهُ- أَنْصَارٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ- دَعْوَتُهُمْ وَاحِدَةٌ- لَا يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ لِمَعْتَبَةِ عَاتِبٍ- وَ لَا لِغَضَبِ غَاضِبٍ- وَ لَا لِاسْتِذْلَالِ قَوْمٍ قَوْماً- وَ لَا لِمَسَبَّةِ قَوْمٍ قَوْماً- عَلَى ذَلِكَ شَاهِدُهُمْ وَ غَائِبُهُمْ- وَ سَفِيهُهُمْ وَ عَالِمُهُمْ وَ حَلِيمُهُمْ وَ جَاهِلُهُمْ- ثُمَّ إِنَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَهْدَ اللَّهِ وَ مِيثَاقَهُ- إِنَّ عَهْدَ اللَّهِ كَانَ مَسْئُولًا- وَ كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ

اللغة

أقول: الحلف: العهد.

و فيه نكت:
الأولى
قوله: هذا. مبتدأ و ما موصولة و هي صفة المبتدأ، و خبره أنّهم. و يجوز أن يكون هذا مبتدأ خبره ما اجتمع عليه، و يكون قوله: أنّهم. تفسيرا لهذا.
كأنّه قال: ما الّذي اجتمعوا عليه فقيل: على أنّهم على كتاب اللّه: أى اجتمعوا على ذلك، و خبر أنّهم على كتاب اللّه، و يدعون حال، و العامل متعلّق الجارّ. و حاضرها و باديها من أهل اليمن، و كذلك من ربيعة.

الثانية: كونهم لا يشترون به ثمنا
كناية عن لزومهم له و للعمل به.
الثالثة: قوله: و أنّهم يد واحدة
أى يتعاونون على من خالفه. فأطلق اسم اليد على المتعاون مجازا إطلاقا لاسم السبب على المسبّب، و أنصار خبر ثان لأنّ و بعضهم فاعله. و يجوز أن يكون بعضهم مبتدأ خبره أنصار.
الرابعة: قوله: و لا لاستذلال قوم قوما
أى لا ينقضون عهدهم لكون القبيلة الاخرى استذلّت قومهم أو سبّتهم. و روى لمشيئة قوم قوما: أى لإرادتهم. و في رواية- كتب عليّ بن أبو طالب- و هى المشهورة عنه عليه السّلام و وجهها أنّه جعل هذه الكنية علما بمنزلة لفظ واحدة لا يتغيّر إعرابها.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحه‏ى 231

 

نامه 72 شرح ابن میثم بحرانی

و من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي عَلَى التَّرَدُّدِ فِي جَوَابِكَ- وَ الِاسْتِمَاعِ إِلَى كِتَابِكَ- لَمُوَهِّنٌ رَأْيِي وَ مُخَطِّئٌ فِرَاسَتِي- وَ إِنَّكَ إِذْ تُحَاوِلُنِي الْأُمُورَ- وَ تُرَاجِعُنِي السُّطُورَ- كَالْمُسْتَثْقِلِ النَّائِمِ تَكْذِبُهُ أَحْلَامُهُ- وَ الْمُتَحَيِّرِ الْقَائِمِ يَبْهَظُهُ مَقَامُهُ- لَا يَدْرِي أَ لَهُ مَا يَأْتِي أَمْ عَلَيْهِ- وَ لَسْتَ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ بِكَ شَبِيهٌ- وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَوْ لَا بَعْضُ‏ الِاسْتِبْقَاءِ- لَوَصَلَتْ إِلَيْكَ مِنِّي قَوَارِعُ تَقْرَعُ الْعَظْمَ- وَ تَهْلِسُ اللَّحْمَ- وَ اعْلَمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ثَبَّطَكَ- عَنْ أَنْ تُرَاجِعَ أَحْسَنَ أُمُورِكَ- وَ تَأْذَنَ لِمَقَالِ نَصِيحَتِكَ

اللغة

أقول: موهّن: مضعّف. و بهظه: أثقله. و القوارع: الشدائد. و تهلس اللحم.

تذهب به، و تسحبه، و تقرب منه النهس. و ثبّطه عن كذا: شغله.

 

و مدار الفصل على منافرته و توبيخه.
فقوله: أمّا بعد. إلى قوله: فراستى: أى مضعّف رأيى و فراستي فيك لغلبة ظنّي أنّ مكاتبتك و جوابك لا فايدة فيه. ثمّ شبّهه في محاولته أمر الشام و ما يخدعه من جعل أمر الخلافة فيه بعده و مراجعته السطور أى الكتب في ذلك بالمستثقل في النوم، الغريق فيه، و انتصب السطور بحذف الجارّ إمّا في أو الباء، و أشار إلى وجه الشبه بقوله: تكذبه أحلامه. و أراد أنّ تخيّلاته و أمانيه في وصول هذا الأمر إليه تخيّلات كاذبة صادرة عن جهل غالب كالأحلام الكاذبة للمستغرق في نومه إذا استيقظ لم يجدها شيئا، و كذلك شبّهه بالمتحيّر القائم، و أشار إلى وجهه بقوله: يبهظه.
إلى قوله: عليه. و بيانه أنّ معاوية مجدّ في هذا الأمر متحيّر في تحصيله متهوّر في طلبه مع جهله بعاقبة سعيه هل هى خير أو شرّ كالقائم المتحيّر في الأمر يتعب بطول مقامه و لا يعرف غايته من قيامه. ثمّ لم يرض له بذلك التشبيه بل زاد مبالغة في غفلته و نومه في مرقد طبيعته و حيرته و قال: و لست به: أى و لست بهذا شبيها فيكون هو أصلا لك في الشبه غير أنّه بك شبيه: أى إنّك أصل له في ذلك الشبه. ثمّ أقسم لولا بعض الاستبقاء: أى للامور المصلحيّة لوصلت إليه منه قوارع. و أراد شدائد الحرب، و كنّى عن شدّتها بكونها تقرع العظم و تهلس اللحم. ثمّ أعلمه في معرض توبيخه أنّ الشيطان قد ثبّطه عن مراجعة أحسن اموره و هو الدخول في طاعته و ترك الفتنة و أن يأذن أى يصغى اذنه لمقال نصيحة. و هو جذب له إليهما بنسبة تركه لهما إلى تثبيط الشيطان. و باللّه التوفيق.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحه‏ى 230

 

نامه 71 شرح ابن میثم بحرانی

و من كتاب له عليه السّلام إلى عبد اللّه بن العباس

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ لَسْتَ بِسَابِقٍ أَجَلَكَ- وَ لَا مَرْزُوقٍ مَا لَيْسَ لَكَ- وَ اعْلَمْ بِأَنَّ الدَّهْرَ يَوْمَانِ- يَوْمٌ لَكَ وَ يَوْمٌ عَلَيْكَ- وَ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ دُوَلٍ- فَمَا كَانَ مِنْهَا لَكَ أَتَاكَ عَلَى ضَعْفِكَ- وَ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَيْكَ لَمْ تَدْفَعْهُ بِقُوَّتِكَ

أقول: الفصل موعظة. و نبّهه فيها على دقايق:
أحديها: أنّه لا يسبق أجله.
و لمّا كان الأجل هو الوقت الّذي علم اللّه أنّ‏ زيدا يموت فيه لم يمكن أن يموت زيد دونه لأنّ ذلك يستلزم انقلاب علم اللّه جهلا و أنّه محال.
الثانية: و لا مرزوق ما ليس له
أى ما علم اللّه أنّه ليس رزقا له فمحال أن يرزق إيّاه لما بيّناه.
الثالثة: أعلمه أنّ الدهر يومان:
يوم له و هو اليوم الّذى فيه المنافع كاللذّة و كمالاتها، و يوم عليه و هو ما يكون عليه فيه المضرّة كالألم و ما يستلزمه و ذلك معنى كون الدنيا دار دول كما قال تعالى وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ«».
الرابعة: أعلمه بأنّ ما كان له من خير الدنيا أتاه على ضعفه
و إن كان أمرا كبيرا لعلم اللّه سبحانه بأنّه يصل إليه، و كذلك ما كان عليه من شرّها لم يتمكّن من دفعه و إن كان قويّا. و ذكر الضعف و القوّة ليعلم استناد الأمور و الأرزاق إلى مدبّر حكيم هو مفيضها و مبدء أسبابها و ناظم وجودها و مقسّم كمالاتها و معطى كلّ منها ما استعدّ له من خير أو شرّ. فقد يحصل الضعف للحيوان و يرزق رزقا واسعا و يكون ضعفه من الأسباب المعدّة لسعة رزقه، و بالعكس قد تحصل له القوّة فتكون من أسباب الحرمان. و اللّه من ورائهم محيط و هو الرزاق ذو القوّة المتين.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحه‏ى 229

نامه 70 شرح ابن میثم بحرانی

و من كتاب له عليه السّلام إلى المنذر بن الجارود العبدى، و قد خان في بعض ما ولاه من أعماله

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلَاحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ- وَ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ- وَ تَسْلُكُ سَبِيلَهُ- فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لَا تَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَاداً- وَ لَا تُبْقِي لِآخِرَتِكَ عَتَاداً- تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ آخِرَتِكَ- وَ تَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ- وَ لَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً- لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَ شِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ- وَ مَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ- أَوْ يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ أَوْ يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ- أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَةٍ أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ- فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ قال الرضى: و المنذر هذا هو الذى قال فيه أمير المؤمنين عليه السّلام: إنه لنظار فى عطفيه، مختال فى برديه، تفال فى شراكيه.

اللغة

أقول: العتاد: العدّة. و الشسع: سير بين الإصبعين في النعل العربي.

و مدار الفصل على توبيخه بسبب خيانته.
فذكر سبب غروره و هو قياسه في الصلاح على أبيه الجارود العبدي في أنّه يتبع ما كان عليه من الهدى. ثمّ ذكر ما رقّى إليه عنه من الفارق من أربعة أوجه:

أحدها: انقياده لهواه في كلّ ما يقوده إليه.

الثاني: إعراضه عمّا يعتدّ به لآخرته من صالح الأعمال.

الثالث: كونه يعمر دنياه بما يستلزم خراب آخرته من تناول الحرام.

الرابع: كونه يصل عشيرته بما يقطع دينه من ذلك. و راعى السجع في القرينتين. ثمّ أخذ في توبيخه و الحكم بنقصانه و حقارته إن حقّ ما نسب إليه ذلك بتفضيل جمل أهله و شسع نعله عليه. و جمل الأهل ممّا يتمثّل به في الهوان. و أصله فيما قيل: أنّ الجمل يكون لأب القبيلة فيصير ميراثا لهم يسوقه كلّ منهم و يصرفه في حاجته فهو ذليل حقير بينهم. ثمّ حكم في معرض توبيخه على من كان بصفته أنّه لا يصلح لولاية عمل يراد له الوالي. و راعى في القرائن الأربع السجع المتوازي. فالقدر بإزاء الأمر و الخيانة بإزاء الأمانة. و إنّما قال: أو يشرك في أمانة. لأنّ الخلفاء امناء اللّه في بلاده فمن ولّوه من قبلهم فقد أشركوه في أمانتهم. و قوله: أو يؤمن على خيانة. أي حال خيانتك. لأنّ كلمة على تفيد الحال. ثمّ بعد توبيخه استقدمه عليه عزلا له. و الّذي حكاه السيّد- رحمه اللّه- من وصف أمير المؤمنين عليه السّلام له فكناية عن تكبّره. و التفل في الشراك: نفخ الغبار عنه. و الحكاية مناسبة للكتاب لاشتمالها على الذمّ. و باللّه التوفيق.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحه‏ى 228