خطبه 243 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(يذكر فيها آل محمد ص)

243 و من خطبة له ع يذكر فيها آل محمد ص

هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَ مَوْتُ الْجَهْلِ- يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وَ ظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ- وَ صَمْتُهُمْ عَنْ حُكْمِ مَنْطِقِهِمْ- لَا يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ- وَ هُمْ دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ وَ وَلَائِجُ الِاعْتِصَامِ- بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ وَ انْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مَقَامِهِ- وَ انْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ- عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَةٍ وَ رِعَايَةٍ- لَا عَقْلَ سَمَاعٍ وَ رِوَايَةٍ- فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ وَ رُعَاتَهُ قَلِيلٌ يقول بهم يحيا العلم و يموت الجهل- فسماهم حياة ذاك و موت هذا نظرا إلى السببية- يدلكم حلمهم و صفحهم عن الذنوب على علمهم و فضائلهم- و يدلكم ما ظهر منهم من الأفعال الحسنة على ما بطن من إخلاصهم- و يدلكم صمتهم و سكوتهم عما لا يعنيهم- عن حكمة منطقهم- و يروى و يدلكم صمتهم على منطقهم- و ليس في هذه الرواية لفظة حكم- .

لا يخالفون الحق لا يعدلون عنه- و لا يختلفون فيه كما يختلف غيرهم من الفرق و أرباب المذاهب- فمنهم من له في المسألة قولان و أكثر- و منهم من يقول قولا ثم يرجع عنه و منهم من يرى في أصول الدين رأيا ثم ينفيه و يتركه- .

و دعائم الإسلام أركانه- . و الولائج جمع وليجة- و هي الموضع يدخل إليه و يستتر فيه و يعتصم به- . و عاد الحق إلى نصابه رجع إلى مستقره و موضعه- و انزاح الباطل زال و انقطع لسانه انقطع حجته- . عقلوا الدين عقل رعاية- أي عرفوا الدين و علموه- معرفة من وعى الشي‏ء و فهمه و أتقنه- و وعاية أي وعوا الدين و حفظوه و حاطوه- ليس كما يعقله غيرهم عن سماع و رواية- فإن من يروي العلم و يسنده إلى الرجال- و يأخذه من أفواه الناس كثير- و من يحفظ العلم حفظ فهم و إدراك- أصالة لا تقليدا قليل تم الجزء الثالث عشر- من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد- 

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 13

خطبه 242 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(في شأن الحكمين و ذم أهل الشام)

242 و من خطبة له ع في شأن الحكمين و ذم أهل الشام

جُفَاةٌ طَغَامٌ عَبِيدٌ أَقْزَامٌ- جُمِعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ وَ تُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ شَوْبٍ- مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَقَّهَ وَ يُؤَدَّبَ- وَ يُعَلَّمَ وَ يُدَرَّبَ وَ يُوَلَّى عَلَيْهِ- وَ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ- لَيْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ- وَ لَا مِنَ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَ الْإِيمَانَ- أَلَا وَ إِنَّ الْقَوْمَ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ- أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا يُحِبُّونَ- وَ إِنَّكُمُ اخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ- أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تَكْرَهُونَ- وَ إِنَّمَا عَهْدُكُمْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ بِالْأَمْسِ يَقُولُ- إِنَّهَا فِتْنَةٌ فَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ وَ شِيمُوا سُيُوفَكُمْ- فَإِنْ كَانَ صَادِقاً فَقَدْ أَخْطَأَ بِمَسِيرِهِ غَيْرَ مُسْتَكْرَهٍ- وَ إِنْ كَانَ كَاذِباً فَقَدْ لَزِمَتْهُ التُّهْمَةُ- فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ- وَ خُذُوا مَهَلَ الْأَيَّامِ وَ حُوطُوا قَوَاصِيَ الْإِسْلَامِ- أَ لَا تَرَوْنَ إِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزَى وَ إِلَى صَفَاتِكُمْ تُرْمَى جفاة جمع جاف أي هم أعراب أجلاف- و الطغام أوغاد الناس الواحد و الجمع فيه سواء- . و يقال للأشرار و اللئام عبيد و إن كانوا أحرارا- .
و الأقزام بالزاي رذال الناس و سفلتهم- و المسموع قزم الذكر و الأنثى و الواحد و الجمع فيه سواء- لأنه في معنى المصدر قال الشاعر-

و هم إذا الخيل جالوا في كتائبها
فوارس الخيل لا ميل و لا قزم‏

 و لكنه ع قال أقزام- ليوازن بها قوله طغام- و قد روي قزام و هي رواية جيدة- و قد نطقت العرب بهذه اللفظة و قال الشاعر-

أحصنوا أمهم من عبدهم
تلك أفعال القزام الوكعه‏

 و جمعوا من كل أوب أي من كل ناحية- . و تلقطوا من كل شوب أي من فرق مختلطة- . ثم وصف جهلهم و بعدهم عن العلم و الدين- فقال ممن ينبغي أن يفقه و يؤدب- أي يعلم الفقه و الأدب- و يدرب أي يعود اعتماد الأفعال الحسنة- و الأخلاق الجميلة- . و يولى عليه أي لا يستحقون أن يولوا أمرا- بل ينبغي أن يحجر عليهم- كما يحجر على الصبي و السفيه لعدم رشده-

و روي و يولى عليه بالتخفيف- و يؤخذ على يديه أي يمنع من التصرف- . قوله ع- و لا الذين تبوءوا الدار و الإيمان- ظاهر اللفظ يشعر بأن الأقسام ثلاثة و ليست إلا اثنين- لأن الذين تبوءوا الدار و الإيمان الأنصار- و لكنه ع كرر ذكرهم تأكيدا- و أيضا فإن لفظة الأنصار- واقعة على كل من كان من الأوس و الخزرج- الذين أسلموا على عهد رسول الله ص- و الذين تبوءوا الدارو الإيمان في الآية- قوم مخصوصون منهم- و هم أهل الإخلاص و الإيمان التام- فصار ذكر الخاص بعد العام- كذكره تعالى جبريل و ميكائيل- ثم قال وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ و هما من الملائكة- و معنى قوله تبوءوا الدار و الإيمان سكنوهما- و إن كان الإيمان لا يسكن كما تسكن المنازل- لكنهم لما ثبتوا عليه و اطمأنوا- سماه منزلا لهم و متبوأ- و يجوز أن يكون مثل قوله-

و رأيت زوجك في الوغى
متقلدا سيفا و رمحا

 ثم ذكر ع أن أهل الشام- اختاروا لأنفسهم أقرب القوم مما يحبونه- و هو عمرو بن العاص- و كرر لفظة القوم و كان الأصل أن يقول- ألا و إن القوم اختاروا لأنفسهم أقربهم مما يحبون- فأخرجه مخرج قول الله تعالى- وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- و الذي يحبه أهل الشام- هو الانتصار على أهل العراق و الظفر بهم- و كان عمرو بن العاص أقربهم إلى بلوغ ذلك- و الوصول إليه بمكره و حيلته و خدائعه- و القوم في قوله ثانيا أقرب القوم بمعنى الناس- كأنه قال و اخترتم لأنفسكم أقرب الناس- مما تكرهونه و هو أبو موسى الأشعري- و اسمه عبد الله بن قيس- و الذي يكرهه أهل العراق هو ما يحبه أهل الشام- و هو خذلان عسكر العراق و انكسارهم- و استيلاء أهل الشام عليهم- و كان أبو موسى أقرب الناس إلى وقوع ذلك- و هكذا وقع لبلهه و غفلته و فساد رأيه- و بغضه عليا ع من قبل- .

ثم قال أنتم بالأمس يعني في واقعة الجمل- قد سمعتم أبا موسى ينهى أهل الكوفة عن نصرتي- و يقول لهم هذه هي الفتنة التي وعدنا بها- فقطعوا أوتار قسيكم- و شيموا سيوفكم أي أغمدوها- فإن كان صادقا فما باله سار إلي- و صار معي في الصف و حضر حرب صفين- و كثر سواد أهل العراق- و إن لم يحارب و لم يسل السيف- فإن من حضر في إحدى الجهتين-

و إن لم يحارب كمن حارب- و إن كان كاذبا فيما رواه من خبر الفتنة- فقد لزمته التهمة و قبح الاختلاف إليه في الحكومة- و هذا يؤكد صحة إحدى الروايتين في أمر أبي موسى- فإنه قد اختلفت الرواية- هل حضر حرب صفين مع أهل العراق أم لا- فمن قال حضر قال حضر و لم يحارب- و ما طلبه اليمانيون من أصحاب علي ع- ليجعلوه حكما كالأشعث بن قيس و غيره- إلا و هو حاضر معهم في الصف- و لم يكن منهم على مسافة- و لو كان على مسافة لما طلبوه- و لكان لهم فيمن حضر غناء عنه- و لو كان على مسافة لما وافق علي ع على تحكيمه- و لا كان علي ع ممن يحكم من لم يحضر معه- . و قال الأكثرون إنه كان معتزلا للحرب- بعيدا عن أهل العراق و أهل الشام- .

فإن قلت فلم لا يحمل قوله ع- فإن كان صادقا فقد أخطأ بسيره غير مستكره- على مسيره إلى أمير المؤمنين ع- و أهل العراق حيث طلبوه ليفوضوا إليه أمر الحكومة- قلت لو حملنا كلامه ع على هذا- لم يكن لازما لأبي موسى و كان الجواب عنه هينا- و ذلك لأن أبا موسى يقول- إنما أنكرت الحرب و ما سرت لأحارب- و لا لأشهد الحرب و لا أغري بالحرب- و إنما سرت للإصلاح بين الناس و إطفاء نائرة الفتنة- فليس يناقض ذلك ما رويته عن الرسول من خبر الفتنة- و لا ما قلته في الكوفة في واقعة الجمل- قطعوا أوتار قسيكم- .

قوله ع- فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن العباس- يقال لمن يرام كفه عن أمر يتطاول له ادفع في صدره- و ذلك لأن من يقدم على أمر ببدنه- فيدفع دافع في صدره حقيقة- فإنه يرده أو يكاد فنقل ذلك إلى الدفع المعنوي- . قوله ع و خذوا مهل الأيام- أي اغتنموا سعة الوقت- و خذوه مناهبة قبل أن يضيق بكم أو يفوت- . قوله ع و حوطوا قواصي الإسلام- ما بعد من الأطراف و النواحي- . ثم قال لهم أ لا ترون إلى بلادكم تغزى- هذا يدل على أن هذه الخطبة- بعد انقضاء أمر التحكيم- لأن معاوية بعد أن تم على أبي موسى من الخديعة ما تم- استعجل أمره- و بعث السرايا إلى أعمال أمير المؤمنين علي ع- . و تقول قد رمى فلان صفاة فلان- إذا دهاه بداهية قال الشاعر-

و الدهر يوتر قوسه
يرمي صفاتك بالمعابل‏

و أصل ذلك الصخرة الملساء- لا يؤثر فيها السهام و لا يرميها الرامي- إلا بعد أن نبل غيرها- يقول قد بلغت غارات أهل الشام حدود الكوفة- التي هي دار الملك و سرير الخلافة- و ذلك لا يكون إلا بعد الإثخان في غيرها من الأطراف

فصل في نسب أبي موسى و الرأي فيه عند المعتزلة

و نحن نذكر نسب أبي موسى و شيئا من سيرته و حاله- نقلا من كتاب الإستيعاب لابن عبد البر المحدث- و نتبع ذلك بما نقلناه من غير الكتاب المذكور- قال ابن عبد البر هو عبد الله بن قيس بن سليم- بن حضارة بن حرب بن عامر بن عنز بن بكر- بن عامربن عذر بن وائل بن ناجية- بن الجماهر بن الأشعر و هو نبت بن أدد- بن زيد بن يشجب بن عريب بن كهلان- بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان- و أمه امرأة من عك أسلمت و ماتت بالمدينة- و اختلف في أنه هل هو من مهاجرة الحبشة أم لا- و الصحيح أنه ليس منهم- و لكنه أسلم ثم رجع إلى بلاد قومه- فلم يزل بها حتى قدم هو و ناس من الأشعريين- على رسول الله ص- فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين- جعفر بن أبي طالب و أصحابه من أرض الحبشة- فوافوا رسول الله ص بخيبر- فظن قوم أن أبا موسى قدم من الحبشة مع جعفر- .

و قيل إنه لم يهاجر إلى الحبشة- و إنما أقبل في سفينة مع قوم من الأشعريين- فرمت الريح سفينتهم إلى أرض الحبشة- و خرجوا منها مع جعفر و أصحابه فكان قدومهم معا- فظن قوم أنه كان من مهاجرة الحبشة- . قال و ولاه رسول الله ص من مخاليف اليمن زبيد- و ولاه عمر البصرة لما عزل المغيرة عنها- فلم يزل عليها إلى صدر من خلافة عثمان فعزله عثمان عنها- و ولاها عبد الله بن عامر بن كريز- فنزل أبو موسى الكوفة حينئذ و سكنها- فلما كره أهل الكوفة سعيد بن العاص و دفعوه عنها- ولوا أبا موسى و كتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه- فأقره على الكوفة- فلما قتل عثمان عزله علي ع عنها- فلم يزل واجدا لذلك على علي ع- حتى جاء منه ما قال حذيفة فيه- فقد روى حذيفة فيه كلاما كرهت ذكره و الله يغفر له- .

قلت الكلام الذي أشار إليه أبو عمر بن عبد البر- و لم يذكره قوله فيه و قد ذكر عنده بالدين- أما أنتم فتقولون ذلك و أما أنا فأشهد أنه عدو لله و لرسوله- و حرب لهما في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد- يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم- و لهم اللعنة و لهم‏سوء الدار- و كان حذيفة عارفا بالمنافقين- أسر إليه رسول الله ص أمرهم و أعلمه أسماءهم- . و روي أن عمارا سئل عن أبي موسى فقال- لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما- سمعته يقول صاحب البرنس الأسود- ثم كلح كلوحا علمت منه أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط- .

و روي عن سويد بن غفلة قال- كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات في خلافة عثمان- فروى لي خبرا عن رسول الله ص- قال سمعته يقول إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم- حتى بعثوا حكمين ضالين ضلا و أضلا من اتبعهما- و لا ينفك أمر أمتي حتى يبعثوا حكمين- يضلان و يضلان من تبعهما فقلت له- احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما- قال فخلع قميصه و قال أبرأ إلى الله من ذلك- كما أبرأ من قميصي هذا- .

فأما ما تعتقده المعتزلة فيه- فأنا أذكر ما قاله أبو محمد بن متويه- في كتاب الكفاية قال رحمه الله- أما أبو موسى فإنه عظم جرمه بما فعله- و أدى ذلك إلى الضرر الذي لم يخف حاله- و كان علي ع يقنت عليه و على غيره- فيقول اللهم العن معاوية أولا و عمرا ثانيا- و أبا الأعور السلمي ثالثا و أبا موسى الأشعري رابعا روي عنه ع أنه كان يقول في أبي موسى- صبغ بالعلم صبغا و سلخ منه سلخا – .

قال و أبو موسى هو الذي روى عن النبي ص أنه قال كان في‏بني إسرائيل حكمان ضالان- و سيكون في أمتي حكمان ضالان ضال من اتبعهما – . و أنه قيل له أ لا يجوز أن تكون أحدهما- فقال لا أو كلاما ما هذا معناه- فلما بلي به قيل فيه البلاء موكل بالمنطق- و لم يثبت في توبته ما ثبت في توبة غيره- و إن كان الشيخ أبو علي قد ذكر في آخر كتاب الحكمين- أنه جاء إلى أمير المؤمنين ع في مرض الحسن بن علي- فقال له أ جئتنا عائدا أم شامتا- فقال بل عائدا و حدث بحديث في فضل العيادة- . قال ابن متويه و هذه أمارة ضعيفة في توبته- .

انتهى كلام ابن متويه- و ذكرته لك لتعلم أنه عند المعتزلة من أرباب الكبائر- و حكمه حكم أمثاله ممن واقع كبيرة و مات عليها- . قال أبو عمر بن عبد البر و اختلف في تاريخ موته- فقيل سنة اثنتين و أربعين و قيل سنة أربع و أربعين- و قيل سنة خمسين و قيل سنة اثنتين و خمسين- . و اختلف في قبره فقيل مات بمكة و دفن بها- و قيل مات بالكوفة و دفن بها

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 13

خطبه 241 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

241 و من خطبة له ع

فَاعْمَلُوا وَ أَنْتُمْ فِي نَفَسِ الْبَقَاءِ- وَ الصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ وَ التَّوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ- وَ الْمُدْبِرُ يُدْعَى وَ الْمُسِي‏ءُ يُرْجَى- قَبْلَ أَنْ يَخْمُدَ الْعَمَلُ وَ يَنْقَطِعَ الْمَهَلُ- وَ تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ وَ يُسَدَّ بَابُ التَّوْبَةِ- وَ تَصْعَدَ الْمَلَائِكَةُ- فَأَخَذَ امْرُؤٌ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَ أَخَذَ مِنْ حَيٍّ لِمَيِّتٍ- وَ مِنْ فَانٍ لِبَاقٍ وَ مِنْ ذَاهِبٍ لِدَائِمٍ- امْرُؤٌ خَافَ اللَّهَ- وَ هُوَ مُعَمَّرٌ إِلَى أَجَلِهِ وَ مَنْظُورٌ إِلَى عَمَلِهِ- امْرُؤٌ أَلْجَمَ نَفْسَهُ بِلِجَامِهَا وَ زَمَّهَا بِزِمَامِهَا- فَأَمْسَكَهَا بِلِجَامِهَا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ- وَ قَادَهَا بِزِمَامِهَا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ في نفس البقاء بفتح الفاء أي في سعته- تقول أنت في نفس من أمرك أي في سعة- .

و الصحف منشورة أي و أنتم بعد أحياء- لأنه لا تطوى صحيفة الإنسان إلا إذا مات- و التوبة مبسوطة لكم غير مقبوضة عنكم- و لا مردودة عليكم إن فعلتم- كما ترد على الإنسان توبته إذا احتضر- . و المدبر يدعى أي من يدبر منكم- و يولي عن الخير يدعى إليه- و ينادى يا فلان أقبل على ما يصلحك- .

و المسي‏ء يرجى أي يرجى عوده و إقلاعه- . قبل أن يجمد العمل استعارة مليحة- لأن الميت يجمد عمله و يقف- و يروى يخمد بالخاء من خمدت النار و الأول أحسن- . و ينقطع المهل أي العمر الذي أمهلتم فيه- . و تصعد الملائكة- لأن الإنسان عند موته تصعد حفظته إلى السماء- لأنه لم يبق لهم شغل في الأرض- .

قوله فأخذ امرؤ ماض يقوم مقام الأمر- و قد تقدم شرح ذلك- و المعنى أن من يصوم و يصلي- فإنما يأخذ بعض قوة نفسه مما يلقى من المشقة- لنفسه أي عدة و ذخيرة لنفسه يوم القيامة- و كذلك من يتصدق فإنه يأخذ من ماله- و هو جار مجرى نفسه لنفسه- .

و أخذ من حي لميت أي من حال الحياة لحال الموت- و لو قال من ميت لحي كان جيدا أيضا- لأن الحي في الدنيا ليس بحي على الحقيقة- و إنما الحياة حياة الآخرة كما قال الله تعالى- وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ- . و روي أمسكها بلجامها بغير فاء

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 13

خطبه 240 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

240 و من كلام له ع اقتص فيه ذكر ما كان منه- بعد هجرة النبي ص ثم لحاقه به

فَجَعَلْتُ أَتْبَعُ مَأْخَذَ رَسُولِ اللَّهِ ص- فَأَطَأُ ذِكْرَهُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْعَرْجِ- فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ قال الرضي رحمه الله تعالى- قوله ع فأطأ ذكره- من الكلام الذي رمي به إلى غايتي الإيجاز و الفصاحة- أراد أني كنت أغطي خبره ص- من بدء خروجي إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع- فكنى عن ذلك بهذه الكناية العجيبة العرج منزل بين مكة و المدينة- إليه ينسب العرجي الشاعر- و هو عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان- بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس- .

قال محمد بن إسحاق في كتاب المغازي- لم يعلم رسول الله ص أحدا من المسلمين- ما كان عزم عليه من الهجرة- إلا علي بن أبي طالب و أبا بكر بن أبي قحافة- أما علي فإن رسول الله ص أخبره بخروجه- و أمره أن يبيت على‏فراشه- يخادع المشركين عنه ليروا أنه لم يبرح فلا يطلبوه- حتى تبعد المسافة بينهم و بينه- و أن يتخلف بعده بمكة- حتى يؤدي عن رسول الله ص الودائع التي عنده للناس- و كان رسول الله ص استودعه رجال من مكة ودائع لهم- لما يعرفونه من أمانته و أما أبو بكر فخرج معه- .

و سألت النقيب أبا جعفر- يحيى بن أبي زيد الحسني رحمه الله- فقلت إذا كانت قريش قد محصت رأيها- و ألقى إليها إبليس كما روي ذلك الرأي- و هو أن يضربوه بأسياف- من أيدي جماعة من بطون مختلفة- ليضيع دمه في بطون قريش فلا تطلبه بنو عبد مناف- فلما ذا انتظروا به تلك الليلة الصبح- فإن الرواية جاءت بأنهم كانوا تسوروا الدار- فعاينوا فيها شخصا مسجى بالبرد الحضرمي الأخضر- فلم يشكوا أنه هو فرصدوه إلى أن أصبحوا فوجدوه عليا- و هذا طريف- لأنهم كانوا قد أجمعوا على قتله تلك الليلة- فما بالهم لم يقتلوا ذلك الشخص المسجى- و انتظارهم به النهار- دليل على أنهم لم يكونوا أرادوا قتله تلك الليلة-

فقال في الجواب- لقد كانوا هموا من النهار بقتله تلك الليلة- و كان إجماعهم على ذلك و عزمهم في حقنه من بني عبد مناف- لأن الذين محصوا هذا الرأي و اتفقوا عليه- النضر بن الحارث من بني عبد الدار- و أبو البختري بن هشام و حكيم بن حزام- و زمعة بن الأسود بن المطلب- هؤلاء الثلاثة من بني أسد بن عبد العزى- و أبو جهل بن هشام و أخوه الحارث- و خالد بن الوليد بن المغيرة- هؤلاء الثلاثة من بني مخزوم- و نبيه و منبه ابنا الحجاج- و عمرو بن العاص- هؤلاء الثلاثة من بني سهم- و أمية بن خلف و أخوه أبي بن خلف- هذان من بني جمح- فنما هذا الخبر من الليل- إلى عتبة بن ربيعة بن عبد شمس- فلقي منهم قوما فنهاهم عنه-

و قال إن بني عبد مناف لا تمسك عن دمه- و لكن صفدوه في الحديد- و احبسوه في دار من دوركم- و تربصوا به أن يصيبه من الموت ما أصاب أمثاله من الشعراء- و كان عتبة بن ربيعة سيد بني عبد شمس و رئيسهم- و هم من بني عبد مناف و بنو عم الرجل و رهطه- فأحجم أبو جهل و أصحابه تلك الليلة عن قتله إحجاما- ثم تسوروا عليه و هم يظنونه في الدار- فلما رأوا إنسانا مسجى بالبرد الأخضر الحضرمي- لم يشكوا أنه هو و ائتمروا في قتله- فكان أبو جهل يذمرهم عليه فيهمون ثم يحجمون-

ثم قال بعضهم لبعض ارموه بالحجارة فرموه- فجعل علي يتضور منها- و يتقلب و يتأوه تأوها خفيفا- فلم يزالوا كذلك في إقدام عليه و إحجام عنه- لما يريده الله تعالى من سلامته و نجاته- حتى أصبح و هو وقيذ من رمي الحجارة- و لو لم يخرج رسول الله ص إلى المدينة و أقام بينهم بمكة- و لم يقتلوه تلك الليلة لقتلوه في الليلة التي تليها- و إن شبت الحرب بينهم و بين عبد مناف- فإن أبا جهل لم يكن بالذي ليمسك عن قتله- و كان فاقد البصيرة شديد العزم على الولوغ في دمه- . قلت للنقيب أ فعلم رسول الله ص و علي ع- بما كان من نهي عتبة لهم قال لا- إنهما لم يعلما ذلك تلك الليلة و إنما عرفاه من بعد- و لقد قال رسول الله ص يوم بدر- لما رأى عتبة و ما كان منه- إن يكن في القوم خير ففي صاحب الجمل الأحمر- و لو قدرنا أن عليا ع- علم ما قال لهم عتبة لم يسقط ذلك فضيلته في المبيت- لأنه لم يكن على ثقة من أنهم يقبلون قول عتبة- بل كان ظن الهلاك و القتل أغلب- .

و أما حال علي ع فلما أدى الودائع- خرج بعد ثلاث من هجرة النبي‏ص- فجاء إلى المدينة راجلا قد تورمت قدماه- فصادف رسول الله ص- نازلا بقباء على كلثوم بن الهدم- فنزل معه في منزله- و كان أبو بكر نازلا بقباء أيضا في منزل حبيب بن يساف- ثم خرج رسول الله ص و هما معه من قباء- حتى نزل بالمدينة على أبي أيوب- خالد بن يزيد الأنصاري و ابتنى المسجد

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 13