نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 79 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 80 صبحی صالح

80- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) بعد فراغه من حرب الجمل في ذم النساء ببيان نقصهن‏

مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الْإِيمَانِ

نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ

نَوَاقِصُ الْعُقُولِ

فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ

وَ أَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ

وَ أَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ

فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ وَ كُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ

وَ لَا تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ

حَتَّى لَا يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَرِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من كلام له عليه السلام و هو التاسع و السبعون من المختار فى باب الخطب

بعد حرب الجمل فى ذم النساء معاشر النّاس إنّ النّساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول، فأمّا نقصان إيمانهنّ فقعودهنّ عن الصّلوة و الصّيام في أيّام حيضهنّ، و أمّا نقصان عقولهنّ فشهادة امرئتين كشهادة الرّجل الواحد و أمّا نقصان حظوظهنّ فمواريثهنّ على الإنصاف من مواريث الرّجال، فاتّقوا شرارهنّ و كونوا من خيارهنّ على حذر، و لا تطيعوهنّ في المعروف حتّى لا يطمعن في المنكر.

اللغة

(المعاشر) جمع المعشر و هى الجماعة من النّاس و (الانصاف) بفتح الهمزة و كسرها و قد يضمّ كما في القاموس جمع النّصف بتثليث النّون و هو أحد جزئى الشي‏ء.

الاعراب

الفاء في قوله فأمّا نقصان ايمانهنّ عاطفة قال الرّضيّ (ره) في مبحث فاء العطف و إن عطفت الفاء جملة على جملة أفادت كون مضمون الجملة التي بعدها عقيب مضمون التي قبلها بلا فصل، نحو قام زيد فقعد عمرو، و قد تفيد فاء العطف في الجمل كون المذكور بعدها كلاما مرتبا في الذّكر على ما قبلها لا أنّ مضمونه عقيب مضمون‏ ما قبلها في الزّمان كقوله تعالى: قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى و قوله وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ.

فانّ ذكر ذمّ الشّي‏ء أو مدحه يصحّ بعد جرى ذكره، قال و من هذا الباب عطف تفصيل المجمل على المجمل كقوله: وَ نادى‏ نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي.

و تقول: أجبته فقلت لبيّك انتهى، و كلام الامام عليه السّلام من هذا القبيل لأنّه بعد الاشارة إلى نقصان ايمانهنّ و عقولهنّ و حظوظهنّ اجمالا نبّه على تفصيل جهة النّقصان بقوله فأما نقصان ايمانهنّ اه، و نظيرها الفاء في قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ و في قوله إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا.

فافهم و الفاء في قوله: فقعود هنّ رابطة للجواب و في قوله فاتّقوا شرارهنّ فصيحة.

المعنى

اعلم أنّ الغرض من هذا الكلام التّعريض على عايشة و توبيخها و ذمّ من تبعها و ارشاد النّاس إلى ترك طاعة النّساء و الاتقاء منهنّ لكونهنّ ناقصات في أنفسهنّ و لا ينبغي للكامل إطاعة النّاقص و الايتمام به و وجوه النّقصان ثلاثة كما نبّه عليها بقوله (معاشر النّاس إنّ النساء نواقص الايمان نواقص الحظوظ نواقص العقول) و لمانبّه على نقصانهنّ بهذه الوجوه الثّلاثة أشار إلى علّة جهات النقص بقوله (فأمّا نقصان ايمانهنّ فقعودهنّ عن الصّلاة و الصّيام في أيام حيضهنّ) و قعودهنّ عنها و إن كان بأمر اللّه سبحانه إلّا أنّ سقوط التّكليف لنوع من النقص فيهنّ و سبب النقص هو حالة الاستقذار و الحدث المانعة من القرب المعنوى المشروط في العبادات و في كلامه دلالة على كون الأعمال اجزاء الايمان.

و يشهد به ما رواه في الكافي باسناده عن أبي الصّباح الكناني عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام: من شهد أن لا إله إلا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان مؤمنا قال: فأين فرايض اللّه قال: و سمعته يقول: لو كان الايمان كلاما لم ينزل فيه صوم و لا صلاة و لا حلال و لا حرام.

(و أما نقصان عقولهنّ فشهادة امرئتين كشهادة الرّجل الواحد) قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ.

روى في الوسائل عن تفسير العسكري عليه السّلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام في تفسير هذه الآية قال: عدلت امرئتان في الشهادة برجل واحد فاذا كان رجلان أو رجل و امرئتان أقاموا الشّهادة قضى بشهادتهم.

قال عليه السّلام و جاءت امرئة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت: ما بال الامرئتين برجل في الشهادة و في الميراث فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ ذلك قضاء من ملك عدل حكيم لا يجور و لا يحيف أيّتها المرأة لأنكنّ ناقصات الدّين و العقل إنّ احد اكنّ تقعد نصف دهرها لا تصلّي بحيضة، و أنكنّ تكثرن اللعن و تكفرن العشير تمكث إحدا كنّ عند الرّجل عشر سنين فصاعدا يحسن إليها و ينعم عليها فاذا ضاقت يده يوما أو ساعة خاصمته و قالت: ما رأيت منك خيرا قطّ.

و فيه عن محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ قال مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على نسوة فوقف عليهنّ ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا معاشر النساء ما رأيت نواقص عقول و دين‏أذهب بعقول ذوى الألباب منكنّ إنى رأيت أنكنّ أكثر أهل النّار عذابا فتقرّبن إلى اللّه ما استطعتنّ، فقالت امرأة منهنّ: يا رسول اللّه ما نقصان ديننا و عقولنا فقال: أما نقصان دينكنّ فالحيض الذي يصيبكنّ فتمكث إحداكنّ ما شاء اللّه لا تصلّي و لا تصوم، و أمّا نقصان عقولكنّ فشهادتكنّ إنّما شهادة المرأة نصف شهادة الرّجل.

و قال وهب بن منبه قد عاقب اللّه النساء بعشر خصال: بشدّة النّفاس و الحيض و جعل ميراث اثنتين ميراث رجل و شهادتهما شهادة واحد و جعلها ناقصة الدّين و العقل لا تصلّى أيّام حيضها و لا تسلم على النساء و ليس عليها جمعة و لا جماعة و لا يكون منها نبيّ و لا تسافر إلّا بوليّ هذا.

و قوله (و أما نقصان حظوظهنّ فمواريثهنّ على الانصاف من مواريث الرّجال) قد مرّ في ثالث تذنيبات الفصل الثّاني عشر من فصول الخطبة الاولى علّة زيادة حظّ الذّكر على الانثى في الميراث و نقول هنا مضافا إلى ما سبق: إنّه قد ذكر لها في بعض الأخبار علل و أسرار اخرى.

و هو ما في الوسائل عن ثقة الاسلام الكليني باسناده عن الأحول قال قال ابن أبى العوجا: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا و يأخذ الرّجل سهمين قال: فذكر ذلك بعض أصحابنا لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: إنّ المرأة ليس عليها جهاد و لا نفقة و لا معقلة و إنّما ذلك على الرّجال فلذلك جعل للمرأة سهما واحدا و للرّجل سهمين.

و فيه عن الصّدوق باسناده عن محمّد بن سنان أنّ الرّضا عليه السّلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: علّة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرّجال من الميراث لأنّ المرأة إذا تزوجّت اخذت و الرّجل يعطى فلذلك و فرّ على الرّجال، و علّة اخرى في اعطاء الذكر مثلى ما تعطى الانثي لأنّ الانثى في عيال الذكر إن احتاجت و عليه أن يعولها و عليه نفقتها، و ليس على المرأة أن تعول الرّجل و لا تؤخذ بنفقته إن احتاج‏ فوّفر على الرّجال لذلك و ذلك قول اللّه عزّ و جل: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ.

و عنه أيضا باسناده عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: لأيّ علّة صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين قال: لما جعله اللّه لها من الصّداق.

و باسناده عن عليّ بن سالم عن أبيه قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت له: كيف صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين فقال، لأنّ الحبات التي أكل آدم و حوّاء في الجنّة كانت ثمانية عشر حبّة أكل آدم منها اثنتى عشرة حبّة و أكلت حوّاء ستّا فلذلك صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين.

ثمّ إنّه عليه السّلام بعد التّنبيه على جهة النّقصان فى النساء أمر بقوله (فاتّقوا شرارهنّ) على التجنّب و الهرب من الشّرار، و بقوله (و كونوا من خيارهنّ على حذر) على الحذر من الخيار، قال البحراني: و يفهم من ذلك أنّه لا بدّ من مقاربتهنّ«» و كان الانسان إنما يختار مقاربة الخيرة منهنّ فينبغي أن يكون معها على تحرّز و تثبّت في سياستها و سياسة نفسه معها إذا لم تكن الخيرة منهنّ خيرة إلّا بالقياس إلى الشّريرة.

روى في الفقيه عن جابر بن عبد اللّه الانصارى قال: كنّا جلوسا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال فتذاكرنا النساء و فضل بعضهنّ على بعض فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ألا أخبركم بخير نسائكم قالوا: بلى يا رسول اللّه فأخبرنا، قال: إنّ من خير نسائكم الولود الودود السّتيرة العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها المتبرّجة مع زوجها الحصان مع غيره التي تسمع قوله و تطيع أمره و إذا خلا بها بذلت له ما أراد منها و لم تبذل له تبذّل الرّجل.

قال و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ألا اخبركم بشرّ نسائكم قالوا: بلى يا رسول اللّه فأخبرنا

قال: من شرّ نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها العقيم الحقود التي لا تتوّرع عن قبيح المتبرّجة إذا غاب عنها زوجها الحصان معه إذا حضر التي لا تسمع قوله و لا تطيع أمره فاذا خلابها تمنّعت تمنّع الصّعبة عند ركوبها و لا تقبل له عذرا و لا تغفر له ذنبا و رواه في الكافي عن جابر بن عبد اللّه نحوه في كتاب النكاح في باب خير النساء و شرار النساء، و روى فيه أخبارا اخرى في معنى الخير و الشرّ.

و قوله (و لا تطيعوهنّ في المعروف حتّى لا يطمعن في المنكر) من قبيل المثل السائر: لا تعط عبدك كراعا فيأخذ ذراعا قال العلّامة المجلسي: و ترك طاعتهنّ في المعروف إما بالعدول إلى فرد آخر منه أو فعله على وجه يظهر أنّه ليس لطاعتهنّ بل لكونه معروفا أو ترك بعض المستحبات و يكون الترك حينئذ مستحبّا كما ورد تركها في بعض الأحوال كمال الحلال هذا.

و قد ورد الحثّ على ترك طاعتهنّ في غير واحد من الأخبار مثل ما في الفقيه عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال في النساء: لا تشاوروهنّ في النجوى و لا تطيعوهنّ في ذي قرابة إنّ المرأة إذا كبرت ذهب خير شطريها و بقى شرّهما، ذهب جمالها و احتدّ لسانها و عقم رحمها، و إنّ الرّجل إذا كبر ذهب شرّ شطريه و بقي خيرهما ثبت عقله و استحكم رأيه و قلّ جهله.

و فيه أيضا قال عليّ عليه السّلام: كلّ امرء تدبّره امرأة فهو ملعون، و قال: في خلافهنّ البركة، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أراد الحرب دعى نسائه فاستشارهنّ ثمّ خالفهنّ.

و في بعض الرّوايات العاميّة قال أمير المؤمنين عليه السّلام لا تطيعوا النساء على حال و لا تأمنوهنّ على مال، و لا تذروهنّ لتدبير العيال، فانّهنّ إن تركن و ما يرون أوردن المهالك، و أذلن الممالك، لا دين لهنّ عند لذّتهنّ، و لا ورع لهنّ عند شهوتهنّ، ينسين الخير و يحفظن الشّر، يتهافتن بالبهتان و يتمارين للطغيان يتصدّين للشّيطان.

و من طريق العامة أيضا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شاوروهنّ خالفوهنّ.

تنبيه ظريف

ينبغي لنا أن نذكر هنا شطرا من أوصاف النساء و أخبارهن و بعض مكايدهنّ من طريق الأخبار و غيرها، و المقصود بذلك التحذير عنهنّ و التنبيه على كيدهنّ، حيث وصفه اللّه سبحانه في كتابه العزيز بالعظمة مع أنّه جعل كيد الشيطان ضعيفا حيث قال: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ و قال: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً.

و لذلك قال بعض أهل العرفان: إنا من النّسوان أحذر من الشّيطان فأقول: قال رسول اللّه شاوروهنّ و خالفوهنّ و قيل: إيّاك و موافقة النساء فرأيهنّ إلى أفن«» و عزمهنّ إلى وهن، و قيل: أكثروا لهنّ من لا، فانّ نعم يغريهنّ بالمثلة قال الشّاعر:

         تعيّرني بالغزو عرسى و ما درت            بأنّى لها في كلّ ما أمرت ضدّ

و رأى سقراط امرأة تحمل نارا فقال نار تحمل نارا و الحامل شرّ من المحمول و قيل له: أىّ السّباع شرّ قال: المرأة و قيل: المرأة إذا أحبّتك آذتك و إذا أبغضتك خانتك فحبّها أذى و بغضها داء و قيل المرأة سبع معاشر و قيل حيوان شرير.

و في الحديث أنّه لما خلقت المرأة نظر إليها إبليس فقال أنت سؤلى و موضع سرّى و نصف جندى و سهمى الذي ارمى به فلا اخطى و إذا اختصمت هى و زوجها في البيت قام في كلّ زاوية من زوايا البيت شيطان يصفق و يقول فرّح اللّه من فرّحنى حتّى إذا اصطلحا خرجوا عميا يتعادون يقولون: أذهب اللّه نور من ذهب بنورنا.

و في الفقيه عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى حديث إنّ إبراهيم‏ خليل الرّحمن شكى إلى اللّه خلق سارة فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه إنّ مثل المرأة مثل الضّلع إن أقمته انكسر و إن تركته استمتعت به.

و في حديث إبليس مع يحيى بن ذكريا على نبيّنا و عليهما السّلام المروىّ فى المجلّد السماء و العالم من البحار و جادة في كتاب التّرمذي قال أى إبليس: يا نبيّ اللّه فأوّل ما اصيد به المؤمن من قبل النّساء «إلى أن قال» يا نبيّ اللّه إنّ أرجى الأشياء عندى و أدعمه لظهرى و أقرّه لعينى النّساء، فانّها حبالتي و مصائدي و سهمى الذي به لا اخطى بآبائي هنّ لو لم يكن هنّ ما اطعت«» اضلال أدنى آدميّ، قرّت عيني بهنّ أظفر بمقراتي و بهنّ أوقع في المهالك إذا اغتممت ليشت«» على النّساك و العبّاد و العلماء غلبوني بعد ما ارسلت عليهم الجيوش فانهزموا و بعد ما ركبت و قهرت ذكرت النّساء طابت و سكنت غضبي و اطمأنّ كظمى و انكشف غيظى و سلمت كأبتي و قرّت عيني و اشتدّ ازري، ولولاهنّ من نسل آدم لسجدتهنّ فهنّ سيّداتي و على عنقي سكناهنّ و علىّ تمماهنّ ما اشتهت امرأة من حبالتي حاجة إلّا كنت أسعى برأسي دون رجلي في اسعافها بحاجتها، لأنّهنّ رجائي و ظهري و عصمتي و سندي و ثقتي و غوثي، الحديث.

أقول: النّسخة كانت سقيمة جدّا فأثبتّه كما وجدت.

و في الأنوار النّعمانيّة للسّيد نعمة اللّه الجزائري و من أسباب الدّنيا و الميل إليها النّساء و إطاعتهنّ.

روى أنّ رجلا من بني إسرائيل رأى في المنام انّه خير ثلاث دعوات مستجابات بأن يصرفها حيث شاء، فشاور امرأته في محلّ الصّرف فرأت أن يصرف واحدة منها في حسنها و جمالها ليزيد حسن المعاشرة بينهما فصرفها في ذلك فصارت جميلة فيما بين بني اسرائيل فاشتهرت فاشتهر أمرها إلى أن غصبها ملك ظالم فدعا الرّجل غيرة بأن يصيرها اللّه تعالى على صورة كلب فصارت كلبا أسود و جاءت إلى باب زوجهاو تضرّعت إليه مدّة حتّى رقّ قلبه فدعا بأن يصيّرها اللّه على صورتها الأولى، فضاعت الدّعوات الثلاث فيها و هي كما كانت بشوم مشاورة المرأة.

و حكى أنّ خسرو الملك أتى إليه رجل بسمكة كبيرة فأمر له بأربعة آلاف درهم فقالت شيرين فكيف تصنع إذا احتقر من اعطيته شيئا من حشمك و قال: أعطاني ما أعطى الصّياد أو أقلّ، فقال خسرو الملك إنّ الرّجوع عن الهبة قبيح خصوصا من الملوك فقالت شيرين: التّدبير أن تدعوه و تقول له هذه السّمكة ذكر أو انثى، فان قال ذكر فتقول له إنّما أردت انثى، و إن قال انثى فتقول له إنّما أردت ذكرا فاستدعاه فسأله عن ذلك فقال: أيّها الملك إنّها خنثى لا ذكر و لا انثى، فاستحسن جوابه و أمر له بأربعة آلاف درهم اخرى، فلمّا تسلّم الصيّاد ثمانية آلاف درهم من الخزّان و رجع سقط منها في الطريق درهم فاشتغل بأخذ الدّرهم الساقط فقالت شيرين للملك: انظر إلى خسّته و غلبة حرصه، فاستدعاه و سأله عن غرضه في اشتغاله بأخذه فقال أيّها الملك: كان عليه اسمك و حكمك فخفت أن يطأه أحد برجله غافلا عنه، فاستحسن أيضا جوابه و أمر له بأربعة آلاف درهم اخرى و ذهب الصّياد باثنى عشر ألف درهم.

و في موضع آخر منه أنّ كلّ فتنة وقعت في العالم فانّما جاءت من قبلهنّ و ذلك: إنّ الفتنة الاولى و هى اكل آدم من الشّجرة و اخراجه إلى الأرض إنّما جاء من قبل حوّا، لأنّ آدم لمّا لم يقبل و ساوس الشيطان وسوس إلى حوّاء فجاءت إلى آدم و كلّمته في أمر الأكل من الشّجرة حتى حملته عليه.

و أمّا الفتنة الأخيرة التي نشأ منها خراب العالم و هي غصب خلافة أمير المؤمنين عليه السّلام و استظهارهم و اتّفاقهم على عداوته فانّما جاء من قبل عايشة و عداوتها و حسدها لفاطمة عليها السّلام بسبب أن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يظهر المحبّة لها و لولديها فغارت من هذا عايشة و أضمرت العداوة لها ثمّ أظهرتها فتخطت تلك العداوة من النّساء إلى الرّجال فبغض عليا عليه السّلام أبو بكر و عمر ففعلا ما فعلا و فعلت عايشة بعدهما ما فعلت.

أقول: و شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام بسبب قطام و سمّ جعدة للحسن بن عليّ عليهما السّلام غير خفيّ.

و في البحار روى عن جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام أنّه قال: كان في بني اسرائيل رجل صالح و كان له مع اللّه معاملة حسنة و كان له زوجة و كان ظنينا بها و كانت من أجمل أهل زمانها مفرطة في الجمال و الحسن، و كان يقفل عليها الباب فنظرت يوما شابّا فهوته و هواها فعمل لها مفتاحا على باب دارها و كان يخرج و يدخل ليلا و نهارا متى شاء و زوجها لم يشعر بذلك.

فبقيا على ذلك زمانا طويلا فقال لها زوجها يوما و كان أعبد بني اسرائيل و أزهدهم: إنّك قد تغيرت علىّ و لم أعلم ما سببه و قد توسوس قلبي علىّ و كان قد أخذها بكرا، ثمّ قال و اشتهى منك أنك تحلفى لي أنّك لم تعرفي رجلا غيري، و كان لبني اسرائيل جبل يقسمون به و يتحاكمون عنده و كان الجبل خارج المدينة عنده نهر جار و كان لا يحلف أحد عنده كاذبا إلّا هلك، فقالت له و يطيب قلبك إذا حلفت لك عند الجبل قال: نعم، قالت: متى شئت فعلت.

فلمّا خرج العابد لقضاء حاجته دخل عليها الشّاب فأخبرته بما جرى لها مع زوجها و أنّها تريد أن تحلف له عند الجبل و قالت ما يمكنني أن أحلف كاذبة و لا أقول لزوجي فبهت الشّاب و تحيّر و قال فما تصنعين فقالت بكّر غدا و البس ثوب مكار و خذ حمارا و اجلس على باب المدينة فاذا خرجنا فأنا أدعه يكترى منك الحمار فاذا اكتراه منك بادر و احملنى و ارفعنى فوق الحمار حتّى احلف له و أنا صادقة أنّه ما مسّنى أحد غيرك و غير هذا المكاري، فقال: حبّا و كرامة.

و أنّه لمّا جاء زوجها قال لها قومي إلى الجبل لتحلفي به قالت مالي طاقة بالمشي فقال: اخرجي فان وجدت مكاريّا اكتريت لك فقامت و لم تلبس لباسها فلمّا خرج العابد و زوجته رأت الشّاب ينتظرها فصاحت به يا مكاري اكترى «كذا» حمارك بنصف درهم إلى الجبل قال: نعم.

ثمّ تقدّم و رفعها على الحمار و ساروا حتّى وصلوا إلى الجبل فقالت للشّاب‏انزلني عن الحمار حتّى أصعد الجبل، فلمّا تقدّم الشّاب إليها القت بنفسها إلى الأرض فانكشفت عورتها فشتمت الشاب فقال: و اللّه مالى ذنب.

ثمّ مدّت يدها إلى الجبل و حلفت له أنه لم يمسّها أحد و لا نظر إنسان مثل نظرك إلىّ مذ عرفتك غيرك و هذا المكاري، فاضطرب الجبل اضطرابا شديدا و زال عن مكانه و انكرت بنو اسرائيل فذلك قوله تعالى: وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ.

و في زهر الرّبيع كان في الهند رجل شجاع غيور و له امرأة جميلة فاتفق انّه سافر عنها، فجلست يوما على قصرها فرأت برهمن من براهمة الهند شابّا فحصل بينهما عشق و وصال و كان يأتي اليها متى ما أراد، فخرجت يوما إلى بيت جارها و أتى ذلك الشّاب إلى منزلها فلم يجدها فخرج في طلبها فلمّا دخلت أخذ الشّاب الهندي سوطا كان معه و ضربها.

و كان في تلك الحالة أتى زوجها من السّفر فقال لها برهمن: هذا زوجك أتى فكيف الحيلة فقالت: اضربني بهذا السّوط فاذا دخل زوجي و سألك فقل إنّ هذه المرأة فيها صرع أتى اليها بعد سفرك و طلبوني لاعوذبها بالأسماء و أقرء عليها و أضربها حتّى يخرج منها الجنّ، فتكدّرت على زوجها عيشه و خرج الشّاب الهندي و بعد هذا صارت كلما اشتهت وصال الشّاب الهندي صرعت نفسها و مضى زوجها يلتمس من الهندي و الهندي يمنّ عليه و يأخذ منه حقّ الجعالة حتّى يأتي إلى منزله لأجل أن يعوّذها ممّا عنده فصار الرّجل الغيور قوّادا ديّوثا.

و في حكمة آل داود امرأة السّوء مثل شرك الصّياد لا ينجو منها إلّا من رضى اللّه عنه و المرأة السّوء غلّ يلقيه اللّه في عنق من يشاء.

و قال داود عليه السّلام المرأة السّوء الحمل الثّقيل على الشّيخ الكبير، و المرأة الصّالحة كالتّاج المرصع بالذهب كلّما رآها قرّت عينه.

و عن مولينا أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله تعالى: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً قال عليه السّلام: المرأة الحسناء الصّالحة وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً حوريّة من حور العين وَ قِنا عَذابَ النَّارِ امرئة السّوء.

قال بعضهم.

لقد كنت محتاجا إلى موت زوجتي
و لكن قرين السّوء باق معمّر

فيا ليتها صارت إلى القبر عاجلا
و عذّبها فيه نكير و منكر

أقول، و حيث انجرّ الكلام إلى هذا المقام فينبغي أن نختمه بحديث المتكلّمة بالقرآن تذكرة للعاقلين و تنبيها للغافلين و إشارة إلى أنّ الأخبار المطلقة في مذمّة النّساء محمولة على الأفراد الغالبة و إلّا ففيها من لا يوجد مثلها في الرّجال زهدا و ورعا و صلاحا.

قال عبد اللّه بن المبارك: خرجت حاجّا إلى بيت اللّه الحرام فبينما أنا في بعض الطريق فاذا أنا بسواد يلوح فاذا هى عجوز فقلت: السّلام عليك، فقالت: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ، فقلت لها: يرحمك اللّه ما تصنعين في هذا المكان قالت: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ، فعلمت أنّها ضالّة عن الطريق فقلت لها: أين تريدين قالت: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فعلمت أنّها قضت حجّها و تريد بيت المقدّس.

فقلت لها: أنت منذ كم في هذا الموضع فقالت: ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا، قلت: ما أرى معك طعاما تأكلين قالت: هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ، قلت: فبأيّ شي‏ء تتوضين قالت: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً قلت: إنّ معي طعاما فهل تأكلين قالت: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ، قلت: ليس هذا شهر رمضان قالت: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، قلت: قد ابيح لنا الأفطار في السّفر قالت: وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ.

قلت: فلم لا تتكلّمين مثل كلامي قالت: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عتيد، قلت: من أىّ النّاس أنت قالت: وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا، قلت: قد أخطأت فاجعلني في حلّ، قالت: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، قلت: فهل لك أن أحملك على ناقتي فتدركي القافلة قالت: وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ.

فأنخت ناقتي: فقالت: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ، فغضضت بصرى عنها فلمّا أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها فقالت: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، فقلت لها: اصبرى حتّى أعقلها، قالت: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ.

فشددت لها الناقلة فقلت: اركبي، فركبت فقالت: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَ إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ، قال: فأخذت بزمام الناقة و جعلت أسعى و اصيح، فقالت: وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ، فجعلت أمشى رويدا و أترنّم بالشعر فقالت: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ، فقلت لها: لقد اوتيت خَيْراً كَثِيراً، قالت وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ.

فلما مشيت بها قليلا قلت: أ لك زوج قالت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، فسرت حتى أدركت القافلة فقلت لها هذه القافلة فمن لك فيها قالت: الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا، فعلمت أنّ لها أولادا قلت: و ما شأنهم في الحجّ قالت: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، فعلمت أنهم أولاد الرّكب فقصدت بها القباب و العماريات.

 و قلت: هذه القباب فمن لك فيها قالت: وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى‏ تَكْلِيماً يا يَحْيى‏ خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ، فناديت يا إبراهيم يا موسى يا يحيى فاذا بشبان كأنهم الدنانير قد أقبلوا.

فلما استقرّ بهم الجلوس قالت: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى‏ طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ، فمضى أحدهم و اشترى طعاما فقدّموه فقالت كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ فقلت الآن طعامكم حرام علىّ حتى تخبروني بأمرها فقالوا: إنّها امنّا و لها منذ أربعين سنة لا تتكلّم إلّا بالقرآن مخافة أن تزلّ فيسخط عليها الرّحمن.

تنبيه و تحقيق

قال الشّارح المعتزلي في شرح هذا الكلام له عليه السّلام: و هذا الفصل كلّه رمز إلى عايشة و لا يختلف أصحابنا في انّها أخطات فيما فعلت ثمّ تابت و ماتت تائبة، و أنّها من أهل الجنّة.

قال قال كلّ من صنّف في السير و الأخبار إنّ عايشة كانت من أشدّ النّاس على عثمان حتّى أنّها اخرجت ثوبا من ثياب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فنصبته في منزلها و كان تقول للدّاخلين إليها هذا ثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يبل و عثمان قد أبلى سنّته.

قالوا أول من سمّى عثمان نعثلا عايشة و النعثل الكثير شعر اللحية و الجسد، و كانت تقول اقتلوا نعثلا قتل اللّه نعثلا.

و روى المدائني في كتاب الجمل قال: لما قتل عثمان كانت عايشة بمكّة و بلغ قتله إليها و هي بشراف فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر و قالت بعدا لنعثل و سحقا ايه ذا الاصبع ايه أبا شبل ايه يابن عمّ«» لكأنّى انظر إلى اصبعه و هو يبايع له حثوا الابل و دعدعتها«» ثمّ قال و قال أبو مخنف: إنّ عايشة لما بلغها قتل عثمان و هي بمكّة أقبلت مسرعة و هي تقول ايه ذا الاصبع للّه أبوك أما أنّهم وجدوا طلحة لها. كفوا«»فلما انتهت إلى شراف استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له: ما عندك قال: قتل عثمان قالت: ثمّ ما ذا قال: ثمّ جاز بهم الامور إلى خير مجاز بايعوا عليا، فقالت: لوددت أن السّماء انطبقت على الأرض إنّ تمّ هذا و يحك انظر ما ذا تقول قال: هو ما قلت لك يا امّ المؤمنين فولولت، فقال لها: ما شأنك يا أمّ المؤمنين و اللّه ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه و لا أحقّ و لا أرى له نظيرا في جميع حالاته، فلما ذا تكرهين ولايته قال: فما ردّت عليه جوابا.

و في روضة الصّفا و قال عبيدة بن أبي سلمة في هذا المعنى أبياتا منها قوله:

فمنك البدار و منك المفر
و منك الرياح و منك المطر

و أنت أمرت بقتل الامام‏
و قاتله عندنا من أمر

قال أبو مخنف: و قد روى من طرق مختلفة أنّ عايشة لما بلغها قتل عثمان و هي بمكة قالت: أبعده اللّه ذلك بما قدمت يداه و ما اللّه بظلّام للعبيد.

قال: و قد روى قيس بن أبي حازم أنّه حجّ في العام الذي قتل فيه عثمان و كان معه عايشة لما بلغتها قتلته فتحمل إلى المدينة قال فسمعها تقول في بعض الطريق: ايد ذا لاصبع و إذا ذكرت عثمان قالت: أبعده اللّه حتّى أتتها خبر بيعة عليّ فقالت: لوددت إن هذه وقعت على هذه، ثمّ أمرت بردّ ركابيها إلى مكة فردّت معها و رأيتها في مسيرها إلى مكّة تخاطب نفسها كأنها تخاطب أحدا: قتلوا ابن عفّان مظلوما.

فقلت لها: يا امّ المؤمنين ألم اسمعك آنفا تقول أبعده اللّه و قد كنت قبل أشدّ النّاس عليه و أقبحهم فيه قولا فقالت: لقد كان ذلك و لكنى نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه.

ثم قال: قال أبو مخنف جاءت عايشة إلى أمّ السلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان، فقالت لها: يا بنت أبى اميّة أنت أوّل مهاجرة في أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنت كبيرة امّهات المؤمنين و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقسم لنا من بيتك و كان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلت فقالت: امّ السّلمة: لأمر ما قلت هذه المقالة فقالت عايشة:

إنّ عبد اللّه أخبرنى أنّ القوم استتابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام و قد عزمت الخروج إلى البصرة و معي الزّبير و طلحة فاخرجى معنا لعلّ اللّه أن يصلح هذا الأمر على أيدينا و بنا.

فقالت انا امّ سلمة إنّك كنت بالأمس تحرضين على عثمان و تقول فيه أخبث القول و ما كان أسمعه عندك إلّا نعثلا و إنك لتعرفين منزلة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كانت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاذكرك قالت: نعم.

قالت: أ تذكرين يوم أقبل عليه السّلام و نحن معه حتّى إذا هبط من قديد ذات الشمال خلا بعليّ عليه السّلام يناجيه فأطال فأردت أن تهجمين عليهما فنهيتك فعصيتني فهجمت عليهما فما لبثت أن رجعت باكية فقلت: ما شأنك فقلت: إنّى هجمت عليهما و هما يتناجيان، فقلت لعليّ: ليس لي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلّا يوم من تسعة أيّام أ فما تدعني يابن أبي طالب و يومي فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علىّ و هو غضبان محمّر الوجه فقال: أرجعى و راءك و اللّه لا يبغضه أحد من أهل بيتى و لا من غيرهم من النّاس الّا هو خارج من الايمان، فرجعت نادمة ساقطة.

فقالت عايشة: نعم اذكر ذلك.

قالت و اذكرك أيضا كنت أنا و أنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنت تغسلين رأسه و انا احيس له حيسا«» و كان الحيس يعجبه فرفع صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رأسه و قال: ليت شعرى أيتكنّ صاحب «صاحبة ظ» الجمل الاذنب«» تنبحها كلاب الحوئب فتكون ناكبة عن الصراط فرفعت يدي من الحيس فقلت أعوذ باللّه و برسوله صلّى اللّه عليه و آله من ذلك، ثمّ ضرب على ظهرك و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إياك أن تكونيها، ثمّ قال: يا بنت أبي اميّة إياك أن تكونيها، يا حميراء أما أنّي فقد أنذرتك.

قالت عايشة نعم اذكر هذا.

قالت و اذكرك أيضا كنت أنا و أنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سفر له و كان عليّ يتعاهد نعلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيخصفها و يتعاهد أثوابه فيغسلها، فبقيت له نعل يومئذ يخصفها و بعد في ظلّ سمرة«» و جاء أبوك و معه عمر فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب و دخلا يحادثاه فيما أرادا، ثمّ قالا: يا رسول اللّه إنا لا ندرى قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون بعدك لنا مفزعا، فقال لهما: أما أنّى أرى مكانه و لو فعلت لتفرّقتم عنه كما تفرّقت بنو اسرائيل عن هارون بن عمران، فسكتا ثمّ خرجا، فلما خرجنا إلى رسول اللّه قلت له: و كنت أجره عليه منّا من كنت يا رسول اللّه مستخلفا عليهم فقال عليه السّلام: خاصف النّعل، فنزلنا و لم نر أحدا إلّا عليا، فقلت: يا رسول اللّه ما نرى إلّا عليّا، فقال: هو ذاك.

فقالت عايشة: نعم اذكر ذلك.

فقالت فأىّ خروج تخرجين بعد هذا فقال: إنّما أخرج للاصلاح بين النّاس و أرجو فيه الأجر إن شاء اللّه، فقالت: أنت و رأيك فانصرفت عايشة عنها فكتبت أمّ سلمة ما قالت و قيل لها إلى علي.

قال الشّارح بعد نقل هذه الرّواية: فان قلت فهذا نصّ صريح في إمامة عليّ عليه السّلام فما تصنع أنت و أصحابك المعتزلة فيه قلت: كلّا إنّه ليس بنصّ كما ظننت لأنّه لم يقل قد استخلفت و إنّما قال لو استخلفت أحدا لاستخلفته، و ذلك لا يقتضي حصول الاستخلاف و يجوز أن يكون مصلحة المسلمين متعلّقة بالتّعب عليه لو كان النبيّ مأمورا بأن ينصّ على إمام بعينه من بعده فيكون من مصلحتهم أن يختاروا لأنفسهم من شاءوا إذا تركهم النبيّ و أراهم و لم يعيّن أحدا.

ثمّ قال: قال أبو مخنف: و ارسلت إلى حفصة تسألها الخروج و المسير فبلغ‏ذلك عبد اللّه بن عمر فأتى اخته فعزم عليها فأقامت و حطت الرّحال بعد ما همّت.

قال: و كتب الأشتر من المدينة إلى عايشة و هي بمكة: أمّا بعد فانّك ظعينة رسول اللّه و قد أمرك أن تقري في بيتك فان فعلت فهو خير لك، فان أبيت إلّا أن تأخذ منسئتك«» و تلقى جلبابك و تبدي للنّاس شعيراتك قاتلتك حتّى أردّك إلى بيتك و الموضع الذى يرضاه لك ربك.

فكتبت إليه في الجواب أما بعد فانّك أوّل العرب شبّ الفتنة و دعا إلى الفرقة و خالفت الأئمة و قد علمت أنّك لن تعجز اللّه حتّى يصيبك منه بنقمة ينتصر بها منك للخليفة المظلوم، و قد جائنى كتابك و فهمت ما فيه و سيكفينّك و كلّ من أصبح مماثلا لك في ضلالك و غيك إنشاء اللّه.

قال ابو مخنف: لما انتهت عايشة في مسيرها إلى الحوئب و هو ماء لبني عامر ابن صعصعة نبحتها الكلاب حتّى نفرت صعاب إبلها فقال قائل من أصحابها ألا ترون ما أكثر كلاب الحوئب و ما أشد نباحها، فأمسكت زمام بعيرها و قالت: و إنّها لكلاب الحوئب ردّوني ردّوني فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول، و ذكرت الخبر، فقال قائل. يرحمك اللّه فقد جزنا ماء الحوئب فقالت فهل من شاهد فلفّقوا لها خمسين أعرابيّا جعلوا لهم جعلا فحلفوا أنّ هذا ليس بماء الحوئب فسارت لوجه ها.

انتهى ما أهمّنا نقله من كلامه هبط مقامه.

أقول لا يخفى على الناقد البصير و الذّكيّ الخبير المراقب للعدل و الانصاف و المجانب للتّعصب و الاعتساف وجوه الدّلالة فيما أورده الشّارح و رواه على مطاعن عايشة امّ الفاسقين و فضايح المتخلّفين الذينهم أئمّة النّار و جنود ابليس اللعين، و لا يخفى عليه أيضا عصبيّة الشّارح و من حذا حذوه من أصحاب المعتزلة في حقّ الخاطئة و أوليائهم الثلاثة و لا بأس بالتّنبيه على بعض تلك الوجوه فأقول: اولا أنّ ما ذكره من خطاء الخاطئة مسلّم و ما عقّبه به من توبتها و كونها من أهل الجنّة ممنوع و لا بدّ للمدّعى لها من الاثبات و أنّى لهم بذلك، بل الظاهر من‏حالات عايشة و فرط بغضها و شدّة عداوتها لعليّ هو العدم و يؤيّد ذلك أنها كانت في مقام اللجاجة و العداوة مع خليفتهم عثمان حتّى سمته نعثلا، و النّعثل على ما في القاموس الشّيخ الأحمق و يهودىّ كان بالمدينة و رجل لحياني كان يشبه به عثمان اذا نيل منه و كانت تقول: اقتلوا نعثلا قتل اللّه نعثلا، و كانت باقية على عداوتها بعد وفاته أيضا حيث إنّها كانت تقول بعدا لنعثل و سحقا و تقول أبعده اللّه ذلك بما قدّمت يداه و ما ربّك بظلّام للعبيد، و كذلك نار غضبها و نايرة حسدها لأمير المؤمنين عليه السّلام لم تكن بحيث تطفى.

يدلك على ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصّحيحين أنّ ابن الزّبير دخل على عايشة في مرضها فقالت له إنّي قاتلت فلانا و سمت المقاتل برجل قاتلته و قالت لوددت أنّى كنت نسيا منسيّا، فانّ تعبيرها عنه عليه السّلام بالرّجل و بفلان من دون أن يذكر لقبه الشّريف أو اسمه السّامي مقرونا بالتعظيم تدلّ على فرط عصبيّتها و استنكافها من التّصريح بالاسم و اللقب.

و أظهر من ذلك ما رواه الشّارح في هذا المقام من أنّه لمّا بعث أمير المؤمنين ابن عبّاس بعد انقضاء حرب الجمل إلى عايشة يأمرها بالرّحيل إلى المدينة قال لها: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أرسلنى إليك يأمرك بالرّحيل إلى المدينة فقالت: و أين أمير المؤمنين ذاك عمر، فقال: عمر و علىّ، قالت: اثبت إلى أن قالت إنّى معجلة الرّحيل إلى بلادى انشاء اللّه و اللّه ما من بلد أبغض من بلد أنتم فيه.

فانّ استكراهها من إطلاق لفظ أمير المؤمنين عليه الذي لقّبه اللّه تعالى به و أمر رسوله بأن يأمر أصحابه على السّلام عليه بامرة المؤمنين، على ما ورد في غير واحد من الرّوايات، دليل على كراهتها لحكم اللّه و إنكارها لأمر رسوله و ما ذلك إلّا من فرط الحقد و الحسد.

و ببالى انّى رأيت في بعض الرّوايات«» أنّها سمّت بعد وفات أمير المؤمنين‏

و شهادته أحد غلمانه عبد الرّحمن أخذا من اسم عبد الرّحمن قاتل أمير المؤمنين شعفا بقتله و تيمّنا باسمه.

و هنا لطيفة و هي أنّ بهلول العاقل مرّ يوما بجماعة يذاكرون الحديث و يروون عن عايشة أنّها قالت: لو أدركت ليلة القدر لما سألت ربّي إلّا العفو و العافية، فقال بهلول: و الظفر بعليّ بن ابي طالب، يعني أنّها كانت أهمّ مسئولاتها الظفر عليه عليه السّلام.

هذا كلّه مضافا إلى أنّ توبتها لا يمكن أن تحصل بمجرّد النّدم على الخروج من البيت و الحرب بل يتوقف على التّفصى عمّا أراقها من دماء المسلمين من الأنصار و المهاجرين و ما نهبت من بيت مال المسلمين إلى غير ذلك من المفاسد و المظالم، و لم يتحقّق منها شي‏ء من ذلك و أنّى لها بذلك.

و ثانيا أنها إن كانت صادقة في قولها أنّ عثمان قد أبلى سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فعليه لعنة اللّه، و إن كانت كاذبة فعليها غضب اللّه.

و ثالثا أنّ اللازم عليها أن تكون سالما لمن سالمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حربا لمن حاربه محبّة لمن أحبّه و مبغضة لمن أبغضه و شعفها بكون الخلافة لطلحة و استنكافها من كونها لأمير المؤمنين يدلّ على عكس ذلك.

و ذلك لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله توفّى و هو ساخط على طلحة للكلمة التي قالها يوم نزلت آية الحجاب على ما قدّمنا روايتها في تذييل الثاني من تذييلات الفصل الثالث من فصول الخطبة الثالثة، و في الطعن الثالث عشر من مطاعن عثمان التي أوردنا في التذييل الثاني من تذييلات كلامه الثالث و الأربعين و مات و هو راض عن أمير المؤمنين عليه السّلام فكانت عايشة ساخطة لأمير المؤمنين راضية عن طلحة موذية لرسول اللّه مخالفة لرأيه طارحة للغيرة و الحمية.

و رابعا أنّ هجومها على رسول اللّه و عليّ حين ما يتناجيان و قولها لعليّ‏ ليس لي من رسول اللّه إلّا يوم من تسعة أيام أ فما تدعنى يابن أبي طالب و يومى، يدلّ على قلّة حيائها و عدم مبالاتها.

و خامسا أنّ قول رسول اللّه لها و هو غضبان محمرّ الوجه: ارجعى ورائك و اللّه لا يبغضه أحد من أهل بيتي و لا من غيرهم من الناس إلّا و هو خارج من الايمان، تدلّ على كونها مبغضة لأمير المؤمنين عليه السّلام خارجة من الايمان و رجوعها بعد إلى الايمان محتاج إلى البينة و البرهان و لم يثبت بالبديهة و العيان.

و سادسا أنّ سؤال رجلين عن رسول اللّه من الخليفة و الخلافة في حال السفر مع عدم اقتضاء الحال و المقام لذلك لما عليهم من تعب السفر و وصيته إمّا أن يكون رعاية لمصلحة الاسلام و إشفاقا للامة و شدّة في الدّين و الايمان أم استخبارا من وقت وفات الرّسول و تحصيلا للعلم بأنّهما متى يكونان مطلقي العنان، أم طمعا منهما في الخلافة و حرصا في الولاية و رجاء لأن ينصّ على أحدهما و يبدى البيان.

لا سبيل إلى الأوّل حتما زعمه الشّارح المعتزلي و صرّح به في كلامه الذي حكيناه في أواخر المقدّمة الثانية من مقدّمات الخطبة الشّقشقية و في غيره من كلماته أيضا في تضاعيف الشّرح إذ لو كان غرضهما الرّعاية لجانب الدّين و الشّفقة على الامّة كان اللازم عليهما الاصرار على السؤال و الاكمال في الكلام حتّى يسفر لهما وضح الحقّ، و كان ينبغي لهما بعد ما اجاب لهما رسول اللّه بقوله: إنّي قد أرى مكانه و لو فعلت لتفرّقتم عنه أن يقولا: دلّنا يا رسول اللّه على مكانه نعرفه و تلازمه و كيف يمكن أن نتفرّق عنه بعد تعيينك إيّاه و أمرك باتّباعه، فلمّا لم يصرّا على السؤال و لم يتفوّها بشي‏ء من ذلك و سكتا و خرجا بمجرّد أن قال لهما رسول اللّه: أرى مكانه علم أنّ غرضهما لم يكن الاشفاق على الامة و لحاظ مصلحة الاسلام و إنّما كان الطمع في الخلافة فلمّا قال أرى مكانه يأسا منهما و علما أنّ الخليفة غيرهما فسكتا و خرجا و سابعا أنّ قوله: لتفرّقتم عنه كما تفرّقت بنو اسرائيل عن هارون، لا يخفى ما في هذا التّشبيه من النكتة، فانّ هارون كان وصيّ موسى و بنو اسرائيل قد تفرّقوا عنه و اتخذوا عجلا جسدا له خوار، لا يكلّمهم و لا يهديهم سبيلا فأظهرصلوات اللّه عليه بهذا الكلام ما في قلبهما من النّفاق و أعلمهم أنّهم يتفرّقون عن وصيّه و لا يطيعون أمره كما خالف بنو اسرائيل موسى و تفرّقوا عن هارون.

و ثامنا أنّ إنكار الشّارح لدلالة الرّواية على خلافة أمير المؤمنين لا معنى له، إذ قوله: لو فعلت لتفرّقتم و إن لم يكن مستلزما لوقوع الفعل إلّا أنّ الضّمير في أرى مكانه راجع إلى المسئول عنه و قد سألا عن المستخلف و المفزع فقال: أرى مكانه فيدلّ على أنّ المستخلف و المفزع كان موجودا حين السؤال و إلّا لزم أن يكون كلامه غير مطابق للواقع و نعوذ باللّه من ذلك.

و هذا كلّه بعد الغضّ عن صحّة الرّواية و عن تصحيف العامة فيها و إلّا فقد قدّمنا هذه الرّواية من الاحتجاج في التّنبيه الثّاني من تنبيهات الكلام الثالث عشر و فيها أنّهما قالا: يا رسول اللّه فهل استخلفت أحدا قال: ما خليفتي فيكم إلّا خاصف النّعل فمرّا على عليّ و هو يخصف نعل رسول اللّه، و عليه فالرّواية ناصّة على خلافته من هذه الجهة أيضا.

و تاسعا ما زعمه الشّارح من جواز كون المصلحة في اختيار الامّة لأنفسهم من شاءوا و ترك النبيّ لهم فآرائهم فاسد جدا، إذ قد أثبتنا في المقدمة الثّانية من مقدّمات الخطبة الشّقشقيّة وجوب عصمة الامام، و العصمة ملكة خفيّة لا يمكن أن يبلغها الجهّال و الضّلال و يدركوها بأوهامهم فيقيموا إماما بآرائهم.

و قد مرّ في شرح الخطبة الثّانية إبطال الرّضا عليه السّلام لهذا الزّعم الفاسد و الرّأى الكاسد حيث قدّمنا هناك منه رواية شريفة في معرفة شأن الامام و قوله عليه السّلام فيها: إنّ الامامة أجلّ قدرا و أعظم شأنا و أعلا مكانا و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها النّاس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم إلى آخر ما قاله، و فيه كفاية لمن له علم و دراية هذا.

و قد مرّ في شرح الكلام الثالث عشر بعض مطاعن عايشة و شطر من الكلام فيها فليراجع ثمّة.

الترجمة

از جمله خطبه‏ هاى آن حضرتست بعد از انقضاء حرب جمل در مذمت زنان مى‏ فرمايد و مقصود آن حضرت طعن بر عايشه بود و توبيخ باهل بصره كه تابع آن خاطئه بودند: جماعة مردمان بدرستى كه طايفه زنان ناقص الايمانند و ناقص النصيبند و ناقص العقلند أما نقص ايمان ايشان پس نشستن ايشان است از نماز و روزه در ايام حيضشان، و أما نقصان عقل ايشان پس شهادة دو زن مثل شهادت يك مرد است، و أما ناقص بودن نصيب ايشان پس ميراثهاى ايشان بر نصفهاست از ميراث مردان، پس بترسيد از بدترين زنان و بباشيد از خوبترين آنها بر حذر، و اطاعت نكنيد آنها را در كارهاى پسنديده تا اين كه طمع ننمايند در كارهاى ناپسنديده، و نعم ما قيل:

زن بد در سراى مرد نكو
هم درين عالمست دوزخ او

زينهار از قرين بد زنهار
و قنا ربّنا عذاب النّار

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 78 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 79 صبحی صالح

79- و من كلام له ( عليه‏ السلام  ) قاله لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج

و قد قال له إن سرت يا أمير المؤمنين، في هذا الوقت،

خشيت ألا تظفر بمرادك، من طريق علم النجوم

فقال ( عليه ‏السلام  )

أَ تَزْعُمُ أَنَّكَ تَهْدِي إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا صُرِفَ عَنْهُ السُّوءُ

وَ تُخَوِّفُ مِنَ السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا حَاقَ بِهِ الضُّرُّ

فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْآنَ

وَ اسْتَغْنَى عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ فِي نَيْلِ الْمَحْبُوبِ وَ دَفْعِ الْمَكْرُوهِ

وَ تَبْتَغِي فِي قَوْلِكَ لِلْعَامِلِ بِأَمْرِكَ أَنْ يُولِيَكَ الْحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ

لِأَنَّكَ بِزَعْمِكَ أَنْتَ هَدَيْتَهُ إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي نَالَ فِيهَا النَّفْعَ

وَ أَمِنَ الضُّرَّ

ثم أقبل ( عليه‏السلام  ) على الناس فقال‏

أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَ تَعَلُّمَ النُّجُومِ

إِلَّا مَا يُهْتَدَى بِهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ

فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى الْكَهَانَةِ

وَ الْمُنَجِّمُ كَالْكَاهِنِ

وَ الْكَاهِنُ كَالسَّاحِرِ

وَ السَّاحِرُ كَالْكَافِرِ

وَ الْكَافِرُ فِي النَّارِ

سِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من كلام له عليه السلام و هو الثامن و السبعون من المختار فى باب الخطب

و هو مرويّ في غير واحد من الكتب المعتبرة باختلافات كثيرة على ما ستطلع عليها، و في الاحتجاج مثل الكتاب قاله عليه السّلام لبعض أصحابه لمّا عزم على المسير إلى الخوارج فقال له بعض أصحابه: يا أمير المؤمنين إن سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النّجوم فقال: تزعم أنّك تهدي إلى السّاعة الّتي من سار فيها صرف عنه السوء و تخوّف السّاعة الّتي من سار فيها حاق به الضّرّ، فمن صدّقك بهذا فقد كذّب القرآن و استغنى عن الاستعانة باللّه في نيل المحبوب و دفع المكروه، و ينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يولّيك الحمد دون ربّه، لأنّك بزعمك أنت هديته إلى السّاعة الّتي نال فيها النّفع و أمن الضّرّ، ثمّ أقبل عليه السّلام على النّاس فقال: أيّها النّاس إيّاكم و تعلّم النّجوم إلّا ما يهتدي به في برّ أو بحر فإنّها تدعو إلى الكهانة، المنجّم كالكاهن، و الكاهن كالسّاحر، و السّاحر كالكافر، و الكافر في النّار سيروا على اسم اللّه.

اللغة

(حاق به الضرّ) أحاط قال تعالى: و لا يحيق المكر السّي‏ء إلّا بأهله، و الضرّ بالضمّ و في بعض النّسخ بالفتح ضدّ النّفع أو بالفتح مصدر و بالضمّ اسم أو بالفتح ضدّ النفع و بالضمّ سوء الحال قال تعالى: ربّ إنّي مسّنى الضّرّ، و (يوليك) مضارع باب الافعال أو من باب التّفعيل يقال أوليته الأمر وليته ايّاه أى جعلته واليا له و متسلّطا عليه و (كهن) له من باب نصر و منع و كرم كهانة بالفتح و تكهنّ تكهنا قضى له بالغيب فهو كاهن و الجمع كهنة و كهان و حرفته الكهانة بالكسر.

الاعراب

الفاء في قوله فمن صدقك فصيحة اى أنت إذا زعمت هذا فمن صدّقك بهذا اه، و قوله: و ينبغي في قولك أى على قولك أو بسبب قولك أو هى للظرفيّة المجازية، و قوله دون ربّه، ظرف مستقرّ متعلّق بمحذوف وقع حالا من فاعل يولى أى متجاوزا ربه و دون ممّا يتوسّع فيه و يستعمل في كلّ مجاوز حدّ الى حدّ و تخطى أمر إلى أمر، و قوله أنت هديته، لفظ أنت إمّا تأكيد لكاف انّك أو ضمير فصل بين الاسم و الخبر على حدّ قوله: إنك أنت السّميع العليم.

و قوله أيّها النّاس كلمة أىّ اسم وضع للتوصّل إلى نداء ما فيه أل استكراها لاجتماع آلتي التعريف أعنى النّدا و حرف التعريف فحاولوا أن يفصلوا بينهما بشي‏ء فطلبوا اسما مبهما غير دالّ على ماهيّة معيّنة محتاجا بالوضع في الدّلالة عليها إلى شي‏ء آخر يزيل عنه الابهام يقع النّداء في الظاهر على ذلك الاسم المبهم و في الحقيقة على ذلك المخصّص الرافع للابهام عنه.

فوجدوا الاسم المتّصف بهذه الصّفة أيّا بشرط قطعه«» عن الاضافة و اسم الاشارة حيث وضعها مبهمين مشروطا بازالة إبهامهما بشي‏ء اما اسم الاشارة فبالاشارة الحسيّة و أمّا أىّ فباسم آخر بعده إلّا أنّ أىّ لما كان أدخل في الابهام من اسم‏ الاشارة و أحوج إلى الوصف منه لأنّ زوال ابهامه انّما هو باسم بعده بخلاف اسم الاشارة فانّه قد يزول ابهامه بالاشارة الحسيّة حسبما ذكرنا، و لهذا جاز يا هذا و لم يجزيا أىّ لا جرم خصّوا الفصل بين حرف النداء و اللام التعريف به و جعلوا المعرّف باللام المزيل عنه الابهام وصفا له.

فأىّ في قوله أيّها النّاس منادى مفرد معرفة مبنيّ على الضمّ و ها حرف تنبيه و النّاس صفة لأىّ و قال الأخفش في يا أيّها الرّجل: إنّ أيّا لا تكون وصلة و إنّما هو موصول و ذو اللام بعده خبر مبتداء محذوف و الجملة صلة أىّ و إنّما وجب هذا المبتدأ لمناسبة التخفيف للمنادى و لا سيّما إذا زيد عليه كلمتان أعنى أيّها فالمعنى يا من هو الرّجل.

قال الرّضيّ و يصحّ تقوية مذهبه بكثرة وقوع أىّ موصولة في غير هذا الموضع و ندور كونها موصوفة و قوله: إيّاكم و تعلم النّجوم تحذير و قال ابن الحاجب في الكافية التحذير معمول بتقدير اتّق تحذيرا ممّا بعده أو ذكر المحذر منه مكرّرا نحو ايّاك و الأسد و إيّاك و أن تحذف و الطريق الطريق.

و قال نجم الأئمة الرّضيّ في شرحه: قال المصنّف: كان أصل إيّاك و الأسد اتقك ثمّ انّهم لما كانوا لا يجمعون بين ضمير الفاعل و المفعول لواحد إذا اتّصلا جاءوا بالنّفس مضافا إلى الكاف فقالوا اتّق نفسك ثمّ حذفوا الفعل لكثرة الاستعمال، ثمّ حذفوا النّفس لعدم الاحتياج إليه لأنّ اجتماع الضميرين زال بحذف الفاعل مع الفعل فرجع الكاف، و لم يجز أن يكون متّصلا لانّ عامله مقدّم كما يجي‏ء في باب المضمر فصار منفصلا.

قال الرّضيّ: و أرى أنّ هذا الذى ارتكبه تطويل مستغنى عنه و الأولى أن يقال هو بتقدير ايّاك باعد أونحّ باضمار العامل بعد المفعول و انّما جاز اجتماع ضميرى الفاعل و المفعول لواحد لكون أحدهما منفصلا كما جاز ما ضربت إلا ايّاك و ما ضربت إلّا إيّاى، إلى أن قال و انّما وجب حذف الفاعل في نحو إيّاك لأنّه‏في معنى المكرّر الذي ذكرنا«» انّه يجب حذف فعله لأنّ معنى إيّاك أى بعّد نفسك من الأسد.

و فحوى هذا الكلام احذر الأسد و معنى الأسد أى بعّد الأسد عن نفسك و هو أيضا بمعنى لحذر الأسد لأنّ تبعيد الأسد عن نفسك بأن تتباعد عنه فكأنك قلت: الأسد الأسد.

فان قلت المعطوف في حكم المعطوف عليه و ايّاك محذّر و الأسد المحذّر منه و هما متخالفان فكيف جاز العطف فالجواب أنّه لا يجب مشاركة الاسم المعطوف للمعطوف عليه إلّا في الجهة المنتسب بها المعطوف عليه إلى عامله و جهة انتساب ايّاك إلى عامله كونه مفعولا به أى مبعدا و كذا الأسد إذ المعنى إيّاك بعّد و بعّد الأسد.

المعنى

اعلم أنّ هذا الكلام قاله (لمّا عزم إلى المسير إلى) حرب (الخوارج فقال له بعض أصحابه) و هو عفيف بن قيس أخو أشعث بن القيس الكندى الملعون رأس المنافقين و مثير الفتن في أيّام خلافة أمير المؤمنين و لا سيّما وقعة صفّين حسبما عرفت فيما سبق.

و كيف كان فقال له عفيف (يا أمير المؤمنين إن سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك) الذي هو الغلبة على أهل النهر (من طريق علم النّجوم) فقال له على سبيل الاستفهام التقريرى (تزعم أنّك تهدى إلى السّاعة التي من سار فيها صرف عنه السّوء) لسعود السّاعة (و تخوف) من (الساعة التي من سار فيها حاق به الضرّ) و أحاط به سوء الحال بملاحظة نحوس السّاعة (فمن صدّقك بهذا فقد كذّب القرآن) أى من صدّقك بدعواك العلم بالسّاعتين فقد كذّب كتاب اللّه لأنّ اللّه‏ تعالى يقول: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً و قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ.

إلى غير ذلك ممّا أفاد انحصار العلوم الغيبيّة في اللّه سبحانه.

و قال العلامة المجلسي (ره): و يمكن حمل الكلام على وجه آخر و هو أنّ قول المنجم بأنّ صرف السّوء و نزول الضرّ تابع للسّاعة سواء قال إنّ الأوضاع العلويّة مؤثرة تامة في السّفليات و لا يجوز تخلّف الآثار عنها أو قال بأنّها مؤثرات ناقصة و لكن باقى المؤثرات امور لا يتطرّق إليها التغيير أو قال بأنّها علامات تدلّ على وقوع الحوادث حتما فهو مخالف لما ثبت من الدين من أنّه سبحانه يمحو ما يشاء و يثبت و أنّه يقبض و يبسط و يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد، و لم يفرغ من الأمر و هو تعالى كلّ يوم في شأن.

و الظاهر من أحوال المنجّمين السّابقين و كلماتهم جلّهم بل كلّهم أنّهم لا يقولون بالتّخلف وقوعا أو إمكانا فيكون تصديقهم مخالفا لتصديق القرآن و ما علم من الدّين و الايمان من هذا الوجه.

و لو كان منهم من يقول بجواز التخلّف و وقوعه بقدرة اللّه و اختياره و أنّه تزول نحوسة السّاعة بالتوكل و الدّعاء و التوسل و التصدّق و ينقلب السّعد نحسا و النّحس سعدا و بأنّ الحوادث لا يعلم وقوعها إلّا إذا علم أنّ اللّه سبحانه لم تتعلّق حكمته بتبديل أحكامها، كان كلامه عليه السّلام مخصوصا بمن لم يكن كذلك، فالمراد بقوله صرف عنه السّوء و حاق به الضّر أى حتما هذا.

و لمّا نبّه على فساد زعم المنجّم بكون تصديقه موجبا لتكذيب كلام اللّه سبحانه نبّه على فساده ثانيا بقوله (و استغنى) أى مصدّقك و متّبعك (عن الاستعانة باللّه) تعالى (في نيل المحبوب و دفع المكروه) لأنك اذا كنت عارفا بالسّاعة السّعد و السّاعة النّحس و هاديا إليهما فيهتدى بك التابعون لك و المصدّقون بك و يتراقبون بعد السّاعات فينالون الخير و السّعادة و يتّقون نحسها فيسلمون من النحوسة و الكراهة فيلزم على ذلك استغنائهم بك عن اللّه و غناهم برأيك عن اللجأ إلى اللّه و الفزع إليه سبحانه.

(و) أيضا (ينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربّه لانّك بزعمك أنت هديته إلى السّاعة التي نال فيها النفع و آمن فيها الضرّ) فكنت أنت المنعم عليه بتلك النعمة فلا بدّ أن تستحقّ الحمد و الثّناء بذلك و لزم أن يكون حمده على تلك النعمة راجعا إليك.

(ثم) إنّه بعد التنبيه على فساد زعم المنجّم بالوجوه الثلاثة (أقبل على الناس) و نهاهم عن الأخذ بالنجوم و حذّرهم عن تعلّمها (فقال أيها الناس إياكم و تعلّم النجوم) قال الشارح البحراني: الذى يلوح من سرّ نهى الحكمة النبويّة عن تعلّم النجوم أمران الأوّل اشتغال متعلّمها بها و اعتماد كثير من الخلق السامعين لأحكامها فيما يرجون و يخافون عليه فيما يسنده إلى الكواكب و الأوقات و الاشتغال بالفزع إليه و إلى ملاحظة الكواكب عن الفزع إلى اللّه و الغفلة عن الرّجوع إليه فيما يهمّ من الأحوال و قد علمت أنّ ذلك يضادّ مطلوب الشارع إذ كان غرضه ليس إلّا دوام التفات الخلق إلى اللّه و تذكرهم لمعبودهم بدوام حاجتهم إليه.

الثاني أنّ الأحكام النجومية اخبارات عن امور سيكون و هى تشبه الاطلاع على الامور الغيبية و أكثر الخلق من العوام و النساء و الصبيان لا يتميزون بينها و بين علم الغيب و الأخبار به فكان تعلّم تلك الأحكام و الحكم بها سببا لضلال كثير من الخلق و موهنا لاعتقاداتهم في المعجزات أو الاخبار عن الكاينات منها و كذلك في عظمة بارئهم و يشككهم في عموم الآيات الدّالة على اختصاص علم الغيب باللّه سبحانه، و كان هذين الوجهين هما المقتضيان لتحريم الكهانة و السحر و العزائم و نحوهما.

و كيف كان فلما نهى الناس عن تعلّم النجوم بالوجهين الذين عرفت استثنى عن ذلك قوله (إلّا ما يهتدى به في برّ أو بحر) لعدم استلزام ذلك الجهتين المذكورتين‏ و قد نصّ على جواز الاهتداء بها الآيات الكريمة مضافة إلى الأخبار الكثيرة قال تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ و قال تعالى: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ.

قال الطبرسى لأنّ من النجوم ما يكون بين يدي الانسان و منها ما يكون خلفه و منها ما يكون عن يمينه و منها ما يكون عن يساره و يهتدى بها في الاسفار و فى البلاد و في القبلة و أوقات الليل و إلى الطرق في مسالك البرارى و البحار، و قيل أراد الاهتداء به في القبلة، قال ابن عباس: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنه فقال: الجدى علامة قبلتكم و به تهتدون في برّكم و بحركم.

أقول: و هذه الرّواية موافقة لما رواه الصدوق مرسلا قال: قال رجل للصادق عليه السّلام: أنا اكون في السفر و لا اهتدي إلى القبلة بالليل قال أتعرف الكوكب الذي يقال له جدى قلت: نعم قال: اجعله على يمينك و إذا كنت في طريق الحجّ فاجعله بين كتفيك.

و روى أيضا محمّد بن سنان عن أحدهما عليه السّلام قال: سألته عن القبلة قال: ضع الجدى في قفاك و صلّ هذا.

و لا ينحصر جواز تعلّمها فيما ذكر بل ربّما يجوز التعلّم لما يترتّب عليها من الأحكام الشّرعية المتعلّقة بها في أبواب العبادات و المعاملات بل قد يجب لوجوب الحكم المرتّب عليها فيجب معرفتها من باب المقدّمة مثلا لوجوب معرفة الأوقات الخمسة للصّلاة و معرفة الحول المضروبة للزكاة و اتيان الحجّ و العمرة في الأشهر المعلومات و ضبط عدد الحولين لرضاع الحاملات و تعيين أيام العدة للمتوفّي عنها زوجها و للحامل و ساير المطلقات، و العلم بما ضربت للدّين المؤجل من الأوقات كما اشير إلى ذلك في غير واحدة من الآيات قال تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى‏ غَسَقِ اللَّيْلِ و قال يَسْئَلُونَكَ‏ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ و قال هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ و قد مضى في سادس تنبيهات الفصل الثامن من فصول الخطبة الاولى ما يوجب ازدياد بصيرتك في المقام فتذكّر، و قوله (فانّها تدعو إلى الكهانة) تعليل للنّهى عن النّجوم و الكهانة بالكسر.

قال في البحار هى عمل يوجب طاعة بعض الجانّ له بحيث يأتيه بالأخبار الغايبة و هو قريب من السّحر قيل: قد كان فى العرب كهنة كشق و سطيح و غيرهما فمنهم من يزعم أنّ له تابعا من الجنّ و دئيا يلقى إليه الأخبار، و منهم من كان يزعم أنّه يعرف الامور بمقدّمات و أسباب يستدلّ بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله و هذا يخصونه باسم العراف كالذى يدّعى معرفة الشّي‏ء المسروق و مكان الضالة و نحوهما.

و دعوة علم النّجوم إلى الكهانة إمّا لانّه ينجرّ أمر النجم إلى الرغبة في تعلّم الكهانة و التّكسب به أو ادّعاء ما يدّعيه الكاهن، ثمّ إنّه شبّه المنجّم بالكاهن و قال (المنجّم كالكاهن) و وجه الشّبه إمّا الاشتراك في الاخبار عن الغايبات أو فى الكذب و الاخبار بالظنّ و التخمين و الاستناد إلى الامارات الضعيفة و المناسبات السّخيفة أو في العدول و الانحراف عن سبيل الحقّ و التمسك في نيل المطالب و درك المآرب بأسباب خارجة عن حدود الشّريعة و صدّهم عن التوسل إلى اللّه بالدعاء و الصدقة و ساير أصناف الطاعة، أو فى البعد عن الرحمة و المغفرة.

و يجرى بعض هذه الوجوه في التشبيهين في قوله: (و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر) و المشبه به في التشبيهات أقوى.

و السحر على ما قيل كلام أو كتابة أو رقية أو أقسام و عزايم و نحوها يحدث بسببها ضرر على الغير، و منه عقد الرّجل عن زوجته و القاء البغضاء بين الناس، و منه استخدام الملائكة و الجنّ و استنزال الشّياطين في كشف الغايبات و علاج المصاب‏ و استحضارهم و تلبسهم ببدن صبىّ أو امرئة و كشف الغايبات على لسانه انتهى.

و الظاهر أنّه لا يختصّ بالضّرر بل ربّما يفعل لعبا أو لإبداء أمر غريب و عن صاحب العين السّحر عمل يقرب إلى الشّياطين و من السّحر الاخذة التي تأخذ العين حتّى تظن أنّ الأمر كما ترى، و ليس الأمر كما ترى فالسحر عمل خفىّ لخفاء سببه يصوّر الشّي‏ء بخلاف صورته و يقلبه من جنسه في الظاهر و لا يقلبه من جنسه في الحقيقة ألا ترى إلى قوله تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى‏.

و قال: الشّيخ في محكىّ كلامه عن التبيان قيل في معنى السّحر أربعة أقوال:

احدها أنّه خدع و مخاريق و تمويهات لا حقيقة يخيل إلى المسحور أنها حقيقة.

و الثّاني أنّه اخذ بالعين على وجه الحيلة.

و الثّالث أنّه قلب الحيوان من صورة إلى صورة و إنشاء الاجسام على وجه الاختراع فيمكن السّاحر أن يقلب الانسان حمارا و ينشى أجساما.

و الرّابع أنّه ضرب من خدمة الجنّ و أقرب الأقوال الأوّل لأنّ كلّ شي‏ء خرج عن العادة الجارية فانّه سحر لا يجوز أنّ يأتي من السّاحر، و من جوّز شيئا من هذا فقد كفر لأنّه لا يمكن معذلك العلم بصحة المعجزات الدّالة على النبوات لانّه أجاز مثله على جهة الحيلة و السّحر و في الرّياض و السّحر عرف تارة بما في الكتاب قال تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ.

و في الاحتجاج من أكبر السّحر النميمة يفرق بها بين المتحابّين و يجلب العداوة بين المتصادقين، قيل: و منه استخدام الجنّ و عرف بانّه عمل يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة و اخرى لوجه يدخل فيه العلم الطلسمات و النّيرنجات و غير ذلك، و ذلك أن يقال هو استحداث الخوارق إمّا بمجرّد التأثيرات النفسانيةو هو السّحر أو بالاستعانة بالفلكيات فقط و هو دعوة الكواكب، أو على تمزيج القوى السّماوية بالقوى الأرضية و هو الطلسمات، أو على سبيل الاستعانة بالأرواح السّاذجة و هو العزائم قيل: و الكلّ حرام في شريعة الاسلام.

و ظاهره اجماع المسلمين عليه و هو الحجة مضافا إلى النّصوص المستفيضة منها، و يدخل فيه النير نجات على ما ورد في الساحر أنّ دم السّاحر حلال و أنّ تعلم السّحر آخر العهد باللّه تعالى و حدّه القتل و نحو ذلك، و ظاهرها التّحريم مطلقا و قد استثنى منه السّحر للتوقى و دفع المتنبّى و ربّما وجب كفاية.

و روى في العيون في تفسير آية هاروت و ماروت أنّه كان بعد نوح قد كثرت السّحرة و المموهون فبعث اللّه ملكين إلى نبىّ ذلك الزّمان يذكر ما يسحر به السحرة و ذكر ما يبطل به سحرهم و يردّ به كيدهم فتلقاه النبيّ من الملكين و أداه إلى عباد اللّه بأمر اللّه أن يقفوا به على السّحر و أن يبطلوه و نهاهم أن يسحروا به الناس، و ربّما خصّت روايات الحلّ بغير السّحر كالقرآن و الذّكر و التعويذ و نحوها جمعا و هو أحوط.

ثمّ إنّه بعد تشبيه المنجّم بالكاهن و الكاهن بالساحر و الساحر بالكافر أشار بقوله (و الكافر في النّار) إلى نتيجة الجميع و هو دخول النّار إما على وجه الخلود كما في الكافر أولا كما في غيره، و لما فرغ من تنفير أصحابه عن تعلّم النجوم و قبول أحكامها أمرهم بالمسير بقوله: (سيروا على اسم اللّه) و عونه.

و ينبغي

تذييل المقام بامور مهمة

الأوّل

اعلم أنّ هذا الكلام ممّا اشتهرت روايته بين الخاصّة و العامّة و قد روى بطرق مختلفه مع اختلاف كثير في متنه و لا بأس بالاشارة إلى بعض تلك الطرق استبصارا و اطلاعا منك على مواقع الاختلاف و استظهارا و استنصارا لما أورد السّيد في الكتاب فأقول: منها ما في شرح المعتزلي عند شرح لخطبة السّادسة و الثلاثين قال: روى ابن و يزيل قال: عزم على الخروج من الكوفة إلى الحروريّة و كان في أصحابه منجّم فقال له يا أمير المؤمنين لا تسرفى هذه السّاعة و سر على ثلاث ساعات مضين من النهارفانك إن سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك أذى و ضرّ شديد، و إن سرت في ساعة التي أمرتك بها ظفرت«» و ظهرت و أصبت ما طلبت.

فقال له عليّ أ تدري ما في بطن فرسى هذه أذكر هو أم انثى قال: إن حسبت علمت، فقال من صدّقك بهذا فقد كذّب القرآن قال اللّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ الآية.

ثمّ قال إنّ محمّدا ما كان يدّعى علم ما ادّعيت علمه، أ تزعم أنك تهدى إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها و تصرف عن الساعة التي يحيق«» السوء لمن سار فيها فمن صدّقك فقد استغنى عن الاستعانة باللّه جلّ ذكره في صرف المكروه عنه و ينبغي للمؤمن بأمرك أن يوليك الحمد دون اللّه جلّ جلاله لأنك بزعمك هديته إلى السّاعة التي يصيب النفع من سار فيها، و صرفته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن آمن بك في هذا لم امن عليه أن يكون كمن اتّخذ من دون اللّه ضدا و ندا، اللهمّ لا طير إلّا طيرك و لا ضير إلّا ضيرك و لا إله غيرك.

ثمّ قال: نخالف و نسير في الساعة التي نهيتنا عنها، ثمّ أقبل على الناس فقال: أيها النّاس إياكم و التعلم للنجوم إلّا ما يهتدى به في ظلمات البرّ و البحر إنما المنجّم كالكاهن و الكاهن كالكافر و الكافر في النّار، أما و اللّه لان بلغنى أنك تعمل بالنّجوم لأخلدنك في السجن أبدا ما بقيت و لأحرمنّك العطاء ما كان لى من سلطان.

ثمّ سار في الساعة التي نهاه عنها المنجّم فظفر بأهل النهر و ظهر عليهم، ثمّ قال عليه السّلام لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجّم لقال الناس سار في الساعة التي أمر بها المنجّم فظفر و ظهر أما أنّه ما كان لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منجّم و لا لنا من بعده حتّى فتح اللّه علينا بلاد كسرى و قيصر أيّها الناس توكّلوا على اللّه و اتّقوا اللّه فانّه يكفى ممّن سواه.

و منها ما في البحار من مجالس الصّدوق عن محمّد بن عليّ ما جيلويه عن محمّدابن أبي القاسم عن محمّد بن عليّ القرشى عن نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن عبد اللّه بن عوف بن الأحمر.

قال: لما أراد أمير المؤمنين المسير إلى النهر و ان أتاه منجّم فقال له: يا أمير المؤمنين لا تسرفى هذه الساعة و سرفي ثلاث ساعات مضين من النهار، فقال أمير المؤمنين: و لم ذلك قال: لأنك إن سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك اذى و ضرّ شديد و إن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت و ظهرت و أصبت كما طلبت.

فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام تدرى ما في بطن هذا الدابة ذكر أم انثى قال: إن حسبت علمت، قال له أمير المؤمنين عليه السّلام من صدّقك على هذا القول كذب بالقرآن قال اللّه تعالى: إنّ اللّه عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدرى نفس ما ذا تكسب غدا، و ما تدري نفس بأىّ أرض تموت إنّ اللّه عليم خبير.

ما كان محمّد يدعى ما ادّعيت أ تزعم أنك تهدى إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه سوء و الساعة التي من سار فيها حاق به الضّر من صدّقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللّه عزّ و جلّ، و في ذلك الوجه و أحوج إلى الرّغبة إليك في دفع المكروه عنه و ينبغي له أن يوليك دون ربه عزّ و جلّ فمن آمن لك بهذا فقد اتّخذك من دون اللّه ندّا و ضدّا.

ثمّ قال: اللّهم لا طير إلّا طيرك و لا ضير إلّا ضيرك و لا خيرك إلّا خيرك و لا إله غيرك بل نكذبك و نخالفك و نسير في الساعة التي نهيت عنها.

قال المحدّث المجلسي بعد ما أورد الرّواية: قوله: من صدّقك على هذا القول فقد كذب بالقرآن لادّعائه العلم الذي أخبر اللّه سبحانه أنّه مختصّ به إذ ظاهر قوله تعالى عنده الاختصاص.

فان قيل: فقد أخبر النبيّ فالأئمة بالخمسة المذكورة في الآية في مواطن كثيرة فكيف ذلك‏

قلنا: المراد أنّه لا يعلمها أحد بغير تعليمه سبحانه و ما أخبروه من ذلك فانّما كان بالوحى و الالهام أو التّعلم من النبيّ الذي علمه بالوحى.

لا يقال: علم النّجوم أيضا من هذا القبيل لما سيأتى من الأخبار الدّالة على أنّ له أصلا و أنّه ممّا علمه اللّه أنبياءه فكيف يكون تصديق المنجّم تكذيبا بالقرآن لأنا نقول الذي سيظهر من الأخبار أنّ نوعا من هذا العلم حقا يعلمه الأنبياء و الأوصياء و أمّا أنّ ما في أيدى النّاس من ذلك فلا.

و قوله أن يوليك الحمد، على بناء الافعال أو التّفعيل أى يقربك من الحمد من الولى بمعنى القرب أو من قولهم ولاه الأمير عمل كذا أى قلّده ايّاه أى يجعلك وليا لمحمّد «للحمد ظ» و أهلا له أو من قولهم أوليته معروفا أى أنعمت عليه لا طير إلّا طيرك الطير من الطيرة و هى التّشام بالشّي‏ء أى لا تاثير للطيرة إلّا طيرك أى قضاؤك و قدرك على المشاكلة و يدلّ على أنّ ضرر النّجوم من جهة الطيرة، و الضير الضرر.

الثاني

قال السّيد الجليل عليّ بن طاوس (ره) في محكيّ كلامه عن كتاب النّجوم بعد ما أورد هذا الكلام له عليه السّلام نقلا عن الرّضيّ (ره) في الكتاب: إنّني رأيت فيما وقفت عليه في كتاب عيون الجواهر تأليف أبي جعفر محمّد بن بابويه (ره) حديث المنجّم الذى عرض لمولانا عليّ عليه السّلام عند مسيره إلى النهروان مسندا عن محمّد بن عليّ ما جيلويه عن عمّه محمّد بن أبي القاسم عن محمّد بن عليّ القرشي عن نصر بن مزاحم المنقرّى عن عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن عبد اللّه بن عوف ابن الأحمر قال: لمّا أراد أمير المؤمنين عليه السّلام المسير إلى النّهروان أتاه منجّم، ثمّ ذكر حديثه.

قال: فأقول إنّ في هذا الحديث عدّة رجال لا يعمل علماء أهل البيت عليهم السّلام على روايتهم و يمنع من يجوّز العمل بأخبار الآحاد من العمل بأخبارهم و شهادتهم و فيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص مقاتل الحسين عليه السّلام فانّ أخباره و رواياته مهجورةو لا يلتفت عارف بحاله إلى ما يرويه أو يسند إليه.

ثمّ طعن في الرّواية بانّها لو كانت صحيحة لكان عليه السّلام قد حكم في هذا على صاحبه الذي قد شهد مصنف نهج البلاغة أنّه من أصحابه أيضا بأحكام الكفار إمّا بكونه مرتدّا عن الفطرة فيقتله فى الحال أو يردّه عن غير الفطرة فيتوبه أو يمتنع من التّوبة فيقتل لأنّ الرّواية قد تضمّنت أنّ المنجّم كالكافر أو كان يجرى عليه أحكام الكهنة أو السّحرة لأنّ الرّواية تضمّنت أنّه كالكاهن و السّاحر و ما عرفنا إلى وقتنا هذا أنّه حكم على هذا المنجّم أحكام الكفار و لا السّحرة و لا الكهنة و لا أبعده و لا عزّره بل قال: سيروا على اسم اللّه و المنجّم من جملتهم لانّه صاحبه.

و هذا يدلك على تباعد الرّواية من صحّة النّقل أو يكون لها تأويل غير ظاهر موافق للعقل.

ثمّ قال: و ممّا نذكره من التّنبيه على بطلان ظاهر الرّواية بتحريم علم النّجوم قول الرّاوي فيها إنّ من صدّقك فقد كذب القرآن و استغنى عن الاستعانة باللّه و نعلم أنّ الطلائع للحروب مديون على السّلامة من هجوم الجيش و كثير من النّحوس و يبشّرون بالسّلامة و ما الزم من ذلك أن يوليهم الحمد دون ربّهم ثمّ انّنا وجدنا في الدّعوات الكثيرة التّعوذ من أهل الكهانة و السّحرة فلو كان المنجّم مثلهم كان قد تضمن بعض الأدعية التّعوّذ منه و ما عرفنا في الأدعية التعوّذ من النّجوم و المنجّم إلى وقتنا هذا.

و من التنبيه على بطلان ظاهر هذه الرواية أنّ الدّعوات تضمّن كثير منها و غيرها من صفات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه لم يكن كاهنا و لا ساحرا و ما وجدنا إلى الآن و لا كان عالما بالنّجوم، فلو كان المنجّم كالكاهن و الساحر ما كان يبعد أن يتضمنه بعض الرّوايات و الدعوات في ذكر الصّفات انتهى كلامه رفع مقامه.

و اورد عليه المحدّث المجلسي (ره) بعد نقل كلامه في البحار بقوله، و أقول: أمّا قدحه فى سند الرّواية فهى من المشهورات بين الخاصّة و العامّة و لذا أورده السيّد (ره) في النهج اذ دأبه فيه أن يروى ما كان مقبول الطرفين و ضعف سند الرّوايةالتي أورده الصّدوق لا يدلّ على ضعف ساير الأسانيد.

و عمر بن سعد الذي يروى عنه نصر بن مزاحم ليس الملعون الذى كان محارب الحسين عليه السّلام كما يظهر من كتابه كتاب الصّفين الذي عندنا، فان أكثر ما رواه فيه رواه عن هذا الرّجل و في كثير من المواضع عمر و مكان عمر، و لم يكن الملعون من جملة رواة الحديث و حملة الأخبار حتّى يروى عنه هذه الأخبار الكثيرة.

و أيضا رواية نصر عنه بعيد جدّا فانّ نصر كان من أصحاب الباقر عليه السّلام و الملعون لم يبق بعد شهادة الحسين عليه السّلام إلّا قليلا، و الشّواهد على كونه غيره كثيرة لا تخفى على المتدرّب في الاخبار العارف بأحوال الرّجال و هذا من السيّد غريب و أمّا قوله إنّه لم يحكم بكفر المنجّم فيرد عليه أنّ ظاهر التشبيه بالكافر أنّه ليس بكافر و إنّما يدلّ على اشتراكه معه في بعض الصفات لا في جميع الأحكام كقتله في الحال أو بعد امتناعه من التوبة على أنه عليه السّلام لم يشبهه بالكافر بل بالمشبه بالكافر.

و أما قوله و لا أبعده و لا عزّره، ففيه أنه قد ظهر مما رواه ابن أبي الحديد الابعاد بالحبس المؤبد و التحريم من العطاء، و لم يعلم أنه أصرّ المنجّم على العمل بالنجوم بعد ذلك حتى يستحقّ تعزيرا أو نكالا و عدم اشتمال رواية السيد على هذه الزّيادة لا يدلّ على عدمها، فانّ عادة السيد الاختصار على ما اختاره من كلامه عليه السّلام بزعمه استيفاء النقل و الرّواية مع عدم النقل في مثل هذا لا يدلّ على العدم.

و كونه من أصحابه عليه السّلام و بينهم لا يدلّ على كونه مرضيا فانّ جيشه عليه السّلام كان مشتملا على كثير من الخوارج و المنافقين كالأشعث أخى هذا المنجّم على ما ذكره السيد و غيره أنه كان عفيف بن قيس أخا الأشعث رأس المنافقين و مثير أكثر الفتن.

و أما قياسه على طلائع الحروب فالفرق بين الأمرين بيّن، فانّ ما يهدى إليه الطلائع و نحوهم ليست امورا يترتب عليها صرف السوء و نيل المحبوب حتما بل يتوقف على اجتماع امور كوجود الشرائط و ارتفاع الموانع و كلّ ذلك لا يتيسّر الظفر بها الّا بفضل مسبّب الأسباب بخلاف ما ادّعاه المنجّم من أنّ الظفر يترتّب حتما‏على الخروج في الساعة التي اختاره.

و أما عدم التعوّذ من النجوم و المنجّم فلأن المنجّم إنما يعود ضرره إلى نفسه بخلاف السّاحر و الكاهن فانه يترتّب منهما ضرر كثير على الناس، مع أنّ الدّعاء الذي رواه السيد في كتاب الاستخارات و أوردناه في هذا الباب يتضمّن البراءة إلى اللّه من اللّجاء إلى العمل بالنّجوم و طلب الاختيارات منها.

و أما عدم وصف النبيّ بأنه لم يكن منجّما لأنّ الكفار إنما كانوا يصفونه بالسحر و الكهانة و الشعر فورد براءته عنها ردا عليهم و لم يكونوا يصفونه بالنجوم مع أنه كان عالما بما هو الحقّ من علم النجوم و كان من فضائله صلّى اللّه عليه و آله

الثالث

روى في الاحتجاج و البحار قصّة المنجّم معه عليه السّلام بنحو آخر مشتمل على مطالب غريبة و أحكام عجيبة أحببت ايراد ذلك ضنّنا منّى أن يخلو الشّرح عن ذلك فأقول.

في الاحتجاج عن سعيد بن جبير قال استقبل أمير المؤمنين دهقان من دهاقين الفرس فقال له بعد التهنية: يا أمير المؤمنين تناحست النّجوم الطالعات و تناحست السّعود بالنّحوس و إذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء و يومك هذا يوم صعب قد انقلب فيه (كوكبان خ ل) و انقدح من برجك النّيران و ليس الحرب لك بمكان.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام ويحك يا دهقان المنبئ بالآثار المحذّر من الأقدار ما قصّة صاحب الميزان و قصّة صاحب السّرطان و كم المطالع من الأسد و السّاعات من المحركات و كم بين السرارى و الدّرارى قال: سانظرو أومأ بيده إلى كمّه و أخرج منه اسطر لابا ينظر فيه، فتبسّم عليه السّلام فقال أ تدرى ما حدث البارحة وقع بيت بالصّين، و انفرج برج ما جين، و سقط سور سر انديب، و انهزم بطريق الرّوم بارمنيه (بارمينيّة خ ل)، و فقد ديّان اليهودي بايلة، و هاج النّمل بوادى النّمل، و هلك ملك أفريقيّة أ كنت عالما بهذا قال: لا يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السّلام: البارحة سعد سبعون ألف عالم، و ولد في كلّ عالم سبعون ألفا و الليلة يموت مثلهم و هذا منهم، و أومأ بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثى لعنه اللّه و كان جاسوسا للخوارج في عسكر أمير المؤمنين، فظنّ الملعون أنّه يقول خذوه فأخذ بنفسه فمات، فخرّ الدّهقان ساجدا.

فقال أمير المؤمنين ألم اروّك من عين التّوفيق قال: بلى يا أمير المؤمنين فقال عليه السّلام أنا و صاحبي لا شرقيّ و لا غربيّ نحن ناشئة القطب و أعلام الفلك أما قولك انقدح من برجك النيران، فكان الواجب أن تحكم به لي لا عليّ، و أمّا نوره و ضياؤه فعندي و أمّا حريقه و لهبه فذهب عنّي فهذه مسألة عميقة احسبها إن كنت حاسبا.

قال المحدّث المجلسي في شرحه بعد ما أورده في البحار: «ما قصّة صاحب الميزان» أى الكواكب التي الآن في برج الميزان أو الكواكب المتعلّقة بتلك البرج المناسبة لها، و كذا صاحب السّرطان و «كم المطالع» أى كم طلع من ذلك البرج الان و «السّاعات» أى كم مضى من طلوع السّاعات من طلوع ساير المحرّكات.

و لعلّ المراد «بالسّراري» الكواكب الخفية تشبيها لها بالسّرية «و الدّراري» الكواكب الكبيرة المضيئة أو اصطلاحان في الكواكب لا يعرفهما المنجّمون، و الغرض أنّه لو كان هذا العلم فانّما يمكن الحكم به بعد الاحاطة بجميع أوضاع الكواكب و أحوالها و خواصّها في كلّ آن و زمان و المنجّمون لم يرصدوا من الكواكب إلّا أقلها و مناط أحكامهم أوضاع السّيارات فقط مع عدم احاطتهم بأحوال تلك أيضا.

ثمّ نبّهه عليه السّلام على عدم احاطته بذلك العلم أو عدم كفايته للعلم بالحوادث بجهله بكثير من الامور الحادثة، و في القاموس «البطريق» ككبريت القايد من قوّاد الرّوم تحت يده عشرة آلاف رجل انتهى و «ديّان اليهود» عالمهم و في بعض النّسخ بالنّون جمع دن و هو الجبّ العظيم «و صاحبي» أي النّبيّ «لا شرقي و لا غربي» ايماء إلى قوله سبحانه لا شرقيّة و لا غربية، و الغرض لسنا كساير الناس‏ حتّى تحكم علينا بأحكامهم كالنّجوم المنسوبة إلى العرب أو إلى الملوك أو إلى العلماء و الأشراف فانا فوق ذلك كلّه.

«نحن ناشئة القطب» أي الفرقة النّاشئة المنسوبة إلى القطب أى حقيقة لثباتهم و استقرارهم في درجات العزّ و الكمال أو كناية عن أنّهم غير منسوبين إلى الفلك و الكواكب بل هي منسوبة إليهم و سعادتها بسببهم، أو أنّهم قطب الفلك إذ الفلك يدور ببركتهم «و» هم «أعلام الفلك» بهم يتزيّن و يتبرّك و يسعد.

ثمّ الزم عليه السّلام عليه في قوله «انقدح من برجك النّيران» بأنّ للنّار جهتين جهة نور وجهة إحراق فنورها لنا و إحراقها على عدوّنا، و يحتمل أن يكون المراد به أنّ اللّه يدفع ضررها عنّا بتوسّلنا به تعالى و توكلنا عليه «فهذه مسألة عميقة» أى كوننا ممتازين عن ساير الخلق في الأحكام أو كون النيران خيرا لنا و شرّا لعدوّنا و أنّ التوسل و الدّعاء يدفع النحوس و البلاء مسألة عميقة خارجة عن قانون نجومك و حسابك و يبطل جميع ما تظنّ من ذلك.

و في البحار روينا باسنادنا إلى الشيخ سعيد محمّد بن رستم بن جرير الطبري الامامي عن الحسين بن عبد اللّه الجرمي و محمّد بن هارون التلعكبري عن محمّد بن أحمد ابن محروم عن أحمد بن القاسم عن يحيى بن عبد الرحمن عن عليّ بن صالح بن حيّ الكوفي عن زياد بن المنذر عن قيس بن سعد قال: كنت كثيرا اساير أمير المؤمنين عليه السّلام إذا سار إلى وجه من الوجوه فلما قصد أهل النهروان و صرنا بالمداين و كنت يومئذ مسايرا له إذ خرج إليه قوم من أهل المداين من دهاقينهم معهم براذين قد جاءوا بها هدية إليه فقبلها، و كان فيمن تلقاه دهقان من دهاقين المداين يدعى سرسفيل، و كانت الفرس تحكم برأيه فيما مضى و ترجع إلى قوله فيما سلف فلما بصر بأمير المؤمنين قال له: يا أمير المؤمنين لترجع عما قصدت قال و لم ذاك يا دهقان قال: يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطوالع فنحس أصحاب السعود و سعد أصحاب النحوس و لزم الحكيم‏ في مثل هذا اليوم الاستخفاء و الجلوس، و أنّ يومك هذا يوم مميت قد اقترن فيه كوكبان قتّالان، و شرف فيه بهرام في برج الميزان، و انقدح «و انفذت خ» من برجك النيران و ليس الحرب لك بمكان.

فتبسّم أمير المؤمنين عليه السّلام ثمّ قال: أيّها الدّهقان المنبئ بالاخبار و المحذّر من الاقدار ما نزل البارحة في آخر الميزان و أىّ نجم حلّ في السّرطان قال: سأنظر ذلك و أخرج من كمه اسطرلابا و تقويما، قال له أمير المؤمنين: أنت مسير الجاريات قال: لا قال: فأنت تقضى على الثابتات قال لا: قال: فاخبرنى عن طول الأسد و تباعده من المطالع و المراجع و ما الزّهرة من التوابع و الجوامع قال: لا علم لى بذلك.

قال عليه السّلام: فما بين السوارى إلى الدّرارى و ما بين السّاعات إلى المعجزات و كم قدر شعاع المبدرات و كم تحصل الفجر في الغدوات قال: لا علم لي بذلك، قال: فهل علمت يا دهقان أنّ الملك اليوم انتقل من بيت إلى بيت بالصّين و انقلب برج ماجين و احترق دور بالزّنج و طفح جبّ سرانديب و تهدم حصن الاندلس و هاج نمل الشّيخ و انهزم مراق الهندي و فقد ديان اليهود بايلة و هزم بطريك الرّوم برومية و عمى راهب عموديّة و سقطت شرفات القسطنطنية أفعا لم أنت بهذه الحوادث و ما الذي أحدثها شرقيها أو غربيها من الفلك قال: لا علم لي بذلك.

قال و بأىّ الكواكب تقضى في أعلى القطب و بأيّها تنحس من تنحس قال: لا علم لي بذلك قال: فهل علمت أنّه سعد اليوم اثنان و سبعون عالما في كلّ عالم سبعون عالما، منهم في البرّ و منهم في البحر و بعض في الجبال و بعض في الغياض و بعض في العمران و ما الذي أسعدهم قال: لا علم لى بذلك.

قال يا دهقان أظنك حكمت على اقتران المشترى و زحل لما استنار لك فى الغسق و ظهر تلا لاشعاع المريخ و تشريقه في السحر و قد سار فاتّصل جرمه بجرم تربيع القمر، و ذلك دليل على استحقاق ألف ألف من البشر كلّهم يولدون اليوم و الليلة و يموت مثلهم و أشار بيده إلى جاسوس في عسكره لمعاوية فقال: و يموت هذا فانّه منهم.

فلما قال عليه السّلام ذلك ظن الرّجل أنّه قال: خذوه فأخذه شي‏ء بقلبه و تكسرت نفسه في صدره فمات لوقته.

فقال: يا دهقان ألم أرك عين «غير خ ل» التقدير في غاية التصوير قال: بلى يا أمير المؤمنين قال: يا دهقان أنا مخبرك إنى و صحبى هؤلاء لا شرقيّون و لا غربيّون إنما نحن ناشئة القطب و ما زعمت أنّه انقدح البارحة من برجى النيران فقد كان يجب أن تحكم معه لى لأنّ نوره و ضيائه عنده فلهبه ذاهب عنّى.

يا دهقان هذه قضية عيص فاحسبها و ولّدها ما إن كنت عالما بالأكوار و الأدوار، فقال: لو علمت ذلك لعلمت تحصى عقود القصب في هذه الاجمة.

و مضى أمير المؤمنين فهزم أهل النهروان و قتلهم و عاد بالغنيمة و الظفر، فقال الدّهقان ليس هذا العلم بما في أيدى أهل زماننا هذا علم مادته في السّماء.

قال المجلسى أكثر السّؤالات المذكورة في الرّواية على تقدير صحّتها و ضبطها مبنيّة على اصطلاحات معرفتها مختصة بهم اوردها لبيان عجزه و جهله و عدم إحاطة علمه بما لا بد منه في هذا العلم «و كم تحصل الفجر في الغدوات» يحتمل أن يكون المراد به زمان ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فانّ ذلك يختلف في الفصول و «طفح جبّ سرانديب» امتلاء و ارتفع، و منه سكران طافح و «الشّيح» نبت معروف و يحتمل أن يكون المراد هنا الوادى الذى هو منبته.

و «العمودية» ماء للنّصارى يغمسون فيه اولادهم و «ما الذي أحدثها» أى بزعمك «شرقيها» أى الكواكب «ألم أرك غير التّقدير» بكسر الغين و فتح الياء اى التغيرات النّاشئة من تقديرات اللّه تعالى و في بعض النّسخ عين التّقدير أى أصله «هذه قضية عيص» بالاضافة إلى الاصل في القاموس العيص بالكسر الاصل و في بعض النّسخ عويصة اى صعبة شديدة و «ولّدها» بصيغة الأمر و تشديد اللّام أى استنتج منها.

الرابع

فى تحقيق الكلام في علم النجوم و جواز العمل بأحكامه، و قد اختلف في‏

ذلك الأخبار ككلمات علمائنا الأخيار و البحث في مقامات ثلاثة.

المقام الاول

في بطلان ما زعمه قدماء المنجمين من أنّ الكواكب تفعل في الأرض و من عليها أفعالا يسندونها إلى طباعها.

فأقول: إنّ اعتقاد ذلك كفر و زندقة و الحاد دلّت على امتناعه الأدلّة النقليّة و البراهين العقليّة.

قال الشّيخ إبراهيم بن نوبخت في كتاب الياقوت: قول المنجمين يبطله قدم الصّانع و اشتراط اختياره و يلزم عليهم أن لا يستقرّ الفعل على حال من الأحوال و قول أهل الطبايع يبطل بمثل ذلك.

و قال العلامة في شرح ذلك: اختلف قول المنجّمين على قسمين: أحدهما قول من قال إنّ الكواكب السّبعة حية مختارة، و الثاني قول من قال إنّها موجبة و القولان باطلان أما الأوّل فلأنها أجسام محدثة فلا تكون آلهة، و لأنّها محتاجة إلى محدث غير جسم فلا بدّ من القول بالصّانع، و أما الثاني فلأنّ الكواكب المعين كالمريخ مثلا إذا كان مقتضيا للحرب لزم دوام وقوع الهرج و المرج في العالم و أن لا يستقرّ أفعالهم على حال من الأحوال و لما كان ذلك باطلا كان ما ذكروه باطلا، و أما القائلون بالطبايع الذين يسندون الأفعال إلى مجرّد الطبيعة فيبطل قولهم بمثل ذلك أيضا فانّ الطبيعة قوّة جسمانية في كلّ جسم محدث فكلّ قوة حالة فهى محدثة تفتقر إلى محدث غير طبيعة و إلّا لزم التسلسل فلا بدّ من القول بالصّانع سبحانه.

و قال أيضا في محكىّ كتاب المنتهى: التنجيم حرام و كذا تعلّم النجوم مع اعتقاد أنّها مؤثرة أو أنّ لها مدخلا في التاثير بالنفع و الضّرر و بالجملة كلّ من يعتقد ربط الحركات النفسانية و الطبيعية بالحركات الفلكية و الاتّصالات الكوكبية كافر و أخذ الاجرة على ذلك حرام.

و قال علم الهدى في كتاب الغرر و الدّرر: و قد فرغ المتكلّمون من الكلام في أنّ الكواكب لا يجوز أن تكون فينا فاعلة و تكلّمنا نحن أيضا في مواضع على ذلك‏ و بيّنا بطلان الطبايع التي يهذون بذكرها و إضافة الافعال إليها و بيّنا أنّ الفاعل لا بدّ أن يكون حيا قادرا و قد علمنا أنّ الكواكب ليست بهذه الصفة فكيف تفعل و ما يصحّح الأفعال مفقود فيها.

و قد سطر المتكلّمون طرفا كثيرة في أنها ليست بحيّة و لا قادرة أكثرها معترض و اشف«» ما قيل في ذلك أنّ الحياة معلوم انّ الحرارة الشّديدة كحرارة النّار تنفيها و لا تثبت معها و معلوم أنّ حرارة الشمس أشدّ و أقوى من حرارة النّار بكثير لأنّ الذي يصل إلينا على بعد المسافة من حرارة الشّمس بشعاعها يماثل أو يزيد على حرارة النار و ما كان بهذه الصّفة من الحرارة يستحيل كونه حيّا.

و أقوى من ذلك كلّه في نفى كون الفلك و ما فيه من شمس و قمر و كوكب أحياء السمع و الاجماع و أنّه لا خلاف بين المسلمين في ارتفاع الحياة عن الفلك و ما يشتمل عليه من الكواكب و أنها مسخّرة مدبّرة مصرفة، و ذلك معلوم من دين رسول اللّه ضرورة و إذا قطعنا على نفى الحياة و القدرة عن الكواكب فكيف تكون فاعلة.

و على أننا قد سلّمنا لهم استظهارا في الحجة أنّها قادرة قلنا إنّ الجسم و إن كان قادرا قدرا فانّه لا يجوز أن يفعل في غيره إلّا على سبيل التوليد، و لا بدّ من وصلة بين الفاعل و المفعول فيه، و الكواكب غير مماسة لنا و لا وصلة بيننا و بينها فكيف تكون فاعلة فينا، فان ادّعى أنّ الوصلة بيننا الهواء فالهواء أوّلا لا يجوز أن يكون آلة في الحركات الشّديدة و حمل الاثقال، ثمّ لو كان الهواء آلة تحرّكنا بها الكواكب لوجب أن نحسّ بذلك و نعلم أنّ الهواء يحرّكنا و يصرفنا كما نعلم في غيرنا من الأجسام إذا حرّكنا بآلة على أنّ في الحوادث الحادثة فينا ما لا يجوز أن يفعل بآلة و لا يتولّد عن سبب كالارادات و الاعتقادات و أشياء كثيرة فكيف فعلت الكواكب ذلك فينا.

و هى لا يصحّ أن تكون مخترعة للأفعال لأنّ الجسم لا يجوز أن يكون قادرة إلّا بقدرة و القدرة لا يجوز لأمر يرجع إلى نوعها أن تخترع بها الأفعال فأمّا الادمة«» فليس تؤثرها الشّمس على الحقيقة في وجوهنا و أبداننا و إنّما اللّه تعالى هو المؤثر لها و فاعلها بتوسّط حرارة الشّمس كما أنّه تعالى هو المحرّق على الحقيقة بحرارة النّار و الهاشم لما يهشمه الحجر بثقله و حرارة الشّمس مسوّدة الأجسام من جهة معقولة مفهومة كما أنّ النّار تحرق الاجسام على وجه معقول فأىّ تأثير للكواكب فينا يجرى هذا المجرى في تمييزه و العلم بصحته فليشر إليه فانّ ذلك لا قدرة عليه.

و ممّا يمكن أن يعتمد في إبطال أن تكون الكواكب فاعلة و مصرّفة لنا أن ذلك يقتضى سقوط الأمر و النهى و المدح و الذّم عنّا، و نكون معذورين في كلّ إسائة تقع منا و نجيئها بأيدينا و غير مشكورين على شي‏ء من الاحسان و الافضال و كلّ شي‏ء نفسد به قول المجبرة فهو مفسد لهذا المذهب.

الثاني

في أنّه بعد ما تحقق بطلان كون الكواكب عللا مؤثرة مدّبرة لهذا العالم السّفلى موجدة لما فيه فهل يمكن كونها أمارات و علامات على وقوع بعض الحوادث في هذا العالم ممّا يوجده اللّه تعالى بقدرته، و هل يمكن الاطلاع بالحوادث الاستقبالية من أشكال الكواكب و اتّصالاتها و ما يعرض لها من الأوضاع و الهيآت بقرب بعضها من بعض أو بعده بأن يجرى عادة اللّه سبحانه على فعل كذا عند كذا.

الحقّ إمكان ذلك وفاقا لاكثر الأصحاب لما سمعنا و شاهدنا من إصابة كثير من المنجمين في أحكامهم النّجوميّة و إن كان خطائهم فيها كثيرا أيضا، و يبعد بأن تكون تلك الاصابة كلّها من باب البخث و الاتفاق.

و قد خالف في ذلك المرتضى و بالغ كلّ المبالغة في إنكار أصل هذا العلم و زعم أنّ جميع ما اتفق من اخبار المنجمين من باب الاتفاق و التخمين نحو ما يقوله الفوّالون.

قال فى كتاب الغرر و الدرر ما ملخصه: إنّ جريان عادة اللّه بأن يفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع كوكب أو غروبه أو اتّصاله أو مفارقته و إن كان جائزا لكن لا طريق إلى العلم بأنّ ذلك قد وقع و ثبت من أين لنا بأنّ اللّه تعالى قد أجرى العادة بأن يكون زحلا و المرّيخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا، و أنّ المشترى إذا كان كذلك كان سعدا، و أىّ سمع مقطوع به جاء بذلك و أىّ نبي خبر به و استفيد من جهته.

فان عوّلوا في ذلك على التجربة بانّا جرّ بنا ذلك و من كان قبلنا فوجدناه على هذه الصّفة و إذا لم يكن موجبا وجب أن يكون معتادا.

قلنا و من سلم لكم صحّة هذه التّجربة و انتظامها و اطرادها و قدر أينا خطائكم فيها أكثر من صوابكم و صدقكم أقلّ من كذبكم فالّا نسبتم الصّحة إذا اتفقت منكم إلى الاتفاق الذي يقع من المخمن و المرجّم، فقد رأينا من يصيب من هؤلاء أكثر ممّن يخطى و هو غير أصل معتمد و لا قاعدة صحيحة.

فاذا قلتم: سبب خطاء المنجم زلل دخل عليه في أخذ الطالع أو تسيير الكواكب، قلنا و لم لا كانت اصابته سببها التخمين و إنّما كان يصحّ لكم هذا التأويل و التخريج لو كان على صحّة احكام النجوم دليل قاطع هو غير اصابة المنجّم، فامّا إذا كان دليل صحّة الاحكام الاصابة فالا كان دليل فسادها الخطاء فما أحدهما في المقابلة إلّا كصاحبه إلى أن قال.

و بعض الرّؤساء بل الوزراء ممّن كان فاضلا في الأدب و الكتابة و مشعوفا بالنّجوم عاملا عليها قال لي يوما و قد جرى حديث يتعلق بأحكام النجوم و راى من مخايلي التّعجب ممّن يتشاغل بذلك و يفنى زمانه به: اريد أن أسألك عن شي‏ء في نفسي، فقلت: سل عمّا بدا لك، فقال: اريد أن تعرّفنى هل بلغ بك التّكذيب باحكام النّجوم إلى أن لا تختار يوما لسفر و لبس ثوب جديد و توجه في حاجة فقلت: قد بلغت إلى ذلك و الحمد للّه و زيادة عليه و ما في دارى تقويم و لا انظر فيه و ما رأيت مع ذلك إلّا خيرا.

ثم أقبلت عليه فقلت ندع ما يدلّ على بطلان احكام النجوم ممّا يحتاج إلى ظن دقيق و روية طويلة و ههنا شي‏ء قريب لا يخفى على أحد ممن علت طبقته في الفهم او انخفضت.

خبرنى لو فرضنا جادّة مسلوكة و طريقا يمشى فيه النّاس ليلا و نهارا و في محجته آبار متقاربة و بين بعضها و بعض طريق يحتاج سالكه إلى تأمّل و توقف حتّى يتخلّص من السّقوط في بعض تلك الآبار هل يجوز أن يكون سلامة من يمشي في هذا الطريق من العميان كسلامة من يمشي من البصراء، و قد فرضنا أنّه لا يخلو طرفة عين من المشاة فيه بصراء و عميان و هل يجوز أن يكون عطب البصراء يقارب عطب العميان أو سلامة العميان مقاربة بسلامة البصراء فقال: هذا ممّا لا يجوز بل الواجب أن تكون سلامة البصراء أكثر من سلامة العميان و لا يجوز في مثل هذا التّقارب.

فقلت: إذا كان هذا محالا فاحيلوا نظيره و ما لا فرق بينه و بينه و أنتم تجيزون شبيه ما ذكرناه و عديله، لأنّ البصراء هم الذين يعرفون أحكام النّجوم و يميزّون سعدها من نحسها و يتوقون بهذه المعرفة مضارّ الزّمان و يتحفّظونها و يعتمدون منافعه و يقصدونها، و مثال العميان كلّ من لا يحسن تعلّم النّجوم و لا يلتفت إليه من الفقهاء و الفهماء و أهل الدّيانات و العبادات ثمّ ساير العوام و الأعراب و الأكراد و هم أضعاف أضعاف من يراعى عدد النّجوم، و مثال الطريق الذي فيه الآبار الزّمان الذي يمضى عليه الخلق أجمعون، و مثال آباره مصايبه و نوائبه و محنه.

و قد كان يجب لو صحّ العلم بالنجوم و أحكامها أن تكون سلامة المنجّمين أكثر و مصايبهم أقلّ لأنّهم يتوقّون المحن لعلمهم بها قبل كونها و تكون محن كلّ من ذكرناه من الطبقات الكثيرة أوفر و أظهر حتّى تكون السّلامة هي الطريقة الغريبة و قد علمنا خلاف ذلك أنّ السّلامة و المحن متقاربة غير متفاوته.

فقال: ربّما اتّفق مثل ذلك، فقلت له: فيجب أن نصدّق من خبرنا في ذلك الطريق المسلوك الذي فرضناه بأنّ سلامة العميان كسلامة البصراء، و نقول لعلّ‏ذلك اتّفق، و بعد فانّ الاتّفاق لا يستمرّ بل ينقطع و هذا الذي ذكرناه مستمرّ غير منقطع إلى أن قال: و من أدلّ الدّليل على بطلان أحكام النّجوم إنّا قد علمنا أنّ من جملة معجزات الأنبياء عليهم السلام الاخبار عن الغيوب و عدّ ذلك خارقا للعادات كاحياء الميّت و ابراء الأكمه و الأبرص، و لو كان العلم بما يحدث طريقا نجوميا لم يكن ما ذكرناه معجزا و لا خارقا للعادة، و كيف يشتبه على مسلم بطلان أحكام النّجوم.

و قد أجمع المسلمون قديما و حديثا على تكذيب المنجمين و الشّهادة بفساد مذاهبهم و بطلان احكامهم، و معلوم من دين الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ضرورة التّكذيب بما يدّعيه و الازراء عليهم و التعجيز لهم و في الرّوايات عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ذلك ما لا يحصى كثرة و كذلك عن علماء أهل بيته عليهم السّلام و خيار أصحابه فما زالوا يبرون من مذاهب المنجمين و يعدّونها ضلالا و محالا و ما اشتهر هذه الشهرة في دين الاسلام كيف يفتى بخلافه منتسب إلى الملّة و مصلّ إلى القبلة.

فأمّا إصابتهم في الاخبار عن الكسوفات فلأجل أنّ الكسوفات و اقترانات الكواكب و انفصالها طريقة و الحساب و تسيير الكواكب، و له اصول صحيحة و قواعد سديدة، و ليس كذلك ما يدعونه من تأثيرات الكواكب في الخير و الشّر و النّفع و الضرّ، انتهى كلامه رفع مقامه.

و مثله شيخ المتكلمين محمود بن علىّ الحمصى قال في محكى كلامه في البحار: إنّا لا نردّ عليهم فيما يتعلّق بالحساب في تسيير النّجوم و اتّصالاتها التي يذكرونها فانّ ذلك ممّا لا يهمّنا و لا هو مما يقابل بانكار و ردّ ثمّ قال: فان قيل: كيف تنكرون الاحكام و قد علمنا أنهم يحكمون بالكسوف و رؤية الأهلّة و يكون الأمر على ما يحكمون في ذلك، و كذلك يخبرون عن امور مستقبلة تجرى على الانسان و تجرى تلك الامور على ما أخبروا عنها فمع وضوح الأمر فيما ذكرناه كيف تدفع الأحكام قلنا إنّ إخبارهم عن الكسوف و الخسوف و رؤية الأهلّة فليس من الأحكام‏ و إنّما هو من باب الحساب إنّما الحكم أن يقولوا إذا كان كسوف أو خسوف كان من الحوادث كذا و كذا، فامّا الامور المستقبلة التي يخبرون عنها فأكثرها لا تقع على ما يخبرون عنه و إنّما يقع قليل منه بالاتفاق و مثل ذلك يتفق لأصحاب الفال و الزّجر الذين لا يعرفون النجوم بل للعجايز اللواتي يتفأ لن بالأحجار و الذي قد يخبر المصروع و كثير من ناقصي العقول عن أشياء فيتّفق وقوع ما يخبرون عنه انتهى.

و نحوهما الشّيخ محمّد بن الحسين الكيدرى قال في شرحه على الكتاب على ما حكى عنه في البحار: كيف يمكن أن يكون الانسان يعرف الحوادث و أسبابها في الحال حتّى يعرف المسبّبات في المستقبل كما في الجزر و المدّ، و من ادّعى أنّه يعرف أسباب الكاينات فمقدّماته ليست برهانية و إنما هى تجربية أو شعريّة أو خطابية مؤلفة من المشهورات في الظاهر أو المقبولات و المظنونات.

و مع ذلك فلا يمكنه أن يتعرّض إلّا لجنس من أجناس الأسباب و هو تعرّض بعض الأسباب العلوّية و لا يمكنه أن يتعرّض لجميع الاسباب السّماوية و القوابل و اذا تغيرت القوابل عن احوالها تغير أثر الفاعل فيها فانّ النّار في الحطب اليابس مؤثرة تأثيرا لا تؤثر في الرّماد و كذلك معرفة بقائها على استعداد القبول شرط و يمكن أن يكون القوابل عوائق فلا يعلم تلك الأسباب و المسببات إلّا اللّه تعالى.

و أيضا فانّ المنجم يحكم على مفردات الكواكب و لا يحكم على جميعها ممتزجة و كما أنّ أحكام مفردات الترياق و ساير المعاجين غير أحكام المركب الذي حصلت له صورة نوعية، كذلك حكم الكواكب المركوزة في الأفلاك غير حكم أفرادها، و إذا لم يمكن المنجم الحكم إلّا على المفردات كان الحكم ناقصا غير موثوق به.

ثمّ إنّه ربّما يحصل التوأمان في غشاء فيكشف عنهما فاذا فيه صبيّان حيّان و على قوانين الاحكاميين يجب أن يكونا مثلين في الصورة و العمر و الحركات حتّى لا يجوز أن يختلفا في شي‏ء من الأشياء و لا يجوز أن يسكت أحدهما في وقت كلام‏ الآخر و لا يقوم في وقت قعود الآخر و لا ينام في وقت لا ينام فيه الآخر، و إذا دخلا بيتا فيه باب ضيق فلا يمكنهما الدّخول فانّه لا بدّ ههنا من التّقدم و التّأخر، و لا يجوز أن يمسّ الانسان أحدهما دون الآخر، و لا يجوز أن يكون في التزويج امرأة أحدهما غير امرأة الآخر و لا أن يكون مكان أحدهما غير مكان الآخر في الأرض و هذا ما لا يخفى فساده.

و أيضا فانّ الحكم الكلّي عند أكثرهم يغلب الجزئي ألا ترى أنّ طالع ناحية أو بلد إذا كان فاسدا فانّه لا يفيد عطية الكدخداه لانسان فكيف يعتمد على الطوالع و الاختيارات مع نفى العلم بالكليات.

و من شنيع قولهم انّهم يقولون إذا ولد للملك في حال ولد و لسوقى ولد، فانّ الكواكب تدلّ لابن الملك بخلاف ما يدلّ لابن السوقى مع اتّفاقهما في كمية العمر لأن حيلاجهما و كدخداهما لا يختلفان، فاذا جاز دلالة النّجوم مختلفة في سعادة هذين الولدين فما أنكروا أن يكون مقادير أعمارهما أيضا مختلفة.

و اختلفوا في تقويم الكواكب باختلاف الزّيجات و لا برهان على فساد بعضها و صواب بعضها فربما يوجد في تقويم الشّمس من التّفاوت خمس درج و تختلف درج الطوالع و بروج التّحاويل بسبب ذلك فتفسد الاحكام.

ثمّ أورد عليهم كثيرا من الاختلافات و التّناقضات لا نطيل الكلام بايرادها.

اقول: و ما ذكره هؤلاء الأفاضل من الاختلافات و التناقضات و الاستبعادات كلّها مسلم إلّا أنّ دلالتها على بطلان علم النّجوم من أصله ممنوعة، و نحن لا نضايق من كثرة خطاء المنجمين و خبطهم في أحكامهم إلّا أنّ إصابتهم فيها أيضا غير عزيز و دعوى أنّ كلّ هذه الاصابة على كثرتها من باب الاتفاق كما ترى، و سرّ كثرة وقوع الخطاء فيها أنّ ما في أيدى النّاس من هذا العلم غير تامّ و تمامه إنّما هو عند أئمة الدين الذينهم خزّان العلم و اليقين.

و يشهد بما ذكرناه من صحّة هذا العلم في الجملة و على أنّ له أصلا الأخبار و الاعتبار.

اما الاخبار فهى كثيرة لا تحصى.

منها روايتا الاحتجاج و البحار السالفتان في التنبيه الثالث.

و منها ما رواه في الكافي باسناده عن معلّي بن خنيس قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النّجوم أحقّ هي قال: نعم إنّ اللّه عزّ و جل بعث المشترى إلى الأرض في صورة رجل فأخذ رجلا من العجم فعلّمه النجوم حتّى ظن أنّه قد بلغ، ثمّ قال له: انظر أين المشترى، فقال: ما أراه في الفلك و ما أدرى أين هو، قال: فنحاه و أخذ بيد رجل من الهند فعلمه حتّى ظن أنّه قد بلغ، و قال: انظر إلى المشترى اين هو فقال: إنّ حسابى ليدلّ على أنك أنت المشترى، و قال فشهق شهقة فمات و ورث علمه أهله فالعلم هناك.

و منها ما في البحار من كتاب النجوم عن الرّيان بن الصّلت، و ذكر اجتماع العلماء بحضرة المامون و حضور الصّباح بن نصر الهندى عند مولانا الرّضا عليه السّلام و سؤاله عن مسائل كثيرة منها سؤاله عن علم النجوم فقال عليه السّلام ما هذا لفظه: هو علم في أصل صحيح ذكروا أنّ أوّل من تكلّم في النجوم إدريس و كان ذو القرنين بها ماهرا و أصل هذا العلم من عند اللّه عزّ و جلّ و يقال أنّ اللّه بعث النجم الذى يقال له المشترى إلى الأرض في صورة رجل فأتى بلد العجم فعلّمهم في حديث طويل فلم يستكملوا ذلك، فأتى بلد الهند فعلّم رجلا منهم فمن هناك صار علم النجوم بها و قد قال قوم هو علم من علم الأنبياء خصّوا به لأسباب شتّى فلم يستدرك المنجمون الدّقيق منها فشابوا الحقّ بالكذب.

هذا آخر لفظ مولينا عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام في هذه الرواية الجليلة الأسناد و قوله عليه السّلام حجة على العباد، و قوله عليه السّلام ذكروا و يقال فانّ عادته عند التّقية من المخالفين و العامة يقول نحو هذا الكلام و تارة يقول كان أبى يقول و تارة روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و منها ما فيه أيضا من كتاب النجوم و جادة في كتاب عتيق عن عطا قال: قيل لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام: هل كان للنجوم أصل قال: نعم نبيّ من الأنبياء قال له قومه إنا لا نؤمن بك حتّى تعلّمنا بدء الخلق و آجاله فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى غمامة فأمطرتهم و استنقع حول الجبل ماء صافيا، ثمّ أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى الشّمس و القمر و النجوم أن تجرى في ذلك الماء، ثمّ أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى ذلك النبيّ أن يرتقى هو وقوعه على الجبل فارتقوا الجبل فقاموا على الماء حتّى عرفوا بدء الخلق و آجاله بمجارى الشّمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النّهار.

و كان أحدهم يعلم متى يموت و متى يمرض و من ذا الّذي يولد له و من ذا الّذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهرهم.

ثمّ إنّ داود عليه السّلام قاتلهم على الكفر فاخرجوا إلى داود في القتال من لم يحضر أجله و من حضر أجله أخلفوه في بيوتهم فكان يقتل من أصحاب داود و لا يقتل من هؤلاء واحد، فقال داود عليه السّلام ربّ اقاتل على طاعتك و يقاتل هؤلاء على معصيتك فيقتل أصحابي و لا يقتل من هؤلاء أحد فأوحى اللّه عزّ و جلّ إنّى كنت علّمتهم بدء الخلق و آجاله إنّما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم فمن ثمّ يقتل من أصحابك و لا يقتل منهم أحد قال داود: يا ربّ على ما ذا علّمتهم قال تعالى: على مجارى الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار.

قال عليه السّلام فدعا اللّه عزّ و جلّ فحبس الشمس عليهم فزاد في النّهار و اختلط الزّيادة بالليل و النهار فلم يعرفوا قدر الزّيادة فاختلط حسابهم قال عليّ عليه السّلام فمن ثمّ كره النظر فى علم النجوم، و رواه فيه أيضا عن الدّر المنثور، نعم زاد فيه أنّ النبيّ المذكور كان يوشع بن نون.

و منها ما رواه يونس بن عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك أخبرنى عن علم النجوم ما هو قال عليه السّلام هو علم من علم الأنبياء، قال فقلت: كان عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يعلمه فقال: كان أعلم النّاس به.

و الاخبار في هذا المعنى كثيرة لا نطيل بذكرها و من أراد الزّيادة فليراجع‏إلى كتاب السّماء و العالم من البحار، فقد عقد المجلسي «ره» فيه بابا على ذلك و استوفى الكلام فيه.

و اما الاعتبار فهو إنا قد سمعنا تظافرا بل تواترا و حصل لنا العلم وجدانا بأنّ من المنجمين من حصل له العلم بجملة من الحوادث الاستقبالية في موارد شتى من طريق النجوم و حكموا فيه فكان حكمه مطابقا للواقع و لا بأس بالاشارة إلى بعض تلك الموارد تاييدا و استظهارا.

فمنها دلالة النجوم على نبوّة نوح فقد رواه في البحار من كتاب التجمل باسناده عن جميل عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام عمن ذكره قال: قد كان علم نبوّة نوح بالنجوم.

و منها دلالتها على إبراهيم ففي البحار أيضا من كتاب النجوم من كتاب التجمّل إنّ آذر أبا إبراهيم كان منجما لنمرود و لم يكن يصدر إلّا عن أمره فنظر ليلة في النجوم فأصبح و هو يقول لنمرود لقد رأيت في النجوم عجبا، قال: و ما هو قال: رأيت مولودا يولد في زماننا يكون هلاكنا على يديه و لا يلبث إلّا قليلا حتى يحمل به قال: فتعجب من ذلك ثم قال: هل حملت به النساء بعد قال: لا، فحجب الرّجال عن النساء و لم يدع امرأة إلّا جعلها في المدينة و لا يخلص إليها بعلها.

قال فوقع آذر على أهله فحملت بابراهيم فظنّ أنّه صاحبه فأرسل إلى قوابل ذلك الزّمان و كنّ أعلم النّاس بالجنين و لا يكون في الرّحم شي‏ء إلّا عرفنه و علمن به، فنظرن فالزم ما في الرّحم الظهر فقلن ما نرى في بطنها شيئا، قال و كان ممّا اوتي من العلم أنّ المولود سيحرق بالنار و لم يؤت علما أنّ اللّه سينجيه منها.

قال المجلسي و قد روى هذا الحديث عليّ بن إبراهيم في كتاب تفسير القرآن بأبسط من هذه الرّواية و رواه أيضا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبرى في الجزء الأول من تاريخه، و رواه أيضا سعيد بن هبة اللّه الراوندى في كتاب قصص الأنبياء، و رواه الثعلبي في تفسيره و غيره من العلماء.

و منها دلالتها على نبوّة موسى عليه السّلام و كتب التواريخ مشحونه بذلك و قد روى‏المجلسي من كتاب العرايس للثعلبي قال إنّ فرعون رأى في منامه أنّ نارا قد أقبلت من بيت المقدس حتّى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها و أحرقت القبط و تركت بني اسرائيل، فدعى فرعون السّحرة و الكهنة و المعبرين و المنجمين و سألهم عن رؤياه فقالوا له: إنّه يولد في بني اسرائيل غلام يسلبك ملكك و يغلبك على سلطانك، و يخرجك و قومك من أرضك و يذلّ دينك و قد اطلك زمانه الذي يولد فيه.

و منها دلالتها على نبوّة عيسى عليه السّلام روى في البحار من كتاب النبوة لابن بابويه فى باب سياقه حديث عيسى بن مريم فقال ما هذا لفظه: و قدم عليها و فد من علماء المجوس زائرين معظمين لامر ابنها و قالوا إنا قوم ننظر في النجوم فلما ولد ابنك طلع بمولده نجم من نجوم الملك فنظرنا فيه فاذا ملكه ملك نبوّة لا يزول عنه و لا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء و يجاور ربّه عزّ و جلّ ما كانت الدنيا مكانها ثمّ يصير إلى ملك هو أطول و أبقى مما كان فيه.

فخرجنا من قبل حتّى رفعنا إلى هذا المكان فوجدنا النجم متطلعا عليه من فوقه فبذلك عرفنا موضعه و قد اهدينا له هدية جعلناها له قربانا لم يقرب مثله لأحد قط و ذلك إنا وجدنا هذا القربان يشبه أمره و هو الذهب و المرّ و اللبان لأنّ الذهب سيد المتاع كلّه و كذلك ابنك سيد الناس ما كان حيّا، و لأنّ المرّجبار الجراحات و العاهات كلّها و لأنّ اللّبان يبلغ دخانه السّماء و لن يبلغها دخان شي‏ء غيره و كذلك ابنك يرفعه اللّه عزّ و جلّ إلى السّماء و ليس يرفع من أهل زمانه غيره.

و منها دلالتها على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ففى البحار و جاده في كتاب دلايل النبوّة جمع أبي القاسم الحسين بن محمّد السّكوني باسناده عن حسان بن ثابت قال إنى و اللّه لغلام يافع يقوا بن سبع أو ثمان سنين أعقل كلّما سمعت إذ سمعت يهوديّا و هو على أكمة يثرب يصرخ يا معشر اليهود فلما اجتمعوا قالوا ويلك مالك قال: طلع نجم أحمد الذى يبعث به الليلة.

قال: و وجدت كتابا عندنا الآن اسمه كتاب اليد الصينى عمله كشينا ملك‏الهند يذكر فيه تفصيل دلالة النّجوم على نبوّة نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و منها موارد متفرقة ذكر السيّد بن طاوس (ره) في رسالته التي دوّنها في النّجوم و ذكر جماعة من العلماء المعتنين بهذا العلم العارفين به تاييدا لصحّته.

قال المجلسي: و السيّد الجليل النبيل عليّ بن طاوس (ره) لانس قليل له بهذا العلم عمل في ذلك رسالة و بالغ في الانكار على من اعتقد أنّ النّجوم ذوات إرادة فاعلة أو مؤثرة و استدلّ على ذلك بدلايل كثيرة و أيّده بكلام جمّ غفير من الأفاضل إلّا أنّه أنكر على السّيد الأجلّ المرتضى (ره) في تحريمه و ذهب إلى أنّه من العلوم المباحات و أنّ النّجوم علامات و دلالات على الحادثات لكن يجوز للقادر الحكيم أن يغيّرها بالبرّ و الصدقة و الدّعآء و غير ذلك من الاسباب و الدّواعى على وفق إرادته و حكمته، و جوّز تعليم علم النّجوم و تعلّمه و النظر فيه و العمل به إذا لم يعتقد انها مؤثرة، و حمل أخبار النّهى و الذّم على ما إذا اعتقد ذلك.

ثمّ ذكر تأييدا لصحّة هذا العلم أسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به فقال: إنّ جماعة من بني نوبخت كانوا علماء بالنجوم و قدوة في هذا الباب و وقفت على عدّة مصنّفات لهم في النّجوم و أنها دلالات على الحادثات.

منهم الحسن بن موسى النّوبختى.

و من علماء المنجمين من الشيعة أحمد بن محمّد بن خالد البرقي و ذكر النجاشي في كتبه كتاب النّجوم.

و منهم أحمد بن محمّد بن طلحة، فقد عدّ الشيخ و النجاشى من كتبه كتاب النجوم و الشيخ النجاشي كان له تصنيف في النجوم.

و من المذكورين بعلم النّجوم الجلودي البصرى.

و منهم عليّ بن محمّد بن العدوى و الشّمشاطى فانّه ذكر النجاشى أنّ له رسالة في إبطال أحكام النجوم.

و منهم عليّ بن محمّد العباس فانّ النجاشي ذكر في كتبه كتاب الردّ على المنجمين كتاب الرّد على الفلاسفة.

و منهم محمّد بن أبي عمير.

و منهم محمّد بن مسعود العياشي فانّه ذكر في تصانيفه كتاب النجوم.

و منهم موسى بن الحسن بن عباس بن اسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت قال النجاشي كان حسن المعرفة بالنجوم و له مصنّفات فيه و كان مع ذلك حسن العبادة و الدّين.

و منهم الفضل بن أبي سهل بن نوبخت وصل إلينا من تصانيفه ما يدلّ على قوّة معرفته بالنجوم و ذكر عن العيون ما أوردته في أبواب تاريخ الرّضا عليه السّلام من أنّه أخبر المأمون بخطاء المنجمين في السّاعة التي اختاروها لولاية العهد، فزجره المأمون و نهاه أن يخبر به أحدا فعلم أنّه تعمد ذلك.

أقول: و الظاهر أنّ المراد بها هي ما رواها في العيون عن البيهقى عن الصّولي عن عون بن محمّد قال: حدّثنى الفضل بن أبي سهل النوبختى أو عن أخ له قال: لما عزم المأمون على العقد للرّضا عليه السّلام بالعهد قلت و اللّه لأعتبر ما في نفس المأمون من هذا الأمر أيحبّ تمامه أو هو تصنع به، فكتبت إليه على يد خادم له كان يكاتبني باسراره على يده: قد عزم ذو الرّياستين على عقد العهد و الطالع السّرطان و فيه المشترى و السّرطان و إن كان شرف المشترى فهو برج منقلب لا يتمّ أمر يعقد فيه و مع هذا فانّ المريخ في الميزان في بيت العاقبة و هذا يدلّ على نكبة المعقود له و عرفت أمير المؤمنين ذلك لئلا يعتب علىّ إذا وقف على هذا من غيرى.

فكتب إلىّ إذا قرأت جوابى إليك فاردده إلىّ مع الخادم و نفسك أن يقف أحد على ما عرفتنيه أو أن يرجع ذو الرّياستين عن عزمه فانّه إن فعل ذلك الحقت الذّنب بك و علمت أنك سببه، قال فضاقت علىّ الدّنيا و تمنّيت أنّى ما كنت كتبت إليه.

ثمّ بلغنى أنّ الفضل بن سهل ذو الرّياستين قد تنبّه على الأمر و رجع عن‏عزمه و كان حسن العلم بالنجوم فخفت و اللّه على نفسي و ركبت إليه فقلت له: أتعلم نجما في السّماء أسعد من المشترى قال: لا قلت: أ فتعلم أنّ في الكواكب نجما تكون في حال أسعد منها في شرفها قال: لا، قلت: فامض العزم على رأيك إذ كنت تعتقد أن الفلك في أسعد حالاته فامضى الأمر على ذلك فما علمت أنّى من أهل الدّنيا حتّى وقع العقد فزعا من المأمون.

قال: و منهم السّيد الفاضل عليّ بن أبي الحسن العلويّ المعروف بابن الأعلم و كان صاحب الزّيج.

و منهم أبو الحسن النقيب الملقب أبا قيراط.

و منهم الشّيخ الفاضل الشّيعي عليّ بن الحسين بن عليّ بن المسعودي مصنّف كتاب مروج الذّهب.

و منهم أبو القاسم ابن نافع من أصحابنا الشّيعة.

و منهم ابراهيم الفرازى صاحب القصيدة في النّجوم و كان منجّما لمنصور.

و منهم الشّيخ الفاضل أحمد بن يوسف بن إبراهيم المصرى كاتب آل طولون.

و منهم الشّيخ الفاضل محمّد بن عبد اللّه بن عمر الباز يار القميّ تلميذ أبي معشر.

و منهم الشيخ الفاضل أبو الحسين بن أبي الخضيب القميّ.

و منهم أبو جعفر السقاء المنجم ذكره الشّيخ في الرّجال.

و منهم محمّد بن أحمد بن سليم الجعفي مصنّف كتاب الفاخر.

و منهم محمود بن الحسين بن السّندي بن شاهك المعروف بكشاجم ذكر ابن شهر آشوب أنّه كان شاعرا منجّما متكلّما.

و منهم العفيف بن قيس أخو الأشعث ذكره المبرد، و قد مرّ أنّه قيل إنه هو الذي أشار إلى أمير المؤمنين بترك قتال الخوارج في السّاعة التي أراد.

ثمّ قال (ره) و ممّن أدركته من علماء الشّيعة العارفين بالنجوم و عرفت بعض إصاباته‏

الفقيه العالم الزّاهد الملقب خطير الدّين محمود بن محمّد.

و ممّن رأيته الشيخ الفاضل أبو نصر الحسن بن علي القمّي، ثمّ عدّ من اشتهر بعلم النّجوم و قيل انّه من الشّيعة فقال: منهم أحمد بن محمّد السّنجري، و الشّيخ الفاضل عليّ بن أحمد العمراني، و الفاضل اسحاق بن يعقوب الكندى.

قال و ممّن اشتهر بالنجوم من بني العباس محمّد بن عبد العزيز الهاشمي و عليّ بن القاسم القصرى، و قال وجدت فيما وقفت عليه أنّ عليّ بن الحسين بن بابويه القمي كان ممن أخذ طالعه في النّجوم و أنّ ميلاده بالسنبلة، ثمّ قال روى الشيخ في اختيار الكشي في بيان حال أبي خالد السجستاني حمدويه و إبراهيم عن محمّد بن عثمان قال: حدّثنا أبو خالد السجستاني أنّه لما مضى أبو الحسن عليه السّلام وقف عليه ثمّ نظر في نجومه فزعم أنّه قد مات فقطع على موته و خالف أصحابه.

ثمّ قال: ففى هذا عدّة فوايد منها أنّ هذا أبو خالد كان واقفيا يعتقد أنّ أبا الحسن موسى عليه السّلام ما مات فدله اللّه تعالى بعلم النجوم على موته و قد كان هذا العلم سبب هدايته.

و منها أنّه كان من أصحاب الكاظم عليه السّلام و لم يبلغنا أنّه عليه السّلام أنكر عليه علم النّجوم و منها أنّه لو علم أبو خالد أنّ علم النّجوم منكر عند إمامه لما اعتمد عليه في عقيدته و منها اختيار جدّي الطوسى لهذا الحديث و تصحيحه و قد تقدّم ثناؤه على جماعة من العلماء بالنجوم ثم قال: و ممّن اشتهر بعلمه من بنى نوبخت عبد اللّه بن أبي سهل.

و من العلماء بالنجوم محمّد بن إسحاق النديم كان منجما للعلوي المصري.

و من المذكورين بالتصنيف في علم النّجوم حسن بن أحمد بن محمّد بن عاصم المعروف بالعاصمي المحدّث الكوفي ثقة سكن بغداد فمن كتبه الكتب النّجومية ذكر ذلك ابن شهر آشوب في كتاب معالم العلماء.

و ممّن اشتهر بعلم النّجوم من المنسوبين إلى مذهب الاماميّة الفضل بن سهل وزير المأمون فروى محمّد بن عبدوس الجهشيارى و غيره ما معناه أنّه لما وقع بين الأمين و المأمون ما وقع و اضطربت خراسان و طلب جند المأمون أرزاقهم و توجّه علىّ بن‏ عيسى بن ماهان من العراق لحرب المأمون و صعد المأمون إلى منظرة للخوف على نفسه من جنده و معه الفضل و قد ضاق عليه مجال التدبير و عزم على مفارقة ما هو فيه أخذ الفضل طالعه و رفع اسطر لابا و قال ما تنزل من هذه المنزلة إلّا خليفة غالبا لأخيك الأمين فلا تعجل و ما زال يسكنه و يثبته حتّى ورد عليهم في تلك الساعة رأس عليّ بن عيسى و قد قتله طاهر و ثبت ملكه و زال ما كان يخافه و ظفر بالامان و روى خبرا آخر مثل ذلك.

ثمّ قال و ممّن كان عالما بالنجوم من المنسوبين إلى الشيعة الحسن بن سهل ثمّ ذكر ما أخرجنا من العيون في أبواب تاريخ الرّضا عليه السّلام من حديث الحمام و قتل الفضل فيه.

أقول: الرّواية في العيون بسنده عن ياسر الخادم يذكر فيها خروج الرّضا عليه السّلام و المأمون و ذى الرّياستين من مرو إلى المدينة و فيها: و خرج المأمون و خرجنا مع الرّضا عليه السّلام فلما كان بعد ذلك بأيام و نحن في بعض المنازل ورد على ذي الرّياستين كتاب عن أخيه الحسن بن سهل إنّى نظرت في تحويل هذه السنة في حساب النجوم فوجدت فيه أنّك تذوق فى شهر كذا يوم الأربعا حرّ الحديد و حرّ النار و أرى أن تدخل أنت و الرّضا عليه السّلام و أمير المؤمنين الحمام في ذلك اليوم فتحتجم أنت فيه و تصب الدّم ليزول نحسه عنك.

فبعث الفضل إلى المأمون و كتب إليه بذلك و سأله أن يدخل الحمام معه و سأل أبا الحسن عليه السّلام أيضا ذلك فكتب المأمون إلى الرّضا عليه السّلام رقعة في ذلك فسأله أن يدخل الحمام معه فكتب إليه أبو الحسن عليه السّلام لست بداخل غدا الحمام و لا أرى لك يا أمير المؤمنين أن تدخل الحمام غدا و لا أرى الفضل أن يدخل الحمام غدا فأعاد إليه مرّتين فكتب إليه أبو الحسن عليه السّلام لست بداخل غدا الحمام فانى رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في النوم في هذه الليلة يقول لى يا على لا تدخل الحمام غدا فكتب إليه المأمون: صدقت يا سيدي و صدق رسول اللّه لست بداخل غدا الحمام و الفضل فهو أعلم و ما فعله.

قال ياسر فلما أمسينا و غابت الشمس فقال لنا الرّضا عليه السّلام قولوا نعوذ باللّه من‏ شرّ ما ينزل في هذه الليلة فأقبلنا نقول ذلك فلما صلّى الرّضا عليه السّلام الصّبح قال لنا: قولوا نعوذ باللّه من شرّ ما ينزل في هذا اليوم فما زلنا نقول ذلك.

فلما كان قريبا من طلوع الشّمس قال لي الرّضا عليه السّلام اصعد السّطح فاستمع هل تسمع شيئا فلما صعدت سمعت الصّيحة «الضجة خ ل» و النّحيب و كثرة ذلك فاذا بالمأمون قد دخل من الباب الذى كان إلى داره من دار أبي الحسن عليه السّلام يقول يا سيدى يا أبا الحسن آجرك اللّه في الفضل و كان دخل الحمام فدخل عليه قوم بالسّيوف و اخذ من دخل عليه في الحمام و كانوا ثلاثة نفر أحدهم ابن خالة الفضل ذو العلمين قال و اجتمع القواد و الجند و من كان من جند ذى الرّياستين على باب المأمون فقالوا اغتاله و قتله فلنطلبن بدمه.

فقال المأمون للرّضا عليه السّلام يا سيدي ترى أن تخرج إليهم فتفرّقهم قال: ياسر فركب الرّضا عليه السّلام و قال لي اركب فلما خرجنا من الباب نزل الرّضا عليه السّلام إليهم و قد اجتمعوا و جاءوا بالنّيران ليحرقوا الباب فصاح بهم و أومى إليهم بيده تفرّقوا، فتفرّقوا قال ياسر فأقبل النّاس و اللّه يقع بعضهم على بعض و ما اشار إلى أحد الّا ركض و مرّ و لم يقف به.

ثمّ قال السّيد رأيت في كتاب الوزراء جمع عبد الرّحمن بن المبارك أنّه ذكر محمّد بن سعيد أنّه وجد على كتاب من كتب ذي الرّياستين بخطه هذه السنة الفلانية التي تكون فيها النكبة و إلى اللّه نرغب في رفعها و إن صحّ من حساب الفلك شي‏ء فالأمر واقع فيها لا محالة و نسأل اللّه أن يختم لنا بخير بمنّه، و كان يعمل لذي الرّياستين تقويم في كلّ سنة فيوقع عليه هذا يوم يصلح لكذا و يجنب في هذا اليوم كذا، فلما كان في السّنة التي قتل فيها عرض عليه اليوم فجعل يوقع فيه ما يصلح حتّى انتهى إلى اليوم الذى قتل فيه فقال: افّ لهذا اليوم ما أشرّه علىّ و رمى بالتّقويم.

و روى عن اخت الفضل قالت: دخل الفضل إلى امّه في الليلة التي قتل فى صبيحتها فقعد إلى جانبها و أقبل يعظها و يعزّيها عن نفسه و يذكرها حوادث الدّهرو تقضى امور العباد، ثمّ قبّل صدرها و ثديها و ودّعها و داع المفارق، ثمّ قام فخرج و هو قلق منزعج لما دلّه عليه الحساب، فجعل ينتقل من موضع إلى موضع و من مجلس إلى مجلس و امتنع عليه النوم.

فلما كان السّحر قام إلى الحمام و قدر أن يجعل غمه و حرارته و كربه هو الذي دلّت عليه النّجوم، و قدمت له بغلة فركبها و كان الحمام في آخر البستان فكبت به البغلة فسرّه ذلك و قدر أنّها هي النكبة التي كان يتخوّفها، ثمّ مشى إلى الحمام و لم يزل حتّى دخل الحمام و اغتسل فيه فقتل.

قال: و من المذكورين بعلم النجوم بوران بنت الحسن بن سهل، وجدت فى مجموع عتيق أنّ بوران كان في المنزلة العليا بأصناف العلوم لا سيّما في النجوم فانها برعت فيه و بلغت أقصى نهايته و كانت ترفع الاسطر لاب كلّ وقت و تنظر إلى مولد المعتصم فعثرت يوما بقطع عليه سببه الخشب.

فقالت لوالدها الحسن انصرف إلى أمير المؤمنين و عرّفه أنّ الجارية فلانة قد نظرت إلى المولد و رفعت الاسطر لاب فدلّ الحساب و اللّه أعلم أنّ قطعا يلحق أمير المؤمنين من خشب في السّاعة الفلانية من يوم بعينه.

قال الحسن: يا قرّة عينى يا سيّدة الحراير إنّ أمير المؤمنين قد تغيّر علينا و ربّما أصغى إلى شي‏ء بخلاف ما يقتضيه وجه المشورة و النّصيحة، قالت يا أبه و ما عليك من نصيحة إمامك لأنّه خطر بروح لا عوض منها، فان قبلها و إلّا كنت قد أدّيت المفروض عليك.

قال: فانصرف الحسن إلى المعتصم و عرّفه ما قالت بوران، قال المعتصم: أيّها الحسن أحسن اللّه جزائها و جزائك انصرف اليها و خصّها عنى بالسّلام و اسألها ثانيا و احضر عندى اليوم الذي عيّنت عليه و لازمني حتّى ينصرم النوم و يذهب فلست اشار كك في هذه المشورة و التّدبير أحدا من البشر.

قال فلما كان صباح ذلك اليوم دخل عليه الحسن فأمر المعتصم حتّى خرج كلّ من في المجلس و خلا إليه و أشار عليه أن ينتقل عن المجلس الثّقفى إلى مجلس‏ ابن ارخى «رازجى كذا فى الاصل» لا يوجد فيه وزن درهم واحد من الخشب، و ما زال الحسن يحدثه و المعتصم يمازحه و ينشطه حتّى أظهر النّهار و ضربت نوبة الصّلاة فقام المعتصم ليتوضّأ فقال الحسن لا تخرج أمير المؤمنين عن هذا المجلس و يكون الوضوء و الصّلاة و كلّ ما تريد فيه حتّى ينصرم اليوم.

فجائه خادم و معه المشط و المسواك فقال الحسن للخادم امتشط بالمشط و استك بالسّواك فامتنع و قال و كيف أتناول آلة أمير المؤمنين، قال المعتصم و يلك امتثل قول الحسن و لا تخالف ففعل فسقطت ثناياه و انتفخ دماغه و خرّ مغشيّا عليه و رفع ميتا، و قام الحسن ليخرج فاستدعاه المعتصم إليه و احتضنه و لم يفارقه حتّى قبّل عينيه و ردّ على بوران أملاكا و ضياعا، و كان ابن الزّيات سلبها عنها و ذكر مثله برواية اخرى.

و روى من كتاب الوزراء لمحمد بن عبدوس عن إسماعيل بن صبيح قال: كنت يوما بين يدي يحيى بن خالد البرمكى فدخل عليه جعفر بن يحيى فلما رآه صاح و اعرض بوجهه عنه و قطب و كره رؤيته فلما انصرف قلت له: أطال اللّه بقائك تفعل هذا بابنك و حاله عند أمير المؤمنين حالة لا يقدم عليه ولدا و لاوليا، فقال: إليك عنى أيّها الرّجل فو اللّه لا يكون هلاك أهل هذا البيت إلّا بسببه.

فلما كان بعد مدّة من ذلك دخل عليه أيضا جعفر و أنا بحضرته ففعل مثل ما فعل الأوّل و أكدت عليه القول فقال: ادن منّي الدّوات، فأدنيتها و كتب كلمات يسيرة في رقعة و ختمها و دفعها إلىّ و قال: بلى ليكن عندك فاذا دخلت سنة سبع و ثمانين و مأئة و مضى النّجوم فانظر فيها، فلما كان في صفر أوقع الرّشيد بهم فنظرت في الرقعة فكان الوقت الذي ذكره، قال اسماعيل، و كان يحيى أعلم النّاس بالنجوم.

و روى أيضا عن محمّد بن عبدوس صاحب كتاب الوزراء عن موسى بن نصر الوصيف عن أبيه قال: غدوت إلى يحيى بن خالد في آخر أمرها اريد عيادته من علّة كان يجدها، فوجدت في دهليزه بغلا مسرّجا فدخلت إليه فكان يأنس بى و يفضى إلىّ بسرّه، فوجدته مفكرا مهموما و رأيته مستخلا مشتغلا بحساب النّجوم و هوينظر فيه فقلت له: إنى لما رأيت بغلا مسرّجا سرّنى لأنى قدرت انصراف العلّة و أنّ عزمك الرّكوب، ثمّ قد غمّني ما أراه من همك قال: فقال لى: إنّ لهذا البغل قصّة إنّى رأيت البارحة في النّوم كأنى راكبة حتّى وافيت رأس الجسر من الجانب الأيسر فوقفت فاذا بصايح يصيح من الجانب الآخر:

         كان لم يكن بين الحجون الى الصفا            انيس و لم يسمر بمكة سامر

قال فضربت يدي على قربوس السّوج و قلت:

         بلى نحن كنا أهلها فأبادنا            صروف الليالى و الجدود العواثر

ثمّ انتبهت فلجأت إلى أخذ الطالع فأخذته و ضربت الأمر ظهرا لبطن فوقفت على أنه لا بد من انقضاء مدّتنا و زوال أمرنا، قال: فما كان يكاد يفرغ من كلامه حتّى دخل عليه مسرور الخادم بخوانة مغطاة و فيها رأس جعفر بن يحيى و قال له: يقول لك أمير المؤمنين: كيف رأيت نقمة اللّه في الفاجر فقال له يحيى قوله يا أمير المؤمنين أرى انّك أفسدت عليه دنياه و أفسد عليك آخرتك.

ثمّ قال: و من رأيت ذكره في علماء النجوم و إن لم أعلم مذهبه إبراهيم بن السّندى بن شاهك و كان منجما طبيبا متكلّما.

و من العلماء بالنّجوم عضد الدولة بن بويه و كان منسوبا إلى التشيّع و لعلّه كان يرى مذهب الزّيدية.

و منهم الشّيخ المعظم محمود بن علىّ الحمصى كما حكينا عنه.

و منهم جابر بن حيّان صاحب الصّادق عليه السّلام و ذكره ابن النّديم في رجال الشّيعة.

و ممّن ذكر بعلم النجوم من الوزراء أبو أيّوب سليمان بن مخلد المورياني.

و ممن ظهر فيه العمل على النجوم البرامكة ذكر عبد اللّه «الرحمن فى الأصل» بن المبارك أنّ جعفرا لما عزم على الانتقال إلى قصره الذي بناه و جمع المنجمين لاختيار وقت ينتقل فيه فاختار واله وقتا من الليل، فلما حضر الوقت خرج على حمار من الموضع الذي‏ينزل على قصره و الطرق خالية و النّاس ساكنون فلما وصل إلى سوق يحيى رأى رجلا يقول:

 يدبّر بالنجوم و ليس يدرى            و ربّ النّجم يفعل ما يريد

فاستوحش و وقف و دعا بالرّجل فقال له: أعد علىّ ما قلت فأعاده فقال: ما أردت بهذا قال: و اللّه ما أردت به معنى من المعاني لكنّه عرض لى و جاء على لساني فأمر له بدنانير.

ثمّ ذكر اصابات كثيرة من المنجّمين نقلا من كتبهم، و نقل من كتاب ربيع الأبرار أنّ رجلا دخل اصبعيه في حلقتى مقراض و قال لمنجّم: ايش ترى في يدي فقال: خاتمى حديد.

و قال: فقدت في دار بعض الرّؤساء مشربة فضة فوجّه إلى ابن هامان يسأله فقال: المشربة سرقت نفسها، فضحكت منه و اغتاض و قال: هل في الدار جارية اسمها فضّة أخذت الفضّة فكان كما قال.

و قال: سعى بمنجّم فامر بصلبه فقيل له هل رأيت هذا في نجومك فقال: رأيت ارتفاعا و لكن لم أعلم أنّه فوق خشبة.

و قال: من الملوك المشهورين بعلم النجوم و تقريب أهله المأمون، و ذكر محمّد بن اسحاق أنّه كان سبب نقل كتب النجوم من بلاد الرّوم و نشرها بين المسلمين.

و ذكر المسعودى في حديث وفات المأمون قال: فأمرنا باحضار جماعة من أهل الموضع فسألهم ما تفسير التديون فقالوا: تفسيره مدّ رجليك، فلما سمع المأمون بذلك اضطرب و تطيّر بهذا الاسم و قال سلوهم ما اسم هذا الموضع بالعربية قالوا: اسمه بالعربيّة الرقة، و كان فيما عمل من مولد المأمون أنّه يموت بالرقة، فلما سمع اسم الرقة عرفه أنّه الموضع الذي ذكر في مولده و أنّه لا يموت إلّا برقة فمات به كما اقتضت دلالة النّجوم، انتهى ما أردنا ايراده من كلام السيّد.

فقد بان و ظهر منه و ممّا قدّمنا أنّ الاصابة في النّجوم غير عزيزة و إن كان الخطاء فيها كثيرا أيضا إلّا أنّ وقوع الخطاء لا يدلّ على بطلانها من أصلها و سرّ كثرة الخطاء هو ما أشرنا إليه سابقا من عسر الضّبط و الاحاطة بأقطارها.

و إليه الاشارة في خبر عبد الرّحمن بن السّيابة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك إنّ النّاس يقولون إنّ النّجوم لا يحلّ النّظر فيها فان كان يضرّ بديني فلا حاجة لي في شي‏ء يضرّ بديني، و إن كان لا يضرّ بديني فو اللّه إنّى لأشتهيها و أشتهى النّظر إليها، فقال: عليه السّلام ليس كما يقولون لا يضرّ بدينك، ثمّ قال عليه السّلام: إنّكم تنظرون في شي‏ء كثيره لا يدرك و قليله لا ينفع.

و في خبر هشام قال قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام كيف بصرك في النّجوم قلت: ما خلفت بالعراق أبصر بالنّجوم ثمّ سأله عن أشياء لم يعرفها، ثمّ قال عليه السّلام: فما بال العسكرين يلتقيان في هذا و في ذاك فيحسب هذا لصاحبه بالظفر و يحسب هذا لصاحبه بالظفر فيلتقيان فيهزم أحدهما الآخر فأين كانت النّجوم قال: فقلت: و اللّه ما أعلم ذلك، فقال عليه السّلام: إنّ أصل الحساب حقّ و لكن لا يعلم ذلك إلّا من علم مواليد الخلق.

الامر الخامس

في الحكم الشرعي للعمل بالنّجوم و أنّه هل يجوز تعليمه و تعلّمه و استنباط الأحكام منه و الاخبار عن الحوادث الاستقباليّة على وجه القطع أو الظنّ من طريق النّجوم.

المستفاد من السّيد بن طاوس (ره) في كلامه الذي قدّمنا ذكره في المقام الثاني هو الجواز بحمل الأخبار النّاهية على ما إذا اعتقد التأثير.

و مثله شيخنا البهائي (ره) في محكيّ كلامه و ما يدّعيه المنجّمون من ارتباط بعض الحوادث السفليّة بالأجرام العلويّة إن زعموا أنّ تلك الأجرام هي العلّة المؤثّرة في تلك الحوادث بالاستقلال أو أنّها شريكة في التأثير فهذا لا يحلّ للمسلم اعتقاده، و علم النّجوم المبتني على هذا كفر و العياذ باللّه، و على هذا حمل ما ورد في‏الحديث من التّحذير عن علم النّجوم و النّهى عن اعتقاد صحّته.

و إن قالوا إنّ اتصالات تلك الاجرام و ما يعرض لها من الاوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم ممّا يوجده اللّه سبحانه بقدرته و إرادته كما أنّ حركات النّبض و اختلافات أوضاعه علامات يستدلّ بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصّحة و اشتداد المرض و نحو ذلك، و كما يستدلّ باختلاج بعض الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة، فهذا لا مانع منه و لا حرج في اعتقاده، و ما روي من صحّة علم النّجوم و جواز نقله محمول على هذا المعنى.

ثمّ قال: الامور التي يحكم بها المنجّمون من الحوادث الاستقباليّة اصول بعضها مأخوذة من أصحاب الوحى سلام اللّه عليهم، و بعضها يدّعون فيها التّجربة، و بعضها مبتن على امور منشعبة لا تفي قوّة البشريّة في الأغلب بضبطها و الاحاطة بها كما يؤمى إليه قول الصّادق عليه السّلام: كثيره لا يدرك و قليله لا ينتج «ينفع»، فلذلك وجد الاختلاف في كلامهم و تطرّق الخطاء إلى بعض أحكامهم و من اتّفق له الجرى على الاصول الصّحيحة صحّ كلامه و صدقت أحكامه لا محالة كما نطق به كلام الصّادق عليه السّلام في الرّواية المذكورة قبيل هذا الفصل يعني رواية ابن سيابة، و لكن هذا أمر عزيز المنازل لا يظفر به إلا القليل و اللّه الهادى إلى سواء السّبيل.

أقول: و لقد أجاد (ره) فيما أفاد إلّا أنّ في الأخبار النّاهية ما يأبي عن الحمل الذي ذكره مثل خبر المنجّم الذي عرض لأمير المؤمنين عليه السّلام عند المسير إلى النّهروان على ما تقدّم روايته منّا و من السّيد (ره) في المتن، فانّ الظاهر منها أنّ المنجّم المذكور لم يكن معتقدا للتّأثير في النّجوم و مع ذلك فقد نهاه عليه السّلام عنه بمحض حكمه المستند إليه فافهم.

و يظهر من شيخنا صاحب الجواهر الميل إلى الجواز أيضا حيث قال: و التّحقيق أنّه لا بأس بالنّظر في هذا العلم و تعلّمه و تعليمه و الاخبار عمّا يقتضيه ممّا وصل إليه من قواعده لا على جهة الجزم بل على معنى جريان عادة اللّه بفعل كذا عند كذا و عدم اطّراده غير قادح، فانّ اللّه يمحو ما يشاء و يثبت و عنده أمّ الكتاب، بل قد يتوقّف‏في الكراهة فضلا عن الحرمة، بل يمكن حصول زيادة العرفان بمعرفته و الترقّى إلى بعض درجات الايمان بممارسته.

و دعوى أنّ فيه تعريضا للوقوع في المحظور من اعتقاد التّأثير فيحرم لذلك أو لأنّ أحكامه تخمينيّة كما ترى خصوصا الثّاني ضرورة عدم حرمة مراعات الظنون في أمثال ذلك بل لعلّ المعلوم من سيرة النّاس و طريقتهم خلافه في الطبّ و غيره و التّعريض المزبور مع أنّه ممنوع لا يكفى فى الحرمة و إلّا لحرّم النّظر في علم الكلام الذي خطره أعظم من ذلك فلا ريب في رجحان ما ذكرناه بل لا يبعد أن يكون النّظر فيه نحو النّظر في علم هيئة الأفلاك الذي يحصل بسببه الاطلاع على حكمة اللّه و عظم قدرته.

نعم لا ينبغي الجزم بشي‏ء من مقتضياته لاستيثار اللّه بعلم الغيب، انتهى.

و ذهب المرتضى (ره) إلى الحرمة، و هو ظاهر المحدّث المجلسي بل صريحه في البحار حيث قال بعد بسط الكلام في علم النّجوم و نقل الأخبار و أقوال العلماء فيه ما لفظه: و أمّا كونها امارات و علامات جعلها اللّه دلالة على حدوث الحوادث في عالم الكون و الفساد فغير بعيد عن السداد و قد عرفت أنّ كثيرا من الأخبار تدلّ على ذلك.

و هى إمّا مفيدة للعلم العادي لكنّه مخصوص ببعض الأنبياء و الأئمة عليهم السلام و من أخذها منهم لأنّ الطريق إلى العلم بعدم ما يرفع دلالتها من وحى أو إلهام و الاحاطة بجميع الشّرايط و الموانع و القوابل مختصّة بهم.

أو مفيدة للظنّ، و وقوع مدلولاتها مشروط بتحقّق شروط و رفع موانع، و ما في أيدي النّاس ليس ذلك العلم أصلا أو بعضه منه لكنّه غير معلوم بخصوصه و لا يفيد العلم قطعا، و افادته نوعا من الظنّ مشكوك فيه.

و أمّا تعليمه و تعلّمه و العمل به و الاخبار بالامور الخفيّة و المستقبلة و أخذ الطوالع و الحكم بها على الأعمار و الأحوال الظاهر حرمة ذلك لشمول النهى له، و ما ورد أنّها دلالات و علامات لا يدلّ على التّجويز لغير من أحاط علمه بجميع‏ذلك من المعصومين و ما دلّ على الجواز فأخبار أكثرها ضعيفة.

و يمكن حملها على التّقية لشيوع العمل بها في زمن خلفاء الجور و السلاطين في أكثر الأعصار و تقرّب المنجّمين عندهم و ربّما يؤمى بعض الأخبار إليه، و يمكن حمل اخبار النّهى على الكراهة الشّديدة و الجواز على الاباحة أو حمل أخبار النّهى على ما إذا اعتقد التأثير و الجواز على عدمه كما فعله السّيد ابن طاوس و غيره و لكن الأوّل أظهر و أحوط.

أقول: و الأظهر عندي هو الجواز مع الكراهة، أمّا الجواز فللأخبار المجوّزة و أمّا الكراهة فخروجا عن خلاف من منعه و لوجود أخبار النّهى المحمولة عليها.

فان قلت: أخبار النّهى ظاهرة في الحرمة فلم لا تحملها على ظاهرها.

قلت: إبقاؤها على ظواهرها موجب لطرح الأخبار الاخر و الجمع بقدر الامكان أولى، فلا بدّ من صرفها عن الظاهر بحملها على الكراهة أو بالحمل على صورة اعتقاد التأثير و ذلك إنّما يجرى في بعضها حسبما أشرنا، و أمّا حمل الأخبار المجوّزة على التّقية فبعيد لاشتهار العمل بها بين الخاصّة كالعامّة كما عرفت في المقام الثّالث‏و عمل بعض أصحاب الأئمة عليهم السّلام بها مع عدم منعهم عن ذلك حسبما قدّمنا.

و إلى ذلك ذهب المحقّق الكركي (ره) حيث قال بعد الحكم بحرمة اعتقاد التّأثير و كونه كفرا: أمّا التّنجيم لا على هذا الوجه مع التّحرز عن الكذب فانّه جايز فقد ثبت كراهيّة التّزويج و سفر الحجّ في العقرب و ذلك من هذا القبيل، نعم هو مكروه و لا ينجرّ إلى الاعتقاد الفاسد و قد ورد النّهى عنه مطلقا حسما للمادّة و هو أيضا مذهب شيخنا العلّامة الأنصارى في المكاسب، قال بعد ذكر الأخبار الدّالّة على أنّ للنّجوم أصلا و الأخبار الدّالّة على كثرة خطاء المنجّمين ما هذا لفظه: و من تتبّع هذه الأخبار لم يحصل له ظنّ بالأحكام المستخرجة عنها فضلا«»عن القطع، نعم قد يحصل من التّجربة خلفا عن سلف الظنّ بل العلم بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الأوضاع الفلكية، فالأولى التجنّب عن الحكم بها و مع الارتكاب فالأولى الحكم على سبيل التقريب و أنّه لا يبعد أن يقع كذا عند كذا، و اللّه المسدّد.

الترجمة

از جمله كلام هدايت نظام آن حضرتست كه فرموده است آن را از براى بعض اصحاب خود در حينى كه عزم فرموده بود بر رفتن بسوى خوارج نهروان، پس گفت آن حضرت را بعض اصحاب او اى أمير مؤمنان اگر سير بفرمائى در اين وقت مى‏ ترسم كه نرسى بمقصود خويش از طريقه و قاعده علم نجوم پس فرمود او را كه: آيا گمان مى ‏كني كه تو راه مى‏ يابى بساعتى. كه هر كه سفر كند در آن بگردد از او بدى و مى‏ ترسانى از ساعتى كه هر كه سير نمايد در آن احاطه كند باو ضرر هر كه تصديق كند تو را باين سخنان پس بتحقيق كه تكذيب نموده است بر قرآن و مستغني شده است از يارى جستن بخدا در رسيدن بأمر محبوب و در دفع كردن مكروه و سزاوار است در گفتار تو اين كه تو را حمد نمايد نه پروردگار خود را از جهة اين كه تو بگمان خود راه نما شدى او را بساعتي كه رسيده در آن بمنفعت، خواطر جمع شد در آن از مضرّت، بعد از آن توجّه فرمود آن حضرت بمردمان پس فرمود كه أى مردمان حذر نمائيد از تعلّم علم نجوم مگر آن چيزى كه هدايت بيابيد بآن در بيابان يا در دريا پس بدرستى كه معرفت نجوم داعى مى‏شود بر كاهنى و منجّم همچو كاهن است و كاهن همچو ساحر است و ساحر همچو كافر است و كافر در آتش است، بعد از آن حضرت فرمود بأصحاب خود كه: سير كنيد بسوى دشمن بر نام خداوند و يارى او.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 77 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 78 صبحی صالح

78- من كلمات كان ( عليه ‏السلام ) يدعو بها
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي
فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا وَأَيْتُ مِنْ نَفْسِي
وَ لَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءً عِنْدِي
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَانِي
ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ الْأَلْحَاظِ
وَ سَقَطَاتِ الْأَلْفَاظِ
وَ شَهَوَاتِ الْجَنَانِ
وَ هَفَوَاتِ اللِّسَان‏

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من كلمات له عليه السلام كان يدعو بها و هى السابعة و السبعون من المختار فى باب الخطب

أللّهمّ اغفر لي ما أنت أعلم به منّي، فإن عدت فعد عليّ بالمغفرة أللّهمّ اغفر لي ما و إيت من نفسي و لم تجد له وفاء عندي، أللّهمّ اغفر لي ما تقرّبت به إليك بلساني ثمّ خالفه قلبي، أللّهمّ اغفر لي رمزات الألحاظ، و سقطات الألفاظ، و شهوات الجنان، و هفوات اللّسان.

اللغة

(غفر) اللّه له ذنبه غفرا و غفرانا من باب ضرب صفح عنه و ستر عليه ذنبه و غطاه، و أصل الغفر السّتر يقال الصّيغ أغفر للوسخ اى استر له و (الوأي) الوعد الذى يوثقه‏ الرّجل على نفسه و يعزم على الوفاء به، و منه و أيته و أيا و عدته و (الرّمز) هو تحريك الشفتين فى اللفظ من غير اثباته بصوت و قد يكون اشارة بالعين و الحاجب و (اللحظ) النظر بمؤخّر العين و (السقط) بالتحريك ردىّ المتاع و الخطاء من القول و الفعل و (الهفوة) الزلّة.

قوله ما و أيت كلمة ما مالاعرابوصول اسمى بمعنى الّذي، و وأيت صلته و العايد محذوف و قول البحراني إنّ ما ههنا مصدرية لا أرى له وجها، و من في قوله من نفسى نشويّة، و جملة و لم تجد في محلّ النّصب على الحال، و الباء في قوله تقربت به سببيّة، و في قوله بلسانى استعانة. 

المعنى

اعلم أنّ المطلوب بهذا الكلام هو غفران اللّه سبحانه له، و مغفرة اللّه للعبد عبارة عن صفحه عما يؤدّى إلى الفضاحة في الدّنيا و الهلكة في الآخرة و ستره عليه عيوباته الباطنة و الظاهرة و أن يوّفقه لأسباب السّعادة الرّادعة عن متابعة الشيطان و النّفس الأمارة، و هذا كلّه في حقّ غيره عليه السّلام و أما طلبه سلام اللّه عليه و آله للمغفرة و كذلك استغفار ساير المعصومين من الأنبياء و أئمة الدّين سلام اللّه عليهم أجمعين فقد قدّمنا تحقيقه بما لا مزيد عليه في التّنبيه الثالث من تنبيهات الفصل الثالث عشر من فصول الخطبة الاولى فليتذكّر.

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى شرح ما يؤدّيه ظاهر كلامه عليه السّلام فأقول: قوله: (اللهمّ اغفر لى ما أنت أعلم به منّى فان عدت فعد علىّ بالمغفرة) طلب للمغفرة ممّا هو عند اللّه معصية و سيئة في حقّه و هو لا يعلمها فيفعلها أو يعلمها لا كعلم اللّه سبحانه إن كان صيغة التّفضيل على معناها الأصلى و طلب لتكرار المغفرة لما يعاوده و يكرّره كذلك.
فان قلت: الطاعة و المعصية عبارة عن امتثال التّكليف و مخالفته و هو فرع العلم به و مع الجهل و عدم العلم لا أمر و لا نهى و لا خطاب و لا طاعة و لا معصية و لا ثواب و لا عقاب إذ النّاس في سعة ممّا لا يعلمون و لا يكلّف اللّه نفسا إلّا ما آتيها.

قلت: الجهل بالتّكليف قد يكون ناشئا عن القصور و قد يكون ناشئا من التقصيرفي تحصيل العلم فحينئذ لا يقبح المؤاخذة عليه كما لا يقبح المؤاخذة عن النّسيان إن نشأ عن قلّة المبالاة و عن التقصير في المقدّمات، و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا، مع أنّ المؤاخذة عليه مرفوعة عن الامّة بحكم حديث رفع التسعة هذا.

مع أنّ العلم بأنّ ما وقع عن الجهل و النسيان معفوّ عنه و غير مؤاخذ عليه لا يمنع من حسن طلب العفو عنه بالدّعاء، فربما يدعو الداعى بما يعلم أنّه حاصل قبل الدّعاء من فضل اللّه تعالى إمّا لاعتداد تلك النّعمة و إمّا لاستدامتها أو لغير ذلك كقوله تعالى: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ و قول إبراهيم وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (اللهم اغفر لى ما و أيت من نفسى و لم تجد له وفاء عندى) و هو استغفار ممّا وعده من نفسه و عاهد عليه اللّه فعلا أو تركا زجرا أو شكرا ثمّ لم يف به، و ذلك لأنّ حنث اليمين و نقض العهد موجب للخذلان و معقب للخسر ان كما صرّح عليه في غير آية من القرآن، قال تعالى في سورة البقرة: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ و في سورة بني إسرائيل: وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا و في سورة النّحل: وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ قال الطبرسي فى تفسير الآية الأخيرة: قال ابن عباس: الوعد من العهد، و قال المفسرون: العهد الذي يجب الوفاء به و الوعد هو الذي يحسن فعله و عاهد اللّه ليفعلنّه فانّه يصيروا جبا عليه، و لا تنقضوا الايمان بعد توكيدها، هذا نهى منه سبحانه عن‏ حنث الايمان و هو أن ينقضها بمخالفة موجبها و ارتكاب ما يخالف عقدها، و قوله: بعد توكيدها أى بعد عقدها و ابرامها و توثيقها باسم اللّه تعالى و قيل: بعد تشديدها و تغليظها بالعزم و العقد على اليمين بخلاف لغو اليمين.

(اللهمّ اغفر لى ما تقرّبت به اليك) اى ما عملته لك (بلسانى) و يدي و رجلي و بصرى و ساير جوارحى (ثمّ خالفه قلبى) و جعله مشوبا بالرّيا و السّمعة المنافى للقربة (اللهمّ اغفر لى رمزات الألحاظ) أي اشارات اللحاظ لتعييب شخص و هجائه و نحو ذلك (و سقطات الالفاظ) أى ردّيتها و ساقطتها عن مناط الاعتبار بأن لا يكون له مبالات في قوله و كلامه، روى عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا رأيتم الرّجل لا يبالى ما قال و لا ما قيل له فهو شرك شيطان (و شهوات الجنان) أى مشتهيات القلوب المخالفة للشّرع.
و روى في الوسايل عن الكليني باسناده عن أبي محمّد الوابشي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: احذروا أهوائكم كما تحذرون أعدائكم فليس بشي‏ء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم و حصائد ألسنتهم.

و عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: كان أبو الحسن عليه السّلام يقول: لا تدع النفس و هواها فانّ هواها في رداها و ترك النّفس و ما تهوى اذاها، و ترك النّفس عما تهوى دواؤها، هذا.

و في بعض النّسخ سهوات القلوب بالسين المهملة فالمراد بها غفلاتها كما في قوله سبحانه: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ.

أى غافلون عنها تاركين لها أو تحمل سهواتها على سهواتها الناشئة عن ترك التّحفظ و قلّة المبالاة فانّها لا تقبح المؤاخذة عليها حينئذ كما أشرنا إليه آنفا في شرح قوله اللهمّ اغفر لي ما أنت أعلم به منّى، فانّ السهو و النسيان متقاربان و كلاهما من‏ الشيطان بهما يقطع العبد عن سلوك لللل الجنان و الرّضوان كما قال أمير المؤمنين في رواية الكافى «في القلب ظ» لمتان لمة من الشيطان و لمة من الملك فلمة الملك الرّقة و الفهم و لمة الشيطان السّهو و القسوة هذا.

و ذكر قوله: (و هفوات اللسان) بعد سقطات الألفاظ إمّا من قبيل التّاكيد أو ذكر الخاصّ بعد العامّ لمزيد الاهتمام بأن يكون المراد بسقطات الألفاظ ما ليس فيها ثمرة اخرويّة سواء كانت حراما و مضرّة في الآخرة أو لا يكون فيها نفع و لا ضرر كالكلام اللغو، و بهفوات اللسان خصوص ما يوجب المؤاخذة في الآخرة كالغيبة و البهت و النميمة و السعاية و الاستهزاء و التهمة و السبّ و الكذب إلى غير ذلك، فانّ كلّ ذلك مباين لمكارم الأخلاق و حسن الشّيمة مناف لمقتضى الايمان و التّقوى و المروّة و معقب للخسران و الندامة في الآخرة.

و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم طوبى لمن انفق فضلات ماله و أمسك فضلات لسانه.
و قال أيضا إنّ مقعد ملكيك على ثنييك«» لسانك قلمهما و ريقك مدادهما و أنت تجرى فيما لا يعنيك«» و لا تستحى من اللّه و لا منهما.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعذّب اللّسان بعذاب لا يعذّب به شي‏ء من الجوارح فيقول: أى ربّ عذّبتنى بعذاب لا تعذّب به شيئا من الجوارح قال فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض و مغاربها فسفك بها الدّم الحرام و أخذ بها المال الحرام و انتهك بها الفرج الحرام فوعزّتي لاعذّبنك بعذاب لا أعذّب به شيئا من جوارحك، رواه في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نحوه.
و من غريب ما وقع لأبى يوسف و هو من أكابر علماء الأدبيّة و عظماء الشيعة و هو من أصحاب الجواد و الهادي عليهما السّلام أنّه قال في التّحذير من عثرات اللّسان.

يصاب الفتى من عثرة بلسانه و ليس يصاب المرء من عثرة الرّجل‏ و من كلمات له عليه السلام كان يدعو بها
و هى السابعة و السبعون من المختار فى باب الخطب أللّهمّ اغفر لي ما أنت أعلم به منّي، فإن عدت فعد عليّ بالمغفرة أللّهمّ اغفر لي ما و إيت من نفسي و لم تجد له وفاء عندي، أللّهمّ اغفر لي ما تقرّبت به إليك بلساني ثمّ خالفه قلبي، أللّهمّ اغفر لي رمزات الألحاظ، و سقطات الألفاظ، و شهوات الجنان، و هفوات اللّسان.

اللغة

(غفر) اللّه له ذنبه غفرا و غفرانا من باب ضرب صفح عنه و ستر عليه ذنبه و غطاه، و أصل الغفر السّتر يقال الصّيغ أغفر للوسخ اى استر له و (الوأي) الوعد الذى يوثقه‏ الرّجل على نفسه و يعزم على الوفاء به، و منه و أيته و أيا و عدته و (الرّمز) هو تحريك الشفتين فى اللفظ من غير اثباته بصوت و قد يكون اشارة بالعين و الحاجب و (اللحظ) النظر بمؤخّر العين و (السقط) بالتحريك ردىّ المتاع و الخطاء من القول و الفعل و (الهفوة) الزلّة.

الاعراب

قوله ما و أيت كلمة ما موصول اسمى بمعنى الّذي، و وأيت صلته و العايد محذوف و قول البحراني إنّ ما ههنا مصدرية لا أرى له وجها، و من في قوله من نفسى نشويّة، و جملة و لم تجد في محلّ النّصب على الحال، و الباء في قوله تقربت به سببيّة، و في قوله بلسانى استعانة.

المعنى

اعلم أنّ المطلوب بهذا الكلام هو غفران اللّه سبحانه له، و مغفرة اللّه للعبد عبارة عن صفحه عما يؤدّى إلى الفضاحة في الدّنيا و الهلكة في الآخرة و ستره عليه عيوباته الباطنة و الظاهرة و أن يوّفقه لأسباب السّعادة الرّادعة عن متابعة الشيطان و النّفس الأمارة، و هذا كلّه في حقّ غيره عليه السّلام و أما طلبه سلام اللّه عليه و آله للمغفرة و كذلك استغفار ساير المعصومين من الأنبياء و أئمة الدّين سلام اللّه عليهم أجمعين فقد قدّمنا تحقيقه بما لا مزيد عليه في التّنبيه الثالث من تنبيهات الفصل الثالث عشر من فصول الخطبة الاولى فليتذكّر.

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى شرح ما يؤدّيه ظاهر كلامه عليه السّلام فأقول: قوله: (اللهمّ اغفر لى ما أنت أعلم به منّى فان عدت فعد علىّ بالمغفرة) طلب للمغفرة ممّا هو عند اللّه معصية و سيئة في حقّه و هو لا يعلمها فيفعلها أو يعلمها لا كعلم اللّه سبحانه إن كان صيغة التّفضيل على معناها الأصلى و طلب لتكرار المغفرة لما يعاوده و يكرّره كذلك.
فان قلت: الطاعة و المعصية عبارة عن امتثال التّكليف و مخالفته و هو فرع العلم به و مع الجهل و عدم العلم لا أمر و لا نهى و لا خطاب و لا طاعة و لا معصية و لا ثواب و لا عقاب إذ النّاس في سعة ممّا لا يعلمون و لا يكلّف اللّه نفسا إلّا ما آتيها.

قلت: الجهل بالتّكليف قد يكون ناشئا عن القصور و قد يكون ناشئا من التقصيرفي تحصيل العلم فحينئذ لا يقبح المؤاخذة عليه كما لا يقبح المؤاخذة عن النّسيان إن نشأ عن قلّة المبالاة و عن التقصير في المقدّمات، و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا، مع أنّ المؤاخذة عليه مرفوعة عن الامّة بحكم حديث رفع التسعة هذا.

مع أنّ العلم بأنّ ما وقع عن الجهل و النسيان معفوّ عنه و غير مؤاخذ عليه لا يمنع من حسن طلب العفو عنه بالدّعاء، فربما يدعو الداعى بما يعلم أنّه حاصل قبل الدّعاء من فضل اللّه تعالى إمّا لاعتداد تلك النّعمة و إمّا لاستدامتها أو لغير ذلك كقوله تعالى: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ و قول إبراهيم وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (اللهم اغفر لى ما و أيت من نفسى و لم تجد له وفاء عندى) و هو استغفار ممّا وعده من نفسه و عاهد عليه اللّه فعلا أو تركا زجرا أو شكرا ثمّ لم يف به، و ذلك لأنّ حنث اليمين و نقض العهد موجب للخذلان و معقب للخسر ان كما صرّح عليه في غير آية من القرآن، قال تعالى في سورة البقرة: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ و في سورة بني إسرائيل: وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا و في سورة النّحل: وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ قال الطبرسي فى تفسير الآية الأخيرة: قال ابن عباس: الوعد من العهد، و قال المفسرون: العهد الذي يجب الوفاء به و الوعد هو الذي يحسن فعله و عاهد اللّه ليفعلنّه فانّه يصيروا جبا عليه، و لا تنقضوا الايمان بعد توكيدها، هذا نهى منه سبحانه عن‏ حنث الايمان و هو أن ينقضها بمخالفة موجبها و ارتكاب ما يخالف عقدها، و قوله: بعد توكيدها أى بعد عقدها و ابرامها و توثيقها باسم اللّه تعالى و قيل: بعد تشديدها و تغليظها بالعزم و العقد على اليمين بخلاف لغو اليمين.

(اللهمّ اغفر لى ما تقرّبت به اليك) اى ما عملته لك (بلسانى) و يدي و رجلي و بصرى و ساير جوارحى (ثمّ خالفه قلبى) و جعله مشوبا بالرّيا و السّمعة المنافى للقربة (اللهمّ اغفر لى رمزات الألحاظ) أي اشارات اللحاظ لتعييب شخص و هجائه و نحو ذلك (و سقطات الالفاظ) أى ردّيتها و ساقطتها عن مناط الاعتبار بأن لا يكون له مبالات في قوله و كلامه، روى عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا رأيتم الرّجل لا يبالى ما قال و لا ما قيل له فهو شرك شيطان (و شهوات الجنان) أى مشتهيات القلوب المخالفة للشّرع.
و روى في الوسايل عن الكليني باسناده عن أبي محمّد الوابشي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: احذروا أهوائكم كما تحذرون أعدائكم فليس بشي‏ء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم و حصائد ألسنتهم.

و عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: كان أبو الحسن عليه السّلام يقول: لا تدع النفس و هواها فانّ هواها في رداها و ترك النّفس و ما تهوى اذاها، و ترك النّفس عما تهوى دواؤها، هذا.
و في بعض النّسخ سهوات القلوب بالسين المهملة فالمراد بها غفلاتها كما في قوله سبحانه: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ.

أى غافلون عنها تاركين لها أو تحمل سهواتها على سهواتها الناشئة عن ترك التّحفظ و قلّة المبالاة فانّها لا تقبح المؤاخذة عليها حينئذ كما أشرنا إليه آنفا في شرح قوله اللهمّ اغفر لي ما أنت أعلم به منّى، فانّ السهو و النسيان متقاربان و كلاهما من‏ الشيطان بهما يقطع العبد عن سلوك لللل الجنان و الرّضوان كما قال أمير المؤمنين في رواية الكافى «في القلب ظ» لمتان لمة من الشيطان و لمة من الملك فلمة الملك الرّقة و الفهم و لمة الشيطان السّهو و القسوة هذا.

و ذكر قوله: (و هفوات اللسان) بعد سقطات الألفاظ إمّا من قبيل التّاكيد أو ذكر الخاصّ بعد العامّ لمزيد الاهتمام بأن يكون المراد بسقطات الألفاظ ما ليس فيها ثمرة اخرويّة سواء كانت حراما و مضرّة في الآخرة أو لا يكون فيها نفع و لا ضرر كالكلام اللغو، و بهفوات اللسان خصوص ما يوجب المؤاخذة في الآخرة كالغيبة و البهت و النميمة و السعاية و الاستهزاء و التهمة و السبّ و الكذب إلى غير ذلك، فانّ كلّ ذلك مباين لمكارم الأخلاق و حسن الشّيمة مناف لمقتضى الايمان و التّقوى و المروّة و معقب للخسران و الندامة في الآخرة.

و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم طوبى لمن انفق فضلات ماله و أمسك فضلات لسانه.
و قال أيضا إنّ مقعد ملكيك على ثنييك«» لسانك قلمهما و ريقك مدادهما و أنت تجرى فيما لا يعنيك«» و لا تستحى من اللّه و لا منهما.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعذّب اللّسان بعذاب لا يعذّب به شي‏ء من الجوارح فيقول: أى ربّ عذّبتنى بعذاب لا تعذّب به شيئا من الجوارح قال فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض و مغاربها فسفك بها الدّم الحرام و أخذ بها المال الحرام و انتهك بها الفرج الحرام فوعزّتي لاعذّبنك بعذاب لا أعذّب به شيئا من جوارحك، رواه في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نحوه.
و من غريب ما وقع لأبى يوسف و هو من أكابر علماء الأدبيّة و عظماء الشيعة و هو من أصحاب الجواد و الهادي عليهما السّلام أنّه قال في التّحذير من عثرات اللّسان.

يصاب الفتى من عثرة بلسانه و ليس يصاب المرء من عثرة الرّجل‏فعثرته في القول تذهب رأسه و عثرته في الرّجل تذهب عن مهل‏

فاتّفق أنّ المتوكل العباسى ألزمه تأديب ولديه المعتزّ و المؤيّد، فقال له يوما: أيّما أحبّ إليك ابناى هذان أم الحسن و الحسين فقال: و اللّه إنّ قنبر الخادم خادم عليّ خير منك و من ابنيك، فقال المتوكّل لعنه اللّه لأتراكه: سلّوا لسانه من قفاه، ففعلوا فمات رحمة اللّه عليه.

و روى عن سيّد السّاجدين عليه السّلام قال: لسان ابن آدم يشرف كلّ يوم على جوارحه فيقول: كيف أصبحتم فيقولون: بخير إن تركتنا و يقولون: اللّه اللّه فينا و يناشدونه و يقولون: إنّما نثاب و نعاقب بك.

إلى غير هذه من الأخبار الواردة في مدح الصّمت و ذم التكلّم و يأتي إنشاء اللّه جملة منها في شرح الخطبة المأة و الثالثة و التّسعين، فاللّازم على العاقل الصمت و السّكوت بقدر الامكان كى يسلم عن زلّات اللّسان و عثرات البيان و فضول الكلام و ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.

الترجمة

از جمله كلمات آن امامست كه دعا ميكرد به آنها و مى ‏گفت: بار خدايا بيامرز از براى من آن چيزى را كه تو داناترى بآن از من پس اگر من باز گردم بسوى آن پس باز گرد تو از براى من بآمرزيدن، خداوندا بيامرز از براى من آن چيزى را كه من وعده كردم از نفس خود از براى تو و نيافتى مر او را وفا در نزد من بار خدايا بيامرز از براى من عملهائى كه تقرّب جستم با آنها بسوى تو پس مخالفت نمود آنرا قلب من. بار خدايا بيامرز از براى من اشارتهاى گوشه‏هاى چشم ببديها و بيهوده‏هاى گفتارها و شهوات قلب و لغزشات زبان را، و لنعم ما قيل:

زبان بسيار سر بر باد داد است
زبان سر را عدوي خانه زاد است‏

عدوي خانه خنجر تيز كرده‏
تو از خصم برون پرهيز كرده‏

نشد خاموش كبك كوهسارى
از آن شد طعمه باز شكارى‏

اگر طوطى زبان مى‏بست در كام
نه خود را در قفس ديدي نه در دام‏

خموشى پرده پوش راز باشد
نه مانند سخن غمّاز باشد

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۷۶ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۷۷ صبحی صالح

۷۷- و من کلام له ( علیه ‏السلام  ) و ذلک حین منعه سعید بن العاص حقه‏

إِنَّ بَنِی أُمَیَّهَ لَیُفَوِّقُونَنِی تُرَاثَ مُحَمَّدٍ ( صلى ‏الله‏ علیه‏ وآله  )تَفْوِیقاً

وَ اللَّهِ لَئِنْ بَقِیتُ لَهُمْ لَأَنْفُضَنَّهُمْ نَفْضَ اللَّحَّامِ الْوِذَامَ التَّرِبَهَ

قال الشریف و یروى التراب الوذمه و هو على القلب

قال الشریف و قوله ( علیه‏السلام  ) لیفوقوننی

أی یعطوننی من المال قلیلا کفواق الناقه

و هو الحلبه الواحده من لبنها.

و الوذام جمع وذمه

و هی الحزه من الکرش

أو الکبد تقع فی التراب فتنفض

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۵  

و من کلام له علیه السلام‏ و هو السادس و السبعون من المختار فى باب الخطب

إنّ بنی أمیّه لیفوّقو ننی تراث محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم تفویقا، و اللّه لئن بقیت لهم لأنفضنّهم نفض اللّحام الوذام التّربه. قال السّید: و یروى التّراب الوذمه و هو على القلب، قوله علیه السّلام: لیفوقوننى أى یعطوننی من المال قلیلا قلیلا کفواق الناقه و هى الحلبه الواحده من لبنها، و الوذام جمع و ذمه و هى الحزّه من الکرش و الکبد یقع فی التراب فتنفض.

اللغه

(التراث) بضمّ التا الارث و التّاء و الهمزه فیهما بدل من الواو، و (نفضه) نفضا من باب قتل حرّکه لیزول عنه الغبار و نحوه فانتفض أى تحرّک لذلک و نفضت الورق من الشّجر نفضا اسقطته و النفض بفتحتین ما تساقط فعل بمعنى مفعول و (اللحام) القصّاب و (الوذام) ککتاب جمع و ذمه محرّکه و (ترب) الشّی‏ء یترب من باب تعب لصق بالتراب، و فی القاموس التّراب بالکسر أصل ذراع الشّاه و منه التراب الوذمه أو هى جمع ترب مخفّف ترب و الصواب الوذام التربه انتهى.

و «الحزّه» بالضمّ القطعه من اللحم و نحوه تقطع طولا و الجمع حزز کغرفه و غرف و «الکرش» لذى الخف و الظلف کالمعده للانسان.

الاعراب

اضافه تراث إلى محمّد من قبیل الحذف و الایصال أى یفوقوننی تراثى من محمّد و التربه صفه للوذام.

المعنى

قوله (انّ بنى امیّه لیفوقوننى تراث محمّد صلّى اللّه علیه و آله تفویقا) اى یعطوننی إرثى من‏ رسول اللّه و هو الفی‏ء الحاصل ببرکته صلوات اللّه علیه و آله قلیلا قلیلا، استعار لفظ التّفویق عن اعطائهم المال قلیلا بمشابهه القله و کونه فی دفعات کما یدفع الفصیل ضرع امّه لتدر ثم یدفع عنها لتحلب ثمّ یعاد إلیها لتدرّ و هکذا، ثمّ قال (و اللّه لئن بقیت) و صرت أمیرا (لهم لأنفضنّهم نفض اللحام الوذام التربه).

قیل الظاهر أنّ المراد من نفضهم منعهم من غصب الأموال و أخذ ما فی أیدیهم من الأموال المغصوبه و دفع بغیهم و ظلمهم و مجازاتهم بسیئات أعمالهم.

و قال الشّارح البحرانی: أقسم علیه السّلام ان بقى لبنى امیّه لیحرمنهم التّقدم فی الامور، و استعار لفظ النفض لابعادهم عن ذلک و شبه نفضه لهم بنفض القصاب القطعه من الکبد أو الکرش من التّراب إذا أصابته.

أقول: و الأظهر عندى أنّه شبّههم بالوذام التّربه من حیث إنّ الوذمه إذا وقعت فی التّراب و تلطخت به یتنفّر عنها الطباع و لا یرغب إلیها النّاس فینفضها القصاب أى یسقطها و یعزلها عن سایر لحماته لمکان ذلک التنفّر فیقول علیه السّلام: إنّى لو بقیت لهم لاسقطهم عن درجه الاعتبار و اعزلهم عن الاماره و المداخله لامور المسلمین بحیث لا یرغب إلیهم أحد و یتنفّر النّاس عنهم و یکونون حقیرا عندهم کمالا یرغبون إلى الوذام لحقارتها و اللّه العالم بحقایق کلام ولیه هذا.

و قد روى عنه علیه السّلام هذا الکلام فی روایه اخرى بزیاده و نقصان و تفاوت لما هنا و هى ما رواها أبو الفرج فی کتاب الأغانى باسناد رفعه إلى الحرب بن جیش قال: بعثنى سعید بن العاص و هو یومئذ أمیر الکوفه من قبل عثمان بهدایا إلى المدینه و بعث معی هدیه إلى علیّ علیه السّلام و کتب إلیه أنى لم ابعث إلى أحد ممّا بعثت به الیک إلّا إلى أمیر المؤمنین فلما أتیت علیّا و قرء کتابه قال: لشدّ ما یخطر علىّ بنو امیّه تراث محمّد أما و اللّه لان ولیّتها لأنفضنّها نفض القصاب التراب الوذمه.

قال أبو الفرج هذا خطاء إنّما هو الوذام التّربه قال: و قد حدّثنى بذلک أحمد ابن عبد العزیز الجوهرى عن أبى یزید عمر بن شیبه باسناد ذکره فی الکتاب أنّ سعید ابن العاص حیث کان أمیر الکوفه بعث مع ابن أبى العایشه مولاه إلى علیّ بن أبی طالب بصله فقال علیّ و اللّه لا یزال غلام من غلمان بنى امیّه یبعث إلینا ممّا أفاء اللّه على رسوله بمثل قوت الأرمله، و اللّه لئن بقیت لهم لأنفضنّها نفض القصاب الوذام التربه.

تذنیبان

الاول

فی بیان نسب بنى امیه.

فأقول فی البحار من کامل البهائى أن امیّه کان غلاما رومیّا لعبد الشمس فلما ألقاه کیّسا فطنا اعتقه و تنبّاه فقیل: امیّه بن عبد الشمس کما کانوا یقولون قبل نزول الآیه: زید بن محمّد، و لذا روى عن الصّادقین علیهما السّلام فی قوله تعالى: الم غلبت الرّوم، أنّهم بنو امیّه و من هنا یظهر نسب عثمان و معاویه و حسبهما و أنّهما لا یصلحان للخلافه لقوله صلّى اللّه علیه و آله: الأئمه من قریش.

و قال مؤلف کتاب إلزام النّواصب: امیّه لم یکن من صلب عبد شمس و إنما هو من الرّوم فاستلحقه عبد شمس فنسب إلیه فبنو امیّه کلّهم لیس من صمیم قریش و إنّما هم یلحقون بهم و یصدّق ذلک قول أمیر المؤمنین علیه السّلام: إنّ بنى امیه لصاق و لیسوا صحیحی النسب إلى عبد مناف و لم یستطع معاویه إنکار ذلک.

الثانی

فی ذکر بعض ما ورد من الآیات و الأخبار فی لعن بنى امیّه و کفرهم و إلحادهم.

فأقول: فی الکافی عن الصادق علیه السّلام رأى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی منامه أنّ بنی امیّه یصعدون على منبره و یضلّون النّاس عن الصّراط القهقرى، فأصبح کئیبا حزینا، قال علیه السّلام فهبط علیه جبرئیل فقال: یا رسول اللّه ما لى أراک کئیبا حزینا قال: یا جبرئیل إنّى رأیت فی لیلتی هذه یصعدون منبرى من بعدى یضلّون النّاس عن الصّراط القهقرى، فقال: و الذى بعثک بالحقّ نبیّا إنّى ما اطلعت علیه فعرج إلى السّماء فلم یلبث أن نزل بآى من القرآن یونسه بها قال:

 أَ فَرَأَیْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِینَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما کانُوا یُوعَدُونَ ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما کانُوا یُمَتَّعُونَ و أنزل علیه: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَهِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراکَ ما لَیْلَهُ الْقَدْرِ لَیْلَهُ الْقَدْرِ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.

جعل اللّه لیله القدر لنبیّه خیرا من ألف شهر ملک بنی امیّه.

و فی مفتتح الصحیفه الکامله السّجادیه على صاحبها ألف سلام و تحیّه عن الصادق علیه السّلام قال، إنّ أبی حدّثنی عن أبیه عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أخذته نعسه و هو على منبره فرأى فی منامه رجالا ینزون على منبره نزو القرده یردّون النّاس على أعقابهم القهقرى، فاستوى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم جالسا و الحزن یعرف فی وجهه فأتاه جبرئیل بهذه الآیه: وَ إِذْ قُلْنا لَکَ إِنَّ رَبَّکَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناکَ إِلَّا فِتْنَهً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَهَ الْمَلْعُونَهَ فِی.

بعنى بنى امیّه قال: یا جبرئیل أعلى عهدى یکونون و فی زمنى قال: و لا و لکن تدور رحى الاسلام من مهاجرک فتلبث بذلک عشرا، ثمّ تدور رحى الاسلام على رأس خمس و ثلاثین من مهاجرک فتلبث بذلک خمسا، ثمّ لا بدّ من رحى ضلاله هى قائمه على قطبها، ثمّ ملک الفراعنه و أنزل اللّه فی ذلک.

 إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَهِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراکَ ما لَیْلَهُ الْقَدْرِ لَیْلَهُ الْقَدْرِ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.

یملکها بنو امیّه لیس فیها لیله القدر.

أقول: قوله و الشّجره الملعونه فی القرآن فیه تقدیم و تأخیر أى و ما جعلنا الرّؤیا التی أریناک و الشّجره الملعونه فی القرآن إلّا فتنه للنّاس، و قیل: الشجره الملعونه بالرّفع مبتداء و حذف الخبر أى و الشّجره الملعونه کذلک أى فتنه للناس‏

و قوله: یعنى بنى امیّه تفسیر للشجره الملعونه، و قوله: تدور رحى الاسلام من مهاجرک، أى من هجرتک فتلبّث بذلک عشرا أى عشر سنین هى مدّه حیاته ثمّ تدور على رأس خمس و ثلاثین هى العشر المذکوره و مدّه خلافه المتخلفین، و هى خمس و عشرون سنه فتلک خمس و ثلاثون، قوله فتلبث بذلک خمسا هى مدّه خلافه أمیر المؤمنین، ثمّ لا بد من رحى ضلاله اشاره إلى ملک بنى امیّه، و قوله ثمّ ملک الفراعنه اشاره إلى ملک بنى عباس.

و فی مجمع البیان فی تفسیر قوله تعالى: وَ مَثَلُ کَلِمَهٍ خَبِیثَهٍ کَشَجَرَهٍ خَبِیثَهٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ قال هى کلمه الشّرک و الکفر و قیل: کل کلام فی معصیه اللّه کشجره خبیثه غیر زاکیه و هی شجره الحنظل و قیل: انّها شجره هذه صفتها و هو أنّه لاقرار لها فی الأرض، و روى أبو الجارود عن أبی جعفر علیه السّلام أنّ هذا مثل لبنی امیّه و فیه أیضا فی تفسیر قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ.

قال سأل رجل أمیر المؤمنین عن هذه الآیه فقال هما الأفجران من قریش بنو امیّه و بنو المغیره، فأمّا بنو امیّه فمتّعوا إلى حین و أما بنو المغیره فکفیتموهم یوم بدر.

و فی البحار من تفسیر علیّ بن ابراهیم فی قوله تعالى: الَّذِینَ یَتَّخِذُونَ الْکافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ أَ یَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّهَ فَإِنَّ الْعِزَّهَ لِلَّهِ جَمِیعاً.

قال: نزلت فی بنى امیّه حیث خالفوهم على ان لا یردّوا الأمر فی بنى هاشم، و فی قوله:

 وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا یا لَیْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُکَذِّبَ بِآیاتِ رَبِّنا وَ نَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ.

قال: نزلت فی بنى امیّه ثمّ قال: بَلْ بَدا لَهُمْ ما کانُوا یُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ قال من عداوه أمیر المؤمنین.

 وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ و فى قوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِینَ کَفَرُوا فَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ.

عن أبی جعفر علیه السّلام قال نزلت فی بنى امیّه فهم شرّ خلق اللّه هم الذین کفروا فی باطن القرآن فهم لا یؤمنون.

و عن أبی جعفر علیه السّلام أیضا فی قوله: وَ کَذلِکَ حَقَّتْ کَلِمَهُ رَبِّکَ عَلَى الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ یعنى بنی أمیّه.

و من کنز جامع الفواید و تأویل الآیات باسناده عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: سألته عن تفسیر الم غلبت الرّوم، قال: هم بنى «بنوظ» امیّه و إنّما انزلها اللّه الم غلبت الرّوم بنو امیّه فی أدنى الأرض و هم من بعد غلبهم سیغلبون فی بضع سنین للّه الأمر من قبل و من بعد و یومئذ یفرح المؤمنون بنصر اللّه، عند قیام القائم.

أقول: کذا فی النّسخ غلبت الرّوم بنو امیّه، فیحتمل أنّ أصل الکلام غلبت بنو امیّه فزاد النّساخ لفظ الرّوم کما احتمله فی البحار أو أنّه کذلک و بنو امیّه بدل من الرّوم، و على کلّ تقدیر فلا بدّ أن یکون غلبت على ذلک بصیغه المعلوم، و قوله سیغلبون بصیغه المجهول و التعبیر عن بنى امیّه بالروم من حیث إنّها نسبهم إلى عبد رومی حسبما قدّمنا، و اللّه العالم.

و من تفسیر الثعلبى فى قوله تعالى: فَهَلْ عَسَیْتُمْ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَکُمْ نزلت فی بنى امیّه و بنى هاشم و فی غایه المرام عن الکلینی باسناده عن صالح بن سعد الهمدانی قال قال أبو عبد اللّه علیه السّلام فی قول اللّه عزّ و جلّ: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ کَمِشْکاهٍ فاطمه علیها السّلام فِیها مِصْباحٌ الحسن الْمِصْباحُ فِی زُجاجَهٍ الحسین کَأَنَّها کَوْکَبٌ دُرِّیٌّ فاطمه فکوکب درّی بین نساء أهل الدّنیا یُوقَدُ مِنْ شَجَرَهٍ مُبارَکَهٍ إبراهیم زَیْتُونَهٍ لا شَرْقِیَّهٍ وَ لا غَرْبِیَّهٍ لا یهودیّه و لا نصرانیّه یَکادُ زَیْتُها یُضِی‏ءُ یعنى یکاد العلم ینفجر وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى‏ نُورٍ إمام منها بعد إمام اللَّهُ نُورُ (السَّماواتِ ظ) للأئمّه مَنْ یَشاءُ وَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ قلت أَوْ کَظُلُماتٍ قال الأوّل و صاحبه یَغْشاهُ مَوْجٌ الثّالث ظُلُماتٍ الثّانی بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ فتن بنی أمیّه إِذا أَخْرَجَ یَدَهُ المؤمن فی ظلمه فتنتهم لَمْ یَکَدْ یَراها وَ مَنْ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً أمانا (اماما ظ) من ولد فاطمه فَما لَهُ مِنْ نُورٍ یوم القیامه هذا، و الآیات و الرّوایات فی هذا المعنى کثیره و فیما ذکرناه کفایه لمن اهتدى أو ألقى السّمع و هو شهید.

الترجمه

از جمله کلام آن حضرتست فرمود آنرا هنگامى که فرستاده بود سعید بن عاص أموی که أمیر عراق بود أز جانب عثمان هدیه بخدمت آن حضرت از مال غنیمت و از کمى آن اعتذار کرده بود.

بدرستى بنى امیه مى‏ دهند اندک اندک بمن میراث محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه علیه و آله را اندک اندک دادنى بخدا قسم اگر بمانم از براى آن قوم عنود و والى امر بشوم هر آینه ساقط میکنم ایشان را از درجه اعتبار همچون ساقط نمودن قصاب شکنبه یا جگر پاره خاک آلود را از میان سایر گوشت‏هاى گوسفند، یا این که بیفشانم ایشان را هم چو افشاندن قصاب شکنبه و پاره جگر خاک آلود را، و این استعاره مى ‏شود از دور کردن ایشان از امر خلافت و از باز گرفتن اموال مغصوبه از دست ایشان علیهم اللعنه و النیران.

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 75 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 76 صبحی صالح

76- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) في الحث على العمل الصالح‏

رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ حُكْماً فَوَعَى

وَ دُعِيَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا

وَ أَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا

رَاقَبَ رَبَّهُ

وَ خَافَ ذَنْبَهُ

قَدَّمَ خَالِصاً

وَ عَمِلَ صَالِحاً

اكْتَسَبَ مَذْخُوراً

وَ اجْتَنَبَ مَحْذُوراً

وَ رَمَى غَرَضاً

وَ أَحْرَزَ عِوَضاً

كَابَرَ هَوَاهُ

وَ كَذَّبَ مُنَاهُ

جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِهِ

وَ التَّقْوَى عُدَّةَ وَفَاتِهِ

رَكِبَ الطَّرِيقَةَ الْغَرَّاءَ

وَ لَزِمَ الْمَحَجَّةَ الْبَيْضَاءَ

اغْتَنَمَ الْمَهَلَ

وَ بَادَرَ الْأَجَلَ

وَ تَزَوَّدَ مِنَ الْعَمَل‏

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من خطبة له عليه السلام و هى الخامسة و السبعون من المختار فى باب الخطب

رحم اللّه عبدا «امرء» سمع حكما فوعى، و دعي إلى رشاد فدنى،و أخذ بحجزة هاد فنجى، راقب ربّه، و خاف ذنبه، قدّم خالصا، و عمل صالحا، اكتسب مذخورا، و اجتنب محذورا، رمى غرضا، و أحرز عوضا، كابر هواه، و كذّب مناه، جعل الصّبر مطيّة نجاته، و التّقوى عدّة وفاته، ركب الطّريقة الغرّاء، و لزم المحجّة البيضاء، اغتنم المهل و بادر الأجل، و تروّد من العمل.

اللغة

(و عيت) الحديث حفظته قال تعالى: لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَ و (الحجزة) بالضمّ معقد الازار و (رقبته) أرقبه من باب قتل حفظته و أنا رقيب و راقبت اللّه خفت عذابه و (اكتسب) بمعنى كسب و (الغرض) ما يرمى بالسّهام و فى بعض النّسخ عرضا بالعين المهملة و هو متاع الدّنيا و (كابرته) مكابرة غالبته و عاندته، و في بعض النّسخ كاثر بالثاء المثلثة و هو بمعنى غالب أيضا، يقال: كاثرناهم فكثرناهم أى غلبناهم بالكثرة و (المطيّة) المركب و (الغرّاء) و (البيضاء) بمعنى و (المحجّة) بالفتح معظم الطريق و (المهل) بالفتح فالسّكون و بفتحتين أيضا اسم من المهلة أو مصدر

الاعراب

جملة سمع و ما بعدها منصوب المحل على الوصفيّة و قوله: راقب ربّه، و قدّم خالصا، و ما بعدهما من الافعال بحذف العواطف فيها نوع من الفصاحة كثير في استعمالهم قال سبحانه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ، لِسَعْيِها راضِيَةٌ، فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ، لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً، فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ، فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ.

و ربّه و ذنبه مفعولان بالواسطة و نسبة الخوف إلى الذّنب مجاز لأنّه انّما هو من اللّه سبحانه إلّا أنّه لمّا كان سببه الذّنب نسب إليه و حقيقة الكلام خاف من اللّه‏ لأجل ذنبه.

المعنى

اعلم أنّه عليه السّلام ترحّم في كلامه ذلك على عبد اتّصف بما ذكر فيه من الأوصاف و فيه حثّ و ترغيب على ملازمة تلك الصّفات و الاتّصاف بهذه الأوصاف و هى على ما ذكره عليه السّلام عشرون.

الأوّل ما أشار إليه بقوله (رحم اللّه عبدا سمع حكما فوعى) أراد بالحكم الحكمة الأعمّ من العلميّة و العمليّة كما في قوله تعالى: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا.

الثّاني قوله (و دعى إلى رشاد فدنى) أى الى رشد و هداية فدنى من الداعى و قرب من المرشد و الهادي.

الثّالث قوله (و أخذ بحجزة هاد فنجى) أى اعتصم به و التجأ إليه و استهدى به فهداه من الضّلالة و انقذه من الجهالة فاهتدى و نجى من الهلكة و امن من العقوبة و الهادي في كلامه و إن كان مطلقا إلّا أنّ الأظهر عندى أنّ المراد به الأئمة الذين يهدون بالحقّ و به يعدلون، فيكون المراد بالأخذ بحجزتهم المتمسّكين بحبل الولاية و المقتبسين من أنوارها، و يدلّ على ما استظهرته ما ورد في تفسير قوله تعالى انّما انت منذر و لكلّ قوم هاد، بطرق كثيرة أنّ الهادى هو أمير المؤمنين و ولده المعصومون سلام اللّه عليهم أجمعين.

فمنها ما في غاية المرام من تفسير العياشي عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال: قال أمير المؤمنين: فينا نزلت هذه الآية: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا المنذر و أنت الهادي يا عليّ، فمنّا الهادي و النّجاة و السّعادة إلى يوم القيامة.

و منه أيضا عن بريد، عن معاوية عن أبي جعفر عليه السّلام‏ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

فقال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا المنذر و فى كلّ زمان إمام منّا يهديهم إلى ما جاء به نبيّ اللّه و الهداة من بعده عليّ ثمّ الأوصياء من بعده واحد بعد واحد، و اللّه ما ذهبت منّا و ما زالت فينا إلى السّاعة، رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المنذر و بعليّ يهتدي المهتدون.

و الأخبار في هذا المعنى كثيرة بالغة حدّ الاستفاضة يطول الكتاب بذكرها و قد روى في غاية المرام ثلاثين رواية من طريق العامّة و الخاصّة في ذلك من أراد الاطلاع فليراجع إليه.

الرابع قوله (راقب ربّه) و المراقبة احدى ثمرات الايمان و هي على ما قيل رتبة عظيمة من رتب السّالكين، و حقيقتها أنّها حالة للنّفس يثمرها نوع خاص من المعرفة و لها تأثير خاصّ في القلب و الجوارح أمّا الحالة فهى مراعات القلب للرّقيب و اشتغاله به، و أما العلم المثمر لها فهو العلم بأنّ اللّه تعالى مطلع على الضمائر و السّرائر قائم على كلّ نفس بما كسبت كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.

فهذه المعرفة إذا استولت على القلب و لم يبق فيها شبهة فلا بدّ أن تجذ به إلى مراعات الرّقيب، و الموقنون بهذه المعرفة طائفتان.

احداها الصّديقون و مراقبتهم التّعظيم و الاجلال و استغراق قلبهم بملاحظة ذلك الجلال و الانكسار تحت الهيبة و العظمة بحيث لا يبقى فيه مجال للالتفات إلى الغير أصلا، و جوارحهم معطلة عن الالتفات و التلفّت إلى المباحات فضلا عن المحظورات و إذا تحرّكت بالطاعة كانت كالمستعمل لها فلا تصلح لغيرها و لا يحتاج إلى تدبير في ضبطها على سنن السّداد، و من نال هذه المرتبة فقد يغفل عن الخلق حتّى لا يبصرهم و لا يسمع أقوالهم.

و الطائفة الثّانية الورعين من أصحاب اليمين و هم قوم غلب بعض اطلاعات اللّه على قلوبهم و لكن لم تدهشهم ملاحظة الجلال، بل بقيت قلوبهم على الاعتدال متّسعة للتّلفت، إلى الأقوال و الأعمال إلّا أنّها مع مدارستها للعمل لا تخلو عن المراقبة فقد غلب الحياء من اللّه على قلوبهم فلا يقدمون و لا يجحمون «يحجمون» إلّا عن تثبّت فيمتنعون عن كلّ أمر فاضح يوم القيامة إذ يرون اللّه مشاهدا لأعمالهم في الدّنيا كما يرونه مشاهدا في القيامة.

و لا بدّ لأهل هذه الدّرجة من المراقبة في جميع حركاته و سكناته و يلزم عليه أن يرصد كلّ خاطر يسنح له، فان كان إلهيّا يعجل مقتضاه، و إن كان شيطانيّا يبادر إلى قمعه، و إن شكّ فيه توقف إلى أن يظهر له بنور الحقّ من أىّ جانب هو روى في الوسائل عن محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم مسندا عن داود الرّقي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ.

قال: من علم أنّ اللّه يراه أو يسمع ما يقول و يعلم ما يفعله من خير أو شرّ فيحجزه ذلك عن القبح من الأعمال فذلك الذي خاف مقام ربّه و نهى النّفس عن الهوى.

الخامس قوله (و خاف ذنبه) و الخوف توقّع حلول مكروه أو فوات محبوب و إذا علق بالذّوات كما تقول خفت اللّه و خفت زيدا فمعناه توقّع مكروه أو حرمان يقع من جهته و إلّا فالذّوات لا يتعلّق بها خوف فمعنى الخوف من الذّنب الخوف ممّا يكون الذّنب سببا له من العقوبة الدّنيويّة أو الاخروية أو نقصان الدّرجة و انحطاط الرّتبة و حرمان الجنّة.

قال بعض العلماء: خوف الخائفين من اللّه قد يكون لامور مكروهة لذاتها و قد يكون لامور مكروهة لادائها إلى ما هو مكروه لذاته.

أمّا القسم الأوّل فمثل أن يتمثّل في نفوسهم ما هو المكروه لذاته كسكرات الموت و شدّته أو سؤال القبر أو عذابه أو هول الموقف بين يدي اللّه تعالى و الحياء من كشف السّر و السؤال عن كلّ صغيرة و كبيرة، أو الخوف عن المرور على الصّراط مع حدّته أو من النّار و أهوالها و أغلالها أو من حرمان الجنّة أو من نقصان الدّرجات فيها أو خوف الحجاب من اللّه، و كلّ هذه الأسباب مكروهة في أنفسها و يختلف أحوال‏ السّالكين إلى اللّه فيها و أعلاها رتبة خوف الفراق و الحجاب عن اللّه و هو خوف العارفين و ما قبل ذلك فهو خوف العابدين و الصّلحاء و الزاهدين.

و أما القسم الثّاني فأقسام كثيرة كخوف الموت قبل التّوبة أو خوف نقض التّوبة أو خوف الانحراف عن القصد في عبادة اللّه أو خوف استيلاء القوى الشّهوانيّة بحسب مجرى العادة في استعمال الشّهوات المألوفة أو خوف تبعات النفس عنده أو خوف سوء الخاتمة أو خوف سبق الشّقاوة في علم اللّه، و كلّ هذه و نحوها مخاوف عباد اللّه الصّالحين و أغلبها على قلوب المتّقين خوف الخاتمة فانّ الأمر فيه خطير.

قال بعض اولى الالباب: إذا اسكن الخوف القلب أحرق الشّهوة و أطرد عنه الغفلة.

السّادس قوله (قدّم خالصا) قال الصّادق عليه السّلام العمل الخالص الذى لا تريد أن يمدحك عليه أحد إلّا اللّه و هذا هو معنى الاخلاص قال تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.

و للقوم في تعريف الاخلاص عبارات فقيل: هو تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين حتّى عن ملاحظة النفس فلا يشهد غير اللّه، و قد مرّ تفصيل ذلك في شرح الخطبة الاولى عند قوله عليه السّلام و كمال توحيده الاخلاص له، و قيل: هو تنزيه العمل عن ان يكون لغير اللّه فيه نصيب، و قيل: هو إخراج الخلق عن معاملة الحقّ، و قيل: هو ستر العمل من الخلايق و تصفيته من العلايق، و قيل: إنّه لا يريد عامله عليه عوضا في الدّارين و هذه درجة رفيعة و اليها أشار أمير المؤمنين و سيّد الموحّدين بقوله: ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنّتك و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك.

السّابع قوله (و عمل صالحا) و العمل ما صدر عن الحيوان بقصده قلبيّا أو قالبيّا فهو أخصّ من الفعل، و المراد بالعمل الصّالح إتيان المأمور به كما امر به و يقابله العمل الفاسد قال تعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.

و قال في سورة الفاطر: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.

قال الصّادق عليه السّلام: الكلم الطيّب قول المؤمن لا إله إلا اللّه محمّد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه و خليفة رسول اللّه قال عليه السّلام: و العمل الصّالح الاعتقاد بالقلب أنّ هذا هو الحقّ من عند اللّه لا شكّ فيه من ربّ العالمين.

أقول: و لعلّ مقصوده عليه السّلام أنّ العمل الصّالح الموجب لرفع الكلم الطيّب بالمعنى الذي ذكره هو الاعتقاد الذي نبّه عليه، لما قد علمت أنّ متعلق العمل أعمّ من الاعتقاد.

الثّامن قوله (اكتسب مذخورا) أى ذخيرة مرجوّة ليوم فاقته و زادا معدّا لوقت حاجته و خير الزّاد هو التّقوى كما أفصح به الكتاب المبين و صرّح به أخبار سيّد المرسلين.

التّاسع قوله (و اجتنب محذورا) أى تجنّب ممّا يلزم الحذر منه و يجب الاحتراز عنه و هو مخالفة الأوامر الشّرعيّة و منابذة التكاليف الالزاميّة قال سبحانه فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

أوجب الحذر لمخالفي أمره من إصابة الفتنة و هى العقوبة الدّنيوية و إصابة العذاب الأليم و هى العقوبة الاخرويّة.

العاشر قوله (رمى غرضا) أى رمى بسهام أعماله الصّالحة الباطنة و الظاهرة فأصاب الغرض غير خاطئة«» فأدرك مناه و حاز ما تمنّاه، و على رواية عرضا بالمهملة فالمعنى أنّه رمى عرض الدّنيا و حذف متاعها و رفض حطامها و أخرج حبّها من قلبه علما منه بسرعة زوالها و فنائها.

الحادى عشر قوله (و احرز عوضا) اى أحرز متاع الآخرة الباقية الذي هو عوض من متاع الدّنيا الفانية، و ادّخر ما يفاض عليه من الحسنات و أعدّ ما يثاب عليه من الصالحات.

 وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا.

الثّاني عشر قوله (كابر هواه) أى غالب هواه بوفور عقله و يجاهد نفسه الأمارة و يطوّعها لقوّته العاقلة، قوله تعالى: وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى‏.

أى نهى نفسه عن المحارم التي تهويها و تشتهيها فانّ الجنّة مستقرّه و مأواه.

روى في الوسائل عن الصّدوق باسناده عن الحسين بن زيد عن الصّادق عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حديث المناهي قال: من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها مخافة اللّه عزّ و جلّ حرّم اللّه عليه النّار و آمنه من الفزع الأكبر و أنجز له ما وعده في كتابه: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ.

ألا و من عرضت له دنيا و آخرة فاختار الدّنيا على الآخرة لقى اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة و ليست له حسنة يتّقى بها النّار، و من اختار الآخرة و ترك الدّنيا رضى اللّه عنه و غفر له مساوى عمله.

و عن عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام فقلت الملائكة أفضل أم بنو آدم فقال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب: إنّ اللّه ركب في الملائكة عقلا بلا شهوة و ركب في البهائم شهوة بلا عقل و ركب في بني آدم كلتيهما من غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة و من غلب شهوته عقله فهو شرّ من البهائم.

و عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد لم يره.

الثالث عشر قوله (و كذب مناه) أى قابل ما يلقيه إليه الشيطان من الأماني الباطلة بالتكذيب، قال تعالى: لَعَنَهُ اللَّهُ وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا يَجِدُونَ.

قال في مجمع البيان في تفسير قوله و لا منينهم يعني امنينهم طول البقاء في الدّنيا فيؤثرون بذلك الدّنيا و نعيمها على الآخرة، و قيل معناه أقول لهم ليس ورائكم بعث و لا نشر و لا جنة و لا نار و لا ثواب و لا عقاب فافعلوا ما شئتم عن الكلبي، و قيل: امنينهم بالأهواء الباطلة الدّاعية إلى المعصية و ازيّن لهم شهوات الدّنيا و زهراتها أدعو كلّا منهم إلى نوع ميل طبعه إليه فأصدّه بذلك عن الطاعة و القيه في المعصية.

الرّابع عشر قوله (جعل الصبر مطيّة نجاته) و الصبر قوّة ثابتة و ملكة راسخة بها يقتدر على حبس النفس و منعه عن قبايح اللذات و منى الشهوات و على حمله على مشاق العبادات و التكليفات و على التحمل على المصائب و الآفات و الدّواهى و البليات و بها يحصل النجاة و الخلاص من غضب الجبار و عذاب النار، و لذلك جعلها مطيّة يتمكن بها من الهرب، و الفرار عن العدوّ في مقام الحاجة و الاضطرار، و الآيات القرآنية و الأخبار المعصومية في مدحها و فضلها و الحثّ عليها أكثر من أن تحصى و لعلّنا نشبع الكلام في تحقيقها و بيان أقسامها في شرح الخطبة المأة و الثانية و السبعين‏ و نقتصر هنا على بعض ما ورد فيها على ما اقتضاه المقام.

فأقول في الوسائل من الكافي باسناده عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان يوم القيامة فيقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنة فيقال من أنتم، فيقولون نحن أهل الصبر، فيقال لهم على ما صبرتم فيقولون: كنا نصبر على طاعة اللّه و نصبر عن معاصي اللّه فيقول اللّه عزّ و جلّ: صدقوا ادخلوهم الجنة و هو قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

و عن عمرو بن شمر اليماني يرفع الحديث إلى عليّ عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الصّبر ثلاثة: صبر عند المصيبة، و صبر عند الطاعة، و صبر عن المعصية، فمن صبر على المصيبة حتّى يردها بحسن عزائها كتب اللّه له ثلاثمأة درجة ما بين الدّرجة إلى الدّرجة كما بين السّماء و الأرض، و من صبر على الطاعة كتب اللّه له ستّمأة درجة ما بين الدّرجة إلى الدّرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، و من صبر عن المعصية كتب اللّه له تسعمائة درجة ما بين الدّرجة إلى الدّرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش.

و عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال اصبروا على الدّنيا فانّما هي ساعة فما مضى منه لا تجد له ألما و لا سرورا، و ما لم يجي‏ء فلا تدرى ما هو و إنّما هى ساعتك التي أنت فيها، فاصبر فيها على طاعة اللّه و اصبر فيها عن معصية اللّه.

الخامس عشر قوله (و التّقوى عدّة وفاته) قد مرّ معنى التّقوى و بعض ما ورد فيها في شرح الخطبة الثالثة و العشرين، و أقول هنا إنّ العدّة لما كانت عبارة عمّا أعدّها الانسان و هيّئها لحوادث دهره و ملمّات زمانه و كان الموت أعظم الحوادث، و بالتّقوى يحصل الوقاية من سكراته و غمراته و به يتّقى من شدايد البرزخ و كرباته و يستراح من طول الموقف و مخاوفه، لا جرم جعلها عليه السّلام عدّة للوفاة و وقاية يحصل بها النجاة، و استعار عنها الكتاب المجيد بالزاد فقال: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏.

بملاحظة أنّ الزّاد لمّا كان هو الطعام الذي يتّخذ للسّفر ليتقوّى به الطبيعة على الحركات الحسيّة و كانت تقوى اللّه ممّا تقوى به النّفس على الوصول إلى حظيرة القدس حسن الاستعارة به عنها لما بين المعنيين من كمال المشابهة و تمامها.

قال بعض العارفين: ليس السّفر من الدّنيا أهون من السّفر في الدّنيا و هذا لا بدّ له من زاد و كذلك ذلك بل يزداد، فانّ زاد الدّنيا يخلصك عن عذاب منقطع موهوم و زاد الآخرة ينجيك من عذاب مقطوع معلوم، زاد الدّنيا يوصلك إلى متاع الغرور و زاد الآخرة يبلغك دار السّرور، زاد الدّنيا سبب حظوظ النّفس و زاد الآخرة سبب الوصول إلى عتبة الجلال و القدس.

السّادس عشر قوله (ركب الطريقة الغرّاء) أى سلك جادّة الشّريعة الواضحة المستقيمة الموصلة لسالكها الى الجنان و مقام القرب و الرّضوان.

السّابع عشر قوله (و لزم المحجة البيضاء) قال الشّارح البحراني و الفرق بين ذلك و الذي قبله أنّ الأوّل أمر بركوب الطريقة الغرّاء و الثّاني أمر بلزومها و عدم مفارقتها و انّها و إن كانت واضحة إلّا أنّها طويلة كثيرة المخاوف و سالكها أبدا محارب للشّيطان و هو في معرض أن يستزلّه عنها.

الثامن عشر قوله (اغتنم المهل) أى أيام مهلته و هو مدّة عمره و أيّام حياته في دار الدّنيا.

قال زين العابدين و سيد الساجدين عليه السّلام في دعاء مكارم الأخلاق من الصّحيفة: اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و نبّهني لذكرك في أوقات الغفلة و استعملني بطاعتك في أيّام المهلة و انهج لي إلى محبّتك سبيلا سهلة.

و انّما عبّر عنها بأيّام المهلة لأنّ العناية الأزليّة لمّا كانت مقتضية لسوق النّاقص إلى كماله فاقتضت العناية عدم معاجلة العباد بالعقوبة و السّخط و الأخذ بالذّنوب و المعصية في هذه الحياة الدّنيا ليرجعوا إلى التّوبة و يراجعوا الانابة فكأنّه تعالى أمهلهم مدّة حياتهم في الدّنيا و أنظرهم طول بقائهم فيها و جعلهم في النّظرة و المهلة.

التّاسع عشر قوله (بادر الأجل) أى سارع إلى أجله الموعود بصحبة عمله الصّالح و هو كناية عن جعله الموت نصب عينيه و عدم غفلته عنه و ترقبه له فاذا كان كذلك لا يخاف من حلول الموت و نزوله و لا يبالى أوقع على الموت أم وقع الموت عليه.

العشرون قوله (و تزوّد من العمل) أى تزوّد من أعماله الصالحة لقطع منازل الآخرة نسأل اللّه سبحانه أن يوفّقنا للاتّصاف بتلك الأوصاف الشّامخة الفايقة حتّى نستوجب بذلك رحمته العامة الواسعة بمحمّد و عترته الطاهرة.

الترجمة

از جمله خطبه اى شريفه آن حضرت است كه مى‏ فرمايد: خداوند رحمت كند بنده را كه بشنود حكمت را پس گوش گيرد و حفظ نمايد و خوانده شود به سوى رشد و صلاح پس اجابت كند و نزديك آيد، و بگيرد كمرگاه هدايت كننده را و معتصم او بشود پس نجات يابد، مراقب باشد پروردگار خود را و بترسد از گناه خود، پيش فرستد كردار پاكيزه و عمل كند عمل شايسته، كسب نمايد چيزى را كه ذخيره مى‏ شود از براى آخرت، و اجتناب نمايد از چيزى كه باعث حذر است و ندامت.

بيندازد با تير اعمال حسنه بسوى غرض و نشانه و جمع كند متاع دار جاودانى را بعوض متاع دنياى فانى، غلبه نمايد بهوا و هوس و شهوات نفسانيه و تكذيب نمايد آمال و امانى باطله شيطانيه بگرداند صبر و شكيبائى را مركب نجات خويش و تقوى و پرهيزكارى را توشه وفات خود، سوار بشود بر طريقه روشن شريعت و لازم شود بر جاده آشكار ملّت، غنيمت شمارد ايام مهلت حياة را و مبادرت نمايد بنيكوكارى قبل از ممات و توشه بگيرد از اعمال صالحه بجهت سفر آخرت.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 74 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 75 صبحی صالح

75- و من كلام له ( عليه ‏السلام  ) لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان‏

أَ وَ لَمْ يَنْهَ بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قَرْفِي

أَ وَ مَا وَزَعَ الْجُهَّالَ سَابِقَتِي عَنْ تُهَمَتِي

وَ لَمَا وَعَظَهُمُ اللَّهُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ لِسَانِي

أَنَا حَجِيجُ الْمَارِقِينَ

وَ خَصِيمُ النَّاكِثِينَ الْمُرْتَابِينَ

وَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تُعْرَضُ الْأَمْثَالُ

وَ بِمَا فِي الصُّدُورِ تُجَازَى الْعِبَادُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من كلام له عليه السلام لما بلغه اتهام بنى امية له بالمشاركة فى دم عثمان و هو الرابع و السبعون من المختار فى باب الخطب

أو لم ينه أميّة علمها بي عن قرفي أو ما وزع الجهّال سابقتي عن تهمتي و لما وعظهم اللّه به أبلغ من لساني أنا حجيج المارقين، و خصيم المرتابين، و على كتاب اللّه تعرض الأمثال، و بما في الصّدور تجازى العباد

اللغة

قوله (أو لم ينه اميّة) في بعض النّسخ بني امية و كلاهما صحيحان، و المراد القبيلة يقال كليب و بنو كليب و يراد بهما القبيلة قال الشّاعر:

         أشارت كليب بالأكفّ الأصابع‏

و قال آخر:

         أبنى كليب إنّ عمّى اللّذا

و (قرف) فلانا من باب ضرب اتّهمه و عابه و (وزعه) عنه صرفه و كفّه و (السّابقة) الفضيلة و التّقدّم و (الحجيج) المحاج من حجّ فلان فلانا اذا غلبه بالحجة و (المارق) الخارج من الدّين و (الخصيم) المخاصم.

الاعراب

الهمزة في قوله أو لم ينه و أو ما وزع استفهام على سبيل الانكار التّوبيخى نحو قوله تعالى: أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ…، أَ إِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ.

و الواو في قوله و لما وعظهم يحتمل القسم و الاستيناف و الحال.

المعنى

اعلم أنّ هذا الكلام له وارد في توبيخ بني امية و الطعن عليهم، فانّه عليه السّلام لما بلغه اتّهامهم له بالمشاركة في دم عثمان و بخهم بقوله (أو لم ينه اميّة علمها بى عن قرفى) قال الشّارح المعتزلي: يقول عليه السّلام أما كان في علم بني اميّة بحالي ما ينهيها عن قرفي و اتّهامي بدم عثمان، و حاله التي أشار إليها و ذكر أنّ علمهم بها يقتضى أن لا يقرفوه بذلك هى منزلته في الدّين التي لا منزلة أعلى منها، و ما نطق به الكتاب الصّادق من طهارته و طهارة بنيه و زوجته في قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

و قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنت منّى بمنزلة هارون من موسى، و ذلك يقتضى عصمته عن الدّم الحرام كما أن هارون معصوم عن مثل ذلك ثمّ أكّد ذلك بقوله (أو ما وزع الجهال) و ردعهم (سابقتى) في الاسلام (عن تهمتى) ثمّ اعتذر عليه السّلام لنفسه في عدم تاثير موعظته فيهم بقوله (و لما و عظهم اللّه به) في كتابه (ابلغ من لساني) و قولى.

يعنى انّ كلام اللّه سبحانه مع كونه أبلغ الموعظة و أكمل في الرّدع و التحذير لا يوجب و زعهم و ردعهم عن القول و الاعتقاد بما لا يجوز و لا يؤثر فيهم، فكيف بكلامي و هذا الكلام نظير قوله في الخطبة الرّابعة: و قر سمع لم يفقه الواعية و كيف يراعى النبأة من أصمّته الصّيحة، و المراد بما و عظهم اللّه به الآيات النّاهية عن الظنّ و الرّادعة عن الغيبة و المحذرة من ايذاء المؤمنين مثل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ و قوله: وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً.

إلى غير ذلك و هو كثير في القرآن ثمّ قال (أنا حجيج المارقين و خصيم المرتابين) أى مغالب الخارجين عن الدّين باظهار الحجة عليهم في الدّنيا و الآخرة و مخاصم الشّاكين في الدّين أو في كلّ حقّ في خصوص الامامة من بني اميّة و غيرهم.

روى في غاية المرام عن الشّيخ في أماليه باسناده عن قيس بن سعد بن عبادة قال: سمعت علىّ بن أبي طالب يقول: أنا أوّل من يجثو بين يدي اللّه عزّ و جلّ للخصومة أقول: و إلى تلك المخاصمة اشيرت في قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ.

روى في غاية المرام عن ابن بابويه مسندا عن النّصر بن مالك قال: قلت للحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام: يا أبا عبد اللّه حدّثنى عن قول اللّه عزّ و جلّ: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ.

قال: نحن و بنو اميّة اختصمنا في اللّه عزّ و جلّ قلنا صدق اللّه و قالوا كذب اللّه فنحن و إيّاهم الخصمان يوم القيامة.

و من كشف الغمة عن مسلم و البخاري في حديث في قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا.

نزلت في عليّ و حمزة و عبيدة بن الحارث الذين بارزوا المشركين يوم بدر عتبة و شيبة ابنار بيعة و الوليد بن عتبة.

و من تفسير عليّ بن إبراهيم في معنى الآية قال: قال يعنى الصّادق عليه السّلام نحن و بنو امية نحن قلنا صدق اللّه و رسوله، و قالت بنو اميّة كذب اللّه و رسوله: فَالَّذِينَ كَفَرُوا يعني بني أميّة قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ إلى قوله «حديد».

قال قال عليه السّلام: تشويه النار فتسترخى شفته السفلى حتّى يبلغ سرّته و تتعلّق شفته العليا حتّى تبلغ وسط رأسه، و لهم مقامع من حديد، قال: قال الأعمدة التي يضربون بها.

و من تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قال: روى خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نقول ربّنا واحد و نبيّنا واحد و ديننا واحد فما هذه الخصومة، فلما كان يوم صفين و شدّ بعضنا على بعض بالسيوف قلنا: نعم هو هذا، ثمّ قال عليه السّلام (و على كتاب اللّه تعرض الأمثال) يريد نحو قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا الآية. و قوله تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ.

روى في غاية المرام من طريق العامة عن ابن عبّاس في قوله: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ قال علي و حمزة و عبيدة كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ عتبة و شيبة و الوليد بن عتبة أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ هؤلاء عليّ و أصحابه كَالْفُجَّارِ عتبة و أصحابه، و قوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ.

قال ابن عبّاس فالذين آمنوا بنو هاشم و بنو عبد المطلب، و الذين اجترحوا السّيئات بنو عبد شمس، و قال بعضهم لما كان في أقواله و أفعاله عليه السّلام ما يشبه الأمر بالقتل أو فعله فأوقع في نفوس الجهّال شبهة القتل نحو ما روي عنه عليه السّلام اللّه قتله و أنا معه و كتخلّفه عن الخروج يوم قتل عثمان حسبما تقدّم في شرح كلامه التاسع و العشرين فقال عليه السّلام: ينبغي أن يعرض ذلك على كتاب اللّه فان دلّ على كون شي‏ء من ذلك قتلا فيحكم به و إلّا فلا و لن يدلّ عليه أبدا.

قال المحدّث العلّامة المجلسي: و يحتمل أن يراد بالأمثال الحجج أو الأحاديث كما ذكر في القاموس أى ما احتجّ به في مخاصمة المارقين و المرتابين و ما يحتجّون به في مخاصمتي ينبغي عرضها على كتاب اللّه حتّى يظهر صحّتهما و فسادهما، أو ما يسندون إلىّ في أمر عثمان و ما يروى في أمري و أمر عثمان يعرض على كتاب اللّه (و بما في الصّدور تجازى العباد) أى بالنيّات و العقائد أو بما يعلمه اللّه من مكنون الضّماير لا على وفق ما يظهره المتخاصمون عند الاحتجاج يجازى اللّه العباد.

الترجمة

از جمله كلام آن عالى مقام است در حيني كه رسيد بأو متّهم كردن بني اميه او را بشريك شدن او در خون عثمان عليه اللّعنة و النّيران.

آيا نهى كرد بني اميه را علم ايشان بحالت من از متّهم داشتن من، آيا منع و ردع نكرد جاهلان را سابقه فضيلت من از اتّهام من و هر آينه آنچه كه موعظه فرموده است خداوند ايشان را بأو ابلغ است از كلام من، من احتجاج كننده‏ام با كسانى كه از دين خارجند و خصومت كننده‏ام با اشخاصى كه در دين شك دارند بر كتاب خدا عرض و تطبيق شود شبه‏ها و مثلها و به آن چه در سينهاست از اعتقادهاى نيك و بد جزا داده مي شوند بندگان در اين جهان و آن جهان.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 73 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 74 صبحی صالح

74- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) لما عزموا على بيعة عثمان‏

لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي

وَ وَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ

وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً

الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ

وَ زُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من كلام له عليه السلام لما عزموا على بيعة عثمان و هو الثالث و السبعون من المختار فى باب الخطب

لقد علمتم أنّي أحقّ بها من غيري، و و اللّه لاسلّمنّ ما سلمت أمور المسلمين، و لم يكن فيها جور إلّا عليّ خاصّة التماسا لأجر ذلك من فضله، و زهدا فيما تنافستموه من زخرفها و زبرجها.

اللغة

(نافست) في الشي‏ء منافسة و نفاسا إذا رغبت فيه على وجه المباراة و (الزّخرف) بالضمّ الذّهب و كمال حسن الشي‏ء قال تعالى: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها و (الزّبرج) بالكسر الزّينة.

الاعراب

كلمة ما في قوله ما سلمت ظرفيّة مصدرية، و خاصّة منصوب على الحاليّة، و التماسا مفعول له و العامل لاسلّمن و من زخرفها بيان لما.

المعنى

المستفاد من شرح المعتزلي أنّ هذا الكلام صدر منه عليه السّلام بعد أن بايع أهل الشّورى عثمان و عدّ عليه السّلام فضائله و سوابقه، و ناشد أصحاب الشّورى فقطع عبد الرّحمن ابن عوف كلامه و قال يا علي: قد أبى النّاس إلّا على عثمان فلا تجعلنّ على نفسك سبيلا، ثمّ قال عليه السّلام: يا با طلحة ما الذى أمرك به عمر قال: أن أقتل من شقّ عصا الجماعة، فقال عبد الرّحمن لأمير المؤمنين بايع إذن و إلّا كنت متّبعا غير سبيل المؤمنين و انفذنا فيك ما أمرنا به فعند ذلك قال: (لقد علمتم أنّى أحقّ بها) أى بالخلافة المستفادة من قرينة المقام (من غيرى) لاستجماعه عليه السّلام الكمالات النّفسانية و الفضايل الدّاخليّة و الخارجيّة مضافا إلى وصية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بها، فيكون أولى و أحقّ و ذلك لا يستلزم كون غيره حقيقا أيضا إذا سم التّفضيل في كلامه نحوه في قوله تعالى: قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ.

ثمّ نبه عليهما السّلام على أنّ رغبته فيها ليست حرصا على زخارف الدّنيا و زينتها و امارتها كما هي في غيره، و إنّما هى لرعاية مصلحة الاسلام و صلاح حال المسلمين فقال (و و اللّه لاسلمنّ) و أتركن المخالفة (ما سلمت امور المسلمين) أي مهما كان في تسليمي سلامة امور المسلمين (و لم يكن فيها جور إلّا علىّ خاصّة) و إنّما سلمت ذلك (التماسا لأجر ذلك من فضله) أى لأجر المظلوميّة و الجور الواقع في حقّي من فضل اللّه سبحانه (و زهدا فيما تنافستموه) و رغبة عمّا رغبتم فيه (من زخرفها و زبرجها) أى ذهب الدّنيا و زينتها.

قال المحدّث المجلسي: في هذا الكلام دلالة على أنّ خلافة غيره جور مطلقا و أنّ التّسليم على التّقدير المفروض و هو سلامة امور المسلمين و إن لم يتحقّق الفرض لرعاية مصالح الاسلام و التّقية انتهى.

و بذلك يظهر ما فى كلام الشّارح المعتزلي حيث قال: فان قلت: فهلّا سلم إلى معاوية و إلى أصحاب الجمل و اغضى على اغتصاب‏ حقّه حفظا للاسلام من الفتنة.

قلت: إنّ الجور الدّاخل عليه من أصحاب الجمل و من معاوية و أهل الشّام لم يكن مقصورا عليه خاصّة، بل كان يعمّ الاسلام و المسلمين جميعا، لأنّهم عنده لم يكونوا ممّن يصلح لرياسة الامّة و تحمّل أعباء الخلافة، فلم يكن الشّرط الذي اشترطه متحقّقا و هو قوله: و لم يكن فيها جور إلّا علىّ خاصّة.

ثمّ قال: و هذا الكلام يدلّ على أنّه عليه السّلام لم يكن يذهب إلى أنّ خلافة عثمان تتضمّن جورا على المسلمين و الاسلام و إنّما يتضمّن جورا عليه خاصّة و إنّما وقعت على جهة مخالفة الاولى لا على جهة الفساد الكلّى و البطلان الأصلى و هذا محض مذهب أصحابنا انتهى.

و أقول: أماما ذكره من التفرقة بين المتخلّفين الثلاثة و بين النّاكثين و القاسطين بكون جور الأولين مقصورا عليه خاصّة و جور الآخرين عامّا له و للاسلام و المسلمين، فضعيف جدّا كضعف توهّمه صلاحية الأوّلين عنده عليه السّلام لرياسة الامة و عدم صلاحية الآخرين لها.

أما أولا فلمنع انحصار جور الأولين فيه خاصّة ألم يبعث الأوّل خالد بن الوليد لعنه اللّه إلى مالك بن نويرة فقتله و أصحابه و زنى امرئته بمجرّد امساكه عن الزكاة و منع بضعة الرّسول من فدك أليس جورا بيّنا و ظلما فاحشا فضلا عن ساير ما صدر عنه أو لم يأمر الثّاني باحراق بيت الصّديقة و منعها حقّها و أعطى عايشة و حفصة عشرة آلاف درهم في كلّ سنة و ظلم المسلمين في بيت مالهم أولا تنظر إلى الثّالث كيف اخرج أبي ذر إلى الرّبذة و كسر ضلع عبد اللّه بن المسعود و حمل بني أبي معيط على رقاب النّاس و أتلف مال المسلمين و ظلمهم في حقّهم و قام معه بنو اميّة «أبيه» يخضمون مال اللّه خضم الابل نبتة الرّبيع و لو لم يكن منهم جور إلّا فى حقّه عليه السّلام لكفى في بطلان خلافتهم إذ الجائر لا يكون إماما لقوله تعالى: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.

و اما ثانيا فلمنع صلاحيّة الأولين عنده عليه السّلام للرياسة، و كيف يتوّهم ذلك مع تصريحه في الخطبة الشّقشّقية و غيرها ممّا مرّت و يأتي بعد ذلك ببطلان خلافتهم و اغتصابهم حقّه فضلا عما حقّقنا سابقا في غير موضع فساد خلافتهم و بطلان دعواهم لها.

فان قلت: فلم أمسك عنهم و نهض إلى معاوية و أصحاب الجمل قلت: قد بيّنا جواب ذلك فيما سبق و قلنا إنّ إمساكه النكير على الأوّلين لعدم وجود ناصر و معين له يومئذ ينصره و يحمى له فأمسك عنهم تقيّة و حقنا لدمه بخلاف يوم الجمل، و صفّين كما مر تفصيلا في تنبيهات كلامه السّابع و الثّلاثين، و بالجملة لا ريب في بطلان خلافة الجميع و كون الكلّ جائرا ظالما في حقّه و في حقّ المسلمين، غاية الأمر أنّ معاوية و أصحاب الجمل هتكوا حرمة الاسلام بالمرّة و أعلنوا بعداوته عليه السّلام و شهر و اسيوفهم عليه، و الأولين لم يبلغوا هذه المثابة.

و بهذا كلّه ظهر فساد ما توّهمه أخيرا و نسبه إليه عليه السّلام من عدم ذهابه إلى بطلان خلافة عثمان أصلا و رأسا و إنّما كان يذهب إلى أنّها متضمنة للجور عليه خاصة فافهم جيدا.

الترجمة

از جمله كلام آن امام همام است كه فرموده در زمانى كه عزم كردند أهل شورى ببيعت عثمان.

بتحقيق هر آينه دانسته ‏ايد كه آنكه بدرستى من سزاوارترم بخلافت از غير من و قسم بذات خداوند كه هر آينه تسليم مي كنم مادامى كه سلامت باشد كارهاى مسلمانان و نباشد در خلافت ديگران ستمى مگر بر من تنها از جهت خواهش نمودن ثواب آنرا از فضل خداوند تبارك و تعالى و از جهت اعراض نمودن در آنچه شما رغبت نموديد در آن از طلاى آن و زينت و آرايش آن.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 72 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 73 صبحی صالح

73- و من كلام له ( عليه ‏السلام  ) قاله لمروان بن الحكم بالبصرة

قالوا أُخِذَ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل

فاستشفع الحسن و الحسين ( عليهماالسلام  )إلى أمير المؤمنين ( عليه‏ السلام  )

فكلماه فيه

فخلى سبيله

فقالا له يبايعك يا أمير المؤمنين فقال ( عليه ‏السلام  )

أَ وَ لَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ

لَا حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِهِ

إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ

لَوْ بَايَعَنِي بِكَفِّهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ

أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفَهُ

وَ هُوَ أَبُو الْأَكْبُشِ الْأَرْبَعَةِ

وَ سَتَلْقَى الْأُمَّةُ مِنْهُ وَ مِنْ وَلَدِهِ يَوْماً أَحْمَرَ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من كلام له عليه السلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة و هو الثاني و السبعون من المختار فى باب الخطب

قالوا: اخذ مروان بن الحكم اسيرا يوم الجمل فاستشفع الحسن و الحسين عليهما السّلام إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فكلّماه فيه فخلّى سبيله فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنين. فقال: أو لم يبايعني بعد قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته، إنّها كفّ يهوديّة لو بايعني بكفّه لغدر بسبّته، أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه، و هو أبو الأكبش الأربعة، و ستلقى الامّة منه و من ولده يوما أحمر.

اللغة

قال الشّارح المعتزلي يقال استشفعت فلانا إلى فلان و سألته ان يشفع لى إليه و تشفّعت إلى فلان في فلان فشفّعني فيه تشفيعا، و قول النّاس استشفعت بفلان إلى فلان ليس بذلك الجيد انتهى، و (السّبة) بالفتح الاست، و (الامرة) بالكسر مصدر كالامارة و قيل اسم و (لعقه) كسمعه لحسه لعقة و يضمّ و (كبش) القوم رئيسهم و (الولد) بالتّحريك مفرد و جمع.

الاعراب

فاعل استشفع في كلام السّيد راجع إلى مروان، قوله: انّها وارد في مقام التّعليل لعدم الحاجة و حذف منه الجار، و الضّمير فيه راجع إلى الكفّ المفهوم من البيعة لجريان العادة بوضع المبايع كفّه في كفّ المبتاع، و يهوديّة بالرّفع صفة لكفّ.

المعنى

اعلم أنّ مروان الملعون هو ابن الحكم بن أبي العاص بن اميّة بن عبد شمس ابن عبد مناف، و كان أبوه الحكم لعنه اللّه عمّ عثمان بن عفّان و قد طرده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نفاه عن المدينة مع ابنه مروان، و كان مروان يومئذ طفلا فلم يزالا بالطايف حتّى ولى عثمان فردّه إلى المدينة مع ولده.

و اختلف في السّبب الموجب لنفيه له فقيل: إنّه يتحيل و يستخفى و يسمع ما يسرّه رسول اللّه إلى أكابر الصّحابة في مشركي قريش و ساير الكفّار و المنافقين، و قيل: يتجسّس على رسول اللّه و هو عند نسائه و يصغى إلى ما لا يجوز الاطلاع عليه ثمّ يحدّث به المنافقين على طريق الاستهزاء، و قيل: كان يحكيه في بعض مشيه و بعض حركاته، فقد قيل: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا مشى يتكفّاء، و كان الحكم بن العاص يحكيه و كان شانئا له حاسدا مبغضا، فالتفت رسول اللّه يوما فرآه يمشى خلفه يحكى في مشيته فقال له كذلك فلتكن يا حكم، فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ.

و في شرح المعتزلي من كتاب الاستيعاب باسناد ذكره عن عبد اللّه بن عمرو بن‏ العاص أنّ الرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال يدخل عليكم رجل لعين، قال: و كنت قد رأيت أبي يلبس ثيابه ليقبل إلى رسول اللّه فلم أزل مشفقا أن يكون أوّل من يدخل، فدخل الحكم بن أبى العاص.

و عن النّهاية في حديث عايشة قالت لمروان: إنّ اللّه لعن أباك و أنت فضض من لعنة اللّه أى قطعة و طائفة منها، و رواه بعضهم فظاظة من لعنة اللّه بظائين من الفظيظة و هو ماء الكرش. و قال الزّمخشرى افتظظت الكرش اعتصرت مائها كأنّها عصارة من لعنة اللّه.

و كيف كان فهو الطريد ابن الطريد، و اللعين ابن اللعين و منافق ابن منافق، و لذلك أنّ الحسنين عليهما السّلام لمّا قالا لأمير المؤمنين عليه السّلام إنّه يبايعك يا أمير المؤمنين فقال (أو لم يبايعني بعد قتل عثمان) فغدر و حضر فيمن حضر حرب الجمل (لا حاجة لي في بيعته إنّها) أى كفّه (كفّ يهوديّة) غادرة و النّسبة إلى اليهود لشيوع الغدر فيهم كما نبّه عليه السّلام على ذلك بقوله (لو بايعني بيده لغدر بسبّته) أراد أنّه لو بايع في الظاهر لغدر في الباطن و ذكر السّبة إهانة له.

(أما انّ له امرة كلعقة الكلب أنفه) أشار بذلك إلى قصر مدّة امارته، فقد قيل: انّه ولى الأمر تسعة أشهر، و قيل: ستّة أشهر، و قيل أربعة أشهر و عشرة أيّام (و هو أبو الكبش الأربعة) فسّر الأكثر ذلك ببني عبد الملك بن مروان: الوليد، و سليمان، و يزيد، و هشام، و لم يل الخلافة من بني اميّة و لا من غيرهم أربعة اخوة إلّا هؤلاء.

قال المعتزلي: و عندي أنّه يجوز أن يعني به بني مروان لصلبه، و هم عبد الملك الذي ولي الخلافة، و بشر الذى ولى العراق، و محمّد الذى ولى الجزيرة، و عبد العزيز الذي ولى مصر، و لكلّ منهم آثار مشهورة (و ستلقى الامّة منه و من ولده يوما أحمر) أى شديدا و في بعض النّسخ موتا أحمر و هو كناية عن القتل.

تكملة

هذا الكلام مرويّ بنحو آخر، و هو ما رواه في البحار من الخرائج عن‏ ابن الصّير في عن رجل من مراد قال: كنت واقفا على رأس أمير المؤمنين عليه السّلام يوم البصرة إذ أتاه ابن عبّاس بعد القتال فقال: إنّ لي حاجة فقال ما اعرفنى ما الحاجة التي جئت فيها تطلب الأمان لابن الحكم قال: نعم اريد أن تؤمنه قال أمنته و لكن اذهب و جئني به و لا تجئني به إلّا رديفا فانّه أذلّ له.

فجاء به ابن عباس رد فاخلفه كانّه قرد قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أ تبايع قال: نعم، و في النّفس ما فيها قال: اللّه أعلم بما في القلوب فلمّا بسط يده ليبايعه أخذ كفّه عن كفّ مروان فترها فقال لا حاجة لي فيها إنّها كفّ يهوديّة لو بايعني بيده عشرين مرّة لنكث باسته، ثمّ قال: هيه هيه يابن الحكم خفت على رأسك أن تقع في هذه المعمعة، كلّا و اللّه حتّى يخرج من صلبك فلان و فلان يسومون هذه الامّة خسفا و يسقونه كاسا مصبرة قال المجلسي: قوله فترّها، كذا في أكثر النّسخ باليّاء و الرّاء المهملة في القاموس ترّ العظم و يترّ تريرا و ترور ابان و انقطع، و قطع كأترّ و التّترتر كالتزلزل و التّقلقل، و في بعض النّسخ فنثرها بالنّون و الثّاء المثلثة أى نفضها، و في بعضها فنترها بالنّون و التّاء المثنّاة من النّترو هو الجذب بقوّة و في القاموس يقال لشي‏ء يطرد هيه هيه بالكسر و هى كلمة استرادة أيضا، و في النّهاية المعامع شدّة الموت و الجدّ في القتال و المعمعة في الاصل صوت الحريق و المعمعان شدّة الحرّ.

أقول: و لعله أراد بقوله كأسا مصبرة كأسا مرّا كان فيها صبرا.

الترجمة

از جمله كلام بلاغت نظام آن حضرت است كه فرمود از براى مروان بن حكم در شهر بصره، راويان گويند كه گرفتند مروان بن حكم را اسير در روز حرب جمل پس شفيع نمود حسن و حسين عليهما السّلام را مروان بسوى أمير المؤمنين عليه السّلام پس سخن گفتند آن دو بزرگوار بآن حضرت در خصوص آن بى ‏اخلاص، پس رها كرد آن را، پس عرض كردند ايشان كه بيعت مي كند مروان بتو اى أمير مؤمنان پس آن حضرت فرمود كه:

آيا بيعت نكرد آن بيدين بعد از كشته شدن عثمان لعين هيچ حاجت نيست مرا در بيعت آن بدبخت، بدرستى كه دست آن ملعون دست يهودى است يعنى مثل طائفه يهود مكار و غدار است اگر بيعت كند بمن بدست خود هر آينه غدر كند باد بر خود، يعنى اگر ظاهرا بيعت نمايد باطنا نقض آن را خواهد نمود.

آگاه باشد كه بدرستى باشد او را امارتي بغايت كوتاه مانند ليسيدن سك بينى خود را و او است پدر چهار رئيس، مراد عبد الملك و عبد العزيز و بشر و محمّد است كه همه پسران مروان بودند، و زود باشد كه برسند اين امت از جانب مروان و از جانب پسران او روز با شدّت، مراد قتل و غارتيست كه از ايشان صادر شد.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 71 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 72 صبحی صالح

72- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) علم فيها الناس الصلاة على النبي ( صلى‏ الله‏ عليه‏ وآله  )

و فيها بيان صفات الله سبحانه و صفة النبي و الدعاء له‏

صفات الله‏

اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ

وَ دَاعِمَ الْمَسْمُوكَاتِ

وَ جَابِلَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَ سَعِيدِهَا

صفات النبي‏

اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَ نَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَ رَسُولِكَ

الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ

وَ الْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ

وَ الْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ

وَ الدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ

وَ الدَّامِغِ صَوْلَاتِ الْأَضَالِيلِ

كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ

قَائِماً بِأَمْرِكَ

مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ

غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ

وَ لَا وَاهٍ فِي عَزْمٍ

وَاعِياً لِوَحْيِكَ

حَافِظاً لِعَهْدِكَ

مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ

حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ

وَ أَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ

وَ هُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ وَ الْآثَامِ

وَ أَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الْأَعْلَامِ

وَ نَيِّرَاتِ الْأَحْكَامِ

فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ

وَ خَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ

وَ شَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ

وَ بَعِيثُكَ بِالْحَقِّ

وَ رَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ

الدعاء للنبي‏

اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِي ظِلِّكَ

وَ اجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ

اللَّهُمَّ وَ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ

وَ أَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ

وَ أَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ

وَ اجْزِهِ مِنِ ابْتِعَاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ

مَرْضِيَّ الْمَقَالَةِ

ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ

وَ خُطْبَةٍ فَصْلٍ

اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ فِي بَرْدِ الْعَيْشِ وَ قَرَارِ النِّعْمَةِ

وَ مُنَى الشَّهَوَاتِ

وَ أَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ

وَ رَخَاءِ الدَّعَةِ

وَ مُنْتَهَى الطُّمَأْنِينَةِ

وَ تُحَفِ الْكَرَامَةِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من خطبة له عليه السلام علم فيها الناس الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم

و هى الحادية و السبعون من المختار فى باب الخطب و هى مروية في المجلد السّابع عشر من البحار من مناقب ابن الجوزي عن الحسن بن عرفة عن سعيد بن عمير عن أمير المؤمنين عليه السّلام بتغيير يسير.

أللّهمّ داحى المدحوّات، و داعم المسموكات، و جابل القلوب على فطرتها، شقيّها و سعيدها، اجعل شرايف صلواتك و نوامي بركاتك، على محمّد عبدك و رسولك، الخاتم لما سبق، و الفاتح لما انغلق، و المعلن الحقّ بالحقّ، و الدّافع جيشات الأباطيل، و الدّامغ صولات الأضاليل، كما حمّل فاضطلع قائما بأمرك، مستوفزا في مرضاتك،غير ناكل عن قدم، و لا واه في عزم، واعيا لوحيك، حافظا على عهدك ماضيا على نفاذ أمرك، حتّى أورى قبس القابس، و أضاء الطّريق للخابط، و هديت به القلوب بعد خوضات الفتن، و أقام موضحات الأعلام، و نيّرات الأحكام، فهو أمينك المأمون، و خازن علمك المخزون، و شهيدك يوم الدّين، و بعيثك بالحقّ، و رسولك إلى الخلق. أللّهمّ افسح له مفسحا في ظلّك، و أجزه مضاعفات الخير من فضلك أللّهمّ واعل على بناء البانين بنائه، و أكرم لديك منزلته، و أتمم له نوره، و أجزه من ابتعاثك له مقبول الشّهادة، و مرضيّ المقالة، ذا منطق عدل، و خطّة فصل، أللّهمّ اجمع بيننا و بيّنه في برد العيش و قرار النّعمة، و منى الشّهوات، و أهواء اللّذّات، و رخاء الدّعة، و منتهى الطّمأنينة، و تحف الكرامة.

اللغة

(دحى) اللّه الأرض دحوا بسطها فهى مدحوّة و (دعمت) الشّي‏ء من باب نفع دعما حفظته بالدّعامة و هي بالكسر ما يستند به الحائط و السّقف و نحوهما يمنعهما السّقوط و (سمكه) سمكا رفعه، و المسمكات كمكرمات السّماوات، و المسموكات لغة و (الجبل) الخلق و (النّامي) الزّايد و (الجيشات) جمع جيشة من جاشت القدر إذا ارتفع غليانها.

و (بطل) الشّي‏ء يبطل بطلا و بطولا و بطلانا بضمّ الأوائل فسدا و سقط حكمه فهو باطل و الجمع بواطل و أباطيل على غير قياس، و قال أبو حاتم: الاباطيل جمع ابطولة بضمّ الهمزة و قيل جمع ابطالة و (دمغته) دمغا من باب نفع كسرت عظم دماغه، فالشجة دامغة و هي التي تخسف الدّماغ و لا يبقى معها حياة و (الصّولة) السّطوة و (الأضاليل) جمع الضّلال على غير القياس.

و (ضلع) الشّي‏ء بالضّم ضلاعة قوى، و فرس ضليع غليظ الألواح شديد العصب و رجل ضليع قوىّ و (الوفز) العجلة و استوفر في قعدته قعد منتصبا غير مطمئن و (نكل) نكولا نكص و جبن و (ورى) الزّند يورى خرج ناره و اوريته أنا، و منه قوله سبحانه: فَالْمُورِياتِ قَدْحاً.

و (القبس) بفتحتين شعلة من النّار قال سبحانه: لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ.

و القابس هو الذي يطلب النّار يقال قبس نارا يقبسها من باب ضرب أخذها و قبس علما تعلمه و قبست الرّجل علما يتعدّي و لا يتعدّى و أقبسته نارا و علما بالالف و (الخابط) الذي يسير على غير جادّة ليلا و (العلم) بالتّحريك ما يستدلّ به على الطريق.

و (البعيث) بمعنى المبعوث كالجريح و القتيل و (فسحت) له في المجلس فسحا من باب نفع فرجت له من مكان يسعه، و المفسح إما مصدر أو اسم مكان، و بعثته رسولا بعثا أوصلته و ابتعثته كذلك و في المطاوع فانبعث مثل كسرته فانكسر و كلّ شي‏ء ينبعث بنفسه يتعدّى الفعل إليه بنفسه فيقال بعثه، و كلّ شي‏ء لا ينبعث بنفسه كالكتاب و الهدية يتعدّي الفعل إليه بالباء فيقال بعثت به.

و (الخطة) بالضّم الخصلة و الحالة، و في اكثر النّسخ و خطبة فصل و هو الأظهر و (برد العيش) قال المعتزلي، العرب يقول عيش بارد و عيشة باردة أى لا حرب‏ فيها و لا نزاع، لأنّ البرد و السّكون متلازمان كتلازم الحرّ و الحركة و (قرّ) الشي‏ء قرّا من باب ضرب استقرّ و الاسم القرار.

و (الأهواء) جمع هوى بالقصر و هو ما تحبه النّفوس و تميل إليه من هويته هوى من باب تعب إذا أحببته و علقت به و (رخى) و رخو من باب تعب و قرب رخاوة بالفتح إذ الان، و كذلك العيش رخي و رخو اذا اتسع فهو رخيّ على فعيل و الاسم الرّخاء و (الدعة) بفتح الدّال السّكون و السّعة في العيش و (الطمأنينة) اسم من اطمأنّ القلب إذا سكن و (التحف) جمع التّحفة بالضّم و كهمزة البرّ و اللطف و الطرفة و أصلها وحفة بالواو.

الاعراب

داحى المدحوات و داعم المسموكات منصوبان على النّداء، و شقيّها و سعيدها بالجرّ على البدل من القلوب، و اضافة الشّرايف و النوامى من باب اضافة الصّفة إلى الموصوف، و الكاف في قوله كما حمل إمّا بمعنى لام التعليل كما في قول الشّاعر:

فقلت أبا الملحاة خذها            كما أو سعتنا بغيا و عدوا

اى خذ هذه الضّربة لأجل بغيك و تعدّيك علينا، و يحتمل كونها على أصل التشبيه و قوله: قائما، منصوب على الحال و كذلك المنصوبات بعده أعنى مستوفزا و غير ناكل و ما عطف عليه، و واعيا و حافظا و ماضيا و اضافة الخوضات الى الفتن ظرفية، و اضافة الموضحات و النيرات الى الأعلام و الأحكام من باب اضافة الصفة الى الموصوف، و المخزون بالجرّ صفة علمك، و مقبول الشهادة و كذلك مرضى المقالة منصوب على المفعولية من اجزه، و ذا منطق منصوب على الحال.

المعنى

اعلم انّ هذه الخطبة مشتملة على فصول ثلاثة الاول في صفات المدعوّ و تمجيده، و هو اللّه سبحانه الثاني في صفات المدعوّ له و هو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الثالث فى أنواع المدعوّ به.

اما الاول

فاليه الاشارة بقوله (اللهمّ داحي المدحوّات) أى باسط الأرضين السّبع المبسوطة، و وصفها بالبسط لا ينافي كرويّتها إذ بسطها باعتبار سطحها البارز الذي هو مسكن الحيوان فانّه في الأوهام سطح مبسوط و إن كان بالاعتبار العقلي محدّبا و إلى ذلك ينظر قوله سبحانه: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً وَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً.

(و داعم المسموكات) أى حافظ السّماوات المرفوعة بالدّعامة التي هي القدرة على ما مرّ تحقيقه في شرح الفصل الثّامن من فصول الخطبة الاولى (و جابل القلوب على فطرتها شقيّها و سعيدها) أراد كونه سبحانه خالق شقىّ القلوب و سعيدها على فطراتها الأصليّة المكتوبة في اللوح المحفوظ، و المراد بالقلوب النّفوس.

و أهل العرفان كثيرا ما يعبّرون عن النّفس بالقلب، و بالسّعادة ما يوجب دخول الجنّة و النّعمة الدّائمة و اللذة الأبدية، و بالشّقاوة ما يوجب دخول النّار و العقوبات الأبديّة و الآلام الدّائمة.

فمحصّل المعنى أنه خالق النّفوس و موجدها في الخارج موافقا لفطراتها التي كتبت في الألواح السّماويّة قبل خلق الخلق و قدّرت أنّها من أهل الجنّة أو من أهل النّار موافقا لعلمه سبحانه التّابع لما يختارونه بعد وجودهم و تكليفهم بارادتهم و اختيارهم.

و إلى هذا ينظر ما رواه في الكافي باسناده عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه خلق السّعادة و الشقاوة قبل أن يخلق خلقه، فمن خلقه اللّه سعيدا لم يبغضه أبدا و إن عمل شرّا أبغض عمله و لم يبغضه، و إن كان شقيّا لم يحبّه أبدا و إن عمل صالحا أحبّ عمله و أبغضه لما يصير إليه فاذا أحبّ اللّه شيئا لم يبغضه أبدا و إذا أبغض شيئا لم يحبّه أبدا.

و اما الثاني

فاليه أشار بقوله: (اجعل شرايف صلواتك و نوامى بركاتك على محمّد عبدك و رسولك) قيل في تفسير العبد: العين علمه باللّه، و الباء بونه عن الخلق، و الدّال دنوّه من اللّه بلا اشارة و لا كيف، يعنى أنّ العبد لا يكون كامل العبودية إلّا إذا كان عارفا باللّه سبحانه قريبا منه بالقرب المعنوي و باينا من الخلق بأن يكون فيهم و لا يكون منهم، و ذلك مستلزم لاستغراقه في طاعة معبوده اذ لولاه لما حصل التّقرب و لا يتحصّل معنى العبودية.

و من هنا قيل: إنّ حقيقة العبودية عنوان ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله اللّه ملكا لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك بل يرون المال مال اللّه يضعونه حيث امرهم اللّه، و لا يدبّر العبد لنفسه تدبيرا، و يكون جملة اشتغاله فيما امر اللّه تعالى و نهاه عنه، فاذا لم ير العبد فيما خوّله اللّه ملكا هان عليه الانفاق و إذا فوّض العبد نفسه إلى مدبّرها هانت عليه مصائب الدّنيا، و إذا اشتغل العبد فيما أمره اللّه و نهاه لا يتفرّغ منهما إلى المراء و المباهات مع النّاس.

فاذا اكرم اللّه العبد بهذه الثّلاث هانت عليه الدّنيا و لا يطلب الدّنيا تفاخرا و تكاثرا و لا يطلب عند النّاس عزّا و علوّا و لا يدع أيّامه باطلة فيكون تاركا لدنياه و فارغا لطاعة مولاه، فاذا وصل العبد إلى هذا المقام انكشفت له الحجابات الغيبية و أدركته الألطاف الرّبانية، و تحصل له معنى العبودية «و هي ظ» جوهرة كنهها الرّ بوبية، و يصير مظهرا لصفات الكمال و مصدرا لنعوت الجلال.

و إلى هذا المعنى ينظر الحديث القدسي: إنّ عبدى ليتقرّب إلىّ بالنّافلة حتّى احبّه فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده التي يبطش بها إن دعانى أجبته و إن سألنى أعطيته و لمّا كان هذا المعنى غاية الكمال وصف اللّه سبحانه جملة من أوليائه المقرّبين في كتابه المجيد بذلك فقال: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و قال:عَبْداً مِنْ عِبادِنا و قال: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ.

الى غير هذا، ثمّ انّه لما كان مرتبة الرّسالة فوق مرتبة العبودية و من عادتهم تقديم غير الابلغ على الابلغ كما يقولون: عالم نحرير و جواد فياض لا جرم قدّم توصيفه بالعبودية على توصيفه بالرّسالة، و إنّما قلنا إنّ درجة الرّسالة فوق هذه الدّرجة لأنّ الرّسول من يسع قلبه الجانبين و لا يحجب بشهود الحقّ عن الخلق، فهو أكمل ممن يستغرق فيه تعالى غافلا عن خلقه.

و يدلّ على تقدّمها عليها رواية زيد الشّحام التي مرّت في شرح الفصل الثاني من فصول الخطبة الثّانية فتذكر (الخاتم لما سبق) إن جاز استعمال كلمة ما في ذوي العقول فالمراد بها النّبيّون و المرسلون، و إلّا فالمراد أنّه خاتم لشرعه للشرايع و الأديان السّابقة.

(و الفاتح لما انغلق) من باب الهدى و طريق الرّشاد و الجنّة، و إنّما كان منغلقا لغلبة أمر الجاهلية و اندراس الشّرايع السّابقة (و المعلن الحقّ بالحقّ) قال الشّارح المعتزلي: اى المظهر الحقّ الذي هو خلاف الباطل بالحقّ أى بالحرب و الخصومة يقال حاق فلان فلانا أى خاصمه فخصمه.

أقول: و منه الحاقّة للقيامة قال تعالى: الحاقّة ما الحاقّة، سمّيت بذلك لأنها تحاقّ الكفّار الذين حاقّوا الأنبياء أى خاصموهم هذا، و الأظهر أن يكون المراد بالحقّ الأول الدّين و بالثّاني الحقّ المرادف للصدق أى مظهر الدّين بقول حقّ ثابت في نفس الأمر و بيان صواب.

(و الدّافع جيشات الاباطيل) اى لثوران فتن المشركين و اجتماعهم على إطفاء نور اللّه أو لفتنتهم التي كانت عادة بينهم و استمرت عليها سجيتهم من القتل و الغارة و حرب بعضهم لبعض، فانّ هذا كلّه امور خارجة عن قانون العدالة و قد اندفع ذلك كلّه بميامن قدومه صلوات اللّه عليه و آله.

(و الدّامغ صولات الأضاليل) أى المهلك لسطوات الضّلالات و قامع هيبات أهل‏ الضّلال المنحرفين عن سبيل اللّه و سبيل الرّشاد إلى الفساد (كما حمل فاضطلع) معناه على جعل الكاف بمعنى اللّام: اجعل شرايف صلواتك عليه لأجل أنّه حمل أعباء الرّسالة فنهض بها قوّيا، و على جعلها بمعناها الأصلى صلّ عليه صلاة مناسبة مشابهة لتحميلك له الرّسالة إذ الجزاء من الحكيم العدل لا بدّ أن يكون مناسبا للعمل المجزى عليه.

(قائما بأمرك مستوفزا في مرضاتك) أى مستعجلا في تحصيل رضاء اللّه سبحانه و رضوانه غير بطي‏ء فيه حاثا نفسه عليه (غيرنا كل عن قدم ولاواه في عزم) أراد كونه غير جبان عن التّقدّم فيما يلزمه التقدم فيه و لا متوان في الاتيان بما عزم عليه (و اعيا لوحيك) ضابطا له قويّ النفس على قبوله (حافظا لعهدك) المأخوذ عليه في تبليغ الرّسالة و أداء الامانة (ماضيا على انفاذ امرك) مصرّا في إجرائه و في جذب الخلق إلى سلوك سبيل الآخرة.

(حتّى) انتهى في اصراره في هداية الخلق و جذبهم إلى الآخرة إلى النّهاية و بلغ الغاية ف (أورى قبس القابس) أى أخرج نور الحقّ و أشعله لطالبيه و المقتبسين له (و أضاء الطريق) طريق الجنّة و الصّراط المستقيم (للخابط) في ظلمات الجهل السّالك على غير جادّة واضحة.

(و هديت به القلوب بعد خوضات الفتن) و الآثام اللازمة عما اجترحته من السّيئات (و أقام موضحات الأعلام) أى الأدلة الواضحة على الحقّ التي هى كالأعلام المستدلّ بها على الطريق (و نيرات الأحكام) أى الأحكام الشّرعية و التكاليف الالهية ذوات النّور المستنبطة من الأدلّة الواضحة.

(فهو أمينك المأمون) أى ائتمنه على وحيه و رسالته و المأمون تاكيد للامين (و خازن علمك المخزون) أراد به علمه الذي لا يقدر على حمله عموم الخلق و هو المشار إليه بقوله: «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ».

روى سدير قال: سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر عليه السّلام و يقول أرأيت‏

قوله: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً، فقال له أبو جعفر عليه السّلام إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً، و كان و اللّه محمّد ممن ارتضاه و أما قوله عالِمُ الْغَيْبِ، فانّ اللّه تبارك و تعالى عالم بما غاب عن خلقه ممّا يقدر من شي‏ء و يقضيه في علمه فذلك يا حمران علم موقوف عنده إليه فيه المشية فيقضيه إذا أراد و يبدو له فيه فلا يمضيه، فأما العلم الذي يقدره اللّه و يقضيه و يمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول اللّه ثمّ الينا.

(و شهيدك يوم الدّين) يحتمل أن يكون المراد بذلك شهادته على امّته و شهادته على أئمة الدّين خصوصا و جميع الحجج الذين لم يخل اللّه سبحانه ارضه منهم من لدن آدم إلى آخر الدهر و قد ورد الاحتمالات الثلاثة في أخبار أهل البيت و مثل كلامه قوله تعالى في سورة النحل: وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى‏ هؤُلاءِ.

و في سورة البقرة: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.

و في سورة النّساء: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً.

قال الطبرسي فى تفسير هذه الآية إنّ اللّه يستشهد يوم القيامة كلّ نبىّ على امّته فيشهد لهم و عليهم و يستشهد نبينا على امّته.

و في البحار في الأخبار ما يدلّ على أنّ حجّة كلّ زمان شهيد على أهل ذلك الزمان و نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله شهيد على الشهداء.

و فيه من الكافي باسناده عن سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: في قول‏ اللّه عزّ و جلّ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً.

نزلت في أمّة محمّد خاصة في كلّ قرن منهم إمام منا شاهد عليهم و محمّد شاهد علينا قال المجلسيّ يمكن أن يكون المراد تخصيص الشّاهد و المشهود عليهم جميعا بهذه الامة فيكون المراد بكل امّة في الآية كلّ قرن من تلك الامة واحد من الأئمة عليهم السّلام شاهدا على من في عصرهم من هذه الامة و على جميع من مضى من الامم، و الأوّل أظهر لفظا و الثاني معنا و إن كان بحسب اللفظ يحتاج إلى تكلّفات أقول: و يدلّ على الوجه الأوّل ما عن تفسير فرات بن إبراهيم عن أبي جعفر عليه السّلام في تفسير الآية الثانية قال: منا شهيد على كلّ زمان عليّ بن أبي طالب في زمانه و الحسن في زمانه و الحسين في زمانه و كلّ من يدعو منّا إلى أمر اللّه.

و على الثاني ما عن تفسير عليّ بن إبراهيم في تفسير الآية الثانية أيضا باسناده عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن تفسير هذه الآية قال نحن الامّة الوسط و نحن شهداء اللّه على خلقه و حجّته في أرضه.

و ما عن بصائر الدّرجات باسناده عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: إنّ اللّه طهّرنا و عصمنا و جعلنا شهداء على خلقه و حجته في أرضه و جعلنا مع القرآن و جعل القرآن معنا لا نفارقه و لا يفارقنا.

و على هذا فمعنى كونهم شهيدا أنّهم عليهم السلام يشهدون على الأنبياء أنّ اللّه أرسلهم و يشهدون للأنبياء أنّهم بلغوا رسالات ربّهم و يشهدون لمن أجابهم و أطاعهم باجابته و اطاعته و على من خالفهم و عصاهم بمخالفته و عصيانه و يشهدون على محمّد أنّ اللّه أرسله و يشهدون له انّه بلغ ما امر بتبليغه و على امته و لهم كذلك و يشهد رسول اللّه عليهم بما حملهم من أمر الخلافة و لهم بما أدّوا ما حملوا و لمن أجاب بما أجاب و لمن عصى بالعصيان هذا.

و غير خفىّ على الفطن العارف أنّ الشّهادة لما كانت مشروطة بالعلم و اليقين و من ذلك أنّ رسول اللّه أرى للشّاهد الشّمس و قال على مثل هذا فاشهد أودع، فاللازم من كونهم صلوات اللّه عليهم شهداء على النّاس أن يكونوا عالمين بأعمال النّاس غير غائبين عنها، و يستفاد ذلك من الأخبار و هى على قسمين.

احدهما ما دلّت على أنّه سبحانه أعطى الامام عمودا من نور يرى فيه أعمال الخلايق كرؤية الشّخص في المرات و أنّ الدّنيا بأسرها و ما فيها عند الامام كالدرهم في يد أحدكم يقلّبه كيف شاء.

فمن ذلك ما في البحار من بصاير الدّرجات عن معاوية بن حكيم عن أبي داود المسترقّ عن محمّد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ الامام يسمع الصّوت في بطن امّه فاذا بلغ أربعة أشهر كتب على عضده الأيمن: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ.

فاذا وضعته امّه سطع له نور ما بين السّماء و الأرض فاذا درج رفع له عمود من نور يرى ما بين المشرق و المغرب.

و منه باسناده عن ابن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ الامام لسمع في بطن امّه فاذا ولد خطّ على منكبيه، ثمّ قال هكذا بيده فذلك قول اللّه تعالى: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ.

و جعل له في كلّ قرية عمودا من نور يرى به ما يعمل أهلها فيها.

و عن محمّد بن الفضيل عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الامام يسمع الكلام في بطن امّه فاذا سقط إلى الأرض نصب له عمود في بلاده و هو يرى ما في غيرها.

و عن محمّد بن مروان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ الامام يسمع في بطن امّه فاذا ولد خط بين كتفيه: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ.

فاذا صار الأمر إليه جعل اللّه له عمودا من نور يبصر به ما يعمل به أهل كلّ بلدة.

و عن إسحاق القميّ قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام ما قدر الامام قال يسمع في بطن امّه فاذا وصل إلى الأرض كان على منكبه الأيمن مكتوبا: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

ثمّ يبعث أيضا له عمودا من نور من تحت بطنان العرش إلى الأرض يرى فيه أعمال الخلايق كلّها، ثمّ ينشعب له عمود آخر من عند اللّه إلى اذن الامام كلّما احتاج إلى مزيد افرغ فيه افراغا.

أقول: و العمود الآخر ما اشير إليه في رواية صالح بن سهل.

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كنت جالسا عنده فقال لي ابتداء منه: يا صالح بن سهل إنّ اللّه جعل بينه و بين الرّسول رسولا و لم يجعل بينه و بين الامام رسولا، قال: قلت: و كيف ذاك قال: جعل بينه و بين الامام عمودا من نور ينظر اللّه به إلى الامام و ينظر الامام به إليه فاذا أراد علم شي‏ء نظر في ذلك النّور فعرفه.

قال المحدّث المجلسيّ: نظر اللّه تعالى إليه كناية عن إفاضاته عليه و نظره إليه كناية عن غاية عرفانه.

و القسم الثاني من الأخبار ما دلّت على عرض أعمال العباد على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و على الأئمة عليهم السلام و إلى ذلك اشير في الكتاب العزيز: قال تعالى: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِلى‏ عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

روى في البحار من تفسير عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن محمّد بن الحسن الصّفار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من مؤمن يموت أو كافر يوضع في قبره حتّى يعرض عمله على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و على أمير المؤمنين عليه السّلام و هلمّ جرّا إلى آخر ما فرض اللّه طاعته فذلك قوله: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ.

و عنه عليه السّلام قال: إنّ أعمال العباد يعرض على رسول اللّه كل صباح أبرارها و فجّارها فاحذروا فليستحى أحدكم أن يعرض على نبيّه العمل القبيح.

و من بصاير الدّرجات باسناده عن معلّي بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه تعالى: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ.

قال: هو رسول اللّه و الأئمة تعرض عليهم أعمال العباد كلّ خميس.

و عن محمّد بن مسلم و زرارة قالا سألنا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأعمال تعرض على رسول اللّه قال ما فيه شكّ، ثمّ تلاهذه الآية: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ.

قال إنّ للّه شهداء في أرضه.

و عن ابن أبى عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأصحابه حياتي خير لكم و مماتي خير لكم، قالوا: أما حياتك يا رسول اللّه فقد عرفناه، فما في وفاتك قال: أمّا حياتي فانّ اللّه يقول: و ما كان اللّه ليعذّبهم و أنت فيهم و ما كان اللّه معذّبهم و هم يستغفرون، و أمّا وفاتي فتعرض علىّ أعمالكم فأستغفر لكم.

و عن داود الرّقي قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال يا داود أعمالكم عرضت علىّ يوم الخميس فرأيت لك فيها شيئا فرحني و ذلك صلتك لابن عمك أما أنّه سيمحق أجله و لا ينقص رزقك، قال داود: و كان لي ابن عمّ ناصب كثير العيال محتاج، فلما خرجت إلى مكّة أمرت له بصلة، فلما دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام أخبرني بهذا هذا.

و قد تحصّل ممّا ذكرنا كلّه اطلاع النبيّ و اطلاع الأئمة على جميع أفعال النّاس و أعمالهم من خير أو شرّ و أنّه لا تفاوت في ذلك بين حالتي الموت و الحياة فان قلت: ما فايدة تلك الشّهادة و ما ثمرة عرض الأعمال عليهم و اطلاعهم بذلك و النّاس كلّهم يردّون إلى عالم الغيب و الشّهادة و ينبّئهم بما كانوا يعملون.

قلت: ثمرة ذلك أنّ النّاس إذا علموا أنّ لهم شهداء و رقباء و كتّابا يكتبون ما يفعلون لا يغادرون صغيرة و لا كبيرة و أنّ النبيّ و الأئمة يعرض عليهم الأعمال و يطلعون بما يعملون كان ذلك رادعا للنّفس الامارة عن الانهماك في الشّهوات و مانعا لها عن متابعة الأهواء و اللذات، فلا بدّ للعاقل البصير أن ينظر إلى عمله و يحذر من عرض عمله القبيح على نبيّه و أئمته و يستحى من ذلك و لا يفعل ما يوجب مسائة حالهم و استحيائهم من اللّه سبحانه من قبايح أعمال شيعتهم و اللّه وليّ التوفيق.

(و بعيثك بالحقّ و رسولك إلى الخلق) أراد كونه مبعوثا بالدّين الثابت الباقي نفعه إلى الخلق و رسولا إليهم، و هذان الوصفان كساير الأوصاف المذكورة في هذا الفصل إشارة إلى جهات استحقاق الصّلاة و الرّحمة.

الفصل الثالث في أنواع المدعوّ به

و إليها الاشارة بقوله (اللهمّ افسح له مفسحا في ظلّك) أى مكانا متّسعا في حظيرة قدسك، و الظلّ إمّا استعارة للجود و الافضال و وجه الشّبه استراحة المستظلّ بالظلّ من حرارة الشّمس و كذلك الملتجى إلى جود اللّه سبحانه و افضاله يستريح بجوده تعالى من شديد العذاب الاليم و حرّ نار الجحيم، و يحتمل أن يكون المراد معناه الحقيقي كما في قوله تعالى: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَ طَلْحٍ‏ مَنْضُودٍ وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ.

قال في مجمع البيان أى دائم لا تنسخه الشّمس فهو باق لا يزول، و قد ورد في الخبر أنّ في الجنّة شجرة يسير الرّاكب في ظلّها مأئة سنة لا يقطعها، و روى أيضا أنّ أوقات الجنة كغدوات الصّيف لا يكون فيها حرّ و لا برد.

(و اجزه مضاعفات الخير من فضلك) أراد به أن يضاعف له الكمالات من نعمه إذ مراتب استحقاق نعمه سبحانه غير متناهية (اللهمّ واعل على بناء البانين بناءه) المراد بالبانين إمّا الأنبياء و ببنائهم ما شيّدوه من أمر الدّين فيكون المقصود بالدّعاء علوّ دينه و ظهوره على الدّين كله و لو كره المشركون، و إما مطلق عباد اللّه الصّالحين البانين بأعمالهم الصّالحة غرفا في الجنّة و قصورا فيها فيكون المقصود علوّ منزلة على ساير المنازل (و اكرم لديك منزلته) بانزاله المنزل المبارك الموعود و هو سبحانه خير المنزلين، قال تعالى مخاطبا لنوح: وَ قُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ.

(و اتمم له نوره) المراد بذلك اتمام نوره يوم القيامة بحيث يطفى ساير الأنوار و هو النّور الذى يسعى بين أيدى الامة حتّى ينزلوا منازلهم في الجنّة، و إليه الاشارة في قوله.

يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى‏ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَ اغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ قال الطبرسي: يسعى نورهم بين أيديهم و بأيمانهم على الصّراط يوم القيامة و هو دليلهم إلى الجنّة و يريد بالنّور الضّياء الذي يرونه و يمرّون فيه عن قتادة، و قيل نورهم هداهم عن الضّحاك قال قتادة: إنّ المؤمن يضي‏ء له نور كما بين عدن إلى صنعا و دون ذلك حتّى أنّ من المؤمنين من لا يضي‏ء له نوره إلّا موضع قدميه.

قال الشّارح المعتزلي: قد روى أنّه يطفى ساير الأنوار إلّا نور محمّد، ثمّ يعطى المخلصون من أصحابه أنوارا يسيرة يبصرون بها مواطى‏ء الأقدام فيدعون اللّه‏ بزيادة تلك الأنوار و إتمامها، ثمّ إنّ اللّه يتمّ نور محمّد فيستطيل حتّى يملاء الآفاق فذلك إتمام نوره.

(و اجزه من انبعاثك له مقبول الشّهادة و مرضيّ المقالة) أراد به أن يجزيه اللّه سبحانه من بعثته له الشّهادة المقبولة عنده و المقالة المرضيّة لديه بأن يكون شهادته صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على امته و غيرها نافذة و شفاعته فيهم ماضية حالكونه (ذا منطق عدل و خطة فصل) أى صاحب نطق عادل و خصلة فاصلة بين الحقّ و الباطل او ذا قول«» غير هازل كما قال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ.

و المطلوب بهذه الاعتبارات كلّها على اختلاف مفاهيمها أمر واحد و هو زيادة كمالاته صلّى اللّه عليه و آله و قربه من اللّه سبحانه، ثمّ إنّه عليه السّلام بعد الصّلاة على الرسول دعا لنفسه و للمؤمنين من خالصي شيعته بقوله (اللهمّ اجمع بيننا و بينه في برد العيش) الذى لا كلفة فيها من الحرب و الخصومة (و قرار النّعمة) مستقرّها فى الحضرة الرّبوبية (و منى الشهوات) في حظيرة القدس (و أهواء اللذّات) في الجنة العالية، و فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين (و رخاء الدّعة و منتهى الطمأنينة) أى سعة سكون النّفس و نهاية اتّساع عيشها في دار الخلد (و تحف الكرامة) المعدّة لأهل اليقين من أولياء اللّه المقرّبين مما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.

تنبيهات

الاول

الصّلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ممّا أمر اللّه تعالى به و حثّ عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً.

و ينبغي لنا أن نحقّق الكلام في ذلك و نذكر ما أتى به الفاضل المقداد صاحب كنز العرفان في تفسير هذه الآية و ما يرتبط عليها و نفصّل بعض ما أجمله قدّس اللّه روحه.

قال «ره» قرء شاذا برفع ملائكته فقال الكوفيّون بعطفها على أصل إنّ و اسمها و قال البصريّون مرفوعة بالابتداء و خبر إنّ محذوف أى إنّ اللّه يصلّي و ملائكته يصلّون فحذف للقرينة و نظايره كثيرة كقول الشّاعر:

نحن بما عندنا و أنت بما            عندك راض و الرّأى مختلف‏

اى نحن راضون، و الصّلاة و ان كانت من اللّه الرّحمة فالمراد بها هنا هو الاعتناء باظهار شرفه و رفع شأنه، و من هنا قال بعضهم تشريف اللّه محمّدا بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ.

أبلغ من تشريف آدم بالسّجود له و التسليم، قيل المراد به الانقياد كما في قوله: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.

و قيل هو قولهم: السّلام عليك أيّها النبىّ قاله الزّمخشري و القاضي في تفسيرهما و ذكره الشّيخ في تبيانه و هو الحقّ لقضية العطف و لأنّه المتبادر إلى الفهم عرفا و لرواية كعب الآتية و غيرها إذا تقرّر ذلك فهنا

فوايد

الاولى

ذهب أصحابنا و الشّافعي و أحمد إلى وجوب الصّلاة على النبيّ في الصلاة خلافا لمالك و أبي حنيفة فانّهما لم يوجباها و لم يجعلاها شرطا في الصّلاة و استدلّ بعض الفقهاء بما تقريره.

شي‏ء من الصّلاة على النّبيّ واجب و لا شي‏ء من ذلك في غير الصّلاة بواجب ينتج أنّها في الصّلاة واجب، أمّا الصّغرى فلقوله تعالى: صلّوا، و الأمر حقيقة في الوجوب، و أمّا الكبرى فظاهرة، و فيه نظر لمنع الكبرى كما يجي‏ء و حينئذ فالأولى الاستدلال على الوجوب بدليل خارج.

أمّا من طرقهم فما رووه عن عايشة قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول: لا تقبل صلاة الّا بطهور و بالصّلاة عليّ، و كذا عن أنس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال: إذا صلّى‏ أحدكم فليبدأ بحمد اللّه ثمّ ليصلّ علىّ.

و من طرقنا ما رواه أبو بصير و غيره عن الصّادق عليه السّلام قال: من صلّى و لم يصلّ على النبيّ و تركه متعمّدا فلا صلاة له، حتّى أنّ الشّيخ جعلها ركنا في الصّلاة فان عنى الوجوب و البطلان بتركها عمدا فهو صحيح و إن عنى تفسير الرّكن بأنّه ما يبطل الصّلاة بتركه عمدا و سهوا فلا.

الثانية

قال علمائنا اجمع: إنّ الصّلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم واجبة في التشهدين و به قال أحمد، و قال الشّافعيّ: مستحبّة في الأول واجبة في الآخر، و قال مالك و أبو حنيفة: مستحبّة فيهما، دليل أصحابنا روايات كثيرة عن أئمّتهم عليهم السّلام.

الثالثة

هل تجب الصّلاة على النّبيّ في غير الصّلاة أم لا، ذهب الكرخي إلى وجوبها في العمر مرّة، و قال الطحاوي: كلّما ذكر، و اختاره الزّمخشري، و نقل عن ابن بابويه من أصحابنا، و قال بعضهم: في كلّ مجلس مرّة، و المختار الوجوب كلّما ذكر لدلالة ذلك على التّنوية«» برفع شأنه و الشكر لاحسانه المأمور بها، و لأنه لولاه لكان كذكر بعضنا بعضا و هو منهىّ عنه في آية النّور.

أقول: و أشار بها إلى قوله سبحانه: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً و لما روى عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: من ذكرت عنده فلم يصلّ علىّ فدخل النّار فأبعده اللّه، و الوعيد أمارة الوجوب.

و روى أنّه قيل له: يا رسول اللّه أرأيت قول اللّه إنّ اللّه و ملائكته يصلّون على النّبيّ فقال: هذا من العلم المكنون و لو لا أنّكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به إنّ اللّه عزّ و جلّ و كل بي ملكين فلا أذكر عند مسلم فيصلّي علىّ إلّا قال له ذلك الملكان غفر اللّه لك، و قال اللّه و ملائكته: آمين، و لا اذكر عند مسلم فلا يصلّي علىّ إلّا قال له الملكان: لا غفر اللّه لك و قال اللّه و ملائكته: آمين.

أقول: و مثل ذلك في إفادة الوعيد ما رواه الصّدوق في عقاب الأعمال باسناده عن محمّد بن هارون عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا صلّى أحدكم و لم يصلّ على النبيّ‏ خطى‏ء به طريق الجنّة.

و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: من ذكرت عنده فنسي الصّلاة عليّ خطى‏ء به طريق الجنّة قال (ره): و أمّا عند عدم ذكره صلوات اللّه عليه فيستحبّ استحبابا مؤكدا، لتظافر الرّوايات أنّ الصّلاة عليه و آله تهدم الذّنوب و توجب اجابة الدّعاء المقرون بها.

الرابعة

روى كعب بن عجرة قال: لمّا نزلت الآية قلنا: يا رسول اللّه هذا السّلام عليك فقد عرفناه فكيف الصّلاة عليك فقال قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، و بارك على محمّد و آل محمّد كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، و على هذا الحديث سؤال مشهور بين العلماء ذكرناه في نضد القواعد و ذكرنا ما قيل في أجوبته من أراده وقف عليه هناك.

أقول: و لا يحضرني كتاب نضد القواعد حتّى نقف على ما ذكره و لعلّ المراد بالسؤال المشهور ما ذكروه من أنّ التّشبيه يقتضى أن يكون المشبّه به أقوى من المشبّه فيلزم أن يكون التّشبيه الواقع فيه من باب إلحاق النّاقص بالكامل، و اجيب تارة بأنّ التّشبيه لبيان حال من يعرف بمن لا يعرف، و ثانية بأنّ التّشبيه في أصل الصّلاة لا في قدر الصّلاة، و ثالثة بأنّ معناه: اجعل لمحمّد صلاة بمقدار الصّلاة لابراهيم و آله و في آل إبراهيم خلايق لا يحصون من الأنبياء، و ليس في اللّه نبىّ فطلب إلحاق جملة فيها نبيّ واحد بما فيه الأنبياء، و ربّما اجيب باجوبة اخر و لا حاجة إليها و الأظهر الأوسط.

الخامسة

دلّ حديث كعب المذكور على مشروعيّة الصّلاة على الآل تبعا له صلّى اللّه عليه و آله، و عليه اجماع المسلمين، و هل يجوز عليهم لا تبعا بل افرادا كقولنا: اللهمّ صلّ على آل محمّد بل الواحد منهم لا غير أم لا قال أصحابنا: بجواز ذلك، و قال الجمهور: بكراهته لأنّ الصّلاة على النبيّ صارت شعارا فلا يطلق على غيره و لا يهامه الرّفض و الحقّ ما قاله الأصحاب لوجوه.

الأوّل قولى تعالى مخاطبا للمؤمنين كافة: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ»و هو نصّ في الباب.

الثّانى قوله تعالى: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ و لا ريب أنّ أهل البيت أصيبوا بأعظم المصائب الذي من جملتها اغتصابهم مقام امامتهم.

أقول: و هذا الدّليل لعلّه مأخوذ من العلّامة قدس اللّه روحه و قد حكى في لؤلؤة البحرين من كتاب حياة القلوب أنّه قدّس اللّه سرّه ناظر أهل الخلاف في مجلس سلطان محمّد خدا بنده أنار اللّه برهانه و بعد إتمام المناظرة و بيان حقّية مذهب الامامية الاثنى عشرية خطب قدّس اللّه لطفه خطبة بليغة مشتملة على حمد اللّه و الصّلاة على رسوله و الأئمة عليهم السّلام.

فلمّا سمع ذلك السّيد الموصلي الذي هو من جملة المسكوتين بالمناظرة قال ما الدّليل على جواز توجيه الصّلاة على غير الأنبياء فقرأ الشّيخ العلّامة في جوابه بلا انقطاع الكلام: الّذين إذا أصابتهم مصيبة، الآية فقال الموصلي بطريق المكابرة: ما المصيبة التي أصابت إليهم حتّى أنّهم يستوجبون بها الصّلاة فقال الشّيخ: من أشنع المصائب و أشدّها أن حصل من ذراريهم مثلك الذي ترجّح المنافقين الجهّال المستوجبين اللعنة و النكال على آل رسول المتعال، فاستضحك الحاضرون و تعجّبوا من بداهة آية اللّه في العالمين و قد انشد بعض:

إذ العلوىّ تابع ناصبيّا
بمذهبه فما هو من أبيه‏

و كان الكلب خيرا منه قطعا
لأنّ الكلب طبع أبيه فيه‏

الثّالث أنّه لمّا أتى أبوأ و فى بزكاته قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: اللهمّ صلّ على أبي أوفى و آل أبي أوفى، فيجوز على أهل البيت بطريق أولى.

الرّابع انّ الصّلاة من اللّه بمعنى الرّحمة و يجوز الرّحمة عليهم إجماعا فيجوز مراد فها لما تقرّر في الاصول من أنّه يجوز إقامة احد المترادفين مقام الآخر الخامس قولهم إنّه صار شعارا للرسول قلنا مصادرة على المطلوب، لأنّها كما دلت على الاعتناء برفع شأنه كذلك تدلّ على الاعتناء برفع شان أهله القائمين مقامه فيكون الفرق بينه و بينهم وجوبها في حقه صلّى اللّه عليه و آله كلّما ذكر كما اخترناه.

أقول: التفريق بذلك غير خال عن التّأمل.

فان قلت: عادة السّلف قصره على الأنبياء.

قلت: العادة لا يخصّص كما تقرّر في الاصول، هذا مع أنّ من أعظم السّلف الباقر و الصّادق عليهما السّلام، و لم يقولا بذلك.

السادس أنّ قولهم: إنّ ذلك يوهم الرّفض تعصّب محض و عناد ظاهر، نظير قولهم من السنة تسطيح القبور لكن لما اتخذته الرّافضة شعارا لقبورهم عدلنا منه إلى التسنيم، فعلى هذا كان يجب عليهم أنّ كلّ مسألة قال بها الامامية أن يفتوا بخلافها و ذلك محض التعصّب و العناد، نعوذ باللّه من الأهواء المضلّة و الآراء الفاسدة.

السادسة

مذهب علمائنا أجمع أنه يجب الصلاة على آل محمّد في التشهدين، و به قال بعض الشافعية، و في إحدى الرّوايتين عن أحمد، و قال الشافعى بالاستحباب لنا رواية كعب و قد تقدّمت في كيفية الصلاة عليه و إذا كانت الصلاة عليه واجبة كانت كيفيتها أيضا واجبة.

و روى كعب أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقول ذلك في صلاته و قال: صلّوا كما رأيتموني أصلّي.

و عن جابر الجعفي عن الباقر عليه السّلام عن ابن مسعود الأنصاري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من صلّى صلاة و لم يصلّ فيها علىّ و على آلي و أهل بيتي لم يقبل منه.

السابعة

الآل الذين يجب الصلاة عليهم فى الصلاة و يستحبّ في غيرها هم الأئمة المعصومون، لاطباق الأصحاب على أنهم هم الآل و لأنّ الأمر بذلك مشعر بغاية التعظيم المطلق الذي لا يستوجبه إلّا المعصوم، و أما فاطمة عليها السلام فتدخل أيضا لأنها بضعة منه.

الثاني

قال الجمهور: الصلاة من اللّه الرّحمة و من الملائكة الاستغفار و من الآدميّين‏ الدّعاء، و استبعد تارة باقتضائه كونه مشتركا لفظيا و الأصل العدم، و اخرى بأنّا لا نعرف في العربية مسندا واحدا يختلف معناه باختلاف المسند إليه إذا كان الاسناد حقيقيا، و ثالثة بأن الرحمة فعلها متعدّ و الصلاة فعلها قاصر و تفسير القاصر بالمتعدّى غير مناسب، و رابعة بأنه لو قيل مكان صلّى عليه دعا عليه انعكس المعنى و لو كانا مترادفين صحّ حلول كلّ منهما محلّ الآخر.

و قال المحقّقون: إنّه لغة بمعنى العطف و العطف بالنّسبة إلى اللّه الرّحمة اللايقة و إلى الملائكة الاستغفار و إلى الآدميّين دعاء بعضهم لبعض، قال السّهيلي: الصّلاة كلّها و إن اختلفت معانيها راجعة إلى أصل واحد فلا تظنها لفظ اشتراك و لا استعارة إنّما معناها العطف و يكون محسوسا و معقولا انتهى. فعلى ما ذكروه يكون مشتركا معنويا و هو أولى من الاشتراك اللفظى إذا دار الأمر بينه و بينه

الثالث

قال الشّهيد الثاني نوّر اللّه مضجعه في الرّوضة غاية السؤال بالصّلاة عايدة إلى المصلّي لأنّ اللّه تعالى قد أعطى نبيّه من المنزلة و الزّلفى لديه ما لا يؤثر فيه صلاة مصلّ كما نطقت به الأخبار و صرّح به العلماء الأخيار.

أقول: أمّا انتفاع المصلّى بالصّلاة و استحقاقه بها الثواب الجزيل و الجزاء الجميل فممّا لا غبار عليه و ستطّلع على ذلك في التنبيه الآتى، و أمّا عدم تأثيره في حقّه صلوات اللّه عليه و آله فممنوع، لأنّ مراتب القرب إليه تعالى و الزّلفى لديه غير متناهية فيجوز أن يوجب كلّ صلاة عليه الارتقاء من مرتبة إلى مرتبة فوقها.

فان قلت: يستلزم ذلك أن يكون صلوات اللّه عليه ناقصا في ذاته و مرتبته مستكملا بالصّلاة و الدّعاء.

قلت: إن أردت نقصه بالنّسبة إلى الواجب فمسلّم و لا ضير فيه و إن أردت النقص بالنسبة إلى الموجودات الممكنة فلا، بيان ذلك أنّه أفضل الموجودات و أشرف المجعولات و أكمل المخلوقات، لا موجود سواه إلّا و هو دونه و لا مجعول غيره إلّا و هو ناقص بالنسبة إليه، لكنّه صلوات اللّه عليه و آله مع ذلك كلّه ممكن‏ محتاج في وجوده و بقائه و استكمال ذاته إلى الواجب تعالى و هو قديم و فيضه غير متناه، و هو قابل بذاته لكسب الفيوضات و ازدياد الدّرجات و هو تعالى وليّ الخيرات و الحسنات، و هو على كلّ شي‏ء قدير هذا.

و قد عثرت بعد ما حقّقت المقام على كلام المحدّث العلامة المجلسي في هذا المرام ذكره في كتاب مرآت العقول على بسط و تفصيل فأحببت نقل ما أورده لتضمّنه فوايد سنيّة.

قال «ره»: اختلف العلماء في أنّه هل ينفعهم الصّلاة شيئا أم ليس إلّا لانتفاعنا فذهب الاكثر إلى أنّهم صلوات اللّه عليهم لم يبق لهم كمال منتظر بل حصل لهم جميع الخصال السّنية و الكمالات البشرية و لا يتصوّر للبشر أكثر ما منحهم اللّه تعالى، فلا يزيدهم صلواتنا عليهم شيئا بل يصل نفعها إلينا و إنّما أمرنا بذلك لاظهار حبّهم و ولائهم، بل هى إنشاء لاظهار الاخلاص و الولاء لنا، و ليس الغرض طلب شي‏ء لهم.

و يترتّب عليه أن يفيض اللّه علينا بسبب هذا الاظهار فيوضه و مواهبه و عطاياه كما أنّه إذا كان لأحد محبوب يحبّه حبّا شديدا و قد أعطاه كلّما يمكن فاذا كان لرجل حاجة عند المحبّ يتقرّب إليه بالثّناء على محبوبه و طلب شي‏ء له تقرّبا إليه باظهار حبّه و تصويبه في إكرامه و أنّه مستحقّ لما أعطاه حقيق بما أولاه.

و هذا الكلام عندى مدخول بل يمكن توجيهه بوجوه اخر لكلّ منها شواهد من الأخبار.

الأوّل أن تكون الصّلاة سببا لمزيد قربهم و كمالاتهم و لم يدلّ دليل على عدم ترقيهم إلى ما لا يتناهى من الدّرجات العلى في الآخرة و الاولى، و كثير من الأخبار يدلّ على خلافه كما ورد في كثير من أخبار التفويض أنّه إذا أراد اللّه سبحانه أن يفيض شيئا على امام العصر يفيضه أوّلا على رسول اللّه ثمّ على إمام إمام حتّى ينتهى إلى إمام الزمان لئلا يكون آخرهم أعلم من أوّلهم.

و كما أنّ بيننا و بين موالينا صلوات اللّه عليهم من أرباب العصمة و الطهارة درجات غير متناهية لا يمكن لأحدنا و إن عرج على معارج القرب و الكمال أن يصل إلى أدنى منازلهم، فكذا بينهم عليهم السّلام و بين جناب الالوهية و ساحة الرّبوبية معارج غير متناهية كلّما صعدوا بأجنحة الرفعة و الكمال على منازل القرب و الجلال لا تنتهى تلك المعارج و يعدون أنفسهم في جنب ساحة القدس مثل الذّرة أو دونها.

و قد افيض على وجه وجيه في استغفار النبيّ و الأئمة صلوات اللّه عليهم يناسب هذا الوجه و هو: أنّهم صلوات اللّه عليهم لمّا كانوا دائما في الترقي في مدارج المعرفة و القرب و الكمال ففي كلّ آن تحصل لهم معرفة جديدة و قرب جليل و كمال عتيد عدّوا أنفسهم مقصّرين في المرتبة السّابقة في المعرفة و القرب و الطاعة كانوا يستغفرون منها و هكذا إلى ما لا نهاية لها.

و قد ورد في الرّوايات الكثيرة أنّ أشرف علومنا علم ما يحدث بالليل و النّهار آنا فآنا و ساعة فساعة، و يؤيّده ما روى في تفسير قوله سبحانه: وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ، أنّ أهل الجنّة في كلّ يوم جمعة يجتمعون في موضع يتجلّي لهم الرّب تبارك و تعالى بأنوار جلاله، فيرجع المؤمن بسبعين ضعفا ممّا في يديه فيتضاعف نوره و ضياؤه، و هذا كناية عن تضاعف قربه و معرفته.

الثاني أن تكون سببا لزيادة المثوبات الاخرويّة و إن لم تصر سببا لمزيد قربهم و كمالهم.

و كيف يمنع ذلك عنهم و قد ورد في الأخبار الكثيرة وصول آثار الصّدقات الجارية و الأولاد و المصحف و تعليم العلوم و العبادات إلى أموات المؤمنين و المؤمنات و أىّ دليل دلّ على استثنائهم عن تلك الفضايل و المثوبات، بل هم آباء هذه الامة المرحومة و الامة عبيدهم و ببركتهم فازوا بالسّعادات و نجوا من المهلكات، و كلّما صدر عن الامة من خير و سعادة و طاعة يصل إليهم نفعها و بركتها و لا منقصة لهم في ذلك مع أنّ جميع ذلك من آثار مساعيهم الجميلة و أياديهم الجليلة.

الثالث أن تصير سببا لأمور تنسب إليهم من رواج دينهم و كثرة امّتهم و استيلاءقائمهم و تعظيمهم و ذكرهم في الماء الأعلى بالجميل و بالتّفخيم و التبجيل.

و قد ورد في بعض الأخبار في معنى السّلام عليهم: أنّ المراد سلامتهم و سلامة دينهم و شيعتهم في زمن القائم عليه السّلام، انتهى كلامه رفع مقامه.

الرابع

في فضيلة الصّلاة و ثوابها، و الأخبار في ذلك كثيرة لا تحصى.

فمنها ما في ثواب الأعمال للصّدوق باسناده عن عباس بن ضمرة عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: الصّلاة على النبيّ و آله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أمحق للخطايا من الماء إلى النّار و السّلام على النبيّ و آله أفضل من عتق رقاب و حبّ رسول اللّه أفضل من مهج الأنفس أو قال ضرب السّيوف في سبيل اللّه.

و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا ذكر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأكثروا الصّلاة عليه فانّه من صلّى على النبيّ صلاة واحدة صلّى اللّه عليه ألف صلاة في ألف صفّ من الملائكة و لم يبق شي‏ء ممّا خلق اللّه إلّا صلّى على ذلك العبد لصلاة اللّه عليه و صلاة ملائكته، و لا يرغب عن هذا إلّا جاهل مغرور قد برى‏ء اللّه منه و رسوله، و رواه أيضا في جامع الأخبار كالكليني في الكافي نحوه.

و عن أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: أنا عند الميزان يوم القيامة فمن ثقلت سيئآته على حسناته جئت بالصّلاة علىّ حتّى اثقل بها حسناته، و رواه في جامع الأخبار مثله.

و عن عبد السّلام بن نعيم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي دخلت البيت فلم يحضرني شي‏ء من الدّعاء إلّا الصّلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال عليه السّلام و لم يخرج أحد بأفضل ممّا خرجت.

و عن الحارث الأعور قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: كلّ دعاء محجوب عن السّماء حتّى يصلّى على محمّد و آله.

و عن الصّباح بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ألا أعلّمك شيئا يقي اللّه وجهك من حرّ جهنم قال: قلت: بلى، قال: قل بعد الفجر: اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد مأئة مرّة يقي اللّه به وجهك من حرّ جهنم.

و عن محمّد بن أبي عمير عمن أخبره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: وجدت في بعض الكتب: من صلّى على محمّد و آل محمّد كتب اللّه له مأئة حسنة، و من قال صلّى اللّه على محمّد و أهل بيته كتب اللّه له ألف حسنة.

و عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الرّضا قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من صلّى علىّ يوم الجمعة مأئة صلاة قضى اللّه له ستّين حاجة ثلاثون للدّنيا و ثلاثون للآخرة.

و عن أبي المغيرة قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: من قال في دبر صلاة الصّبح و صلاة المغرب قبل أن يثنّى رجليه أو يكلّم أحدا: إنّ اللّه و ملائكته يصلّون على النبيّ يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما اللهمّ صلّ على محمّد و ذرّيته قضى اللّه له مأئة حاجة سبعين «سبعون» في الدّنيا و ثلاثين «ثلاثون» في الآخرة، قال: قلت: ما معنى صلوات اللّه و صلوات ملائكته و صلوات المؤمن قال: صلوات اللّه رحمة من اللّه و صلوات الملائكة تزكية منهم له، و صلوات المؤمنين دعاء منهم له.

و من سرّ آل محمّد فى الصّلاة على النبيّ و آله: اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد في الأوّلين، و صلّ على محمّد و آل محمّد في الآخرين، و صلّ على محمّد و آل محمّد في الملاء الأعلى، و صلّ على محمّد و آل محمّد في المرسلين اللهمّ اعط محمّدا الوسيلة و الشّرف و الفضيلة و الدّرجة الكبيرة، اللهمّ إنّي آمنت بمحمّد و لم أره فلا تحرمني يوم القيامة رؤيته، و ارزقني صحبته و توفّنى على ملّته و اسقنى من حوضه مشربا «شرباخ» رويا سائغا هنيئا لا ظمأ بعده أبدا إنّك على كلّ شي‏ء قدير اللهمّ كما آمنت بمحمد و لم أره فعرفني في الجنان وجهه اللهمّ بلّغ روح محمّد تحيّة كثيرة و سلاما.

فانّ من صلّى على النبيّ بهذه الصّلاة هدمت ذنوبه و محيت خطاياه و دام سروره و استجيب دعاؤه و اعطى أمله و بسط له في رزقه و اعين على عدوّه و هيّى‏ء له سبب أنواع الخير و يجعل من رفقاء نبيّه في الجنان الأعلى، يقولهنّ ثلاث مرّات غدوة و ثلاث مرّات عشيّة.

و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم‏لأمير المؤمنين: ألا أبشّرك قال: بلى بأبي أنت و أمّي، فانّك لم تزل مبشّرا بكلّ خير فقال: أخبرني جبرئيل آنفا بالعجب، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام و ما الّذى أخبرك يا رسول اللّه قال: أخبرني أنّ الرّجل من امّتي إذا صلّى علىّ فاتبع بالصلاة على أهل بيتي فتحت له أبواب السّماء و صلّت عليه الملائكة سبعين صلاة و إنّه إن كان من المذنبين تحات عنه الذنوب كما تحات الورق من الشّجر، و يقول اللّه تبارك و تعالى: لبّيك عبدى و سعديك يا ملائكتى أنتم تصلّون عليه سبعين صلاة و أنا اصلّى عليه سبعمائة صلاة، فان صلّى علىّ و لم يتبع بالصّلاة على أهل بيتي كان بينها و بين السّماء سبعون حجابا و يقول اللّه جلّ جلاله: لا لبيك و لا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعائه إلّا أن يلحق بالنبيّ عترته، فلا يزال محجوبا حتّى يلحق بى أهل بيتي.

و عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من قال في يوم مأئة مرّة ربّ صلّ على محمّد و على أهل بيته، قضى اللّه له مأئة حاجة ثلاثون منها للدّنيا، و سبعون منها للآخرة.

و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ارفعوا أصواتكم بالصّلاة علىّ فانّها يذهب بالنّفاق.

و في جامع الأخبار عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: من صلّى علىّ في كتابه لم يزل الملائكة تصلّى عليه ما دام ذلك مكتوبا إلى يوم القيامة.

و فيه أيضا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من صلّى علىّ مرّة صلّى اللّه عليه ألف مرّة لا يعذّبه «كذا» في النّار أبدا، و قال: من صلّى عليّ مرّة فتح اللّه عليه بابا من العافية، و قال من صلّى علىّ مرّة لم يبق من ذنوبه ذرّة.

و روى عن عبد اللّه بن مسعود أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: إنّ أولى النّاس في يوم القيامة أكثرهم صلاة، و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الوصية: يا علي من صلّى كلّ يوم أو كلّ ليلة وجبت له شفاعتي و لو كان من أهل الكباير.

عن أنس بن مالك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ أقربكم منّي يوم القيامة في كلّ موطن أكثركم علىّ صلاة في دار الدّنيا، و من صلّى في يوم الجمعة أو في ليلةالجمعة مأئة مرّة قضى اللّه له مأئة حاجة سبعين من حوائج الآخرة و ثلاثين من حوائج الدّنيا، ثمّ يوكل اللّه له بكلّ صلاة ملكا يدخل في قبري كما يدخل أحدكم الهدايا و يخبرني من صلّى علىّ باسمه و نسبه إلى عشيرته فاثبته عندي في صحيفة بيضاء.

عن الرّضا عليه السّلام من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصّلاة على محمّد و آله فانّها تهدم الذّنوب هدما.

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قال: صلّى اللّه على محمّد و آل محمّد أعطاه اللّه أجر اثنين و سبعين شهيدا و خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه.

روى عن أنس بن مالك عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما من أحد يذكرني ثمّ صلّى علىّ إلّا غفر اللّه له ذنوبه و إن كان أكثر من رمل عالج.

و قال صلوات اللّه عليه و آله: من صلّى علىّ يوم الجمعة مأئة مرّة غفر اللّه له خطيئته ثمانين سنة.

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من صلّى علىّ مرّة خلق اللّه تعالى يوم القيامة على رأسه نورا و على يمينه نورا و على شماله نورا و على فوقه نورا و على تحته نورا، و في جميع، أعضائه نورا.

و قال صلّى اللّه عليه و آله: لن يلج النّار من صلّى علىّ.

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الصّلاة علىّ نور على الصّراط، و من كان له على الصّراط من النور لم يكن من أهل النّار.

و في رواية عبد الرحمن بن عون أنّه قال: جائني جبرئيل و قال: إنّه لا يصلّى عليك أحد إلّا و يصلّي عليه سبعون ألف ملك و كان من أهل الجنة.

عن أنس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: من صلّى علىّ ألف مرّة لم يمت حتّى يبشّر بالجنّة.

و قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من صلّى عليّ و على آلى تعظيما خلق اللّه من ذلك القول ملكا يرى جناح له بالمغرب و الآخر بالمشرق و رجلاه مغموستان من الأرض السّفلى و عنقه ملتوى تحت العرش، فيقول اللّه عزّ و جلّ: صلّ على عبدي كما صلّى‏على النبيّ، فهو يصلّى عليه إلى يوم القيامة إلى غير هذه من الأخبار المتجاوزة عن حدّ الاحصاء.

و الحمد للّه الذى جعل صلاتنا عليه و آله و ما خصّنا به من ولايتهم طيبا لخلقنا و طهارة لأنفسنا و تزكية لنا و كفارة لذنوبنا، و له الشّكر على ما آثرنا بذلك و خصّصنا به دون غيرنا كثيرا كثيرا.

الترجمة

از جمله خطب آن حضرتست كه تعليم فرموده خلق را در آن صلوات فرستادن به پيغمبر را.

اى خداوند ما اى گستراننده گستردها چون هفت طبقه زمين و أى نگه دارنده بلند شده ‏ها چون طبقات چرخ برين و أى مجبول نماينده قلبها بر فطرت اصليه آنها كه مجبول نموده قلبهاى با شقاوت را بشقاوت و قلبهاى با سعادت را بسعادت، بگردان شريف‏ترين درودهاى خود را و بلندترين و افزونترين بركتهاى خود بر محمّد بن عبد اللّه كه بنده برگزيده و رسول پسنديده تو است كه ختم كننده آن چيزى است كه گذشته از پيش از شريعت و ملت، و گشاينده آن چيزيست كه بسته شده از باب رشاد و هدايت، و اظهار كننده دين حق است با بيان درست و حق و دفع كننده غلبهاى باطلان و شكننده صولتهاى گمراهان.

صلوات فرست بر آن حضرت صلواتى كه مشابه باشد برسالتى كه برداشت آنرا و قوى شد به برداشتن او در حالتى كه استاده بود بفرمان تو و صاحب تعجيل بود در تحصيل رضاى تو، و در حالتى كه جبون نبود از پيشى گرفتن در أداء أوامر شريعت و سست نبود در عزيمت بابلاغ أحكام ملت، نگاه دارنده بود وحى تو را، حفظ كننده بود عهد تو را، گذرنده باجراء فرمان تو تا آنكه برافروخت شعله نور حق را بجهة طالبين، و روشن ساخت راه شرع متين را از براى خبط كننده و جاهلين، و هدايت يافته شده بوجود مبارك آن قلبها بعد از غوطه خوردن در فتنها، و بر پا نمود علمهاى راه نماينده و احكام روشنى دهنده را.

پس او امين تو است و خزينه‏دار علم مخزون و سرّ مكنون تو، و شاهد تو است در روز جزا و فرستاده تو بسوى خلق بار خدايا گشاده گردان از براى آن حضرت مكان با وسعت در سايه كشيده خود، و جزا بده او را زيادتيهاى خير را از فضل و رحمت خود.

بار خدايا بلند گردان بر بناى بانيان بناى او را كه عبارتست از دين مبين و شرع متين، و گرامى دار نزد خود منزل او را كه جنت عدن است و فردوس برين، و تمام گردان از براى او نور او را كه احاطه نمايد بهمه خلايق، و پاداش ده او را از جهة مبعوث نمودن تو او را شهادت پذيرفته شده و گفتار پسنديده در حالتى كه او صاحب نطق عادلست و صاحب خصلت جدا كننده ميان حق و باطل.

بار خدايا جمع كن ميان ما و ميان او در خوشى زندگانى و در ثبات نعمت جاودانى و در مطلوبهاى آرزوها و در خواهشات لذّتها و در گشادگي آسايش و راحت و در پايان آرامى و استراحت و در تحفه اى كرامت كه معدّاست و مهيا براى أهل جنّت.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 70 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 71 صبحی صالح

71- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) في ذم أهل العراق

و فيها يوبخهم على ترك القتال و النصر يكاد يتم ثم تكذيبهم له

أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ

فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ

وَ مَاتَ قَيِّمُهَا

وَ طَالَ تَأَيُّمُهَا

وَ وَرِثَهَا أَبْعَدُهَا.

أَمَا وَ اللَّهِ مَا أَتَيْتُكُمُ اخْتِيَاراً

وَ لَكِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ سَوْقاً

وَ لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ عَلِيٌّ يَكْذِبُ

قَاتَلَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى

فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ

أَ عَلَى اللَّهِ

فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ أَمْ عَلَى نَبِيِّهِ

فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ

كَلَّا وَ اللَّهِ

لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا

وَ لَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا

وَيْلُ أُمِّهِ

كَيْلًا بِغَيْرِ ثَمَنٍ

لَوْ كَانَ لَهُ وِعَاءٌ

 وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من كلام له عليه السلام فى ذم اهل العراق

و هو السبعون من المختار فى باب الخطب

و الظاهر أنّها ملتقطة من خطبة طويلة قدّمنا روايتها عن الاحتجاج و الارشاد في شرح الخطبة التاسعة و العشرين فليراجع هناك:

أمّا بعد يا أهل العراق فإنّما أنتم كالمرأة الحامل حملت فلمّا أتمّت أملصت و مات قيّمها، و طال تأيّمها، و ورثها أبعدها، أما و اللّه ما أتيتكم اختيارا، و لكن جئت إليكم سوقا، و لقد بلغني أنّكم تقولون عليّ يكذب، قاتلكم اللّه، فعلى من أكذب أعلى اللّه فأنا أوّل من آمن به، أم على نبيّه فأنا أوّل من صدّقه، كلّا و اللّه، و لكنّها لهجة غبتم عنها، و لم تكونوا من أهلها، ويل أمّه كيلا بغير ثمن لو كان له وعاء، وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ.

اللغة

(املصت) الحامل ألقت ولدها ميّتا و المملاص معتادته و (قيّم) المرأة زوجها لأنه يقوم بأمرها و (تايّم) المرأة خلوّها من الزّوج، و الأيم في الأصل التي لا زوج لها قال سبحانه: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى‏ مِنْكُمْ.

و (السّوق) الاضطرار و في بعض النّسخ و لا جئت اليكم شوقا بالشّين المعجمة و (اللّهجة) بسكون الهاء و فتحها اللسان و يكنّى بها عن الكلام.

قال الفيروز آبادى: (الويل) حلول الشّر و بهاء الفضيحة، أو هو تفجيع يقال: ويله و ويلك و ويلي و في النّدبة يقال ويلاه، و ويل كلمة عذاب و واد في جهنّم أو بئر أو باب لها و رجل ويلمة بكسر اللّام و ضمّها واه و يقال للمستجار ويلمّه أى ويل لامّه كقولهم لا أب له، فركبوه و جعلوه كالشّي‏ء الواحد ثمّ ألحقوه الهاء مبالغة كداهية.

الاعراب

قال الجوهري: تقول ويل لزيد و ويلا لزيد، فالنّصب على اضمار الفعل و الرفع‏ على الابتداء هذا إذا لم تضفه فاذا أضفت فليس إلّا النّصب لأنّك لو رفعته لم يكن له خبر.

و قال نجم الأئمة الرّضيّ في باب حذف عامل المفعول المطلق من شرح الكافية: و منها أى من جملة ما يحذف عامله أسماء الأصوات قامت مقام المصادر كاها منك أى توجّعا، و واها لك أى طيبا، و افالك أى كراهة، إلى أن قال: و الأصوات القائمة مقام المصادر يجوز اعرابها نصبا إلّا أن تكون على حرفين ثانيهما حرف مدّ نحووى لزيد، و ذلك نحواها و ويها، و يجوز إبقائها على البناء الأصلى نحو افّ لكما و أوه من اخوانى وآه من ذنوبى.

و الظاهر أنّ و يلك و ويحك و وليك و و يبك من هذا الباب و أصل كلهاوى على ما قال الفراء جي‏ء بلام الجرّ بعدها مفتوحة مع المضمر نحووى لك ووى له ثمّ خلط اللّام بوى حتّى صارت لام الكلمة كما خلطوا اللّام بيافي قوله:

فخير نحن عند النّاس منكم            إذ الدّاعى المثوب قال يالا

فصار معربا باتمامه ثلاثيا فجاز أن يدخل بعدها لام اخرى نحو ويل لك لصيرورة الاولى لام الكلمة ثمّ نقل الى باب المبتدأ فقيل ويل لك كما في سلام عليك.

أقول: و تحقيق الكلام أنّك إذا قلت ويل لزيد فيجوز الرّفع على الابتداء و النّصب على المفعولية أى حلّ الشّر به حلولا أو عذّب اللّه عذابا أو هلكا له، و جوّز جرّه في القاموس و لا أرى له وجها.

و إذا قلت: ويل زيد فيجوز الضّم على الابتداء و حذف الخبر أى عذابه أو هلاكه مطلوب، و الكسر على أنّ اصله وى لزيد فكلمة وى بمعنى الحزن و الخسران اتصلت لام الجرّ بها لكثرة الاستعمال فقيل ويل زيد، و الفتح على أنّها بعد الاتّصال بلام الجرّ حسبما قلناه خفّفوا اللّام بالفتح.

و أمّا قولهم رجل و يلمه بكسر اللّام و ضمّه فأرادوا به أنّه واه يستعملونه في مقام التّعجب من دهاء الرّجل و ذكائه، و أصله ويل لامّه فركب الكلمتان بعد التّخفيف بحذف اللّام و اسقاط الهمزة فصار و يلمه.

قال في الاقيانوس: وى فيها كلمة مفردة معناها التّعجب كانّه يتعجّب من‏ امّه أنّها ولدت هذا الولد الذي لا نظير له في العقل و الفراسة، أو أنّه من قبيل قاتله اللّه و تربت يداه يعنى أنّ الجملة موضوعة للتّعجب ملغاة عن معناها الأصلى أو أن الويل بمعنى العذاب و الخسران كأنّه يريد عذاب امّه كيف ولدت هذا الولد الدّاهي الظالم فيكون مستعملا في مقام الأسف و الانفعال، أو أنّ المراد بذلك الحسرة و التأسّف من أمّه و أنّها ولدت هذا الولد فردا و لم تلد له ثانيا كفوا فيكون مستعملا في مقام التّعجب و الاستجادة.

و قيل: إنّ أصل ذلك ويل لام كما أنّ قولهم لاب لك مخفّف لا أب لك، فالحق به الهاء كمالا للمبالغة كما في الدّاهية فصار ويل لامّه فخفّف و صار ويلمّه و على ذلك فالهاء ليست ضميرا و لكن المستفاد من كلام الزّمخشري أنّه مخفّف من قولهم ويل لامّه أو من قولهم وى لامّه، و الهاء ضمير يفسّره ما بعده من باب الاضمار على شريطة التّفسير كما في قولهم ربّه رجلا يقال و يلمه رجلا قال ذو الرّمة:

 و يلمّها روحة و الرّيح معصفة            و الغيث مرتجز و الليل مقترب‏

و عن النّهاية و منه حديث عليّ كرّم اللّه وجهه ويلمه كيلا بغير ثمن لو كان له وعاء أى يكيل العلوم الجمة بلا عوض إلّا أنّه لا يصادف داعيا الويل للتّعجب، و قيل ويل كلمة مفردة و لامه مفردة و هي كلمة تفجّع و تعجّب و حذفت الهمزة من امّه تخفيفا و القيت حركتها على اللّام و ينصب ما بعدها على التميز انتهى.

و في شرح المعتزلي انتصب كيلا لأنّه مصدر في موضع الحال، و يمكن أن ينتصب على التّميز كقولهم للّه درّه فارسا.

المعنى

قد ظهر من رواية الاحتجاج المتقدّمة في شرح الخطبة التاسعة و العشرين أنّ هذه الخطبة واردة في ذمّ أهل العراق بتثاقلهم عن جهاد معاوية و أتباعه فقال لهم (أمّا بعد يا أهل العراق فانّما أنتم كالمرأة الحامل حملت فلما أتمّت) حملها و تكاملت ايّامه (أملصت) و أسقطت ولدها ميّتا (و مات قيّمها) أى زوجها (و طال‏ تأيمها) بقاؤها بلا زوج (و ورثها ابعدها) لفقدان الوارث القريب.

شبّههم بالمرأة الموصوفة بالأوصاف الخمسة التي هى وجوه الشّبه بينها و بينهم، فحملها يشبه تهيؤهم للحرب و استعدادهم لها، و اتمام الحمل يشبه مشارفتهم لاستيصال أهل الشّام و الظفر على المقصود، و الاملاص يشبه باجابتهم إلى التّحكيم و جنوحهم إلى السّلم و رجوعهم عن العدوّ و بعد قرب الظفر و ظهور أمارات الفتح، فانّ ذلك رجوع غير طبيعى و غير معتاد للعقلاء كما أنّ الاملاص أمر غير طبيعىّ و خارج عن العادة و موت القيّم و طول الأيمّ يشبه بقائهم بلا صاحب الجارى مجرى موته عنهم و طول ضعفهم و تمادى ذلّتهم، كما أنّ موت قيّم المرأة مستلزم لطول ضعفها و تمادى عجزها.

و أمّا وراثة الأبعدين فاشارة إلى أنّهم لتقصيرهم في الأمر أخذ عدوّهم الذين هم أبعد النّاس عنهم بلادهم و تسلطوا عليهم و صاروا بمنزلة الوارثين لها، كما أنّ المرأة الموصوفة بسبب املاصها و موت زوجها لا يبقى لها وارث قريب نسبيّ و سببيّ فيرثها البعيد عنها.

ثمّ اقسم تضجّرا من حالهم بقوله: (أما و اللّه ما أتيتكم اختيارا) و ايثارا للمقام بينكم و حبا لكم و لبلادكم (و لكن جئت اليكم سوقا) و اضطرارا كان القضاء ساقه إليهم، إذ خروجه من المدينة دار الهجرة لم يكن إلّا لقتال أهل الجمل و احتاج إلى الاستنصار بأهل الكوفة إذ لم يكن جيش الحجاز وافيا بمقاتلتهم، ثمّ اتّصلت تلك الفتنة بفتنة أهل الشّام فاضطرّ إلى المقام بينهم.

ثمّ قال (و لقد بلغنى أنكم تقولون عليّ يكذب) فانّه عليه السّلام كان كثيرا ما يخبرهم عن الملاحم و الامور الغيبية و ما يكون قبل كونه كما مضى نبذ من ذلك في شرح كلامه السّادس و الخمسين، و يأتي كثير منها في تضاعيف الشّرح أيضا فكان منافقو أصحابه ينسبونه في هذه الاخبارات الغيبية إلى الكذب لضعف عقولهم و قصور أفهامهم و يقولون إنّه يكذب فدعا عليهم بقوله (قاتلكم اللّه) أى لعنكم و أبعدكم عن رحمته.

ثمّ ردّ زعمهم الفاسد و اعتقادهم الكاسد بقوله: (فعلى من أكذب أعلى اللّه فأنا أوّل من آمن به، أم على نبيّه فأنا أوّل من صدّقه) يعنى أنّ هذه الأخبار ما أخبركم بها من تلقاء نفسى، و إنّما هي اخبار عن اللّه و عن رسوله فكيف أكذب على اللّه و أنا أوّل المؤمنين به و أوّل مؤمن به لا يكون أوّل مكذّب، و كيف أكذب على ززز على الرّسول و أنا أوّل المصدّقين له و التّابعين لملّته فكيف أكون مكذّبا عليه.

(كلّا و اللّه) أى لا و اللّه أو حقّا و اللّه (و لكنّها) أى تلك الاخبارات الغيبية (لهجة غبتم عنها و لم تكونوا من أهلها) أى غابت عقولكم الضّعيفة عن إدراكها و تحصيل منافعها و إدراك ثمراتها و لستم أهلا لفهمها، أو أنكم كنتم غائبين عنها حين أخبرني بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فسمعت كلامه و لم تسمعوه و لو سمعتموه أيضا لم تكونوا من أهله.

(ويل امّه كيلا بغير ثمن لو كان له وعاء) أنت بعد الخبرة بما حقّقناه في بيان الاعراب تعرف احتمال رجوغ ضمير امّه فيه إلى المكذب له فيكون تعجبا من قوّة جهلهم أو استعظاما لمقالتهم أو دعاء عليهم أى عذّبه اللّه و قاتله فانّي أكيل العلم لهم كيلا بلا ثمن لو وجدت له حاملا.

أو أنّه راجع إلى نفس العلم فيكون واردا في مقام الاستجادة و الاستعظام و التّعجب كأنّه يتعجب من علمه حيث يكال كيلا بلا ثمن لو كان له واعيا، و ساير الاحتمالات غير خفيّ على البصير النّاقد لما قدّمنا.

و قوله: (و لتعلمنّ نبأه بعد حين) اقتباس عن الآية الشّريفة أى لتعلمنّ ثمرة جهلكم و تكذيبكم و اعراضكم عمّا أقول بعد مفارقتى عنكم و حين مماتي حيثما تسلط عليكم بنو اميّة و العباس و ساقكم سوق العبيد و ابتليتم بالقتل و الذّل و الصغار أو أنّكم تعلمون جزاء ذلك و تجدونه بعد مفارقة الدّنيا و مصيركم إلى الآخرة حين ما وقعتم في النّدامة الدّائمة و الحسرة الباقية.

الترجمة

أز جمله كلام بلاغت نظام آن عالى مقامست در مذمت أهل عراق و توبيخ‏ ايشان مى‏ فرمايد: پس از حمد الهى و درود حضرت رسالت پناهى اى أهل عراق پس بدرستى كه شما مثل زن آبستن هستيد كه حامله شود پس چون تمام نمايد حمل را بيندازد و سقط كند آن بچه را و بميرد شوهر او كه قايم أمر اوست و طول يابد بى ‏شوهر ماندن او و وارث شود بر او دورتر ورّاث آن زن.

وجه تشبيه أهل عراق بزن موصوف اينست كه استعداد و مهيا شدن ايشان بحرب أهل شام مشابه حمل آن زن است، و مشارفه ايشان بر غلبه به دشمن در جنك صفين شبيه است با تمام ولد، و برگشتن ايشان از دشمن بعد از ظهور علامات فتح و ظفر مانند سقط كردن اوست بچه‏اش را، و رجوع ايشان از رأى آن حضرت و تفرق ايشان كه باعث ذلتشان شد شبيه است به مردن شوهر ضعيفه و بى‏صاحب ماندن او كه مستلزم عجز و مذلتش است، و تسلط اعدا بر شهرهاى ايشان به منزله وارث شدن دورترين است از آن زن.

باري حضرت ولايت مآب بعد از اين كه ايشان را باين نوع مذمت فرمود مى ‏فرمايد: كه آگاه باشيد قسم بخدا نيامدم بسوى شما اي أهل كوفه از روي رغبت و ميل و اختيار، و لكن آمدم من بسوي شما از روي اضطرار كه دست قضا و قدر خداوندي از گريبان من گرفته بسوي شما كشيد، بجهت اين كه حركت آن حضرت از مدينه بجهت حرب أهل بصره بود و محتاج شد بياري أهل كوفه و بعد از انقضاء حرب جمل وقعه صفين اتفاق افتاد كه لا بد شدن از ماندن كوفه پس فرمود: و بتحقيق كه رسيد به من اين كه شما مى ‏گوئيد عليّ بن أبي طالب دروغ مى گويد در آنچه خبر مى ‏دهد از اخبار آينده، خدا از رحمت كنار نمايد شما را بكه دروغ مى ‏بندم آيا بر خدا افترا مى‏ گويم و حال آنكه من أول كسي هستم كه ايمان آورده ‏ام باو، يا بر رسول خدا كذب مى ‏گويم و حال آنكه من أول كسى هستم كه پيغمبر را تصديق نمود.

نه چنين است قسم بخدا و لكن اين سخنان كه مى ‏گويم بشما گفتار فصيحى است كه غايب بوديد شما از آن در وقتى كه پيغمبر به من تعليم فرمود و نبوديد شما از اهل آن.

ما در تكذيب كننده من به ماتم آن بنشيند من مى‏ پيمايم علم ربانى را پيمودنى بدون بها اگر باشد در ميان شما آنرا حافظى كه ظرفيت و دارائى آن را داشته باشد.

و هر آينه البته خواهيد دانست ثمره كردار و گفتار خودتان را بعد از زمانى، يعنى در وقتى كه من از ميان شما بروم و امراء جور بني اميّه به شما مسلط شوند.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 69 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 70 صبحی صالح

70- و قال ( عليه ‏السلام  ) في سحرة اليوم الذي ضرب فيه‏

مَلَكَتْنِي عَيْنِي وَ أَنَا جَالِسٌ

فَسَنَحَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ( صلى ‏الله ‏عليه ‏وآله‏ وسلم  )

فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْأَوَدِ وَ اللَّدَدِ

فَقَالَ ادْعُ عَلَيْهِمْ

فَقُلْتُ أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ

وَ أَبْدَلَهُمْ بِي شَرّاً لَهُمْ مِنِّي

قال الشريف يعني بالأود الاعوجاج

و باللدد الخصام و هذا من أفصح الكلام

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و قال عليه السلام فى سحرة اليوم الذى ضرب فيه

و هو التاسع و الستون من المختار باب الخطب 

ملكتني عيني و أنا جالس فسنح لي رسول اللّه فقلت: يا رسول اللّه ما ذا لقيت من أمّتك من الأود و اللّدد فقال: أدع عليهم، فقلت: أبدلني اللّه بهم خيرا لي منهم، و أبدلهم بي شرّا لهم منّي. قال السّيد (ره): يعنى بالأود الاعوجاج، و اللدد الخصام و هو من أفصح الكلام.

اللغة

(السّحر) بالتّحريك قبيل الصّبح و السّحرة بالضّم السّحر الاعلى و (سنح) لى راى كمنع سنوحا و سنحا بالفتح و سنحا بالضّم عرض و (اود) يأ وداودا من باب فرح.

الاعراب

جملة انا جالس حال من مفعول ملكت، و ما في قوله ما ذا لقيت استفهامية استعظامية كما في قوله تعالى الحاقّة ما الحاقّة، و ذا إمّا موصولة أو زايدة كما قلناه في ما سبق، و الباء في قوله بهم و بى للمقابلة.

المعنى

قال الشّارح البحراني: قوله (ملكتني عيني) استعارة حسنة و تجوّز في التركيب أمّا الاستعارة فلفظ الملك للنوم و وجه الاستعارة دخول النائم في غلبة النوم و قهره و منعه له ان يتصرف في نفسه كما يمنع المالك المملوك من التّصرف في أمره،و أمّا التّجوز ففي العين و في الاسناد إليها، أمّا الأوّل فاطلق لفظ العين على النوم لما بينهما من الملابسة إذا طباق الجفون من عوارضهما، و أمّا الثاني فاسناد الملك إلى النوم المتجوّز فيه بلفظ لعين.

أقول: حاصله أنّه من باب الاستعارة التّبعية مثل قولهم: نطقت الحال بكذا، و محصّله أنّ الملك استعارة عن غلبة النوم و العين مجاز عن النّوم بعلاقة المجاورة و اسناد الغلبة إلى النوم مجاز عقليّ فافهم، فالمعنى غلبني نومي (و أنا جالس فسنح لي رسول اللّه) أى رأيته في المنام أو مرّبي معترضا (فقلت يا رسول اللّه ما ذا لقيت من امّتك من الاود و اللدد فقال ادع عليهم) شكايته منهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم دليل على غاية كربه منهم من جهة تقصيرهم في الاجابة إلى دعائه و التّلبية لنداءه و توانيهم في القتال و الجهاد، و ترخيص رسول اللّه في دعائه عليهم دليل على عدم رضائه عنهم.

و قوله: (فقلت أبدلني اللّه بهم خيرا لى منهم و أبدلهم بى شرّا لهم مني) لا يدلّ على اتّصافه بالشّر إذ صيغة افعل لم يرد بها التّفضيل بل المراد مجرّد الوصف أو بناء التّفضيل على اعتقاد القوم فانّهم لما لم يطيعوه حق الطاعة فكأنّهم زعموا فيه شرا، و قد مرّ مزيد تحقيق لهذه الفقرة في شرح الخطبة الخامسة و العشرين فتذكر هذا.

و روى في البحار من الارشاد عن عمّار الدّهنى، عن أبي صالح الحنفى قال: سمعت عليّا عليه السّلام يقول: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في مناهي فشكوت إليه ما لقيتة من امّته من الاود و اللدد و بكيت، فقال لى: لاتبك يا علي و التفت و إذا رجلان مصفدان«» و إذا جلاميد ترضخ بهما رؤوسهما، قال أبو صالح: فغدوت إليه من الغد كما كنت أغد و اليه كلّ يوم حتّى إذا كنت في الجزارين لقيت الناس يقولون قتل أمير المؤمنين.

تذييلات

الاول في كيفية شهادته عليه السّلام

و فيها روايات كثيرة و ابسطها ما رواه في المجلد التاسع من البحار قال: رأيت في بعض الكتب القديمة رواية فى كيفية شهادته أوردنا منه شيئا مما يناسب كتابنا هذا على وجه الاختصار.

قال: روى أبو الحسن عليّ بن عبد اللّه بن محمّد البكرى، عن لوط بن يحيى، عن اشياخه و اسلافه قالوا: لمّا توفى عثمان و بايع النّاس أمير المؤمنين كان رجل يقال له حبيب بن المنتجب واليا على بعض أطراف اليمن من قبل عثمان فأقرّه عليّ عليه السّلام على عمله و كتب كتابا يقول فيه: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من عبد اللّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب إلى حبيب بن المنتجب سلام عليك، أمّا بعد فانّي أحمد اللّه الذي لا إله إلّا هو، و اصلّي على محمّد عبده و رسوله، و بعد فانّي وليتك ما كنت عليه لمن كان من قبل فامكث على عملك و إنّي اوصيك بالعدل في رعيتك و الاحسان إلى أهل مملكتك، و اعلم أنّ من ولى على رقاب عشرة من المسلمين و لم يعدل بينهم حشره اللّه يوم القيامة و يداه مغلولتان إلى عنقه لا يفكها إلّا عدله في دار الدّنيا، فاذا ورد عليك كتابي هذا فاقرءه على من قبلك من أهل اليمن و خذلي البيعة على من حضرك من المسلمين فاذا بايع القوم مثل بيعة الرّضوان فامكث في عملك و انفذ إلى منهم عشرة يكونون من عقلائهم و فصحائهم و ثقاتهم ممّن يكون أشدّهم عونا من أهل الفهم و الشّجاعة عارفين باللّه عالمين بأديانهم و مالهم و ما عليهم و أجودهم رايا، و عليك و عليهم السّلام.

و طوى الكتاب و ختمه و أرسله مع أعرابيّ، فلمّا وصله قبّله و وضعه على عينيه و رأسه فلمّا قرأه صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و صلى على محمّد و آله ثمّ قال: أيّها النّاس اعلموا أنّ عثمان قد قضى نحبه و قد بايع النّاس من بعده العبد الصّالح و الامام النّاصح أخا رسول اللّه و خليفته و هو أحقّ بالخلافة و هو أخو رسول اللّه و ابن عمه و كاشف الكرب عن وجهه و زوج ابنته و وصيه و أبو سبطيه أمير المؤمنين‏ عليّ بن أبي طالب فما تقولون في بيعته و الدّخول فى طاعته قال: فضجّ النّاس بالبكاء و النّحيب و قالوا: سمعا و طاعة و حبّا و كرامة للّه و لرسوله و لأخى رسوله، فأخذ له عليه السّلام البيعة عليهم عامّة، فلمّا بايعوا قال لهم: اريد عشرة منكم من رؤسائكم و شجعانكم انفذهم إليه كما أمرنى به فقالوا: سمعا و طاعة فاختار منهم مأئة، ثمّ من المأة سبعين، ثمّ من السّبعين ثلاثين، ثمّ من الثلاثين عشرة فيهم عبد الرّحمن بن ملجم المرادي لعنه اللّه و خرجوا من ساعتهم.

فلمّا أتوه عليه السّلام سلموا عليه و هنّوه بالخلافة، فردّ عليهم السلام و رحّب بهم، فتقدّم ابن ملجم و قام بين يديه و قال: السّلام عليك أيّها الامام العادل و البدر التّمام و اللّيث الهمام و البطل الضرغام و الفارس القمقام و من فضّله اللّه على ساير الأنام صلى اللّه عليك و على آلك الكرام، أشهد انّك امير المؤمنين صدقا و حقّا و أنّك وصي رسول اللّه و الخليفة من بعده و وارث علمه لعن اللّه من جحد حقّك و مقامك أصبحت أميرها و عميدها، لقد اشتهر بين البريّة عدلك، و هطلت«» شآبيب فضلك و سحائب رحمتك و رأفتك عليهم، و لقد أنهضنا الأمير إليك فسررنا بالقدوم عليك فبوركت بهذه الطلعة المرضيّة و هنئت بالخلافة في الرّعية.

ففتح أمير المؤمنين عليه السّلام عينيه في وجهه و نظر الى الوفد فقرّبهم و أدناهم فلمّا جالسوا دفعوا الكتاب ففضّه و قرأه و سرّ بما فيه فأمر بكلّ واحد منهم بحلّة يمانيّة و رداء عدنية و فرس عربية و أمر أن يفتقدوا و يكرموا، فلما نهضوا قام ابن ملجم و وقف بين يديه و أنشد:

أنت المهيمن و المهذّب ذو الندى
و ابن الضراغم في الطراز الأوّل‏

اللّه خصّك يا وصىّ محمّد
و حباك فضلا في الكتاب المنزل‏

و حباك بالزّهراء بنت محمّد
حوريّة بنت النبيّ المرسل‏

ثمّ قال: يا أمير المؤمنين ارم بنا حيث شئت لترى منّا ما يسرّك فو اللّه ما فينا إلّا كلّ بطل أهيس«» و حازم أكيس و شجاع أشوس«» و رثنا ذلك عن الآباء و الاجداد و كذلك نورثه صالح الأولاد.

قال: فاستحسن أمير المؤمنين كلامه من بين الوفد فقال له: ما اسمك يا غلام قال: اسمى عبد الرّحمن، قال: ابن من قال: ابن ملجم المرادى، قال: أمراديّ أنت قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال عليه السّلام إنّا للّه و إنا إليه راجعون و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.

قال: و جعل أمير المؤمنين يكرّر النّظر إليه و يضرب احدى يديه على الاخرى و يسترجع ثمّ قال له: و يحك أمر ادىّ أنت قال: نعم فعند ها تمثّل بقوله:

أنا أنصحك منّى بالوداد
مكاشفة و أنت من الأعادى‏

اريد حياته و يريد قتلى‏
عذيرك«» من خليلك من مرادى‏

قال الاصبغ بن نباتة: لما دخل الوفد إلى أمير المؤمنين و بايعوه و بايعه ابن ملجم فلما أدبر عنه دعاه أمير المؤمنين ثانيا فتوثق منه بالعهود و المواثيق أن لا يغدر و لا ينكث ففعل ثمّ سار عنه، ثمّ استدعاه ثالثا ثمّ توثق منه فقال ابن ملجم: يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيرى فقال عليه السّلام امض لشانك فما أراك تفى بما بايعت عليه.

فقال ابن ملجم: كانّك تكره و فودى عليك لما سمعته من اسمى و انّي و اللّه لاحبّ الاقامة معك و الجهاد بين يديك و انّ قلبي محبّ لك و انّى و اللّه اوالى وليّك‏ و أعادي عدوّك.

قال: فتبسّم عليه السّلام و قال: باللّه يا أخا مراد إن سألتك عن شي‏ء تصدّقني فيه قال: أي و عيشك يا أمير المؤمنين، فقال له: هل كان لك داية يهودّية فكانت إذا بكيت تضربك و تلطم جبينك و تقول لك: اسكت فانك أشقى من عاقر ناقة صالح و إنّك ستجنى فى كبرك جناية عظيمة يغضب اللّه بها عليك، و يكون مصيرك إلى النّار فقال قد كان ذلك و لكنك و اللّه يا أمير المؤمنين أحبّ إلىّ من كلّ أحد، فقال أمير المؤمنين و اللّه ما كذبت و لا كذبت و لقد نطقت حقّا و قلت صدقا و أنت و اللّه قاتلي لا محالة و ستخضب هذه من هذه و أشار إلى لحيته و رأسه و لقد قرب وقتك و حان زمانك.

فقال ابن ملجم و اللّه يا أمير المؤمنين انّك أحبّ إلىّ من كلّ ما طلعت عليه الشّمس، و لكن إذا عرفت ذلك منّي غيّرني إلى مكان تكون ديارك من دياري بعيدة فقال: كن مع أصحابك حتّى اذن لكم في الرّجوع إلى بلادكم.

ثمّ امرهم بالنّزول في بنى تميم فأقاموا ثلاثة أيّام، ثمّ أمرهم بالرّجوع إلى اليمن، فلمّا عزموا على الخروج مرض ابن ملجم مرضا شديدا فذهبوا و تركوه، فلما برء أتى أمير المؤمنين و كان لا يفارقه ليلا و لا نهارا و يسارع في قضاء حوائجه و كان يكرمه و يدعوه إلى منزله و يقرّبه، و كان مع ذلك يقول له: أنت قاتلى و يكرّر عليه الشّعر:

اريد حياته و يريد قتلى            عذيرك من خليلك من مرادى‏

فيقول له: يا أمير المؤمنين إذا عرفت ذلك منّي فاقتلنى، فيقول إنّه لا يحلّ ذلك أن اقتل رجلا قبل أن يفعل بى شيئا، و في خبر آخر قال: إذا قتلتك فمن يقتلني.

قال: فسمعت الشّيعة ذلك فوثب مالك الأشتر و الحرث بن الأعور و غيرهما من الشّيعة فجرّدوا سيوفهم و قالوا: يا أمير المؤمنين من هذا الكلب الذي تخاطبه بمثل هذا الخطاب مرارا و أنت امامنا و وليّنا و ابن عمّ نبيّنا، فمرنا بقتله، فقال لهم: اغمدوا سيوفكم بارك اللّه فيكم و لا تشقّوا عصا هذه الامّة أترون أني أقتل رجلا لم يصنع بى شيئا.

فلما انصرف عليه السّلام إلى منزله اجتمعت الشّيعة و أخبر بعضهم بعضا بما سمعوا و قالوا: إنّ أمير المؤمنين يغلس إلى الجامع و قد سمعتم خطابه لهذا المرادي و هو ما يقول إلّا حقّا و قد علمتم عدله و إشفاقه علينا و نخاف أن يغتاله هذا المرادي فتعالوا نقترع على أن تحوطه كلّ ليلة منّا قبيلة.

فوقعت القرعة في الليلة الاولى و الثانية و الثالثة على أهل الكناس، فتقلّدوا سيوفهم و اقبلوا في ليلتهم إلى الجامع، فلما خرج عليه السّلام رآهم على تلك الحالة فقال ما شأنكم فأخبروه فدعا لهم فتبسّم ضاحكا، و قال: جئتم تحفظونى من أهل السّماء أم من أهل الأرض قالوا: من أهل الأرض، قال: ما يكون شي‏ء في السماء إلّا هو في الأرض و ما يكون شي‏ء في الأرض إلّا هو في السّماء ثمّ تلى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا ثمّ أمرهم أن يأتوا منازلهم و لا يعود و المثلها، ثمّ إنّه صعد المأذنة و كان إذا تنحنح يقول السّامع ما اشبهه بصوت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فتأهب النّاس بصلاة الفجر و كان إذا أذّن يصل صوته إلى نواحي الكوفة كلّها، ثمّ نزل عليه السّلام فصلّى و كانت هذه عادته.

قال: و أقام ابن ملجم بالكوفة إلى أن خرج أمير المؤمنين عليه السّلام إلى غزاة النهروان فخرج ابن ملجم معه و قاتل بين يديه قتالا شديدا فلما رجع إلى الكوفة و قد فتح اللّه على يديه قال ابن ملجم لعنه اللّه يا أمير المؤمنين أ تأذن لى أن أتقدّمك إلى المصر لابشّر أهله بما فتح اللّه عليك من النّصر فقال: ما ترجو بذلك قال: الثواب من اللّه و الشّكر من النّاس و افرح الأولياء و اكمد الأعداء، فقال: شأنك.

ثمّ أمر له بخلعة سنيّة و عما متين و فرسين و سيفين و رمحين فسار ابن ملجم و دخل الكوفة و جعل يخترق أزقّتها و شوارعها، و هو يبشّر الناس بما فتح اللّه على أمير المؤمنين و قد دخله العجب في نفسه فانتهى به الطريق إلى محلّة بني تميم.

فمرّ على دار تعرف بالقبيلة و هى أعلا دار بها و كانت لقطام بنت سخينة بن عوف بن تيم اللّات، و كانت موصوفة بالحسن و الجمال و الكمال و البهاء، فلما سمعت كلامه بعثت إليه و سألته النزول عندها ساعة لتسأله عن أهلها، فلما قرب من منزلها و أراد النّزول عن فرسه خرجت إليه ثمّ كشفت له عن وجهها و أظهرت له محاسنها.

فلما رآها أعجبته و هواها من وقته فنزل عن فرسه و دخل إليها و جلس في دهليز الدار و قد أخذت بمجامع قلبه فبسطت له بساطا و وضعت له متكئا و أمرت خادمها أن تنزع أخفافه و أمرت له بماء فغسل وجهه و يديه و قدمت إليه طعاما فاكل و شرب، و أقبلت عليه تروحه من الحرّ فجعل لا يملّ من النظر إليها و هى مع ذلك متبسّمة في وجهه سافرة له عن نقابها بارزة عن جميع محاسنها ما ظهر منها و ما بطن.

فقال لها أيّتها الكريمة لقد فعلت اليوم بي ما وجب به بل ببعضه على مدحك و شكرك دهري كلّه فهل من حاجة أتشرّف بها و أسعى في قضائها قال: فسألته عن الحرب و من قتل فيه فجعل يخبرها و يقول فلان قتله الحسن و فلان قتله الحسين إلى أن بلغ قومها و عشيرتها، و كانت قطام لعنها اللّه على رأى الخوارج و قد قتل أمير المؤمنين في هذا الحرب من قومها جماعة كثيرة منهم أبوها و أخوها و عمّها، فلما سمعت منه ذلك صرخت باكية ثمّ لطمت خدّها و قامت من عنده و دخلت البيت و هي تندبهم طويلا.

قال: فندم ابن ملجم فلما خرجت إليه قالت: يعزّ علىّ فراقهم من لى بعدهم أفلا ناصر ينصرني و يأخذ لى بثارى و يكشف عن عارى فكنت أهب له نفسي و أمكنه منها و من مالى و جمالى، فرقّ لها ابن ملجم و قال لها: غضّى صوتك و ارفقى بنفسك فانك تعطين مرادك.

قال: فسكتت من بكائها و طمعت في قوله، ثمّ أقبلت عليه بكلامها و هي كاشفة عن صدرها و مسبلة شعرها، فلما تمكّن هواها من قبله مال إليها بكليّته ثمّ جذبها

إليه و قال لها: كان أبوك صديقا لي و قد خطبتك منه فأنعم لي بذلك فسبق إليه الموت فزوّجينى نفسك لآخذ لك بثارك.

قال: ففرحت بكلامه و قالت قد خطبنى الأشراف من قومي و سادات عشيرتى فما انعمت إلّا لمن يأخذ لى بثاري و لما سمعت عنك أنّك تقاوم الأقران و تقتل الشّجعان فأحببت أن تكون لي بعلاو أكون لك أهلا.

فقال لها: فأنا و اللّه كفو كريم فاقرحى على ما شئت من مال و فعال، فقالت له: إن قدمت على العطيّة و الشّرط فها أنا بين يديك فتحكم كيف شئت، فقال لها: و ما العطية و الشّرط فقالت له: أمّا العطيّة فثلاثة آلاف دينار و عبد و قينة«» فقال هذا أنا ملي‏ء به، فما الشرط المذكور قالت: نم على فراشك حتّى أعود إليك.

ثمّ إنّها دخلت خدرها فلبست أفخر ثيابها و لبست قميصا رقيقا يرى صدرها و حليتها و زادت في الحليّ و الطيب و خرجت في معصفرها فجعلت تباشره بمحاسنها ليرى حسنها و جمالها، و أرخت عشرة ذوايب من شعرها منظومة بالدّرّ و الجواهر.

فلما دخلت إليه أرخت لثامها عن وجهها و رفعت معصفرها«» و كشفت عن صدرها و اعكانها و قالت: ان قدمت على الشّرط المشروط ظفرت بهذا جميعه و أنت مسرور مغبوط.

قال: فمدّ ابن ملجم عينيه إليها فحار عقله و هوى لحينه مغشيّا عليه ساعة فلما أفاق قال: يا منية النّفس ما شرطك فاذكريه لي فانّي سأفعله و لو كان دونه قطع القفار و خوض البحار و قطع الرّؤوس و اختلاس النّفوس، قالت له الملعونة: شرطي عليك أن تقتل عليّ بن أبي طالب بضربة واحدة بهذا السّيف في مفرق رأسه يأخذ منه ما يأخذ و يبقى ما يبقى.

فلما سمع ابن ملجم كلامه استرجع و رجع إلى عقله و اغاظه و أقلقه ثمّ صاح بأعلى صوته: و يحك ما هذا الذي و اجهتني به بئس ما حدّثتك به نفسك من المحال، ثمّ طأطأ رأسه يسيل عرقا و هو متفكّر في أمره، ثمّ رفع رأسه إليها و قال: و يلك من يقدر على قتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب المستجاب الدعاء المنصور من السّماء، و الأرض ترجف من هيبته، و الملائكة تسرع إلى خدمته.

يا ويلك و من يقدر على قتل علىّ بن أبي طالب و هو مؤيّد من السّماء، و الملائكة تحوطه بكرة و عشيّة، و لقد كان فى أيّام رسول اللّه إذا قاتل يكون جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و ملك الموت بين يديه فمن هو هكذا الاطاقة لأحد بقتله و لا سبيل لمخلوق على اغتياله.

و مع ذلك فانّه قد أعزّني و أكرمني و أحبّني و رفعنى و آثرني على غيرى، فلا يكون ذلك جزاؤه منّى أبدا، فان كان غيره قتلته لك شرّ قتلة و لو كان أفرس أهل زمانه، و أمّا أمير المؤمنين فلا سبيل لي عليه.

قال: فصبرت عنه حتّى سكن غيظه و دخلت معه في المداعبة و الملاعبة و علمت أنّه قد نسى ذلك القول، ثمّ قالت له: يا هذا ما يمنعك عن قتل عليّ بن أبي طالب و ترغب في هذا المال و تتنّعم هذا الجمال و ما أنت بأعفّ و أزهد من الذين قاتلوه و قتلهم و كانوا من الصّوامين و القوّامين، فلما نظروا إليه و قد قتل المسلمين ظلما و عدوانا اعتزلوه و حاربوه، و مع ذلك فانّه قد قتل المسلمين و حكم بغير حكم اللّه و خلع نفسه من الخلافة و امرة المؤمنين، فلما رأوه قومي على ذلك اعتزلوه فقتلهم بغير حجة له عليهم.

فقال له ابن ملجم: يا هذه كفّي عنّي فقد أفسدت علىّ ديني و أدخلت الشكّ في قلبي و ما أدرى ما أقول لك و قد عزمت على رأى ثمّ أنشد:

ثلاثة آلاف و عبد و قينة
و ضرب علىّ بالحسام المصمّم‏

فلا مهر أغلا من قطام و ان غلا
و لا فتك«» إلّا دون فتك ابن ملجم‏

فأقسمت بالبيت الحرام و من أتى‏
اليه و لبّى من محلّ و محرم‏

لقد أفسدت عقلى قطام و انّنى
لمنها على شكّ عظيم مذمم‏

لقتل علىّ خير من وطأ الثرى‏
أخى العلم الهادى النبيّ المكرّم‏

ثمّ امسك ساعة و قال:

فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة
كمهر قطام من فصيح و أعجم‏

ثلاثة آلاف و عبد و قينة
و ضرب علىّ بالحسام المصمم‏

فلا مهر أغلا من علىّ و إن غلا
و لا فتك إلّا دون فتك ابن ملجم‏

فأقسمت بالبيت الحرام و من أتى‏
اليه جهارا من محلّ و محرم‏

لقد خاب من يسعى لقتل إمامه
و ويل له من حرّ نار جهنم‏

إلى آخر ما أنشد من الأبيات ثمّ قال لها: أجّلينى ليلتى هذه حتّى أنظر في أمرى و آتيك غدا بما يقوى عليه عزمي.

فلما همّ بالخروج أقبلت إليه و ضمّته إلى صدرها و قبّلت ما بين عينيه و أمرته بالاستعجال في أمرها و سايرته إلى باب الدّار و هي تشجعه و انشدت له أبيات، فخرج الملعون من عنده و قد سلبت فؤاده و أذهبت رقاده و رشاده، فبات ليلته قلقا متفكّرا فمرّة يعاتب نفسه و مرّة يفكّر في دنياه و آخرته.

فلما كانت وقت السّحر أتاه طارق فطرق الباب فلما فتحه إذا برجل من بني عمّه على نجيب و إذا هو رسول من إخوته إليه يعزّونه في أبيه و عمّه و يعرفونه أنّه خلّف مالا جزيلا و أنّهم دعوه سريعا ليحوز ذلك المال.

فلما سمع ذلك بقى متحيرا في أمره إذ جاءه ما يشغله عمّا عزم عليه من أمر قطام فلم يزل مفكرا في أمره حتّى عزم على الخروج، و كان له اخوان لأبيه و امه كانت من زبيد يقال لها عدنية و هى ابنة عليّ بن ماشوج و كان أبوه مراديا، و كانوا يسكنون عجران صنعا.

فلمّا وصل إلى النّجف ذكر قطام و منزلتها في قلبه و رجع إليها فلمّا طرق الباب اطلعت عليه و قالت من الطارق فعرفته على حالة السّفر فنزلت إليه و سلّمت عليه و سألته عن حاله فأخبرها بخبره و وعدها بقضاء حاجتها إذا رجع من سفره و تملكها جميع ما يجي‏ء به من المال، فعدلت عنه مغضبة فدنى منها و قبّلها و ودّعها و حلف لها أنّه يبلغها مأمولها في جميع ما سألته.

فخرج و جاء إلى أمير المؤمنين و أخبره بما جاءوا إليه لأجله و سأله أن يكتب إلى ابن المنتجب كتابا ليعينه على استخلاص حقّه فأمر كاتبه فكتب له ما أراد ثمّ أعطاه فرسا من جياد خيله فخرج و سار سيرا حثيثا حتّى وصل إلى بعض أودية اليمن، فأظلم عليه الليل فبات في بعضها، فلمّا مضى من الليل نصفه إذا هو بزعقة عظيمة من صدر الوادي و دخان يفور و نار مضرمة فانزعج لذلك و تغيّر لونه و نظر إلى صدر الوادي و إذا بالدّخان قد أقبل كالجبل العظيم و هو واقع عليه و النّار تخرج من جوانبه، فخرّ مغشيّا عليه فلمّا أفاق و إذا بها تف يسمع صوته و لا يرى شخصه و هو يقول:

اسمع و ع القول يا بن ملجم
إنّك في أمر مهول معظم‏

تضمر قتل الفارس المكرّم‏
أكرم من طاف و لبّى و احرم‏

ذاك علىّ ذو التقاء الأقدم
فارجع إلى اللّه لكيلا تندم‏

فلما سمع توهّم أنّه من طوارق الجنّ و إذا بالهاتف يقول: يا شقيّ ابن الشّقي أمّا ما أضمرت من قتل الزّاهد العابد العادل الرّاكع السّاجد امام الهدى و علم التّقى و العروة الوثقى فانّا علمنا بما تريد أن تفعله بأمير المؤمنين و نحن من الجنّ الذين أسلمنا على يديه و نحن نازلون بهذا الوادي فانّا لا ندعك تبيت فيه فانّك ميشوم على نفسك ثمّ جعلوا يرمونه بقطع الجنادل فصعد فوق شاهق فبات بقيّة ليله.

فلمّا أصبح سار ليلا و نهارا حتّى وصل إلى اليمن و أقام عندهم شهرين و قلبه على حرّ الجمر من أجل قطام ثمّ إنّه أخذ الذى أصابه من المال و المتاع و الأثاث ‏و الجواهر و خرج.

فبينا هو في بعض الطريق إذا خرجت عليه حراميّة فسايرهم و سايروه فلمّا قربوا من الكوفة حاربوه و أخذوا جميع ما كان معه و نجى بنفسه و فرسه و قليل من الذهب على وسطه و ما كان تحته، فهرب على وجهه حتّى كاد أن يهلك عطشا.

و أقبل سايرا في الفلاة مهموما جايعا عطشانا فلاح له شبح فقصده، فاذا بيوت من أبيات الحرب فقصد منها بيتا فنزل عندهم و استسقاهم شربة ماء فسقوه و طلب لبنا فأتوه به فنام ساعة.

فلمّا استيقظ أتاه رجلان و قدما إليه طعاما فأكل و أكلا معه و جعلا يسألانه عن الطريق فأخبرهما، ثمّ قالا له: ممّن الرّجل قال: من مراد، قالا: اين تقصد قال: الكوفة، قالا: كانّك من أصحاب أبي تراب قال: نعم، فاحمرّت أعينهما غيظا و عزما على قتله ليلا، و أسرّا ذلك و نهضا، فتبيّن له ما عزما عليه فندم على كلامه.

فبينما هو متحير إذ أقبل كلبهم و نام قريبا منهم، فأقبل اللعين يمسح بيده على الكلب و يشفق عليه و يقول مرحبا بكلب قوم أكرموني فاستحسنا ذلك و سألاه ما اسمك قال: عبد الرّحمن بن ملجم، فقالا له: ما اردت بصنعك هذا في كلبنا فقال: أكرمته لأجلكم حيث اكرمتموني فوجب علىّ شكركم و كان هذا منه خديعة و مكرا فقالا: اللّه اكبر الآن و اللّه وجب حقّك علينا و نحن نكشف لك عمّا في ضمائرنا.

نحن نرى رأى الخوارج و قد قتل أعمانا و أخوالنا و أهالينا كما علمت، فلما أخبرتنا أنّك من أصحابه عزمنا على قتلك في هذه اللّيلة فلمّا رأينا صنعك هذا بكلبنا صفحنا عنك و نحن الآن نطلعك على ما قد عزمنا عليه فسألهما عن أسمائهما فقال أحدهما أنا البرك بن عبد اللّه التميمي، و هذا عبد اللّه بن عثمان العنبرى صهرى.

و قد نظرنا إلى ما نحن عليه من مذهبنا فرأينا أنّ فساد الأرض و الأمة كلّها من ثلاثة نفر أبو «أبي ظ» تراب، و معاوية و عمرو بن العاص، فامّا أبو تراب فانّه قتل رجالنا كما رأيت و افتكرنا أيضا في الرّجلين معاوية و ابن العاص و قد وليا علينا هذا الظالم الغشوم بسر بن أرطاة يطرقنا في كلّ وقت و يأخذ أموالنا و قد عزمنا على قتل هؤلاء الثلاثة فاذا قتلناهم توطات الأرض و اقعد النّاس لهم اماما يرضونه.

فلمّا سمع ابن ملجم كلامهما صفق باحدى يديه على الأخرى و قال: و الذي فلق الحبّة و برء النسمة و تردّى بالعظمة إنّي لثالثكما و إنّي موافقكما على رأيكما و أنا أكفيكما أمر عليّ بن أبي طالب.

فنظرا إليه متعجّبين من كلامه قال و اللّه ما أقول لكما إلّا حقّا، ثمّ ذكر لهما قصّته فلمّا سمعا كلامه عرفا صحّته و قالا إنّ قطام من قومنا و أهلها كانوا من عشيرتنا فنحن نحمد اللّه على اتّفاقنا فهذا لا يتمّ إلّا بالايمان المغلظة فنركب الآن مطايانا و نأتي الكعبة و نتعاقد عندها على الوفاء فلمّا أصبحوا و ركبوا حضر عندهم بعض قومهم فأشاروا عليهم و قالوا لا تفعلوا ذلك فما منكم أحد إلا و يندم ندامة عظيمة، فلم يقبلوا و ساروا جميعا حتّى أتوا البيت و تعاهدوا عنده.

فقال البرك: أنا لعمرو بن العاص، و قال العنبري: أنا لمعاوية، و قال ابن ملجم لعنه اللّه: أنا لعليّ، فتحالفوا على ذلك بالأيمان المغلّظة و دخلوا المدينة و حلفوا عند قبر النبيّ على ذلك ثمّ افترقوا و قد عينوا يوما معلوما يقتلون فيه الجميع، ثمّ سار كلّ منهم على طريقه.

فاما البرك فأتى المصر و دخل الجامع و أقام فيه أيّا ما، فخرج عمرو بن العاص ذات يوم إلى الجامع و جلس فيه بعد صلاته فجاء البرك إليه و سلّم عليه ثمّ حادثه في فنون الأخبار و طرف الكلام و الأشعار، فشعف به عمرو بن العاص و قرّبه و أدناه و صار يأكل معه على مائدة واحدة، فأقام إلى الليلة التي تواعدوا فيها فخرج إلى نيل مصر و جلس مفكرا فلمّا غربت الشّمس أتى الجامع و جلس فيه.

فلمّا كان وقت الافطار افتقده عمرو بن العاص فلم يره فقال لولده: ما فعل صاحبنا و أين مضى فانّى لا أراه فبعث إليه يدعوه فقال له: إنّ هذه الليلة ليست كالليالي و قد أحببت أن أقيم ليلتي هذه في الجامع رغبة فيما عند اللّه و احبّ أن اشرك للأمير في ذلك.

فلمّا رجع إليه و أخبره بذلك سرّه سرورا عظيما و بعث إليه مائدة فاكل و بات ليلته ينتظر قدوم عمرو، و كان هو الذي يصلّي بهم فلمّا كان عند طلوع الفجر أقبل المؤذّن إلى باب عمرو و أذّن و قال: الصّلاة يرحمك اللّه الصّلاة.

فانتبه فأتى بالماء و توضّأ و تطيّب و ذهب ليخرج إلى الصّلاة فزلق فوقع على جنبه فاعتوره عرق النّساء فاشغلته (فشغلته خ ل) عن الخروج، فقال قدّموا خارجة ابن تميم القاضي يصلّى بالنّاس، فأتى القاضى و دخل المحراب في غلس فجاء البرك فوقف خلفه و سيفه تحت ثيابه و هو لا يشك أنّه عمرو فأمهله حتّى سجد و جلس من سجوده فسلّ سيفه و نادى.

لا حكم إلّا اللّه و لا طاعة لمن عصى اللّه ثمّ ضربه بالسّيف على أمّ رأسه فقضى نحبه لوقته، فبادر النّاس و قبضوا عليه و أخذوا سيفه من يده و أوجعوه ضربا و قالوا له: يا عدوّ اللّه قتلت رجلا مسلما ساجدا في محرابه فقال: يا حمير أهل مصر إنّه يستحق القتل قالوا: بماذا ويلك قال: لسعيه في الفتنة لأنّه الدّاهية الدّهماء الذي أثار الفتنة و نبذها و قوّاها و زيّن لمعاوية محاربة عليّ.

فقالوا له: يا ويلك من تعنى قال: الطاغى الباغي الكافر الزّنديق عمرو بن العاص الذي شقّ عصا المسلمين و هتك حرمة الدّين، قالوا: لقد خاب ظنّك و طاش سهمك إنّ الذي قتلته ما هو إنّما هو خارجة، فقال يا قوم المعذرة إلى اللّه و اليكم فو اللّه ما أردت خارجة و إنّما أردت قتل عمرو.

فأوثقوه كتافا و أتوا به إلى عمرو، فلمّا رآه قال: أليس هذا هو صاحبنا الحجازي قالوا له: نعم قال: ما باله قالوا: إنّه قد قتل خارجة فدهش عمرو لذلك و قال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.

ثمّ التفت إليه و قال: يا هذا لم فعلت ذلك فقال له و اللّه يا فاسق ما طلبت غيرك و لا أردت سواك، قال: و لم ذلك قال: إنّا ثلاثة تعاهدنا بمكّة على قتلك و قتل عليّ بن أبي طالب و قتل معاوية في هذه الليلة، فان صدق صاحباى فقد قتل عليّ بالكوفة و معاوية بالشّام و أمّا أنت فقد سلمت، فقال عمرو: يا غلام احبسه حتّى نكتب إلى معاوية، فحبسه‏ حتّى أمره معاوية بقتله فقتله.

و أما عبد اللّه العنبري فقصد دمشق و استخبر عن معاوية فارشد إليه فجعل يتردّد إلى داره فلا يتمكّن من الدّخول عليه إلى أن أذن معاوية يوما للنّاس إذنا عاما فدخل إليه مع النّاس و سلّم عليه و حادثه ساعة و ذكر له ملوك قحطان و من له كلام مصيب حتّى ذكر له بني عمّه و هم أوّل ملوك قحطان و شيئا من أخبارهم فلمّا تفرّقوا بقى عنده مع خواصّ أصحابه و كان فصيحا خبيرا بأنساب العرب و أشعارهم.

فأحبّه معاوية حبا شديدا فقال: قد أذنت لك في كلّ وقت نجلس فيه أن تدخل علينا من غير مانع و لا دافع، فكان يتردّد إليه إلى ليلة تسع عشرة و كان قد عرف المكان الذي يصلّى فيه معاوية.

فلمّا أذن المؤذّن للفجر و أتى معاوية المسجد و دخل محرابه ثار إليه بالسّيف و ضربه فراغ عنه، فأراد ضرب عنقه فانصاع عنه فوقع السّيف في إليته و كانت ضربته ضربة جبان، فقال معاوية: لا يفوتنّكم الرّجل فاستخلف بعض أصحابه للصّلاة و نهض إلى داره.

و أمّا العنبرى فأخذه النّاس و أونقوه و أتوا به إلى معاوية و كان مغشيّا عليه فلمّا أفاق قال له: ويلك يا لكع لقد خاب ظنّي فيك ما الذى حملك على هذا فقال له: دعنى من كلامك اعلم أنّنا ثلاثة تحالفنا على قتلك و قتل عمرو بن العاص و عليّ بن أبي طالب فان صدقا صاحباى فقد قتل عليّ و عمرو، و أمّا أنت فقد روغ أجلك كروغك الثعلب.

فقال له معاوية: على رغم أنفك فامر به إلى الحبس فأتاه الساعدى و كان طبيبا فلمّا نظر إليه قال له، اختر إحدى الخصلتين إمّا أن احمي حديدة فأضعها موضع السّيف، و إمّا أن أسقيك شربة تقطع منك الولد و تبرء منها، لأنّ ضربتك مسمومة فقال معاوية أمّا النّار فلا صبر لي عليها، و أمّا انقطاع الولد فانّ في يزيد و عبد اللّه ما تقرّ به عيني، فسقاه الشّربة فبرى‏ء و لم يولد له بعدها.

و أما ابن ملجم لعنه اللّه فانّه سار حتّى دخل الكوفة و اجتاز على الجامع و كان أمير المؤمنين جالسا على باب كندة فلم يدخله و لم يسلّم عليه، و كان إلى جانبه الحسن و الحسين و معه جماعة من أصحابه فلمّا نظروا إلى ابن ملجم و عبوره قالوا: ألا ترى إلى ابن ملجم عبر و لم يسلّم عليك قال عليه السّلام: دعوه فانّ له شأنا من الشّأن، و اللّه ليخضبنّ هذه من هذه و أشار إلى لحيته و هامته ثمّ قال عليه السّلام.

ما من الموت لانسان نجا
كلّ امرء لا بدّ يأتيه الفنا

تبارك اللّه و سبحانه‏
لكلّ شي‏ء مدّة و انتها

يقدر الانسان في نفسه
امرا و يأتيه عليه القضاء

لا تامننّ الدهر في أهله‏
لكلّ شي‏ء آخر و انقضاء

بين ترى الانسان في غبطة
يمسى و قد حلّ عليه القضا

ثمّ جعل يطيل النّظر إليه حتّى غاب عن عينه و أطرق الأرض يقول: إنّا للّه و انّا إليه راجعون و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العلىّ العظيم.

قال: و سار ابن ملجم حتّى وصل إلى دار قطام و كانت قد ايست من رجوعه إليها، و عرضت نفسها على بني عمها و عشيرتها و شرطت عليهم قتل أمير المؤمنين فلم يقدم أحد على ذلك، فلما طرق الباب قالت من الطارق قال: أنا عبد الرّحمن، ففرحت قطام به و خرجت إليه و اعتنقته و ادخلته دارها و فرشت له فرش الدّيباج و احضرت له الطعام و المدام فاكل و شرب حتّى سكر و سألته عن حاله فحدثها بجميع ما جرى له في طريقه.

ثمّ أمرته بالاغتسال و تغيير ثيابه، ففعل ذلك و امرت جارية لها ففرشت الدّار بأنواع الفرش و حضرت له شرابا و جوارى فشرب مع الجوار و هن يلعبن له بالعيدان و المعازف«» و الدّفوف فلما أخذ الشّراب منه أقبل عليها و قال: ما بالك لا تجالسينى و لا تحادثينى يا قرّة عيني و لا تمازحينى، فقالت له: بلى سمعا و طاعة ثمّ انّها نهضت و دخلت إلى خدرها و لبست أفخر ثيابها و تزينت و تطيبت و خرجت إليه و قد كشفت له عن رأسها و صدرها و نهودها و أبرزت له عن فخذها و هي في طاق غلالة رومي يبيّن له منها جميع جسدها و هى تتبختر في مشيتها و الجوار حولها يلعبن.

فقام الملعون و اعتنقها و ترشقها«» و حملها حتّى أجلسها مجلسها و قد بهت و تحير و استحوذ عليه الشّيطان فضربت بيدها على زرّ قميصها فحلّته و كان فى حلقها عقد جوهر ليست له قيمة فلما أراد مجامعتها لم تمكّنه من ذلك فقال لم تمانعينى عن نفسك و أنا و أنت على العهد الذي عاهدناك عليه من قتل عليّ و لو أحببت لقتلت معه شبليه الحسن و الحسين.

ثمّ ضرب يده على هميانه فحلّه من وسطه و رماه إليها و قال خذيه فانّ فيه أكثر من ثلاثة آلاف دينار و عبد و قينة، فقالت له و اللّه لا امكنك من نفسى حتّى تحلف لى بالايمان المغلظة انّك تقتله فحملته القساوة على ذلك و باع آخرته بدنياه و تحكم الشيطان فيه بالايمان المغلظة انّه يقتله و لو قطعوه اربا اربا.

فمالت إليه عند ذلك و قبلته و قبلها فأراد وطيها فمانعته و بات عندها تلك الليلة من غير نكاح فلما كان من الغد تزوّج بها سرّا و طاب قلبه فلما أفاق من سكرته ندم على ما كان منه و عاتب نفسه و لعنها فلم تزل ترادعه في كلّ ليلة و تعده بوصالها فلما دنت الليلة الموعودة مدّيده إليها ليضاجعها و يجامعها فأبت عليه و قالت ما يكون ذلك إلّا أن تفى بوعدك و كان الملعون اعتلّ علّة شديدة فبرء منها، و كانت الملعونة لا تمكنه من نفسها مخافة أن تبرد ناره فيخلّ بقضاء حاجتها.

فقال لها يا قطام: اقتل لك في هذه الليلة علىّ بن أبي طالب فأخذ سيفه و مضى به إلى الصّيقل فأجاد صقاله و جاء به إليها فقالت إنّى اريد أن اعمل فيه سمّا قال: و ما تصنع بالسّم لو وقع على جبل لهده، فقالت: دعنى أعمل فيه السّم فانّك لو رأيت عليّا لطاش عقلك و ارتعشت يداك و ربّما ضربته ضربة لا تعمل فيه‏ شيئا، فاذا كان مسموما فان لم تعمل الضّربة عمل السّم.

فقال لها: يا ويلك أ تخوفيني من عليّ فو اللّه لا أرهب عليّا و لا غيره، فقالت له: دعنى من قولك هذا فانّ عليّا ليس كمن لا قيت من الشجعان فاطرت في مدحه و ذكرت شجاعته و كان غرضها أن يحمل الملعون على الغضب و يحرّضه على الأمر فأخذت السّيف و انفذته إلى الصّيقل فسقاه السّم و ردّه إلى غمده.

و كان ابن ملجم قد خرج في ذلك اليوم و يمشي في أزقة الكوفة فلقاه صديق له و هو عبد اللّه بن جابر الحارثي فسلّم عليه و هنّأ بزواج قطام، ثمّ تحادثا ساعة فحدّثه بحديثه من أوله إلى آخره فسّر بذلك سرورا عظيما، فقال له: أنا اعاونك.

فقال ابن ملجم: دعني من هذا الحديث فانّ عليّا أروغ من الثّعلب و أشدّ من الاسد، ثم مضى ابن ملجم لعنه اللّه يدور في شوارع الكوفة، فاجتاز على أمير المؤمنين و هو جالس عند ميثم التّمار فخطف عنه كيلا يراه ففطن به فبعث خلفه رسولا فلما أتاه وقف بين يديه و سلم عليه و تضرّع لديه.

فقال له: ما تعمل ههنا قال: أطوف في أسواق الكوفة و أنظر إليها، فقال عليك بالمساجد فانّها خير لك من البقاع كلّها و شرّها الاسواق ما لم يذكر اسم اللّه فيها ثمّ حادثه ساعة و انصرف.

فلما ولى جعل أمير المؤمنين يطيل النظر إليه و يقول يالك من عدوّ لى من مراد ثمّ قال: اريد حياته و يريد قتلى، و يأبى اللّه إلّا أن يشاء.

ثمّ قال عليه السّلام يا ميثم هذا و اللّه قاتلي لا محالة أخبرني به حبيبى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال ميثم: يا أمير المؤمنين فلم لا تقتله أنت قبل ذلك فقال: يا ميثم لا يحلّ القصاص قبل الفعل، فقال ميثم يا مولاى إذا لم تقتله فاطرده، فقال: يا ميثم لو لا آية في كتاب اللّه: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

و أيضا انّه بعد ما جنا جناية فيؤخذ بها و لا يجوز أن يعاقب قبل الفعل، فقال ميثم: جعل يومنا قبل يومك و لا أرانا اللّه فيك سوء ابدا و متى يكون ذلك يا أمير المؤمنين فقال: إنّ اللّه تفرّد بخمسة أشياء لا يطلع عليها نبيّ مرسل و لا ملك مقرّب فقال عزّ من قائل: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية.

يا ميثم هذه خمسة لا يطلع عليها إلّا اللّه و ما اطلع عليها نبىّ و لا وصيّ و لا ملك مقرّب، يا ميثم لا حذر من قدر، يا ميثم إذا جاء القضاء فلا مفرّ، فرجع ابن ملجم و دخل على قطام لعنهما اللّه و كانت تلك الليلة ليلة تسع عشر من شهر رمضان.

قالت امّ كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السّلام لما كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان قدمت إليه عند افطاره طبقا فيه قرصان من خبز الشّعير و قصعة فيها لبن و ملح جريش، فلما فرغ من صلاته أقبل على فطوره، فلما نظر إليه و تأمله حرك رأسه و بكى بكاء شديدا عاليا و قال: يا بنية ما ظننت أنّ بنتا تسوء أباها كما قد أسات أنت إلىّ، قالت: و ما ذا يا أبا قال: يا بنية أتقدّمين إلى أبيك ادامين في فرد طبق واحد أ تريد بن أن يطول وقوفى غدا بين يدي اللّه عزّ و جل يوم القيامة أنا اريد أن أتبع أخى و ابن عمّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما قدم إليه طعامان في طبق واحد إلى أن قبضه اللّه.

يا بنية ما من رجل طاب مطعمه و مشربه و ملبسه إلّا طال وقوفه بين يدي اللّه عزّ و جل يوم القيامة، يا بنية انّ الدّنيا في حلالها حساب و في حرامها عقاب.

و قد أخبرنى حبيبي رسول اللّه أنّ جبرئيل نزل إليه و معه مفاتيح كنوز الأرض و قال: يا محمّد اللّه يقرؤك السّلام و يقول لك ان شئت سيّرت معك جبال تهامة ذهبا و فضة و خذ هذه مفاتيح كنوز الأرض و لا ينقص ذلك من حظك يوم القيامة، قال:

يا جبرئيل و ما يكون بعد ذلك قال الموت، فقال: إذن لا حاجة لي في الدّنيا دعنى أجوع يوما و أشبع يوما، فاليوم الذى أجوع فيه أتضرّع إلى ربي و أسأله، و اليوم الذى أشبع فيه أشكر ربّى و أحمده، فقال له جبرئيل: وفّقت لكلّ خير ثم قال: يا بنية الدّنيا دار غرور و دار هو ان فمن قدّم شيئا وجده، يا بنية و اللّه لا آكل شيئا حتّى ترفعين أحد الادامين، فلما رفعته تقدّم إلى الطعام فأكل قرصا واحدا بالملح الجريش.

ثمّ حمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قام إلى صلاته فصلى فلم يزل راكعا و ساجدا و مبتهلا و متضرّعا إلى اللّه سبحانه و يكثر الدّخول و الخروج و هو ينظر إلى السّماء و هو قلق يتململ، ثم قرء سورة يس حتّى ختمها، ثمّ رقد هنيئة و انتبه مرعوبا و جعل يمسح وجهه بثوبه و نهض قائما على قدميه و هو يقول: اللهمّ بارك لنا في لقائك و يكثر من قول لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العلىّ العظيم، ثمّ صلّى حتّى ذهب بعض الليل، ثمّ جلس للتعقيب، ثمّ نامت عيناه و هو جالس، ثمّ انتبه من نومته مرعوبا.

قالت ام كلثوم كانّى به و قد جمع أولاده و أهله و قال لهم في هذا الشّهر تفقدوني إنّي رأيت في هذه الليلة رؤياها لتنى و اريد أن أقصّها عليكم، قالوا: و ما هي قال: إنى رأيت الساعة رسول اللّه في منامي و هو يقول لي: يا أبا الحسن إنّك قادم إلينا عن قريب يجي‏ء اليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك و أنا و اللّه مشتاق إليك و إنّك عندنا في العشر الآخر من شهر رمضان فهلمّ إلينا فما عندنا خير لك و أبقى.

قال: فلما سمعوا كلامه ضجّوا بالبكاء و النحيب و أبدوا العويل فاقسم عليهم بالسّكوت فسكتوا، ثمّ أقبل عليهم يوصيهم و يأمرهم بالخير و ينهيهم عن الشّر.

قالت أمّ كلثوم فلم يزل تلك الليلة قائما و قاعدا و راكعا و ساجدا، ثمّ يخرج‏ ساعة بعد ساعة يقلّب طرفه في السماء و ينظر في الكواكب و هو يقول و اللّه ما كذبت و لا كذبت و إنها الليلة التي وعدت بها.

ثمّ يعود إلى مصلّاه و يقول. اللهمّ بارك لى في الموت و يكثر من قول إنا للّه و إنّا إليه راجعون و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم و يصلّي على النبيّ و آله و يستغفر اللّه كثيرا.

قالت ام كلثوم: فلما رأيته في تلك الليلة فلقا متململا كثير الذّكر و الاستغفار أرقت معه ليلتي و قلت يا ابتاه مالي أراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرّقاد، قال: يا بنية إنّ أباك قتل الابطال و خاض الأهوال و ما دخل الجوف له خوف و ما دخل في قلبي رعب أكثر ممّا دخل في هذه الليلة، ثمّ قال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، فقلت: يا أباه مالك تنعي نفسك منذ الليلة، قال: يا بنية قد قرب الأجل و انقطع الأمل قالت أمّ كلثوم: فبكيت، فقال لي: يا بنية لا تبكين فانّي لم أقل ذلك إلّا بما عهد إلىّ النبيّ، ثمّ أنّه عليه السّلام نعس و طوى ساعة ثمّ استيقظ من نومه، و قال يا بنية اذا قرب وقت الاذان فأعلمينى، ثمّ رجع إلى ما كان عليه أوّل الليل من الصّلاة و الدّعاء و التضرّع إلى اللّه سبحانه.

قالت أمّ كلثوم فجعلت أرقب وقت الأذان فلما لاح الوقت أتيته و معي إناء فيه ماء ثمّ ايقظته اسبغ الوضوء و قام و لبس ثيابه و فتح بابه، ثمّ نزل إلى الدّار و كان فى الدار اوز قد اهدى إلى أخى الحسين فلما نزل خرجن و رائه و رفرفن و صحن في وجهه و كان قبل تلك لم يصحن، فقال: لا إله إلّا اللّه.

صوارخ تتبعها نوايح
و في غداة غد يظهر القضا

فقلت له: يا أبا هكذا تتطير، فقال: يا بنية ما منّا أهل البيت من يتطير و لا يتطير به و لكن قول جرى على لساني، ثمّ قال: يا بنية بحقّي عليك إلّا ما أظلقتيه فقد حبست ما ليس له لسان و لا يقدر على الكلام إذا جاع أو عطش فأطعميه و اسقيه و إلّا خلّى سبيله يأكل من حشايش الأرض، فلما وصل إلى الباب فعالجه ليفتحه فانحل مئزره حتّى سقط فأخذه و شدّه و هو يقول:

اشدد حيازيمك للموت فانّ الموت لاقيكا
و لا تجزع من الموت إذا حلّ بناديكا

و لا تغتر بالدّهر و ان كان يواتيكا
كما أضحكك الدّهر كذاك الدهر يبكيكا

ثمّ قال: اللهمّ بارك لنا في الموت اللهمّ بارك لي في لقاءك.

قالت أمّ كلثوم: و كنت أمشى خلفه فلما سمعته يقول ذلك، قلت: و اغوثاه يا أبتاه أراك تنعي نفسك منذ الليلة، قال: يا بنية ما هو بنعاء و لكنها دلالات و علامات للموت تتبع بعضها بعضا فامسكي عن الجواب، ثمّ فتح الباب و خرج.

قالت أمّ كلثوم: فجئت إلي أخي الحسن فقلت يا أخى قد كان من أمر أبيك الليلة كذا و كذا، و هو قد خرج في هذا الليل الغلس فالحقه، فقام الحسن بن عليّ عليه السّلام و تبعه فلحق به قبل أن يدخل الجامع فقال: يا أباه ما اخرجك في هذه السّاعة و قد بقى من الليل ثلثه.

فقال: يا حبيبي و يا قرّة عيني خرجت لرؤيا رأيتها في هذه الليلة هالتني و أزعجتني و أقلقتنى، فقال له: خيرا رأيت و خيرا يكون فقصّها علىّ، فقال: يا بنيّ رأيت كان جبرئيل قد نزل من السّماء على جبل أبي قبيس فتناول منه حجرين و مضى بهما إلى الكعبة و تركهما على ظهرها و ضرب أحدهما على الآخر فصار كالرّميم، ثمّ ذراهما«» في الرّيح فما بقى بمكّة و لا بالمدينة بيت إلّا و دخله من ذلك الرّماد فقال له يا أبت و ما تأويلها فقال: يا بنيّ إن صدقت رؤياى فانّ أباك مقتول و لا يبقى بمكّة حينئذ و لا بالمدينة بيت إلّا و يدخله من ذلك غمّ و مصيبة من أجلي، فقال الحسن عليه السّلام و هل تدري متى يكون ذلك يا أبت قال: يا بنيّ انّ اللّه يقول: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ.

و لكن عهد إلىّ حبيبي رسول اللّه أنّه يكون في العشر الآخر من شهر رمضان يقتلني ابن ملجم المرادى، فقلت له يا أبتاه إذا علمت ذلك منه فاقتله، قال: يا بنيّ لا يجوز القصاص قبل الجناية و الجناية لم تحصل منه، يا بنيّ لو اجتمع الثقلان الانس و الجن على أن يدفعوا ذلك لما قدروا، يا بنىّ ارجع إلى فراشك، فقال الحسن يا أبتاه أريد أمضى معك إلى موضع صلاتك.

فقال له: اقسمت بحقّي عليك إلّا ما رجعت إلى فراشك لئلا يتنغص عليك نومك و لا تعصنى في ذلك، قال فرجع الحسن فوجد اخته امّ كلثوم قائمة خلف الباب تنتظره فدخل فأخبرها بذلك و جلسا يتحادثان و هما محزونان حتى غلب عليها النعاس فقاما و دخلا إلى فراشهما و ناما.

قال أبو مخنف و غيره: و سار أمير المؤمنين حتّى دخل المسجد و القناديل قد خمد ضوئها فصلّى في المسجد و تمّ و رده و عقّب ساعة ثمّ إنّه قام و صلّى ركعتين ثمّ علا المأذنة و وضع سبابتيه في اذنيه و تنحنح، ثمّ أذّن و كان صلوات اللّه عليه إذا أذّن لم يبق في الكوفة بيت إلّا اخترقه صوته.

قال الرّاوى: و أمّا ابن ملجم فبات في تلك الليلة يفكّر في نفسه و لا يدرى ما يصنع فتارة يعاتب نفسه و يوبّخها و يخاف من عقبى فعله فيهمّ أن يرجع عن ذلك، و تارة يذكر قطام لعنها اللّه و حسنها و جمالها و كثرة مالها فتميل نفسه اليها، فبقى عامة ليله يتقلّب على فراشه و هو يترنّم بشعره ذلك إذا أتته الملعونة و نامت معه في فراشه و قالت يا هذا من يكون على هذا العزم يرقد.

فقال لها و اللّه إنّي أقتله لك السّاعة فقالت اقتله و ارجع إلىّ قرير العين مسرورا و افعل ما تريد فانّى منتظرة لك، فقال لها بل اقتله و ارجع إليك سخين العين منحوسا محسورا، فقالت أعوذ باللّه من تطيرك الوحش.

قال فوثب الملعون كأنّه الفحل من الابل قال هلمّي الىّ بالسّيف، ثمّ انّه اتّزر بمئزر و اتّشح«» بازار و جعل السّيف تحت الازار من بطنه، و قال افتحى لي‏الباب ففي هذه السّاعة اقتل لك عليّا، فقامت فرحة مسرورة و قبلت صدره و بقى يقبّلها و يترشقها ساعة ثمّ راودها عن نفسها فقالت: هذا عليّ أقبل الى الجامع و أذّن فقم إليه فاقتله ثمّ عد إلىّ فها أنا منتظرة رجوعك، فخرج من الباب و هي خلفه تحرّضه بهذه الابيات:

أقول إذا ما حيّة أعيت الرّقا
و كان ذعاف«» الموت منه شرابها

دسسنا إليها في الظلام ابن ملجم‏
همام إذا ما الحرب شبّ لها بها

فخذها عليّ فوق رأسك ضربة
بكفّ سعيد سوف يلقا ثوابها

قال الرّاوى: فالتفت إليها و قال أفسدت و اللّه الشّعر في هذا البيت الآخر، قالت: و لم ذلك قال لها: هلّا قلت

بكف شقيّ سوف يلقا عقابها

قال مصنّف هذا الكتاب قدّس اللّه روحه: هذا الخبر غير صحيح بل إنّا كتبناه كما وجدناه، و الرّواية الصحيحة أنّه بات في المسجد و معه رجلان أحدهما شبيب ابن بحيرة و الآخر وردان بن مجالد يساعدانه على قتل عليّ، فلمّا أذّن نزل من المأذنة و جعل يسبّح اللّه و يقدّسه و يكبّره و يكثر من الصّلاة على النّبيّ.

قال الرّاوى: و كان من أكرم أخلاقه أن يفتقد النّائمين في المسجد و يقول للنّائم: الصلاة يرحمك اللّه الصلاة ثمّ إلى الصلاة المكتوبة ثمّ يتلو.

إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ.

ففعل ذلك كما كان يفعله على جارى عاداته مع النائمين في المسجد حتى إذا بلغ إلى الملعون فرآه نائما على وجهه قال له: يا هذا قم من نومك هذا فانّها نومة يمقتها اللّه و هي نومة الشّيطان و نومة أهل النّار، بل نم على يمينك فانّها نومة العلما أو على يسارك فانّها نومة الحكماء أو على ظهرك فانّها نومة الانبياء.

قال: فتحرّك الملعون كانّه يريد أن يقوم و هو من مكانه لا يبرح فقال له أمير المؤمنين: لقد هممت بشي‏ء تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا، و لو شئت لأنبئك بما تحت ثيابك، ثمّ تركه و عدل عنه إلى محرابه و قام قائما يصلّي و كان يطيل الرّكوع و السّجود في الصّلاة كعادته في الفرائض و النوافل حاضرا قلبه.

فلمّا أحسّ به فنهض الملعون مسرعا و أقبل يمشى حتّى وقف بازاء الاسطوانة التي كان الامام يصلّي عليها، فأمهله حتّى صلّى الرّكعة الاولى و ركع و سجد السجدة الاولى منها، و رفع رأسه فعند ذلك أخذ السّيف و هزّه ثمّ ضربه على رأسه المكرّم الشّريف فوقعت الضّربة على الضّربة التي ضربها عمرو بن عبدود العامرى ثمّ أخذت الضّربة إلى مفرق رأسه إلى موضع السّجود.

فلمّا أحسّ الامام بالضرب لم يتأوّه و صبر و احتسب و وقع على وجهه و ليس عنده أحد قائلا: بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه، ثمّ صاح و قال قتلنى ابن ملجم قتلنى اللّعين ابن اليهودية و ربّ الكعبة أيّها الناس لا يفوتنكم ابن ملجم و سار السمّ في رأسه و بدنه و ثار جميع من في المسجد في طلب الملعون و ماجوا بالسلاح فما كنت أرى إلّا صفق الأيدى على الهامات و علوّ الصرخات.

و كان ابن ملجم ضربه ضربة خائفا مرعوبا، ثمّ ولى هاربا و خرج من المسجد و أحاط الناس بأمير المؤمنين و هو في محرابه يشدّ الضربة و يأخذ التراب و يضعه عليها ثمّ تلا قوله تعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى‏ ثمّ قال: جاء أمر اللّه و صدق رسول اللّه ثمّ إنه لما ضربه الملعون ارتجّت الأرض و باحت البحار و السماوات و اصطفقت أبواب الجامع.

قال: و ضربه اللعين شبيب بن بحيرة، فأخطأه و وقعت الضربة في الطاق.

قال الراوي: فلما سمع الناس الضجة ثار إليه كلّ من كان في المسجد و صاروا يدورون و لا يدرون أين يذهبون من شدّة الصدمة و الدهشة، ثم أحاطوا بأمير المؤمنين و هو يشدّ رأسه بميزره و الدم يجرى على وجهه و لحيته و قد خضبت بدمائه و هو يقول:هذا ما وعد اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله.

قال الرّاوي. فاصطفقت أبواب الجامع و ضجّت الملائكة في السّماء بالدّعاء وهبّت ريح عاصف سوداء مظلمة، و نادى جبرئيل بين السّماء و الأرض بصوت يسمعه كلّ مستيقظ: تهدّمت و اللّه أركان الهدى، و انطمست و اللّه نجوم السّماء، و أعلام التّقى و انفصمت و اللّه العروة الوثقى، قتل ابن عمّ محمّد المصطفى قتل الوصيّ المجتبى قتل عليّ المرتضى، قتل و اللّه سيّد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء.

قال: فلمّا سمعت امّ كلثوم نعى جبرئيل فلطمت على وجهها و خدّها و شقّت جيبها و صاحت وا أبتاه وا عليّاه وا محمّداه وا سيّداه، ثمّ أقبلت إلى أخويها الحسن و الحسين عليهما السّلام فأيقظتهما و قالت لهما لقد قتل أبو كما، فقاما يبكيان فقال لها الحسن يا اختاه كفّي عن البكاء حتّى نعرف صحة الخبر كيلا تشمت الأعداء.

فخرجا فاذا النّاس ينوحون و ينادون وا اماماه وا أمير المؤمنين قتل و اللّه إمام عابد مجاهد لم يسجد لصنم قط كان أشبه النّاس برسول اللّه.

فلمّا سمع الحسن و الحسين صرخات النّاس ناديا وا أبتاه وا عليّاه ليت الموت أعدمنا الحياة، فلمّا و صلا الجامع و دخلا وجدا أبا جعدة بن هبيرة و معه جماعة من النّاس و هم يجتهدون أن يقيموا الامام في المحراب ليصلّي بالناس فلم يطق على النهوض و تأخر عن الصفّ و تقدّم الحسن فصلّى بالناس و أمير المؤمنين يصلّي ايماء عن جلوس و هو يمسح الدّم عن وجهه و كريمه الشريف يميل تارة و يسكن اخرى و الحسن ينادى وا انقطاع ظهراه يعزّ و اللّه علىّ أن أراك هكذا.

ففتح عينه و قال: يا بنيّ لا جزع على أبيك بعد اليوم، هذا جدك محمّد المصطفى و جدّتك خديجة الكبرى و امّك فاطمة الزّهراء و الحور العين محدقون منتظرون قدوم أبيك، فطب نفسا و قرّ عينا و كفّ عن البكاء فانّ الملائكة قدار تفعت أصواتهم إلى السماء.

قال: ثمّ إنّ الخبر شاع في جوانب الكوفة و انحشر الناس حتى المخدّرات خرجن من خدرهن إلى الجامع ينظرن إلى أمير المؤمنين، فدخل الناس الجامع‏ فوجدوا الحسن و رأس أبيه في حجره و قد غسل الدّم عنه و شدّ الضّربة و هي بعدها تشخب دما و وجهه قد زاد بياضا بصفرة و هو يرمق السّماء بطرفه و لسانه يسبّح اللّه و يوحّده و هو يقول: أسألك يا ربّ الرّفيع الأعلى، فأخذ الحسن رأسه في حجره فوجده مغشيّا عليه فعندها بكى بكاء شديدا و جعل يقبّل وجه أبيه و ما بين عينيه و موضع سجوده، فسقط من سجوده «دموعه ظ» قطرات على وجه أمير المؤمنين ففتح عينيه فرآه باكيا فقال: يا بنىّ يا حسن ما هذا البكاء يا بنىّ لاروع على أبيك بعد اليوم هذا جدّك محمّد المصطفى و خديجة و فاطمة و الحور العين محدقون منتظرون قدوم أبيك فطب نفسا و قرّ عينا و اكفف عن البكاء فانّ الملائكة قد ارتفعت أصواتهم إلى السّماء.

يا بنىّ أ تجزع على أبيك و غدا تقتل بعدي مسموما مظلوما و أخوك يقتل بالسيف هكذا و تلحقان بجدّ كما و أبيكما و امّكما فقال له الحسن: ما تعرفنا من قتلك و من فعل بك هذا، قال: قتلنى ابن اليهوديّة عبد الرحمن بن ملجم المرادي، فقال يا أباه من أىّ طريق مضى قال: لا يمضى أحد في طلبه فانّه سيطلع عليكم من هذا الباب و أشار بيده الشّريفة إلى باب كندة.

قال: و لم يزل السّمّ يسرى في رأسه و في بدنه، ثمّ اغمى عليه ساعة و النّاس ينتظرون قدوم الملعون من باب كندة، و اشتغل النّاس بالنّظر إلى الباب و يرتقبون قدوم الملعون و قد غصّ المسجد بالعالم ما بين باك و محزون، فما كان إلّا ساعة و إذا بالصّيحة قد ارتفعت و زمرة من النّاس و قد جاءوا بعدوّ اللّه ابن ملجم مكتوفا و هذا يلعنه و هذا يضربه قال: فوقع النّاس بعضهم على بعض ينظرون إليه فأقبلوا باللعين مكتوفا و هذا يلعنه و هذا يضربه و هم ينهشون لحمه بأسنانهم و يقولون له: يا عدوّ اللّه ما فعلت أهلكت امّة محمّد و قتلت خير النّاس و إنّه لصامت و بين يديه رجل يقال له حذيفة النّخعي بيده سيف مشهور و هو يردّ النّاس عن قتله و هو يقول: هذا قاتل الامام عليّ عليه السّلام حتّى أدخلوه المسجد.

قال الشّعبي: كانّى أنظر إليه و عيناه قد طار في أمّ رأسه كانّهما قطعتا علق و قد وقعت في وجهه ضربة قد هشمت وجهه و أنفه و الدم يسيل على صدره و هو ينظر يمينا و شمالا و عيناه قد طارتا في أمّ رأسه و هو أسمر اللون حسن الوجه و في وجهه اثر السّجود و كان على رأسه شعر أسود منثور على وجهه كانّه الشّيطان الرّجيم، فلما حاذانى سمعته يترنّم بهذه الأبيات:

أقول لنفسي بعد ما كنت انهها
و قد كنت أسناها و كنت أكيدها

أيا نفس كفّي عن طلابك و اصبرى‏
و لا تطلبى همّا عليك يبيدها

فما قبلت نصحى و قد كنت ناصحا
كنصح ولود غاب عنها وليدها

فما طلبت إلّا عنائى و شقوتي‏
فيا طول مكثى في الجحيم بعيدها

فلما جاءوا به أوقفوه بين يدي أمير المؤمنين فلما نظر إليه الحسن عليه السّلام قال له: يا ويلك يا لعين يا عدوّ اللّه أنت قاتل أمير المؤمنين و امام المسلمين، هذا جزاؤه منك حيث آواك و قرّبك و أدناك و آثرك على غيرك، و هل كان بئس الامام لك حتّى جازيته هذا الجزاء يا شقي.

قال: فلم يتكلّم بل دمعت عيناه فانكبّ الحسن عليه السّلام على أبيه يقبّله و قال له: هذا قاتلك يا أباه قد أمكن اللّه منه فلم يجبه عليه السّلام و كان نايما فكره أن يوقظه من نومه، ثمّ التفت إلى ابن ملجم و قال له: يا عدوّ اللّه هذا كان جزاؤه منك بوّاك و أدناك و قرّبك و حباك و فضلك على غيرك هل كان بئس الامام حتّى جازيته هذا الجزاء يا شقىّ الاشقياء.

فقال له الملعون يا أبا محمّد أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ فعند ذلك ضجّت النّاس بالبكاء و النحيب فأمرهم الحسن عليه السّلام بالسكوت.

ثمّ التفت الحسن عليه السّلام إلى الذى جاء به حذيفة رضى اللّه عنه، فقال له: كيف ظفرت بعدوّ اللّه و أين لقيته: فقال: يا مولاى إنّ حديثي معه لعجيب.

و ذلك إنّى كنت البارحة نائما في داري و زوجتي إلى جانبي و هي من غطفان و أنا راقد و هي مستيقظة إذ سمعت هي الزّعقة و ناعيا ينعي أمير المؤمنين و هو يقول: تهدّمت و اللّه أركان الهدى، و انطمست و اللّه أعلام التّقى، قتل ابن عمّ محمّد المصطفى‏ قتل عليّ المرتضى قتله أشقى الاشقياء، فأيقظتني و قالت لي أنت نائم و قد قتل إمامك عليّ بن أبي طالب.

فانتبهت من كلامها فزعا مرعوبا و قلت لها: يا ويلك ما هذا الكلام رضّ اللّه فاك لعلّ الشّيطان قد ألقي في سمعك هذا أو حلم القي عليك، يا ويلك إنّ أمير المؤمنين ليس لأحد من خلق اللّه قبله تبعة و لا ظلامة و إنّه لليتيم كالأب الرّحيم و للأرملة كالزّوج العطوف، و بعد ذلك فمن الذى يقدر على قتل عليّ أمير المؤمنين و هو الأسد الضّرغام و البطل الهمام و الفارس القمقام.

فاكثرت عليّ و قالت: انّى سمعت ما لم تسمع و علمت ما لم تعلم، فقلت لها و ما سمعت فأخبرتني بالصّوت، فقالت سمعت ناديا ينادى بأعلى صوته: تهدّمت و اللّه أركان الهدى و انطمست و اللّه أعلام التّقى قتل ابن عمّ محمّد المصطفى قتل عليّ المرتضى قتله أشقى الأشقياء.

ثمّ قالت و ما أظنّ بيتا إلّا و قد دخله هذا الصّوت، قال فبينما أنا و هي في مراجعة الكلام و إذا بصيحة عظيمة و جلبة و ضجّة عظيمة و قائل يقول: قتل أمير المؤمنين.

فحسّ قلبي بالشّر فمددت يدي إلى سيفى و سللته من غمده و أخذته و نزلت مسرعا و فتحت باب داري و خرجت فلما صرت في وسط الجادة فنظرت يمينا و شمالا و إذا بعدوّ اللّه يحول فيها يطلب مهربا فلم يجدوا إذا قد انسدّت الطرقات في وجهه فلما نظرت إليه و هو كذلك رابنى أمره فناديته: يا ويلك من أنت و ما تريد لا أمّ لك في وسط هذا الدّرب تمرّ و تجي‏ء فتسمّى بغير اسمه و انتمى بغير كنيته، فقلت له: من أين أقبلت قال: من منزلي قلت: و إلى أين تريد تمضي فى هذا الوقت قال: إلى الحيرة، فقلت: و لم لا تقعد حتّى تصلّى مع أمير المؤمنين صلاة الغداة و تمضى في حاجتك فقال: اخشى أن أقعد للصّلاة فتفوت حاجتي فقلت: يا ويلك إنّي سمعت صيحة و قائلا يقول قتل أمير المؤمنين فهل عندك من ذلك خبر قال: لا علم لي بذلك فقلت له: فلم لا تمضي معي حتّى تحقّق الخبر و تمضى في حاجتك فقال: أنا ماض في حاجتي و هي أهمّ من ذلك.

فلما قال لي مثل ذلك القول قلت يا لكع الرّجال حاجتك أحبّ إليك من التحسس لأمير المؤمنين و إمام المسلمين إذن و اللّه يا لكع مالك عند اللّه من خلاق، و حملت عليه بسيفى و هممت أن أعلو به فراغ عنّي.

فبينما أنا أخاطبه و هو يخاطبني إذهبّت الرّيح فكشفت إزاره و إذا بسيفه يلمع تحت الازار كانّه مرآة مصقولة، فلما رأيت بريقه تحت ثيابه قلت: يا ويلك ما هذا السّيف المشهور تحت ثيابك لعلك أنت قاتل أمير المؤمنين فأراد أن يقول لا فانطق اللّه لسانه بالحقّ فقال نعم.

فرفعت سيفى و ضربته فرفع هو سيفه و همّ أن يعلوني فانحرفت عنه فضربته على ساقيه فأوقفته و وقع لحينه و وقعت عليه و صرخت صرخة شديدة و أرددت أخذ سيفه فمانعني عنه، فخرج أهل الحيرة فأعانوني عليه حتّى أوثقته كتافا و جئتك به فها هو بين يديك جعلنى اللّه فداك فاصنع به ما شئت.

فقال الحسن الحمد للّه الذي نصر وليّه و خذل عدوّه، ثمّ انكبّ الحسن على أبيه يقبله و قال له: يا أباه هذا عدوّ اللّه و عدوّك قد امكن اللّه منه فلم يجبه و كان نايما فكره أن يوقظه من نومه فرقد ساعة ثمّ فتح عينيه و هو يقول: ارفقوا بي يا ملائكة ربّى.

فقال له الحسن عليه السّلام هذا عدوّ اللّه و عدوّك ابن ملجم قد أمكن اللّه منه و قد حضر بين يديك قال: ففتح أمير المؤمنين عليه السّلام عينيه و نظر إليه و هو مكتوف و سيفه معلّق في عنقه فقال له بضعف و انكسار صوت و رأفة و رحمة: يا هذا لقد جئت عظيما و ارتكبت أمرا عظيما و خطبا جسيما أبئس الامام كنت لك حتّى جازيتنى بهذا الجزاء ألم اكن شفيقا عليك و آثرتك على غيرك و احسنت اليك و زدت في اعطائك ألم يكن يقال لى فيك كذا و كذا فخليت لك السّبيل و منحتك عطائى و قد كنت أعلم أنّك قاتلي لا محالة و لكن رجوت بذلك الاستظهار من اللّه تعالى عليك يا لكع و على أن ترجع عن غيك فغلبت عليك الشّقاوة فقتلتنى يا أشقى الأشقياء.

قال فدمعت عينا ابن ملجم لعنه اللّه و قال: يا أمير المؤمنين أ فأنت تنقذ من في النّار، قال له: صدقت، ثمّ التفت إلى ولده الحسن و قال له: ارفق يا ولدى بأسيرك و ارحمه و أحسن إليه و اشفق عليه ألا ترى إلى عينيه قد طارتا في أمّ رأسه و قلبه يرجف خوفا و رعبا و فزعا.

فقال له الحسن: يا أباه قد قتلك هذا اللّعين الفاجر و أفجعنا فيك و أنت تأمرنا بالرّفق به فقال له: نعم يا بنيّ نحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلا كرما و عفوا و الرّحمة و الشّفقة من شيمتنا لا من شيمة عدوّنا.

بحقّي عليك فأطعمه يا بنيّ ممّا تأكل و اسقه مما تشرب و لا تقيد له قدما و لا تغل له يدا فان أنامتّ فاقتصّ منه بأن تقتله و تضربه ضربة واحدة و تحرقه بالنار و لا تمثّل بالرّجل فانّى سمعت جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول إيّاكم و المثلة و لو بالكلب العقور، و إن أنا عشت فأنا أولى به بالعفو عنه و أنا أعلم بما أفعل به فان عفوت فنحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلّا عفوا و كرما.

قال مخنف بن حنيف: إنّى و اللّه ليلة تسع عشرة في الجامع في رجال نصلّي قريبا من السدّة التي يدخل منها أمير المؤمنين فبينما نحن نصلّي إذ دخل أمير المؤمنين من السدّة و هو ينادي الصّلاة ثمّ صعد المأذنة فأذّن ثمّ نزل فعبر على قوم نيام في المسجد فناداهم الصّلاة ثمّ قصد المحراب.

فما أدرى دخل في الصّلاة ام لا إذ سمعت قائلا يقول: الحكم للّه لا لك يا علي، قال: فسمعت عند ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: لا يفوتنّكم الرّجل، قال فشدّ الناس عليه و أنا معهم و إذا هو وردان بن مجالد، و أمّا ابن ملجم لعنه اللّه فانّه هرب من ساعته و دخل الكوفة و رأينا أمير المؤمنين مجروحا في رأسه.

قال محمّد بن الحنفية رضي اللّه عنه: ثمّ إنّ أبي قال: احملوني الى موضع مصلّاى في منزلي قال فحملناه إليه و هو مدنف و النّاس حوله و هم في اسر عظيم باكين محزونين قد اشرفوا على الهلاك من شدّة البكاء و النّحيب.

ثمّ التفت إليه الحسين و هو يبكى فقال له يا أبتاه من لنا بعدك لا كيومك إلّا يوم رسول اللّه من اجلك تعلّمت البكاء، يعزّ و اللّه علىّ أن أراك هكذا فناداه عليه السّلام و قال: يا حسين يا أبا عبد اللّه ادن منّي، فدنا منه و قد قرحت أجفان عينيه من البكاء فمسح الدّموع من عينيه و وضع يده على قلبه و قال له: يا بنيّ ربط اللّه قلبك بالصّبر و أجزل لك و لاخوانك عظيم الأجر، فسكن روعتك و اهدى‏ء من بكائك، فانّ اللّه قد آجرك على عظيم مصابك ثمّ ادخل إلى حجرته و جلس في محرابه.

قال الرّاوى: و أقبلت زينب و أمّ كلثوم حتّى جلستا معه على فراشه و أقبلتا تندبانه و تقولان: يا أبتاه من للصّغير حتّى يكبر، و من للكبير بين الملاء، يا أبتاه حزننا عليك طويل و عبرتنا لا ترقى.

قال فضجّ النّاس من وراء الحجرة بالبكاء و النّحيب و فاضت دموع أمير المؤمنين عند ذلك و جعل يقلّب طرفه و ينظر إلى أهل بيته و أولاده، ثمّ دعا الحسن و الحسين عليهما السّلام و جعل يحضنها و يقبلهما.

ثمّ اغمى عليه ساعة طويلة و أفاق، و كذلك رسول اللّه يغمى عليه ساعة طويلة و يفيق أخرى لأنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان مسموما فلما أفاق ناوله الحسن قعبا من لبن فشرب منه قليلا ثمّ نحّاه عن فيه و قال: احملوه إلى أسيركم.

ثمّ قال للحسن: بحقّى عليك يا بنىّ إلّا ما طيبتم مطعمه و مشربه و أرفقوا به إلى حين موتي و تطعمه ممّا تأكل و تسقيه ممّا تشرب حتّى تكون أكرم منه، فعند ذلك حملوا إليه اللبن و أخبروه بما قال أمير المؤمنين في حقّه فأخذ اللّبن و شربه.

قال: و لما حمل أمير المؤمنين إلى منزله جاءوا باللّعين مكتوفا إلى بيت من بيوت القصر فحبسوه فيه فقالت له أمّ كلثوم و هي تبكى: يا ويلك أما أبي فانّه لا بأس عليه و إنّ اللّه مخزيك في الدّنيا و الآخرة و إنّ مصيرك الى النّار خالدا فيها، فقال لها ابن ملجم لعنه اللّه: ابكى إن كنت باكية فو اللّه لقد اشتريت سيفى هذا بألف و سممته بألف، و لو كانت ضربتي هذه لجميع أهل الكوفة ما نجا منهم أحد

و في ذلك يقول الفرزدق:

فلا غرو للأشراف إن ظفرت بها
ذئاب الأعادى من فصيح و أعجم‏

فحربة وحشىّ سقت حمزة الرّدى‏
و حتف علىّ من حسام ابن ملجم‏

قال محمّد بن الحنفية رضي اللّه عنه: و بتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع أبي و قد نزل السّم إلى قدميه و كان يصلّي تلك الليلة من جلوس و لم يزل يوصينا بوصاياه و يعزينا من نفسه و يخبرنا بأمره و تبيانه إلى حين طلوع الفجر.«» فلما أصبح استاذن النّاس عليه فاذن لهم بالدّخول فدخلوا عليه و أقبلوا يسلمون عليه و هو يردّ عليهم السّلام، ثمّ قال أيّها النّاس اسألونى قبل أن تفقدوني و خففّوا سؤالكم لمصيبة إمامكم.

قال: فبكى النّاس عند ذلك بكاء شديدا و أشفقوا أن يسألوه تخفيفا عنه، فقام إليه حجر بن عدي الطائي و قال:

فيا أسفا على المولى التّقىّ
أبو الأطهار حيدرة الزّكىّ‏

قتله كافر حنث زنيم‏
لعين فاسق نغل شقىّ‏

فيلعن ربّنا من حاد عنكم
و يبرء منكم لعنا وبىّ‏

لانكم بيوم الحشر ذخرى‏
و أنتم عترة الهادى النبىّ‏

فلمّا بصر به و سمع شعره قال له: كيف لي بك اذا دعيت إلى البراءة منّي فما عساك أن تقول فقال: و اللّه يا أمير المؤمنين لو قطعت بالسّيف اربا اربا و اضرم لى النّار و ألقيت فيها لآثرت ذلك على البراءة منك، فقال: وفّقت لكلّ خير يا حجر جزاك اللّه خيرا عن أهل بيت نبيّك.

ثمّ قال: هل من شربة من لبن فأتوه بلبن في قعب فأخذه و شربه كلّه فذكر الملعون ابن ملجم و أنّه لم يخلف له شيئا فقال: و كان أمر اللّه قدرا مقدورا، اعلموا أنّى شربت الجميع و لم أبق لأسيركم شيئا من هذا ألا و انّه آخر رزقي من الدّنيا فباللّه عليك يا بنىّ إلّا ما أسقيته مثل ما شربت فحمل إليه ذلك فشربه.

قال محمّد بن الحنفيّة رضي اللّه عنه: لمّا كانت ليلة احدى و عشرين و أظلم الليل و هي الليلة الثانية من الكائنة، جمع أبى أولاده و أهل بيته و ودّعهم، ثمّ قال لهم: اللّه خليفتي عليكم و هو حسبي و نعم الوكيل، و أوصاهم الجميع منهم بلزوم الايمان و الأديان و الأحكام التي أوصاه بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فمن ذلك ما نقل عنه أوصى به الحسن و الحسين عليهما السّلام لما ضربه الملعون ابن ملجم و هي هذه: اوصيكما بتقوى اللّه، إلى آخر ما يأتي في الكتاب برواية السّيد في باب المختار من وصاياه إنشاء اللّه.

قال: ثمّ تزايد و لوج السمّ في جسده الشريف حتّى نظرنا إلى قدميه و قد احمرتا جميعا، فكبر ذلك علينا و آيسنا منه ثمّ أصبح فأمرهم و نهاهم و أوصاهم ثمّ عرضنا عليه المأكول و المشروب فأبى أن يشرب فنظرنا إلى شفتيه و هما يختلجان بذكر اللّه تعالى، و جعل جبينه يرشح عرقا و هو يمسحه بيده.

قلت: يا أبت أراك تمسح جبينك، فقال: يا بنىّ إنّي سمعت جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إنّ المؤمن إذا نزل به الموت و دنت وفاته عرق جبينه و صار كاللؤلؤ الرطب و سكن أنينه.

ثمّ قال: يا أبا عبد اللّه و يا عون، ثمّ نادى أولاده كلّهم بأسمائهم صغيرا و كبيرا، واحدا بعد واحد و جعل يودّعهم و يقول: اللّه خليفتي عليكم استودعكم اللّه، و هم يبكون.

فقال الحسن عليه السّلام يا أبه ما دعاك إلى هذا، فقال له: يا بنىّ إنّى رأيت جدّك رسول اللّه في منامي قبل هذه الكائنة بليلة فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلّل و الأذى من هذه الامة، فقال لى: ادع عليهم فقلت: اللهمّ أبدلهم بى شرّا منّي، و أبدلني‏ بهم خيرا منهم، فقال لى قد استجاب اللّه دعاك سينقلك الينا بعد ثلاث، و قد مضت الثلاث.

يا أبا محمّد أوصيك و يا أبا عبد اللّه خيرا فأنتما منّي و أنا منكما، ثمّ التفت إلى أولاده الذين من غير فاطمة و أوصاهم أن لا يخالفوا أولاد فاطمة يعني الحسن و الحسين.

ثمّ قال: أحسن اللّه لكم العزاء ألاوانّي منصرف عنكم و راحل في ليلتي هذه و لا حق بحبيبي محمّد كما و عدني فاذا أنامت يا أبا محمّد فغسّلني و كفنّي و حنّطني ببقية حنوط جدّك رسول اللّه فانّه من كافور الجنّة جاء به جبرئيل إليه، ثمّ ضعنى على سريري و لا يتقدّم أحد منكم مقدّم السرير و احملوا مؤخّره و اتّبعوا مقدّمه فأىّ موضع وضع المقدّم فضعوا المؤخر فحيث قام سريرى فهو موضع قبرى.

ثمّ تقدّم يا أبا محمّد و صلّ علىّ يا بنىّ يا حسن و كبّر علىّ سبعا و اعلم أنّه لا يحلّ ذلك على أحد غيري إلّا على رجل يخرج في آخر الزّمان اسمه القائم المهدي من ولد اخيك الحسين يقيم اعوجاج الحقّ.

فاذا أنت صلّيت يا حسن فنحّ السرير عن موضعه ثمّ اكشف التراب عنه فترى قبرا محفورا و لحدا مثقوبا و ساجة منقوبة فاضجعنى فيها، فاذا أردت الخروج من قبري فافتقدني فانّك لا تجدني و انّي لاحق بجدّك رسول اللّه.

و اعلم يا بنىّ ما من نبيّ يموت و إن كان مدفونا بالمشرق و يموت وصيه بالمغرب إلّا و يجمع اللّه عزّ و جل بين روحيهما و جسديهما ثمّ يفترقان فيرجع كلّ واحد منهما إلى موضع قبره و الى موضعه الذى حطّ فيه.

ثمّ اشرج اللّحد باللبن و أهل التّراب على ثمّ غيّب قبرى، و كان غرضه بذلك لئلّا يعلم بموضع قبره أحد من بنى اميّة فانّهم لو علموا بموضع قبره لحفروه و أخرجوه و أحرقوه كما فعلوا بزيد بن عليّ بن الحسين.

ثمّ يا بنىّ بعد ذلك إذا أصبح الصّباح أخرجوا تابوتا إلى ظاهر الكوفة على‏ ناقة و أمر بمن يسيرها بما عليها كانّها تريد المدينة بحيث يخفى على العامة موضع قبري الذي تضعني فيه«»، و كأنّي بكم و قد خرجت عليكم الفتن من ههنا و ههنا فعليكم بالصّبر فهو محمود العاقبة.

ثمّ قال: يا أبا محمّد و يا أبا عبد اللّه كانّي بكما و قد خرجت عليكما من بعدي الفتن من ههنا فاصبروا حتّى يحكم اللّه و هو خير الحاكمين.

ثمّ قال: يا أبا عبد اللّه أنت شهيد هذه الامّة فعليك بتقوى اللّه و الصّبر على بلائه، ثمّ اغمى عليه ساعة و أفاق و قال: هذا رسول اللّه و عمّى حمزة و أخى جعفر و أصحاب رسول اللّه كلهم يقولون عجّل قدومك علينا فانّا إليك مشتاقون.

ثمّ أدار عينيه في أهل بيته كلّهم، و قال: استودعكم اللّه جميعا سدّدكم اللّه جميعا، حفظكم اللّه جميعا خليفتى عليكم اللّه و كفى باللّه خليفة، ثمّ قال و عليكم السّلام يا رسل ربّى ثمّ قال: لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ… إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.

و عرق جبينه و هو يذكر اللّه كثيرا و ما زال يذكر اللّه و يتشهّد الشّهادتين، ثمّ استقبل القبلة و غمض عينيه و مدّ رجليه و يديه و قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله.

ثمّ قضى نحبه عليه السّلام و كانت وفاته في ليلة احدى و عشرين من شهر رمضان و كانت ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة.

قال: فعند ذلك صرخت زينب بنت عليّ و امّ كلثوم و جميع نسائه و قد شقّوا الجيوب و لطموا الخدود و ارتفعت الصّيحة في القصر فعلم أهل الكوفة أنّ أمير المؤمنين‏ قد قبض، فأقبل النّساء و الرّجال يهرعون أفواجا أفواجا و صاحوا صيحة عظيمة فارتجت الكوفة بأهلها، و كثر البكاء و النّحيب و كثر الضّجيج بالكوفة و قبايلها و دورها و جميع أقطارها، فكان ذلك كيوم مات فيه رسول اللّه.

فلما أظلم الليل تغيّر افق السّماء و ارتجّت الأرض و جميع من عليها بكوه و كنّا نسمع جلبة و تسبيحا في الهواء فعلمنا أنّها أصوات الملائكة، فلم يزل كذلك إلى أن طلع الفجر ثمّ ارتفعت الأصوات و سمعنا هاتفا بصوت يسمعه الحاضرون و لا يرون شخصه يقول:

بنفسى و مالى ثمّ أهلى و اسرتى
فداء لمن أضحى قتيل ابن ملجم‏

علىّ رقا فوق الخلايق في الوغا
فهدّت له أركان بيت المحرّم‏

عليّ أمير المؤمنين و من بكت
لمقتله البطحاء و اكناف زمزم‏

يكاد الصّفا و المشعرين كلاهما
يهدّ او بان النّقص في ماء زمزم‏

و أصبحت الشّمس المنير ضياؤها
لقتل عليّ لونها لون دهلم‏

و ظلّ له افق السّماء كابة
كشقّة ثوب لونها لون عندم‏

و ناحت عليه الجنّ إذ فجعت به
حنينا كثكلى نوحها يترّنم‏

و أضحى التّقى و الخير و الحلم و النهى‏
و بات العلي فى قبره المتهدّم‏

لفقد على خير من وطأ الحصى
أخى العلم الهادى النبىّ المعظّم‏

قال محمّد بن الحنفية رضي اللّه عنه ثمّ أخذنا في جهازه ليلا، و كان الحسن عليه السّلام يغسله و الحسين عليه السّلام يصبّ الماء عليه و كان لا يحتاج إلى من كان يقلّبه بل يتقلّب كما يريد الغاسل يمينا و شمالا، و كانت رائحته أطيب من رائحة المسك و العنبر، ثمّ نادى الحسن باخته زينب و امّ كلثوم و قال: يا اختاه هلمّي بحنوط جدّي رسول اللّه، فبادرت زينب مسرعة حتّى أتته به.

قال الرّاوي: فلما فتحته فاحت الدّار و جميع الكوفة و شوارعها لشدّة رائحة ذلك الطيب، ثمّ لفوه بخمسة أثواب كما أمر عليه السّلام ثمّ وضعوه على السرير و تقدّم الحسن و الحسين إلى السرير من مؤخره و إذا مقدّمه قد ارتفع و لا يرى حامله، و كان حاملاه من مقدّمه جبرئيل و ميكائيل فما مرّ بشي‏ء على وجه الأرض إلّا انحنى‏ له ساجدا و خرج السّرير من مايل باب كنده فحملا مؤخّره و سايرا يتبعان مقدّمه.

قال ابن الحنفيّة رضي اللّه: و اللّه لقد نظرت إلى السّرير و أنّه ليمرّ بالحيطان و النّخل فتنحنى له خشوعا و مضى مستقيما إلى النّجف إلى موضع قبره الآن.

قال: و ضجّت الكوفة بالبكاء و النّحيب و خرجن النّساء يتبعنه لاطمات حاسرات فمنعهم «كذا» الحسن عليه السّلام و نهاهم «كذا» عن البكاء و العويل و ردّهنّ إلى أماكنهنّ، و الحسين عليه السّلام يقول: لا حول و لا قوة إلّا باللّه العلىّ العظيم إنّا للّه و إنّا إليه راجعون يا أباه وا انقطاع ظهراه من أجلك تعلّمت البكاء إلى اللّه المشتكى.

فلما انتهيا إلى قبره و إذا مقدّم السرير قد وضع فوضع الحسن مؤخره، ثمّ قام الحسن و صلّى عليه و الجماعة خلفه فكبّر سبعا كما أمره به أبوه، ثمّ زحزحا سريره و كشفا التّراب و إذا بقبر محفور و لحد مشقوق و ساجة منقورة مكتوب عليها: هذا ما ادّخره له جدّه نوح النبيّ.«» فلما أرادوا نزوله سمعوا هاتفا يقول: انزلوه إلى التّربة الطاهرة فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب، فدهش النّاس عند ذلك و تحيّروا و الحد أمير المؤمنين قبل طلوع الفجر و انصرف النّاس و رجع أولاد أمير المؤمنين و شيعتهم إلى الكوفة و لم يشعر بهم أحد من النّاس.

فلما طلع الصّباح و بزغت الشّمس اخرجوا تابوتا من دار أمير المؤمنين و أتوابه إلى المصلّى بظاهر الكوفة، ثمّ تقدّم الحسن و صلّى عليه و رفعه على ناقة و سيرها مع بعض العبيد.

قال في البحار: روى البرسى في مشارق الأنوار عن محدّثى أهل الكوفة أنّ أمير المؤمنين لما حمله الحسن و الحسين على سريره إلى مكان البئر المختلف فيه إلى نجف الكوفة وجدوا فارسا يتضوّع منه رايحة المسك فسلّم عليهما.

ثمّ قال للحسن أنت الحسن بن علىّ رضيع الوحى و التّنزيل و فطيم العلم و الشّرف الجليل خليفة أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين قال: نعم قال: و هذا الحسين ابن أمير المؤمنين و سيد الوصيين سبط الرّحمة و رضيع العصمة و ربيب الحكمة و والد الأئمة قال: نعم، قال: سلّماه إلىّ و امضيا في دعة اللّه.

فقال له الحسن إنّه أوصى إلينا أن لا نسلمه إلّا إلى أحد رجلين جبرئيل أو الخضر فمن أنت منهما فكشف النقاب فاذا هو أمير المؤمنين، ثمّ قال: يا أبا محمّد إنّه لا يموت نفس إلّا و يشهدها«» فما يشهد جسده.

قال البرسى و روى عن الحسن بن علي عليه السّلام أن أمير المؤمنين قال للحسن و الحسين: إذا وضعتماني في الضّريح فصلّيا ركعتين قبل أن تهيلا عليّ التّراب و انظرا ما يكون، فلما وضعاه في الضّريح المقدس فعلا ما امرا به و إذا الضّريح مغطى بثوب من سندس فكشف الحسن ممّا يلي وجه أمير المؤمنين فوجد رسول اللّه و آدم و إبراهيم (ع) يتحدّثون مع أمير المؤمنين، و كشف الحسين مما يلي رجليه فوجد الزهراء و حواء و مريم و آسية عليهن السّلام ينحن على أمير المؤمنين و يندبنه.

قال المجلسى: و لم أر هذين الخبرين إلّا من طريق البرسي و لا أعتمد على ما يتفرّد بنقله و لا أردهما لورود الأخبار الكثيرة الدّالة على ظهورهم بعد موتهم في أجسادهم المثاليّة.

و في البحار من ارشاد المفيد: كانت امامة أمير المؤمنين بعد النبيّ ثلاثين سنة منها أربع و عشرون سنة و أشهر ممنوعا من التّصرف في أحكامها مستعملا للتقيّة و المداراة و منها خمس سنين و ستّة أشهر ممتحنا بجهاد المنافقين من النّاكثين و القاسطين و المارقين، و مضطهدا بفتن الضّالين.

كما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ثلاثة عشر سنة من نبوّته ممنوعا من احكامها خائفا و محبوسا و هاربا و مطرود ألا يتمكّن من جهاد الكافرين و لا يستطيع دفعا عن المؤمنين، ثمّ هاجر و أقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهدا للمشركين ممتحنا بالمنافقين إلى أن قبضه‏ اللّه إليه و أسكنه جنات النّعيم.

و كان وفات أمير المؤمنين عليه السّلام قبيل الفجر من ليلة الجمعة ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، قالت سودة بن «بنت ظ» عمارة الهمدانية و نعم ما قالت:

صلّى الاله على روح تضمّنها
قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الخير لا يبغى به بدلا
فصار بالحقّ و الايمان مقرونا

«» و من أمالى الصّدوق في حديث فلمّا كان من الغدو أصبح الحسن قام خطيبا على المنبر فحمد اللّه و أثنا عليه ثمّ قال: أيّها النّاس في هذه الليلة نزل القرآن و في هذه الليلة رفع عيسى بن مريم و في هذه الليلة قتل يوشع بن نون و في هذه الليلة مات أبى أمير المؤمنين و اللّه لا يسبق أبى أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنّة، و لا من يكون بعده و إن كان رسول اللّه ليبعثه في السّرية فيقاتل جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و ما ترك صفراء و لا بيضاء إلّا سبعمائة درهم ليشترى بها خادما لأهله.

و من المناقب عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: إنّ السّماء و الأرض لتبكى على المؤمن إذا مات أربعين صباحا و إنّها لتبكى على العالم إذا مات أربعين شهرا و إنّ السّماء و الأرض ليبكيان على الرّسول أربعين سنة و إنّ السّماء و الأرض‏ليبكيان عليك يا على إذا قتلت أربعين سنة.

قال ابن عباس: لقد قتل أمير المؤمنين على الأرض بالكوفة فامطرت السّماء ثلاثة أيّام دما.

أبو حمزة عن الصّادق عليه السّلام و قد روى أيضا عن سعيد بن المسيب أنّه لمّا قبض أمير المؤمنين عليه السّلام لم يرفع من وجه الأرض حجر إلّا وجد تحته دم عبيط.

أربعين الخطيب و تاريخ النّسوى أنّه سئل عن عبد الملك بن مروان الزّهرى ما كانت علامة يوم قتل عليّ عليه السّلام قال: ما رفع حصاة من بيت المقدس إلّا كان تحتها دم عبيط، و لمّا ضرب في المسجد سمع صوت«» للّه الحكم لا لك يا على و لا لأصحابك، فلمّا توفّى سمع في داره: أَ فَمَنْ يُلْقى‏ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ الآية.

ثمّ هتف آخر مات رسول اللّه و مات أبوكم.

و في أخبار الطالبين أنّ الرّوم اسروا قوما من المسلمين فاتى بهم إلى الملك فعرض عليهم الكفر فأبوا فأمر بالقائهم في الزّيت المغلى و اطلق منهم رجلا يخبر بحالهم، فبينما هو يسير إذ سمع وقع حوافر الخيل فوقف فنظر إلى أصحابه الذين القوا في الزّيت فقال لهم في ذلك فقالوا قد كان ذلك فنادى مناد من السّماء في الشّهداء البرّ و البحر إنّ عليّ بن أبى طالب قد استشهد فى هذه الليلة فصلّوا عليه فصلّينا عليه و نحن راجعون إلى مصارعنا.

تسلى هم و تسكين فؤاد فى أحوال قاتله و كيفية قتله

ففى البحار من كتاب قصص الأنبياء عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ عاقر ناقة صالح كان أزرق ابن بغىّ، و إنّ قاتل عليّ صلوات اللّه ابن بغىّ و كانت مراد تقول ما نعرف له فينا أبا و لا نسبا و إنّ قاتل الحسين بن عليّ صلوات اللّه ابن بغىّ، و لم‏ يقتل الأنبياء و لا أولاد الأنبياء إلّا أولاد البغايا.

و فيه أيضا في ذيل الرّواية السّالفة التي قدمناها في كيفية شهادته عليه السّلام عن لوط بن يحيى: قال الرّاوى: ثمّ انّه لما رجع أولاد أمير المؤمنين و أصحابه إلى الكوفة و اجتمعوا لقتل اللعين عدوّ اللّه ابن ملجم فقال عبد اللّه بن جعفر: اقطعوا يديه و رجليه و لسانه و اقتلوه بعد ذلك، و قال محمّد بن الحنفية: اجعلوه غرض النّشاب و احرقوه بالنّار، و قال آخر: اصلبوه حيّا حتّى يموت فقال الحسن: أنا ممتثل فيه ما أمرنى به أمير المؤمنين أضربه ضربة بالسّيف حتّى يموت فيها و احرقه بالنّار بعد ذلك.

قال الرّاوى: فأمر الحسن أن يأتوه، فجاءوا به مكتوفا حتّى ادخلوه الموضع الذي ضرب فيه الامام و النّاس يلعنونه و يوبّخونه و هو ساكت لا يتكلّم، فقال الحسن يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين و إمام المسلمين و أعظمت الفساد في الدّين.

فقال لهما: يا حسن و يا حسين ما تريدان أن تصنعا لي قالا نريد أن نقتلك كما قتلت سيدنا و مولانا، فقال لهما اصنعا ما شئتما أن تصنعا و لا تعنّفا من استزلّه الشيطان فصدّه عن السّبيل، و لقد زجرت نفسى فلم تنزجر و نهيتها فلم تنته فدعها تذوق و بال أمرها و لها عذاب شديد ثمّ بكى.

فقال له: يا ويلك ما هذه الرّقة اين كانت حين وضعت قدمك و ركبت خطيئتك، فقال ابن ملجم: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ.

و لقد انقضى التّوبيخ و المعايرة و إنّما قتلت أباك و حصلت بين يديك فاصنع ما شئت و خذ بحقك منّى كيف شئت ثمّ برك على ركبتيه و قال: يا بن رسول اللّه الحمد للّه اجرى قتلى على يديك، فرّق له الحسن لأنّ قلبه كان رحيما صلّى اللّه عليه، فقام الحسن فأخذ السّيف بيده و جرّده من غمده و ندّبه «و نزته خ ل» حتّى لاح الموت‏في حدّه ثمّ ضربه ضربة أراد بها عنقه فاشتدّ زحام النّاس عليه و علت أصواتهم فلم يتمكّن من فتح باعه فارتفع السّيف إلى باعه «رأسه» فأبراه فانقلب عدوّ اللّه على قفاه يخور في دمه.

فقام الحسين إلى أخيه و قال: يا أخى أ ليس الأب واحدا و الأم واحدة ولي نصيب في هذه الضّربة ولي حقّ في قتله فدعنى أضربه ضربة أشفى بها بعض ما أجده، فناوله الحسن السّيف فأخذه و هزّه و ضربه على الضّربة التي ضربها الحسن فبلغ إلى طرف أنفه و قطع جانبه الآخر و ابتدره النّاس بأسيافهم بعد ذلك فقطعوه اربا اربا، فعجل اللّه بروحه إلى النّار و بئس القرار ثمّ جمعوا جثته و أخرجوه من المسجد و جمعوا له حطبا و أحرقوه بالنّار.

و في المناقب استوهبت أمّ الهثيم بنت الأسود النّخعيّة جيفته لتتولّى إحراقها فوهبها لها فأحرقتها بالنّار.

و قيل: طرحوه في حفرة و طمّوه بالتّراب فهو يعوي كعوى الكلاب في حفرته إلى يوم القيامة.

و اقبلوا إلى قطام الملعونة و أخذوها فقطعوها بالسّيف اربا اربا و نهبوا دارها ثمّ أخذوها و أخرجوها إلى ظاهر الكوفة و أحرقوها بالنّار و عجل اللّه بروحها إلى النّار و غضب الجبار.

و أمّا الرّجلان اللذان تحالفا معه فأحدهما قتله معاوية بن أبي سفيان بالشّام و الآخر قتله عمرو بن العاص بمصر لا رضى اللّه عنهما.

و أمّا الرّجلان«» اللذان كانا مع ابن ملجم بالجامع يساعد انه على قتل عليّ عليه السّلام فقتلا من ليلتهما لعنهما اللّه و حشرهما محشر المنافقين الظالمين في جهنّم خالدين مع السّالفين.

و في البحار من الخرائج مسندا عن عمرو بن أحمد بن محمّد بن عمرو، عن الحسن بن محمّد المعروف بابن الرّفا، قال: سمعته يقول: كنت بالمسجد الحرام فرأيت‏ النّاس مجتمعين حول مقام إبراهيم فقلت ما هذا قالوا: راهب أسلم فأشرفت عليه فاذا بشيخ كبير عليه جبّة صوف و قلنسوة صوف عظيم الخلقة و هو قاعد بحذاء مقام إبراهيم فسمعته يقول: كنت قاعدا في صومعة فأشرفت منها و إذا طاير كالنّسر قد سقط على صخرة على شاطى البحر فتقيأ فرمى بربع إنسان، ثمّ طار فتفقّدته فعاد فتقيأ فرمى بربع انسان، ثمّ طار فجاء فتقيأ بربع انسان، ثمّ طار فجاء فتقيأ بربع إنسان ثمّ طار فدنت الأرباع فقام رجلا فهو قائم و أنا أتعجّب منه.

ثمّ انحدر الطير فضربه و أخذ ربعه فطار، ثمّ رجع فاخذ ربعه فطار، ثمّ رجع فأخذ ربعه فطار، ثمّ انحدر الطير فأخذ الرّبع الآخر فطار، فبقيت أتفكّر و تحسّرت ألّا أكون لحقته و سألته من هو فبقيت أتفقد الصّخرة حتّى رأيت الطير قد أقبل فتقيأ بربع انسان فنزلت فقمت بازائه، فلم أزل حتّى تقيأ بالرّبع الرّابع، ثمّ طارفا لتأم رجلا فقام قائما.

فدنوت منه فسألت فقلت: من أنت فسكت عنّى فقلت بحقّ من خلقك من أنت قال: أنا ابن ملجم، فقلت له و أىّ شي‏ء عملت قال: قتلت عليّ بن أبي طالب فوكل بى هذا الطير يقتلني كلّ يوم قتلة فهو بينا يخبرني إذا انقض الطائر فأخذ ربعه فطار فسألت عن عليّ عليه السّلام فقالوا: هو ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأسلمت.

التذييل الثاني فى موضع قبره الشريف و الاشارة الى من بناه

فنقول إنّه كان في بعض الأزمان بين المخالفين اختلاف في موضع قبره صلوات اللّه عليه، فذهب جماعة منهم إلى إنّه دفن في رحبة مسجد الكوفة و قيل: إنّه دفن في قصر الامارة، و قيل: إنّه أخرجه الحسن معه إلى المدينة و دفنه بالبقيع و كان بعض جهلة الشيعة يزورونه بمشهد في الكرخ.

و قد اجتمعت الشيعة على أنّه مدفون بالغرى في الموضع المعروف عند الخاص و العام، و هو عندهم من المتواترات رووه خلفا عن سلف إلى أئمة الدّين صلوات اللّه عليهم أجمعين و كان السّبب في هذا الاختلاف إخفاء قبره خوفا من الخوارج‏ و المنافقين و كان لا يعرف ذلك إلّا خاص الخاص من الشّيعة إلى أن ورد الصادق عليه السّلام الحيرة فى زمن السّفاح فأظهره لشيعته.

و من هذا اليوم يزوره كافّة الشّيعة في هذا المكان، و لا حاجة لنا إلى ذكر ما ورد في تعيين موضع القبر الشّريف من الأخبار المرويّة عن الأئمة الأطهار، و انّما الأنسب ذكر كيفيّة بناء المرقد الشّريف و القبّة المباركة زادها اللّه شرفا، فأقول: روى عن الصّادق عليه السّلام إذا ركب نوح في السّفينة أتت إلى مكان البيت و طاف له اسبوعا، فأوحى اللّه إليه ان انزل عن السّفينة و اخرج عظام آدم و جسده و ادخله في السّفينة، فنزل نوح و كان الماء إلى ركبته فاخرج تابوتا فيه جسد آدم فأوقعه في السّفينة، و لمّا وصلت السّفينة إلى مسجد الكوفة فاستقرّ هناك فانزل نوح جسده من السّفينة فدفنه في النّجف و جعل نوح لنفسه قبرا في امامه و صيّر صندوقا لعلي يدفن فيه في أمام صدره.

و في كتاب رياض الجنّة تأليف بعض أصحابنا قدّس اللّه روحه: مشهد النّجف على ساكنه ألف تحيّة و تحف واقع على طرف القبلة من الكوفة بنصف فرسخ.

و أوّل من بنا القبر الشّريف هارون العبّاسي على ما ستطلع عليه، ثمّ بعد مأئة و ثمانين سنة و نيّفا بنا عضد الدّولة الديلمي القبّة الشّريفة، ثمّ زاد الملوك على ذلك يوما فيوما إلى أن صار بلدة صغيرة جاور النّاس فيها.

و لمّا وصل دورة السّلطنة إلى السّلطان نادر أمر بتذهيب القبّة المباركة و بناء الأيوان و المنارتين و تذهيبها و صرف على ذلك خمسين ألف تومان نادريّ و صرفت زوجته گوهرشاد امّ ابنيه امام قلي ميرزا و نصر اللّه ميرزا مأئة ألف ربعيّة على تعمير الصّحن المقدّس و بناء جدرانه بالكاشيّ و صرفت امّ سلطان و ساير زوجاته عشرين ألف تومان نادرى على بناء المسجد الواقع في ظهر الرّأس الشّريف و أرسلن إلى الرّوضات المطهّرة عشرين حمل بعير من الفرش و البساط، و كان الفراغ من جميع ذلك في سنة سبع و خمسين و مأئة بعد الألف، و قيل في تاريخ تمام المنارة الشّماليّة.

«تعالى شانه الله أكبر» و في تمام المنارة الجنوبيّة.

«تكرر اربعا الله اكبر» أراد أربعة اللّه أكبر ثمّ لمّا صار نوبة السلطنة إلى السّلطان على مراد خان زند في سنة سبع و تسعين و مأئة و ألف بعث جمعا من حذقة المهندسين بواحد من ثقاتة إلى تعمير ما خرب من جدران البقعة الشّريفة و تجديد كواشي الجدران و الطاقات و تنقية بئر الصّحن المقدّس و ساير آبار المشهد و اصلاح مجرى مياهها و أهدى إلى المشاهد المشرفة و لا سيّما مشهد أمير المؤمنين بالفرش النّفيسة و القناديل المرصّعة بالدّرر و الجواهر و أعطى الخدّام و المجاورين هناك عطايا عظيمة و صلات جزيلة.

ثمّ أمر بصنعة صندوق من الخاتم يوضع فوق القبر الشريف و توفّى قبل تمامه ثمّ اشتغل به حذقة الصّانعين بأمر جعفر خان، و توفّى و لم يتمّ، و أتمّه لطفعلي خان ابن جعفر خان و كان مدّة الاشتغال بصنعته ستّ سنين.

ثمّ بنا الضريح المقدّس المفضّض السّلطان آقا محمّد خان قدّس اللّه روحه، و كان آصف الدّولة الهندي أراد أن يجرى نهرا إلى المشهد من الفرات من جنب جسر المسيّب على أربعة و عشرين فرسخا فلم يتيسّر.

ثمّ عزم الحاج محمّد عليّ البغدادي إلى نهر من سمت ذي الكفل و صرف مصارف كثيرة عليه و لم يمكن.

أقول: و للّه الحمد و المنّة فقد جرى النّهر في زمان اشتغالنا بالتحصيل في المشهد بسعى السّيد الفاضل الجليل العالم العلامة الزّاهد الورع الحاج سيّد أسد اللّه الاصفهاني قدّس اللّه سرّه و نوّر ضريحه من تحت الأرض منتهيا إلى البحر، و أرّخ بعضهم جريان الماء بقوله: جاء ماء الغرى شكر اللّه مساعى المتصدّين لبناء المشاهد المشرفة و السّاعين في تعمير البقاع المتبرّكة و حشرهم مع مواليهم الطاهرين.

و عن سيّد السّند نعمة اللّه الجزائري في مقامات النّجاة أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام مدفون بالغري و يقال له الغريان أيضا و هما قبرا مالك و عقيل نديمي حذيمة الأبرش‏ سمّبا غريين لأنّ النّعمان بن المنذر كان يغريهما بدم من يقتله إذا خرج في يوم بأسه.«» و قيل: كان ينادم النّعمان رجلان من العرب خالد بن مفضل و عمرو بن مسعود الأسديّان، فشرب معهما ليلة فرجفاه الكلام فغضب و أمر بأن يجعلا في تابوتين و يدفنا بظهر الكوفة، فلمّا أصبح سأل عنهما فأخبره بصنيعه فندم و ركب حتّى وقف عليهما و أمر ببناء الغريّين و جعل لنفسه كلّ سنة يوم نعم و يوم بؤس و كان يضع سريره بينهما.

فاذا كان يوم نعمه فأوّل من يطلع عليه يؤتيه مأئة من الابل، و إذا كان يوم بؤسه فأوّل من يطلع يؤتيه رأس طربال و هي دويبة منتنة الرّيح و أمر بقتله فقتل و يغرى به الغرّيان و بقي هذا حاله إلى وقوع قضيّة الطائي و شريك نديم النّعمان، و قد مضى ذكر تلك القضيّة منّا في شرح الخطبة الحادية و الأربعين فتذكّر

التذييل الثالث فى ذكر نبذ من المعجزات الظاهرة منه و من قبره الشريف بعد وفاته

فمن هذه ما عن ارشاد الديلمي عند الاستدلال على كونه مدفونا بالغري قال: و الدليل الواضح و البرهان اللايح على ذلك من وجوه.

الأوّل تواتر أخبار الأئمة يرويه خلف عن سلف.

الثّاني اجماع الشّيعة و الاجماع حجّة.

الثّالث ما حصل عنده من الاسرار و الآيات و ظهور المعجزات كقيام الزّمن و ردّ بصر الأعمى و غيرها.

فمنها ما روى عن عبد اللّه بن حازم قال خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة فصرنا إلى ناحية الغريين فرأينا ظباء فأرسلنا عليها الصّقور و الكلاب فجادلتها ساعة ثمّ لجأت الظباء إلى اكمة«» فراجعت الصّقور و الكلاب عنها، فتعجب الرّشيد من‏ذلك، ثمّ إنّ الظباء هبطت من الأكمة فسقطت الطيور و الكلاب عنها فرجعت الظباء إلى الأكمة فتراجعت الصّقور و الكلاب عنها مرّة ثانية، ثمّ فعلت ذلك مرّة اخرى.

فقال الرّشيد: اركضوا إلى الكوفة فأتوني بأكبرها سنّا، فاتى بشيخ من بني أسد فقال الرّشيد: أخبرنى ما هذه الاكمه فقال: حدّثني أبي عن آبائه أنّهم كانوا يقولون: إنّ هذه الاكمة قبر عليّ بن أبي طالب جعله اللّه تعالى حرما لا يأوى إليه شي‏ء إلّا أمن.

فنزل هارون و دعا بماء و توضّأ و صلّى عند الأكمة و جعل يدعو و يبكى و يتمرّغ عليها يوجهه و أمر أن يبني قبة بأربعة أبواب فبنى، و بقى إلى أيّام السّلطان عضد الدّولة فجاء فأقام في ذلك الطريق قريبا من سنة هو و عسكره فبعث فاتى بالصّناع و الاستادية من الأطراف و خرب تلك العمارة و صرف أموالا كثيرة جزيلة و عمر عمارة جليلة حسنة و هي العمارة التي كانت قبل عمارة اليوم.

و منها ما حكى عن جماعة خرجوا بليل مختفين إلى الغري لزيارة أمير المؤمنين عليه السّلام قالوا: فلمّا وصلنا إلى القبر الشّريف و كان يومئذ قبرا حوله حجارة و لا بناء عنده، و ذلك بعد أن أظهره الرّشيد و قبل أن يعمره، فبينا نحن عنده بعضنا يقرأ و بعضنا يصلّي و بعضنا يزور و إذا نحن بأسد مقبل نحونا، فلمّا قرب منّا قدر رمح قال بعضنا لبعض: ابعدوا عن القبر لننظر ما يصنع، فتباعدنا عن القبر الشريف فجاء الأسد و جعل يمرغ ذراعيه على القبر، فمضى رجل منّا فشاهده فعاد فأعلمنا فزال الرّعب عنّا فجئنا بأجمعنا فشاهدناه يمرغ ذراعيه على القبر و فيه جراح فلم يزل يمرّغه ساعة، ثمّ نزح عن القبر فمضى، فعدنا إلى ما كنّا عليه من الزّيارة و الصّلاة و القرآن.

و عن مزار البحار قال: و قد شاع في زماننا من شفاء المرضى و معافاة أصحاب البلوى و صحة العميان و الزّمن أكثر من أن يحصى.

و لقد أخبرني جماعة كثيرة من الثّقات أنّ عند محاصرة الرّوم لعنهم اللّه المشهد الشّريف في سنة أربع و ثلاثين و ألف من الهجرة تحصّن أهله بالبلد و إغلاق الأبواب عليهم و التعرّض لدفعهم مع قلّة عددهم و عدّتهم و كثرة المحاصرين لهم و قوّتهم و شوكتهم، و جلسوا زمانا طويلا و لم يظفروا بهم و كانوا يرمون بالبنادق الصّغار و الكبار عليهم شبه الأمطار و لم يقع على أحد منهم، و كانت الصّبيان في السّكك ينتظرون وقوعها ليلعبوا بها حتّى أنّهم يروون أنّ يروون أنّ بندقا كبيرا دخل في كمّ جارية رفعت يدها لحاجة على بعض السّطوح و سقط من ذيلها و لم يصبها و يروى عن بعض الصّلحاء الأفاضل من أهل المشهد أنّه رأى في تلك الأيام أمير المؤمنين عليه السّلام في المنام و في يده سواد فسأله عن ذلك فقال: لكثرة دفع الرّصاص عنكم، و الغرايب التي ينقلونها في تلك الواقعة كثيرة.

فأما التي اشتهرت بين أهل المشهد بحيث لا ينكره أحد منهم.

فمنها قصّة الدّهن و هو أنّ خازن الرّوضة المقدّسة المولى الصّالح البارع التّقى مولانا محمود قدس اللّه روحه كان هو المتوجّه لاصلاح العسكر الذي كانوا في البلد، و كانوا محتاجين إلى مشاعل كثيرة لمحافظة أطراف الحصار فلمّا ضاق الأمر و لم يبق في السّوق و لا في البيوت شي‏ء من الدّهن أعطاهم من الحياض التي كانوا يصبّون فيها الدّهن لا سراج الرّوضة و حواليها، فبعد إتمام جميع ما في الحياض و يأسهم من حصوله من مكان آخر رجعوا إليها فوجدوها مترعة من الدّهن فأخذوا منها و كفاهم إلى انقضاء و طرهم.

و منها أنّهم كانوا يرون في الليالي في رءوس الجدران و أطراف العمارات و المنارات نورا ساطعا بيّنا حتّى أنّ النّاس إذا كان يرفع يده إلى السّماء كان يرى أنامله كالشّموع المشتعلة.

و لقد سمعت من بعض أشارف الثّقات من غير أهل المشهد أنّه قال: كنت ذات ليلة نائما في بعض سطوح المشهد الشّريف فانتبهت فرأيت النّور ساطعا من الرّوضة المقدّسة و من أطراف جميع جدران البلد فعجبت من ذلك و مسحت يدي على عيني فنظرت فرأيت مثل ذلك فأيقظت رجلا كان نائما بجنبي فأخبرني‏ بمثل ما رأيت و بقي هكذا زمانا طويلا ثمّ ارتفع.

و سمعت أيضا من بعض الثّقات قال: كنت نائما في بعض الليالي على بعض سطوح البلد الشّريف فانتبهت فرأيت كوكبا نزل من السّماء بحذاء القبّة السّامية حتّى وصل إليها و طاف حولها مرارا بحيث أراه يغيب من جانب و يطلع من آخر ثمّ صعد إلى السّماء.

و من الامور المشهورة التي وقعت قريبا من زماننا أنّ جماعة من صلحاء أهل البحرين أتوا لزيارة الحسين عليه السّلام لادراك بعض الزيارات المخصوصة فأبطأوا و لم يصلوا إليه و وصلوا ذلك اليوم إلى الغري و كان يوم مطر و طين و كان مولانا محمود أغلق أبواب الرّوضة و قالوا قد حرمنا من زيارة ولدك فلا تحرمنا زيارتك فانّا من شيعتك و قد أتيناك من شقّة بعيدة، فبيناهم في ذلك إذ سقطت الاقفال و فتحت الأبواب و دخلوا و زاروا.

و هذا مشهور بين أهل المشهد و بين أهل البحرين غاية الاشتهار.

و منها ما تواترت به الأخبار و نظموها في الأشعار و شاع في جميع الاصقاع و الأقطار و اشتهر اشتهار الشّمس في رابعة النّهار و كان بالقرب من تاريخ الكتابة سنة اثنين و سبعين بعد الألف من الهجرة، و كان كيفيّة تلك الواقعة على ما سمعته من الثقّات أنّه.

كان في المشهد الغروي عجوز تسمّى بمريم، و كانت معروفة بالعبادة و التقوى فمرضت مرضا شديدا و امتدّ بها حتّى صارت مقهورة مزمنة و بقيت كذلك قريبا من سنتين بحيث اشتهر أمرها و كونها مزمنة في الغري.

ثمّ إنّها لتسع ليال خلون من رجب تضرّعت لدفع ضرّها إلى اللّه تعالى و استشفت بمولانا أمير المؤمنين عليه السّلام و شكت إليه في ذلك و نامت، فرأت في منامها ثلاث نسوة دخلن إليها واحدهنّ كالقمر ليلة البدر نورا و صفاء و قلن لها لا تخافى و لا تحزنى فانّ فرجك في الليلة الثّاني عشر من الشّهر المبارك.

فانتبهت فرحا و قصّت رؤياها على من حضرها و كانت منتظرة ليلة ثاني عشر رجب فمرّت بها و لم تر شيئا، ثمّ ترقّبت ليلة ثاني عشر شعبان فلم تر شيئا ايضا، فلما كانت ليلة تاسع شهر رمضان رأت في منامها تلك النسوة بأعيانهنّ و هنّ يبشّرنها، فقلن لها إذا كانت ليلة الثّاني عشر من هذا الشّهر فامض إلى روضة أمير المؤمنين و ارسلى إلى فلانة و فلانة و سمين نسوة معروفات و باقيات إلى حين هذا التحرير و اذهبي بهنّ معك إليها.

فلما أصبحت قصّت رؤياها و بقيت مسرورة مستبشرة بذلك إلى أن دخلت تلك الليلة فأمرت بغسل ثيابها و تطهير جسدها و أرسلت إلى تلك النّسوة و دعتهن فأجبن و ذهبن بها محمولة لأنّها كانت لا تقدر على المشي.

فلما مضى قريب من ربع الليل خرجت واحدة و اعتذرت منها و بقيت معها اثنتان و انصرف عنهنّ جميع من حضر الروضة المقدّسة و غلقت الأبواب و لم يبق في الرّواق غير هنّ فلما كان وقت السّحر و أرادت صاحبتاها أكل السّحور أو شرب التتن فاستحييا من الضّريح المقدّس فتركتاها عند الشّباك المقابل للضريح المقدس في جانب القبلة و ذهبتا إلى الباب الذي في جانب خلفه يفتح إلى الصّحن و خلفه الشّباك، فدخلتا هناك و أغلقتا الباب لحاجتهما.

فلما رجعتا إليها بعد قضاء و طرهما لم تجداها في الموضع الذي تركتاها ملقاة فيه، فتحيّرتا فمضتا يمينا و شمالا فاذا بها تمشى في نهاية الصّحة و الاعتدال.

فسألتاها عن حالها و ما جرى عليها فأخبرتهما أنّكما لمّا انصرفتما عنّي رأيت تلك النسوة اللّاتي رأيتهن في المنام أقبلن و حملنني و أدخلنني داخل القّبة المنورة و أنا لا أعلم كيف دخلت و من اين دخلت.

فلما قربت من الضّريح المقدّس سمعت صوتا من القبر يقول: حرّكن المرأة الصّالحة و طفن بها ثلاث مرّات فطفن بى ثلاث مرّات حول القبر، ثمّ سمعت صوتا آخر اخرجن المرأة الصّالحة من باب الفرج فأخرجننى من الباب الغربى الذي يكون خلف من يصلّي بين البابين بحذاء الرّأس و خلف الباب شباك يمنع الاستطراق و لم يكن الباب معروفا قبل ذلك بهذا الاسم.

قالت فالآن مضين عنّي و جئتماني و أنا لا أرا بى شيئا ممّا كان من المرض و الالم و الضّعف و أنا فى غاية الصّحة و القوّة، فلما كان آخر الليل جاء خازن الحضرة الشّريفة و فتح الابواب فرآهنّ يمشين بحيث لا يتميّز واحدة منهنّ.

و انّى سمعت من المولى الصّالح التّقى مولينا محمّد طاهر الذي بيده مفاتيح الرّوضة المقدّسة و من جماعة كثيرة من الصّلحاء الذين كانوا حاضرين في تلك الليلة في الحضرة الشّريفة أنّهم رأوها في أوّل الليلة محمولة عند دخولها و في آخر الليل سائرة أحسن ما يكون عند خروجها.

و في المجلد التّاسع من البحار من بعض مؤلفات أصحابنا عن زيد النّساج قال: كان لى جار و هو شيخ كبير عليه آثار النّسك و الصّلاح، و كان يدخل إلى بيته و يعتزل عن النّاس و لا يخرج إلّا يوم الجمعة.

قال زيد النسّاج: فمضيت يوم الجمعة إلى زيارة زين العابدين عليه السّلام فدخلت إلى مشهده فاذا أنا بالشّيخ الذي هو جاري قد اخذ من البئر ماء يريد أن يغتسل غسل الجمعة و الزّيارة.

فلما نزع ثيابه و اذا في ظهره ضربة عظيمة فتحها أكثر من شبر و هي تسيل قيحا و مدة، فاشمئز قلبي منها فحانت منه التفاتة فرآني فخجل فقال أنت زيد النساج فقلت: نعم، فقال لى: يا بنى عاوني على غسلي فقلت لا و اللّه لا اعاونك حتّى تخبرنى بقصّة هذه الضّربة التي بين كتفيك و من كف من خرجت و أىّ شي‏ء كان سببها.

فقال: يا زيد اخبرك بها بشرط أن لا تحدّث بها أحدا من النّاس إلّا بعد موتى فقلت: لك ذلك، فقال: عاونى على غسلي فاذا لبست أطماري حدّثتك بقصّتى، قال زيد فساعدته فاغتسل و لبس ثيابه و جلس في الشّمس و جلست إلى جانبه و قلت له حدّثني يرحمك اللّه فقال لي: اعلم أنّا كنّا عشرة أنفس قد تواخينا على الباطل و توافقنا على قطع الطريق و ارتكاب الآثام، و كانت بيننا نوبة نديرها في كلّ ليلة على واحد منا ليصنع لنا طعاما نفيسا و خمرا عتيقا و غير ذلك.

فلما كانت الليلة التاسعة و كنّا قد تعشينا عند واحد من أصحابنا و شربنا الخمر ثمّ تفرّقنا و جئت إلى منزلى و نمت، أيقظتني زوجتى و قالت لي إنّ الليلة الآتية نوبتها عليك و لا عندنا في البيت حبّة من الحنطة.

قال فانتبهت و قد طار السّكر من رأسى و قلت كيف أعمل و ما الحيلة والى أين أتوجّه فقالت لى زوجتى: الليلة ليلة الجمعة و لا يخلو مشهد مولينا عليّ بن أبي طالب من زوّار يأتون إليه يزورونه فقم و امض و اكمن على الطريق فلا بدّ أن ترى أحدا فتأخذ ثيابه فتبيعها و تشترى شيئا من الطعام لتتم مروّتك عند أصحابك و تكافيهم على ضيفهم.

قال: فقمت و أخذت سيفي و حجفتي و مضيت مبادرا و كمنت في الخندق الذي في ظهر الكوفة، و كانت ليلة مظلمة ذات رعد و برق فأبرقت برقة فاذا أنا بشخصين مقبلين من ناحية الكوفة، فلما قربا منّي برقت برقة اخرى فاذا هما امرئتان، فقلت في نفسي في مثل هذه السّاعة أتانى امرئتان ففرحت و وثبت إليهما و قلت لهما انزعا الحليّ الذي عليكما سريعا فطرحا.

فأبرقت السّماء برقة اخرى فاذا إحداهما عجوز و الاخرى شابة من أحسن النساء وجها كأنّها ظبية قنّاص«» أو درّة غواص، فوسوس لي الشّيطان على أن أفعل بها القبيح، فقلت في نفسي مثل هذه الشّابة التي لا يوجد مثلها حصلت عندي في هذا الموضع و اخلّيها، فراودتها عن نفسها.

فقالت العجوز: يا هذا أنت في حلّ مما أخذته منّا من الثياب و الحليّ فخلّنا نمضي إلى أهلنا فو اللّه إنّها بنت يتيمة من امّها و أبيها و أنا خالتها و في هذه الليلة القابلة تزفّ إلى بعلها و أنّها قالت لى: يا خالة إنّ الليلة القابلة أزفّ إلى ابن عمّى و أنا و اللّه راغبة في زيارة سيّدي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و إنى إذا مضيت عند بعلي ربّما لا يأذن لي بزيارته فلما كانت هذه اللّيلة الجمعة خرجت بها لأزوّرها مولاها و سيدها أمير المؤمنين فباللّه عليك لا تهتك سترها و لا تفص ختمها و لا تفضحها بين قومها.

فقلت لها: إليك عنّى و ضربتها و جعلت أدور حول الصّبية و هى تلوذ بالعجوز و هي عربانة ما عليها غير السّروال و هي في تلك الحال تعقد تكّتها و توثقها عقدا فدفعت العجوز عن الجارية و صرعتها إلى الأرض و جلست على صدرها و مسكت يديها بيد واحدة و جعلت أحلّ عقد التّكة باليد الاخرى و هي تضطرب تحتى كالسمكة في يد الصّياد و هى تقول: المستغاث بك يا اللّه المستغاث بك يا عليّ بن أبي طالب خلّصني من يد هذا الظالم.

قال: فو اللّه ما استتمّ كلامها إلّا و حسّ حافر فرس خلفى، فقلت في نفسي هذا فارس واحد و أنا أقوى منه و كانت لى قوّة زايدة و كنت لا أهاب الرّجال قليلا أو كثيرا، فلما دنا منّي فاذا عليها ثياب بيض و تحته فرس أشهب تفوح منه رايحة المسك فقال لى: يا ويلك خلّ المرأة فقلت له: اذهب لشأنك فأنت نجوت بنفسك تريد تنجى غيرك قال: فغضب من قولي و نقفنى«» بذبال«» سيفه بشي‏ء قليل فوقعت مغشيا عليّ لا أدرى أنا في الأرض أو في غيرها و انعقد لساني و ذهبت قوّتى لكنّي أسمع الصوت و أعي الكلام.

فقال لهما قوما البسا ثيابكما، فقالت العجوز: فمن أنت يرحمك اللّه و قد منّ اللّه علينا بك و إنّى اريد منك أن توصلنا إلى زيارة سيدنا و مولينا عليّ بن أبي طالب قال فتبسم في وجوههما و قال لهما: أنا عليّ بن أبي طالب ارجعا إلى أهلكما فقد قبلت زيارتكما.

قال: فقامت العجوز و الصّبية و قبلا يديه و رجليه و انصرفا في سرور و عافية قال الرّجل: فأفقت من غشوتى و انطلق لساني فقلت له: يا سيدي أنا تائب إلى اللّه على يدك و انى لا عدت ادخل في معصية أبدا، فقال: إن تبت تاب اللّه عليك، فقلت له: تبت و اللّه على ما أقول شهيد.

ثمّ قلت له: يا سيدي تركتني و في هذه الضّربة هلكت بلا شكّ، قال: فرجع إلىّ و أخذ بيده قبضة من تراب ثمّ وضعها على الضّربة و مسح بيده الشّريفة عليها فالتحمت بقدرة اللّه تعالى.

قال زيد النساج: فقلت: كيف التحمت و هذه حالتها فقال لى: إنّها و اللّه كانت ضربة مهولة أعظم ممّا تراها الآن و لكنّها بقيت موعظة لمن يسمع و يرى.

و من فرحة الغري معنعنا عن عليّ بن الحسن بن الحجاج من حفظه، قال: كنا جلوسا في مجلس ابن عمّى أبى عبد اللّه محمّد بن عمر بن الحجاج و فيه جماعة من أهل الكوفة من المشايخ و فيمن حضر العباس بن أحمد العباسى و كانوا قد حضروا عند ابن عمّى يهنونه بالسّلامة، لأنّه حضر وقت سقوط سقيفة سيدي أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام في ذي الحجة من سنة ثلاث و سبعين و مأتين.

فبينا هم قعود يتحدّثون إذ حضر المجلس إسماعيل بن عيسى العباسى، فلما نظرت الجماعة إليه أحجمت عمّا كانت فيه و أطال إسماعيل الجلوس، فلما نظر إليهم قال لهم: يا أصحابنا أعزّكم اللّه لعلّى قطعت حديثكم بمجيئي.

قال أبو الحسن عليّ بن يحيى السليمانى و كان شيخ الجماعة و مقدّما فيهم: لا و اللّه يا با عبد اللّه أعزك اللّه ما أمسكنا بحال من الأحوال، فقال لهم: يا أصحابنا اعلموا أنّ اللّه عزّ و جلّ مسائلى عمّا أقول لكم و ما أعتقده من المذهب حتّى حلف بعتق جواريه و مماليكه و حبس دوابه أنّه لا يعتقد إلّا ولاية عليّ بن أبي طالب و السّادة من الأئمة عليهم السّلام و عدّهم واحدا واحدا و ساق الحديث، فأبسط إليه أصحابنا و سألوهم و سألوه.

ثمّ قال لهم: رجعنا يوم جمعة من الصّلاة من المسجد الجامع مع عمّى داود فلما كان قبل منازلنا و قبل منزله و فدخلا الطريق قال لنا أينما كنتم قبل أن تغرب الشّمس فصيروا إلىّ و لا يكون أحد منكم على حال فيتخلف لأنّه كان جمرة بنى هاشم.

فصرنا إليه آخر النّهار و هو جالس ينتظرنا، فقال صيحوا بفلان و فلان من‏ الفعلة فجاء رجلان معهما آلتهما و التفت إلينا فقال: اجتمعوا كلكم فاركبوا في وقتكم هذا و خذوا معكم الجمل غلاما كان له أسود يعرف بالجمل، و كان لو حمل هذا الغلام على سكر دجلة لسكرها من شدّته و بأسه، و امضوا إلى هذا القبر الذي قد افتتن به النّاس و يقولون إنّه قبر عليّ حتّى تنبشوه و تجيبوني بأقصى ما فيه.

فمضينا إلى الموضع فقلنا دونكم و ما امر به، فحفر الحفارون و هم يقولون: لا حول و لا قوة إلّا باللّه في أنفسهم و نحن في ناحية حتّى نزلوا خمسة أذرع، فلما بلغوا إلى الصّلابة قال الحفارون: قد بلغنا إلى موضع صلب و ليس نقوى بنقره، فانزلوا الحبشى فأخذ المنقار فضرب ضربة سمعنا لها طنينا شديدا في البرّ، ثمّ ضرب ثانية فسمعنا طنينا أشدّ من ذلك، ثمّ ضرب الثالثة فسمعنا أشدّ ممّا تقدّم.

ثمّ صاح الغلام صيحة فقمنا فأشرفنا عليه و قلنا للذين كانوا معه: اسألوه ما باله فلم يجبهم، و هو يستغيث فشدّوه و اخرجوه بالحبل فاذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرفقه دم هو يستغيث لا يكلّمنا و لا يحير جوابا، فحملناه على البغل و رجعنا طائرين.

و لم يزل لحم الغلام بنثر من عضده و جنبيه و ساير شقّه الأيمن حتّى انتهينا إلى عمّي فقال: ايش و رائكم فقلنا: ما ترى و حدّثناه بالصّورة.

فالتفت إلى القبلة و تاب ممّا هو عليه و رجع عن المذهب و تولى و تبرّى و ركب بعد ذلك في الليل على مصعب بن جابر فسأله أن يعمل على القبر صندوقا و لم يخبره بشي‏ء ممّا جرى، و وجّه من طمّ الموضع و عمر الصّندوق عليه و مات الغلام الأسود من وقته.

و قال أبو الحسن الحجاج رأينا هذا الصّندوق الذي هذا حديثه لطيفا.

أقول: و ما ظهر منه عليه السّلام من هذا القبيل فوق حد الاحصاء و لا حاجة إلى الاطالة، فسبحان من آثر أولياءه بالكرامات الظاهرة و المعجزات القاهرة، و خصّهم بالمناقب السّنية و المآثر الرّفيعة.

إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى‏ وَ الرَّكْبُ أَسْفَلَ‏

و لشيخنا البهائي قدس اللّه روحه في مدح حرم الغري سلام اللّه على مشرّفه:

في ذا الحرم الأقدس بيت معمور
في خدمته ملائك العرش حضور

فيه القبس الذى ابن عمران رأى‏
فيه النّور الذى تجلّى للطور

و قال أيضا:

هذا الحرم الأقدس قد لاح لديك
فاسجد متخشعا و عفّر خدّيك‏

ذا طور سنين فاغضض الطرف به‏
هذا حرم العزّة فاخلع نعليك‏

و قال أيضا:

هذا النباء العظيم ما فيه خلاف
هذا لملايك السّماوات مطاف‏

هذا حرم اللّه لمن حجّ و طاف‏
من حلّ به فهو من النار معاف‏

الترجمة

و فرمود آن حضرت در سحر آن روزى كه ضربت يافت در او: مالك شد مرا چشم من يعنى غلبه نمود خواب بر من در حالتى كه من نشسته بودم، پس ظاهر شد بمن رسول خدا صلّى اللّه عليه و اله و سلّم پس گفتم يا رسول اللّه چيست اينها كه رسيدم از امت تو از كجى و دشمنى پس حضرت رسالت فرمود كه اى على دعاى بد كن برايشان، پس گفتم كه بدل گرداند و عوض دهد مرا خداى تعالى بايشان بهترى از براى من از ايشان يعنى بجاى ايشان جماعتى بهتر بمن كرامت فرمايد، و بدل گرداند و عوض دهد ايشان را بمن بدتر كسى از براى ايشان بجاى من تا اين كه ايشان را بجزا و سزاى عملهاى بدشان برساند.

 

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 68 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 69 صبحی صالح

69- و من كلام له ( عليه‏ السلام  ) في توبيخ بعض أصحابه‏

كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ

وَ الثِّيَابُ الْمُتَدَاعِيَةُ

كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ

كُلَّمَا أَطَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ

وَ انْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَّبَّةِ فِي جُحْرِهَا

وَ الضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا

الذَّلِيلُ وَ اللَّهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ

وَ مَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ

إِنَّكُمْ وَ اللَّهِ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ

قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ

وَ إِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ

وَ يُقِيمُ أَوَدَكُمْ

وَ لَكِنِّي لَا أَرَى إِصْلَاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي

أَضْرَعَ اللَّهُ خُدُودَكُمْ

وَ أَتْعَسَ جُدُودَكُمْ

لَا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ

وَ لَا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الْحَقَّ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من كلام له عليه السلام

و هو الثامن و الستون من المختار في باب الخطب

كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة، و الثّياب المتداعية، كلّماحيصت من جانب تهتّكت من آخر، كلّما أطلّ عليكم منسر من مناسر أهل الشّام أغلق كلّ رجل منكم بابه، و انحجر انحجار الضّبة في جحرها و الضّبع في و جارها، الذّليل و اللّه من نصرتموه، و من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل، و و اللّه إنّكم لكثير في الباحات، قليل تحت الرّايات و إنّي لعالم بما يصلحكم و يقيم أودكم، و لكنّي لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي، أضرع اللّه خدودكم، و أتعس جدودكم، لا تعرفون الحقّ كمعرفتكم الباطل، و لا تبطلون الباطل كإبطالكم الحقّ.

اللغة

(البكار) بالكسر جمع بكر بالفتح و هو الفتى من الابل و (العمدة) بكسر الميم من العمد الورم و الدّبر و قيل العمدة التي كسرها ثقل حملها، و قيل التي قد انشدخت اسنمتها من داخل و ظاهرها صحيح و (المتداعية) الخلقة التي تنخرق و إنّما سمّيت متداعية لأنّ بعضها يتخرّق فيدعوا لباقي إلى الانخراق.

و (الحوص) الخياطة يقال حاص الثوب يحوصه حوصا خاطه و (اطل) عليه بالطاء المهملة أشرف و في بعض النّسخ بالمعجمة أى اقبل اليكم و دنا منكم و (المنسر) كمجلس و كمنبر القطعة من الجيش تمرّ قدام الجيش الكثير و (الجحر) بالضّم كلّ شي‏ء يحتفره السّباع و الهوام لأنفسها و حجر الضّب كمنع دخله و حجره غيره أدخله فانحجر و تحجرّ و كذلك احجره و (الضّبة) انثي الضّباب و هي دابة برّية.

و (الضّبع) مؤنثه و (و جارها) بالكسر جحرها و (الافوق) المكسور الفوق و (النّاصل) المنزوع النّصل و (الباحة) السياحة و في بعض النّسخ الساحات و (الراية) العلم و (الاود) بالتّحريك العوج و (ضرع) إليه بالتثليث ضرعا بالتحريك و ضراعة خضع و ذلّ و استكان و اضرعه اللّه أذلّه و (التّعس) الهلاك و الانحطاط.

و (الجدود) بالضّم جمع الجدّ بالفتح كالجدودة و الاجداد و هو البخت و الحظّ و في الكتاب الكريم: وَ أَنَّهُ تَعالى‏ جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا.

الاعراب

جملة كلما حيصت في محلّ الرّفع صفة للثياب، و جملة كلّما اطل استينافية و تحتمل الاستيناف البياني فكانه سئل عن سبب المداراة فأشار إلى الجواب بها، و قوله الذّليل و اللّه من اه، جملة القسم معترضة بين الخبر و المبتدأ و تقديم الخبر لقصد الحصر، و جملة اضرع اللّه خدودكم، و أنعس جدودكم دعائيّتان لا محلّ لهما من الاعراب.

المعنى

اعلم أنّ المقصود بهذا الكلام توبيخ أصحابه، و ذمّهم بتثاقلهم عن الجهاد، و تقاعدهم عن النّهوض إلى حرب أهل الشّام، فأشار اوّلا إلى كونهم محتاجين إلى المداراة الكثيرة البعيدة عن شيمة أهل النّجدة و الشّجاعة و ذوي الفتوّة و الكياسة و نبّه على ذلك بقوله: (كم اداريكم كما تدارى البكار العمدة و الثياب المتداعية) اى كما يدارى صاحب البعير بعيره المنشدخ السّنام و لا بس الأثواب ثيابه الخلقة المنخرقة، و وجه تشبيههم بالبكار العمدة هو قلة صبرهم و شدّة اشفاقهم و عدم تحملهم لمشاق الجهاد و القتال كما يشتدّ جرجرة البكر العمد و يقل صبره و لا يتحمل ثقال الأحمال.

و وجه التّشبيه بالثياب المتداعية أنّ الثياب الموصوفة كما انّها (كلما حيصت من جانب تهتك من جانب آخر) فكذلك أصحابه كلّما أصلح حال بعضهم و انتظم أمرهم للحرب فسد عليه البعض الآخر (كلما اطل عليكم) و اشرف (منسر من مناسر اهل الشّام اغلق كلّ رجل منكم بابه) و لزم بيته من شدّة الجبن و الخوف و (انحجر انحجار الضّبة في حجرها و الضّبع في و جارها).

تخصيصهما من بين ساير الحيوانات بالذّكر لاتّصاف الاولى بالجهل و العقوق‏ حتّى صار يضرب بها المثل فى الجهل، و لذلك لا تحفر جحرها إلّا عند صخرة لئلا تضلّ عنه إذا خرجت لطلب الطعام و من عقوقها أنّها تأكل حسولها«» و اتصاف الثانية بالحمق كما عرفت ذلك في شرح سادس المختار فى باب الخطب، و خصّ الاناث منهما أيضا لأنهما أولى بالمخافة من الذّكر.

انّ (الذّليل و اللّه من نصرتموه) لاتّصاف المخاطبين في أنفسهم بالذلة فيلزم اتّصاف المنتصرين بهم بها أيضا (و من رمى بكم فقد رمى بافوق ناصل) شبّههم بالسّهم المكسور الفوق المنزوع النّصل لعدم الانتفاع بهم في الحرب كما لا ينتفع بالسّهم الموصوف و قد مضى مثل هذه العبارة في الخطبة التّاسعة و العشرين، و ذكرنا هنالك ما يوجب زيادة توضيحها.

(و و اللّه انّكم لكثير في المباحات قليل تحت الرايات) و صفهم بالكثرة في الاندية و القلّة تحت الألوية إشارة إلى جبنهم، فانّ هذين الوصفين من لوازم الجبن و الخوف كما أن مقابلهما من لوازم الفتوّة و الشجاعة و لذلك يهجو الشّعراء بالأوّل و يمدحون بالثاني قال الشّاعر:

أما انكم تحت الخوافق و القنا
لثكلاء لا زهراء من نسوة زهر

أ لستم أقلّ النّاس تحت لوائهم‏
و أكثرهم عند الذّبيحة و القدر

و قال آخر:

ثقال إذا لانوا خفاف إذا دعوا
قليل إذا عدوّا كثير إذا شدّوا

(و) اللّه (انّى لعالم بما يصلحكم و يقيم اودكم) و هو اقامة مراسم السّياسة فيهم من القتل و التّعذيب و استعمال وجوه الحيل و التّدبير و المخالفة لأمر اللّه سبحانه، و لذلك استدرك بقوله (و لكنّى لا أرى اصلاحكم بافساد نفسي) يعنى أنّ اصلاحكم بالقتل و السّياسة موجب لفساد نفسي و ديني و لا أرضى به كما يرتضيه ملوك الدّنيا و رؤسائها بلحاظ صلاح ملكهم و انتظام أمر مملكتهم لكون نظرهم مقصورا على زخارف الدّنيا و زهراتها العاجلة و غفلتهم بالكليّة عن الآخرة: و أما هو عليه السّلام فراعى صلاح نفسه و قدّمه على اصلاح حال الغير لانحصار همّته‏في الآخرة و انقطاعه بكليّته عن الدّنيا الفانية، فلم يكن يستحلّ منهم ما يستحلّ ساير الملوك من رعيّتهم من القتل و التّعذيب الموجبين للاثم و المعصية المستلزمين لفساد الدّين و السّخط في الآخرة.

ثمّ دعى عليه السّلام عليهم بقوله (اضرع اللّه خدودكم) و هو كناية عن ذلّة النّفس و الاستكانة و بقوله (و اتعس جدودكم) و هو كناية عن الخسران و الخيبة.

ثمّ نبّههم على علّة استحقاقهم للدّعاء بقوله (لا تعرفون الحقّ كمعرفتكم الباطل) أراد به جهلهم بما يلزم عليهم من القيام بوظايف التّكاليف الشّرعية و الاحكام الالهية و اشتغالهم بالامور الدّنيوية الباطلة (و لا تبطلون الباطل كابطالكم الحقّ) أراد به عدم ابطالهم للمنكر كابطالهم للمعروف.

الترجمة

از جمله كلام آن حضرتست در مذمت اصحاب خود: چقدر مدارا كنم با شما چنانكه مدارا كنند با شترانى كه كوفناك باشد كوهان ايشان، و هم چنانكه مدارا كنند با لباسهاى كهنه پاره پاره بمرتبه كه هر وقت دوخته شود از جانبى دريده مى‏شود از جانب ديگر هر وقت كه مشرف شود بر شما دسته لشكرى از لشكرهاى أهل شام مى ‏بندد هر مردى از شما در خانه خود از ترس و در آيد در سوراخ همچو در آمدن سوسمار در سوراخ خود و همچو در آمدن كفتار در خانه خود.

بخدا سوگند كه ذليل آن كسى است كه شما ناصر آن شده باشيد، و كسى كه تير اندازد با شما به دشمنان پس بتحقيق كه مى ‏اندازد بتير سوفار شكسته بى ‏پيكان قسم بخدا كه بدرستى شما هر آينه بسياريد در عرصها و اندكيد در زير علمها، و بدرستى من دانا هستم بچيزى كه اصلاح نمايد شما را و راست گرداند كجى شما را و ليكن من بخدا سوگند نمى‏ بينم اصلاح شما را با فساد نفس خود.

خوار گرداند خدا رخسارهاى شما را، و تباه گرداند نصيبهاى شما را، نمي شناسيد شما حق كامل را چنانچه مى‏ شناسيد باطل را، و باطل نمي‏گردانيد باطل را همچو باطل گردانيدن شما حق را يعنى شما با مورد دنيويه باطله مشغوليد و از امور اخروية غافل.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 67 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 68 صبحی صالح

68- و من كلام له ( عليه ‏السلام  ) لما قلد محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه و قتل‏

وَ قَدْ أَرَدْتُ تَوْلِيَةَ مِصْرَ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ

وَ لَوْ وَلَّيْتُهُ إِيَّاهَا لَمَّا خَلَّى لَهُمُ الْعَرْصَةَ

وَ لَا أَنْهَزَهُمُ الْفُرْصَةَ

بِلَا ذَمٍّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ

فَلَقَدْ كَانَ إِلَيَّ حَبِيباً

وَ كَانَ لِي رَبِيبا

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من كلام له عليه السلام

و هو السابع و الستون من المختار فى باب الخطب

لما قلّد محمّد بن أبي بكر مصر فملك عليه و قتل رحمة اللّه عليه و قد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة، و لو ولّيته إيّاها لما خلّى لهم العرصة، و لا أنهزهم الفرصة، بلا ذمّ لمحمّد، فلقد كان إليّ حبيبا و لي ربيبا.

اللغة

(العرصة) كلّ بقعة من الدّور واسعة ليس فيها بناء و المراد هنا عرصة مصر و (نهزت الفرصة) و انتهزتها اغتنمتها، و انهزت الفرصة بهمزة التّعدية اى انهزتها غيري و (الربيب) ابن امرأة الرّجل من غيره.

الاعراب

قوله بلا ذمّ، كلمة لا نافية معترضة بين الخافض و المخفوض، و قال الكوفيّون إنّها اسم بمعنى غير و الجار داخل عليها نفسها و ما بعدها مجرور باضافتها إليه، و غيرهم يراها حرفا و يسمّيها زائدة و ان كانت مفيدة معنى كما يسمّون كان في نحو زيد كان فاضلا زايدا فهى زايدة لفظا من حيث فصول عمل ما قبلها الى ما بعدها غيرة زايدة معنى لافادتها النّفي.

المعنى

اعلم انّه (لما قلّد محمّد بن أبي بكر مصر) قبل وقعة صفّين أى جعله و اليها كانّ ولايتها قلادة في عنقه لكونه مسؤولا عن خيرها و شرّها و انصرف النّاس من صفّين لم يزدد معاوية إلّا قوّة فبعث جيشا كثيفا إلى مصر فقاتلوا محمّدا (فملك) مصر (عليه) اى اخذه معاوية منه قهرا و استولى عليه (و قتل) محمّد قتله معاوية بن حديج الكندي حسبما تعرفه فلمّا جاءه صلّى اللّه عليه و آله نعى محمّد قال (و قد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة) ابن أبي وقاص (و لو وليّته ايّاها لما خلالهم العرصة و لا انهزهم الفرصة) كما انهزها محمّد إيّاهم و خلاها لهم و فرّ منها ظانّا أنّه بالفرار ينجو بنفسه فلم ينج و اخذ و قتل (بلا ذمّ لمحمّد) اى لست في كلامى ذلك ذامّا له لكون ذلك التخلية منه للعدوّ من العجز لا من التقصير و التّواني (ف) انّه (لقد كان إلىّ حبيبا و) كان (لى ربيبا)

تنبيهان

الاول

في ترجمة محمّد بن أبي بكر و هاشم بن عتبة أمّا محمّد فهو جليل القدر عظيم المنزلة من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام‏ قال ابن طاوس: ولد في حجة الوداع قتل بمصر سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة.

و عن رجال الكشّي عن الصّادق عليه السّلام محمّد بن أبى بكر أتته النجابة من قبل امّه أسماء بنت عميس، و عنه أيضا مسندا عن أبي جعفر عليه السّلام أنّ محمّد بن أبي بكر بايع عليّا على البراءة من أبيه، و في شرح المعتزلي امّ محمّد أسماء بنت عميس بن النّعمان ابن كعب بن مالك بن قحافة بن خثعم كانت تحت جعفر بن أبي طالب و هاجرت معه إلى الحبشة فولدت له هناك عبد اللّه بن جعفر الجواد، ثمّ قتل عنها يوم موتة فخلف عليها أبو بكر فأولدها محمّدا، ثمّ مات عنها فخلف عليها عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و كان محمّد ربيبته و خريجه و جاريا عنده مجرى اولاده و رضع الولا و التشيّع من زمن الصّبا فنشأ عليه فلم يكن يعرف أبا غير عليّ عليه السّلام و لا يعتقد لأحد فضيلة غيره حتّى قال عليّ: محمّد ابني من صلب أبي بكر، و كان يكنّي أبا القاسم في قول ابن قتيبة، و قال غيره بل يكنّى أبا عبد الرّحمن.

و كان محمّد من نسّاك قريش و كان ممّن أعان يوم الدّار، و اختلف هل باشر قتل عثمان أولا، و من ولد محمّد القاسم بن محمّد فقيه الحجاز و فاضلها، و من ولد القاسم عبد الرحمن بن القاسم كان من فضلاء قريش يكنّى ابا محمّد، و من ولد القاسم أيضا ام فروة تزوّجها الباقر أبو جعفر محمّد بن عليّ عليه السّلام انتهى.

أقول: و قد تقدّم في شرح الخطبة الشّقشقيّة أنّ الصادق عليه السّلام تولد من أمّ فروة.

و في مجالس المؤمنين انّ أهل السّنّة يسمّون معاوية بسبب اخته امّ حبيبة خال المؤمنين و لا يسمّون محمّدا بذلك مع أنّ عايشة اخته و هي أمّ المؤمنين عندهم و ذلك لنصب معاوية و عداوته لأمير المؤمنين عليه السّلام و كون محمّد رضي اللّه عنه من خواصّ أصحابه و خلّص تلامذته، و من شعره رضي اللّه عنه:

يا أبانا قد وجدنا ما صلح
خاب من أنت أبوه و افتضح‏

إنّما أخرجنا منك الذي‏
أخرج الدّرّ من الماء الملح‏

أنسيت العهد في خمّ و ما
قاله المبعوث فيه و شرح‏

فيك وصّى أحمد في يومها
أم لمن أبواب خير قد فتح‏

أم بارث قد تقمّصت بها
بعد ما يحتجّ عجلك و كشح‏

و سألك المصطفى عمّا جرى
من قضاياكم و من تلك القبح‏

ثمّ عن فاطمة و ارثها
من روى فيه و من فيه فضح‏

ما ترى عذرك في الحشر غدا
يا لك الويل إذ الحقّ اتّضح‏

فعليك الخزى من ربّ السماء
كلّما ناح حمام و صدح‏

يا بني الزّهراء أنتم عدّتى
و بكم في الحشر ميزاني رجح‏

و إذا صحّ ولائي بكم‏
لا ابالي أىّ كلب قد نبح‏

و أما هاشم فهو ابن عتبة بن أبي وقّاص و سمى المرقال لأنه كان يرقل في الحرب، و عن الاستيعاب أنه كان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نزل الكوفة و كان من الفضلاء الخيار، و كان من الأبطال، و فقئت عينه يوم البرموك و كان خيرا فاضلا شهد مع عليّ عليه السّلام الجمل، و شهد صفين و أبلا بلاء حسنا و بيده كانت راية علىّ على الرّجالة يوم صفين، و يومئذ قتل و كانت صفين سنة سبع و ثلاثين.

أقول: و قد تقدّم كيفية قتاله و شجاعته و شهادته رضى اللّه عنه في شرح الخطبة الخامسة و الستين.

الثاني

في الاشارة إلى بعض الفتن الحادثة بمصر، و شهادة محمّد بن أبي بكر رضي اللّه عنه فأقول: في شرح المعتزلي و البحار جميعا من كتاب الغارات لابراهيم بن محمّد الثقفي قال إبراهيم: باسناده عن الكلبي أنّ محمّد بن حذيفة هو الذي حرّض المصرّيين على قتل عثمان و ندبهم إليه، و كان حينئذ بمصر، فلمّا ساروا إلى عثمان و حصروه و ثب هو بمصر على عامل عثمان عليها، و هو عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح فطرده عنها و صلّى بالناس، فخرج ابن أبي سرح من مصر و نزل على تخوم أرض مصر مما يلي فلسطين، و انتظر ما يكون من أمر عثمان، فلما بلغ إليه خبر قتله و بيعة الناس لأمير المؤمنين عليه السّلام لحق بمعاوية.

قال: فلمّا ولى عليّ عليه السّلام الخلافة و كان قيس بن سعد بن عبادة من شيعته و مناصحيه قال له: سر إلى مصر فقد وليتكها و اخرج إلى ظاهر المدينة و اجمع ثقاتك و من أحببت أن يصحبك حتّى تاتي مصر و معك جند، فانّ ذلك ارعب لعدوّك و أعزّ لوليّك، فاذا قدمتها إنشاء اللّه فأحسن إلى المحسن و اشدد على المريب، و ارفق بالعامّة و الخاصّة فالرّفق يمن.

فقال قيس: يا أمير المؤمنين قد فهمت ما ذكرت، فأمّا الجند فانّى ادعه لك فاذا احتجت إليهم كانوا قريبا منك، و إن أردت بعثهم إلى وجه من وجوهك كانوا لك عدّة و لكني أسير إلى مصر بنفسي و أهل بيتي، و أمّا ما أوصيتني به من الرّفق و الاحسان فاللّه هو المستعان على ذلك.

قال: فخرج قيس في سبعة نفر من أهله حتّى دخل مصر و صعد المنبر و أمر بكتاب معه يقرأ على النّاس فيه: من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي من المسلمين، سلام عليكم فانّى أحمد اللّه إليكم الذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد فانّ اللّه بحسن صنعه و قدره و تدبيره اختار الاسلام دينا لنفسه و ملائكته و رسله، و بعث أنبيائه إلى عباده، فكان ممّا أكرم اللّه عزّ و جلّ به هذه الامة و خصّهم به من الفضل أن بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله إليهم فعلّمهم الكتاب و الحكمة و السّنّة و الفرائض، و أدّبهم لكيما يهتدوا و أجمعهم لكيلا يتفرّقوا، و زكّاهم لكيما يتطهّروا فلمّا قضى من ذلك ما عليه قبضه اللّه إليه، فعليه صلوات اللّه و سلامه و رحمته و رضوانه.

ثمّ إنّ المسلمين من بعده استخلفوا أميرين منهم صالحين«» أحييا السّيرة و لم يعدوا لسنّة، ثمّ توفيا فولى بعدهما من أحدث أحداثا فوجدت الامّة عليه مقالا فقالوا ثمّ نقموا عليه فغيّروا ثمّ جاءوني فبايعوني و أنا أستهدى اللّه للهدى و أستعينه على التقوى، ألا و انّ لكم علينا العمل بكتاب اللّه و سنّة رسوله و القيام بحقّه و النصح لكم بالغيب و اللّه المستعان و حسبنا اللّه و نعم الوكيل.

و قد بعثت لكم قيس بن سعد الأنصاري أميرا فواز روه و أعينوه على الحقّ، و قد أمرته بالاحسان إلى محسنكم و الشّدة على مريبكم و الرّفق بعوامكم و خواصكم‏ و هو ممّن ارضى هديه و أرجو صلاحه و نصحه، نسأل اللّه لنا و لكم عملا زاكيا و ثوابا جزيلا و رحمة اللّه و بركاته، و كتب عبيد اللّه بن أبى رافع في صفر سنة ست و ثلاثين.

قال: فلمّا فرغ من قراءة الكتاب قام قيس خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه و قال: الحمد للّه الذى جاء بالحقّ و أمات الباطل و كبت الظالمين أيّها النّاس إنا بايعنا خير من نعلم بعد نبيّنا فقوموا فبايعوا على كتاب اللّه و سنّة نبيّه فان نحن لم نعمل فيكم بكتاب اللّه و سنّة رسول اللّه فلا بيعة لنا عليكم.

فقام النّاس فبايعوه و استقامت مصر و أعمالها لقيس و بعث عليها عماله إلّا أنّ قرية فيها قد أعظم أهلها قتل عثمان و بها رجل من بنى كنانة يقال له يزيد بن الحرث فبعث إلى قيس إنّا لا نأتيك فابعث عمّا لك فالأرض أرضك و لكن اقرّنا على حالنا حتّى ننظر إلى ما يصير أمر النّاس و وثب مسلمة بن مخلد الأنصارى و دعا إلى الطلب بدم عثمان، فأرسل إليه قيس و يحك أعلى تثبّ و اللّه ما أحبّ انّ لى ملك الشّام و مصر و انّى قتلتك فاحقن دمك، فأرسل إليه مسلمة إنّى كاف عنك ما دمت والى مصر.

و كان قيس ذا رأى و حزم فبعث إلى الذين اعتزلوا أنّى لا اكرهكم على البيعة و لكنّى أدعكم و اكفّ عنكم، فهادنهم و هادن مسلمة بن مخلد و جي‏ء الخراج و ليس احد ينازعه.

قال إبراهيم: و خرج عليّ إلى الجمل و قيس على مصر و رجع إلى الكوفة من البصرة و هو بمكانه و كان أثقل خلق اللّه على معاوية لقرب مصر و أعمالها من الشّام فكتب معاوية إلى قيس و عليّ عليه السّلام يومئذ بالكوفة قبل أن يسير إلى صفين.

من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد سلام عليك فانّى أحمد إليك اللّه الذى لا إله إلّا هو أمّا بعد إن كنتم نقمتم على عثمان في اثرة «عثرة» رأيتموها أو ضربة سوط ضربها أو في شتمة أو تمييزه أحدا أو في استعماله الفتيان من أهله فانّكم قد علمتم إن كنتم تعلمون أنّ دمه لا يحلّ لكم بذلك، فقد ركبتم عظيما من الأمر و جئتم شيئا إدا، فتب يا قيس إلى ربك ان كنت من المجلبين على عثمان إن كانت التوبة قبل الموت تغنى شيئا.

و أمّا صاحبك فقد استيقنّا أنّه أغرى النّاس به و حملهم على قتله حتّى قتلوه و أنّه لم يسلم من دمه عظم قومك، فان استطعت يا قيس أن تكون ممّن يطلب بدم عثمان فافعل و بايعنا على عليّ في أمرنا هذا و لك سلطان العراقين إن أنا ظفرت ما بقيت و لمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان، و سلني عن غير هذا مما تحبّ فانك لا تسألنى شيئا إلّا اتيته و اكتب الىّ رأيك فيما كتبت اليك.

فلمّا جاء إليه كتاب معاوية أحبّ أن يدفعه و لا يبدى له أمره و لا يعجل له حربه فكتب إليه: أمّا بعد فقد وصل إلىّ كتابك و فهمت الّذى ذكرت من أمر عثمان و ذلك أمر لم اقاربه و ذكرت أنّ صاحبى هو الذي أغرى النّاس بعثمان و دسّهم إليه حتّى قتلوه، و هذا أمر لم اطلع عليه، و ذكرت لى أنّ عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان فلعمرى إنّ أولى النّاس كان في أمره عشيرتى.

و أما ما سألتني من مبايعتك على الطلب بدمه و ما عرضته علىّ فقد فهمته و هذا أمر لي فيه نظر و فكر و ليس رأس هذا ممّا يعجل إلى مثله و أنا كاف عنك و ليس يأتيك من قبلي شي‏ء تكرهه حتّى ترى و نرى إنشاء اللّه و السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.

قال إبراهيم: فلما قرء معاوية الكتاب لم يره إلّا مقاربا مباعدا و لم يأمن أن يكون مخادعا مكائدا فكتب إليه: أما بعد فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنو فأعدك سلما، و لم أرك تتباعد فأعدك حربا أراك كالجمل الجرور«» «كخيل الحرون خ» و ليس مثلى يصانع بالخداع و لا يخدع بالمكايد و معه عدد الرّجل و أعنّه الخيل، فان قبلت الذى عرضت عليك فلك ما أعطيتك و ان أنت لم تفعل ملئت مصر عليك خيلا و رجلا و السّلام.

فلما قرء قيس كتابه و علم انّه لا يقبل منه المدافعة و المطاولة أظهر له ما في نفسه، فكتب إليه من قيس بن سعد إلى معاوية بن أبى سفيان.

أما بعد فالعجب من استسقاطك رأيى و الطمع فيما تسومني«» لا أبا لغيرك من الخروج من طاعة أولى النّاس بالأمر و أقولهم بالحقّ و أهداهم سبيلا و أقربهم من رسول اللّه وسيلة أ تأمرني بالدخول في طاعتك طاعة أبعد النّاس من هذا الأمر و أقولهم بالزور و أضلّهم سبيلا و اناهم من رسول اللّه وسيلة و لديك قوم ضالّون مضلّون طواغيت إبليس، و أمّا قولك إنّك تملاء علىّ مصر خيلا، و رجلا فلئن لم أشغلك من ذلك حتّى يكون منك انك ذو جدّ و السّلام.

فلما أتى معاوية كتاب قيس آيس و ثقل مكانه عليه و كان يحبّ أن يكون مكانه غيره أعجب لما يعلم من قوّته و بأسه و نجدته، فاشتدّ أمره على معاوية فأظهر للنّاس أنّ قيسا قد بايعكم فادعوا اللّه له و قرء عليهم كتابه الذى لان فيه و قاربه و اختلق كتابا نسبه إلى قيس فقرأه على النّاس للأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس ابن سعد: أما بعد إنّ قتل عثمان حدث في الاسلام عظيما و قد نظرت لنفسي و ديني فلم أر يسعنى و دينى مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما، فنستغفر اللّه سبحانه لذنوبنا و نسأله العصمة لديننا ألا و إنّى قد القيت إليك بالسّلم و أجبتك إلى قتال قتلة امام الهدى المظلوم فاطلب منّي ما احببت من الامور و الرّجال اعجله إليك إنشاء اللّه، و السّلام على الامير و رحمة و بركاته.

قال فشاع في الشام كلّها أنّ قيسا صالح معاوية و أتت عيون عليّ بن أبي طالب إليه بذلك، فأعظمه و أكبره و تعجّب له و دعا ابنيه حسنا و حسينا و ابنه محمّدا و عبد اللّه بن جعفر فأعلمهم بذلك و قال: ما رأيكم فقال عبد اللّه بن جعفر: يا أمير المؤمنين دع ما يريبك إلى ما لا يريبك اعزل قيسا عن مصر، قال عليّ عليه السّلام و اللّه إنّي غير مصدّق بهذا على قيس، فقال عبد اللّه: اعزله يا أمير المؤمنين فان كان ما قد قيل حقّا لا يعتزل‏ لك إن عزلته.

قال: و إنّهم لكذلك إذ جاءهم كتاب من قيس بن سعد فيه.

أما بعد فانّى أخبرك يا أمير المؤمنين أكرمك اللّه و أعزّك، إنّ قبلى رجالا معتزلين سألونى أن أكفّ عنهم و أدعهم على حالهم حتّى يستقيم أمر النّاس و نرى و يرون، و قدر أيت أن أكفّ عنهم و لا اعجل بحربهم و ان اتالفهم بين ذلك لعل اللّه أن يقبل بقلوبهم و يفرّقهم عن ضلالتهم إنشاء اللّه و السّلام.

فقال عبد اللّه بن جعفر: يا أمير المؤمنين إنّك إن أطعته في تركهم و اعتزالهم استسرى الأمر و تفاقمت الفتنة و قعد عن بيعتك كثير ممّن تريده على الدّخول فيها و لكن مره بقتالهم، فكتب إليه: أمّا بعد فسر إلى القوم الذين ذكرت فان دخل فيما دخل فيه المسلمون و إلّا فناجزهم و السّلام.

فلما اتى هذا الكتاب قيسا فقرأه لم يتمالك ان كتب إلى عليّ عليه السّلام.

أمّا بعد يا أمير المؤمنين تأمرنى بقتل قوم كافين عنك لم يمدّ و ايدا للفتنة و لا أرصدوا لها فأطعني يا أمير المؤمنين و كفّ عنهم فانّ الرّأى تركهم و السّلام.

فلما أتاه الكتاب قال عبد اللّه بن جعفر: يا أمير المؤمنين ابعث محمّد بن أبي بكر إلى مصر يكفيك و اعزل قيسا فو اللّه ليبلغني أنّ قيسا يقول انّ سلطانا لا يتمّ إلّا بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء و اللّه ما احبّ أنّ لي سلطان الشّام مع سلطان مصر و انّنى قتلت ابن مخلد.

و كان عبد اللّه بن جعفر أخا محمّد بن أبي بكر لامّه و كان يحبّ أن يكون له امرة و سلطان فاستعمل عليّ محمّد بن أبي بكر مصر لمحبّته له و لهوى عبد اللّه بن جعفر أخيه فيه و كتب معه كتابا إلى أهل مصر فسار حتّى قدمها فقال له قيس: ما بال أمير المؤمنين ما غيره أدخل أحد بينى و بينه قال: لا و هذا السلطان سلطانك و كان بينهما نسب و كان تحت قيس قريبة بنت أبي قحافة اخت أبي بكر فكان قيس زوج عمّته، فقال قيس: لا و اللّه لا اقيم معك ساعة واحدة فغضب و خرج من مصرمقبلا إلى المدينة و لم يمض إلى عليّ بالكوفة.

فلما قدم المدينة جاء حسان بن ثابت شامتا به و كان عثمانيا فقال له: نزعك عليّ بن أبي طالب و قد قتلت عثمان فبقي عليك الاثم و لم يحسن عليك الشكر، فزجره قيس و قال: يا أعمى البصر و اللّه لو لا أن القى بيني و بين رهطك حربا لضربت عنقك ثمّ أخرجه من عنده.

ثمّ إنّ قيسا و سهل بن حنيف خرجا حتّى قدما على عليّ عليه السّلام الكوفة فخبره قيس الخبر و ما كان بمصر، فصدقه و شهد مع عليّ بصفين هو و سهل بن حنيف و كان قيس طوالا أطول النّاس و أمدّهم قامة و كان سبطا أصلع شجاعا مجربا مناصحا لعليّ عليه السّلام و لولده و لم يزل على ذلك إلى أن مات.

و عن هشام بن عروة قال: كان قيس على مقدّمة عليّ بصفين معه خمسه آلاف قد حلقوا رؤوسهم.

و في البحار وجدت في بعض الكتب أنّ عزل قيس من مصر ممّا غلب أمير المؤمنين أصحابه و اضطرّوه إلى ذلك و لم يكن هذا رأيه كالتّحكيم و لعلّه أظهر و أصوب.

قال إبراهيم و كان عهد عليّ عليه السّلام إلى محمد بن أبي بكر: هذا ما عهد عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى محمّد بن أبي بكر حين ولاه مصر، أمره بتقوى اللّه في السرّ و العلانية و خوف اللّه في المغيب و المشهد، و أمره باللين على المسلم و الغلظة على الفاجر، و بالعدل على أهل الذمة و بالانصاف للمظلوم و ما يشده على الظالم، و بالعفو على النّاس و بالاحسان ما استطاع و اللّه يجزى المحسنين و يعذّب المجرمين، و امره ان يدعو من قبله إلى الطاعة و الجماعة فانّ لهم في ذلك من العافية و عظم المثوبة ما لا يقدر قدره و لا يعرف كنهه.

و أمره أن يجبي خراج الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل لا ينتقص و لا يبتدع ثمّ يقسمه بين أهله كما كانوا يقسمونه عليه من قبل، و ان تكن لهم حاجة يواسي بينهم في مجلسه، و وجهه ليكون القريب و البعيد عنده على سواء، و أمره أن يحكم بين النّاس بالحقّ و أن يقوم بالقسطاس و لا يتبع الهوى و لا يخاف في اللّه لومة لائم فانّ اللّه مع من اتّقاه و آثر طاعته على من سواه، و كتب عبيد اللّه بن أبي رافع مولى رسول اللّه بغرّة شهر رمضان سنة ستّ و ثلاثين.

قال إبراهيم: ثمّ قام محمّد بن أبي بكر خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه و قال: أمّا بعد فالحمد للّه الذي هدانا و إيّاكم لما اختلف فيه من الحقّ، و بصّرنا و إيّاكم كثيرا ممّا عمى عنه الجاهلون ألا و إنّ أمير المؤمنين، و لانّي اموركم و عهد إليّ بما سمعتم و أوصاني بكثير منه مشافهة و لن الوكم جهدا ما استطعت، و ما توفيقي إلّا باللّه عليه توكّلت، و إليه انيب، فان يكن ما ترون من آثارى و أعمالي طاعة للّه و تقوى فاحمدوا اللّه على ما كان من ذلك فانّه هو الهادى إليه، و إن رأيتم من ذلك عملا بغير الحقّ فارفعوه إلىّ فانّي بذلك أسعد و أنتم بذلك جديرون، وفقنا اللّه و إيّاكم لصالح العمل.

أقول: و لأمير المؤمنين عليه السّلام كتاب آخر مبسوط إلى محمّد و أهل مصر و رواه إبراهيم نرويه إنشاء اللّه في باب الكتب إن ساعدنا التّوفيق و المجال.

ثمّ قال إبراهيم: فلم يلبث محمّد بن أبي بكر شهرا كاملا حتّى بعث إلى أولئك المعتزلون الذين كان قيس بن سعد مواد عالهم، فقال: يا هؤلاء إمّا أن تدخلوا في طاعتنا و إمّا ان تخرجوا من بلادنا، فبعثوا إليه إنّا لا نفعل فدعنا حتّى ننظر إلى ما يصير أمر النّاس فلا تعجل علينا فأبى عليهم فامتنعوا منه و أخذوا حذرهم، ثمّ كانت وقعة صفين و هم لمحمّد هايبون فلمّا أتاهم خبر معاوية و أهل الشّام ثمّ صار الأمر إلى الحكومة و أنّ عليّا و أهل العراق قد غفلوا عن معاوية و الشّام إلى عراقهم، اجتروا على محمّد و أظهروا المنابذة له، فلما رأى محمّد ذلك بعث إليهم ابن جمهان البلوى و معه يزيد بن الحرث الكناني فقاتلاهم فقتلوهما.

ثمّ بعث إليهم رجلا من كلب فقتلوه أيضا، و خرج معاوية بن حديج«» من السّكاسك يدعو إلى الطلب بدم عثمان، فأجابه القوم و ناس كثير آخرون و فسدت مصر على محمّد بن أبي بكر، فبلغ عليا توثّبهم عليه، فقال: مالي أرى لمصر إلّا و أحد الرّجلين صاحبنا الذى عزلناه بالأمس يعني قيس بن سعد أو مالك بن الحرث الأشتر و كان عليّ حين رجع عن صفين ردّ الاشتر إلى عمله بالجزيرة و قال لقيس بن سعد: أقم أنت معي على شرطتى حتّى نفرغ من أمر هذه الحكومة ثمّ اخرج إلى اذربيجان فكان قيس مقيما على شرطته.

فلمّا انقضى أمر الحكومة كتب إلى الأشتر و هو يومئذ بنصيبين و طلبه إليه و بعثه إلى مصر و مات قبل الوصول إليه بتفصيل تطلع عليه في باب الكتب أيضا إنشاء اللّه قال ابراهيم: فحدث محمّد بن عبد اللّه عن أبي سيف المدايني عن أبي جهضم الأزدي أنّ أهل الشّام لمّا انصرفوا عن صفّين و أتى بمعاوية خبر الحكمين و بايعه أهل الشّام بالخلافة لم يزدوا إلّا قوّة و لم يكن لهم همّ إلّا مصر فدعا عمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة و بسر بن أرطاة و الضّحاك بن قيس و عبد الرّحمن بن خالد و شرجيل بن السّمط و أبا الأعور السّلمي و حمزة بن مالك فاستشارهم في ذلك.

قال عمرو بن العاص: نعم الرّأى رأيت في افتتاحها عزّك و عزّ أصحابك و ذلّ عدوّك، و قال آخرون نرى ما رأى عمرو، فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد الانصارى و إلى معاوية بن حديج الكندي و كانا قد خالفا عليّا فدعا هما إلى الطلب بدم عثمان، فأجابا و كتبا إليه: عجّل الينا بخيلك و رجلك فانّا ننصرك و يفتح اللّه عليك.

فبعث معاوية عمر بن العاص في ستّة آلاف فسار عمرو في الجيش حتّى دنى من مصر فاجتمعت إليه العثمانيّة فأقام، و كتب إلى محمّد بن أبي بكر.

أمّا بعد فتنحّ عنّي يابن أبي بكر فانّي لا احبّ أن يصيبك منّي ظفر و أنّ‏ النّاس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك و رفض أمرك و ندموا على اتباعك و هم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطنان، فاخرج منها فانّي لك من النّاصحين و السّلام قال: و بعث عمرو إلى محمّد مع هذا الكتاب كتاب معاوية إليه و هو أمّا بعد فانّ غب الظلم و البغى عظيم الوبال و انّ سفك الدّم الحرام لا يسلم صاحبه من النّقمة في الدّنيا و التّبعة الموبقة في الآخرة، و ما نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا و لا أسوء له عينا و لا أشدّ عليه خلافا منك، سعيت عليه في السّاعين و ساعدت عليه في المساعدين و سفكت دمه مع السّافكين، ثمّ تظنّ انّي نائم عنك فتأتى بلدة فتأمن فيها و جلّ أهلها أنصارى يرون رأيي و يرفعون قولك و يرقبون عليك و قد بعثت اليك قوما حناقا عليك يسفكون دمك و يتقرّبون إلى اللّه عزّ و جلّ بجهادك و قد اعطوا اللّه عهدا ليقتلنّك و لو لم يكن منهم إليك ما قالوا لقتلك اللّه بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه، و أنا احذّرك و انظرك فانّ اللّه مقيد منك و مقتص لوليّه و خليفته بظلمك به و بغيك عليه و وقيعتك فيه و عداوتك يوم الدّار عليه، تطعن بمشاقصك فيما بين أحشائه و أو داجه، و مع هذا فانّى أكره قتلك و لا احبّ أن أتولّى ذلك منك و لن يسلمك اللّه من النّقمة اين كنت أبدا فتنحّ و انج بنفسك و السّلام.

قال: فطوى محمّد بن أبي بكر كتابيهما و بعث بهما إلى عليّ عليه السّلام و كتب إليه: أمّا بعد يا أمير المؤمنين فانّ العاصى ابن العاص قد نزل أدنى مصر و اجتمع إليه من أهل البلد كلّ من كان يرى رأيهم و هو في جيش جرّار و قد رأيت ممّن قبلي بعض الفشل فان كان لك في أرض مصر حاجة فامددني بالأموال و الرّجال، و السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.

فكتب عليه السّلام اليه: فقد أتاني رسولك بكتاب تذكر أنّ ابن العاص قد نزل أدنى مصر في جيش جرّار و أنّ من كان على مثل رأيه قد خرج إليه و خروج من كان على رأيه خير من اقامته عندك، و ذكرت أنّك قد رأيت ممّن قبلك فشلا فلا تفشل و ان فشلوا، حصّن قريتك و اضمم إليك شيعتك، و أوّل الحرس في عسكرك و اندب الى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنّصيحة و التّجربة و البأس، فانا نادب اليك الناس‏على ال صعب و الذّلول فاصبر لعدوّك و امض بصيرتك و قاتلهم على نيتّك و جاهدهم محتسبا منه سبحانه، و إن كان فئتك أقلّ الفئتين فان اللّه تعالى يعين القليل و يخذل الكثير.

و قد قرئت كتاب الفاجرين المتحابّين (المتحامين خ ل) على المعصية و المتلائمين على الضلالة و المرتشين في الحكومة و المنكرين على أهل الدّين الذين استمتعوا بخلافهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم، فلا يضرّنك ارعادهما و ابراقهما، واجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله، فانّك تجد مقالا ما شئت و السّلام.

قال: فكتب محمّد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه أمّا بعد فقد أتاني كتابك تذكر من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه و تأمرني بالتنحى عنك كأنك لي ناصح و تخوّفني بالحرب كأنّك علىّ شفيق، و أنا أرجو أن تكون الدائرة عليكم و أن يخذلكم اللّه في الواقعة و أن ينزل بكم الذلّ و أن تولّوا الدّبر، فان يكن لكم الأمر في الدّنيا فكم و كم لعمري من ظالم قد نصرتم و كم من مؤمن قد قتلتم و مثلتم به و إلى اللّه المصير، و إليه تردّ الامور، و هو أرحم الرّاحمين، و اللّه المستعان على ما تصفون.

و كتب إلى عمرو بن العاص: أمّا بعد فقد فهمت كتابك و علمت ما ذكرت و زعمت أنّك لا تحبّ أن يصيبني منك الظفر، فاشهد باللّه أنّك لمن المبطلين، و زعمت أنّك لي ناصح و اقسم أنّك عندى ظنين، و زعمت أنّ أهل البلد قد رفضوني و ندموا على اتباعي فأولئك حزبك و حزب الشّيطان الرّجيم، و حسبنا اللّه ربّ العالمين، و توكلت على اللّه العزيز الرّحيم، ربّ العرش العظيم.

قال إبراهيم: فحدّثنا محمّد بن عبد اللّه عن المدايني قال: فأقبل عمرو بن العاص يقصد قصد مصر فقام محمّد بن أبي بكر في النّاس فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد يا معاشر المسلمين فانّ القوم الذين كان ينتهكون الحرمة و يغشون أرض الضّلالة و يستطيلون بالجبرية قد نصبوا لكم العداوة و ساروا إليكم بالجنود، فمن أراد الجنّة و المغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في اللّه، انتدبوا رحمكم اللّه‏ مع كنانة بن بشر.

ثمّ ندب معه ألفى رجل، و تخلّف محمّد في ألفين و استقبل عمرو بن العاص كنانة و هو على مقدمة محمّد فلمّا دنى عمرو من كنانة سرح إليه الكتائب كتيبة بعد كتيبة، فلم تأته كتيبة من كتائب أهل الشّام إلّا شدّ عليها بمن معه فيضربها حتّى يلحقها بعمرو، ففعل ذلك مرارا، فلمّا رأى عمرو ذلك بعث معاوية بن حديج الكندي فأتاه في مثل الدّهم، فلمّا رأى كنانة ذلك الجيش نزل عن فرسه و نزل معه أصحابه و ضاربهم بسيفه حتّى استشهد.

قال: فلمّا قتل كنانة أقبل ابن العاص نحو محمّد و قد تفرّق عنه أصحابه، فخرج محمّد فمضى في طريق حتّى انتهى إلى خربة فآوى اليها، و جاء عمر و بن العاص حتّى دخل الفسطاط و خرج ابن حديج في طلب محمّد حتّى انتهى إلى علوج«» على قارعة الطريق فسألهم هل مرّ بكم أحد تنكرونه قالوا: لا قال أحدهم: إنّي دخلت تلك الخربة فاذا أنا برجل جالس، قال ابن حديج: هو هو و ربّ الكعبة.

فانطلقوا يركضون حتّى دخلوا على محمّد فاستخرجوه و قد كاد يموت عطشا، فاقبلوا به نحو الفسطاط فوثب أخوه عبد الرّحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص و كان في جنده فقال: لا و اللّه لا يقتل أخى صبرا ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه، فأرسل عمرو بن العاص أن ائتنى بمحمّد، فقال معاوية: أ قتلتم كنانة بن بشر ابن عمّي و اخلّى عن محمّد، هيهات هيهات أَ كُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ.

فقال محمّد: اسقوني قطرة من ماء، فقال له ابن حديج لا سقاني اللّه إن سقيتك قطرة أبدا، إنّكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتّى قتلتموه صائما محرما فسقاه اللّه من الرّحيق المختوم«» و اللّه لأقتلنّك يابن أبي بكر و أنت ظمآن و يسقيك اللّه من الحميم و الغسلين.

فقال محمّد: يا بن اليهودية النسّاجة ليس ذلك اليوم إليك و لا إلى عثمان و إنّما ذلك إلى اللّه يسقى أولياءه و يظمأ أعداءه و هم أنت و قرناءك و من تولّاك و تولّيته، و اللّه لو كان سيفى بيدي ما بلغتم مني ما بلغتم، فقال له معاوية بن حديج: أ تدرى ما أصنع بك أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثمّ احرقه عليك بالنّار.

قال: ان فعلتم ذلك بي فطال ما فعلتم ذاك بأولياء اللّه و أيم اللّه إنّي لأرجو أن يجعل اللّه هذه النّار التي تخوّفني بها بردا و سلاما كما جعلها اللّه على إبراهيم خليله و أن يجعلها عليك و على أوليائك كما جعلها على نمرود و على أوليائه و إنّي لأرجو أن يحرقك اللّه و إمامك معاوية و هذا، و أشار إلى عمرو بن العاص بنار تلظى عليكم كلما خبت زادها اللّه عليكم سعيرا.

فقال معاوية بن حديج إنّي لأقتلك ظمآنا إنما أقتلك بعثمان بن عفّان، قال محمّد: و ما أنت و عثمان رجل عمل بالجور و بدّل حكم اللّه و القرآن و قد قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ، وَ الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ.

فنقمنا عليه أشياء عملها فأردناه أن يختلع من عملنا فلم يفعل فقتله من قتله من النّاس، فغضب معاوية بن حديج فضرب عنقه ثمّ القاه في جوف حمار و أحرقه بالنّار.

فلمّا بلغ ذلك عايشة جزعت عليه جزعا شديدا و قنتت في دبر كلّ صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و معاوية بن حديج، و قبضت عيال محمّد أخيها و ولده إليها فكان القاسم بن محمّد في عيالها، و حلفت عايشة أن لا تأكل شوى أبدا بعد قتل محمّد، فلم تأكل شوى حتى لحقت باللّه، و ما عثرت قطّ إلّا قالت تعس«» معاوية بن ابى سفيان و عمرو بن العاص و معاوية بن حديج.

قال إبراهيم: و حدّثني محمّد بن عبد اللّه عن المدائني عن الحرث بن كعب عن حبيب بن عبد اللّه، قال و اللّه إنّي لعند عليّ اذ جاءه عبد اللّه بن معين من قبل محمّد بن‏ أبي بكر يستصرخه قبل الوقعة، فقام عليّ عليه السّلام فنادى في النّاس الصّلاة جامعة فاجتمع النّاس فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و ذكر رسول اللّه ثمّ قال عليه السّلام: أمّا بعد فهذا صريخ محمّد بن أبي بكر و اخوانكم من أهل مصر قد سار اليهم ابن النّابغة عدوّ اللّه و عدوّ من والاه و ولّا من عاد اللّه، فلا يكونن أهل الضّلال إلى باطلهم و الرّكون إلى سبيل الطاغوت أشدّ اجتماعا على باطلهم منكم على حقّكم، و قد بدءوكم و اخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة و النّصر، عباد اللّه إن مصر أعظم من الشّام خيرا و خير أهلا فلا تغلبوا على مصر فانّ بقاء مصر في أيديكم عزّ لكم و كبت لعدوّكم اخرجوا إلى الجزعة «و الجزعة بين الحيرة و الكوفة» لنتوا في هناك كلّنا غدا إنشاء اللّه.

قال فلمّا كان الغد خرج يمشى فأقام حتّى انتصب النّهار فلم يوافه مأئة رجل فرجع فلما كان العشاء بعث إلى الأشراف فجمعهم فدخلوا عليه القصر و هو كئيب حزين فقال عليه السّلام: الحمد للّه على ما قضى من أمر و قدّر من فعل و ابتلاني بكم أيّها الفرقة التي لا تطيع إذا أمرتها، و لا تجيب إذا دعوتها، لا أبا لغيركم ما ذا تنتظرون بنصركم و الجهاد على حقّكم، الموت خير من الذّلّ في هذه الدّنيا لغير الحقّ، و اللّه إن جائني الموت و ليأتينّي فليفرقنّ بيني و بينكم لتجدنّني لصحبتكم جدّ.

قال: ألا دين يجمعكم ألاحمية تغيظكم ألا تسمعون بعدوّكم ينتقص بلادكم و يشن الغارة عليكم أو ليس عجبا أنّ معاوية يدعو الجفاة الظعام الظلمة فيتّبعونه على غير عطاء و معونة و يجيبونه في السنّة المرّة و المرّتين و الثلاث إلى أىّ وجه شاء ثمّ أنا أدعوكم و أنتم أولو النّهى و بقيّة النّاس تختلفون و تفرّقون منّي و تعصونني و تخالفون عليّ.

فقام إليه مالك بن كعب الارحبى فقال: يا أمير المؤمنين اندب النّاس معي فانّه لا عطر بعد عروس، و إنّ الأجر لا يأتي إلّا بالكره، ثمّ التفت إلى النّاس، و قال: اتقوا اللّه و أجيبوا دعوة إمامكم و انصروا دعوته و قاتلوا عدوّكم إنا نسير إليهم يا أمير المؤمنين.

فأمر عليّ عليه السّلام سعدا مولاه أن ينادى ألاسيروا مع مالك بن كعب إلى مصر و كان وجها مكروها فلم يجتمعوا إليه شهرا، فلما اجتمع له منهم ما اجتمع خرج بهم مالك بن كعب فعسكر ظاهر الكوفة و خرج معه عليّ عليه السّلام فنظر فاذا جميع النّاس نحو من ألفين فقال عليّ عليه السّلام سيروا و اللّه أنتم ما اخالكم تدركون القوم حتى ينقضي أمركم، فخرج مالك بهم و سار خمس ليال.

و قدم الحجاج بن عرية الأنصاري على عليّ عليه السّلام و قدم عليه عبد الرّحمن بن المسيّب الفرازي من الشّام، فأمّا الفرازي فكان عينا لعليّ لا ينام و أما الأنصارى فكان مع محمّد بن أبي بكر، فحدّثه الأنصارى بما عاين و شاهد و أخبره بهلاك محمّد و أخبره الفرازى انّه لم يخرج من الشّام حتّى قدمت البشرى من قبل عمرو بن العاص فيتبع بعضها بعضا بفتح مصر و قتل محمّد بن أبي بكر و حتّى اذن معاوية بقتله على المنبر و قال: يا أمير المؤمنين ما رأيت يوما قط سرورا مثل ما رأيته بالشّام حين أتاهم قتل ابن أبي بكر، فقال عليّ عليه السّلام أما إنّ حزننا على قتله على قدر سرورهم به لا بل يزيد أضعافا.

قال و حزن عليّ عليه السّلام على محمّد حتّى رؤى ذلك فيه و تبيّن في وجهه و قام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: الا و انّ المصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور و الظلم الذين صدّوا عن سبيل اللّه و بغوا الاسلام عوجا، ألا و إنّ محمّد بن أبي بكر قد استشهد رحمة اللّه عليه و عند اللّه نحتسبه، أما و اللّه لقد كان ما عملت ينتظر القضاء و يعمل للجزاء و يبغض شكل الفاجر و يحبّ سمت المؤمن، إنّى و اللّه ما ألوم نفسي على تقصير و لا عجز و إنّي لمقاساة الحرب مجد بصير إني لأقدم على الحرب و أعرف وجه الحزم و أقوم بالرّاى المصيب فاستصرخكم و اناديكم مستغيثا فلا تسمعون قولا و لا تطيعون لي أمرا حتّى تصير الامور إلى عواقب المسائة و أنتم القوم لا يدرك بكم الثّار و لا ينقص بكم الأوتار، دعوتكم إلى غياث اخوانكم منذ بضع و خمسين ليلا فجر جرتم علىّ جرجرة الجمل الأشر و تثاقلتم إلى الارض تثاقل من لا نيّة له في الجهاد و لا راى في الاكتساب للأجر، ثمّ خرج إلىّ منكم‏ جنيد متدائب ضعيف كانما تساقون إلى الموت و هم ينظرون فافّ لكم، ثمّ نزل فدخل رحله.

قال المدايني: إنّ عليّا عليه السّلام قال: رحم اللّه محمّدا كان غلاما حدثا لقد كنت أردت أن اولي المر قال هاشم بن عتبة مصرا فانّه و اللّه لو وليها ما خلى لابن العاص و اعوانه العرصة و لا قتل إلّا و سيفه في يده بلا ذمّ لمحمد فلقد أحمد نفسه و قضا ما عليه.

قال المدايني و قيل لعليّ عليه السّلام لقد جزعت يا امير المؤمنين على محمّد بن أبي بكر فقال: و ما يمنعني إنّه كان لي ربيبا و كان لي أخا و كنت له والدا أعده ولدا.

الترجمة

از جمله كلام آن امام انام است در وقتى كه ايالت مصر را بمحمد بن أبي بكر تفويض فرمود: پس مملوك شد مصر و مقتول گرديد محمّد يعني محمّد را بامر معاويّه ملعون شهيد كردند و بمصر مستولي شدند و بتحقيق كه مى‏ خواستم هاشم بن عتبه را والي مصر نمايم و اگر او را والي مصر كرده بودم هر آينه خالى نمى ‏كرد از براى دشمنان عرصه مصر را و نمى داد بايشان فرصت را در حالتي كه مذمت نمى ‏كنم محمّد را، پس بتحقيق كه بود محمّد بسوى من دوست مخلص و بود مرا پسر زن از جهت اين كه مادر او اسماء بنت عميس زوجه جعفر بن ابي طالب بود، و بعد از او ابو بكر او را تزويج نمود و محمّد از او متولد شد و بعد از وفات ابي بكر امير المؤمنين عليه السّلام آنرا بنكاح خود در آورد

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 66 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 67 صبحی صالح

67- و من كلام له ( عليه ‏السلام  ) قالوا لما انتهت إلى أمير المؤمنين ( عليه ‏السلام  ) أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله ( صلى‏ الله ‏عليه‏ وآله‏ وسلم  )

قال ( عليه‏ السلام  ) ما قالت الأنصار

قالوا قالت منا أمير و منكم أمير قال ( عليه ‏السلام  )

فَهَلَّا احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى ‏الله ‏عليه ‏وسلم  )وَصَّى بِأَنْ‏يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهِمْ

وَ يُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ

قَالُوا وَ مَا فِي هَذَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ

فَقَالَ ( عليه ‏السلام  )لَوْ كَانَ الْإِمَامَةُ فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ

ثُمَّ قَالَ ( عليه ‏السلام  )فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ

قَالُوا احْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَةُ الرَّسُولِ ( صلى‏ الله‏ عليه‏ وسلم  )

فَقَالَ ( عليه ‏السلام  )احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ

وَ أَضَاعُوا الثَّمَرَة

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من كلام له عليه السلام فى معنى الانصار

و هو السادس و الستون من المختار فى باب الخطب

قالوا: لمّا انتهت إلى أمير المؤمنين أنباء السّقيفة بعد وفات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال عليه السّلام ما قالت الانصار قالوا قالت: منّا أمير و منكم أمير قال عليه السّلام: فهلّا احتججتم عليهم بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وصّى بأن يحسن إلى محسنهم، و يتجاوز عن مسيئهم قالوا: و ما في هذا من الحجّة عليهم قال عليه السّلام: لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصيّة بهم، ثمّ قال: فما ذا قالت قريش قالوا: احتجّت بأنّها شجرة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله فقال عليه السّلام: احتجّوا بالشّجرة و أضاعوا الثّمرة.

اللغة

(النّبأ) كالخبر لفظا و معنا و (السّقيفة) الصّفة و سقيفة بني ساعدة فعيلة بمعنى مفعولة و هي ظلّة كانت مجمع الأنصار و دار ندوتهم لفصل القضايا و (وصيت) الشّي بالشي‏ء أصيه من باب و عدو وصيته و وصيت إلى فلان توصية و أوصيته ايصاء و الاسم الوصاية بالكسر و الفتح لغة، و هو وصيّ فعيل بمعنى مفعول و الجمع الأوصياء و أوصيت له بمال جعلته له، و أوصيته بولده استعطفته عليه، و أوصيته بالصّلاة أمرته بها قال تعالى: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

الاعراب

هلّا من حروف التّحصيص، قال نجم الائمة الرّضي: و معناها إذا دخلت على الماضى التّوبيخ و اللوم على ترك الفعل، و في المضارع الحضّ على الفعل و الطلب له، فهي في المضارع بمعنى الأمر و لا يكون التّحضيض في الماضي الذي قد فات إلّا أنّها تستعمل كثيرا في لوم المخاطب على انّه ترك في الماضى شيئا يمكن تداركه في المستقبل، فكأنّها من حيث المعنى للتّحضيض على فعل مثل ما فات، قوله: فما ذا قالت، يحتمل أن يكون ذا موصولة و أن تكون زايدة كما في قولهم: ما ذا صنعت و من ذا رأيت.

المعنى

اعلم انّه (لما انتهت إلى أمير المؤمنين أنباء أهل السقيفة بعد وفات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله) و مشاجرات المهاجرين و الأنصار و دعوى كل منهما استحقاق الخلافة لنفسه و احتجاج كلّ من الطرفين على الآخر بذكر المناقب و السّوابق (قال عليه السّلام ما قالت الانصار) المهاجرين (قالوا) انّهم (قالت منّا امير و منكم امير قال عليه السّلام فهلا احتججتم عليهم بانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم وصى بان يحسن إلى محسنهم و يتجاوز عن مسيئهم) و قد مرّ تلك الوصيّة في المقدّمة الثالثة من مقدّمات الخطبة الشّقشقية في رواية الاحتجاج عن الشيباني و رواها الشّارح المعتزلي من صحيحى البخارى و مسلم في مسنديهما عن أنس بن مالك قال: مرّ ابو بكر و العباس بمجلس من الأنصار في مرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هم يبكون، فقالا: ما يبكيكم قال: ذكرنا محاسن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فدخلا على النبي و أخبراه بذلك فخرج و قد عصب على رأسه حاشية برده، فصعد المنبر و لم يصعده بعد ذلك اليوم فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: اوصيكم بالانصار فانّهم كرشي«» و عيبتي و قد قضوا الذي عليهم و بقى الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم و تجاوزوا عن مسيئهم هذا.

و لمّا لم يفهم المخاطبون كيفيّة حجيّة كلامه على الأنصار و دلالته على بطلان دعواهم استفهموا عنه عليه السّلام و (قالوا و ما في هذا) الكلام (من الحجة عليهم فقال عليه السّلام لو كانت الامارة فيهم لم تكن الوصية بهم) لكنّها بهم فليست الامارة لهم، بيان الملازمة أنّ العرف قاض بأنّ الوصية انما تكون إلى الرئيس في حقّ المرءوس لا بالعكس.

(ثمّ قال: فما ذا قالت قريش) في مقام الاحتجاج على الأنصار (قالوا احتجت بأنّها شجرة الرّسول) كونهم شجرة الرّسول باعتبار أنّه صلوات اللّه عليه و آله منهم، فهو و إياهم جميعا من أغصان أصل واحد و أولاد نضربن كنانة (فقال احتجّوا بالشّجرة و أضاعوا الثّمرة) الظاهر أنّه أراد بالثّمرة نفسه و أهل بيته و أراد باضاعتها إهمالهم له و لأولاده من هذا الأمر و المقصود بهذا الكلام الاحتجاج على قريش بمثل ما احتجوا به على الانصار.

بيان ذلك أنهم استدلّوا على أولويّتهم بأنّهم شجرة الرّسول فيكونون أقرب إليه من غيرهم و نحن نحتج عليهم بأنا ثمرة الرسول فنكون أقرب اليه منهم إذ للثّمرة اختصاص بالمثمر ليس للغير ذلك الاختصاص، بل المراد بالشجر ليس إلّا الثّمر فان كانت الشّجرة معتبرة فبالأولى اعتبار الثمرة و إن لم يلتفت إلى الثمرة فلا التفات إلى الشّجرة، و قد وقع مثل ذلك التشبيه في قوله سبحانه: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ.

روى في البحار من تفسير عليّ بن إبراهيم باسناده عن سلام بن مستنير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: الشّجرة رسول اللّه و نسبه ثابت في بني هاشم و فرع الشّجرة عليّ بن أبي طالب، و غصن الشجرة فاطمة و ثمرتها الأئمة، من ولد عليّ و فاطمة، و شيعتهم ورقها و ان المؤمن من شيعتنا ليموت فيسقط من الشجرة ورقة، و أنّ المؤمن ليولد فتورق الشجرة ورقة، قلت: أ رأيت قوله: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها.

قال يعنى بذلك ما يفتون الأئمة شيعتهم في كلّ حجّ و عمرة من الحلال و الحرام.

تنبيهان

الاول

قد قدّمنا أخبار السقيفة في المقدّمة الثالثة من مقدّمات شرح الخطبة الشقشقية، و نزيد هنا على ما سبق ما رواه المحدّث المجلسى في البحار من الشيخ في تلخيص الشافي عن هشام بن محمّد عن أبى مخنف عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبى عمر الأنصارى.

أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بنى ساعدة فقالوا: نولّي هذا الأمر من بعد محمّد سعد بن عبادة و أخرجوا سعدا إليهم و هو مريض، قال: فلما اجتمعوا قال لابنه أو لبعض بنى عمّه إنّى لا أقدر لشكواى اسمع القوم كلهم كلامى و لكن تلق منّى قولى فأسمعهم: فكان يتكلّم و يحفظ الرّجل قوله فيرفع به صوته و يسمع به أصحابه فقال بعد أن حمد اللّه و أثنى عليه: يا معاشر الانصار أنّ لكم سابقة في الدّين و فضيلة في الاسلام ليست لقبيلة من العرب، إنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لبث عشر سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرّحمن و خلع الأوثان، ما آمن به من قومه إلّا رجال قليل، و اللّه ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسوله و يعززوا دينه و لا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما«» عموا حتّى اذا أراد بكم ربّكم الفضيلة و ساق إليكم الكرامة و خصّكم بالنعمة و رزقكم الايمان به و برسوله و المنع له و لأصحابه و الاعزاز له و لدينه و الجهاد لأعدائه.

و كنتم أشدّ النّاس على عدوّه منهم و أثقله على عدوّه من غيركم حتى استقامت العرب لأمر اللّه طوعا و كرها، و أعطى البعيد المقادة صاغرا و آخرا، و حتّى اثخن اللّه لرسوله بكم في الأرض و دانت بأسيافكم له العرب و توفاه اللّه تعالى إليه و هو عنكم راض و بكم قرير عين، استبدّوا بهذا الأمر دون النّاس فانّه لكم دون الناس.

فأجابوه بأجمعهم بأن قد وفقت في الرّاى و أصبت في القول و لن نعدو ما رأيت نولّيك هذا الأمر دون الناس فانك فينا مقنع و لصالح المؤمنين رضى.

ثمّ انّهم ترادّوا الكلام فقالوا فان أبت مهاجرة قريش فقالوا نحن المهاجرون و صحابة رسول اللّه الأوّلون فعلام تنازعونا الأمر من بعده قالت طائفة منهم: فانا نقول إذن منّا أمير و منكم أمير و لن نرضى بدون هذا أبدا، فقال سعد بن عبادة حين سمعها هذا أوّل الوهن، و أتى عمر الخبر فأقبل إلى منزل النبيّ فأرسل إلى أبى بكر و أبو بكر في الدّار و عليّ بن أبي طالب دائب في جهاز النبيّ.

فأرسل إلى أبي بكر أن اخرج إلىّ فأرسل إليه أنّي مشتغل فأرسل إليه أن قد حدث أمر لا بدّ لك من حضوره، فخرج إليه فقال: أما علمت أنّ الأنصار قد اجتمعت في سقيفة بنى ساعدة يريدون أن يولوا هذا الأمر سعد بن عبادة، و أحسنهم مقالة من يقول منّا أمير و من قريش أمير، فمضيا مسرعين نحوهم فلقيا أبا عبيدة فتماشوا إليهم فلقاهم عاصم بن عديّ و عويمر بن ساعدة فقالوا لهم: ارجعوا فانه لا يكون إلّا ما تحبّون، فقالوا: لا نفعل، فجاءوا و هم مجتمعون.

فقال عمر بن الخطاب: أتيناهم و قد كنت زوّرت«» كلاما أردت أن اقوم به فيهم فلما اندفعت إليهم ذهبت لابتدء المنطق فقال لي أبو بكر: رويدا حتّى أتكلّم، ثمّ انطق بعد بما احببت، فنطق، فقال عمر: فما شي‏ء كنت اريد أن أقول به إلّا و قد أتى عليه.

قال عبد اللّه بن عبد الرّحمن: فبدء أبو بكر فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: إنّ اللّه بعث محمّدا رسولا إلى خلقه و شهيدا على امّته ليعبدوا اللّه و يوحّدوه و هم يعبدون من دونه آلهة شتّى يزعمون أنّها لمن عبدها شافعة و لهم نافعة و إنما هى من حجر منحوت خشب و منجور ثمّ قرء: وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ وَ قالُوا ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى‏.

فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخصّ اللّه المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه و الايمان به و المواساة له و الصّبر معه على شدّة أذى قومهم لهم و تكذيبهم ايّاه، و كلّ الناس لهم مخالف و عليهم زار، فلم يستوحشوا لقلّة عددهم و تشذّب الناس عنهم و اجماع قومهم عليهم، فهم أوّل من عبد اللّه في الأرض و آمن باللّه و رسوله، و هم أولياؤه و عشيرته و أحقّ الناس بهذا الأمر من بعده، و لا ينازعهم في ذلك إلّا ظالم.

و أنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدّين و لا سابقتهم العظيمة في الاسلام رضيكم اللّه أنصارا لدينه و رسوله و جعل إليكم هجرته و فيكم جلّة ازواجه و أصحابه، و ليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم، فنحن الأمراء و أنتم الوزراء لانفتات«» عليكم بمشورة، و لا نقضى دونكم الامور، فقام المنذر بن الحباب ابن الجموح.

هكذا روى الطبرى و الذي رواه غيره أنّ الحباب بن المنذر قال: يا معشر الأنصارا ملكوا على أيديكم، و ساق الحديث نحوا ممّا رواه ابن أبي الحديد عن الطبري إلى قوله فقاموا إليه فبايعوه.

أقول ما رواه ابن أبي الحديد عنه هكذا: فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال: يا معشر الانصارا ملكوا عليكم أمركم فانّ النّاس في ظلكم و لن يجترى مجترئ على خلافكم، و لا يصدر أحد إلّا عن رأيكم، أنتم أهل العزّة و المنعة و اولو العدد و الكثرة و ذووا لبأس و النّجدة، و إنّما ينظر النّاس ما تصنعون فلا تختلفوا فتفسد عليكم اموركم، فان أبى هولاء إلّا ما سمعتم فمنّا أمير و منهم أمير.

فقال عمر: هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد و اللّه لا ترضى العرب ان تؤمركم و بينها من غيركم، و لا تمنع العرب أن تؤتى أمرها من كانت النبوة معهم، من ينازعنا سلطان محمّد و نحن أولياؤه و عشيرته.

فقال الحباب بن المنذر: يا معشر الأنصار املكوا أيديكم و لا تسمعوا مقالة هذا و أصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فان أبوا عليكم فاجلوا هذه من بلادكم فأنتم أحقّ بهذا الأمر منهم فانّه بأسيافكم و ان النّاس بهذا الدّين أنا جذيلها المحكّك و عذيقها المرجّب، أنا أبو شبل في عريسة الأسد، و اللّه إن شئتم لنعيدها جذعة.

فقال عمر: إذن يقتلك اللّه، فقال بل إيّاك يقتل، فقال أبو عبيدة: يا معشر الانصار انكم أوّل من نصر فلا تكونوا أوّل من بدّل و غيّر.

فقام بشير بن سعد والد النّعمان بن بشير فقال: يا معشر الأنصار ألا إنّ محمّدا من قريش و قومه أولى به و أيم اللّه لا يراني اللّه انازعهم هذا الأمر، فقال أبو بكر: هذا عمرو أبو عبيدة بايعوا أيّهما شئتم، فقالا: و اللّه لا نتولّى هذا الأمر عليك و أنت أفضل المهاجرين و خليفة رسول اللّه في الصّلاة و هى أفضل الدين ابسط يدك فلما بسط يده ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه.

فناداه الحباب بن المنذر يا بشير (عفتك خ) عفاة أنفست على ابن عمك الامارة، فقال أسيد بن حصين رئيس الأوس لأصحابه: و اللّه لئن لم تبايعوا ليكونن للخزرج عليكم الفضيلة ابدا، فقاموا فبايعوا أبا بكر فانكسر على سعد بن عبادة و الخزرج ما اجتمعوا عليه، و أقبل النّاس يبايعون أبا بكر من كلّ جانب.

قال في البحار: قال الشّيخ قال هشام: قال أبو مخنف: و حدّثنى أبو بكر بن محمّد الخزاعي إنّ أسلم أقبلت بجماعتها حتّى تضايقت بهم السكك ليبايعوا ابا بكر، فقال عمر: ما هو إلّا أن رايت اسلم فأيقنت.

قال هشام: عن أبى مخنف قال: قال أبو عبد اللّه بن عبد الرّحمن و أقبل الناس من كلّ جانب يبايعون أبا بكر و كادوا يطئون سعد بن عبادة، فقال ناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدا لا تطئوه، فقال عمر: اقتلوا سعدا قتله اللّه، ثمّ قام على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتى يندر عضوك، فأخذ قيس بن سعد بلحيته ثمّ قال: و اللّه لئن حصصت «حصفت خ ل» منه شعرة ما رجعت و في فيك واضحة، فقال أبو بكر مهلا يا عمر الرفق ههنا أبلغ فأعرض عنه.

و قال سعد: و اللّه لو أرى من قومى ما أقوى على النّهوض لسمعتم منّي بأقطارها و سككها زئيرا يحجزك و أصحابك، أما و اللّه إذن لألحقك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع احملوني من هذا المكان، فحملوه فأدخلوه داره و ترك أيّا ما ثمّ بعث اليه أن اقبل فبايع فقد بايع النّاس و بايع قومك، فقال أما و اللّه حتّى أرميكم ما في كنانتي من نبل و اخضب منكم سنان رمحى و أضربكم بسيفي ما ملكته يدي، و اقاتلكم بأهل بيتي و من أطاعني من قومى، و لا أفعل و أيم اللّه لو أنّ الجنّ اجتمعت لكم مع الانس ما بايعتكم حتّى اعرض على ربّي و أعلم ما حسابي فلمّا اتى أبو بكر بذلك قال له عمر: لا تدعه حتّى يبايع، فقال بشير بن سعد إنّه قد لجّ و أبى فليس يبايعكم حتّى يقتل و ليس بمقتول حتّى يقتل معه ولده و أهل بيته و طائفة من عشيرته، فليس تركه بضاركم إنّما هو رجل واحد فتركوه، و قبلوا مشورة بشير بن سعد و استنصحوه لما بدا لهم منه.

و كان سعد لا يصلّى بصلاتهم و لا يجمع معهم و يحجّ و لا يحجّ معهم، و يفيض فلا يفيض معهم بافاضتهم فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر.

أقول: روى الشّارح المعتزلي خبر السّقيفة من كتاب السّقيفة لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري نحوا ممّا روينا و زاد في آخره بعد قوله فلم يزل كذلك حتّى مات أبو بكر، ثمّ لقى عمر في خلافته و هو على فرس و عمر على بعير فقال له عمر: هيهات يا سعد فقال سعد: هيهات يا عمر، فقال: أنت صاحب من أنت صاحبه قال: نعم أنا ذاك، ثمّ قال لعمر و اللّه ما جاورني أحد هو أبغض إلىّ جورا منك و من أصحابك، فلم يلبث سعد بعد ذلك قليلا حتّى خرج إلى الشّام فخرج فيها، و لم يبايع لا لأبي بكر و لا لعمر و لا لغيرهما.

ثمّ قال: قال الرّاوي: و كثر النّاس على أبي بكر فبايعه معظم المسلمين في ذلك اليوم، و اجتمعت بنو هاشم إلى عليّ بن أبي طالب و معهم الزّبير و كان يعدّ نفسه رجلا من بني هاشم كان عليّ عليه السّلام يقول، ما زال الزّبير منّا أهل البيت حتّى نشا بنوه فصرفوه عنّا.

و اجتمعت بنو اميّة إلى عثمان بن عفّان و اجتمعت بنو زهرة إلى سعد و عبد الرحمن‏ فأقبل عمر و أبو عبيدة فقال: ما لى أراكم متخلّفين، قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايع النّاس و بايعه الأنصار، فقام عثمان و من معه و قام سعد و عبد الرّحمن و من معهما فبايعوا أبا بكر، و ذهب عمر و معه عصابة إلى بيت فاطمة منهم أسيد بن حصين و سلم ابن أسلم فقال لهم: انطلقوا فبايعوا فأبوا عليه.

و خرج الزّبير بسيفه فقال عمر، عليكم الكلب فوثب عليه سلم بن أسلم فأخذ السّيف من يده فضرب بيده الجدار ثمّ انطلقوا به و بعليّ و معهما بنو هاشم و عليّ عليه السّلام يقول: أنا عبد اللّه و أخو رسول اللّه حتّى انتهوا به إلى أبي بكر فقيل له: بايع، فقال: أنا أحقّ بهذا الأمر منكم لا أبايعكم و أنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من رسول اللّه فاعطوكم و سلّموا إليكم الامارة، و أنا احتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فأنصفونا إن كنتم تخافون اللّه من أنفسكم و اعرفوا للنّاس الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم و إلّا فبوّؤا بالظلم و أنتم تعلمون فقال عمر إنّك لست متروكا حتّى تبايع فقال له عليّ عليه السّلام: احلب يا عمر حلبا لك شطره اشدد له اليوم أمره ليردّه عليك غدا، لا و اللّه لا أقبل قولك و لا ابايعه فقال له أبو بكر: فان لم تبايعني لا اكرهك فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن إنّك حديث السّن و هؤلاء مشيخة قريش قومك ليس لك تجربتهم و معرفتهم بالامور و لا أرى أبا بكر إلّا أقوى على هذا الأمر منك و أشدّ احتمالا له و اضطلاعا به، فسلم له هذا الأمر و ارض به فانّك إن تعيش و يطل عمرك فأنت بهذا الأمر خليق و به حقيق في فضلك و قرابتك و سابقتك و جهادك.

قال عليّ عليه السّلام: يا معشر المهاجرين اللّه اللّه لا تخرجوا سلطان محمّد عن داره و بيته إلى بيوتكم و دوركم، و لا تدفعوا أهله عن مقامه في النّاس و حقّه، فو اللّه يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم، أما كان منّا القاري لكتاب اللّه الفقيه في دين اللّه العالم بالسّنة المضطلع بأمر الرّعيّة، و اللّه إنّه لفينا فلا تتّبعوا الهوى فتزدادوا من الحقّ بعدا فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا عليّ قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان، و لكنّهم قد بايعوا، و انصرف عليّ إلى منزله و لم يبايع و لزم بيته حتّى ماتت فاطمة فبايع.

قال الشّارح: قلت: هذا الحديث يدلّ-  على بطلان ما يدّعى من النّصّ على أمير المؤمنين و غيره، لأنّه لو كان هناك نصّ صريح لاحتجّ به و لم يجر للنّص ذكر و إنّما كان الاحتجاج منه و من أبي بكر و من الأنصار بالسّوابق و الفضايل و القرب، فلو كان هناك نصّ صريح على أمير المؤمنين و على أبي بكر لاحتجّ به أبو بكر على الأنصار و لاحتجّ به أمير المؤمنين على أبي بكر.

فانّ هذا الخبر و غيره من الأخبار المستفيضة يدلّ على أنّه قد كان كاشفهم و هتك القناع بينه و بينهم ألا تراه كيف نسبهم إلى التّعدّي عليه و ظلمه و تمنّع من طاعتهم و أسمعهم من الكلام أشدّه و أغلظه، فلو كان هناك نصّ لذكره أو ذكره من شيعته و حزبه لأنّه لا عطر بعد عروس.«» و هذا أيضا يدلّ على أنّ الخبر الذي في أبي بكر في صحيحي البخاري و مسلم غير صحيح، و هو ما روى من قوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لعايشة في مرضه: ادعى إلىّ أباك و أخاك حتّى اكتب لأبي بكر كتابا، فانّي أخاف أن يقول قائل أو يتمنّي متمنّي، و يأبي اللّه‏ و المؤمنون إلّا أبا بكر و هذا هو نصّ مذهب المعتزلة.

أقول من نظر إلى هذا الحديث بعين البصيرة و الاعتبار و لاحظ الانصاف و جانب حدّ الاعتساف، عرف منه ما فيه للناظرين معتبر و استفاد منه أشياء كلّ منها شاهد صدق على بطلان خلافة الثلاثة، و برهان واضح على فساد دعوى تابعيهم استحقاقهم لها و أهليّتهم للقيام بها.

منها خلوّه من احتجاج قريش على الأنصار جعل النبيّ الامامة فيهم، لانّه تتضمّن من احتجاجهم عليهم ما يخالف ذلك و أنّهم إنّما ادّعوا كونهم أحقّ بالأمر من حيث كون النبوّة فيهم و من حيث كونهم أقرب إلى النبيّ نسبا و أولاهم له أتباعا.

و منها أنّ الأمر إنما بني السّقيفة على المغالبة و المخالسة، و انّ كلّا منهم إنما كان يجذبه لنفسه بما اتّفق له و عنّ«» من حقّ و باطل و قويّ و ضعيف.

و منها أنّ سبب ضعف الأنصار و قوّة المهاجرين عليهم انحياز«» بشير بن سعد حسدا لسعد بن عبادة، و انحياز الأوس بانحيازه عن الأنصار.

و منها أنّ خلاف سعد و أهله كان باقيا لم يرجعوا عنه، و إنما أقعده عن الخلاف بالسّيف قلة الناصر.

و منها أنّه لو أراد أبو بكر الاجماع و اتّفاق الكلّ على بيعته حتّى من سعد و أصحابه انجرّ الأمر إلى قتل النّفوس و اهراق الدماء و فسدله الأمر.

و منها أن قول عمر في حقّ الزّبير: عليكم الكلب، دليل على بطلان خبر العشرة المبشرة إذ الكلب لا يكون في الجنّة.

و منها أنّ بيعة عمر لأبي بكر لم يكن لتأسيس أساس الاسلام و رعاية مصلحة الدين و حفظ شرع سيد المرسلين، و إنّما كان نظره في ذلك ليتولى أبو بكر الأمر و يوليه عليه بعده كما هو نصّ قوله عليه السّلام اشدد له اليوم أمره ليردّ عليك غدا.

و منها أنّ حداثة السّنّ لو كان مانعا عن الخلافة كما قاله أبو عبيدة و أخذه منه أهل السّنة و الجماعة، لكان مانعا عن النبوة بطريق أولى و قد قال سبحانه: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا.

فقد أتا النبوّة ليحيى و عيسى عليهما السّلام في حالة الصّباء.

و منها أن تجربة أبى بكر كما زعمه أبو عبيدة لو كان أزيد من أمير المؤمنين عليه السّلام لم يعز له النبيّ من البعث بسورة برائة و لم يخلّف عليّا مقامه و لو كان قوته أشدّ لسبق في يوم أحد و خيبر و لم يستأثر الفرّ على الكرّ.

و منها أنّ قول بشير بن سعد له لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار قبل البيعة لما اختلف عليك اثنان، دليل على أنّ بيعتهم لأبي بكر لم يكن عن بصيرة و إنّما اقتحموا فيها من غير روية، و إنما كان اللّازم عليهم التّروّي و التثبيت و ملاحظة الأطراف و الجوانب، و التّفكر في العواقب و الدّقة في جهات الاستحقاق فكيف يكون بيعة هؤلاء الجهلة الغفلة الفسقة التّابعة لهوى أنفسهم الأمارة حجة شرعيّة لأهل الملّة.

و أمّا ما ذكره الشّارح من أنه لو كان هناك نصّ لاحتجّ به أمير المؤمنين و لما لم يحتج إلّا بالسّوابق و القرب علم أنّه لم يكن هناك نصّ عليه، ففساده أظهر من الشمس في رابعة النّهار، إذ قد عرفت أنّ أوّل من حضر في السقيفة هو الأنصار، و اوّل من ابتدء بالكلام فيها سعد بن عبادة، فذكر مناقب الأنصار و مآثرهم و كونهم انصارا لدين اللّه و ذابيّن عن رسول اللّه، فاحتجّ عليهم قريش بالقرب و النسب و السبق في التصديق و التّقدم في الايمان فحجّوهم بذلك، فاقتضى المقام بمقتضى آداب المناظرة أن يحتجّ أمير المؤمنين عليه السّلام بمثل ما احتجّت به قريش على الأنصار، إذ في ذلك من الالزام لهم ما ليس في غيره كما قال عليه السّلام فيما يذكره السّيد فى أواخر الكتاب.

فان كنت بالشورى ملكت أمورهم
فكيف بهذا و المشيرون غيّب‏

و ان كنت بالقربى حججت خصيمهم
فغيرك أولى بالنبيّ و أقرب‏

و كيف يدّعى عدم النص بعد حديث المنزلة و خبر الغدير و قوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ يدور معه كيف دار إلى غير ذلك من الأخبار و الآيات التي قدّمناها في المقدّمة الثانية من مقدّمات الخطبة الشقشقية و غيرها، وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً يستضي‏ء به فَما لَهُ مِنْ نُورٍ، كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ.

الثاني

اعلم أنّ الشّارح المعتزلي قد روى في شرح هذا الكلام أخبارا من كتاب الجوهرى قدم رواية أكثرها في شرح الخطبة السادسة و العشرين، و نحن أيضا روينا بعضها هناك في شرح الفصل الثاني من فصول الخطبة المذكورة و نروى هنا بعض ما لم يتقدّم ذكره حذرا من التكرار كما وقع في شرح المعتزلي، و ليس غرضنا من إيرادها مجرّد الاقتصاص و إنّما المقصود بذلك إقامة الحجّة علي الطائفة الضالّة من الكلاب الممطورة، و الابانة عن ضلالة الشّارح و غفلته، و انّه مع روايته لتلك الأخبار و اعترافه بوثاقة راويها كيف لم يتنبّه من نومة الجهالة، و تاه في أودية الضّلالة.

فأقول: في الشّرح من كتاب السّقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري: قال: حدّثنا أبو سعيد عبد الرّحمن بن محمّد، قال: حدّثنا أحمد بن الحكم، قال حدّثنا عبد اللّه بن وهب، عن الليث بن سعد، قال تخلّف عليّ عليه السّلام عن بيعة أبي بكر فاخرج ملبّبا يمضى به رقصا، و هو يقول: معاشر المسلمين على م يضرب عنق رجل من المسلمين، لم يتخلّف لخلاف و إنما تخلّف لحاجة فما من مجلس من المجالس إلّا يقال له: اذهب فبايع.

أقول: هذا الحديث نصّ في أنه لو لم يبايع يضرب عنقه فيدلّ على انّه عليه السّلام لم يكن في البيعة مختارا، و هذا المعنى قد تضمّنته أخبار كثيرة عاميّة و خاصيّة بالغة حدّ الاستفاضة بل التواتر قد اورد طائفة منها السّيد (ره) في الشافي، و روى جملة كثيرة منها السّيد المحدّث البحرانى في كتاب غاية المرام، و قد روينا في‏ شرح الخطبة السادسة و العشرين قول الصّادق عليه السّلام: و اللّه ما بايع عليّ حتّى رأى الدّخان قد دخل عليه بيته، و نقلنا قول السّيد هناك من أنّه أىّ اختيار لمن يحرق عليه بابه حتّى يبايع.

قال الجوهري: و حدّثنا أبو زيد عمرو بن شيبة باسناد رفعه إلى ابن عبّاس قال: إنّي لا ماشي عمر في سكّة من سكك المدينة يده في يدي، فقال يا بن عبّاس ما أظنّ صاحبك إلّا مظلوما فقلت في نفسي و اللّه ما يسبقني بها، فقلت يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته، فانتزع يده من يدي ثمّ مرّ يهمهم ساعة ثمّ وقف فلحقته فقال: يا ابن عبّاس ما أظنّ القوم منعهم من صاحبك إلّا أنّهم استصغروه، فقلت في نفسي هذه شرّ من الأولى، فقلت و اللّه ما استصغره اللّه حين أمره أن يأخذ سورة برائة من أبي بكر.

قال الجوهريّ: و حدّثني أبو زيد، قال حدّثني محمّد بن عبادة، قال حدّثني أخي سعيد بن عبادة، عن الليث بن سعد عن رجاله عن أبي بكر أنّه قال: ليتني لم اكشف بيت فاطمة و لو اغلق علىّ الحرب.

قال الشّارح: الصحيح عندى أنّها ماتت و هي واجدة على أبي بكر و عمرو أنّها أوصت أن لا يصليا عليها، و ذلك عند أصحابنا من الامور المغفورة لهما، و كان الاولى بهما اكرامها و احترام منزلها لكنّهما خافا الآفة و أشفقا من الفتنة ففعلا ما هو الأصلح بحسب ظنّهما، و كانا من الدّين و قوّة اليقين بمكان مكين لا شكّ في ذلك، الامور الماضية يتعذّر الوقوف على عللها و أسبابها و لا يعلم حقايقها إلّا من شاهدها و لا بسها بل لعلّ الحاضرين المشاهدين لها لا يعلمون باطن الأمر، فلا يجوز العدول عن حسن الاعتقاد فيهما بما جرى، و اللّه ولىّ المغفرة و العفو، فان هذا لو ثبت خطاء لم يكن كبيرة بل كان من باب الصّغاير التي لا يقتضى التّبرى و لا يوجب التّولى.

أقول: ما صحّحه من أنّها عليها السلام ماتت و هى واجدة غضبانة على الرّجلين فهو الصّحيح الذي لا ريب فيه و يشهد بذلك ملاحظة أخبار غصب فدك و غيرها ممّا مرّ في تضاعيف الشّرح و يأتي أيضا

و أمّا ما اعتذر به من أنّ ذلك من الصّغاير المعفوّة ففاسد جدّا إذ كيف يكون ذلك من الصغائر مع ما روته العامة و الخاصة من قول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لها: يا فاطمة إنّ اللّه يغضب بغضبك و يرضى لرضاك، و قوله فيها: يؤذيني ما أذاها.

و ما أخرجه أحمد بن حنبل و الحاكم على الميسور بن مخرمة مرفوعا: فاطمة بضعة منّي يغضبني ما يغضبها و يبسطنى ما يبسطها، و أنّ الانساب تنقطع يوم القيامة غير نسبى و سببي و صهري، فاذا انضمّ إلى ذلك قوله تعالى وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى‏ و قوله: وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعلم من ذلك أنّ ما فعلاه في حقها من أكبر الكباير الموجب لكونهما في أسفل الدرك من الجحيم خالدين فيها و ذلك جزاء الظالمين.

و أما ما ذكره من انهما كانا من الدين و قوّة اليقين بمكان مكين ففيه انّك قد عرفت في شرح الخطبة الشقشقية و غيرها و ستعرف أيضا بعد ذلك انهما لم يكونا من الدّين في شي‏ء، و كيف يجسر المتديّن أن يدخل من غير إذن بيتا لم يكن يدخل فيها الملائكة إلّا باذن أو يحرق بابه أو يهتك ستره حتّى يطمع فيه من لم يكن يطمع.

و أما قوله: إنّ الامور الماضية يتعذّر الوقوف على عللها و لا يعلم حقايقها إلّا من قد شاهدها، ففيه انّ الوقوف عليها و الاطلاع على حقايقها يحصل بالنقل و السمع و لا حاجة في ذلك إلى الشّهود و الحضور، و قد حصل لنا في حقهما بطريق السمع و البيان ما هو مغن عن الحضور و العيان، و عرفنا أنّ الداعى لأفعالهما في جميع حركاتهما و سكناتهما لم يكن إلّا اتباع هوى النفس الامارة و إبطال الشريعة و الملّة و ترويج البدعة و تضييع السنة.

أما قوله: إنّ ذلك لا يقتضى التبرّى و لا يوجب التولى، فيه انهما إذا كانا ممن‏ غضب اللّه عليه بمقتضى ما ذكرنا يجب التّبرّي عنهما و لا يجوز التّولي لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ.

و أشدّ ممّا ذكرنا كلّه فظاعة و أظهر شناعة ما رواه الشّارح أيضا عن الجوهرى، قال حدّثنا الحسن بن الرّبيع، عن عبد الرّزاق، عن معمّر، عن الزّهرى، عن عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس، عن أبيه قال: لما حضرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الوفات و في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: إيتونى بدواة و صحيفة اكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعدى، فقال عمر كلمة معناها: أنّ الوجع قد غلب على رسول اللّه، ثمّ قال: عندنا القرآن حسبنا كتاب اللّه، فمن قائل يقول: القول ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و من قائل يقول: القول ما قال عمر، فلما أكثروا اللّفظ «اللغط ظ» و اللغو و الاختلاف غضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: قوموا إنّه لا ينبغي لنبيّ أن يختلف عنده هكذا فقاموا فمات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في ذلك اليوم فكان ابن عباس يقول: إنّ الرّزية كلّ الرّزية ما حال بيننا و بين رسول اللّه يعنى الاختلاف و اللفظ «اللغط ظ».

قال الشّارح قلت: هذا الحديث قد خرّجه الشّيخان محمّد بن إسماعيل و مسلم بن الحجاج القشيرى في صحيحيهما و اتّفق المحدّثون كافّة على روايته.

أقول: هذه الرّواية كما ذكره الشّارح ممّا رواها الكلّ و الرّواية في الجميع عن ابن عباس، و قوله فقال العمر كلمة معناها أنّ الوجع قد غلب اه، الظاهر أنّ تلك الكلمة في أكثر تلك الرّوايات من قوله: إنّ الرّجل ليهجر، و في بعضها ما شأنه يهجر استفهموه، و في بعض الآخر ما شأنه هجر، و في غيرها ما يقرب من هذا اللفظ، و قد عدل الرّاوي عن رواية هذه اللفظة لكراهته نقلها إذ الهجر كما صرّح به غير واحد من اللغويين هو الهذيان و بذلك فسّر قوله تعالى: وَ قالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ.

فبدّل الرّاوي هذه الكلمة بغيرها استحياء و استصلاحا لكلام عمر و لن يصلح العطار ما أفسد الدّهر.

فمن تأمّل في هذه الرّواية حقّ التّأمل عرف جفاوة الرّجل و فظاظته و خبث طينته و سوء سريرته و عناده و نفاقه من جهات عديدة: الاولى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما كان ينطق عن الهوى و إن كان كلامه لم يكن إلّا وحيا يوحى، فنسبه مع ذلك عمر إلى الهذيان.

الثانية أنّ قوله عندنا القرآن حسبنا كتاب اللّه ردّ على اللّه فضلا عن رسول اللّه و قد قال اللّه: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً و قال: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.

الثالثة أنّ كتاب اللّه لو كان كافيا عمّا أراد صلوات اللّه عليه و آله كتابته لم يطلب ما يكتب أ تراه يطلب عبثا أم يريد لغوا و نقول لم لم يكف الكتاب و اختلّت أمر الامّة و انفصمت حبل الملّة و تهدّمت أركان الهدى و انطمست أعلام التّقى.

قال السّيد بن طاوس في محكيّ كلامه من كتاب الطرايف: من أعظم طرايف المسلمين أنّهم شهدوا جميعا أن نبيهم أراد عند وفاته أن يكتب لهم كتابا لا يضلّون بعده أبدا، و أنّ عمر بن الخطاب كان سبب منعه من ذلك الكتاب و سبب ضلال من ضلّ من امّته و سبب اختلافهم و سفك الدّماء بينهم و تلف الأموال و اختلاف الشّريعة و هلاك اثنين و سبعين فرقة من أصل فرق الاسلام و سبب خلود من يخلد في النّار منهم.

و مع هذا كلّه فانّ أكثرهم أطاع عمر بن الخطاب الذي قد شهدوا عليه بهذه الأحوال في الخلافة و عظموه و كفّروا بعد ذلك من يطعن فيه، و هم من جملة الطاعنين، و ضللوا من يذمّه و هم من جملة الذّامين، و تبرّؤوا ممن يقبح ذكره و هم من جملة المقبحين.

الرّابعة انّ غيظ رسول اللّه و غضبه عليه و أمره له بالخروج من البيت و المتنازعين مع خلقه العظيم و عفوه الكريم و ملاحظته في الفظاظة و الغلظة انقضاض الخلق كما قال سبحانه: وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.

لم يكن إلّا لشدّة اسائته الأدب و الوقاحة و بلوغه في أذى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الغاية بحيث لم يتحمّلها صلوات اللّه عليه و آله و قد قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً.

قال الجوهرى: و حدّثنا أحمد بن سيّار عن سعيد بن كثير الأنصاري عن عبد اللّه بن عبد اللّه بن الرّحمن أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرض موته أمّر اسامة بن زيد ابن حارثة على جيش فيه جلّة المهاجرين و الأنصار منهم أبو بكر و عمرو أبو عبيدة بن الجراح و عبد الرّحمن بن عوف و طلحة و الزبير و أمره أن يغير على موتة«» حيث قتل أبوه زيد و أن يغزى و ادى فلسطين، فتثاقل اسامة و تثاقل الجيش بتثاقله و جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يثقل و يخفّ و يؤكّد القول في تنفيذ ذلك البعث.

حتّى قال له اسامة: بأبى أنت و أمّى أ تأذن لى أن أمكث أيّاما حتّى يشفيك اللّه فقال: اخرج و سر على بركة اللّه، فقال: يا رسول اللّه إنّى إن خرجت و أنت على هذه الحال خرجت و في قلبي قرحة منك، فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم سر على النّصر و العافية، فقال:

يا رسول اللّه إنّى أكره أن أسأل عنك الركبان، فقال صلّى اللّه عليه و آله انفذ لما أمرتك به.

ثمّ اغمى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قام اسامة فجهّز للخروج، فلما أفاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم سأل عن اسامة و البعث، فاخبر أنّهم يتجهّزون، فجعل يقول انفذوا بعث اسامة لعن اللّه من تخلّف عنه و يكرّر ذلك.

فخرج اسامة و اللواء على رأسه و الصّحابة بين يديه، حتّى إذا كان بالجرف«» نزل و معه أبو بكر و عمر و أكثر المهاجرين، و من الأنصار أسيد بن حصين و بشير ابن سعد و غيرهم من الوجوه، فجائه رسول ام أيمن يقول له ادخل فانّ رسول اللّه يموت، فقام من فوره و دخل المدينة و اللواء معه فجاء به حتّى ركزه باب رسول اللّه و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد مات في تلك السّاعة، قال: فلما «فماظ» كان أبو بكر و عمر يخاطبان اسامة إلى أن ماتا إلّا بالأمير.

أقول و نقل الشّارح بعث جيش اسامة قبل في شرح الخطبة الشّقشقية أيضا بتغيير يسير لما أورده هنا من الجوهري، و قال هناك بعد نقله ما هذه عبارته.

و تزعم الشّيعة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يعلم موته و أنّه سير أبا بكر و عمر في بعث اسامة لتخلو دار الهجرة منهما فيصفوا لأمر لعليّ عليه السّلام و يبايعه من تخلّف من المسلمين في مدينة على سكون و طمأنينة، فاذا جاءهما الخبر بموت رسول اللّه و بيعة النّاس لعليّ بعده كانا عن المنازعة و الخلاف أبعد لأنّ العرب كانت تلتزم باتمام تلك البيعة و تحتاج في نقضها إلى حروب شديدة، فلم يتمّ له ما قدّر و تثاقل بالجيش أيّا ما مع شدّة حثّ رسول اللّه على نفوذه و خروجه بالجيش حتّى مات و هما بالمدينة فسبقا عليا إلى البيعة و جرى ما جرى.

ثمّ قال: و هذا عندى غير منقدح لانّه إن كان يعلم موته فهو أيضا يعلم أنّ أبا بكر سيلي الخلافة و ما يعلمه لا يحترس منه، و إنّما يتمّ هذا و يصحّ إذا فرضنا أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان يظنّ موته و لا يعلمه حقيقة و يظنّ أنّ أبا بكر و عمر يتمالان على ابن عمه و يخاف وقوع ذلك منهما و لا يعلمه حقيقة فيجوز إن كانت الحال‏ هكذا أن ينقدح هذا التّوهم و يتطرق هذا الظن.

كالواحد منّا له ولد ان يخاف من أحدهما أن يتغلب بعد موته على جميع ماله و لا يوصل أخاه إلى شي‏ء من حقّه فانّه قد يخطر له عند مرضه الذي يتخوف أن يموت فيه أن يأمر الولد المخوف جانبه بالسّفر إلى بلد بعيد في تجارة يسلمها إليه يجعل ذلك طريقا إلى دفع تغلبه على الولد الآخر.

أقول: ما نسبه إلينا معاشر الشّيعة حقّ لا ريب فيه، و ما أورده علينا فظاهر الفساد إذ علم النبيّ بموته و بتولّى أبي بكر الخلافة لا ينافي الأمر ببعثه مع اسامة و إلّا لتوجّه هذا الاشكال في أوامر اللّه سبحانه، فانّه قد أمر العصاة بالاطاعة و الكفار بالاسلام مع علمه بانّهم لا يطيعون و أنّهم على كفرهم باقون، نعم هذا يناسب على اصول الأشاعرة القائلين بالجبر و الشّارح عدليّ المذهب لا مساس لما أورده على مذهبه.

و تحقيق الكلام أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يعلم موته و يعلم أنّ أبا بكر يغصب الخلافة و مع علمه بذلك بعثه في الجيش ليفهم الخلق و يعرّفهم انّه ليس راضيا بخلافته و ينبههم على خلافه و عظم جرمه و جريرته و مخالفته للحكم الالزاميّ المؤكد الذي كرّره صلوات اللّه عليه و آله مرّة بعد اخرى.

و ليعلمهم أيضا أنّه برجوعه إلى المدينة مستحقّ للّعن الدائم و العذاب الأليم مضافا إلى ما في ذلك البعث من نكتة اخرى، و هو «هى ظ» التّنبيه على مقام أبي بكر و عمر و الايماء إلى أنّ من كان محكوما عليه بحكم مثل اسامة و مامورا بأمره لا يكون له قابليّة و استعداد لأن يكون أميرا لجميع الامّة و اماما لهم.

و الحاصل أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان عالما بموته و بأنّ ما قدّره و أراده في حقّ أمير المؤمنين عليه السّلام لا يتمّ له، و مع ذلك سيّر الرّجلين إعلاما للخلق بأنّه لا يرضى بهما خلافة و أنّهما غير قابلين لذلك، و إفهاما لهم بأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام هو القابل له، و أنّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أراد قيامه عليه السّلام مقامه صلّى اللّه عليه و آله، فحالوا بينه و بينه.

الترجمة

از جمله كلام آن جناب عليه الصّلاة و السّلام است در خصوص أنصار، گفته‏ اند راويان زمانى كه رسيد بأمير المؤمنين خبرهاى سقيفه بني ساعده و احتجاجات مهاجرين و انصار در باب خلافة بعد از وفات حضرت رسول مختار، فرمود آن حضرت كه چه گفتند انصار بمهاجرين عرض كردند كه چنين گفتند كه بايد از ما اميرى باشد و از شما اميرى فرمود: پس چرا احتجاج نكرديد بر ايشان باين كه رسول خدا وصيت فرمود در حقّ ايشان باين كه احسان بشود در حق نيكو كار ايشان و در گذرند از بد كردار ايشان، عرض كردند كه چگونه باشد در اين گفتار حجّة بر انصار پس فرمود آن حضرت كه اگر بود خلافت در ايشان نمى‏ بود وصيت پيغمبر بايشان يعني لازم بود كه پيغمبر ديگران را بايشان بسپارد نه اين كه سفارش ايشان را بديگران بكند بعد از آن فرمود آن حضرت: پس قريش در مقام احتجاج چه گفتند بأنصار عرض كردند كه حجت آوردند با اين كه ايشان شجره رسول خدايند، پس فرمود كه: حجّة آوردند بشجره و ضايع كردند ثمره او را، يعنى بدرخت حجة مى‏آورند و ثمره او را كه آل محمّد عليه و على آله الصّلاة و السّلام هستند مهمل مى ‏گذارند، اللهمّ وفقنا

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 65 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 66 صبحی صالح

66- و من كلام له ( عليه ‏السلام  ) في تعليم الحرب و المقاتلة

و المشهور أنه قاله لأصحابه ليلة الهرير أو أول اللقاء بصفين

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ

اسْتَشْعِرُوا الْخَشْيَةَ

وَ تَجَلْبَبُوا السَّكِينَةَ

وَ عَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ

فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ

وَ أَكْمِلُوا اللَّأْمَةَ

وَ قَلْقِلُوا السُّيُوفَ فِي أَغْمَادِهَا قَبْلَ سَلِّهَا

وَ الْحَظُوا الْخَزْرَ

وَ اطْعُنُوا الشَّزْرَ

وَ نَافِحُوا بِالظُّبَى

وَ صِلُوا السُّيُوفَ بِالْخُطَا

وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِعَيْنِ اللَّهِ

وَ مَعَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ

فَعَاوِدُوا الْكَرَّ

وَ اسْتَحْيُوا مِنَ الْفَرِّ

فَإِنَّهُ عَارٌ فِي الْأَعْقَابِ

وَ نَارٌ يَوْمَ الْحِسَابِ

وَ طِيبُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ نَفْساً

وَ امْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْياً سُجُحاً

وَ عَلَيْكُمْ بِهَذَا السَّوَادِ الْأَعْظَمِ

وَ الرِّوَاقِ الْمُطَنَّبِ

فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ

فَإِنَّ الشَّيْطَانَ كَامِنٌ فِي كِسْرِهِ

وَ قَدْ قَدَّمَ لِلْوَثْبَةِ يَداً

وَ أَخَّرَ لِلنُّكُوصِ رِجْلًا

فَصَمْداً صَمْداً

حَتَّى يَنْجَلِيَ لَكُمْ عَمُودُ الْحَقِّ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ

 وَ اللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من كلام له عليه السّلام

و هو الخامس و الستون من المختار فى باب الخطب

كان يقول لأصحابه في بعض أيّام صفين و هو اليوم الّذى كانت عشيّته ليلة الهرير على ما نسبه الشّارح المعتزلي إلى كثير من الرّوايات أو اليوم السّابع من الحرب، و كان يوم الخميس سابع شهر صفر على ما ستطلع عليه في رواية نصر بن مزاحم بسنده الآتي عن أبي عمر قال: إنّه خطب هذا اليوم فقال: معاشر النّاس استشعروا الخشية، و تجلببوا السّكينة، و عضّوا على النّواجذ، فإنّه أنبى للسّيوف عن الهام، و أكملوا الّلامة، و قلقلوا السّيوف في أغمادها قبل سلّها، و الحظوا الخزر، و اطعنوا الشّزر، و نافحوا بالظّبا، و صلوا السّيوف بالخطا، و اعلموا أنّكم بعين اللّه و مع ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فعاودوا الكرّ، و استحيوا من الفرّ، فإنّه عار فى الأعقاب، و نار يوم الحساب، و طيبوا عن أنفسكم نفسا، و امشوا إلى الموت مشيا سحجا، و عليكم بهذا السّواد الأعظم، و الرّواق المطنّب، فاضربوا ثبجه فإنّ الشيطان كامن في كسره، قد قدّم للوثبة يدا، و أخّر للنّكوص رجلا، فصمدا صمدا حتّى يتجلّي لكم عمود الحقّ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ، وَ اللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ.

اللغة

(المعشر) الجماعة و (الشّعار) من اللباس ما يلي شعر الجسد و (تجلببوا) مثل تدحرجوا مأخوذ من الجلباب بالكسر و هو القميص أو ثوب واسع للمرأة دون المخلقة أو المخلقة«» أو الخمار أو ثوب كالمقنعة تغطى به المرأة رأسها و ظهرها و صدرها، و في المصباح انّه ثوب أوسع من الخمار و دون الرّداء، و قال ابن فارس ما يغطى به من ثوب و غيره و الجمع الجلابيب و (السكينة) الوقار في الحركة و التأنّي في السّير و (عضعضت) اللقمة و بها و عليها أمسكتها بالانسان و (النّواجذ) جمع ناجذ و هى أواخر الأضراس تنبت بعد البلوغ و الحلم و كمال العقل، و قيل الاضراس كلّها نواجذ، و قيل هى الضواحك التي تبد و عند الضحك، و عن البارع النّواجذ للانسان و الحافر و هى من ذوات الخفّ الانياب و (نبا) السّيف عن الضّريبة بتقديم النّون على الباء نبوا من باب قتل رجع من غير قطع فهو ناب و نبا السّهم عن الهدف لم يصبه و (الهام) جمع هامة و هى رأس كلّشي‏ء.

و (اللأمة) باللّام و الهمزة السّاكنة على وزن تمرة الدّرع و قيل جمع آلات الحرب و (القلقلة) التحريك و (الغمد) بالكسر جفن السّيف و (سلّ) السّيف اخراجه من الغمد و (لحظته) بالعين و لحظت إليه لحظا من باب نفع راقبته، و يقال‏ نظرت إليه بمؤخّر العين عن يمين و يسار و هو أشدّ التفاتا من الشّزر و (الخزر) بقتح الخاء و الزاء المعجمتين مصد خزرت العين خزرا من باب تعب صغرت و ضاقت، و الموجود في النّسخ الخزر بسكون الزّاء و لعلّه لملاحظة السجعة الثّانية و (اطعنوا) بضم العين من باب قتل و بالفتح من باب نفع.

و (الشّزر) بالفتح فالسكون الطعن عن اليمين و اليسار و لا يستعمل الطعن تجاه الانسان شزرا قيل أكثر ما يستعمل في الطعن عن اليمين خاصّة و (المنافحة) المضاربة و المدافعة و (الظبا) جمع ظبة بالتخفيف و بضمّ الظاء فيهما حدّ السيف و (صلوا) أمر من وصل الشي‏ء بالشي‏ء جعله متّصلا به و (الخطا) جمع خطوة بالضمّ فيهما و (الكرّ) الرّجوع و (الاعقاب) إمّا جمع عقب بالضمّ و بضمتين أى العاقبة أو جمع عقب ككتف أو عقب بالفتح أى الولد، و ولد الولد و (السّحج) بضمّتين السّهل و (سواد) النّاس عامتهم.

و (الرّواق) ككتاب الفسطاط و الفئة و قيل هو ما بين يدي البيت و (المطنب) المشدود بالأطناب و (ثبج) الشي‏ء بالتحريك وسطه و (كمن) من باب نصر و سمع استخفى و (كسر) الخباء بالكسر الشّقة السّفلى ترفع احيانا و ترخي اخرى و (الوثبة) الطفرة و (النكوص) الرجوع و (الصّمد) القصد و (انجلى) الشي‏ء و تجلّى أى انكشف و ظهر و (و ترت) زيدا حقه واتره من باب وعد نقصته

الاعراب

معاشر النّاس منصوب على النداء، و الخزر و الشّزر صفتان لمصدرين محذوفين اى الحظو الحظا خزر او اطعنوا طعنا شزرا، و اللام للعهد و طيبوا عن أنفسكم نفسا يقال طاب نفسى بالشي‏ء و طبت به نفسا إذا لم يكرهك عليه أحد و تعديته بعن لتضمين معنى التّجافي و التّجاوز، و نفسا منصوب على التّميز و لذلك وحّده لأنّ حقّ التّميز أن يكون مفردا مع الأمن من اللبس، قال البحراني: و المراد بالنّفس الاولى الزّايلة بالقتل و بالثّانية النفس المدبرة لهذا البدن، و صمدا صمدا منصوبان على المصدريّة و العامل محذوف و التّكرار للتّاكيد و التّحريص، و الواو في قوله:و أنتم الأعلون للحال

المعنى

اعلم أنّ المراد بهذه الخطبة تعليم رسوم الحرب و آدابها و الارشاد إلى كيفيّة المحاربة و القتال، إذ في مراعاتها و الملازمة عليها رجاء الفتح و الظفر من اللّه المتعال فقوله (معاشر النّاس استشعروا الخشية) أى اجعلوا الخوف و الخشية من اللّه سبحانه شعارا لكم لازما على أنفسكم لزوم الشّعار على الجسد (و تجلببوا السّكينة) أى اتّخذوا الوقار و الطمأنينة في السّير و الحركة غطاء لكم محيطا بكم إحاطة الجلباب بالبدن.

(و عضّوا على النّواجذ) و هذا الأمر إمّا محمول على الحقيقة لأنّ العضّ يورث تصلّب الأعضاء و العضلات فتكون على مقاومة السّيف أقدر و يكون تأثيره فيه أقلّ، و يشهد به ظاهر التّعليل بقوله (فانّه) أى العضّ (أنبا للسّيوف عن الهام) و إمّا كناية عن شدّة الاهتمام بأمر الحرب أو الصّبر و تسكين القلب و ترك الاضطراب فانّه أشدّ ابعادا لسيف العدوّ عن الرأس و أقرب إلى النّصر (و أكملوا اللأمة) و المراد باكمالها على التفسير الأوّل أعنى كونها بمعنى الدّرع هو أن يراد عليها البيضة و السّواعد و نحوهما، و على التفسير الثاني اتخاذها كاملة شاملة للجسد (و قلقلوا السّيوف في اغمادها قبل سلّها) ليسهل السّل وقت الحاجة، فانّ طول مكثها في الاغماد ربّما يوجب الصّداء فيصعب السّل وقت الاحتياج (و الحظوا الخزر) لأنّ النّظر بمؤخّر العين أمارة الغضب كما أنّ النّظر بتمام العين إلى العدوّ علامة الفشل (و اطعنوا الشّزر) لأنّ الطعن عن اليمين و الشّمال يوسع المجال على الطاعن و أكثر المناوشة للخصم في الحرب يكون عن يمينه و شماله، و يمكن أن تكون الفايدة أنّ احتراز العدوّ عن الطعن حذاء الوجه أسهل و الغفلة عنه أقلّ (و نافحوا بالظبا) قيل: المعنى قاتلوا بالسّيوف و أصله أن يقرب أحد المتقابلين إلى الآخر بحيث يصل نفح كلّ منهما أى ريحه و نفسه إلى صاحبه، و قيل: أى ضاربوا بأطراف السّيوف و فايدته أنّ مخالطة العدوّ و القرب الكثير منه يشغل عن‏ التّمكّن من حربه، و أيضا لا يؤثّر الضّرب مع القرب المفرط كما ينبغي (و صلوا السّيوف بالخطا) يعنى إذا قصرت السّيوف عن الضّريبة فتقدّموا تلحقوا و لا تصبروا حتّى يلحقكم العدوّ، و هذا التّقدم يورث الرّعب في قلب العدوّ، و إلى ذلك ينظر قول حميد بن ثور الهلالى:

و وصل الخطا بالسّيف و السّيف بالخطا
إذا ظنّ أنّ المرء ذا السيف قاصر

و قال آخر:

نصل السّيوف إذا قصرن بخطونا
يوما و نلحقها إذا لم تلحق‏

و قال آخر:

و إذا السّيوف قصرن طوّلها لنا
حتّى تناول ما نريد خطانا

و قال رابع:

إذا قصرت أسيافنا كان وصلها
خطانا إلى أعدائنا فتضارب‏

و روى عنه عليه السّلام أنّه قيل له في بعض الغزوات: ما أقصر سيفك قال عليه السّلام: اطوله بخطوة (و اعلموا أنّكم بعين اللّه) يراكم و يسمع كلامكم و يعلم أعمالكم و يشهد أفعالكم، و هذا تمهيد للنّهى عن الفرار و تنبيه على أنّ اللّه سبحانه ينصرهم و يحفظهم (و) أنّه يجب عليهم التّثبت و الثّبات (مع ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) الذي طاعته كطاعته و حربه كحربه (فعاودوا الكرّ) أى الحملة و الرّجوع عند التّحرف للقتال أو التّحيز إلى فئة أو عند الفرار جبنا لو اتّفق و المراد لا تقصروا على حملة واحدة لليأس عن حصول الغرض بل عاودوا و احملوا كرّة بعد اخرى (و استحيوا من الفرّ فانّه) أى الفرار قبيح من جهتين: إحداهما أنّه (عارفي الأعقاب) يعنى أنّه عار في عاقبة الأمر و يتحدّث النّاس به في مستقبل الزّمان، هذا على كون الاعقاب جمع عقب بالضّم، و أمّا على كونها جمع عقب بفتح العين فالمعنى أنّه عار في أولادكم يعيرون به بعدكم و من هنا روي أنّ أعرابيّا رأى رجلا من أولاد أبي موسى الأشعرى يمشي و يتبختر في مشيه، قال: ماله كان أباه غلب عمرو بن العاص في التّحكيم«» (و) الجهة الثانية أنّه (نار يوم الحساب) أى يوجب استحقاق النّار لكونه من المعاصي الكبيرة كما يشير إليه قوله سبحانه: وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى‏ فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ (و طيبوا عن أنفسكم نفسا) أى طيّبوا أنفسكم متجاوزين عن نفوسكم الزّايلة و وطنوا قلوبكم على بذلها في سبيل اللّه و ارضوا به للحياة الباقية و اللذات الدّائمة (و امشوا إلى الموت مشيا سحجا) سهلا بدون تكلّف.

(و عليكم بهذا السّواد الأعظم) أى معظم القوم المجتمعين على معاوية (و الرّواق المطنب) اراد به مضرب معاوية و كان في قبة عالية بأطناب عظيمة، و حوله من أهل الشّام و صناديدهم مأئة ألف كانوا تعاهدوا أن لا ينفرجوا عنه أو يقتلوا (فاضربوا ثبجه) أى وسطه (فانّ الشّيطان كامن في كسره) المراد بالشّيطان إمّا معاوية أو عمرو بن العاص، و إطلاق الشيطان عليهما لشباهتهما بالشيطان في الاضلال عن سبيل اللّه سبحانه، و الاظهر أنّ المراد به معناه الحقيقي لأنّ المعاوية كان بارزا في الصدر لا كامنا في الكسر إلّا أن يكون ذلك لبيان جبنه و لا ينافي إرادة الحقيقة قوله (قد قدّم للوثبة يدا و أخّر للنكوص رجلا) لأنّ إبليس كان من رفقاء معاوية و أصحابه كان يثب لوثوبهم و يرجع برجوعهم، و يمكن أن يراد بوثبته طمعه في غلبة أصحاب معاوية و تحريصه لهم على القتال، و بالنكوص ما يقابله (فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحقّ) أى اقصدوهم قصدا و اصبروا على الجهاد إلى أن يظهر لكم نور الحق.

قال المجلسي: عمود الحق لعلّه للتشبيه بالفجر الأوّل، و فيه اشعار بعدم الظهور لأكثر القوم كما ينبغي (و أنتم الأعلون) أى الغالبون على الأعداء بالظفر أو بأنكم على الحقّ (و اللّه معكم) لأنكم أنصاره (و لن يتركم أعمالكم) أى لا ينقصكم اللّه جزاء أعمالكم و هذه اللفظة اقتباس من الآية الشريفة في سورة محمّد و هو قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ.

تكملة

هذه الخطبة مروية في البحار من كتاب بشارة المصطفى عن إبراهيم بن الحسين البصري، عن محمّد بن الحسين بن عتبة، عن محمّد بن أحمد بن مخلد، عن أبي المفضل الشيباني، عن محمّد بن محمّد بن معقل، عن محمّد بن أبي الصحباني، عن البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة مولى عبد اللّه بن العباس رضى اللّه عنه قال: عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ما كشفت النساء ذيولهنّ عن مثله، لا و اللّه ما رأيت فارسا محدثا يوزن به لرأيته يوما و نحن معه بصفين و على رأسه عمامة سوداء و كأنّ عينيه سراجا سليط يتوقدان من تحتها يقف على شرذمة يخصمهم حتى انتهى إلى نفر أنا فيهم و طلعت خيل لمعاوية تدعى بالكتيبة الشهباء عشرة آلاف دارع على عشرة آلاف أشهب، فاقشعرّ النّاس لها لما رأوها و انحاز بعضهم إلى بعض فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: فيم النخع و الخنع يا أهل العراق هل هي إلّا أشخاص ماثلة فيها قلوب طائرة لو مسّها قلوب أهل الحقّ لرأيتموها كجراد بقيعة سفته الرّيح في يوم عاصف، ألا فاستشعروا الخشية فتجلببوا السّكينة و ادرعوا الصبر و خضوا الأصوات و قلقلوا الأسياف في الاغماد قبل السلّة و انظروا الشزر و اطعنوا الوجر و كافحوا بالظبا و صلوا السيوف بالخطا، و النبال بالرّماح، و عاودوا الكرّ و استحيوا من الفرّ فانه عار في الأعقاب، و نار يوم الحساب، و طيبوا عن أنفسكم نفسا، و امشوا إلى الموت مشية سحجا، فانكم بعين اللّه عزّ و جلّ و مع أخى رسول اللّه.

و عليكم بهذا السرادق الأولم، و الرواق المظلم، فاضربوا ثبجه فانّ الشيطان راقد في كسره نافش حضنيه مفترش ذراعيه، قد قدّم للوثبة يدا و أخّر للنكوص رجلا، فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحقّ و أنتم الأعلون و اللّه معكم و لن‏ يتركم أعمالكم، ها أنا شاد فشدّوا بسم اللّه حم لا ينصرون.

ثمّ حمل عليهم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و على ذرّيته حملة و تبعه خويلة لم تبلغ المأة فارس فأجالهم فيها جولان الرّحى المسرحة بثفالها، فارتفعت عجاجة منعتني النظر، ثمّ انجلت فأثبت النظر فلم نر إلّا رأسا نادرا و يدا طايحة، فما كان بأسرع أن ولوا مدبرين كأنهم حمر مستنفرة فرّت من قسورة، فاذا أمير المؤمنين عليه السّلام قد أقبل و سيفه ينطف و وجهه كشقّة القمر و هو يقول: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ.

و رواها في البحار أيضا من تفسير فرات بن إبراهيم بسنده عن ابن عباس نحوه، و لا بأس بتفسير بعض ألفاظها الغريبة فأقول «السليط» الزّيت «و النخع و الخنع» الذّلّ و الخضوع «و المائلة» القائمة أو المتمثلة بالمشبهة بالانسان و في بعض النسخ مائلة من الميل أى عادلة عن الحقّ فيها «قلوب طائرة» أى من الخوف و «سفت» الرّيح التراب بالتخفيف ذرته و «القيعة» الأرض المستوى و «الوجر» بالجيم و الرّاء المهملة قال في القاموس أو جره الرّمح طعنه به في فيه و «المكافحة» المضاربة و المدافعة تلقاء الوجه و «النبال بالرّماح» أى ارموهم بالنبال فاذا قربتم فاستعملوا الرّماح و العكس أظهر أى إذا لم تصلوا الرّماح فاستعملوا النبال كأنكم و صلتموها بها فيكون النسب بالفقرة السّابقة و «الاولم» الأسود صورة أو معنا كالمظلم «نافش» حضنيه في بعض النسخ نافج و هو الأظهر لأنّ الأوّل غير مناسب للمقام يقال نفجت الشي‏ء رفعته و كنى به عن التعظم و التكبر و «شدّ» فى الحرب يشدّ بالكسر حمل على العدوّ «و حم لا ينصرون» عن ابن الأثير في النهاية في حديث الجهاد إذ أبيتم فقولوا حم لا ينصرون، قيل معناه اللهمّ لا ينصرون و يريد به الخبر لا الدّعاء و إلّا لقال لا ينصروا مجزوما، فكأنه قال و اللّه لا ينصرون، و قيل إنّ السور التي أوّلها حم سور لها شأن فنبه أنّ ذكرها لشرف شأنها مما يستظهر به على استنزال‏ النصر من اللّه، و قوله لا ينصرون كلام مستأنف كأنه حين قال قولوا حم قيل ما ذا يكون إذا قلناها قال لا ينصرون و «الخويلة» إما تصغير الخيل على غير قياس أو تصغير الخول بمعنى الخدم و الحشم و «الثّفال» جلده تبسط تحت رحى اليد ليقع عليها الدّقيق و يسمى الحجر الأسفل ثقالا بها و «العجاجة» الغبار و «ندر» الرّأس سقط و «طاح» يطوح و يطيح هلك و أشرف على الهلاك و ذهب و سقط و «القسورة» الاسد و «سيفه ينطف» أى يقطر دما و «الشقّة» بالكسر القطعة المشقوقة و نصف الشّي‏ء إذا شقّ.

تذييل

قد مضى طرف من وقايع صفين في شرح بعض الخطب السّابقة، فذكرنا في شرح الفصل الثالث من فصول الخطبة السّادسة و العشرين كيفية ارسال أمير المؤمنين جرير ابن عبد اللّه البجلي إلى معاوية بالرّسالة و كيفية بيعة عمرو بن العاص لمعاوية، و في شرح كلامه الثّالث و الأربعين تفصيل قصّة جرير و مكالماته مع معاوية و يأسه من بيعته حتّى رجع إلى العراق و انجرّ الأمر إلى حرب صفين، و في شرح الخطبة الثامنة و الأربعين كيفيّة خروج أمير المؤمنين عليه السّلام من كوفة متوّجها إلى صفّين، و في شرح الخطبة الاحدى و الخمسين نزوله عليه السّلام بصفّين و غلبة أصحاب معاوية على الشريعة و فتح الفرات، و في شرح الخطبة الخامسة و الثلاثين قصّة ليلة الهرير و كيفية التّحكيم إلى آخر الحرب.

فأحببت أن أورد هنا بقيّة تلك الواقعة و هي من فتح الشريعة إلى ليلة الهرير لاقتضاء المقام ذلك و ليكون شرحنا ذلك مشتملا على تمام تلك الوقعة و لو اجمالا و يستغنى الناظر به عن الرجوع الى غيره و لا يشذّ عنه جمل تلك الوقعة.

فأقول: روى المحدّث العلامة المجلسي في البحار و الشّارح المعتزلي جميعا من كتاب صفين لنصر بن مزاحم أنّه وصل أمير المؤمنين عليه السّلام إلى صفين لثمان بقين من المحرم من سنة سبع و ثلاثين.

قال نصر: و لمّا ملك أمير المؤمنين الماء بصفين ثمّ سمح لأهل الشّام بالمشاركة فيه و المساهمة رجاء أن يعطفوا إليه و استمالة لقلوبهم و إظهارا للمعدلة و حسن السيرة فيهم، مكث أيّا ما لا يرسل إلى معاوية و لا يأتيه من عند معاوية أحد و استبطأ أهل العراق إذنه لهم في القتال و قالوا: يا أمير المؤمنين خلّفنا ذرارينا و نسائنا بالكوفة و جئنا إلى أطراف الشّام لنتّخذها وطنا، ائذن لنا في القتال فانّ النّاس قد قالوا قال عليه السّلام ما قالوا فقال قائل منهم إنّ النّاس يظنّون أنّك تكره الحرب كراهيّة للموت و أنّ من النّاس من يظنّ أنّك في شكّ من قتال أهل الشّام.

أقول: فأجابهم بجواب مرّ ذكره فيما سبق و هو الكلام الرّابع و الخمسون.

قال نصر: فقال عليه السّلام و متى كنت كارها للحرب قط إنّ من العجب حبّى لها غلاما و يفعا و كراهتى لها شيخا بعد نفاد العمر و قرب الوقت و أمّا شكّي في القوم فلو شككت فيهم لشككت في أهل البصرة فو اللّه لقد ضربت هذا الامر ظهرا و بطنا فما وجدت أن يسعني إلّا القتال أو أن أعصى اللّه و رسوله و لكنى استأنى«» بالقوم عسى أن يهتدوا أو يهتدى فيهم طايفة فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لي يوم خيبر: لأن يهدى اللّه بك رجلا واحدا خير لك ممّا طلعت عليه الشّمس.

قال نصر: فبعث عليّ إلى معاوية بشر بن عمرو و سعيد بن قيس و شيث بن ربعى فقال ائتوا هذا الرّجل فادعوه إلى الطاعة و الجماعة و إلى اتباع أمر اللّه سبحانه، فقال شيث يا أمير المؤمنين ألانطمعه في سلطان توليه اياه و منزلة يكون له بها اثرة عندك إن هو بايعك قال: ائتوه الآن و القوه و احتجّوا عليه و انظروا ما رأيه في هذا، فدخلوا عليه فابتدأ بشر بن عمرو بن محصن فحمد اللّه و أثنى عليه و قال: أمّا بعد يا معاوية فانّ الدّنيا عنك زايلة و انك راجع إلى الآخرة و أنّ اللّه مجازيك لعملك و محاسبك بما قدمت يداك، و إنّنى انشدك اللّه أن تفرّق جماعة هذه الامة و أن تسفك دمائها بينها.

فقطع معاوية عليه الكلام فقال: فهلّا أوصيت صاحبك فقال: سبحان اللّه إنّ صاحبي ليس مثلك صاحبي أحقّ الناس بهذا الأمر في الفضل و الدّين و السّابقة في‏الاسلام و القرابة من الرّسول، قال معاوية فتقول ما ذا قال: أدعوك إلى تقوى ربك و إجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحقّ فانّه أسلم لك في دينك و خير لك في عاقبة أمرك قال و بطل دم عثمان لا و الرّحمن لا أفعل ذلك ابدا.

فذهب سعيد بن قيس ليتكلّم فبدره شبث بن ربعى فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: يا معاوية قد فهمت ما رددت على ابن محصن انّه لا يخفى علينا ما تطلب إنك لا تجد شيئا تستغوي به النّاس و لا شيئا تستميل به أهوائهم إلّا أن قلت لهم قتل امامكم مظلوما فهلمّوا نطلب بدمه فاستجاب لك سفلة طغام رذال، و قد علمنا أنّك بطأت عنه بالنّصر و أحببت له القتل لهذه المنزلة التي تطلب، و ربّ مبتغ أمرا و طالب له يحول اللّه دونه و ربّما أوتى المتمنّى امنيته و ربّما لم يؤتها، و و اللّه مالك في واحدة منهما خير، و اللّه إن أخطاك ما ترجو انّك لشرّ العرب حالا و لئن أصبت ما تتمّناه لا تصيبه حتّى تستحقّ صلى النّار، فاتّق اللّه يا معاوية ودع ما أنت عليه و لا تنازع الأمر أهله.

فحمد معاوية اللّه و أثنى عليه و قال: أمّا بعد، فانّ أوّل ما عرفت به سفهك و خفّة علمك قطعك على هذا الحسيب الشّريف سيّد قومه منطقه ثمّ عتبت بعد فيما لا علم لك به، و لقد كذبت و لؤمت أيّها الأعرابى الجلف الجافي في كلّ ما وصفت، انصرفوا من عندي فانّه ليس بيني و بينكم إلّا السّيف و عضب.

فخرج القوم و شبث يقول: أعلينا تهوّل بالسّيف أما و اللّه لنعجلنه إليك، قال نصر: خرج قرّاء أهل العراق و قرّاء أهل الشام فعسكروا في ناحية صفين في ثلاثين ألفا.

قال: و عسكر عليّ عليه السّلام على الماء و عسكر معاوية فوقه على الماء و مشت القراء بين عليّ و معاوية، منهم عبيدة السّلماني، و علقمة بن قيس النخعي، و عبد اللّه بن عتبة، و عمار بن عبد القيس فدخلوا على معاوية فقالوا: يا معاوية ما الذي تطلب قال: اطلب بدم عثمان، قالوا: ممّن تطلب بدم عثمان قال: أطلبه من علي، قالوا أو عليّ قتله قال: نعم هو قتله و آوى قتلته، فانصرفوا من عنده فدخلوا على علىّ و قالوا: إنّ معاوية زعم أنّك قتلت عثمان، قال: اللهمّ لكذب علىّ لم أقتله.

فرجعوا إلى معاوية فأخبروه فقال: إن لم يكن قتله فقد أمر و مالا، فرجعوا إليه و قالوا: يزعم أنّك إن لم تكن قتلت بيدك فقد أمرت و ما لئت على قتل عثمان فقال: اللهمّ لكذب فيما قال، فرجعوا إلى معاوية فقالوا: إن عليّا يزعم أنّه لم يفعل، فقال معاوية: إن كان صادقا فليقدنا من قتلة عثمان فانّهم في عسكره و جنده و أصحابه و عضده فرجعوا إلى عليّ فقالوا: إنّ معاوية يقول لك إن كنت صادقا فادفع إلينا قتلة عثمان أو مكنّا منهم، فقال لهم: إنّ القوم تأوّلوا عليه القرآن و وقعت الفرقة و قتلوه في سلطانه و ليس على ضربهم قود فخصم على معاوية.

فقال لهم معاوية: إن كان الأمر كما تزعمون فلم ابتزّ الأمر دوننا على غير مشورة منّا و ممّن ههنا معنا، فقال: عليّ عليه السّلام إنّ النّاس تبع المهاجرين و الأنصار و هم شهود للمسلمين في البلاد على ولاتهم و امراء دينهم، فرضوا بي و بايعوني و لست استحلّ أن أدع ضرب معاوية يحكم على هذه الامة و يزكيهم و يشقّ عصاهم، فرجعوا إلى معاوية فأخبروه بذلك فقال: ليس كما يقول فما بال من هو منّا من المهاجرين و الأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر، فانصرفوا إليه عليه السّلام فأخبروه بقوله، فقال: و يحكم هذا للبدريّين دون الصّحابة و ليس في الأرض بدريّ إلّا و قد بايعنى و هو معى او قد أقام و رضى فلا يعرّكم من أنفسكم و دينكم قال نصر: فراسلوا بذلك ثلاثة أشهر ربيع الآخر و جماديين و هم مع ذلك يفرغون الفرغة فيما بينهما و يرجف بعضهم إلى بعض و يحجز القراء بينهم.

قال: فرغوا في ثلاثة أشهر خمسا و ثمانين فرغة كلّ فرغة يرجف بعضهم الى بعض و يحجز القراء بينهم لا يكون بينهم قتال.

قال نصر: خرج أبو امامة الباهلى و أبو الدّرداء فدخلا على معاوية فقالا: يامعاوية على م تقاتل هذا الرّجل فو اللّه لهو أقدم منك سلما و أحقّ منك بهذا الأمر و أقرب من رسول اللّه فعلى م تقاتله اقاتله على دم عثمان و أنّه آوى قتلته فقولوا له فليقدنا من قتلته و أنا أوّل من بايعه من أهل الشّام.

فانطلقوا إلى علي فأخبروه بقول معاوية فقال عليه السّلام: إنّما يطلب الذين ترون فخرج عشرون ألفا و أكثر متسربلين الحديد لا يرى منهم إلّا الحدق فقالوا: كلّنا قتله فان شاءوا فليروموا ذلك منّا، فرجع أبو امامة و أبو الدرداء فلم يشهدا شيئا في القتال حتّى إذا كان رجب و خشى معاوية أن يتابع القراء عليا أخذ في المكر و أخذ يحتال للقرّاء.

قال: فكتب في سهم من عبد اللّه النّاصح أنّي اخبركم أنّ معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم فخذوا حذركم، ثمّ رمى بالسّهم في عسكر عليّ فوقع السّهم في يد رجل فقرأه ثمّ أقرئه صاحبه فلما قرأه و قرأه النّاس و قرأه من أقبل و أدبر قالوا: هذا أخ لنا ناصح كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية فلم يزل السهم يقرأ و يرتفع حتّى رفع إلى عليّ عليه السّلام.

و قد بعث معاوية مأتي رجل من العملة إلى عاقول من النهر بأيديهم المزور و الزمل يحفرون فيها بحيال عسكر عليّ، فقال عليّ: و يحكم إنّ الذي يعالج معاوية لا يستقيم له و لا عليه إنّما يريد أن يزيلكم عن مكانكم فانتهوا عن ذلك و دعوه، فقالوا له و اللّه يحفرون و اللّه لنرتحلن و إن شئت فأقم، فارتحلوا و صعدوا بعسكرهم مليّا و ارتحل عليّ في اخريات النّاس و هو يقول:

فلو أنى أطعت عصمت«» قومى
إلى ركن اليمامة«» أو شام‏

و لكنّى متى ابرمت امرا
منيت بخلف آراء الطغام«»

قال فارتحل معاوية و نزل بمعسكر علي الذي كان فيه، فدعا عليّ عليه السّلام الأشتر فقال: ألم تغلبني على رأيي أنت و الأشعث برأيكما، فقال الأشعث أنا أكفيك يا أمير المؤمنين سأداوى ما افسدت اليوم من ذلك، فجمع كندة فقال لهم: يا معشر كنده لا تفضحوني اليوم و لا تخزوني فانّما أنا قارع بكم أهل الشّام، فخرجوا معه رجالة يمشون و بيده رمح له يلقيه على الأرض و يقول، امشوا قيس رمحي هذا، فيمشون فلم يزل يقيس لهم الأرض برمحه و يمشون معه حتّى أتى معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء، و قد جاءه أدانى عسكره.

فاقتتلوا قتالا شديدا على الماء ساعة و انتهى أوائل أهل العراق فنزلوا، و أقبل الأشتر في جنده من أهل العراق فحمل إلى معاوية و الأشعث يحارب في ناحية اخرى فانحاز معاوية في بني سليم فردّو اوجوه إبله قدر ثلاث فراسخ، ثمّ نزل و وضع أهل الشّام أثقالهم و الأشعث يهدر و يقول ارضيتك يا أمير المؤمنين و قال الأشتر يا أمير المؤمنين قد غلب اللّه لك على الماء.

قال نصر: و كان كلّ واحد من عليّ و معاوية يخرج الرّجل الشريف في جماعة و يقاتل مثله و كانوا يكرهون أن يزاحفوا بجميع الفيلق مخافة الاستيصال و الهلاك، فاقتتل الناس ذا الحجة كلّه فلما انقضى تداعوا إلى أن يكف بعضهم عن بعض إلى أن ينقضي المحرم لعل اللّه أن يجرى صلحا او اجتماعا، فكفّ الناس في المحرم بعضهم عن بعض.

قال نصر: حدّثنا عمر بن سعد عن أبي المجاهد عن المحل بن خليفة، قال: لما توادعوا في المحرّم اختلفت الرّسل فيما بين الرّجلين رجاء الصّلح، فأرسل عليّ إلى معاوية عدي بن حاتم، و شيث بن ربعي، و يزيد بن قيس، و زياد بن حفصة فلمّا دخلوا عليه حمد اللّه تعالى عديّ بن حاتم و أثنى عليه و قال أمّا بعد: فقد اتيناك لندعوك إلى أمر يجمع اللّه به كلمتنا و امّتنا و يحقن دماء المسلمين ندعوك إلى أفضل النّاس سابقة و أحسنهم في الاسلام آثارا، و قد اجتمع له النّاس و قد أرشدهم اللّه بالذي رأوا و اوتوا فلم يبق أحد غيرك و غير من معك، فانته يا معاوية من قبل أن يصيبك اللّه و أصحابك بمثل يوم الجمل.

فقال له معاوية: كأنّك إنّما جئت متهدّدا و لم تأت مصلحا هيهات يا عديّ انّي لابن حرب ما يقعقع«» لي بالشّنئآن، أما و اللّه إنّك من المجلبين على عثمان و إنّك لمن قتلته و إنّي لأرجو أن تكون ممّن يقتله اللّه فقال له شيث بن ربعي و زياد بن حفصة و تنازعا كلاما واحدا: أتيناك فيما يصلحنا و إيّاك فأقبلت تضرب لنا الأمثال، دع مالا ينفع من القول و الفعل و أجبنا فيما يعمّنا و إيّاك نفعه.

و تكلّم يزيد بن قيس فقال: إنّا لم نأتك إلّا لنبلّغك الذي بعثنا به إليك و لنؤدّي عنك ما سمعناه منك و لم ندع أن ننصح لك و أن نذكر ما ظننّا أنّ لنا فيه عليك حجّة أو أنّه راجع بك إلى الالفة و الجماعة، إنّ صاحبنا من قد عرفت و عرف المسلمون فضله و لا أظنّه يخفى عليك أنّ أهل الدّين و الفضل لا يعدلونك بعليّ و لا يساوون بينك و بينه، فاتّق اللّه يا معاوية و لا تخالف عليّا فانّا و اللّه ما رأينا رجلا قط أعلم بالتّقوى و لا أزهد في الدّنيا و لا أجمع لخصال الخير كلّها منه فحمد اللّه معاوية و أثنى عليه و قال: أمّا بعد فانّكم دعوتم إلى الجماعة و الطاعة فأمّا التي دعوتم إليها فنعمّاهي و أمّا الطاعة لصاحبكم فانّا لا ترضى به إنّ صاحبكم قتل خليفتنا و فرّق جماعتنا و آوى ثارنا و قتلتنا، و صاحبكم يزعم أنّه لم يقتله فنحن لا نردّ ذلك عليه أرأيتم قتلة صاحبنا ألستم تعلمون أنّهم أصحاب صاحبكم فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به و نحن نجيبكم إلى الطاعة و الجماعة فقال له شيث: ايسرك باللّه يا معاوية إن أمكنت من عمّار بن ياسر فقتلته قال: و ما يمنعني من ذلك، و اللّه لو أمكنني صاحبكم من ابن سمية ما أقتله بعثمان، و لكن كنت أقتله بنائلة مولى عثمان، فقال شيث: و إله السّماء ما عدلت معدلا و لا و الذي لا إله إلّا هو لا يصل إليك قتل ابن ياسر حتّى يندر الهام عن كواهل الرّجال، و تضيق الأرض الفضاءعليك بما رحبت.

فقال معاوية: إذا كان ذلك كانت عليك أضيق ثمّ رجع القوم عن معاوية فبعث معاوية إلى زياد بن حفصة من بينهم فأدخله عليه فحمد معاوية اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد يا أخا ربيعة فانّ عليّا قطع أرحامنا و قتل إمامنا و آوى قتلته و إنّي أسألك النّصرة عليه باسرتك و عشيرتك، و لك على عهد اللّه و ميثاقه إذا ظهرت أن أوليّك أىّ المصرين أحببت.

قال زياد: فلمّا قضى معاوية كلامه حمدت اللّه و أثنيت عليه ثمّ قلت: أمّا بعد فانّي لعلى بيّنة من ربّي و بما أنعم اللّه علىّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين، ثمّ قمت فقال معاوية لعمرو بن العاص و كان إلى جانبه: مالهم غضبهم اللّه ما في قلوبهم ما قلبهم إلّا قلب رجل واحد قال نصر: و بعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهرى إلى عليّ و شرجيل بن السّمط و معن بن يزيد فدخلوا عليه، فتكلّم حبيب و حمد اللّه و أثنى عليه و قال أمّا بعد فانّ عثمان بن عفّان كان خليفة مهديّا يعمل بكتاب اللّه و ينيب إلى أمر اللّه فاستثقلتم حياته و استبطأتم وفاته، فعدوتم عليه فقتلتموه، فادفع إلينا قتلة عثمان لنقتلهم به، فان قلت إنّك لم تقتله فاعتزل أمر النّاس فيكون أمرهم هذا شورى بينهم يولّ النّاس أمرهم من أجمع رأيهم عليه.

فقال له عليّ عليه السّلام: و من أنت لا امّ لك و الولاية و العزل و الدّخول في هذا الأمر اسكت فانّك لست هناك و لا بأهل لذاك، فقام حبيب بن مسلمة و قال و اللّه لتراني حيث تكره، فقال عليّ و ما أنت و لو أجلبت بخيلك و رجلك اذهب فصوّب و صعّد ما بدا لك فلا أبقى اللّه لك إن أبقيت، فقال شرجيل بن السّمط إن كلّمتك فلعمرى ما كلامي لك إلّا نحو كلام صاحبي فهل عندك جواب غير الذي أجبته قال: نعم، قال فقله، فحمد علىّ اللّه و أثنى عليه ثمّ قال أمّا بعد فانّ اللّه سبحانه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله فانقذ به من الضّلالة و نعش به من الهلكة و جمع به بعد الفرقة، ثمّ قبضه اللّه إليه و قد أدّى ما عليه فاستخلف النّاس ابا بكر ثمّ‏استخلف أبو بكر عمر، فأحسنا السّيرة و عدلا في الامّة و قد وجدنا عليهما أن توليا الأمر دوننا و نحن آل الرّسول و أحقّ بالأمر فغفرنا ذلك لهما، ثمّ ولى أمر النّاس عثمان فعمل بأشياء عابها النّاس عليه فساء إليه ناس فقتلوه ثمّ أتانى النّاس و أنا معتزل أمرهم فقالوا لي: بايع فأبيت عليهم، فقالوا لي: بايع فانّ الامّة لا ترضى إلّا بك و إنّا نخاف إن لم تفعل تفرّق النّاس، فبايعتهم فلم يرعنى إلّا شقاق رجلين قد بايعا و خلاف معاوية إيّاى الذي لم يجعل اللّه له سابقة فى الدّين و لا سلف صدق في الاسلام، طليق بن طليق، و حزب من الأحزاب، لم يزل للّه و لرسوله عدوّا هو و أبوه حتّى دخلا في الاسلام كارهين مكرهين فيا عجبا لكم و لانقيادكم تدعون إلى «اهل» بيت نبيّكم الذين لا ينبغي شقاقهم و لا خلافهم و لا أن تعدلوا به أحدا من النّاس إنّي أدعوكم إلى كتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّة نبيكم و إماتة الباطل و إحياء معالم الدّين، أقول قولي هذا و أستغفر اللّه لنا و لكلّ مؤمن و مؤمنة و مسلم و مسلمة.

فقال له شرجيل و معن بن يزيد: أشهد أنّ عثمان قتل مظلوما فقال: لا أقول ذلك، قالا: فمن لا يشهد أنّ عثمان قتل مظلوما فنحن منه براء، ثمّ قاما فانصرفا فقال عليّ: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى‏ وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَ ما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ.

ثمّ أقبل على أصحابه فقال: لا يكن هؤلاء في ضلالتهم بأولى بالجدّ منكم في حقكم و طاعة إمامكم ثمّ مكث النّاس إلى انسلاخ المحرّم فلمّا انسلخ و استقبل النّاس صفرا من سنة سبع و ثلاثين بعث عليّ نفرا من أصحابه حتّى إذا كانوا في عسكر معاوية بحيث يسمعونهم الصّوت قام مرثدين الحرث (يزيد بن الحارث خ) الخثيمي«»

فنادى عند غروب الشّمس: يا أهل الشّام إنّ أمير المؤمنين عليا و أصحاب رسول اللّه يقولون لكم: إنّا و اللّه لم نكفّ عنكم شكافي أمركم و لا إبقاء عليكم و إنّما كففنا عنكم لخروج المحرّم، و قد انسلخ، و إنا قد نبذنا إليكم على سواء فانّ اللّه لا يحبّ كيد الخائنين، قال فسار النّاس إلى رؤسائهم و امرائهم.

قال نصر: و أمّا رواية عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي الزّبير أنّ نداء ابن مرثد الخثعمي كانت صورته: يا أهل الشّام ألا إنّ أمير المؤمنين يقول لكم. إنّي قد استأنيت لكم لتراجعوا إلى الحقّ و تنيبوا إليه احتججت عليكم بكتاب اللّه و دعوتكم إليه، فلم تتناهوا عن طغيان، و لم تجيبوا إلى حقّ، فانّي قد نبذت إليكم على سواء إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين قال: فسار النّاس إلى رؤسائهم و خرج معاوية و عمرو بن العاص يكتبان الكتائب و يعبآن العسكر، و أوقدوا النّيران و جاءوا بالشّموع و بات عليّ ليلته تلك كلّها يعبي النّاس و يكتب الكتائب و يدور في النّاس و يحرّضهم قال نصر: فخرجوا أوّل يوم من صفر سنة سبع و ثلاثين و هو يوم الأربعاء فاقتتلوا، و على من خرج يومئذ من أهل الكوفة الاشتر، و على أهل الشام حبيب بن مسلمة فاقتتلوا قتالا شديدا جلّ النهار، ثمّ تراجعوا و قد انتصف بعضهم من بعض ثمّ خرج في اليوم الثاني هاشم بن عتبة في خيل و رجال حسن عددها و عدتها، فخرج إليه من أهل الشام أبو الأعور السلمي، فاقتتلوا يومهم ذلك، تحمل الخيل على الخيل و الرجال على الرجال ثمّ انصرفوا و قد صبر القوم بعضهم لبعض و خرج في اليوم الثّالث عمّار بن ياسر و خرج إليه عمرو بن العاص فاقتتل النّاس كأشدّ قتال كان، و جعل عمّار يقول: يا أهل الاسلام أ تريدون أن تنظروا إلى من عاد اللّه و رسوله و جاهدهما و بغى على المسلمين و ظاهر المشركين فلمّا أراد اللّه أن يظهر دينه و ينصر رسوله أتى إلى النّبي فأسلم و هو و اللّه فيما يرى ذاهب غير راغب، ثم قبض اللّه رسوله، و إنا و اللّه لنعرفه بعداوة المسلم و مودّة المجرم، ألا و إنّه معاوية فقاتلوه و العنوه، فانّه ممن يطفى نور اللّه و يظاهر أعداء اللّه

قال: و كان مع عمّار زياد بن النّضر على الخيل فأمره أن يحمل في الخيل فحمل فصبروا له، و شدّ عمار في الرّجالة فأزال عمرو بن العاص عن موقفه و رجع النّاس يومهم ذلك.

قال نصر: و حدّثني أبو عبد الرّحمن المسعودي، عن يونس الأرقم، عمّن حدّثه من شيوخ بكر بن وائل، قال: كنّا مع عليّ بصفين فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمح فقال ناس: هذا لواء عقده له رسول اللّه، فلم يزالوا يتحدّثون حتّى وصل ذلك إلى عليّ فقال: أ تدرون ما هذا اللّواء إنّ عمرا أخرج له رسول اللّه هذه الشّقة فقال: من يأخذها بما فيها، فقال عمرو ما فيها يا رسول اللّه فقال: لا تقاتل بها مسلما و لا تقرّبها من كافر، فأخذها فقد و اللّه قربها من المشركين و قاتل بها اليوم المسلمين، و الذي فلق الحبّة و برء النّسمة ما أسلموا و لكنّهم استسلموا و أسرّوا الكفر، فلما وجدوا أعوانا أظهروه قال نصر: فامّا اليوم الرّابع فانّ محمّد بن الحنفية خرج في جمع من أهل العراق فاخرج إليه معاوية عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب في جمع من أهل الشام، فاقتتلوا، ثمّ إنّ عبيد اللّه بن عمر أرسل إلى محمّد بن الحنفية أن اخرج إلىّ ابارزك، فقال: نعم ثمّ خرج إليه فبصر بهما عليّ عليه السّلام فقال: من هذان المتبارزان قيل: محمّد بن الحنفية و عبيد اللّه بن عمر فحرّك دابته ثمّ دعا محمدا إليه فجاءه فقال أمسك و ابى فأمسكها فمشى راجلا بيده سيفه نحو عبيد اللّه و قال له: ابارزك فهلمّ إليّ قال: لا ابارزك، ثمّ رجع إلى صفه فرجع عليّ عليه السّلام فقال ابن الحنفية: يا أبت لم تمنعني من مبارزته فو اللّه لو تركتني لرجوت أن أقتله، قال: يا بنيّ لو بارزته أنا لقتلته و لو بارزته أنت لرجوت لك أن تقتله و ما كنت آمن أن يقتلك، فقال: يا أبت أتبرز بنفسك إلى هذا الفاسق اللئيم عدوّ اللّه، و اللّه لو أبوه يسألك المبارزة لرغبت بك عنه قال نصر: و أما اليوم الخامس فانه خرج فيه عبيد اللّه بن العباس فخرج إليه الوليد بن عقبة فأكثر من سب بني عبد المطلب و قال: يا بن عباس قطعتم أرحامكم و قتلتم إمامكم فكيف رأيتم صنع اللّه بكم لم تعطوا ما طلبتم و لم تدركوا ما أملتم، فأرسل إليه ابن عباس ابرز إلىّ فأبى أن يفعل، و قاتل ابن عباس ذلك اليوم قتالا شديدا ثمّ انصرفوا و كلّ غير غالب و خرج ذلك اليوم سمرة بن أبرهة بن الصباح الحميرى فلحق بعليّ عليه السّلام في ناس من قراء أهل الشام ففتّ«» ذلك في عضد معاوية و عمرو بن العاص و قال عمرو: يا معاوية إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلاله من محمد صلّى اللّه عليه و آله قرابة قريبة و رحم ماسة و قدم في الاسلام ليس لأحد مثله و قد سار إليك بأصحاب محمّد المعد و دين و فرسانهم و قرائهم و أشرافهم و قدمائهم في الاسلام، و لهم في النفوس مهابة و مهما نسيت فلا تنس فانك على الباطل و إنّ عليا على الحقّ فبادر الأمر قبل اضطرا به عليك، فقام معاوية في أهل الشام خطيبا و حثهم على القتال فخطب عليّ عليه السّلام أصحابه.

قال نصر: قال أبو (ابن خ) سنان الأسلمي كأني أنظر إليه متكئا على قوسه و قد جمع أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هم يلونه كانه أحبّ أن يعلم الناس أنّ الصحابة متوافرون معه فقال بعد حمد اللّه و الثناء عليه أما بعد: فانّ الخيلاء من التجبّر و إنّ النخوة من التكبر و إنّ الشيطان عدوّ حاضر يعدكم الباطل، الا إنّ المسلم أخ المسلم فلا تنابذوا و لا تجادلوا ألا إنّ شرايع الدين واحدة و سبله قاصدة، من أخذ بها لحق و من فارقها محق و من تركها مرق، ليس المسلم بالخائن إذا او من، و لا بالمخلف إذا وعد، و لا الكاذب إذا نطق، نحن أهل بيت الرّحمة، و قولنا الصدق، و فعلنا القصد، و منا خاتم النبيين، و فينا قادة الاسلام، و فينا حملة الكتاب، أدعوكم إلى اللّه و إلى رسوله و إلى جهاد عدوّه و الشدّة في أمره و ابتغاء مرضاته و إقام الصلاة، و ايتاء الزّكاة، و حجّ البيت و صيام شهر رمضان، و توفير الفي‏ء على أهله‏ ألا و إنّ من أعجب العجايب ان معاوية بن أبي سفيان الاموي و عمرو بن العاص السّهمي أصبحا يحرّضان على طلب الدّين بزعمهما، و لقد علمتم أنّى لم أخالف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قط، و لم أعصه في أمر قط، أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، و ترعد منها الفرائض بنجدة أكرمنى اللّه سبحانه بها و له الحمد.

و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إنّ رأسه لفى حجري، و لقد و ليت غسله بيدي و حدي يقبله الملائكة المقرّبون معي، و أيم اللّه ما اختلف أمّة بعد نبيّها إلّا ظهر أهل باطلها على أهل حقّها إلّا ما شاء اللّه.

قال أبو سنان. فاشهد لقد سمعت عمّار بن ياسر يقول: أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم إنّ الامة لم تستقم عليه أوّلا، و لن تستقيم عليه آخرا.

قال نصر: قال زيد بن وهب: إنّ عليّا عليه السّلام قال في هذه اللّيلة: حتّى متى لا نناهض القوم بأجمعنا، فقام في النّاس عشيّة الثلثاء بعد العصر فقال: الحمد للّه الذي لا يبرم ما نقض، و لا ينقض ما أبرم، و لو شاء ما اختلف اثنان من هذه الامة، و لا من خلقه، و لا تنازع البشر في شي‏ء من أمره، و لا جحد المفضول ذا الفضل فضله، و لقد ساقتنا و هولاء القوم الأقدار حتّى لفّت بيننا في هذا الموضع و نحن من ربّنا بمرئى و مسمع، و لو شاء لعجل النقمة و لكان منه التّغير حتّى يكذب اللّه الظالم و يعلم الحقّ أين مصيره، و لكنّه جعل الدّنيا دار الأعمال، و جعل الآخرة دار الجزاء و القرار، ليجزى الذين أساؤا بما عملوا و يجزى الذين أحسنوا بالحسنى.

ألّا إنّكم لاقوا العدّو غدا إنشاء اللّه فأطيلوا اللّيلة القيام، و أكثروا تلاوة القرآن، و اسألوا اللّه الصّبر و النّصر، و القوهم بالجدّ و الحزم، و كونوا صادقين.

قال: فوثب النّاس إلى رماحهم و سيوفهم و نبالهم يصلحونها، و خرج عليه السّلام فعبى النّاس ليلته تلك كلها حتّى أصبح، و عقد الألوية و أمر الامراء و بعث إلى أهل الشّام مناديا ينادى اغدوا على مصافكم، فضجّ أهل الشّام في معسكرهم و اجتمعوا إلى معاوية فعبى خيله و عقد ألويته و أمر امرائه و كتب كتائبه، و كان أهل الشّام‏ أكثر من أهل العراق بالضّعف، و نصب لمعاوية منبر فقعد عليه في قبّة ضربها ألقى عليها الثياب و الارائك و أحاط به أهل اليمن، و قال لا تقربنّ هذا المنبر أحد لا تعرفونه إلّا قتلتموه كائنا من كان.

ثمّ تناهض القوم سادس صفروا قتلوا إلى آخر نهارهم و انصرفوا عند المساء و كلّ غير غالب، فأما اليوم السّابع فكان القتال فيه شديدا و الخطب عظيما، و كان عبد اللّه بن بديل الخزاعي على ميمنة العراق، فزحف نحو حبيب بن مسلمة و هو على مسيرة أهل الشّام حتّى اضطرهم إلى قبّة معاوية وقت الظهر.

قال نصر: و حدّثنا عمر بن سعد عن عبد الرّحمن بن أبي عمرو عن أبيه أنّ عليّا خطب هذا اليوم فقال: معاشر النّاس استشعروا الخشية و تجلببوا السّكينة إلى آخر ما مر في المتن.

و روى نصر باسناده المذكور أيضا أنّه خطب ذا اليوم و قال: أيّها الناس إنّ اللّه تعالى ذكره قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب، و تشفى بكم على الخير، ايمان باللّه و رسوله و جهاد في سبيله، و جعل ثوابه مغفرة الذّنوب و مساكن طيّبة في جنات و رضوان من اللّه أكبر و أخبركم بالذي يحبّ فقال: إنّ اللّه يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنهم بنيان مرصوص فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص و قدموا الدراع و أخروا الحاسر«» و عضّوا على الأضراس فانّه أنبا للسّيوف عن الهام، و أربط للجاش و أسكن للقلوب و أميتوا الأصوات فانّه أطرد للفشل و اولى بالوقار و التووا في أطراف الرّماح فانّه امور للاسنّة و رايتكم فلا تميلوها و لا تزيلوها و لا تجعلوها إلّا بأيدى شجعانكم المانعي الذّمار«» و الصّبر عند نزول الحقائق أهل الحفاظ الذين يحفون برايتكم و يكتنفونها، يضربون خلفها و أمامها و لا تضيّعوها.

و هلّا أجزء كلّ أمره مسلم منكم قرنه و واسا أخاه بنفسه، و لم يكل قرنه إلى‏أخيه فيجمع عليه قرنه و قرن أخيه فكسب بذلك اللائمة و يأتي به دنائة أنّى هذا و كيف يكون هكذا، هذا يقابل اثنين، و هذا ممسك يده قد خلّى قرنه إلى أخيه هاربا منه أو قائما ينظر إليه، من يفعل هذا مقته اللّه فلا تعرضوا لمقت اللّه فانّما مردّكم إلى اللّه قال اللّه تعالى لقوم عابهم: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا.

و أيم اللّه إن فررتم من سيف «اللّه خ ل» العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة فاستعينوا بالصّدق و الصّبر فانّه بعد الصّبر ينزل النصر.

قال نصر: ثمّ قام قيس بن سعد و خطب خطبة بليغة حث النّاس فيها على الجهاد، ثمّ قام الاشتر رضى اللّه عنه بمثل ذلك، و كذا يزيد بن قيس الأرحبى و غيرهم.

و روى عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام، و زيد بن الحسن قالا طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوي صفوف أهل الشّام، فقال: يا معشر أهل الشّام سوّوا صفوفكم قص الشّارب، و أعيرونا جماجمكم ساعة، فانه قد بلغ الحقّ مقطعه فلم يبق إلّا ظالم أو مظلوم.

قال نصر: و أقبل أبو الهثيم بن التّيهان و كان من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله بدريّا عقبيّا يسوّى صفوف أهل العراق و هو يقول: يا معشر أهل العراق إنّه ليس بينكم و بين الفتح العاجل إلا ساعة من النّهار، فارسوا أقدامكم و سوّوا صفوفكم و أعيروا ربّكم جماجمكم و استعينوا باللّه ربّكم، و اصبروا إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين.

قال نصر: و حدّثنا عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبي أنّ أوّل فارسين التقيا في هذا اليوم و هو اليوم السّابع و كان من الأيام العظيمة ذا أهوال شديدة حجر بن عديّ من أصحاب عليّ عليه السّلام و ابن عمّ حجر المسمّى بحجر أيضا من أصحاب معاوية كليهما من كندة، فأطعنا برمحههما، و خرج خزيمة الأسدى من عسكر معاوية فضرب حجر ابن عدي ضربة برمحه فحمل أصحاب عليّ عليه السّلام فقتلوا خزيمة و نجى ابن عمّ حجر هاربا فالتحق بصف معاوية، ثمّ برز ثانية فبرز إليه الحكم بن أزهر من أهل العراق فقتله.

ثمّ إنّ عليّا دعا أصحابه إلى أن يذهب واحد منهم بمصحف كان في يده إلى أهل الشّام، فقال عليه السّلام: من يذهب إليهم فيدعوهم إلى ما في هذا المصحف فسكت النّاس و أقبل فتى اسمه سعيد فقال: أنا صاحبه، و قال ثانيا: فلم يجبه إلّا الفتى، فسلّمه إليه، ثمّ أتاهم و ناشدهم و دعاهم إلى ما فيه فقتلوه.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام لعبد اللّه بن بديل: احمل عليهم الآن فحمل عليهم بمن معه من أهل الميمنة و عليه يومئذ سيفان و درعان، فجعل يضرب قدما و يرتجز فلم يزل يحمل حتّى انتهى إلى معاوية و الذين بايعوه على الموت فأمرهم أن يصمد و العبد اللّه بن بديل، و بعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري و هو في الميسرة أن يحمل عليه بجميع أصحابه و اختلط النّاس و اصطدم«» الصّفان ميمنة أهل العراق و ميسرة أهل الشّام.

و أقبل ابن بديل يضرب النّاس بسيفه حتّى أزال معاوية عن موقفه، و جعل ينادي يا ثارات عثمان و إنّما يعنى اخا له قتل و ظنّ معاوية و أصحابه أنّه يعني عثمان بن عفّان و تراجع معاوية عن مكانه القهقرى كثيرا و أشفق على نفسه و أرسل إلى حبيب بن مسلمة ثانية و ثالثة يستنجده و يستصرخه و يحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية على ميمنة عراق، فكشفها حتّى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مأئة انسان من القراء فاستند بعضهم إلى بعض يحمون أنفسهم.

و لجج ابن بديل في النّاس و صمّم على قتل معاوية و جعل يطلب موقفه حتّى انتهى إليه فنادى معاوية في الناس و يلكم الصّخرة و الحجارة إذا عجزتم عن السّلاح، فرضخه النّاس بالحجارة حتّى أثخنوه، فسقط فأقبلوا عليه بسيوفهم فقتلوه‏ فجاء معاوية و عبد اللّه بن عامر حتّى وقفا عليه فالقى عبد اللّه عمامته على وجهه و ترحّم عليه و كان له أخا و صديقا من قبل، فقال معاوية: اكشف عن وجهه فقال: لا و اللّه لا يمثل به و فيّ روح، فقال معاوية: قد وهبناه لك فكشف عن وجهه فقال معاوية: هذا كبش القويم و ربّ الكعبة اللهمّ أظفرني بالاشتر النخعي و الأشعث الكندى.

قال نصر فاستعلا أهل الشّام عند قتل ابن بديل على أهل العراق يومئذ و انكشف أهل العراق من قبل الميمنة و اجفلوا اجفالا«» شديدا فأمر عليّ عليه السّلام سهل بن حنيف فاستقدم ممن كان معه ليرفد الميمنة و يعضدها، فاستقبلهم جموع أهل الشام في خيل عظيمة فحملت عليهم فالحقتهم بالميمنة، و كانت ميمنة أهل العراق متّصلة بموقف عليّ في القلب في أهل اليمن، فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى عليّ فانصرف يمشي نحو الميسرة.

روى نصر عن زيد بن وهب قال: لقد مرّ عليّ عليه السّلام يومئذ و معه بنوه و إنّي لأرى النبل يمرّ بين عاتقه و منكبه و ما من بنيه إلّا من يقيه بنفسه فيكره عليّ ذلك فيتقدّم عليه و يحول بينه و بين أهل الشّام و يأخذ بيده إذا فعل ذلك فيلقيه من ورائه، و بصربه أحمر مولى بني أمية و كان شجاعا، فقال علي «لعلي ظ» و ربّ الكعبة قتلني اللّه إن لم اقتلك، فاقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى عليّ فاختلفا ضربتين فقتله أحمر و خالط عليّا ليضربه بالسّيف فمدّيده عليه السّلام إلى جيب درعه فجذبه عن فرسه، و حمله على عاتفه و اللّه لكأنى أنظر إلى رجلى أحمر يختلفان على عنق عليّ عليه السّلام ثمّ ضرب به الأرض فكسر منكبه و عضديه و شدّ ابنا عليّ عليه السّلام حسين و محمّد، فضرباه بأسيافهما حتّى برد فكأنّي أنظر إلى عليّ قائما و شبلاه يضربان الرّجل حتى إذا أتيا عليه أقبلا على أبيهما و الحسن قائم معه فقال له عليّ: يا بنيّ ما منعك أن تفعل كما فعل أخوك فقال كفيانى يا أمير المؤمنين.

قال ثمّ إنّ أهل الشّام دنوا منه يريدونه و اللّه ما يزيده قربهم منه و دنوّهم سرعة في مشيه، فقال له الحسن: ما أضرّك لو أسرعت حتّى تنتهى إلى الذين صبروا لعدوك من أصحابك، قال يعنى ربيعة الميسرة فقال عليّ: يا بنيّ إنّ لأبيك يوما لا يبطى‏ء به عنه السّعى و لا يقربه إليه الوقوف إنّ أباك لا يبالى وقع على الموت أو وقع الموت عليه.

قال نصر: و روى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي إسحاق قال: خرج عليّ يوما من ايّام صفين و في يده عنزة، فمرّ على سعيد بن قيس الهمداني فقال له سعيد: أما تخشى يا أمير المؤمنين أن يغتا لك أحد و أنت قريب عدوّك، فقال عليّ عليه السّلام إنه ليس من أحد إلّا و عليه حفظة من اللّه يحفظونه من أن يتردّى في قليب أو يخرب عليه حايط أو تصيبه آفة، فاذا جاء القدر خلّوا بينه و بينه.

قال: و حدّثنا عمرو، عن فضيل بن خديج، قال لما انهزمت ميمنة العراق يومئذ أقبل عليّ نحو الميسرة يركض ليستلب النّاس و يسوقهم و يأمرهم بالرّجوع نحو الفرغ، فمرّ بالأشتر فقال: يا مالك قال: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: ائت هؤلاء القوم فقل لهم أين فراركم عن الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم، فمضى الأشتر فاستقبل النّاس منهزمين فقال لهم: الكلمات، فناداهم أيّها الناس أنا مالك بن الحرث، فلم يلتفت أحد منهم إليه فقال: أيّها النّاس أنا الأشتر، فأقبلت إليه طائفة و ذهبت عنه طائفة فقال: عضضتم بهن أبيكم، ما أقبح ما قاتلتم اليوم.

أيّها النّاس غضّوا الأبصار و عضّوا على النّواجذ، فاستقبلوا النّاس بهامكم و شدّوا عليهم شدّة قوم موتورين بآبائهم و أبنائهم و إخوانهم حنفاء على عدوهم، قد و طنوا على الموت أنفسهم كيلا يسبقوا بثار إنّ هؤلاء القوم و اللّه لن يقاتلوكم إلّا عن دينكم ليطفؤوا السّنة و يحيوا البدعة و يدخلوكم في أمركم قد أخرجكم اللّه منه بحسن البصيرة، فطيبوا عباد اللّه نفسا بدمائكم دون دينكم، فانّ الفرار فيه سلب العزّ و الغلبة على الفي‏ء، و ذلّ المحيا و الممات و عار الدّنيا و الآخرة و سخط اللّه و أليم عقابه ثمّ قال:

أيّها النّاس اخلصوا إلىّ مذحجا فاجتمعت إليه مذحج فقال عضضتم بصمّ«» الجندل و اللّه ما أرضيتم اليوم ربّكم و لا نصحتم له في عدوّه و كيف و أنتم أبناء الحرب و أصحاب الغارات و فرسان الطراد و حتوف الأقران، و مذحج الطعان الذين لم يكونوا سبقوا بثارهم، و لم تطل دماؤهم و لم يعرفوا في موطن من المواطن لحين و أنتم سادة مصركم و اعرجىّ في قومكم، و ما تفعلوا في هذا اليوم فهو ماثور بعد اليوم فابقوا ماثور الحديث في غد، و اصدقوا عدوّكم اللقاء فانّ اللّه مع الصّابرين.

و الذي نفسي بيده ما من هؤلاء و أشار بيده إلى أهل الشّام رجل في مثل جناح البعوضة من دين اللّه أنتم ما أحسنتم اليوم القراع أجلوا سواد وجهى يرجع في وجهي ذمى «احبسوا سواد وجهى رجع فيه دمى خ ل» عليكم بهذا السواد الأعظم فانّ اللّه لو قد فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع السّيل مقدمه، فقالوا: خذ بنا حيث احببت فصمد بهم نحو عظمهم و استقبله سنام من همدان و هم نحو ثمانمائة مقاتل قد انهزموا آخر النّاس و كانوا قد صبروا في ميمنة عليّ حتّى قتل مأئة و ثمانون رجلا و اصيب منهم أحد عشر رئيسا كلما قتل منهم رئيس أخذ الرّاية آخروهم بنو شريح الهمدانيون و غيرهم من رؤساء العشيرة.

فقال لهم الأشتر إنّى احالفكم و اعاقدكم على أن لا نرجع أبدا حتّى نظفر أو نهلك، فوقفوا معه على هذه النية و العزيمة و زحف نحو الميمنة و ناب إليه اناس تراجعوا من أهل الصّبر و الوفاء و الحياء فأخذ لا يصمد لكتيبة إلّا كشفها، و لا بجمع الا جازه و ردّه.

قال نصر و حدّثنا عمرو، عن الحرث بن الصّباح، قال: كان بيد الأشتر يومئذ صحيفة له يمانية إذا طأطأها خلت فيها ما ينصب، و إذا رفعها يكاد يغشى البصر شعاعها، و هو يضرب بها النّاس قد ما و يقول: الغمرات ثمّ ينجلينا.

قال: فبصر به الحرث بن جمهان الجعفي و الأشتر مقنّع في الحديد فلم يعرفه‏ فدنا منه، و قال له: جزاك اللّه منذ اليوم عن أمير المؤمنين و جماعة المسلمين خيرا، فعرفه الأشتر فقال: يابن جمهان أمثلك يتخلّف اليوم عن مثل موطني هذا فتأمله ابن جمهان فعرفه و كان الأشتر من أطول الرّجال و أعظمهم إلّا أنّ في لحمه خفة قليلة، فقال له جعلت فداك، و اللّه ما علمت مكانك حتّى السّاعة لا افارقك حتّى أموت.

قال نصر: و حدّثنا عمر عن فضيل بن خديج، قال: لمّا اجتمع إلى الأشتر معظم من كان انهزم من الميمنة حمل على صفوف أهل الشّام حتّى كشفهم فألحقهم بمضارب معاوية، و ذلك بين العصر و المغرب.

و عن زيد بن وهب أنّ عليّا لما رأى ميمنته قد عادت إلى موقفها و مصافها و كشف من بازائها حتّى ضاربوهم في مواقفهم و مراكزهم، أقبل حتّى انتهى اليهم فقال إنّى قد رأيت جولتكم و انحيازكم من صفوفكم يحوزكم الجفاة الطغاة «الطعام خ ل» و اعراب أهل الشّام و أنتم لهاميم العرب و السّنام الأعظم و اعمار الليل بتلاوة القرآن و أهل دعوة الحقّ إذ ضل الخاطئون فلو لا إقبالكم بعد إدباركم و كرّكم بعد انحيازكم وجب عليكم ما وجب على المولى يوم الزّحف دبره و كنتم فيما أرى من الهالكين.

و لقد هون عليّ بعض و جدي و شفا بعض وجع نفسى أنى رأيتكم باخره حزتموه كما حازوكم و أزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم تحسّونهم«» بالسّيف يركب أوّلهم و آخرهم كالابل المطرودة الهيم فالآن فاصبروا نزلت عليكم السّكينة و ثبتكم اللّه باليقين و ليعلم المنهزم أنّه يسخط ربّه و يوبق نفسه و في الفرار موجدة اللّه عليه و الذّل اللّازم له و فساد العيش، و أنّ الفار لا يزيد الفرار في عمره و لا يرضى ربّه، فموت الرّجل محقّا قبل اتيان هذه الخصال خير من الرّضا بالتّلبس بها و الاصرار عليها.

قال نصر: فحمل أبو الكعب الخثعمي رأس خثعم العراق على خثعم الشّام‏ و اقتتلوا قتالا شديدا، فجعل أبو كعب يقول لأصحابه يا معشر خثعم خدموا أى اضربوا موضع الخدمة و هي الخلخال، يعنى اضربوهم في سوقهم فناداه عبد اللّه بن حنش رأس خثعم الشّام يا با كعب الكلّ قومك فانصف، قال أي و اللّه و أعظم و اشتدّ قتالهم فحمل شمر «شمس خ ل» بن عبد اللّه الخثعمى على أبى كعب فطعنه فقتله.

ثمّ انصرف يبكى و يقول: يرحمك اللّه أبا كعب لقد قتلتك في طاعة قوم أنت أمس بى رحما منهم و أحبّ إلى منهم نفسا و لكني و اللّه ما أدرى ما أقول و لا أرى الشيطان إلّا قد فتننا، و لا أرى قريشا إلّا و قد لعبت بنا، فوثب كعب بن ابى كعب إلى راية أبيه فأخذها ففقئت عينه و صرع، ثمّ أخذها شريح بن مالك الخثعمى فقاتل القوم تحتها حتّى صرع منهم حول رايتهم ثمانون رجلا و اصيب من خثعم الشّام مثلهم ثمّ ردّها شريح بن مالك إلى كعب بن أبى كعب.

قال نصر: إنّ راية بحيلة فى صفين مع أهل العراق كانت في أخمس مع ابي شداد قيس بن المكسوخ، قالت البحيلة لأبى شدّاد: خذ رايتنا، فقال: غيري خير لكم منّي قالوا: لا نريد غيرك، قال: فو اللّه لئن اعطيتمونيها لانتهى بكم دون صاحب التّرس المذهب.

قالوا: و كان على رأس معاوية رجل قائم معه ترس مذهّب يستره من الشّمس فقالوا اصنع ما شئت فأخذها ثمّ زحف بها و هم حوله يضربون النّاس بأسياف حتى انتهى إلى صاحب التّرس المذهب و هو في خيل عظيمة من أصحاب معاوية، و كان عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد، فاقتتل النّاس هناك قتالا شديدا و شدّ أبو شدّاد بسيفه نحو صاحب التّرس فعرض له رومي من دونه لمعاوية فضرب قدم أبى شدّاد فقطعها، و ضرب أبو شدّاد ذلك الرّومي فقتله، و أسرعت إليه الأسنة، فقتل، فاخذ الرّاية عبد اللّه بن قلع الأخمس و قاتل حتّى قتل، فأخذها بعده أخوه عبد الرّحمن بن قلع فقاتل حتّى قتل، ثمّ أخذها عفيف بن أياس الأخمس، فلم تزل بيده حتّى تحاجز النّاس.

قال نصر: و قال رجل من أصحاب علىّ أما و اللّه لأحملن على معاوية حتّى‏ أقتله. فركب فرسا ثمّ ضربه حتّى قام على سنابكه، ثمّ دفعه فلم ينهنهه شي‏ء عن الوقوف حتّى وقف على رأس معاوية، فهرب معاوية و دخل خبائه فنزل الرّجل عن فرسه و دخل عليه فخرج معاوية من جانب الخباء الآخر فخرج الرّجل في اثره فاستصرخ معاوية بالنّاس فأحاطوا به و حالوا بينهما فقال معاوية و يحكم انّ السيوف لم يؤذن لها في هذا و لو لا ذلك لم تصل إليكم فعليكم بالحجارة فرضخوه بالحجارة حتّى همد«» ثمّ عاد معاوية إلى مجلسه.

قال: و حمل رجل من أصحاب عليّ عليه السّلام يدعى أبا أيوب، و ليس بأبى أيوب الأنصاري على صفّ أهل الشّام، ثمّ رجع فوافق رجلا من أهل الشّام صادرا قد حمل على أهل العراق، ثمّ رجع فاختلفا ضربتين فنفحه أبو أيوب بالسّيف فأبان عنقه فثبت رأسه على جسده كما هو، و كذّب النّاس أن يكون هو ضربه فارى بهم ذلك حتى إذا أدخلته فرسه في صف اهل الشّام بدر راسه فوقع ميّتا.

فقال عليّ عليه السّلام و اللّه لأنا من ثبات رأس الرّجل أشدّ تعجبا من الضّربة و ان كان إليها ينتهي وصف الواصفين، و جاء أبو أيوب فوقف بين يدي عليّ عليه السّلام فقال له أنت و اللّه كما قال الشّاعر:

  و علّمنا الضرب آباؤنا
و نحن نعلّم أيضا بنينا

قال نصر: فلما انقضى هذا اليوم بما فيه أصبحوا في اليوم الثامن من صفر و الفيلقان متقابلان، فخرج رجل من أهل الشام فسأل المبارزة فخرج اليه رجل من أهل العراق فاقتتلا بين الصفين قتالا شديدا، ثمّ إن العراقي اعتنقه فوقعا جميعا و غار الفرسان ثمّ إن العراقى قهره فجلس صدره و كشف المغفر عنه يريد ذبحه فاذا هو أخوه لابيه و امّه، فصاح به أصحاب علىّ و يحك اجهز عليه، قال انه أخى، قالوا: فاتركه، قال: لا و اللّه حتّى يأذن أمير المؤمنين، فاخبر عليّ بذلك فأرسل إليه أن دعه فتركه فقام فعاد إلى صفّ معاوية.

قال نصر: و حدّثنا محمّد بن عبيد اللّه عن الجرجاني قال: كان فارس معاوية الذي‏ يعدّه لكلّ مبارز و لكلّ عظيم حريث مولاه، و كان يلبس سلاح معاوية متشبّها به فاذا قاتل قال النّاس ذاك معاوية و إنّ معاوية دعاه فقال له: يا حريث اتّق عليّا وضع رمحك حيث شئت، فأتاه عمرو بن العاص فقال: يا حريث و اللّه لو كنت قرشيا لأحبّ لك معاوية أن تقتل عليّا، و لكن كره أن يكون لك حظها فان رأيت فرصة فاقتحم و خرج عليّ فى هذا اليوم أمام الخيل فحمل عليه حريث.

قال نصر: فحدّثنى عمرو بن شمر عن جابر قال: بل برز حريث هذا اليوم و كان شديدا ايدا ذا بأس لا يرام فصاح يا علي هل لك في المبارزة فاقدم أبا حسن ان شئت، فأقبل عليّ عليه السّلام و هو يقول:

أنا علىّ و ابن عبد المطلب
نحن لعمر اللّه اولى بالكتب‏

منّا النّبي المصطفى غير كذب‏
اهل اللواء و المقام و الحجب‏
نحن نصرناه على كلّ العرب‏

ثمّ خالطه فما أمهله أن ضربه ضربة فقطعه نصفين فجزع معاوية عليه جزعا شديدا و عاتب عمرا في إغرائه إيّاه بعليّ و قال في ذلك شعرا:

حريث أ لم تعلم و جهلك ضاير
بأنّ عليّا للفوارس قاهر

و انّ عليا لم يبارزه فارس‏
من النّاس الّا أقصدته الأظافر

أمرتك أمرا حازما فعصيتنى
فحدّك اذ لم تقبل النّصح حائر

و ولّاك عمرو و الحوادث جمة
غرورا و ما جرّت عليك المقادر

و ظنّ حريث أنّ عمرا نصيحه
و قد يهلك الانسان من لا يحاذر

قال نصر فلما قتل حريث برز عمرو بن الحصين السكسكي فنادى يا أبا حسن هلمّ إلى المبارزة فأومأ عليّ إلى سعيد بن قيس الهمدانى فبارزة فضربه بالسّيف فقتله.

قال نصر: و كان لهمدان بلاء عظيم في نصرة عليّ عليه السّلام في صفين و من الشّعر الذي لا يشكّ انّه قاله لكثرة الرّواة له:

دعوت فلبّانى من القوم عصبة
فوارس من همدان غير لئام‏

فوارس من همدان ليسوا بمعزل‏
غداة الوغا من يشكر و شبام‏

بكل روينى«» و عضب تخاله
اذا اختلف الاقوام شعل ضرام‏

لهمدان اخلاق كرام تزينهم‏
و باس اذا لاقوا و حدّ خضام«»

و جدّ و صدق في الحروب و نجدة
و قول اذا قالوا بغير اثام‏

متى تاتهم في دارهم تستضيفهم‏
تبت ناعما في خدمة و طعام‏

جزى اللّه همدان الجنان فانّها
سهام العدى في كلّ يوم زحام‏

و لو كنت بوابا على باب جنّة
لقلت لهمدان ادخلوا بسلام«»

قال نصر: فحدّثنى عمرو بن شمر قال: ثمّ قام عليّ بين الصّفين و نادى يا معاوية يكرّرها، فقال معاوية اسألوه ما شأنه، قال: أحبّ أن يظهر لي فأكلّمه كلمة واحدة، فبرز معاوية و معه عمرو بن العاص فلمّا قارباه لم يلتفت إلى عمرو و قال لمعاوية: و يحك على م تقتل النّاس بيني و بينك و يضرب بعضهم بعضا ابرز إلىّ فأيّنا قتل صاحبه فالأمر له فالتفت معاوية إلى عمرو فقال: ما ترى يا أبا عبد اللّه قال: قد أنصفك الرّجل و اعلم أنّك إن نكلت عنه لم تزل مسبته عليك و على عقبك ما بقى على ظهر الأرض عربيّ فقال معاوية: يا بن العاص ليس مثلي يخدع عن نفسه و اللّه ما بارز ابن أبي طالب شجاع قط إلّا و سقى الارض من دمه، ثمّ انصرف معاوية راجعا حتى انتهى إلى آخر الصّفوف و عمرو معه، فلمّا رأى عليّ ذلك ضحك و أعاد إلى موقفه قال نصر: و في حديث الجرجاني انّ معاوية قال لعمرو: و يحك ما أحمقك تدعوني إلى مبارزته و دوني عكّ و خدّام و الأشعرون، قال: و حقدها معاوية على عمرو باطنا و قال له ظاهرا ما أظنّك يا أبا عبد اللّه قلت ما قلته إلّا مازحا، فلمّا جلس معاوية عليه اللعنة و العذاب مجلسه أقبل عمرو يمشي حتّى جلس إلى جانبه، فقال معاوية:

و لقد ظننتك قلت مزحة مازح
و الهزل يحمله مقال الهازي‏

ما ذا الذي منتك نفسك خاليا
قتلي جزيت بما نويت الجازى‏

فقال: عمرو: ايّها أيّها الرّجل أتجبن عن خصمك و تتّهم نصيحك و قال مجيبا له:

معاوى ما اجترمت عليك ذنبا
و لا أنا في الذي حدّثت خازي‏

و ما ذنبي بأن نادى علىّ‏
و كبش القوم يدعى للبراز

و لو بارزته بارزت ليثا
حديد النّاب يخطب كلّ باز

و تزعم أنّني أضمرت غشّا
جزاني بالذي أضمرت جازي‏

و في البحار من تفسير العياشي عن أبي الأعزّ التّميمي قال: بينا أنا واقف بصفّين إذ مرّ بي العبّاس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب شاك في السّلاح على رأسه مغفر و بيده صحيفة يمانيّة يقلّبها و هو على فرس له أدهم و كان عينيه عينا أفعي، فبينا هو يروض فرسه و يلين عريكته إذ هتف به هاتف من أهل الشّام يقال له عرار بن أدهم: يا عبّاس هلمّ إلى البراز، قال: فالنّزول اذن فانّه اياس من الغفول، قال فنزل الشّامي و وجد و هو يقول:

إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا
أو تنزلون فانّا معشر نزل‏

قال و ثنى عباس رجله و هو يقول:

و يصدّ عنك مخيلة«» الرّجل
العرّيض موضحة عن العظم‏

بحسام سيفك أو لسانك‏
و الكلم الاصيل كارعب الكلم‏

ثمّ عصب«» فضلات درعه في حجزته و دفع فرسه إلى غلام له اسلم كانّي انظر إلى قلاقل«» شعره و دلف«» كلّ واحد منهما إلى صاحبه قال فذكرت قول أبي ذويب:

فتنازلا و توافقت خيلاهما
و كلاهما بطل اللقاء مجدع‏

قال ثمّ تكافحا«» بسيفهما مليّا«» من نهارهما لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لامته‏ إلى أن لحظ العبّاس و هنا في درع الشّامي فأهوى إليه بالسّيف فانتظم في درع الشّامي فاهوى إليه بيده فهتكه إلى ثندوته«» ثمّ عاد لمجادلته و قد اصحر له«» مفتق الدّرع فضربه العبّاس ضربة انتظم به جوانح صدره و خرّ الشّامي صريعا بخدّه و سمى العبّاس في النّاس و كبّر النّاس تكبيرة ارتجّت لها الأرض فسمعت قائلا يقول من ورائي.

 قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ فالتفت فاذا هو أمير المؤمنين عليّ فقال: يا أبا الأعزّ من المبارز لعدوّنا قلت: هذا ابن (شيخكم خ ل) العبّاس بن ربيعة فقال و إنّه لهو يا عبّاس، قال: لبّيك قال: ألم انهك و حسنا و حسينا و عبد اللّه بن جعفر أن تخلوا بمركز أو تباشروا حدثا قال: إنّ ذلك لكذلك قال: فما عدا ممّا بدا، قال: أ فأدعى إلى البراز يا أمير المؤمنين فلا أجيب جعلت فداك قال: نعم طاعة إمامك أولى من اجابة عدوّك، ودّ معاوية أنّه ما بقى من بني هاشم نافخ ضرمة«» إلّا طعن في نيطته«» إطفاء لنور اللّه وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ.

أما و اللّه ليهلكنّهم منّا رجال و رجال يسومونهم الخسف«» حتّى يكفّفوا«» بأيديهم‏ و يحفروا الّا بار إن عادوا لك فعدلى، قال: و نمى الخبر إلى معاوية فقال: اللّه دم عرار ألا رجل يطلب بدم العرار قال: فانتدب له رجلان من لخم فقالا نحن له قال: اذهبا فايّكما قتل العبّاس برازا فله كذا و كذا، فأتياه فدعواه إلى البراز فقال: إنّ لي سيّدا اوامره قال: فاتى أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبره فقال: ناقلني سلاحك بسلاحي، فناقله قال: و ركب أمير المؤمنين عليه السّلام على فرس العبّاس، و دفع فرسه إلى العبّاس و برز إلى الشّاميين فلم يشكّا أنّه العبّاس، فقالا له: أذن لك سيّدك فتحرّج أن يقول نعم فقال «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ.

قال: فبرز إليه أحدهما فكانّما اختطفه، ثمّ برز إليه الثّاني فألحقه بالأوّل و انصرف و هو يقول: «الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ».

ثمّ قال: يا عبّاس خذ سلاحك و هات سلاحي قال: و نمى الخبر إلى معاوية فقال: قبّح اللّه اللجاج إنّه لقعود ما ركبته قط إلّا خذلت، فقال عمرو بن العاص، المخذول و اللّه اللخميان لا أنت، قال: اسكت أيّها الشّيخ فليس هذه من ساعاتك قال: فان لم يكن فرحم اللّه اللخميّين و ما أراه يفعل قال: ذلك«» و اللّه أضيق لحجرك و أخسر لصفقتك قال: أجل و لو لا مصر لقد كانت المنجاة منها، فقال: هي و اللّه أعمتك لولاها لا ألفيت نصيرا.

و رواه في شرح المعتزلي من كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة بأدنى تغيير قال نصر: ثمّ التقى النّاس فاقتتلوا قتالا شديدا و حاربت طىّ مع أمير المؤمنين حربا عظيما و تداعت و ارتجزت فقتل منها أبطال كثيرون، و قاتلت النّخع معه أيضا ذلك اليوم قتالا شديدا و قطعت رجل علقمة بن قيس النّخعي و قتل اخوه ابىّ بن قيس فكان علقمة يقول بعد ما احبّ انّ رجلي أصحّ ما كانت لما أرجو بها من حسن الثّواب‏ و كان يقول أحبّ أن ا بصراخي في نومي فرأيته فقلت له: يا أخى ما الذي قدمتم عليه فقال: التقينا و أهل الشّام بين يدي اللّه سبحانه فاحتججنا عنده فحججناهم، فما سررت بشي‏ء منذ عقلت سرورى بتلك الرّؤيا و روى نصر عن الحصين بن المنذر الرّقاشي قال: لمّا تصاف النّاس في هذا اليوم و حمل بعضهم على بعض تضعضعت ميمنة أهل العراق فجاءنا عليّ و معه بنوه حتّى انتهى الينا، فنادى بصوت عال جهير لمن هذه الرّايات فقلنا: رايات ربيعة، و قال: بل هى رايات اللّه عصم اللّه أهلها و صبّرهم و ثبّت أقدامهم، ثمّ قال لي و أنا حامل راية ربيعة يومئذ: يافتى ألا تدني رايتك هذه ذراعا فقلت بلى: و اللّه و عشرة أذرع فأدنيتها فقال لي: حسبك مكانك قال نصر: و حدّثنا عمرو بن شمر قال: لما أقبل الحصين بن المنذر يومئذ و هو غلام يزحف براية ربيعة و كانت حمراء فأعجب عليّا زحفه و ثباته فقال:

لمن راية حمراء يخفق ظلّها
إذا قيل قدّمها حصين تقدّما

و يدنو بها في الصّفّ حتّى يديرها
جمام المنايا تقطر الموت و الدّما

تراه إذا ما كان يوم عظيمة
أبى فيه إلّا عزّة و تكرّما

جزى اللّه قوما صابروا في لقائهم‏
لدى النّاس خيرا ما أعزّ و أكرما

و أحزم صبرا يوم يدعى إلى الوغا
إذا كان أصوات الكماة تغمغما

ربيعة أعني أنّهم أهل نجدة
و بأس اذا لا قوا خميسا غرمرما

و قد صبرت عكّ و لخم و حمير
لمذحج حتّى لم يفارق دم دما

و نادت جذام يا لمذحج ويحكم‏
جزى اللّه شرّا أيّنا كان أظلما

أما تتّقون اللّه في حرماتكم
و ما قرّب الرّحمن منها و عظّما

أذقنا ابن حرب طعننا و ضرابنا

بأسيافنا حتّى تولّى و أحجما

و فرّ ينادى زبرقان بن أظلم
و نادى كلاعا و الكريث و الغما

و عمرا و سفيانا وجهما و مالكا

و حوشب و الغازى شريحا و اظلما

و كرز بن تيهان و عمرو بن جحدد
و صبّاحا القيني يدعو و أسلما

«» قال نصر: و أقبل ذو الكلاع في حمير و من لف لفها و معهم عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب في أربعة آلاف من قرّاء أهل الشّام ذو الكلاع في حمير في الميمنة، و عبيد اللّه في القرّاء في الميسرة، فحملوا على ربيعة و هم في ميسرة أهل العراق و فيهم عبد اللّه ابن العبّاس حملة شديدة فتضعضعت رايات ربيعة ثمّ إنّ أهل الشّام انصرفوا فلم يمكثوا إلّا قليلا حتّى كرّوا ثانية و عبيد اللّه بن عمر في أوائلهم يقول: يا أهل الشّام هذا الحىّ من العراق قتلة عثمان و أنصار عليّ فان هزمتم هذه القبيلة أدركتم ثاركم في عثمان فشدّوا على النّاس شدّة عظيمة فثبتت لهم ربيعة و صبرت صبرا حسنا الّا قليلا من الضّعفاء و اشتدّ القتال بين ربيعة و حمير و عبيد اللّه بن عمرو كثرت القتلى ثمّ خرج خمسمائة فارس أو أكثر من أصحاب علىّ على رءوسهم البيض، و هم‏ غائصون في الحديد لا يرى منهم إلّا الحدق، و خرج اليهم من أهل الشّام نحوهم في العدّة فاقتتلوا بين الصفين و النّاس وقوف تحت راياتهم، فلم يرجع من هؤلاء مخبر لا عراقيّ و لا شاميّ قتلوا جميعا بين الصفّين، و كان بصفّين تلّ يلقى عليه الجماجم من الرّجال يدعى تلّ الجماجم قال نصر: ثمّ ذهب هذا اليوم بما فيه فأصبحوا من اليوم التّاسع من صفر، و قد خطب معاوية أهل الشّام و حرّضهم فقال: إنّه قد نزل من الأمر ما ترون و حضركم ما حضركم فاذا نهدتم اليهم انشاء اللّه فقدّموا الدّارع و أخّروا الحاسر و صفّوا الخيل و أجنبوها و كونوا كقصّ الشّارب و أعيرونا جماجمكم ساعة فانّما هو ظالم أو مظلوم و قد بلغ الحقّ مقطعه قال: و كانت التّعبية في هذا اليوم كالتّعبية في الذي قبله، فحمل عبيد اللّه بن عمر في قرّاء أهل الشّام و معه ذو الكلاع في حمير على ربيعة و هي ميسرة عليّ عليه السّلام فقاتلوا قتالا شديدا فاتى زياد بن حفصة الى عبد القيس فقال لهم: لا يكوننّ وائل بعد اليوم انّ ذا الكلاع و عبيد اللّه أباد ربيعة فانهضوا لهم و الّا هلكوا، فركبت عبد القيس و جاءت كانّها غمامة سوداء فشدّت ازار الميسرة فعظم القتال فقتل ذو الكلاع الحميرى قتله رجل من بكر بن وائل اسمه خندف، و تضعضعت أركان حمير و ثبتت بعد قتل ذي الكلاع تحارب مع عبيد اللّه بن عمر و أرسل عبيد اللّه إلى الحسن بن عليّ عليه السّلام أنّ لى إليك حاجة فألقنى فلقاه الحسن عليه السّلام فقال عبيد اللّه: إنّ أباك قد وتر قريشا أوّلا و آخرا و قد شنئه النّاس فهل لك في خلعه و ان تتولى أنت هذا الأمر: فقال: كلّا و اللّه لا يكون ذلك، ثمّ قال.

يابن الخطاب و اللّه لكانّى أنظر إليك مقتولا في يومك أو غدك أما إنّ الشيطان قد زيّن لك و خدعك حتّى أخرجك مخلقا بالخلوق ترى نساء أهل الشّام موقفك و سيصرعك اللّه و يبطحك لوجهك قتيلا.

قال نصر: فو اللّه ما كان إلّا بياض ذلك اليوم حتّى قتل عبيد اللّه و هو في كتيبة رقطاء«» و كانت تدعى الخضرية و كانوا أربعة الف عليهم ثياب خضر، فمرّ الحسن فاذا رجل متوسد رجل قتيل قد ركز رمحه فى عينه و ربط فرسه برجله فقال الحسن لمن معه: انظروا من هذا فاذا رجل من همدان و إذا القتيل عبيد اللّه بن عمر قد قتله الهمدانى في أوّل الليل و بات عليه حتّى أصبح.

قال نصر: و قد اختلفت الرّواة في قاتل عبيد اللّه فقالت الهمدان: نحن قتلناه قتله هاني بن الخطاب الهمدانى، و قالت حضر موت: نحن قتلناه قتله محرز بن الصّحصح، و روي أنّ قاتله حريث بن جابر الحنفي و كان رئيس بنى حنيفة يوم صفين.

قال نصر: فأتى ذا الكلاع فقد ذكرنا مقتله و أنّ قاتله خندف البكرى، و روى عمرو بن شمر عن جابر قال حمل ذا الكلاع ذلك اليوم بالفيلق العظيم من حمير على صفوف العراق، ناداهم أبو شجاع الحميري و كان من ذوي البصاير مع عليّ عليه السّلام فقال: يا معشر حمير تبّت أيديكم أ ترون معاوية خيرا من عليّ أضلّ اللّه سعيكم، ثمّ أنت يا ذا الكلاع قد كنّا نرى لانّ لك نيّة في الدّين فقال ذا الكلاع ايها يابا شجاع و اللّه إنّى لأعلم ما معاوية بأفضل من عليّ، و لكنّي اقاتل على دم عثمان، قال فاصيب ذو الكلاع حينئذ قتله خندف في المعركة. قال معاوية لما قتل ذو الكلاع: لانا أشدّ فرحا بقتل ذي الكلاع منّى بفتح مصر لو فتحها، لأنّ ذا الكلاع كان يحجز على معاوية في أشياء كان يأمر بها.

قال نصر: فلما قتل ذو الكلاع اشتدّت الحرب و شدّعكّ و لخم و خدام «جذام» و الأشعريون من أهل الشّام على مذحج من أهل العراق جعلهم معاوية بازائهم فنادى منادى مذحج بالمذحج خدموا أى اضربوا مواضع الخدمة«» و هي السّوق فاعترضت مذحج سوق القوم فكان فيه بوار عامتهم.

قال نصر: حدّثنى عمرو بن الزبير قال: سمعت الحصين المنذر يقول أعطانى علىّ ذلك اليوم راية ربيعة و قال: بسم اللّه سريا حصين و اعلم أنّك لا تخفق على رأسك‏راية مثلها أبدا، هذه راية رسول اللّه فجاء أبو عرفا. جبلة بن عطية الذّهلي إلى الحصين و قال: هل لك أن تعطيني الرّاية أحملها لك ذكرها ولى أجرها فقال الحصين: و ما غنا يا عم مع ذكرها. عن أجرها قال: إنّه لا غنى بك عن ذلك و لكن أعرها ساعة فما أسرع ما ترجع إليك، قال الحصين: فقلت انّه قد استقبل و انّه يريد أن يموت مجاهدا فقلت له: خذها فأخذها ثمّ قال لأصحابه: إنّ عمل الجنّة كره كلّه و ثقيل، و إنّ عمل النّار خفّ كلّه و خبيث إنّ الجنّة لا يدخلها إلّا الصابرون الذين صبروا أنفسهم على فرائض اللّه و أو امره و ليس شي‏ء ممّا فرض اللّه على العباد أشدّ من الجهاد هو أفضل الأعمال ثوابا عند اللّه، فاذا رأيتموني قد شددت فشدّوا ويحكم أما تشتاقون إلى الجنّة أما تحبون أن يغفر اللّه لكم فشدّوا معه و قاتلوا قتالا شديدا فقتل أبو عرفاء و شدّت ربيعة بعده شدّة عظيمة على صفوف أهل الشّام فنقضها.

قال نصر: فاضطرب النّاس يومئذ بالسّيوف حتّى تقطعت و تكسّرت و صارت كالمناجل و تطاعنوا بالرّماح حتّى تقصفت و تناثرت أنابيبها، ثمّ جثوا على الرّكب فتحاثوا بالتّراب يحثو بعضهم التّراب في وجه بعض ثمّ تعانقوا و تكاوموا بالأفواه ثمّ تراموا بالصّخر و الحجارة ثمّ تحاجزوا فكان الرّجل من أهل العراق يمرّ على أهل الشّام فيقول كيف اجز إلى رايات بنى فلان فيقولون ههنا لاهداك اللّه و يمرّ الرّجل من أهل الشّام على أهل العراق فيقول كيف أمضى إلى رايات بنى فلان فيقولون ههنا لا هداك اللّه و لا عافاك.

قال نصر: و قال معاوية لعمرو بن العاص أما ترى يا أبا عبد اللّه إلى ما قد وقعنا كيف ترى أهل الشّام غدا صانعين إنّا لبمعرض خطر عظيم فقال له إن أصبحت غدا ربيعة و هم متعطفّون حول عليّ تعطف الابل حول فحلها لقيت منهم جلادا صادقا و باسا شديدا و كانت التي لا سوى لها فقال معاوية أ يجوز إنّك تخوفنا يا با عبد اللّه، قال: إنّك سألتني فأجبتك فلمّا أصبحوا في اليوم العاشر أصبحوا و ربيعة محدقة بعليّ إحداق بياض العين بسوادها.

قال نصر: حدّثنى عمرو بن شمر قال لمّا أصبح عليّ هذا اليوم جاء فوقف بين رايات ربيعة فقال عتاب بن لقيط البكرى من بنى قيس بن ثعلبة: يا معشر ربيعة حاموا من عليّ منذ اليوم فان اصيب فيكم افتضحتم ألا ترونه قائما تحت راياتكم و قال لهم شقيق بن ثور: يا معشر ربيعة ليس لكم عذر عند العرب إن وصل إلى علىّ و فيكم رجل حىّ، فامنعوه اليوم و اصدقوا عدوّكم اللقاء فانّه حمد الحياة تكسبونه فتعاهدت ربيعة و تحالفت بالايمان العظيمة و تبايع منهم سبعة آلاف على أن لا ينظر رجل خلفه حتّى يردوا سرادق معاوية، فقاتلوا ذلك اليوم قتالا شديدا لم يكن قبله مثله و أقبلوا نحو سرادق معاوية فلمّا نظر إليهم قد اقبلوا قال:

         اذا قلت قد ولّت ربيعة اقبلت            كتائب منها كالجبال تجالد

ثمّ قال لعمرو: يا عمرو ما ترى قال: أرى أن لا تحنث اخو الى اليوم، فقام معاوية و خلّا لهم سرادقه و رحله و خرج فارّا عنه لائذا ببعض مضارب العسكر في اخريات النّاس، و انتهبت ربيعة سرادقه و رحله و بعث إلى خالد بن المعمر أنّك قد ظفرت و لك أمارة خراسان إن لم تتمّ، فقطع خالد القتال، و لم يتمّه، و قال لربيعة: قد برت أيمانكم فحسبكم، فلما كان عام الجماعة و بايع النّاس معاوية أمّره معاوية على خراسان و بعثه اليها فمات قبل أن يبلغها.

قال نصر في حديث عمر بن سعد: إنّ عليّا صلّى بهم يومئذ صلاة الغداة ثمّ زحف بهم، فلمّا بصروه قد خرج استقبلوه بزحوفهم فاقتتلوا قتالا شديدا، ثمّ إنّ خيل أهل الشام حملت على خيل أهل العراق فاقتطعوا من أصحاب علىّ ألف رجل أو أكثر، فأحاطوا بهم و حالوا بينهم و بين أصحابهم فلم يروهم، فنادى عليّ ألا رجل يشرى نفسه للّه و يبيع دنيا بآخرته فأتاه رجل من جعف يقال له عبد العزيز بن الحرث على فرس أدهم كانّه غراب مقنّع في الحديد لا يرى منه إلّا عيناه فقال: يا أمير المؤمنين مرني بأمرك فو اللّه لا تأمرني بشي‏ء إلّا صنعته فقال عليّ عليه السّلام:

سمحت بأمر لا يطاق حفيظة
و صدقا و اخوان الوفاء قليل‏

جزاك إله الناس خيرا فانّه‏
لعمرك فضل ما هناك جزيل‏

أبا الحرث شد اللّه ركنك احمل على أهل الشّام حتّى تأتى أصحابك فتقول لهم إنّ أمير المؤمنين يقرأ عليكم السّلام و يقول لكم هلّلوا و كبّروا من ناحيتكم، و نهلّل و نكبّر من ههنا و احملوا من جانبكم و نحمل من جانبنا على أهل الشّام فضرب الجعفي فرسه حتّى اذا أقامه على أطراف سنابكه حمل على أهل الشّام المحيطين بأصحاب عليّ عليه السّلام فطاعنهم ساعة و قاتلهم فافرجوا له حتّى خلص إلى أصحابه.

فلمّا رأوه استبشروا به و فرحوا و قالوا: ما فعل أمير المؤمنين عليه السّلام قال صالح يقرئكم السّلام و يقول لكم: هلّلوا و كبّروا و احملوا حملة رجل واحد من جانبكم و نهلّل نحن من جانبنا ففعلوا ما أمرهم به و هلّلوا و كبّروا و هلّل عليّ و كبّر هو و أصحابه و حمل على أهل الشّام و حملوهم من وسط أهل الشّام فانفرج عنهم و خرجوا و ما اصيب منهم رجل واحد، و لقد قتل من فرسان الشّام يومئذ زهاء سبعمائة إنسان و قال عليّ عليه السّلام من أعظم النّاس اليوم عناء فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين فقال: كلّا و لكنه الجعفي.

قال نصر: و كان عليّ عليه السّلام لا يعدل بربيعة أحدا من النّاس، فشقّ ذلك على مضر و أظهر والهم «له خ ل» القبيح و أبدوا ذات أنفسهم، فقام أبو الطفيل عامر بن وائلة الكناني و عمير بن عطارد التميمي و قبيصة بن جابر الأسدي و عبد اللّه بن الطفيل العامري في وجوه قبائلهم، فأتوا عليّا فتكلّم أبو الطفيل فقال: يا أمير المؤمنين انا و اللّه ما نحسدقو ما خصّهم اللّه منك بخير و إنّ هذا الحىّ من ربيعة قد ظنوا أنهم أولى بك منك فاعفهم عن القتال أيّاما و اجعل لكلّ امرء منّا يوما نقاتل فيه فانا إذا اجتمعنا اشتبه عليك بلاؤنا، فقال عليّ عليه السّلام: نعم اعطيكم ما طلبتم، و أمر ربيعة أن تكفّ عن القتال و كانت بازاء اليمن من صفوف أهل الشّام.

فغدا أبو الطفيل عامر بن وائلة في قومه من كنانة و هم جماعة عظيمة فتقدّم أمام الخيل و اقتتلوا قتالا شديدا ثمّ انصرف إلى عليّ فأثنى عليه السّلام عليه خيرا.

ثمّ غدا في اليوم الثّاني عمير بن عطارد بجماعة من بنى تميم و هو يومئذ سيد مضر الكوفة فقال: يا قوم إنّي اتبع آثار أبى الطفيل فاتبعوا آثار كنانة و قاتل أصحابه قتالا شديدا حتّى امسوا و انصرف عمير إلى عليّ عليه السّلام و عليه سلاحه.

ثمّ غدا في اليوم الثّالث قبيصة بن جابر الأسدى في بنى أسد و قال لأصحابه: يا بنى أسد اما أنا فلا أقصر دون صاحبى و أمّا أنتم فذاك اليكم، ثمّ تقدّم فقاتل القوم إلى أن دخل الليل.

ثمّ غدا في اليوم الرّابع عبد اللّه بن الطفيل العامري في جماعة هوازن فحارب بهم حتى الليل ثمّ انصرفوا.

قال نصر: كتب عقبة بن مسعود عامل عليّ عليه السّلام على الكوفة إلى سليمان بن صرد الخزاعي و هو مع عليّ: أمّا بعد فانّهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم و لن تفلحوا إذا أبدا، فعليك بالجهاد و الصّبر مع أمير المؤمنين و السّلام.

قال و حدّثنا عمر بن سعد و عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قام عليّ عليه السّلام فخطب النّاس بصفين فقال: الحمد للّه على نعمه الفاضلة على جميع من خلق من البرّ و الفاجر، و على حججه البالغة على خلقه من أطاعه فيهم و من عصاه، إن يرحم فبفضله و منّه، و إن عذب فبما كسبت أيديهم و أنّ اللّه ليس بظلّام للعبيد، أحمده على حسن البلاء و تظاهر النّعماء، و أستعينه على مانا بنا من أمر الدّنيا و الآخرة، و أتوكّل عليه و كفى باللّه وكيلا.

ثمّ إنّى اشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله ارسله بالهدى و دين الحقّ و ارتضاه لذلك، و كان أهله و اصطفاه لتبليغ رسالته و جعله رحمة منه على خلقه، فكان لعلمه منه «كعلمه فيه خ ل»، رءوفا رحيما و أفضلهم علما و أثقلهم حلما و أوفاهم بعهد و آمنهم على عقد، لم يتعلّق عليه مسلم و لا كافر بمظلمة قط، بل كان يظلم فيغفر و يقدر فيصفح حتّى مضى مطيعا للّه صابرا على ما اصابه مجاهدا في اللّه حق جهاده حتّى أتاه اليقين، فكان ذهابه أعظم المصيبة على أهل الأرض البرّ و الفاجر.

ثمّ ترك فيكم كتاب اللّه يأمركم بطاعة اللّه و ينهاكم عن معصيته، و قد عهد إلىّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عهدا فلست أحيد عنه و قد حضرتم عدوّكم و علمتم أن رئيسهم منافق ابن منافق يدعوهم إلى النّار، و ابن عمّ نبيّكم معكم و بين أظهركم و يدعوكم إلى الجنّة و إلى طاعة ربّكم و العمل بسنّة نبيكم، و لا سوى من صلّى قبل كلّ ذكر لا يسبقني بصلاة مع رسول اللّه أحد و أنا من أهل بدر و معاوية طليق ابن طليق، و اللّه إنّا على الحقّ و إنّهم على الباطل فلا تجتمعن عليه و تتفرّقوا عن حقّكم حتّى يغلب باطلهم على حقّكم، قاتلوهم يعذّبهم اللّه بأيديكم، فان لم تفعلوا يعذّبهم بأيدي غيركم.

فقام أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين انهض بنا إلى عدوّنا و عدوّك إذا شئت فو اللّه لا نريد بك بدلا بل نموت معك و نحيا معك، فقال لهم: و الذي نفسي بيده لنظر إلىّ النّبي أضرب بين يديه بسيفى هذا فقال: لا سيف إلّا ذو الفقار و لا فتى إلّا عليّ، فقال لي: يا عليّ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي و موتك و حياتك يا عليّ معي، و اللّه ما كذب و لا كذبت و لا ضللت و لا نسيت ما عهد إلىّ و إنّى على بيّنة من ربّي و على الطريق الواضح ألفظه لفظا ثمّ نهض إلى القوم فاقتتلوا من حين طلعت الشّمس حتّى غاب الشّفق الأحمر و ما كانت صلاة القوم في ذلك اليوم إلّا تكبيرا.

قال نصر: و حدّثنا عمرو بن شمر عن جابر عن الشّعبي عن صعصعة بن صوحان قال برز في أيّام صفّين رجل اشتهر بالبأس و النّجدة اسمه كريث بن الوضاح، فنادى من يبارز، فخرج إليه المرتفع بن وضاح الزّبيدي فقتله، ثمّ-  نادى من يبارز فخرج اليه الحارث بن الحلّاج فقتله، ثمّ نادى من يبارز فخرج إليه عائذ بن مسروق الهمداني فقتله، ثمّ رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض و نادى من يبارز.

فخرج إليه عليّ عليه السّلام و ناداه ويحك يا كريث إنّي احذّرك اللّه و بأسه و نقمته و أدعوك إلى سنّة اللّه و سنّة رسوله ويحك لا يدخلنك معاوية النّار، فكان جوابه أن‏

قال: أكثر ما قد سمعت منك هذه المقالة و لا حاجة لنا فيها، اقدم إذا شئت من يشترى سيفي و هذا أثره فقال عليّ عليه السّلام لا حول و لا قوّة إلّا باللّه، ثمّ مشى إليه فلم يمهله أن ضربه ضربة خرّ منها قتيلا يشحط في دمه ثمّ نادى من يبرز فبرز إليه الحرث بن وداعة (الحارث بن وادعة خ ل) الحميري فقتله، ثمّ نادى من يبرز فبرز إليه المطاع بن المطلب القيني فقتل مطاعا، ثمّ نادى من يبرز فلم يبرز إليه أحد فنادى «الشّهر الحرام بالشّهر الحرام و الحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم و اتّقوا اللّه و اعلموا أنّ اللّه مع المتّقين» يا معاوية هلم إلىّ فبارزني و لا يقتلن النّاس فيما بيننا، فقال عمرو بن العاص اغتنمه متهزءا قد قتل ثلاثة أبطال العرب و إنّي أطمع أن يظفرك اللّه به، فقال معاوية و اللّه لن تريد إلّا أن اقتل فتصيب الخلافة بعدي اذهب إليه فليس مثلي يخدع قال نصر: و خطب عبد اللّه بن العبّاس يومئذ فقال: الحمد للّه ربّ العالمين الذى دحى تحتنا سبعا و سمك فوقنا سبعا و خلق فيما بينهنّ خلقا و أنزل لنا منهنّ رزقا، جعل كلّ شي‏ء يبلى و يفنى غير وجهه الحىّ القيوم الذي يحيى و يبقى، إنّ اللّه تعالى بعث أنبياء و رسلا فجعلهم حججا على عباده عذرا و نذرا لا يطاع إلّا بعلمه و اذنه بالطاعة على من يشاء من عباده، ثمّ يثيب عليها و يعصى فيعفو و يغفر بحلمه لا يقدر قدره و لا يبلغ شي‏ء مكانه، أحصى كلّ شي‏ء عددا و أحاط بكلّ شي‏ء علما.

و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله امام الهدى و النبيّ المصطفى، و قد ساقنا قدر اللّه إلى ما ترون حتّى كان ممّا اضطرب من جعل هذه الامة و انتشر من امرها انّ معاوية بن أبي سفيان وجد من طغام النّاس أعوانا على ابن عمّ رسول اللّه و صهره و أوّل ذكر صلّى معه بدرى، قد شهد مع رسول اللّه كلّ مشاهده التي فيها الفضل و معاوية مشرك يعبد الاصنام و الذي ملك الملك وحده و بان به لقد قاتل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام مع رسول اللّه‏

و هو يقول: صدق اللّه و رسوله و معاوية يقول كذب اللّه و رسوله، فعليكم بتقوى اللّه و الجدّ و الحزم و الصّبر و اللّه إنّكم لعلى حقّ، و إنّ القوم لعلى باطل، فلا يكونن أولى بالجدّ على باطلهم منكم في حقّكم، و إنّا لنعلم أنّ اللّه سيعذّبهم بأيديكم أو بأيدي غيركم، اللهمّ أعنّا و لا تخذلنا و انصرنا على عدوّنا و لا تحل عنّا، و افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين.

قال نصر: و حدّثنا عمرو عن عبد الرّحمن بن جندب عن جندب بن عبد اللّه قال: قام عمّار يوم صفّين فقال: انهضوا معي عباد اللّه إلى قوم يزعمون أنّهم يطلبون بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد اللّه بغير ما في كتاب اللّه إنّما قتله الصّالحون المنكرون للعدوان الآمرون بالعدل و الاحسان، فقالوا هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم لو درس هذا الدّين: لم قتلتموه فقلنا: لاحداثه، فقالوا: إنّه لم يحدث شيئا و ذلك لانّه مكنهم من الدّنيا فهم يأكلونها و يرعونها و لا يبالون لو انهدمت الجبال، و اللّه ما أظنّهم يطلبون بدم إنّهم ليعلمون أنّه لظالم و لكنّ القوم و افوا للدّنيا فاستحبّوها و استمروها و علموا أنّ صاحب الحقّ لو ولاهم لحال بينهم و بين ما يأكلون و يرعون منها إنّ القوم لم تكن لهم سابقة في الاسلام يستحقّون بها الطاعة و الولاية فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل امامنا مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة و ملوكا، تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون، و لولاها ما بايعهم من النّاس رجل اللهمّ ان تنصرنا فطال ما نصرت و ان تجعل لهم الأمر فادّخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الاليم ثمّ مضى و مضى معه أصحابه، فدنا من عمرو بن العاص فقال: يا عمرو بعت دينك بمصر فتبّا لك فطال ما بغيت للاسلام عوجا، ثمّ نادى عبيد اللّه بن عمر و ذلك قبل مقتله و قال: يا بن عمر صرعك اللّه بعت دينك بالدّنيا من عدوّ اللّه و عدوّ الاسلام، قال: كلّا و لكنّي اطلب بدم عثمان الشّهيد المظلوم، قال: كلّا اشهد على علمي فيك أنّك أصبحت لا تطلب في شي‏ء من فعلك وجه اللّه و أنّك ان لم تقتل اليوم فستموت فانظر اذا أعطى اللّه على نيّاتهم مانيّتك ثمّ قال:

اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك في ان اقذف بنفسي هذا البحر لفعلت اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك أن أضع ظبية سيفي في بطني ثمّ أنحني عليه حتّى يخرج من ظهرى لفعلت، اللهمّ إنّي أعلم ممّا علمتني أنّي لا أعمل عملا اليوم هذا هو أرضى من جهاد هؤلاء الفاسقين، و لو أعلم اليوم عملا هو أرضى لك منه لفعلت و في البحار روى نصر عن عمر بن سعد عن مالك بن أعين عن زيد الجهني انّ عمّار بن ياسر نادى يومئذ أين من يبغى رضوان ربّه و لا يؤب إلى مال و لا ولد قال: فأتته عصابة من النّاس فقال: يا أيّها النّاس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان و يزعمون أنّه قتل مظلوما، و اللّه إن كان إلّا ظالما لنفسه الحاكم بغير ما أنزل اللّه.

فدفع عليّ عليه السّلام الرّاية الى هاشم بن عتبة و كان عليه درعان فقال له عليّ كهيئة المازح: أبا هاشم أما تخشى على نفسك أن تكون أعورا جبانا قال: ستعلم يا أمير المؤمنين و اللّه لا لفنّ بين جماجم القوم لفّ رجل ينوى الآخرة، فأخذ محا فهزه فانكسر، ثمّ أخذ آخر فوجده جاسيا فألقاه، ثمّ دعا برمح ليّن فشدّ به لوائه و لمّا دفع عليّ عليه السّلام الرّاية إلى هاشم قال له رجل من بكر بن وائل من أصحاب هاشم: اقدم مالك يا هاشم قد انتفخ سحرك عورا وجبنا، قال: من هذا قالوا: فلان قال: أهلها و خير منها إذا رأيتني صرعت فخذها ثمّ قال لأصحابه شدوا شسوع نعالكم و شدّوا ازركم فاذا رأيتموني قد هزرت الرّاية ثلاثا فاعلموا أنّ أحدا منكم لا يسبقني إلى الحملة.

ثمّ نظر هاشم إلى عسكر معاوية فرأى جمعا عظيما، فقال: من أولئك قالوا أصحاب ذى الكلاع ثمّ نظر فرأى جندا آخر فقال: من أولئك قالوا: جند أهل المدينة قريش، قال: قومي لا حاجة لي في قتالهم، قال من عند هذه القبّة البيضاء قيل معاوية و جنده، فحمل حينئذ يرقل ارقالا«» و عن عبد العزيز بن سيّاح عن حبيب بن أبي ثابت قال: لمّا كان قتال صفّين و الرّاية مع هاشم بن عتبة جعل عمّار بن ياسر يتناوله بالرّمح و يقول: اقدم يا أعور لا خير في أعور لا يأتي الفزع قال: فجعل يستحيي من عمّار و كان عالما بالحرب فيتقدّم فيركز الراية فاذا سامت إليه الصّفوف قال عمّار: اقدم يا اعور لا خير في أعور لا يأتي الفزع فجعل عمرو بن العاص يقول: إنّي لأرى لصاحب الرّاية السّوداء عملا لئن دام ليفنينّ العرب اليوم، فاقتتلوا قتالا شديدا و جعل عمّار يقول صبرا عباد اللّه، الجنّة في ظلال البيض قال: و كانت علامة أهل العراق بصفين الصّوف الأبيض قد جعلوه في رؤوسهم و على اكتافهم، و شعارهم يا اللّه يا أحد يا صمد يا رحيم، و كانت علامة أهل الشّام خرقا بيضا قد جعلوه على رؤوسهم و اكتافهم، و كان شعارهم نحن عباد اللّه حقّا يا لثارات عثمان.

قال: فاجتلدوا بالسّيوف و عمد الحديد، فما تحاجزنا حتّى حجز بيننا سواد الليل و لا يرى رجل منّا و لا منهم موليا، فلمّا أصبحوا و ذلك يوم الثلثاء خرج النّاس إلى مصافهم.

فقال أبو نوح، فكنت في خيل عليّ عليه السّلام فاذا أنا برجل من أهل الشّام يقول من يدلّني على الحميرى إلى نوح، قال: قلت فقد وجدته فمن أنت قال: أنا ذو الكلاع سر الىّ، فقال أبو نوح: معاذ اللّه أن أسير إليك إلّا في كتيبة، قال ذو الكلاع سرفلك ذمّة اللّه و ذمّة رسوله و ذمّة ذى الكلاع حتّى ترجع إلى خيلك فانّما اريد أن أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه فسار حتّى التقيا، فقال ذو الكلاع إنّما دعوتك احدّثك حديثا حدّثنا عمرو بن العاص في أمارة عمر بن الخطاب قال أبو نوح: و ما هو قال: حدّثنا عمرو بن العاص أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: يلتقى أهل الشّام و أهل العراق و في إحدى الكتيبتين الحقّ و امام الهدى و معه عمّار بن ياسر، قال أبو نوح: لعمر اللّه إنّه لفينا، قال: أجادّ هو على قتالنا قال أبو نوح: نعم و ربّ الكعبة فهو أشدّ على قتالكم منّي‏

فقال ذو الكلاع: هل تستطيع أن تأتي معي صف أهل الشّام فأنالك جار منهم حتّى تلقى عمرو بن العاص فتخبره عن عمّار و عن جدّه في قتالنا لعلّه يكون صلحا بين هذين الجندين، فقال له أبو نوح إنّك رجل غادر و أنت في قوم غدر و إن لم تكن تريد الغدر أغدروك و إنّي إن أموت أحبّ إلىّ أن أدخل مع معاوية و أدخل في دينه و أمره.

فقال ذو الكلاع: أنا جار لك من ذلك أن لا تقتل و لا تسلب و لا تكره على بيعة و لا تحبس عن جندك، و إنّما هي كلمة تبلغها عمرا لعلّ اللّه يصلح بين هذين الجندين و يضع عنهم الحرب و السّلاح، فسار معه حتّى أتى عمرو بن العاص و هو عند معاوية و حوله النّاس و عبيد اللّه بن عمر يحرّض النّاس فلما وقفا على القوم قال ذو الكلاع لعمرو: يا با عبد اللّه هل لك في رجل ناصح لبيب شفيق يخبرك عن عمّار بن ياسر و لا يكذّبك قال عمرو: و من هذا معك قال هذا ابن عمّي و هو من أهل الكوفة، فقال له عمرو: إنّي لأرى عليك سيما أبي تراب قال: سيماء محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أصحابه، و عليك سيماء أبي جهل و هو سيماء فرعون.

فقام أبو الاعور فسلّ سيفه ثمّ قال: أرى هذا الكذّاب يشاتمنا بين أظهرنا و عليه سيماء أبى تراب فقال ذو الكلاع اقسم باللّه لئن بسطت يدك إليه لأحطمنّ أنفك بالسّيف ابن عمي و جاري عقدت له ذمّتي و جئت به إليكم ليخبركم عمّا تماريتم فيه.

فقال له عمرو: اذكرك باللّه يا با نوح إلّا ما صدقت أ فيكم عمّار بن ياسر فقال له أبو نوح: ما أنا بمخبرك عنه حتّى تخبرنى لم تسأل عنه فانّ معنا من أصحاب رسول اللّه غيره و كلّهم جادّ على قتالكم.

قال عمرو: سمعت رسول اللّه يقول: إنّ عمّارا تقتله الفئة الباغية، و إنّه ليس ينبغي لعمّار أن يفارق الحقّ و لن تأكل النّار منه شيئا، فقال أبو نوح: لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر إنّه لفينا جادّ على قتالكم.

فقال عمرو: و اللّه إنّه لجادّ على قتالنا قال: نعم و اللّه الذي لا إله إلّا هو لقد حدّثني يوم الجمل إنا سنظهر عليهم و لقد حدّثنى أمس أن لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر«» لعلمنا أنّا على الحقّ و أنهم على باطل، و لكانت قتلانا في الجنّة و قتلاهم في النار فقال له عمرو: هل تستطيع أن تجمع بيني و بينه قال: نعم.

فلمّا أراد أن يبلغه أصحابه ركب عمرو بن العاص و ابناه و عتبة بن أبى سفيان و ذو الكلاع و أبو الأعور السلمى و حوشب و الوليد بن أبى معيط فانطلقوا حتّى أتوا خيولهم و سار أبو نوح و معه شرجيل بن ذي الكلاع حتّى انتهى إلى أصحابه فذهب أبو نوح إلى عمّار فوجده قاعدا مع أصحابه مع ابنى بديل و الهاشم و الأشتر و جارية بن المثنّى و خالد بن المعتمر و عبد اللّه بن حجل و عبد اللّه بن العبّاس.

فقال ابو نوح: إنّه دعاني ذو الكلاع و هو ذو رحم فذكر ما جرى بينه و بينهم و قال: أخبرنى عمرو بن العاص أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: عمّار تقتله الفئة الباغية، فقال عمّار صدق و ليضرّ به ما سمع و لا ينفعه، فقال أبو نوح: إنّه يريد أن يلقاك فقال عمّار لأصحابه: اركبوا.

قال و نحن اثنا عشر رجلا بعمار فسرنا حتّى لقيناهم ثمّ بعثنا إليهم فارسا من عبد القيس يسمّى عوف بن بشر، فذهب حتّى كان قريبا من القوم، ثمّ نادى أين عمرو بن العاص قالوا: ههنا فأخبرهم بمكان عمّار و خيله، فقال عمرو فليسر الينا: فقال له عوف: إنّي أخاف غدر انك، ثمّ جرى بينهما كلمات تركتها إلى أن قال: أقبل عمّار مع أصحابه و عمرو مع أصحابه فتوافقا فقال عمرو: يا أبا اليقظان اذكرك اللّه إلّا كففت سلاح أهل هذا العسكر و حقنت دمائهم فعلى م تقاتلنا أو لسنا نعبد إلها واحدا و نصلّي قبلتكم و ندعو دعوتكم و نقرأ كتابكم و نؤمن برسولكم فقال عمار: الحمد للّه الذي أخرجها من فيك، إنّها لى و لأصحابى القبلة و الدّين و عبادة الرّحمن و النّبىّ و الكتاب من دونك و دون أصحابك و جعلك‏ ضالا مضّلا و لا تعلم هاد أنت أم ضالّ، و جعلك أعمى و سأخبرك على ما قاتلتك عليه أنت و أصحابك أمرنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن أقاتل النّاكثين ففعلت، و أمرنى أن أقاتل القاسطين فأنتم هم و أما المارقون فما أرى ادركهم أم لا.

ايّها الابتر«» تعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لعليّ عليه السّلام من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه و عاد من عاداه و أنا مولا اللّه و رسوله و عليّ بعده و ليس لك مولى.

فقال له عمرو: فما ترى في قتل عثمان قال: فتح لكم باب سوء، قال عمرو فعليّ قتله قال عمّار: بل اللّه ربّ علىّ قتله و عليّ معه، قال عمرو: أ كنت فيمن قتله قال: أنا مع من قتله و أنا اليوم أقاتل معه، قال: فلم قتلتموه قال: أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه، قال عمرو: ألا تسمعون قد اعترف بقتل إمامكم قال عمّار: و قد قالها فرعون قبلك: ألا تسمعون.

فقام أهل الشّام و لهم زجل فركبوا خيولهم و رجعوا فبلغ معاوية ما كان بينهم فقال له: هلكت العرب إن أخذتهم خفّة العبد الأسود يعنى عمارا، و خرج إلى القتال و صفت الخيول بعضها لبعض و زحف النّاس، و على عمّار درع و هو يقول أيّها النّاس الرّواح إلى الجنّة، فاقتتل الناس قتالا شديدا لم يسمع النّاس بمثله، و كثرت القتلى حتّى أن كان الرّجل ليشدّ طنب فسطاطه بيد الرّجل أو برجله.

فقال الأشعث: لقد رأيت أخبية صفّين و أروقتهم و ما منها خباء و لا رواق و لا بناء و لا فسطاط إلّا مربوطا بيد رجل أو رجله و جعل أبو سماك الأسدى يأخذ اداوة من ماء و شفرة حديد فيطوف في القتلى فاذا رأى رجلا جريحا و به رمق قام و سأل أمير المؤمنين عليه السّلام فان قال: علي غسل عنه الدّم و سقاه من الماء و إن سكت و جاه بسكين حتّى يموت، قال: فكان يسمّى المخضخض«» و عن عمرو بن شمر عن جابر عن الشّعبى عن الأحنف بن قيس قال: و اللّه‏ إنى إلى جانب عمّار فتقدّمنا حتّى إذا دنونا من هاشم بن عتبة قال له عمار. احمل فداك ابي و امّي و نظر عمّار إلى رقة في الميمنة فقال له هاشم، رحمك اللّه يا عمار إنّك رجل تأخذك خفة في الحرب و إنّي إنّما أزحف باللواء زحفا و أرجو أن أنال بذلك حاجتى، و إنّي إن خففت لم آمن الهلكة.

و قد قال معاوية لعمرو ويحك يا عمرو إنّ اللواء مع هاشم كانّه يرقل به إرقالا و إنّه إن زحف به زحفا إنّه ليوم أطول لأهل الشّام، فلم يزل به عمّار حتّى حمل فبصر به معاوية فوجه إليه جملة أصحابه و من برز بالنّاس منهم في ناحية و كان في ذلك الجمع عبد اللّه بن عمرو و معه سفيان قد تقلد بواحد و هو يضرب بالآخر و أطاقت به خيل عليّ عليه السّلام فقال عمرو: يا اللّه يا رحمن ابنى ابنى، و كان يقول معاوية: اصبر اصبر فانّه لا بأس عليه قال عمرو لو كان يزيد اذا لصبرت.

و لم يزل حماة أهل الشّام يذبّون عنه حتّى نجا هاربا على فرسه و اصيب هاشم في المعركة، قال و قال عمار حين نظر الى راية عمرو بن العاص: إنّ هذه الرّاية قد قاتلتها ثلاث عركات«» و ما هي بأرشد هنّ ثمّ حمل و هو يقول:

نحن ضربناكم على تنزيله
فاليوم نضربكم على تأويله‏

ضربا يزيل الهام عن مقيله‏
و يذهل الخليل عن خليله‏

أو يرجع الحقّ الى سبيله
يا ربّ انّي مؤمن بقيله‏

«» ثمّ استسقى و اشتدّ ظماؤه، فأتته امرئة طويلة اليدين ما ادرى اعسّ«» معها أم اداوة فيها ضياح«» من لبن و قال الجنّة تحت الاسنة اليوم ألقى الأحبّة محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و حزبه، و اللّه لو ان لبونا حتّى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا على الحقّ و أنهم‏ على الباطل.

و حمل عليه ابن جوين السّكسكي و ابو العادية الفزاري، فأما أبو العادية فطعنه و أمّا ابن حوين فاجتز رأسه عليهما لعنة اللّه.

فقال ذو الكلاع لعمرو: و يحك ما هذا قال عمرو: إنّه سيرجع إلينا و ذلك قبل أن يصاب عمّار، فاصيب عمّار مع عليّ و اصيب ذو الكلاع مع معاوية فقال عمرو: و اللّه يا معاوية ما أدرى بقتل أيّهما أنّا أشدّ فرحا، و اللّه لو بقى ذو الكلاع حتّى يقتل عمّار لمال بعامة قومه و لأفسد علينا جندنا.

قال: فكان لا يزال رجل يجي‏ء فيقول: أنا قتلت عمّارا فيقول عمرو فما سمعتموه يقول فيخلطون حتّى أقبل ابن جوين فقال: أنا قتلت عمارا فقال له عمرو: فما كان آخر منطقه قال: سمعته يقول اليوم ألقى الأحبة محمّدا و حزبه، قال عمرو: صدقت أنت أما و اللّه ما ظفرت بذلك و لكن اسخطت ربك.

و في الاحتجاج روى عن الصادق عليه السّلام أنّه لمّا قتل عمار ارتعدت فرايص خلق كثير و قالوا: قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عمار تقتله الفئة الباغية، فدخل عمرو بن العاص على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين قد هاج النّاس و اضطربوا، قال: لما ذا قال: قتل عمار، قال: فما ذا قال: أليس قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تقتله الفئة الباغية فقال له معاوية دحضت في قولك أنحن قتلناه إنّما قتله عليّ بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا، فاتّصل ذلك بعليّ بن أبي طالب، فقال: فاذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو الذي قتل حمزة و ألقاه بين رماح المشركين.

و في البحار من كتاب الكشّى باسناده عن اسماعيل بن أبى خالد قال: سمعت قيس بن أبي حازم قال: قال عمّار بن ياسر: ادفنونى في ثيابي فانّي مخاصم.

و من كشف الغمة قال: و نقلت من مناقب الخوارزمي قال: شهد خزيمة بن ثابت الأنصارى الجمل و هو لا يسلّ سيفا و شهد صفّين و قال: لا اصلّى ابدا خلف إمام حتّى يقتل عمار فأنظر من يقتله فانّى سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: يقتله‏ الفئة الباغية، فلمّا قتل عمار قال خزيمة: قد حانت لي الصّلاة ثمّ اقترب و قاتل حتّى قتل.

و كان الذي قتل عمار أبو عادية المرّي طعنه برمح فسقط و كان يومئذ يقاتل و هو ابن أربع و تسعين سنة، فلمّا وقع أكبّ عليه رجل فاجتزّ رأسه فأقبلا يختصمان كلاهما يقول أنا قتلته.

فقال عمرو بن العاص: و اللّه ان يختصمان إلّا في النّار، فسمعها معاوية فقال لعمرو، ما رأيت مثل ما صنعت قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما: إنكما تختصمان في النّار، فقال عمرو: هو و اللّه ذلك و أنّك لتعلمه و لوددت أنّي متّ قبل هذا بعشرين سنة.

و بالاسناد عن أبى سعيد الخدري قال: كنّا نعمّر مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كنّا نحمل لبنة لبنة و عمار لبنتين لبنتين، فرآه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فجعل ينفض التراب عن رأس عمار و يقول: يا عمار ألا تحمل كما يحمل أصحابك قال: إني اريد الأجر من اللّه تعالى، قال: فجعل ينفض التّراب عنه و يقول: و يحك تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة و يدعونك إلى النّار، قال عمار: أعوذ بالرّحمن أظنه قال من الفتن.

و من كتاب الكفاية عن أبى المفضل الشيباني في حديث طويل مسندا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: يا عمّار ستكون بعدي فتنة فاذا كان ذلك فاتّبع عليّا و حزبه فانّه مع الحقّ و الحقّ معه، يا عمار إنّك ستقاتل بعدي مع عليّ صنفين: النّاكثين و القاسطين، ثمّ يقتلك الفئة الباغية، قلت: يا رسول اللّه أ ليس ذلك على رضا اللّه و رضاك قال: نعم، على رضا اللّه و رضاى و يكون آخر ذلك «زادك» شربة من لبن تشربه.

فلما كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له: يا أخا رسول اللّه أ تأذن لي في القتال قال: مهلا رحمك اللّه، فلمّا كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه بمثله، فأعاده ثالثا فبكى أمير المؤمنين عليه السّلام فنظر إليه عمّار فقال: يا أمير المؤمنين إنّه اليوم الذي وصف لي رسول اللّه.

فنزل أمير المؤمنين عليه السّلام عن بغلته و عانق عمارا و ودعه ثمّ قال: يا أبا اليقظان جزاك اللّه عن اللّه و عن نبيك خيرا فنعم الأخ كنت و نعم الصّاحب كنت ثمّ قال: و اللّه يا أمير المؤمنين ما تبعتك إلّا ببصيرة فانّى سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: يا عمار ستكون بعدي فتنة فاذا كان ذلك فاتبع عليّا و حزبه فانّه مع الحقّ و الحقّ معه، و ستقاتل بعدى الناكثين و القاسطين، فجزاك اللّه يا أمير المؤمنين عن الاسلام أفضل الجزاء، فلقد أدّيت و بلغت و نصحت ثمّ ركب و ركب أمير المؤمنين عليه السّلام، ثمّ برز إلى القتال ثمّ دعا بشربة من ماء فقيل ما معنا ماء فقام إليه رجل من الأنصار فاسقاه شربة من لبن، ثمّ قال: هكذا عهد إلىّ رسول اللّه أن يكون آخر زادى من الدّنيا شربة من اللبن.

ثمّ حمل على القوم فقتل ثمانية عشر نفسا فخرج إليه رجلان من أهل الشّام فطعنا فقتل رحمه اللّه، فلما كان الليل طاف أمير المؤمنين عليه السّلام في القتلى فوجد عمارا ملقى، فجعل رأسه على فخذه ثمّ بكى عليه السّلام و أنشأ يقول:

ايا موت كم هذا التفرق عنوة
فلست تبقى لى خليل خليل‏

اراك بصيرا بالذين احبّهم‏
كأنك تمضى نحوهم بدليل‏

قال المجلسى: في الديوان هكذا:

ألا ايّها الموت الذي ليس تاركى
أرحنى فقد أفنيت كلّ خليل‏

أراك بصيرا بالذين أحبّهم‏
كأنك تنحو نحوهم بدليل‏

قال نصر بن مزاحم: لما حدّث عمرو بن العاص في عمار ما قاله النبيّ صلّى اللّه عليه و اله خرج عبد اللّه عمر العبسى و كان من عباد أهل زمانه ليلا فأصبح في عسكر عليّ عليه السّلام فحدث النّاس بقول عمرو في عمار فلما سمع معاوية هذا القول بعث إلى عمرو و قال: أفسدت على أهل الشام، أكلّ ما سمعته من رسول اللّه تقوله فقال عمرو: قلتها و لست و اللّه أعلم الغيب و لا أدرى أنّ صفين يكون عمار خصمنا، و قد رويت أنت فيه مثل الذي‏ رويت فاسأل أهل الشّام فغضب معاوية و تنمّر«» لعمرو و منعه و خيره، و قال عمرو لا خير لى في جوار معاوية إن تجلّت هذه الحرب عنّا و كان عمرو حمى الانف فقال في ذلك:

تعاتبنى ان قلت شيئا سمعته
و قد قلت لو أنصفتني مثله قبلى‏

و ما كان لى علم بصفين انّها
تكون و عمار يحثّ على قتلى‏

فلو كان لى بالغيب علم كتمتها
و كايدت أقواما مراجلهم تغلى‏

إلى آخر الأبيات ثمّ أجابه معاوية بأبيات تشتمل على الاعتذار، فأتاه عمرو و أعتبه و صار أمرهما واحدا ثمّ إنّ عليّا دعا هاشم بن عتبه و معه لواؤه، و كان أعور، و قال: حتّى متى تأكل الخبز و تشرب الماء، فقال هاشم: لا يجهزن ان لا أرجع إليك أبدا.

قال نصر عن عمر بن سعد عن رجل عن أبي سلمة أنّ هاشم دعا في الناس عند المساء ألا من كان يريد اللّه و الدّار الآخر فليقبل فأقبل إليه ناس فشدّ في عصابة من أصحابه على أهل الشّام مرارا، فليس من وجه يحمل عليه إلّا صبروا له و قوتل فيه قتالا شديدا، فقال لأصحابه.

لا يهو لنّكم ما ترون من صبرهم فو اللّه ما ترون منهم إلّا حميّة العرب و صبرها عند راياتها و عند مراكزها، و إنهم لعلى الضّلال و إنّكم لعلى الحقّ، يا قوم اصبروا و صابروا و اجتمعوا و امشوا بنا إلى عدوّنا على توئدة«» رويدا و اذكروا اللّه و لا يسلمنّ رجل أخاه و لا تكثروا الالتفات و اصمد و اصمدهم و جالدوهم محتسبين حتّى يحكم اللّه بيننا و هو خير الحاكمين.

فقال أبو سلمة فمضى في عصابة من القرّاء فقاتل قتالا شديدا هو و أصحابه حتى رأى بعض ما يسرّون به إذ خرج عليهم فتى شابّ و شدّ يضرب بسيفه و يلعن و يشتم و يكثر الكلام فقال له هاشم: إنّ هذا الكلام بعده الخصام و إنّ هذا القتال بعده الحساب‏ فاتق اللّه فانك راجع إلى ربّك فسائلك عن هذا الموقف و ما أردت به.

قال: فانّى اقاتلكم لأنّ صاحبكم لا يصلّي كما ذكر لي و إنكم لا تصلّون، و اقاتلكم لأنّ صاحبكم قتل خليفتنا و أنتم و ازرتموه على قتله.

فقال له هاشم و ما أنت و ابن عفان إنّما قتله أصحاب محمّد حين أحدث أحداثا و خالف حكم الكتاب و أصحاب محمّد هم أصحاب الدين و أولى بالنظر في امور المسلمين و ما أظن أنّ أمر هذه و لا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قط.

فقال الفتى: أجل و اللّه لا الكذب فانّ الكذب يضرّ و لا ينفع و يشين و لا يزين.

فقال له هاشم إنّ هذا الأمر لا علم لك به فخلّه و أهل العلم به قال: أظنك و اللّه قد نصحتنى فقال هاشم: و أما قولك إنّ صاحبنا لا يصلّي فهو أوّل من صلّى للّه مع رسول اللّه، وافقه في دين و أولى برسول اللّه، و أما من ترى معه فكلّهم قاري الكتاب لا ينام الليل تهجدا فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون.

قال الفتى: يا عبد اللّه إنى لا ظنك امرء صالحا أخبرنى هل تجد لى من توبة قال: نعم تب إلى الله يتب عليك قال فذهب الفتى راجعا، فقال رجل من أهل الشام خدعك العراقي، قال: و لكن نصحني.

و قاتل هاشم هو و أصحابه قتالا شديدا حتّى قتل تسعة نفرا و عشرة، و حمل عليه الحرث بن المنذر فطعنه فسقط، و بعث إليه عليّ أن قدّم لوائك، فقال للرسول انظر إلى بطنى فاذا هو قد انشقّ فأخذ الرّاية رجل من بكر بن وائل، و رفع هاشم رأسه فاذا هو بعبيد اللّه بن عمر بن الخطاب قتيلا إلى جانبه فجثا حتّى دنى منه فعضّ على ثديه حتى تبينت فيه أنيابه ثمّ مات هاشم و هو على صدر عبيد اللّه.

و ضرب البكري فوقع فابصر عبيد اللّه فعضّ على ثديه الآخر و مات أيضا، فوجدا جميعا ماتا على صدر عبيد اللّه، و لمّا قتل هاشم جزع النّاس عليه جزعا شديدا و اصيب معه عصابة من أسلم من القرّاء، فمرّ عليهم عليّ عليه السّلام و هم قتلى حوله فقال عليه السّلام:

جزى اللّه خيرا عصبة أسلمية
صباح الوجوه صرّعوا حول هاشم‏

يزيد و عبد اللّه بشر و معبد
و سفيان و ابنا هاشم ذى المكارم‏

و عروة لا يبعد ثناه و ذكره‏
إذا اخترط البيض الخفاف الصوارم‏

ثمّ أخذ الرّاية عبد اللّه بن هاشم، قال نصر: حدّثنا عمرو بن شمر قال: لمّا انقضى أمر صفين و سلم الأمر الحسن إلى معاوية و فدت إليه الوفود و أشخص عبد اللّه بن هاشم أسيرا فاتى به معاوية، فلما دخل عليه و عنده عمرو بن العاص قال: يا أمير المؤمنين هذا المحتال بن المرقال فدونك الضب اللاحظ فانّ العصيا من العصية«» و انّما تلد الحيّة حيّة و جزاء السّيئة سيئة مثلها فقال له ابن هاشم: ما أنا بأوّل رجل خذله قومه و أدركه يومه، قال معاوية تلك ضغاين صفين و ما جنا عليك أبوك، فقال عمرو: يا أمير المؤمنين أمكنّي منه فأشخب أو داجه على أثباجه.«» فقال له ابن هاشم: أفلا كان هذه الشّجاعة منك يا بن العاص أيّام صفين حين ندعوك إلى النزال و قد ابتلّت أقدام الرّجال من نقع«» الجربال«» و قد تضايقت بك المسالك و أشرفت فيها على المهالك، و ايم اللّه لو لا مكانك منه لنشبت لك مني خافية«» ارميك من خلالها أحد من وقع الاثافي«» فانّك لا تزال‏ تكثر«» في دهشك و تخبط في مرسك«» تخبط العشواء في الليلة الحندس الظلماء فأعجب معاوية ما سمع من كلام ابن هاشم فأمر به إلى السّجن و كفّ عن قتله هذا، و يأتي طرف آخر من بقيّة الوقعة في شرح بعض الكلمات الآتية إن ساعدنا التوفيق و المجال إنشاء اللّه.

الترجمة

از جمله كلام آن حضرتست كه مى‏فرمود بأصحاب خود در بعض روزهاى جنك صفين اى جماعة مسلمان شعار خود گردانيد خوف و خشيه كردگار را، و پوشش اخذ نمائيد بجهة خود تمكين و وقار را، و بنهيد دندانها را بر دندانها كه بدرستى اين برمى‏گرداند شمشيرها را از كاسه سر، و كامل نمائيد زره را بساير آلتهاى جنك، و حركت بدهيد شمشيرها را در غلافها پيش از كشيدن آنها، و بنگريد بگوشه چشم تنك خشمناك، و بزنيد نيزه را بچپ و راست، و دفع كنيد دشمن را باطراف شمشيرها و برسانيد شمشيرها را بدشمن با قدمها، و بدانيد كه شما منظور نظر كردگاريد، و در خدمت پسر عم پيغمبر مختار مى‏باشيد.

پس مكرّرا رجوع كنيد بر طرف اشرار، و حيا نمائيد از گريز و فرار، كه فرار موجب عار است در اولاد و اعقاب، و باعث آتش است در روز حساب، و پاكيزه بشويد از حيثيت نفس در حالتى كه تجاوز كننده باشيد از نفسهاى زايله و فانيه خودتان و برويد بسوى مرگ رفتن سهل و آسان، لازم كنيد بر خود حمله آوردن بر سواد اعظم أهل عناد، و بر چادر طناب دار معاويه بد بنياد پس بزنيد ميان آن خيمه را از جهة اين كه شيطان پنهان است در جانب آن خيمه كه بتحقيق پيش آورده است آن شيطان بجهة برجستن دستى را، و پس كشيده است از براى گريختن پائى را پس قصد نمائيد دشمن را قصد كردنى تا اين كه ظاهر شود بشما ستون حق، و حال آنكه شما غالب و بلند مرتبه هستيد، و خداوند با شماست و ناصر شماست، و ناقص نمى‏ نمايد از شما جزاى عملهاى شما را

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 63 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 64 صبحی صالح          

64- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) في المبادرة إلى صالح الأعمال‏

فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ

وَ بَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ

وَ ابْتَاعُوا مَا يَبْقَى لَكُمْ بِمَا يَزُولُ عَنْكُمْ

وَ تَرَحَّلُوا فَقَدْ جُدَّ بِكُمْ

وَ اسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّكُمْ

وَ كُونُوا قَوْماً صِيحَ بِهِمْ فَانْتَبَهُوا

وَ عَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدَارٍ فَاسْتَبْدَلُوا

فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً

وَ لَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى

وَ مَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَ بَيْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ إِلَّا الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ

وَ إِنَّ غَايَةً تَنْقُصُهَا اللَّحْظَةُ

وَ تَهْدِمُهَا السَّاعَةُ

لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِ الْمُدَّةِ

وَ إِنَّ غَائِباً يَحْدُوهُ الْجَدِيدَانِ اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ

لَحَرِيٌّ بِسُرْعَةِ الْأَوْبَةِ

وَ إِنَّ قَادِماً يَقْدُمُ بِالْفَوْزِ أَوِ الشِّقْوَةِ

لَمُسْتَحِقٌّ لِأَفْضَلِ الْعُدَّةِ

فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً

فَاتَّقَى عَبْدٌ رَبَّهُ

نَصَحَ نَفْسَهُ

وَ قَدَّمَ تَوْبَتَهُ

وَ غَلَبَ شَهْوَتَهُ

فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ

وَ أَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ

وَ الشَّيْطَانُ مُوَكَّلٌ بِهِ

يُزَيِّنُ لَهُ الْمَعْصِيَةَ لِيَرْكَبَهَا

وَ يُمَنِّيهِ التَّوْبَةَ لِيُسَوِّفَهَا

إِذَا هَجَمَتْ مَنِيَّتُهُ عَلَيْهِ أَغْفَلَ مَا يَكُونُ عَنْهَا

فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً

وَ أَنْ تُؤَدِّيَهُ أَيَّامُهُ إِلَى الشِّقْوَةِ

نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَ إِيَّاكُمْ مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ نِعْمَةٌ

وَ لَا تُقَصِّرُ بِهِ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ غَايَةٌ

وَ لَا تَحُلُّ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ نَدَامَةٌ وَ لَا كَآبَةٌ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4                   

و من خطبة له عليه السّلام و هى الثالثة و الستون من المختار فى باب الخطب

فاتّقوا اللّه عباد اللّه و بادروا آجالكم بأعمالكم، و ابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم، و ترحّلوا فقد جدّ بكم، و استعدّوا للموت فقد أظلّكم، و كونوا قوما صيح بهم فانتبهوا، و علموا أنّ الدّنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا، فإنّ اللّه لم يخلقكم عبثا، و لم يترككم‏ سدى، و ما بين أحدكم و بين الجنّة أو النّار إلّا الموت أن ينزل به، و إنّ غاية تنقصها اللّحظة و تهدمها السّاعة لجديرة بقصر المدّة، و إنّ غائبا يحدوه الجديدان اللّيل و النّهار لحريّ بسرعة الأوبة، و إنّ قادما يقدم بالفوز أو الشّقوة لمستحقّ لأفضل العدّة، فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا. فاتّقى عبد ربّه نصح نفسه قدّم توبته غلب شهوته، فإنّ أجله مستور عنه، و أمله خادع له، و الشّيطان موكّل به، يزيّن له المعصية ليركبها، و يمنّيه التّوبة ليسوّفها، حتّى تهجم منيّته عليه أغفل ما يكون عليها، فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة، و أن يؤدّيه أيّامه إلى شقوة، نسئل اللّه سبحانه أن يجعلنا و إيّاكم ممّن لا تبطره نعمة، و لا تقصّر به عن طاعة ربّه غاية، و لا تحلّ به بعد الموت ندامة و لا كابة.

اللغة

(بادره) مبادرة و بدارا و بدر غيره إليه عاجله و (جدّ بكم) بصيغة المجهول أى عجل بكم و حثثتم على الرّحيل و (استعدّ) له تهيأ و (أظلّنى) الشّي‏ء غشينى أودنا منّى حتّى القى على ظلّه و (صيح بهم) من الصّياح و هو الصّوت بأقصى الطاقة و (استبدلوا) بصيغة الامر بمعنى أبدلوا و (السّدى) بالضّم و قد يفتح المهملة من الابل يستعمل في الواحد و الجمع و (الجديدان) و الاجدان الليل و النّهار و (الاوبة) الرّجوع و (العدّة) ما اعددته من مال أو سلاح أو غير ذلك و الجمع عدد مثل‏ غرفة و غرف و (الحرز) الحفظ و تحرزون إمّا ثلاثى مجرّد من باب نصر أو مزيد فيه من باب الافعال و (التّسويف) المبطل و اصله أن يقول مرّة بعد أخرى سوف أفعل و (البطر) الطغيان و (كتب) الرّجل كابة إذا صار كئيبا أى منكسرا حزنا

الاعراب

الباء فى قوله بأعمالكم للمصاحبة، و في قوله بما يزول للمقابلة، و في قوله بكم للتّعدية، و الفاء في قوله فقد جدّ بكم، و قوله فقد أظلكم للسّببيّة، و في قوله فانتبهوا عاطفة، و في قوله فاستبدلوا فصيحة، و في قوله فانّ اللّه للسّببيّة أيضا.

و ما في و ما بين أحدكم للنفى، و قوله أن ينزل به في محلّ رفع بدل من الموت، و قوله و أنّ غاية اه عطف على قوله فانّ اللّه و الليل و النّهار بدل من الجديدان أو عطف بيان، و جملة يزين آه منصوب المحلّ على الحالية و أغفل منصوب بنزع الخافض أى في أغفل حالة، و قوله يالها حسرة منادى مستغاث، و الحسرة منصوب على التّمييز كانّه قال يا للحسرة على الغافلين ما أكثرك، أو أنّه مستغاث لأجله و المنادى محذوف اى يا قوم ادعوكم للحسرة، و فتحة اللّام حينئذ من أجل دخولها على الضّمير، و مثل ذلك قول عليّ بن موسى الرّضا عليه التّحيّة و الثنّاء:

         و قبر بطوس يا لها من مصيبة            ألحّت على الأحشاء بالزّفرات‏

و قوله أن يكون عمره آه في محلّ الجرّ على كونه بدلا من كلّ ذي غفلة، و جملة نسأل اللّه دعائية لا محلّ لها من الاعراب.

المعنى

اعلم أنّ المقصود بهذه الخطبة أيضا هو التنفير عن الدّنيا نظرا إلى قصر مدتها و سرعة زوالها و التّرغيب في الآخرة لتحصيل ما هو وسيلة إلى ثوابها منجية عن عقابها و هو التّقوى و لزوم الأعمال الصّالحة المشار إليها بقوله (فاتقو اللّه عباد اللّه و بادروا آجالكم بأعمالكم) أى سارعوا إلى آجالكم الموعودة مصاحبا بأعمالكم الصالحة و هو كناية عن ترّقب الموت و عدم الغفلة عنه، و هو إنّما يكون بالتّجافي عن دار الغرور و الرّغبة إلى دار السّرور و الاستعداد للموت قبل نزول الموت (و ابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم) و هو أمر بشراء الآخرة بالدّنيا و توصيف المبتاع بالبقاء و الثّمن بالزّوال ترغيبا و تحريصا، إذ تبديل الزّايل بالباقى بيعة رابحة و كفة راجحة لا يرغب عنها العاقل، و استعمال المبايعة في هذه المبادلة و المعاوضة غير عزيز قال سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ و اعلم أنّ البيع اعتماده على أركان أربعة: البايع، و المشتري، و الثّمن، و المثمن فالثّمن كما علمت هو متاع الحياة الدّنيا الفانية و لذايذها النّفسانية، و المبتاع نعيم الآخرة الباقية و الجنّة التي أكلها دائم و ظّلها، و المشترى هو العبد، و معلوم أنّ البايع لا بد أن يكون هو اللّه سبحانه إذ هو مالك ملك السّماوات و الأرض و له الآخرة و الاولى، و له الجنّة المأوى.

فقد شبه عليه السّلام دار الدّنيا بسوق تجارة عرض اللّه فيها متاع الآخرة للبيع و ليس في يد الخلق إلّا دراهم زيفة مغشوشة و هي زينة الحياة الدّنيا، فأمر بابتياع ذلك المتاع بتلك الدّراهم، فمن كان له عقل و كياسة امتثل ذلك الأمر فربح و فاز فوزا عظيما و من كان ذا حمق و جهالة تضرّ و خاب فخسر خسرانا مبينا و قد وقع الاشارة إلى تلك التّجارة و ما فيها من الرّبح العظيم و المنفعة الكثيرة في قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى‏ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

قال المفسّرون في هذه الآية وجوه من الدّلالة على الحثّ و التّاكيد بتلك المعاملة.

الأوّل إنّ حقيقة الاشتراء غير جايز في حقّه سبحانه، لأنّ المشترى إنّما يشترى ما لا يملك و هو سبحانه مالك الأشياء كلّها، لكنّه ذكر لفظ الشّرا تلطّفا لتأكيد الجزاء لأنّه لمّا ضمن الثّواب على نفسه فى مقابلة العبادات البدنيّة و الماليّة جعل نفسه بمنزلة المشترى اللّازم عليه ردّ الثّمن بعد أخذ المبيع.

الثّاني أنّه جعل في مقابلة النّفس التي هي منبع الشّرور و المفاسد، و المال الذي هو منشاء الغرور و المهالك الجنّة الدّائمة و السّعادات الباقية و هذه تجارة لن تبور، فلا يرغب عنها عاقل و لا يستقيلها إلّا جاهل روى أنّ أعرابيا مرّ بباب المسجد فسمع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقرأ هذه الآية فقال هذا الكلام لمن قالوا: للّه سبحانه قال: متى وقع هذا البيع و الشّرى قالوا: في عالم الميثاق، قال: و اللّه بيع مربح لا نقيل و لا نستقيل.

الثّالث قوله: وعدا، و وعد اللّه حقّ.

الرّابع قوله: عليه، و كلمة على للوجوب.

الخامس قوله: حقّا و هو التّاكيد للتّحقيق.

السّادس قوله: في التّورية و الانجيل و القرآن، و ذلك يجرى مجرى اشهاد جميع الكتب الالهية و جميع الأنبياء و الرّسل على هذه المعاملة.

السّابع قوله: و من أوفى بعهده من اللّه، و هو في غاية التّاكيد إذ معناه أنه يفى‏ء و لا يخلف إذ عدم الوفاء للوعد، إمّا للعجز و عدم القدرة أو للبخل و الدّناءة، و كلّها مستحيلة في حقّ اللّه سبحانه مضافا إلى ما فيه من الكذب و الخيانة.

الثّامن قوله: فاستبشر و أ ببيعكم، و هو مبالغة في التّاكيد أى فافرحوا بهذه المبايعة لأنكم بعتم فانيا بباق و زايلا بدايم.

التّاسع قوله: و ذلك هو الفوز.

العاشر قوله: العظيم، فثبت بهذه الوجوه العشرة عظم منفعة هذه المبايعة و جلالة قدرها و كثرة ربحها (و ترّحلوا فقد جدّ بكم) و هو أمر بقطع منازل السّفر إلى اللّه و سلوك الطرق الموصلة إلى رضوان اللّه معلّلا بأنّكم حثثتم على هذا السير و السّلوك و عجلتم على طىّ هذه المنازل، فشبه عليه السّلام، الدّنيا بمنزل ينزل فيه قافلة ليستريحوا ساعة ثمّ ينادى فيهم بالرّحيل.

و نظيره ما يأتي منه عليه السّلام في أواخر الكتاب قال: تغرّ و تضرّ و تمرّ إنّ اللّه لم يرضها ثوابا لأوليائه و لا عقابا لأعدائه و إنّ أهل الدّنيا كركب بيناهم حلّوا أن صاح بهم سايقهم فارتحلوا، و قال عليه السّلام في الدّيوان المنسوب إليه.

تزوّد من الدنيا فانّك راحل
و بادر فانّ الموت لا شك نازل‏

ألا إنّما الدنيا كمنزل راكب‏
أراح عشّيا و هو في الصّبح راحل‏

فان قلت: ظاهر التّشبيه يعطى أنّ للنّاس في دار الدنيا مناديا ينادي فيهم الرّحيل و آمرا يأمرهم بالسّير و التعجيل، فمن ذلك المنادي، و ما المراد بذلك الأمر.

قلت يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى الملك المأمور بالنداء من جانب اللّه سبحانه كما ورد في حديث أبي جعفر عليه السّلام، و في الديوان:

له ملك ينادى كلّ يوم لدوا للموت و ابنوا للخراب‏

و يحتمل أن يكون كناية عن توارد الأسباب التي تعدّ المزاج للفساد و تقربه إلى الآخرة و إلى ذلك أشار عليه السّلام في الدّيوان أيضا بقوله:

إلى م تجرّ أذيال التّصابى
و شيبك قد نضا برد الشباب‏

بلال الشّيب في فوديك نادى‏
بأعلى الصّوت حيّ على الذّهاب‏

خلقت من التّراب و عن قريب
تغيب تحت أطباق التّراب‏

طمعت إقامة في دار ظعن‏
فلا تطمع فرجلك في الركاب‏

و أرخيت الحجاب فسوف يأتي
رسول ليس يحجب بالحجاب‏

أ عامر قصرك المرفوع اقصر
فانّك ساكن القبر الخراب

(و استعدّوا للموت فقد أظلكم) أى تهيّئوا له فانّه قريب منكم و أشرف عليكم كانّه أوقع ظلاله على رؤوسكم، و التّهيؤ له إنّما يحصل بالعلم بانّ أمامه طريقا بعيدا و سفرا مهولا و ممرّا على الصّراط، و أنّ المسافر لا بدّ له من زاد، فمن لم يتزوّد و سافر هلك و عطب، فاذا علم ذلك استكمل نفسه و قصر أمله و أصلح عمله و قطع العلايق الدّنيويّة و ترك الشّهوات النّفسانيّة و أشرب قلبه حبّ الآخرة فحينئذ لا يبالى أوقع على الموت أم الموت وقع عليه و إلى ما ذكرناه ينظر ما عن تفسير العسكري عن آبائه عليهم السّلام قال: قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام: ما الاستعداد للموت قال: أداء الفرائض، و اجتناب المحارم، و الاشتمال على المكارم ثمّ لا يبالي أن وقع على الموت أو وقع الموت عليه، و اللّه ما يبالى ابن أبي طالب أن وقع على الموت أو وقع الموت عليه (و كونوا قوما صيح بهم فانتبهوا و علموا أنّ الدّنيا ليست لهم بدار) و هو أمر لهم بكونهم مثل أقوام التفتوا إلى منادى اللّه و هو لسان الشّريعة فحصل لهم بذلك الالتفات الانتباه من مراقد الطبيعة، و علموا أنّ الدّنيا ليست لهم بدار و أنّ مأواهم الآخرة دار القرار فكانوا من الزّاهدين في الدّنيا الرّاغبين في الآخرة، و اتّخذوا الأرض بساطا، و التّراب فراشا، و الماء طيبا، و قرضوا من الدّنيا تقريضا، فانّ من اشتاق إلى الجنّة سلا من الشّهوات، و من أشفق من النّار رجع عن المحرّمات، و من زهد في الدّنيا هانت عليه المصائب ألا إنّ للّه عبادا كمن رأى أهل الجنّة في الجنّة مخلّدين، و كمن رأى أهل النّار في النار معذّبين، شرورهم مأمونة، و قلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة و حوايجهم خفيفة، صبروا أيّاما قليلة فصاروا بعقبا راحة طويلة أمّا الليل فصافّون أقدامهم تجرى دموعهم على خدودهم يجارون إلى ربّهم يسعون في فكاك رقابهم من النّار، و أمّا النهار فحكماء علماء بررة أتقياء كأنّهم القداح قد براهم الخوف من العبادة ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى و ما بالقوم من مراض، أم خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر النار و ما فيها (فاستبدلوا) اى أبدلوا الآخرة بالدّنيا و هو تفريع على التشبيه يعنى أنّ القوم الذين صبح به كما أنهم علموا أنّ الدّنيا ليست لهم بدار و بدّلوها بالآخرة فكذلك أنتم إذا كنتم مثلهم فاستبدلوها بها (فانّ اللّه لم يخلقكم عبثا و لم يترككم سدى) إما علة لجميع ما أمر به سابقا من التقوى و المبادرة إلى الآجال بالأعمال و ابتياع الآخرة بالدّنيا و غيرها مما تلاها، أو لخصوص الأمر الأخير أعنى الاستبدال، و كيف كان فالمقصود بذلك أنه سبحانه لم يخلق الناس عبثا و لم يتركهم مهملين كالابل المرسلة ترعى حيث تشاء و إنما خلقهم للمعرفة و العبادة كما قال سبحانه: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.

فلا بدّ لهم من القيام بوظايف الطاعات و تحمّل المشاق في أداء العبادات و تبديل سيئاتهم بالحسنات بتوبتهم من الخطيئات، لتمكّنوا من الوفود إلى الدّرجات العاليات و في الحديث القدسي من منتخب التوراة: يابن آدم اني لم أخلقكم عبثا و لا جعلتكم سدى و لا أنا بغافل عما تعملون، و إنكم لن تنالوا ما عندي إلّا بالصبر على ما تكرهون في طلب رضائي، و الصبر على طاعتي أيسر عليكم من حرّ النار، و عذاب الدّنيا أيسر عليكم من عذاب الآخرة، يابن آدم كلكم ضالّ إلّا من هديته، و كلكم مريض إلّا من شفيته، و كلكم فقير إلّا من أغنيته، و كلكم هالك إلّا من أنجيته، و كلكم مسي‏ء إلّا من عصمته، فتوبوا إلىّ أرحمكم و لا تهتكوا أستاركم عند من لا يخفى عليه أسراركم، هذا و لما علل وجوب الابدال بما ذكر أكّد ذلك بقوله (و ما بين أحدكم و بين الجنة أو النار إلّا الموت أن ينزل به) و ذلك لأنّ العاقل إذا لاحظ أنه لا حجاب بينه و بين الجنة أو النار إلّا موته فيقطع العلايق الدنيوية و يفرغ قلبه من حبها و يستبدل الآخرة بالدنيا، و يمتثل لقوله: موتوا قبل أن تموتوا، شوقا إلى الثواب و خوفا من العقاب و مقصوده عليه السّلام بذلك الاشارة إلى قرب الساعة و ما يكون فيها من الثواب و العقاب و أنها ليست بعيدة كما يزعمه أهل الحجاب بيان ذلك أنّ أهل الحجاب و أصحاب الشك و الارتياب يزعمون يوم القيامة بعيدا من الانسان بحسب الزمان‏  وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً و بحسب المكان وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ و أمّا أهل العلم و اليقين فيرونه قريبا بحسب الزمان اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ حاضرا بحسب المكان وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً.

هذه هي القيامة الكبرى، و أما القيامة الصغرى فهي إذا انقطع علاقة الروح من الجسد كما قال: من مات فقد قامت قيامته ثمّ إن كان من السعداء فيكون قبره روضة من روض الجنة، و إن كان من الأشقياء فيكون القبر حفرة من حفر النيران، هذا بحسب مذاق أهل الشرع و أمّا مذاق أهل العرفان فهو على ما ذكروه أنّ كلّ من شاهد بنور البصيرة باطنه في الدنيا لرآه مشحونا بأصناف السباع و الموذيات مثل الغضب و الشهوة و الحقد و الحسد و الكبر و العجب و الرّياء و غيرها، و هي التي لا تزال تفرسه و تنهشه إن سبا عنها بلحظة إلّا أنّ أكثر النّاس محجوب العين عن مشاهدتها، فاذا انكشف الغطاء بالموت و وضع في قبره عاينتها و هى محدقة عليه، و قد تمثّلت بصورها و أشكالها الموافقة لمعانيها، فيرى بعينه العقارب و الحيّات قد أحدقت و إنّما هى ملكاته و صفاته الحاضرة الآن، و قد انكشف له صورها الطبيعية و هذا عذاب القبر و ان كان سعيدا تمثّل له ما يناسب أخلاقه الحسنة و ملكاته المرضيّة على وفق ما كانت تعتقدها أو فوقها من الجنات و الحدائق و الأنهار و الغلمان و الحور العين و الكاس من المعين فهذا عقاب القبر و ثوابه، و لذا قال صلوات اللّه عليه و آله: القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّيران، فالقبر الحقيقي هذه الهيئة و ثوابه و عذابه ما ذكر.

ثمّ إنّه عليه السّلام علّل وجوب الاستبدال بعلّة ثانية مشيرة إلى سرعة زوال الدّنيا و فنائها و قصر مدّتها و انقضائها و هو قوله (و إنّ غاية تنقصها اللحظة و تهدمها السّاعة لجديرة بقصر المدّة) أراد بالغاية أجل الانسان و مدّة تعيّشه في دار الدنيا و نبّه على قصرها بأنّها تنقصها اللحظة أى النظرة لأن كلّ جزء من الزّمان فرضته قد مضى من مدّة الانسان منقص لها، و بأنها تهدمها السّاعة أى ساعات اللّيل و النّهار، لأنّ الطبايع الجرميّة فلكية كانت أو عنصريّة متجدّدة الوجود و الحدوث في كلّ آن، فوجودها نفس زوالها و حدوثها نفس فنائها و الموادّ و الأعراض تابعة للطبايع فاذن تكون السّاعات هادمة لها و قال الشّارح البحراني: كنى بالسّاعة عن وقت الموت و لا شكّ أنّ الآن الذي تنقطع فيه علاقه النّفس مع البدن غاية لأجل الانسان، و غاية الشي‏ء هى ما ينتهى عندها الشّي‏ء فكنى بالهدم عن ذلك الانقطاع و الانتهاء كناية بالمستعار (و ان غايبا يحدوه الجديدان الليل و النّهار لحريّ بسرعة الأوبة) المراد بالغايب الانسان فانّه غايب عن وطنه الأصلي و منزله الحقيقي الذي إليه معاده و مسيره و هو دار الآخرة و شبّه الليل و النّهار بالحادي لكونهما مقرّبين للانسان بتعاقبهما إلى وطنه موصلين له إليه كما أنّ الحادى يحدو الابل و يحثّها على السّير بحدائه حتّى يوصلها إلى المنزل، و من المعلوم أنّ من كان حاديه الليل و النّهار فهو في غاية سرعة السّير و الرّجوع إلى وطنه، و قيل المراد بالغايب الموت قال البحراني: و هو و إن كان محتملا إلّا أنّه لا يطابقه لفظ الأوبة لأنّه لم يكن حتّى يرجع.

أقول: يمكن الجواب عنه بأنّ الموت لما كان عبارة عن العدم الطاري للانسان و كان الانسان مسبوقا بالعدم أيضا سمّي حلول الموت بالأوبة قال الصّدر الشيرازى: اعلم أنّ المبدأ هي الفطرة الاولى، و المعاد هو العود إليها، فالاشارة إلى الأولى كان اللّه و لم يكن معه شي‏ء وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً

فهذا خروج من العدم الأصلي إلى الوجود الكونيّ الحدوثي، و الاشارة إلى الانتهاء كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ و هذا خروج من هذا الوجود الخاصّ إلى العدم الفطرى، فعلى هذا يصحّ توصيف الموت بأنّه يئوب إلى الانسان إلّا أنّ توصيفه بكون الليل و النّهار حاديين له لا يخلو عن بعد فافهم (و إنّ قادما يقدم بالفوز أو الشقوة لمستحقّ لأفضل العدة) و المراد بالقادم بالفوز أو الشقوة هو الانسان لما قد علمت أنه غايب عن وطنه الأصلى و ساير إليه، فهو حين قدومه على منزله إمّا أن يكون سعيدا فيفوز بالسعادة الباقية، و إمّا أن يكون شقيا فيقع في الخيبة الدائمة، و من كان هذا شأنه فاللازم عليه أن يستعدّ أفضل العدة، و يدخر لنفسه أحسن الزاد و الذخيرة حتى ينادى بنداء يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَ ادْخُلِي جَنَّتِي.

(فتزودوا في الدّنيا من الدّنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا) يعني أنّ الانسان إذا كان مستحقا لأفضل العدة فلا بد له أن يتزود من دنياه ما يحفظ به نفسه غدا بعد الموت و يوم القيامة من حرّ النّار و من غضب الجبّار، لأنّ ذلك أفضل العدد«» و أحسن الزّاد و هذا هو التّقوى كما قال اللّه تعالى: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏ و إليه أشار بقوله (فاتقى عبد ربّه نصح نفسه قدم توبته غلب شهوته) و هذه جملات خبريّة في معنى الانشاء مفصّلة للزّاد الذي به يحصل حرز النّفس و حفظها، و المراد بنصح النّفس النّظر إلى مصالحها بأمرها بما هو محصّل لها الكمال و نهيها عمّا يوقعها في الضّلال و حثّها بالخيرات و الحسنات و منعها عن الشّرور و السّيئات، و من جملة النّصح أن يقدّم توبته على أجله و لا ينخدع بطول أمله و يستغفر ربّه فيما فات و يقصر عن شهوته فيما هو آت (فانّ أجله مستور عنه، و أمله خادع له، و الشّيطان موكل به يزين له المعصية ليركبها، و يمنّيه التّوبة ليسوفها، حتّى تهجم منيته عليه أغفل ما يكون عليها) و هذه كلّها علل لوجوب تقديم التوبة و تحذير عن هجوم الموت في حالة الغفلة بيان ذلك أنّ ستر الأجل و اختفائه عن الانسان موجب لغفلته عن ذكره و طول الأمل خادع له يخدعه بطول الحياة كما قيل:

         أعلّل النّفس بالآمال أرقيها            ما أضيق الدّهر لو لا فسحة الأمل‏

فاذا انضاف إلى ذلك خداع الشّيطان و وسوسته و تزيين المعصية في نظره و تسويفه للتّوبة و القائها في امنيّة مع كونه موكلا به ملازما له، كانت الغفلة أشدّ و النّسيان آكد، فيهجم منيته عليه في نهاية غفلة من دون تمكّن من توبته و لا تدارك منه لمعصيته، فعند ذلك ينتبه من نوم الغفلة و الجهالة، و يقع في كمال الخيبة و النّدامة، و هو عند ذلك يقول: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

(فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة) أى شاهدا بلسان حاله على ما اكتسب فيه من الاثم و المعصية (و أن يؤدّيه أيّامه) التي أمهله اللّه فيها لتحصيل السّعادة (إلى شقوة) ثمّ دعا عليه السّلام لنفسه و للمخاطبين بقوله: (نسأل اللّه سبحانه أن يجعلنا و ايّاكم ممّن لا تبطره نعمة) أى من الذين لا يوجب كثرة النعم له البطر و الطغيان كما أنّ ذلك من جبلة الانسان قال سبحانه: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى‏ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى‏.

(و لا تقصر به عن طاعة ربه غاية) أى لا تكون مقصرا في الطاعات لغرض من الأغراض‏ الدّنيوية (و لا يحلّ به بعد الموت) حسرة و (ندامة و لا) حزن و (كابة) لانغماره في المعصية و تسويفه التوبة و هجوم موته عليه في حالة الغفلة

هداية فيها دراية

قد تحصّل من كلامه عليه السّلام أنّ اللّازم على الانسان أخذ الزّاد ليوم المعاد و أن لا يطمئن بطول الأجل و لا يغترّ بخداع الأمل، إذ ربّ آمل شي‏ء لا يدرك ما أمل كما قال عليه الصّلاة و السلام في الدّيوان:

يا من بدنياه اشتغل
قد غرّه طول الأمل‏

و الموت يأتي بغتة
و القبر صندوق العمل‏

و قال آخر

يار اقد الليل مسرورا بأوّله
إنّ الحوادث قد يطرقن أسحارا

لا تامننّ بليل طال أوّله‏
فربّ آخر ليل اجّج النّارا

و لا سيما أنّ الشيطان اللعين عدّو مبين و هو في الكمين: وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَ فَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ فينبغي للعاقل أن يحسن عمله و يقصر أمله و يقدم توبته أجله و يعجل في طلب الغفران و لا يغترّ بتسويف الشيطان، و يتوب إلى اللّه سبحانه من صغاير ذنوبه و كبايرها، و بواطن سيئآته و ظواهرها، و سوالف زلّاته و حوادثها، توبة من لا يحدّث نفسه بمعصية، و لا يضمر أن يعود في خطيئة، حتّى يصل بذلك إلى روح و ريحان، و يتمكّن من نزول الجنان، و لا يقع بعد الموت في الخيبة و الخسران و الحسرة و الحرمان.

و لنذكر هنا حديثا ينوّر القلوب، و يكشف الحجاب عن وجه المطلوب، و يظهر به عظم منفعة التّوبة، و يتّضح به معنى التسويف فيها و هو.

ما رواه في الصّافى من المجالس و بعض الأصحاب من الأمالى باسنادهما عن عبد الرّحمن بن غنم الدّوسي قال: دخل معاذ بن جبل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله باكيا، فسلّم فردّ عليه السلام ثمّ قال‏ ما يبكيك يا معاذ فقال يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ بالباب شاباطريّ الجسد نقىّ اللون حسن الصّورة يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدّخول عليك فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ادخل علىّ الشّابّ يا معاذ فأدخله عليه فسلّم، فردّ عليه السلام ثمّ قال: ما يبكيك يا شاب قال: كيف لا أبكى و قد ركبت ذنوبا إن أخذني اللّه عزّ و جلّ ببعضها أدخلنى نار جهنم و لا أرانى إلّا سيأخذني بها و لا يغفر لي أبدا فقال رسول اللّه هل أشركت باللّه شيئا قال: أعوذ باللّه أن اشرك بربّي شيئا، قال: أقتلت النّفس التي حرّم اللّه قال: لا، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: يغفر اللّه لك ذنوبك و إن كان مثل الجبال الرّواسي قال الشّاب: فانّها أعظم من الجبال الرّواسي.

فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يغفر اللّه لك ذنوبك و إن كان مثل الأرضين السّبع و بحارها و رمالها و أشجارها و ما فيها من الخلق، قال الشّاب: فانّها أعظم من الأرضين السّبع و بحارها و رمالها و أشجارها و ما فيها من الخلق، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يغفر اللّه لك ذنوبك و إن كانت مثل السّماوات و نجومها و مثل العرش و الكرسي، قال: فانّها أعظم من ذلك، قال: فنظر النبيّ إليه كهيئة الغضبان ثمّ قال: ويحك يا شاب ذنوبك أعظم أم ربّك فخرّ الشّاب على وجهه و هو يقول سبحان ربّي ما من شي‏ء أعظم من ربّي ربّي أعظم يا نبيّ اللّه من كلّ عظيم، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: فهل يغفر لك الذّنب العظيم إلّا الرّبّ العظيم قال الشّاب: لا و اللّه يا رسول اللّه ثمّ سكت الشّاب، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك قال: بلى اخبرك.

إنّي كنت أنبش القبور سبع سنين اخرج الأموات و انزع الأكفان، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار فلما حملت إلى قبرها و دفنت و انصرف عنها أهلها و جنّ عليهم اللّيل أتيت قبرها فنبشتها، ثمّ استخرجتها و نزعت ما كان عليها من أكفانها و تركتها مجرّدة على شفير قبرها و مضيت منصرفا، فأتاني الشّيطان فأقبل يزيّنها لي و يقول أما ترى بطنها و بياضها أما ترى و ركيها، فلم يزل يقول لي هذا حتّى رجعت إليها و لم أملك نفسي حتّى جامعتها و تركتها مكانها، فاذا أنا بصوت من‏ ورائي يقول: يا شاب ويل لك من ديّان يوم الدّين يوم يقفني و إياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى و نزعتنى من حفرتى و سلبتنى أكفاني و تركتني أقوم جنبة إلى حسابى، فويل لشبابك من النّار، فما أظنّ أنّي أشمّ ريح الجنّة أبدا فما ترى لى يا رسول اللّه فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: تنحّ عنّى يا فاسق إنّى أخاف ان أحترق بنارك فما أقربك من النّار، ثمّ لم يزل بقول و يشير إليه حتّى أمعن أى أبعد من بين يديه، فذهب فأتى المدينة فتزوّد منها، ثمّ أتى بعض جبالها فتعبّد فيها، و لبس مسحا و غلّ يديه جميعا إلى عنقه و نادى: يا ربّ هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول يا ربّ أنت الذي تعرفنى و زل منّى ما تعلم سيّدى يا ربّ إنّى أصبحت من النّادمين و أتيت نبيّك تائبا فطردنى و زادنى خوفا، فأسألك باسمك و جلالك و عظم سلطانك أن لا تخيّب رجائي سيدي و لا تبطل دعائى و لا تقنطنى من رحمتك.

فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما و ليلة تبكى له السّباع و الوحوش، فلما تمّت له أربعون يوما و ليلة رفع يديه إلى السّماء و قال: اللهمّ ما فعلت في حاجتى إن كنت استجبت دعائي و غفرت خطيئتي فأوح إلى نبيّك، و إن لم تستجب دعائي و لم تغفر لي خطيئتي و أردت عقوبتي فعجّل بنار تحرقنى أو عقوبة في الدّنيا تهلكنى و خلّصني من فضيحة يوم القيامة فأنزل اللّه تعالى على نبيّه: وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً يعني الزّنا أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ يعنى بارتكاب ذنب أعظم من الزّنا و نبش القبور و أخذ الاكفان: ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ يقول خافوا اللّه فعجلوا التوبة:

 وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ يقول عزّ و جلّ أتاك عبدى تائبا فطردته فأين يذهب و إلى من يقصد و من يسأل أن يغفر له ذنبه غيرى ثمّ قال عزّ و جلّ: وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى‏ ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ.

يقول اللّه عزّ و جلّ لم يقيموا على الزّنا و نبش القبور و أخذ الأكفان: أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ فلما نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج و هو يتلوها و يتبسّم، فقال لأصحابه من يدلّني على ذلك الشّاب التائب فقال معاذ: يا رسول اللّه بلغنا أنّه في موضع كذا و كذا، فمضى رسول اللّه بأصحابه حتّى انتهوا إلى ذلك الجبل و صعدوا إليه يطلبون الشّاب، فاذا هم بالشّاب قائم بين صخرتين مغلولة يداه إلى عنقه قد اسودّ وجهه و تساقطت أشفار عينيه من البكاء و هو يقول: سيدى قد أحسنت خلقي و أحسنت صورتى و ليت شعري ما ذا تريد بى، في النّار تحرقنى أم في جوارك تسكنني، اللهمّ إنك قد أكثرت الاحسان إلىّ و أنعمت علىّ فليت شعرى ما ذا يكون آخر أمري، إلى الجنّة تزفّني، أم إلى النّار تسوقني، اللهمّ إنّ خطيئتى أعظم من السّماوات و الأرض، و من كرسّيك الواسع، و عرشك العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة.

فلم يزل يقول نحو هذا و هو يبكي و يحثو التّراب على رأسه و قد أحاطت به السّباع، و صفت فوقه الطير و هم يبكون لبكائه، فدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأطلق يديه من عنقه و نفض التراب عن رأسه و قال: يا بهلول ابشر فانك عتيق من النّار، ثمّ قال هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول، ثمّ تلى عليه ما أنزل اللّه عزّ و جلّ و بشّره بالجنّة.

و في الصّافي و البحار من المجالس باسناده عن قطر بن خليفة عن الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال: لما نزلت هذه الآية«» صعد إبليس جبلا بمكة يقال له ثور، فصرخ بأعلي صوته بعفاريته فقالوا: يا سيّدنا لما ذا دعوتنا قال: نزلت هذه الآية فمن لها، فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا و كذا، قال لست لها، فقال آخر مثل ذلك، فقال: لست لها، فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها، قال: بماذا قال: أعدهم و أمنّيهم التوبة، حتّى يواقعوا في الخطيئة فاذا وقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار، فقال: أنت لها فوكّله بها إلى يوم القيامة.

أقول: و من نظر إلى هاتين الرّوايتين بعين البصيرة و تفكّر فيما تضمّنته الأولى من جلالة فايدة التوبة و تأمّل فيما تضمّنته الثانية من عظم الخطر في تأخيرها و تسويفها و عرف أنّ التسويف و التأخير من وسوسة الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس لا بدّ له أن يستيقظ من نوم الغفلة و الجهالة و يتدارك الموت قبل حلوله و لا يغرّه الأمل بطوله.

و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر رضي اللّه عنه.

يا باذر اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، و صحّتك قبل سقمك، و غناك قبل فقرك، و فراغك قبل شغلك، و حياتك قبل موتك.

يا باذر إياك و التّسويف بأملك، فانّك بيومك و لست بما بعده، فان يكن غدلك فكن في الغد كما كنت في اليوم، و إن لم يكن غدلك لم تندم على ما فرّطت في اليوم.

يا باذر كم مستقبل يوم لا يستكمله، و منتظر غدا لا يبلغه.

يا باذر لو نظرت إلى الأجل و مسيره، لأبغضت الأمل و غروره.

يا باذر كن كأنك في الدّنيا عابر سبيل، و عد نفسك من أصحاب القبور.

يا باذر إذا أصبحت فلا تحدّث نفسك بالمساء، و إذا امسيت فلا تحدّث نفسك‏

بالصّباح، و خذ من صحّتك قبل سقمك، و من حياتك قبل موتك، فانك لا تدرى ما اسمك غدا.

و بالجملة فالتّعجيل في جميع الامور قبيح إلّا في التّوبة فانه فيها حسن إذ التأخير مظنة الفوت الموجب للاقتحام في الهلكات مع ما في التأخير من خطر آخر و هو أنّ التوبة إذا وقعت عقيب السيئة تؤثر فيها و تمحو أثرها، و إذا تأخرت يتراكم الرّين و ظلمة الذّنوب على القلب فلا يقبل التأثير و لذلك قال لقمان لابنه: يا بنىّ لا تؤخّر التوبة فانّ الموت يأتي بغتة، و من ترك المبادرة إلى التوبة بالتسويف كان بين خطرين عظيمين أحدهما أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي حتى يصير رينا و طبعا فلا يقبل المحو الثاني أن يعاجله المرض أو الموت فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو و لذلك أيضا ورد في الخبر أنّ أكثر صياح أهل النار من التسويف، فما هلك من هلك إلّا بالتسويف فيكون تسويده القلب نقدا و جلاؤه بالطاعة نسية إلى أن يختطفه الموت فيأتي اللّه بقلب سقيم و لا ينجو إلّا من أتى اللّه بقلب سليم، و إلى ما ذكرنا كلّه ينظر قوله سبحانه: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً، وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.

الترجمة

از جمله خطب شريفه آن امام أنام و حجّة عالى مقامست كه مى‏فرمايد: پرهيز نمائيد از معبود بسزا اى بندگان خدا و بشتابيد بسوى أجلهاى خود با عملهاى خود و بخريد آخرت باقى را در عوض دنياى فاني، و رحلت نمائيد بسوى آخرت پس بتحقيق كه‏تعجيل كرده شده است بشما و مهيّا باشيد بمرك كه بتحقيق سايه انداخته است بر شما، و بشويد مثل طايفه كه از طرف خدا ندا كرده شدند پس بيدار شدند و دانستند كه نيست دنياى فانى از براى ايشان خانه و سراى زندگانى پس بدل نمائيد دنيا را بآخرت از جهة اين كه خداوند عبث خلق نكرده است شما را، و سر خود و مهمل نگذاشته است شما را، و نيست ميان يكى از شما و ميان بهشت يا جهنم مگر مرگ كه نازل شود بر او، و بدرستى مدّت و مسافت عمرى كه كم مى‏گرداند آنرا نگريستن و خراب مى‏ سازد آن را ساعتهاى شب و روز هر آينه سزاوار است آن بكوتاهى مدت، و بدرستى غايبى كه ميرانند او را تازه آيندگان كه عبارتست از شب و روز هر آينه لايقست بسرعة بازگشت.

يعنى بسوى وطن اصلى كه عبارتست از آخرت، و بدرستى كه آينده كه مى ‏آيد بسوى آخرت با سعادت يا شقاوت هر آينه استحقاق دارد به بهترين توشه كه عبارتست از عبادت و اطاعت تا برساند بسعادت، پس توشه برداريد در دنيا از دنيا آن چيزى را كه حفظ نمائيد با آن نفسهاى خودتان را از عقوبت روز جزا.

پس متّقى شد بنده براى پروردگار خود كه نصيحت كرد نفس خود را و مقدّم داشت توبه خود را و غلبه نمود بر شهوت خود، پس بدرستى كه أجل آن پنهانست از او، و آرزوى او فريبنده اوست، و شيطان ملعون موكل اوست كه زينت مى‏ دهد از براى أو معصيت را تا سوار شود بر او، و آرزومند مى سازد او را بتوبه و إنابة تا بتاخير اندازد آنرا تا اين كه هجوم آورد مرگ أو بأو در غافلترين حالتى كه ميباشد بر آن حالت.

أى حسرت حاضر باش بر هر صاحب غفلت كه باشد عمر او بر أو حجت در روز قيامت، و برساند أو را روزگار أو ببدبختى و شقاوت، سؤال مى‏كنيم از خداوند تعالى آنكه بگرداند ما و شما را از كسانى كه بطغيان نيندازد او را نعمت و مقصّر نسازد او را از اطاعت پروردگار خود غرض و غايت، يعنى أغراض دنيويه‏ مانع اطاعت أو نگردد، و از كسانى كه حلول نكند بأو بعد از مرگ و رحلت هيچ حسرت و ندامت و نه اندوه و محنت.

الى هنا انتهى الجزء الرابع من هذه الطبعة البهية القيمة و ذلك بتصحيح و تهذيب من العبد «السيد ابراهيم الميانجى» و وقع الفراغ فى اوايل شهر جمادى الاولى سنة 1379 و يليه ان شاء الله الجزء الخامس و أوله أول المختار الرابع و الستين و الحمد لله رب العالمين

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 62 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 63 صبحی صالح

63- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) يحذر من فتنة الدنيا

أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا دَارٌ لَا يُسْلَمُ مِنْهَا إِلَّا فِيهَا

وَ لَا يُنْجَى بِشَيْ‏ءٍ كَانَ لَهَا

ابْتُلِيَ النَّاسُ بِهَا فِتْنَةً

فَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لَهَا أُخْرِجُوا مِنْهُ وَ حُوسِبُوا عَلَيْهِ

وَ مَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لِغَيْرِهَا قَدِمُوا عَلَيْهِ وَ أَقَامُوا فِيهِ

فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوِي الْعُقُولِ كَفَيْ‏ءِ الظِّلِّ

بَيْنَا تَرَاهُ سَابِغاً حَتَّى قَلَصَ

وَ زَائِداً حَتَّى نَقَصَ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من خطبة له عليه السلام و هى الثانية و الستون من المختار فى باب الخطب

ألا و إنّ الدّنيا دار لا يسلم منها إلّا فيها، و لا ينجى بشي‏ء كان لها، أبتلى النّاس بها فتنة، فما أخذوه منها لها أخرجوا منه و حوسبوا عليه، و ما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه و أقاموا فيه، فإنّها عند ذوي العقول كفي‏ء الظّلّ، بينا تراه سابغا حتّى قلص و زايدا حتّى نقص.

اللغة

(فاء) الظلّ يفي‏ء فيئا رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق، قال الفيروز آبادى: الفي‏ء ما كان مشمّسا فينسخه الظلّ و (سبغ) الشي‏ء سبوغا من باب قعد تمّ و كمل، و سبغ الدّرع طال من فوق إلى أسفل، و سبغ الظلّ طال إلى الأرض و (قلص) الظلّ انقبض

الاعراب

فتنة مفعول مطلق بغير لفظ فعله، نحو قعدت جلوسا و انتصابه بالفعل المقدّر على مذهب سيبويه اى ابتلى النّاس و فتنوا بها فتنة، و بالفعل الظاهر على مذهب المازني و المبرد و السيرافي، و هو الأولى إذ الأصل عدم التّقدير بلا ضرورة داعية إليه، و قول الشّارح البحراني بكونه منصوبا بالمفعول له أو كونه مصدرا بمعنى الضّلال سادّا مسدّ الحال بعيد عن الصّواب و إضافة الفي‏ء إلي الظلّ من قبيل إضافة الخاصّ إلى العامّ، و بينا أصله بين فاشبعت الفتحة فحدثت الألف، و قد يزاد ما فتقول: بينما، و المعنى واحد، و الجملة بعدها مجرورة المحلّ باضافتها إليها، و هي في الظاهر مضافة إلى الجملة و فى المعنى إلى مصدرها كساير ما يضاف إلى الجمل، تقول جئتك يوم قدم زيد، أى يوم قدومه‏ و التّقدير بين رؤيتك إيّاه زايدا، و حتّى حرف ابتداء يعنى أنّها حرف يستأنف بعدها الكلام، سواء كانت الجملة اسميّة أو فعليّة كقوله: حتّى يقول الرّسول، بالرّفع.

المعنى

اعلم أنّ هذه الخطبة واردة في مقام التّزهيد عن الدّنيا و الترغيب في الآخرة و فيها إشارة إلى كونها دار بلاء و فتنة، و إلى أنّها قريبة الزوال سريعة الفناء فقوله (ألا و إنّ الدّنيا دار لا يسلم منها إلّا فيها) تنبيه على أنّ السّلامة من شرور الدّنيا و مفاسدها و ما يترتّب عليها من العذاب الأليم و النّكال العظيم لا تكون إلّا في دار الدّنيا بالزّهد و الرّياضات و بملازمة التّقوى و الطاعات، و ذلك لأنّ التّكليف إنّما هو في دار الدّنيا، و الآخرة ليست بدار تكليف بل هي دار جزاء، و بامتثال التّكاليف فيها يسلم من العقاب و ينال حسن الثّواب كما أنّ بمخالفتها يحصل الشّقاوة و يستحقّ العقوبة.

و إلى ذلك الاشارة في حديث الهيثم بن واقد الحريري «الجزرى ظ» المروي في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من زهد في الدّنيا أثبت اللّه الحكمة في قلبه، و أنطق بها لسانه و بصّره عيوب الدّنيا دائها و دوائها، و أخرجه من الدّنيا سالما إلى دار السّلام (و) منه يعلم انّه (لا ينجي بشي‏ء كان لها) بيان ذلك أنّ الدّنيا و الآخرة ضرّتان متضادّتان فما هو للدّنيا مضادّ للآخرة فكيف يوجب النّجاة فيها كما أنّ ما هو للآخرة مضادّ للدّنيا و مضارّ لها، و لذلك قيل: إنّهما ككفّتي الميزان بقدر ترجيح إحداهما تخفّ الاخرى و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ في طلب الدنيا إضرارا بالآخرة و في طلب الآخرة اضرارا بالدّنيا، فأضرّوا بالدّنيا فانّها أحقّ بالاضرار و قال اللّه سبحانه: الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا

يعني أنّ المال و البنين يتفاخر بهما في الدنيا و يتزيّن بهما فيها و لا ينفعان في الآخرة اذ لا يبقى شي‏ء منهما للانسان فينتفع به فيها، و الأعمال الصّالحة و الطاعة الحسنة التي تبقى ثوابها أفضل ثوابا عند اللّه من المال و البنين و أصدق أملا من زهرات الدّنيا و زخارفها، لأنّها أمل لا يكذب فيها يؤمّل الثّواب و ينجى من أليم العقاب و قوله (ابتلى النّاس بها فتنة) اشارة الى أنّ الدّنيا دار ابتلاء و امتحان، و أنّ اللّه ابتلى عباده فيها تارة بالمسارّ ليشكروا تارة بالمضارّ ليصبروا قال الشّاعر:

  ألا انّما الدنيا بلاء و فتنة
على كلّ حال أقبلت أو تولّت‏

فصارت المنحة و المحنة كلاهما بلاء، فالمنحة مقتضية للشكر، و المحنة مقتضية للصّبر كما قال تعالى: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ قال الطبرسي: اى نعاملكم معاملة المختبر بالفقر و الغنا و السّراء و الضرّاء و الشّدّة و الرخاء، و قيل ممّا تكرهون و ما تحبّون ليظهر صبركم فيما تكرهون و شكركم فيما تحبّون، و قيل: الشرّ غلبة الهوى على النّفس و الخير العصمة عن المعاصى و اعلم أنّ أصل الابتلاء و الاختبار أن يراد به الوقوف على حال المختبر بفتح الباء و الاطلاع على ما يجهل من أمره، و قد يراد به إظهار جودته و ردائته و ربما يقصد به الأمران، و لمّا كان الأوّل محالا في حقه تعالى لاستلزامه الجهل لا بدّ أن يراد به حيثما نسب الابتلاء إليه سبحانه المعنى الثاني، فاذا قيل: بلاه اللّه بكذا و ابتلاه فليس المراد إلّا اظهار حسن طينته و خبث سريرته دون التعرّف لحاله و الوقوف على ما يجهل منه و على هذا يحمل الآيات القرآنيّة مثل نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ الآية وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ.

و ربما يحمل على معنى ثالث قال في الكشاف في تفسير الآية الأخيرة: اختبره بأوامر و نواهي و اختبار اللّه عبده مجاز عن تمكينه من اختيار أحد الأمرين ما يريد اللّه‏ و ما يشتهيه العبد كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك و قال الطبرسيّ في تفسيرها أى اختبر إبراهيم و هو مجاز و حقيقته أنّه أمر إبراهيم ربّه و كلّفه و سمّى ذلك اختبارا لأنّ ما يستعمل الأمر منافي مثل ذلك يجرى على جهة الاختبار و الامتحان فاجرى على امره اسم امور العباد توسّعا، و أيضا فانّ اللّه لمّا عامل عباده معاملة المبتلى المختبر إذ لا يجازيهم على ما يعلمه منهم أنّهم سيفعلونه قبل أن يقع ذلك الفعل منهم كما لا يجازى المختبر للغير ما لم يقع الفعل منه، سمّى أمره ابتلاء هذا و لمّا ظهر أنّ الدّنيا و ما فيها إنّما خلقت لاختبار النّاس و ابتلائهم لا بدّ و أن يكون همّتهم فيها مصروفة إلى ما هو محصّل للسّعادة في الآخرة حتّى يخلصوا عن قالب الامتحان، و يستحقّوا الدّرجات الرّفيعة العليّة، و لا يكون نظرهم مقصورا على عاجل زهراتها الخسيسة الدّنيّة (ف) انّ (ما أخذوه منها لها اخرجوا منه و حوسبوا عليه و ما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه و أقاموا فيه) و من المعلوم أنّ العاقل لا يرجّح ما هي سريعة الانقراض و الانقضاء مشرفة على الزّوال و الفناء على ما هي دائمة البقاء خصوصا إذا كانت الفانية حقيرة خسيسة و الباقية خطيرة نفيسة،

و ذلك لأنّ خيرات الدّنيا حسيّة و خيرات العقبا عقليّة و العقليّة أشرف من الحسّيه بمراتب كثيرة لا سيّما إذا كانت الدّنيويّة محاسبا عليها مسؤولا عنها قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: في رواية الكافي فيما وعظ به لقمان ابنه: يا بنىّ إنّ النّاس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا و لم يبق من جمعوا له و إنّما أنت عبد مستأجر قد امرت بعمل و وعدت عليه أجرا، فأوف عملك و استوف أجرك، و لا تكن في هذه الدّنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتّى سمنت فكان حتفها عند سمنها، و لكن اجعل الدّنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها و تركتها و لم ترجع إليها آخر الدّهر أخربها و لا تعمرها فانّك لم تؤمر بعمارتها و اعلم أنّك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي اللّه عزّ و جلّ عن أربع: شبابك فيما أبليته، و عمرك فيما أفنيته، و مالك ممّا اكتسبته، و فيما أنفقته فتأهّب لذلك و أعدّ له‏ جوابا، و لا تأس على ما فاتك من الدّنيا فانّ قليل الدّنيا لا يدوم بقاؤه، و كثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك و جد في أمرك، و اكشف الغطاء عن وجهك و تعرض لمعروف ربّك، و جدّد التّوبة في قلبك، و اكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك، و يقضى قضاؤك، و يحال بينك و بين ما تريد (فانّها عند ذوى العقول كفى‏ء الظلّ بينا تراه سابغا حتّى قلص و زايدا حتّى نقص) تخصيص ذوي العقول بالذكر من أجل أنّهم هم الذين عبروا بقدمي الذكر و الفكر عن قشر الوجود الظلماني الفاني إلى لبّ الوجود الرّوحاني النّوراني الباقي فشاهدوا بعيون البصاير و نواظر الضّماير سرعة زوال الدّنيا و انقضائها، و عرفوا أنّ بقائها عين حدوثها و تجدّدها و وجودها نفس زوالها و فنائها، و أمّا غيرهم فانهّم عن الذّكر لمعزولون، و ما هم مهتدون إن هم إلّا كالأنعام بل أضلّ سبيلا، هذا و تشبيه الدّنيا بفى‏ء الظلّ من التشبيهات السّائرة في الأشعار و الأخبار قال الباقر عليه السّلام لجابر الجعفي: يا جابر أنزل الدّنيا منك كمنزل نزلته تريد التّحوّل عنه، و هل الدّنيا إلّا دابة ركبتها في منامك فاستيقظت و أنت على فراشك غير راكب، و لا أحد يعبأ بها، أو كثوب لبسته أو كجارية وطئتها، يا جابر الدّنيا عند ذوي الألباب كفي‏ء الظلال و عن العيون، عن البيهقي، عن الصّولى، عن محمّد بن يحيى بن أبي عباد، عن عمّه قال: سمعت الرّضا عليه التّحية و الثّناء يوما ينشد شعرا

كلّنا نأمل مدّا في الأجل
و المنايا هنّ آفات الأمل‏

لا يغرّنّك أباطيل المنى‏
و الزم القصد و دع عنك العلل‏

إنّما الدّنيا كظلّ زايل
حلّ فيه راكب ثمّ رحل‏

و لبعضهم:

ألا إنّما الدّنيا كظلّ غمامة
أظلّت يسيرا ثمّ حفّت فولّت‏

و قال آخر:

ألا إنّما الدّنيا كظلّ سحابة
أظلّتك يوما ثمّ عنك اضمحلّت‏

فلاتك فرحانا بها حين أقبلت‏
و لا تك جزعانا بها حين ولّت‏

الترجمة

از جمله خطب شريفه آن حضرت است در مقام تنفير از دنيا و ترغيب در آخرت مى ‏فرمايد كه: بدانيد و آگاه باشيد كه دنيا سرائيست كه سلامت مانده نمى‏ شود از آن مگر در آن، و خلاصى يافته نمى‏ شود بچيزى كه باشد از براى آن، امتحان شده ‏اند مردمان با او امتحان شدنى، پس آنچه كه گرفته ‏اند از براى دنيا بيرون كرده مي شوند از آن بصد رنج و عنا، و حساب كرده مي شوند بر آن در روز جزا، و آنچه كه گرفته آنرا از دنيا از براى غير دنيا يعنى از براى نجاة عقبا، مى ‏آيند بر او و مى‏ ايستند در او يعنى ثواب آنرا در مى ‏يابند و بجزاى آن نايل مي شوند بدرستى دنيا در نزد صاحبان عقل و شعور مانند سايه‏ ايست در اين اثنا كه مى‏ بينى آنرا شايع و منتشر حتى آنكه بر چيده مى‏ شود در اين كه زايد و تمامست، تا اين كه ناقص مى‏ شود يعنى دنيا در نظر مردم ثبات و دوام دارد لكن اگر تأمل و فكر درست بكنى در معرض زوال و فنا است.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 61 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 62 صبحی صالح

62- و من كلام له ( عليه‏ السلام  ) لما خوف من الغيلة

وَ إِنَّ عَلَيَّ مِنَ اللَّهِ جُنَّةً حَصِينَةً

فَإِذَا جَاءَ يَوْمِي انْفَرَجَتْ عَنِّي وَ أَسْلَمَتْنِي

فَحِينَئِذٍ لَا يَطِيشُ السَّهْمُ

وَ لَا يَبْرَأُ الْكَلْمُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من كلام له عليه السلام لما خوف من الغيلة و هو الحادى و الستون من المختار في باب الخطاب

و إنّ عليّ من اللّه جنّة حصينة، فإذا جاء يومي انفرجت عنّي و أسلمتني فحينئذ لا يطيش السّهم، و لا يبرء الكلم.

اللغة

(الغيلة) بالكسر فعلة من الاغتيال و هو القتل على غفلة و (الجنّة) بضّم الجيم ما يجنّ به اى يستتر من درع و ترس و نحوهما و (طاش) السّهم يطيش من باب ضرب صدف عن الغرض و انحرف عنه و (الكلم) بفتح الكاف و سكون اللّام الجرح.

الاعراب

علىّ خبر إنّ قدّم على الاسم توسّعا و على لاستعلاء المعنوى، و من اللّه متعلّق بمقدّر حال من فاعل حصينة و تقدّمه للتّوسع أيضا.

المعنى

روى أنّه عليه السّلام خوف من غيلة ابن ملجم لعنه اللّه مرارا و أنّ الأشعث لقاه‏ متقلّدا سيفه فقال له، ما يقلّدك السّيف و ليس بأوان حرب فقال لعنه اللّه: أردت أن أنحربه جزور القرية، فأتى الأشعث إليه عليه السّلام فأخبره و قال قد عرفت ابن ملجم و فتكه فقال ما قتلني بعد.

و روى أنّه عليه السّلام: كان يخطب مرّة و يذكر أصحابه و ابن ملجم تلقاء المنبر فسمعه يقول: و اللّه لاريحنّهم منك، فلما انصرف عليه السّلام أتوابه ملبّبا فأشرف عليهم، و قال ما تريدون، فخبروه بما سمعوا عنه، فقال فما قتلنى بعد خلّوا عنه (و إنّ علىّ من اللّه جنّة حصينة) استعار الجنّة لعناية اللّه سبحانه بحفظ أسباب حياته في المدة الممكنة له في القضاء الالهي، و الجامع أنّ الجنّة كما أنّها حافظة للانسان عن آلام السّهام و نحوها، فكذلك بقاء أسباب الحياة و ثبات مادّتها حافظان له عن سهام الموت فحسن استعارتها لها و ذكر الحصينة ترشيح للاستعارة (فاذا جاء يومي) الذي قدّر فيه موتى (انفرجت) تلك الجنّة (عنّي و أسلمتني) للموت و كنّى بانفراجها عن انعدام بعض أسباب الحياة في حقّه، و هو ترشيح آخر للاستعارة المذكورة (فحينئذ لا يطيش السّهم) كما قال في الدّيوان المنسوب إليه.

  للموت فينا سهام غير خاطئة
إن فاته اليوم سهم لم يفته غدا

(و لا يبرء الكلم) و في معنى هذا الكلام قال عليه الصّلاة و السّلام في الدّيوان:

أىّ يومىّ من الموت أفرّ
يوم ما قدّر أو يوم قدر

يوم ما قدّر لم أخش الرّدى‏
و إذا قدّر لا يغنى الحذر

أقول: و في هذا الكلام إشعار بأنّ للانسان أجلا موقوتا و أمدا ممدودا إذا أدركه يبطل حياته، و إلى ذلك ذهب جماعة، و استدلّوا عليه بقوله سبحانه: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا: و قال أيضا: وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ.

و بأنّ المقدّرات في الأزل و المكتوبات في اللّوح المحفوظ لا تتغيّر بالزّيادة و النّقصان، لاستحالة خلاف معلوم اللّه، و قد سبق العلم بوجود كلّ ممكن أراد وجوده و بعدم كلّ ممكن أراد عدمه الأزلى أو إعدامه بعد ايجاده، فكيف يمكن الحكم بزيادة العمر أو نقصانه بسبب من الاسباب.

و ذهب آخرون إلى قبوله الزّيادة و النّقصان مستدلّين بقوله: «وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ» و بالأخبار الكثيرة الدّالّة على أنّ صلة الرّحم توجب الزّيادة في العمر و القطيعة توجب النّقصان، و كذلك البرّ و العقوق هذا.

و التّحقيق في المقام هو التّفصيل بما يجمع به بين الأدلّتين، و توضيحه يحتاج إلى تمهيد مقدّمة، و هو أنّ المستفاد من بعض الآيات و الأخبار هو أنّ الأجل على قسمين محتوم، و موقوف، قال سبحانه في سورة نوح: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اتَّقُوهُ وَ أَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ.

قال المفسّرون: الأجل المسمّى هو الأمد الأقصى الذي قدّر اللّه لهم بشرط الايمان و الطاعة و راء ما قدّره لهم على تقدير بقائهم على الكفر و العصيان، فانّ وصف الأجل بالمسمّى و تعليق تأخيرهم إليه بالايمان صريح في أنّ لهم أجلا آخر لا يجاوزونه إن لم يؤمنوا، و هو المراد بقوله: «إنّ أجل اللّه إذا جاء لا يؤخّر» أى ما قدّر لكم على تقدير بقائكم على الكفر إذا جاء و أنتم على ما أنتم عليه من الكفر و العصيان لا يؤخّر، فبادروا إلى الايمان و الطاعة قبل مجيئه حتّى لا يتحقّق شرطه الذي هو البقاء على الكفر، فلا يجي‏ء و يتحقّق شرط التّاخير إلى الأجل المسمّى فتأخّروا إليه.

و في الكافي باسناده عن حمران عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ:

 قَضى‏ أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ.

قال هما أجلان: أجل محتوم، و أجل موقوف.

و عن عليّ بن إبراهيم باسناده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في تفسير هذه الآية، قال: الأجل المقتضى هو المحتوم الذي قضاه و حتمه، و المسمّى هو الذي فيه البداء، و يقدّم ما يشاء و يؤخّر ما يشاء، و المحتوم ليس فيه تقديم و لا تأخير.

إذا عرفت هذه المقدّمة ظهر لك أنّ من الأجل قسما قابلا للتّغيير و قسما ليس قابلا له، و عليه فاللّازم حمل الأدلّة الاولة الدّالة على عدم التّغير في الآجال بالتقدّم و التّأخرّ على الأجل المحتوم، و حمل الأدلة الثّانية على الأجل الموقوف القابل للتغيّر بحصول شروط الزّيادة و أسبابها و عدمه، و على ذلك فان كان مراد القائلين بثبوت التّغير و القائلين بعدمه هو ما ذكرناه فلا مشاحة بيننا و بينهم و يصير نزاع أحدهما مع الآخر أيضا على ذلك لفظيّا، و إن أرادوا ثبوت التّغير في مطلق الآجال و عدمه كذلك فالمنع على القولين واضح.

ثمّ لا يذهب عليك أنّ وجود التّغير في الأجل الموقوف حسبما ذكرنا لا يوجب التّغيّر في علمه سبحانه حسبما يزعمه القائلون بالقول الأوّل، و ذلك لأنّه سبحانه كما علم كمّية العمر علم ارتباطه بسببه المخصوص، و كما علم من زيد دخول الجنّة علم ارتباطه بأسبابه المخصوصة من ايجاده، و خلق العقل له و بعث الأنبياء و نسب الألطاف و حسن الاختيار و العمل بموجب الشّرع، و علم أيضا حصول تلك الاسباب في الخارج المحصّلة لوجود المسبّب، و بالجملة جميع ما يحدث في العالم فهو معلوم للّه سبحانه على ما هو واقع عليه من شرط أو سبب.

توضيح ذلك أنّ اللّه سبحانه قد خلق لوحا و سمّاه لوح المحو و الاثبات قد كتب فيه الآجال و الأرزاق و جميع ما يكون في عالم الكون معلّقا على الأسباب و الشرائط و هو الذي يقع في المحو و الاثبات و التّغيير و البداء، مثلا كتب أنّ عمر زيد عشر سنين إن لم يصل رحمه، و عشرون إن وصل، و أنّه إن أدّى الزّكاة يحصل له‏ البركة في ماله و إن لم يؤدّه لم يحصل، و كذلك جميع الكاينات فهذا اللّوح الذي ابدع فيه صور الموجودات على الوجه القابل للتّغيير، و خلق لوحا آخر أبدع فيه صور الموجودات و جميع الأشياء مفصّلة معقولة محفوظة عن التّغيّر و هو المسمّى بامّ الكتاب المشار إليه في قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ و قد كتب اللّه فيه الكاينات على ما علمه في الأزل و يسمّى ذلك بالعلم الملزم لا تغيّر فيه و لا تبدّل بوجه من الوجوه، لأنّ علمه بالاسباب و المسبّبات على نهج واحد، و قد علم وقوع الاسباب و عدم وقوعها و أنّ زيدا يصل رحمه فيكون عمره كذا، أو لا يصل رحمه فيكون كذا و قد علم في الازل أحد الطرفين فكتبه في اللوح المحفوظ، و هذا هو المشار إليه في الاخبار بقولهم: جفّ القلم بما هو كائن، يعنى أنّه كتب فيه ما هو كائن إلى يوم القيامة فلن يكتب بعده أبدا إذ لم يبق شي‏ء حتّى يكتب.

نعم يبقى الكلام في فايدة لوح المحو و الاثبات و تغيير الكاينات و صفاتها فيه مع وجود اللّوح المحفوظ، و لا حاجة لنا إلى البحث في ذلك الآن و إنّما الواجب التّسليم و الاذعان بعد دلالة نصّ الأخبار عليهما و القرآن، و اللّه العالم الخبير بأسرار عالم الامكان.

الترجمة

از جمله كلام آن امام عالى مقامست در وقتى كه ترسانيدند او را از كشتن ابن ملجم ملعون غفلت مى‏فرمايد كه: بدرستى بر من است از جانب خداوند سپرى محكم كه عبارتست از بقاء اسباب حياة تا روز فوت، پس هر گاه بيايد روز مرگ من وا شود آن سپر از من و باز گذارد مرا بدست مرگ، پس اين هنگام خطا نمى‏كند تير موت و البّته بر نشانه بدن واقع مى‏شود، و خوب نشود أثر جراحت و روى بصحت نگذارد.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 60 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 61 صبحی صالح

61- و قال ( عليه ‏السلام  )

لَا تُقَاتِلُوا الْخَوَارِجَ بَعْدِي

فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ

كَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ

قال الشريف يعني معاوية و أصحابه

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و قال عليه السلام و هو الستون من المختار فى باب الخطب

لا تقتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحقّ فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه. قال السّيد: يعنى معاوية و أصحابه.

اللغة

المراد (بالحقّ و الباطل) هنا كلّما هو مطلوب للّه سبحانه و مبغوض له.

الاعراب

الفاء في الموارد الثلاثة للسّببيّة إلّا أنّها في الأوّل بمعنى لام السّببيّة دون الأخيرين بل هى فيهما للسّبب و العطف.

و توضيحه يظهر ممّا حقّقه نجم الأئمة الرّضي حيث قال: و الفاء التي لغير العطف أيضا لا نخلو من معنى التّرتيب، و هى التي تسمّى فاء السّببيّة و يختصّ بالجمل و تدخل ما هو جزاء مع تقدّم كلمة الشّرط، نحو إن لقيته فأكرمه، و من جاءك فأعطه، و بدونها، نحو زيد فاضل فاكرمه إلى أن قال: و كثيرا ما يكون فاء السّببية بمعنى لام السببيّة، و ذلك إذا كان ما بعده سببا لما قبله كقوله تعالى: قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ.

و تقول اكرم زيدا فانه فاضل فهذه تدخل على ما هو الشّرط في المعنى كما أنّ الاولى دخلت على ما هو الجزاء في المعنى، و ذلك إنّك تقول: زيد فاضل فاكرمه فهذا دخل على الجزاء فاذا عكست الكلام فقلت أكرمه فانّه فاضل فقد دخل على ما هو شرط، ثمّ اعلم أنّه لا تنافي بين السببية و العاطفة، فقد تكون سببيّة و هى مع ذلك‏ عاطفة جملة على جملة، نحو يقوم زيد فيغضب عمرو، لكن لا يلازمها العطف نحو إن لقيته فاكرمه، انتهى كلامه رفع مقامه.

المعنى

اعلم أنّه عليه السّلام نهى عن قتل الخوارج بعده مشيرا إلى علّة النّهى بقوله (لا تقتلوا الخوارج بعدى) فانّه (ليس من طلب الحقّ فأخطاه كمن طلب الباطل فأدركه) و محصّل التّعليل أنّ استحقاق القتل إنّما هو بطلب الباطل و الوقوع فيه عن علم و عمد لا مجرد الوقوع في الباطل و لو من حيث لا يشعر، و الخوارج لمّا لم يكن مقصودهم بالذّات إلّادرك الحقّ فخطئوا فيه و وقعوا في الباطل من حيث لا يشعرون لا جرم نهى عن قتله، و أمّا معاوية و أصحابه فلما كان مطلوبهم بالذّات هو الباطل و محق الحقّ لم يمنع عليه السّلام عن قتلهم بل أمر به فيما سبق من كلامه بقوله: أما أنّه سيظر عليكم من بعدى رجل رحب البلعوم إلى قوله: فاقتلوه و لن تقتلوه آه.

أمّا أنّ الخوارج كان مقصودهم بالذّات هو الحقّ و وقوعهم في الباطل كان بالعرض، فلما عرفت من حالهم في شرح الخطبة السّادسة و الثلاثين و أنّهم كانوا أهل عبادة و زهادة حتّى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال في حقهم: يخرج قوم من امتّي يقرءون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشي‏ء، و لا صلاتكم إلى صلاتهم بشي‏ء و لا صومكم إلى صومهم بشي‏ء، إلّا أنّهم بالغوا في التّحرّى و شدّة الطلب للحقّ حتّى تجاوزوا عن فضيلة العدل فيه إلى رذيلة الافراط، و زعموا أنّهم كفروا بالتحكيم، و زعموا كفر أمير المؤمنين بذلك أيضا فوقعوا في الباطل و مرقوا من الدّين.

و أما أنّ مقصود معاوية كان بالذّات هو الباطل و هكذا أصحابه فلما عرفت في شرح الخطبة الخامسة و العشرين و غيرها و ستعرف بعد ذلك أيضا أنّه كان أهل زندقة و الحادوذا تعرّض لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و محاربا لأمير المؤمنين عليه السّلام و سابّا له و لاعنا في الجمعة و الأعياد، و كانت أحواله كلّها مؤدية بانسلاخه عن العدالة و اصراره على الباطل عليه لعنة اللّه و لعنة اللّاعنين من الملائكة و الانس و الجنّ أجمعين ملّا السّماوات و الأرضين.

فان قلت: إذا كان علّة المنع من قتل الخوارج بعده هو عدم كونهم بالذّات طالبين للباطل، فهذه العلّة بعينها كانت موجودة في زمانه فلم قاتلهم و قتلهم قلت: أجاب الشّارح البحراني بأنّه نهى عن قتلهم على تقدير لزوم كل منهم نفسه و اشتغالهم بها و استتارهم في بيوتهم، و هو إنّما قتلهم من حيث إنّهم أفسدوا في الأرض و سفكوا الدّم الحرام و قتلوا جماعة من الصّالحين كعبد اللّه بن خباب، و شقوا بطن امرأته و دعوا النّاس إلى بدعتهم، و مع ذلك كان يقول لأصحابه: لا تبدءوهم بالقتال حتّى يبدؤكم، و لم يشرع في قتلهم حتّى بدءوا بقتل جماعة من أصحابه.

قال: و يحتمل أن يقال: إنّه إنّما قتلهم لأنّه إمام عادل رأى الحقّ في ذلك و إنّما نهى عن قتلهم بعده لأنّه علم أنّه لا يلي هذا الأمر بعده من له بحكم الشريعة أن يقتل و يتولّى الحدود.

أقول: و التّحقيق في الجواب ما ذكره في البحار تبعا للشّارح المعتزلي حيث قال: لعلّ المراد لا تقتلوا الخوارج بعدى ما دام ملك معاوية و أضرابه كما يظهر من التّعليل، و قد كان يسبّه عليه السّلام و يبرء منه في الجمع و الأعياد و لم يكن إنكاره للحقّ عن شبهة كالخوارج، و لم يظهر منهم من الفسوق ما ظهر منه و لم يكن مجتهدا في العبادة و حفظ قوانين الشّرع مثلهم، فكان أولى بالجهاد، انتهى.

و يدلّ على ذلك ما رواه أبو العباس المبرّد قال: و خرج من الخوارج على معاوية بعد قتل عليّ حوثرة الأسدى و حابس الطائي خرجا في جمعهما فصارا إلى موضع أصحاب النّخيلة و معاوية يومئذ بالكوفة و قد دخلها في عام الجماعة، و وفد الحسن بن عليّ و خرج يزيد المدينة فوجه إليه معاوية و قد تجاوز في طريقه يسأله أن يكون المتولي لمحاربة الخوارج فكان جواب الحسن: و اللّه لقد كففت عنك لحقن دماء المسلمين«» و ذاك يسعني، أفا قاتل عنك قوما أنت و اللّه أولى بالقتل منهم‏ و هذا الجواب مطابق لكلام أبيه عليه السّلام، و المقصود منهما أنّ الخوارج أعذر من معاوية و أقلّ ضلالا و معاوية أولى بالمحاربة منهم.

الترجمة

و فرموده است آن حضرك در شأن خوارج كه: نكشيد خارجيان را بعد از من، پس نيست كسى كه طلب كند حق را پس خطا كند در آن مثل كسى كه طلب كند باطل را پس دريابد آنرا، سيد رضى اللّه عنه گفته كه اراده فرموده حضرت بطالب باطل معاويه عليه الهاويه و أصحاب او را.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»