نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 59 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 60 صبحی صالح

60- و من كتاب له ( عليه ‏السلام  ) إلى العمال الذين يطأ الجيش عملهم‏

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَنْ مَرَّ بِهِ الْجَيْشُ مِنْ جُبَاةِ الْخَرَاجِ وَ عُمَّالِ الْبِلَادِ

 أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ سَيَّرْتُ جُنُوداً هِيَ مَارَّةٌ بِكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ قَدْ أَوْصَيْتُهُمْ بِمَا يَجِبُ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ كَفِّ الْأَذَى وَ صَرْفِ الشَّذَا وَ أَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ وَ إِلَى ذِمَّتِكُمْ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ إِلَّا مِنْ جَوْعَةِ الْمُضْطَرِّ لَا يَجِدُ عَنْهَا مَذْهَباً إِلَى شِبَعِهِ

فَنَكِّلُوا مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُمْ شَيْئاً ظُلْماً عَنْ ظُلْمِهِمْ وَ كُفُّوا أَيْدِيَ سُفَهَائِكُمْ عَنْ مُضَارَّتِهِمْ وَ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيمَا اسْتَثْنَيْنَاهُ مِنْهُمْ

وَ أَنَا بَيْنَ أَظْهُرِ الْجَيْشِ فَارْفَعُوا إِلَيَّ مَظَالِمَكُمْ وَ مَا عَرَاكُمْ مِمَّا يَغْلِبُكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَا لَا تُطِيقُونَ دَفْعَهُ إِلَّا بِاللَّهِ وَ بِي فَأَنَا أُغَيِّرُهُ بِمَعُونَةِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار التاسع و الخمسون‏ و من كتاب له عليه السلام الى العمال الذين يطأ الجيش عملهم [عملهم الجيوش‏] من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من مر به الجيش من جباة الخراج و عمال البلاد:

أما بعد، فإني قد سيرت جنودا هي مارة بكم إن شاء الله، و قد أوصيتهم بما يجب لله عليهم من كف الأذي و صرف الشذى، و أنا أبرء إليكم و إلى ذمتكم من معرة الجيش إلا من جوعة المضطر لا يجد عنها مذهبا إلى شبعه، فنكلوا من [بمن‏] تناول منهم [شيئا] ظلما عن ظلمهم، و كفوا أيدى سفهائكم عن مضارتهم و التعرض لهم فيما استثنيناه منهم و أنا بين أظهر الجيش فارفعوا إلى مظالمكم و ما عراكم مما يغلبكم من أمرهم، و لا تطيقون دفعه إلا بالله و بي [فأنا] أغيره بمعونة الله إن شاء [الله‏].

اللغة

(الجباة): جمع جابي: الذين يجمعون الخراج، جبيت الماء في الحوض،أى جمعته، (الشذى): الضرب و الشر، لقد أشذيت و آذيت، (المعرة): المضرة عره معرة أى ساءه، (جوعة): مرة من جاع، (نكلوا) أى عاقبوا، خوفوا جبنوا، نكل ينكل بالضم: جبن، (عراه) الأمر: غشيه.

الاعراب‏

من جباة الخراج: لفظة من بيانية، هى مارة بكم: جملة اسمية، صفة للجنود أو حال عنه، عنها: ظرف مستقر مفعول ثان لقوله «لا يجد» و مذهبا مفعوله الأول اخر عنه و «إلى شعبه» متعلق بقوله «مذهبا»، ظلما: عطف بيان قوله شيئا.

المعنى‏

هذا بلاغ رسمي صدر منه عليه السلام يهدف إلى حفظ الأمن و النظام في البلاد الواقعة على مسير الجنود الواجفة إلى جبهة الحرب، و الظاهر منه أنه عليه السلام يسير مع الجنود و له زحفان معها للجنود:

1- من المدينة إلى الكوفة إلى البصرة في حرب الجمل.

2- من الكوفة إلى الشام في حرب صفين.

فمن المقصود بقوله عليه السلام‏ (من مر به الجيش)؟ و هل يمكن أن يكون المخاطب به كل أحد من جباة الخراج و العمال‏ الشامل لأهل الذمة ففوض أمر محاكمة من ظلم من الجيش إلى كل فرد و فوض إليه مجازاته و عقوبته فكيف يستقيم ذلك؟ و هل ينتج إلا الهرج و المرج و الشغب؟! فلا بد و أن يكون المخاطب عموم أهل كل بلد على نحو الواجب الكفائي و يحتاج إجراء هذا الأمر إلى لجنة مركبة من أعضاء ينتدبون لإجراء مثل هذه الامور عن قبل كل أهل البلد البالغين الواجدين لشرائط الانتخاب و الانتداب و هى المعبر عنه بلجان الايالات و الولايات المنظورة في تشكيلات الدول الراقية لبسط الديموقراطية السامية.

فكتابه عليه السلام هذا ينظر إلى تشريع هذا النظم الهام الديموقراطي، و قد صرح عليه السلام بتفويض الاختيارات في محاكمة الجندي المتعدي و مجازاته و هى‏ شعبة هامة من دائرة العدلية في التشكيلات المدنية الراقية، و لا بد من اقتدار هذه اللجان على إجراء اصول المحاكمات و تنفيذ المجازات بوجدان الرجال الاخصائيين في هذه المسائل الهامة، و يشعر بجواز تصدي أهل الكتاب الذميين لذلك إذا كان عمال بلد منهم خاصة أو مساهمين مع المسلمين لأن خطابه عليه السلام يشملهم لقوله:(و أنا أبرأ إليكم و إلى ذمتكم).

قال الشارح المعتزلي «ص 147 ج 17»: و إلى ذمتكم‏، أى اليهود و النصارى الذين بينكم، قال عليه السلام «من آذى ذميا فكأنما آذاني» و قال: إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا، و أموالهم كأموالنا، و يسمى هؤلاء ذمة، أى أهل ذمة بحذف المضاف.

و قد استثنى‏ من معرة الجيش‏ و ضرره بالناس مادة واحدة عن العقوبة و هى مورد الاضطرار لسد الجوعة و حفظ النفس عن التلف فيجوز له أخذ ما يأكله إلى حد الشبع و لكن الظاهر ضمانه لقيمة ما يأخذه اضطرارا لأن الاضطرار يسقط الحرمة و العقوبة لا الضمان كما هو مقرر في الفقه.

قال ابن ميثم «ص 199 ج 5»: و تقدير الكلام: فإني‏ أبرء إليكم من معرة الجيش إلا من معرة جوعة المضطر منهم، فأقام المضاف إليه مقام المضاف أو أطلقه مجازا إطلاقا لاسم السبب على المسبب.

أقول: و هل يجوز معرتهم للاضطرار في غير مورد الجوعة كما إذا اضطروا إلى قطع الأشجار للبنايات الضرورية للجيش أو الاسكان في البيوت للاضطرار إلى توقي الحر و البرد و غير ذلك؟ يشعر إضافة الجوعة إلى المضطر بالعموم و يؤيده قاعدة الاضطرار المأخوذة من حديث الرفع المشهور «رفع عن امتي تسعة» و عد منها ما اضطروا إليه.

الترجمة

از نامه ‏اى كه به كارگران و كارمندان شهرهاى سر راه قشون نگاشته است:

از طرف بنده خدا علي أمير مؤمنين بهر كس لشكر بدو گذرد از كارمندان‏ جمع ماليات و خراج و از كارگران و كاركنان همه شهرستانها.

أما بعد، براستى كه من لشكرهائى گسيل داشتم كه بخواست خدا بر شما گذر خواهند كرد، من سفارش آنچه را خدا بر آنها واجب كرده است نموده ‏ام كه خود را از آزار و رنج دادن مردم نگه دارند، من پيش شما مسلمانان و در برابر هر كه در پناه دارم از ديگران بيزار و بري هستم از زيانكاريهاى لشكريانم مگر گرسنه‏اى از راه ناچارى براى رفع گرسنگى از مال كسى بهره گيرد و راه ديگرى براى رفع نياز خود نداشته باشد، شما هر كه را كه چيزى بستم از آنان بر گرفت خود او را بسزا برسانيد و از ستمش بازداريد.

و دست كم خردان شهرستان خود را از زيان رساندن بلشكر و در آويختن با آنان جز در موردى كه استثناء كردم كوتاه سازيد، و من خود بهمراه لشكرم و هر ستم و ناگوارى از آنها بشما رخ داد و بر شما چيره شدند و چاره آنرا جز بكمك خداوندى نتوانيد بخود من مراجعه كنيد و من بكمك خداوند و خواست خدا آنرا چاره كنم و نگون گردانم.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 58 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 59 صبحی صالح

59- و من كتاب له ( عليه‏ السلام  ) إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان‏

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذَلِكَ كَثِيراً مِنَ الْعَدْلِ فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ

فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ وَ ابْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكَ رَاجِياً ثَوَابَهُ وَ مُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ

وَ اعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلَّا كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ

وَ أَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ الْحَقِّ شَيْ‏ءٌ أَبَداً وَ مِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ وَ الِاحْتِسَابُ عَلَى الرَّعِيَّةِ بِجُهْدِكَ فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ وَ السَّلَامُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الثامن و الخمسون‏ و من كتاب له عليه السلام الى الاسود بن قطيبة صاحب جند حلوان

‏ أما بعد، فإن الوالي إذا اختلف هواه منعه ذلك كثيرا من العدل فليكن أمر الناس عندك في الحق سواء، فإنه ليس في الجور عوض من العدل، فأجتنب ما تنكر أمثاله، و ابتذل نفسك فيما افترض الله عليك، راجيا ثوابه، و متخوفا عقابه. و اعلم أن الدنيا دار بلية لم يفرغ صاحبها فيها قط ساعة إلا كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة، و أنه لن يغنيك عن الحق شي‏ء أبدا، و من الحق عليك حفظ نفسك، و الاحتساب على الرعية بجهدك، فإن الذي يصل إليك من ذلك أفضل من الذي يصل بك، و السلام.

اللغة

(اختلف) من موضع إلى موضع: تردد، و منه الحديث «من اختلف إلى المساجد أصاب إحدى الثمان» و مثله «كنت أختلف إلى ابن أبي ليلى في مواريث لنا»، (سواء) قال في المغني: تكون بمعنى مستو، (الجور): الميل عن الحق و هو خلاف العدل، (قط): من أسماء الأفعال بمعنى انته و كثيرا ما تصدر بالفاء مجمع البحرين-.

الاعراب‏

كثيرا: مفعول مطلق لقوله «منعه» بحذف الموصوف أى منعا كثيرا أو مفعول له لمنعه، و من العدل متعلق به، سواء: خبر فليكن، عندك: ظرف متعلق بسواء، في الحق: جار و مجرور متعلق بقوله «سواء»، في الجور: ظرف مستقر خبر ليس قدم على اسمه و هو عوض و «من العدل» جار و مجرور متعلق بقوله «عوض»، فيها: متعلق بقوله «لم يفرغ»، ساعة: مفعول فيه، فرغة: مصدر للمرة، حفظ نفسك: مبتدأ مؤخر لقوله «و من الحق» و هو ظرف مستقر، و عليك متعلق بقوله «الحق»، الباء في بك للالصاق.

المعنى‏

قال الشارح المعتزلي «ص 145 ج 17 ط مصر»: لم أقف إلى الان على نسب‏ الأسود بن قطبة، و قرأت في كثير من النسخ أنه حارثي من الحارث بن كعب، و لم أتحقق ذلك، و الذي يغلب على ظني أنه الأسود بن زيد بن قطبة بن غنم الانصاري من بني عبيد بن عدي، ذكره أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب، و قال: ان موسى بن عقبة عده ممن شهد بدرا.

أقول: حلوان‏ بلد ربما يعد من البلدان العظيمة المحصنة لحكومة فارس في الدولة الساسانية بعد مدائن التي كانت عاصمة تلك الدولة الكبرى في عصرها واقع جنوب مدائن مما يقرب من أربعة مراحل، و قد تحصن فيه يزدجرد الثالث بعد هزيمته من مدائن و سقوطها في أيدى المسلمين و عسكر هناك لسد هجوم جيش الاسلام و وقع بين الفريقين حروب هائلة انتهت بسقوط حلوان في أيدى المسلمين و بخراب هذه البلدة العظيمة.

و الظاهر أنه صار معسكرا لجنود الاسلام إلى أيام زعامة أمير المؤمنين عليه السلام و كان سياسة الزعماء الماضين التي بناها عمر الإهانة و الخشونة مع غير المسلمين العرب و إن كانوا مسلمين و احتقارهم و النظر إليهم كعبيد و إماء، و كان من مهمة حكومته عليه السلام تغيير هذه السياسة العمرية و الإرفاق بعموم الناس تشويقا لهم إلى قبول‏ الاسلام و إجراء للعدالة بين الأنام.

و قد أقدم على هذه السنة النبوية من طرق شتى:

منها: تقريب الموالي و المسلمة من غير العرب و تسويتهم في العطايا مع العرب حتى المهاجرين منهم و الأنصار.

و منها: إظهار اعتماده عليهم و تفويض المناصب إليهم بقدر لياقتهم، ففوض حجابته و هي من أهم المناصب حينئذ إلى قنبر و هو المخلص له عليه السلام و المعتمد عنده.

و روى صاحب منهج المقال بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا عليه السلام قال:

لما رأيت الأمر أمرا منكرا أو قدت ناري و دعوت قنبرا

و كفى بذلك شرفا لقنبر و دليلا على كمال عنايته عليه السلام به و اعتماده عليه.

و قد وصى عليه السلام‏ صاحب جند حلوان‏ الحاكم في أرض الامة الفارسية بأنه إذا تردد على‏ الوالي‏ الأهواء يمنعه من رعاية العدل كثيرا، و أغلب الأهواء المترددة على ذوى القدرة من العرب هو التعصب العربي و الترفع العنصري الذي نشأوا عليه في الجاهلية فأخمد لهيبه الاسلام في عهد النبي صلى الله عليه و آله ثم أحياه حكومة عرب و أسرة بني امية أهل النفوذ في حكومته في جميع البلاد الاسلامية و خصوصا في الشام و العراق التي تليها، فأمره برعاية التساوي في الحقوق بالنسبة إلى جميع‏ الناس‏ و نبه على أن‏ الجور على أي قبيل لا يقوى به الاسلام و لا يصير عوضا عن‏ العدل‏ كما زعمه العمريون بل الجور على غير العرب يوجب نفورهم عن الاسلام.

و أمره باجتناب‏ ما تنكره‏ و هو عرب بالنسبة إلى جميع الناس، و في قوله عليه السلام‏ (و ابتذل نفسك) إشارة ظاهرة على ترك الترفع العنصري أى اجعل‏ نفسك‏ كأحد من الناس لأداء ما فرضه‏ الله عليك‏.

و نبهه على‏ أن الدنيا دار امتحان و ابتلاء و اغتنام فرصة ساعة فيها للراحة و السرور يوجب‏ الحسرة و الأسف‏ يوم القيامة، و نبهه على أن وظيفة الوالي‏ أن‏ يحفظ نفسه أى يمنعها عن هواها و جاهها عن الأمر عليه حتى ينساها و يخلص همه و جهده لخدمة الرعية مسلمين كانوا أو ذميين و معاهدين معللا بأن ما يصل من رعاية الرعية من حسن الذكر و رفاه معيشة العامة في الدنيا و من المثوبة في الاخرة أفضل من الذي يصل به من الجهد و المثقة من ذلك.

قال الشارح المعتزلي في شرح هذه الجملة (فان الذي يصل إليك): من ثواب الاحتساب على‏ الرعية و حفظ نفسك‏ عن مظالمهم و الحيف عليهم‏ (أفضل من الذي يصل بك) من حراسة دمائهم و أعراضهم و أموالهم، و لا شبهة في ذلك.

و قال ابن ميثم في شرح الجملة «ص 191 ج 5 ط مؤسسة النصر»: و أراد أن‏ الذي يصل‏ إلى‏ نفسك‏ من الكمالات و الثواب اللازم عنها في الاخرة بسبب لزومك للأمرين المذكورين‏ أفضل‏ مما يصل‏ بعدلك و إحسانك إلى الخلق من النفع و دفع الضرر.

أقول: و هو يقرب مما ذكره الشارح المعتزلي و لا يخفى ضعف كلا التفسيرين على أهل النظر.

الترجمة

از نامه‏اى كه بأسود بن قطبة سرلشكر حلوان نگاشته:

أما بعد، براستى كه اگر هوسهاى فرمانگذار پياپى باشد او را بسيار از إجراى عدالت جلوگير گردد، بايد از پيروى هوس در گذرى و بهمه مردم در إجراى حق بيك چشم نگرى، زيرا كه در خلاف حق هيچ عوضى از عدالت وجود ندارد، بر كنار باش از آنچه كه مانند آن را نسبت بخود زشت و ناهنجار شمارى و خود را در انجام آنچه خدا بر تو فرض كرده و وظيفه تو دانسته خوار دار، باميد پاداش نيك او و از بيم شكنجه‏اش.

و بدانكه دنيا خانه آزمايش و بلا است، هرگز دنيادار ساعتى در آن بيكار و بر كنار از انجام وظيفه نيارامد جز آنكه در روز رستاخيز بر آن افسوس خورد و راستش اين است كه هيچ چيزى ترا از رعايت حق و درستى بى‏ نياز نسازد، و از! جمله حقوقى كه بر عهده تو است اين است كه خوددار باشى و نفس خود را مهار زنى و با همه كوشش خود بكارهاى رعايا بپردازى، زيرا آنچه از اين راه بتو عايد مى ‏شود بهتر است از آن رنج و تعب كه در إجراى حق و رعايت رعيت بتو مى‏ رسد.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 57 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 58 صبحی صالح

58- و من كتاب له ( عليه‏ السلام  ) كتبه إلى أهل الأمصار يقص فيه ما جرى بينه و بين أهل صفين‏

وَ كَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا وَ الْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَ الظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ وَ نَبِيَّنَا وَاحِدٌ وَ دَعْوَتَنَا فِي الْإِسْلَامِ وَاحِدَةٌ

وَ لَا نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَ التَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ وَ لَا يَسْتَزِيدُونَنَا الْأَمْرُ وَاحِدٌ إِلَّا مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَ نَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ

فَقُلْنَا تَعَالَوْا نُدَاوِ مَا لَا يُدْرَكُ الْيَوْمَ بِإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ وَ تَسْكِينِ الْعَامَّةِ حَتَّى يَشْتَدَّ الْأَمْرُ وَ يَسْتَجْمِعَ فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ الْحَقِّ مَوَاضِعَهُ فَقَالُوا بَلْ نُدَاوِيهِ بِالْمُكَابَرَةِ

فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ الْحَرْبُ وَ رَكَدَتْ وَ وَقَدَتْ نِيرَانُهَا وَ حَمِشَتْ فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا وَ إِيَّاهُمْ وَ وَضَعَتْ مَخَالِبَهَا فِينَا وَ فِيهِمْ أَجَابُوا عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِ

فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا وَ سَارَعْنَاهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا حَتَّى اسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ وَ انْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْمَعْذِرَةُ

فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنَ الْهَلَكَةِ وَ مَنْ لَجَّ وَ تَمَادَى فَهُوَ

الرَّاكِسُ الَّذِي رَانَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ وَ صَارَتْ دَائِرَةُ السَّوْءِ عَلَى رَأْسِهِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار السابع و الخمسون‏ كتبه الى أهل الامصار، يقص فيه ما جرى بينه و بين أهل صفين.

و كان بدء أمرنا أنا التقينا [و] القوم من أهل الشام، و الظاهر أن ربنا واحد، و نبينا واحد، و دعوتنا في الإسلام واحدة، و لا نستزيدهم في الإيمان بالله و التصديق برسوله و لا يستزيدوننا [و] الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان، و نحن منه براء

فقلنا: تعالوا نداو ما لا يدرك اليوم بإطفاء النائرة و تسكين العامة، حتى يشتد الأمر و يستجمع، فنقوى على وضع الحق في مواضعه، فقالوا: بل نداويه بالمكابرة، فأبوا حتى جنحت الحرب و ركدت، و وقدت نيرانها و حمست [حمشت‏]، فلما ضرستنا و إياهم، و وضعت مخالبها فينا و فيهم، أجابوا عند ذلك إلى الذي دعوناهم إليه، فأجبناهم إلى ما دعوا، و سارعناهم إلى ما طلبوا حتى استبانت عليهم الحجة، و انقطعت منهم المعذرة، فمن تم على ذلك منهم فهو الذي أنقذه الله من الهلكة، و من لج و تمادى فهو الراكس الذي ران الله [رين‏] على قلبه، و صارت دائرة السوء على رأسه.

اللغة

(بدء) الأمر: أوله و بدى‏ء بمعنى مبتدأ، (النائرة): فاعلة من النار، أى العداوة، (جنحت): أقبلت، (ركدت): ثبتت، (حمست): اشتدت، حمشت:

التهبت غضبا، (ضرست): عضتنا بأضراسها، يقال: ضر سهم الدهر أى اشتد عليهم، (المخالب) جمع مخلب و هو من الطير بمنزلة الظفر للانسان، (أنقذه):

خلصه، (التمادي) في الشي‏ء: الاقامة عليه و طلب الغاية منه، (الركس): رد الشي‏ء مقلوبا، (ران) غلب و غطى.

الاعراب‏

أنا: بالفتح مع اسمه و خبره تأول بالمصدر و خبر لقوله «بدء أمرنا»

القوم: بالرفع، قال ابن ميثم: عطف على الضمير في التقينا، و قال الشارح المعتزلي:

«التقينا و القوم» كما قال: قلت إذ أقبلت و زهر تهادى، و من لم يروها بالواو فقد استراح من التكلف.

أقول: الظاهر أن التكلف في العطف على الضمير المرفوع المتصل من دون إعادة المنفصل و مع حذف الواو ينصب القوم مفعولا، منه براء: تقول العرب: أنا براء و نحن براء، الذكر و الانثى و المفرد و الجمع فيه واحد، و تأويله ذو براء- مجمع البيان- و هو خبر نحن، نداو: مجزوم في جواب الأمر، اليوم: ظرف متعلق بقوله «نداو» كقوله باطفاء النائرة.

المعنى‏

قد تصدى عليه السلام في كتابه هذا إلى‏ بلاغ رسمي لعموم المسلمين في‏ الأمصار و البلاد الشاسعة يبين فيه ما آل إليه زحفه بالجيوش المسلمين إلى الشام لدفع بغي معاوية و صده عن الهجوم بالبلاد و تعرضه للعيث و الفساد، و أشار بقوله‏ (و الظاهر أن ربنا واحد) إلى مواد الموافقة بين‏ الفريقين المسلمين و الطائفتين اللتين اقتتلا.

و حصر مادة الخلاف في أمر واحد و هو دم عثمان‏ حيث إن مقاتلة أهل الشام‏ يتشبثون بمطالبته من أهل الكوفة و خصوصا من علي عليه السلام، و قد برأ عليه السلام كل المقاتلة الكوفيين‏ من دم عثمان‏ مع أن فيهم من ينسب إليه بجمع الجموع عليه كالأشتر النخعي- رحمه الله- أو المباشرة بالهجوم عليه في داره كعمار بن ياسر فحكمه عليه السلام بهذه البراءة العامة لوجهين:

1- أنه قتل حقا لا ظلما، لقيامه في زعامته على خلاف مصالح الامة الاسلامية و انحرافه عن سنن الشريعة، و نقضه للقوانين الثابتة في الكتاب و السنة، و إحداثه البدعة و الفتنة، و ليس على قاتله دية و لا قود، فكلهم براء من قتله، و لا يجوز مطالبتهم به، و قد ورد مطاعن عثمان في السير المتقنة بما لا مزيد عليها.

2- أن المباشر لقتل عثمان غير داخل في جيشه و غير معلوم عندهم، و القصاص‏ و الدية إنما يتعلقان بالمباشر و هو مفقود، فهم براء منه.

و قد بين عليه السلام اقتراحه لأهل الشام و هو ترك العداوة و الشحناء و الخصومة و اللجاج في الوقت الحاضر ليتحقق الوحدة الاسلامية و يسكن فورة نفوس العوام و ثورتهم التي أثارها معاوية بدهائه و خداعه، فاشتد الحكومة الاسلامية في ظل الوحدة و الوئام و تتجمع القوى في جميع الثغور و من كل الأنام لتداوي‏ ما لا يدرك‏، و ما هو ما لا يدرك‏؟

قد فسره الشارح المعتزلي بالتمكن من قتلة عثمان و القصاص منهم، فقال «ص 142 ج 17 ط مصر»:

قلنا لهم: تعالوا فلنطفئ هذه‏ النائرة الان بوضع الحرب إلى أن تتمهد قاعدتي في الخلافة و تزول هذه الشوائب التي تكدر على الأمر، و يكون للناس جماعة ترجع إليها، و بعد ذلك أتمكن من قتلة عثمان بأعيانهم فأقتص منهم.

أقول: و فيه نظر من وجهين:

1- أنه عليه السلام لا يدعو إلى معالجة قضية قتل عثمان بتعقيب قتلته، لأنه غرر بنفسه حتى قتل في غوغاء من المسلمين لا يدرى من قتله.

2- لا معنى للاقتصاص من جمع في قتل رجل واحد فانه لا يقتل قصاصا للواحد إلا واحدا إذا ثبت أنه قاتل وحده و لو اشترك جمع في قتل واحد لا يقتص منهم جميعا.

و قال ابن ميثم: و الباء في قوله‏ (بإطفاء النائرة) متعلق بقوله‏ (نداوي ما لا يدرك) أى ما لا يمكن تلا فيه بعد وقوع الحرب و لا يستدرك من القتل و هلاك المسلمين.

أقول: و له وجه، و الأوجه أن المقصود من «ما لا يدرك» الاتفاق العام و التام بين المسلمين في نشر الاسلام و بث دعايته، فانه لو لا خلاف معاوية معه لم يلبث الاسلام أعواما قلائل حتى يستولي على كل البلدان و يهتدي في ظل تعليماته العالية جميع بني الانسان، فان أكثر الخلق الذين بلغ إليهم تعليمات‏ الاسلام‏ و نشرت في بيئتهم إنما أسلموا طوعا لما أدركوا من أنه يهدي للتي أقوم هي لتربية الاسلام العليا و طريقته الوسطى.

فلو لا تسلط بني امية على الحكومة الاسلامية و تكديرهم قوانينه النيرة العادلة الكافلة لصلاح بني الانسان مادة و معنا لساد الاسلام في كافة البلدان و شملت هدايته جميع أبناء الانسان فينال البشر بالتقدم و الازدهار من القرون الاولى الاسلامية.

و لكن أجاب‏ أهل الشام‏ باغواء معاوية بما لخصه عليه السلام في قوله‏ (فقالوا:

بل نداويه بالمكابرة) أي طلب الكبر و السلطنة، فيعلم كل أحد أن هدف معاوية من القيام بطلب دم عثمان ليس إلا طلب الرياسة و التسلط على الأنام فأثار الحرب‏ الشعواء حتى دارت عليه الدائرة فتشبث بمكيدة عمرو بن العاص إلى دهاء اخرى و اعترف باقتراح علي عليه السلام.

فأجاب‏ إلى‏ ما دعاه‏ إليه‏ من الرجوع إلى حكم القرآن، و قال عليه السلام‏ (و سارعناهم إلى ما طلبوا)، قال المعتزلي في شرحه «ص 143 ج 17 ط مصر»:

كلمة فصيحة، و هى تعدية الفعل اللازم، كأنها لما كانت في معنى المسابقة و المسابقة متعدية عدي المسارعة.

أقول: و هذا ما عبر عنه ابن هشام في المغني بالتضمين و جاء له بشواهد كثيرة منها قول الشاعر:

هن الحرائر لا ربات أخمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسور

و قد علل عليه السلام إجابته إلى ذلك بايجاد محيط سالم يمكن فيه التفاهم و بيان الحجة على الحق فان المحيط الموبوء الحربي مثار التعصب و الغضب المانعين عن استماع دليل الخصم و التفاهم معه فلا يتم الحجة عليه خصوصا مع ما نشره معاوية فيهم من الأكاذيب و الاتهامات الفارغة فحتى‏ في كلامه عليه السلام للتعليل و ما بعدها في معنى المضارع و المقصود أن هدف الهدنة إتمام الحجة على من خدعهم معاوية و عمرو بن العاص من أهل الشام، و استنتج منه أن من انقاد لحكم القرآن‏ بعد ذلك أنقذه الله من الهلكة و العقاب‏ و من لج و تمادى‏ في غيه‏ فهو الراكس الذي ران الله على قلبه‏ و لم تنفع الحجة الواضحه له.

قال الشارح المعتزلي: قال قوم: الراكس‏ هنا بمعنى المركوس، فهو مقلوب فاعل بمعنى مفعول، كقوله تعالى «فهو في عيشة راضية 7- القارعة» أى مرضية، و عندي أن اللفظة على بابها، يعني أن‏ من لج‏ فقد ركس نفسه‏ فهو الراكس‏ و هو المركوس- إلى أن قال: و ران على قلبه‏ أى ران هو على قلبه كما قلنا في‏ الراكس‏، و لا يجوز أن يكون الفاعل و هو الله محذوفا، لأن الفاعل لا يحذف- انتهى.

و مما ذكرنا ظهر ضعف ما قاله ابن ميثم في قوله‏ (فمن تم على ذلك) أى على الرضا بالصلح و تحكيم كتاب الله و هم أكثر أهل الشام‏ و أكثر أصحابه عليه السلام و الذين لجوا في التمادي فهم الخوارج الذين لجوا في الحرب و اعتزلوه- إلخ.

و في كلامه وجوه من النظر:

1- كيف حكم أمير المؤمنين عليه السلام على أهل الشام بأنه أنقذهم‏ الله من الهلكة و ظاهر الهلكة العذاب الاخروي لا النجاة من الحرب و النيل بالحياة الدنيوية.

2- أن صدور هذا البلاغ كان بعد الهدنة و قبل تحكيم أمر الخوارج و ظهور خلافهم عليه كما هو الظاهر.

3- أن صريح قوله عليه السلام‏ «حتى استبانت عليهم الحجة- إلخ» راجع إلى أهل الشام و لا ربط له بالخوارج الذين كانوا معه و جاهدوا حق الجهاد قبل ارتدادهم عنه.

4- أن قوله‏ (و من لج و تمادى) يدل على أن المقصود من كلامه المخالفين معه قبل الهدنة و حين الحرب و لا ينطبق على الخوارج، و الحاصل أن غرضه عليه السلام بيان هدف قبول الهدنة و الرجوع إلى حكم الله تعالى لإتمام الحجة على أهل الشام ببيان الأدلة على حقيته و بطلان مكائد معاوية و خواصه كما هو وظيفة القائم بالارشاد و الهداية ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة، فكلامه عليه السلام في حكم قضية كلية و لا نظر له إلى تحقق المصاديق الخارجية كما زعمه ابن ميثم عليه الرحمة.

الترجمة

از نامه‏ايست كه بأهالي شهرها نوشت و آنچه در صفين ميان او و مخالفانش انجام يافت گزارش فرمود:

آغاز كار ما اين بود كه با مردم شام برخورد كرديم، و ظاهر حال اين بود كه پروردگار و معبود ما يكى است و پيغمبر ما يكى است، و در دعوت بمسلمانى هم آهنگيم، و ما از آنها در ايمان بخدا و تصديق بفرستاده او فزونى نخواستيم، و آنها هم در اين باره از ما فزونى نخواستند، و وضع ما در همه جهت يكى بود و فقط مورد اختلاف خونخواهى براى عثمان بود، در صورتى كه ما از خون عثمان پاك بوديم و بدان آلوده نبوديم.

ما پيشنهاد كرديم: بيائيد تا در باره آنچه بدست نداريم امروز چاره جوئى كنيم بوسيله خاموش كردن آتش شورش و جوشش دشمنى ميان خود و شماها و بكمك آرام كردن افكار پريشان توده مردم مسلمان تا آنكه كار اسلام محكم گردد و جماعت اسلام بى مخالفت پابرجا شود و ما نيرو گيريم تا هر حقى را بجاى خودش بر قرار داريم.

آنها در پاسخ گفتند: ما با زورآزمائى وضع موجود را معالجه مى ‏كنيم، و سر از پيشنهاد ما بر گردانيدند و پافشارى كردند تا جنگ سر در آورد و پر در آورد و پاى بر جا شد و آتش سوزانش شعله‏ور و تيز گرديد.

و چون دندانش بر كالبد ما و آنها فرو شد و چنگال در تن ما و آنها انداخت بناچار بهمان پيشنهادى كه ما با آنها داشتيم پاسخ مثبت دادند و بحكم قرآن رضا شدند، و ما هم با شتاب آنچه را خواستند پذيرفتيم براى آنكه حجت حق بر آنها آشكار شود و عذر جهالت و شبهه آنها قطع گردد، تا هر كس بر اين مطلب‏

پائيد و بدرستى آنرا پذيرفت همان كس باشد كه خداوندش از هلاكت و نابودى و عذاب نجات داده، و هر كس لجبازى كرد و بناحق إصرار ورزيد و آنرا كش داد همان باشد كه خود را نگونسار كرده هم آنكه خدايش بر دل مهر زده و پرده كشيده و بد آمد و شكست معنوي بر سر او چرخيده و گرفتارش كرده است.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 56 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 57 صبحی صالح

 57- و من كتاب له ( عليه ‏السلام  ) إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ حَيِّي هَذَا إِمَّا ظَالِماً وَ إِمَّامَظْلُوماً وَ إِمَّا بَاغِياً وَ إِمَّا مَبْغِيّاً عَلَيْهِ

وَ إِنِّي أُذَكِّرُ اللَّهَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هَذَا لَمَّا نَفَرَ إِلَيَّ فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً أَعَانَنِي وَ إِنْ كُنْتُ مُسِيئاً اسْتَعْتَبَنِي

المختار السادس و الخمسون‏ و من كتاب له عليه السلام الى أهل الكوفة، عند مسيره من المدينة الى البصرة.

أما بعد، فإني خرجت من حيي هذا، إما ظالما و إما مظلوما و إما باغيا و إما مبغيا عليه، و إني أذكر الله من بلغه كتابي هذا لما نفر إلى، فإن كنت محسنا أعانني، و إن كنت مسيئا استعتبني.

اللغة

(الحي): القبيلة و منه مسجد الحي أعني القبيلة و حي من الجن: قبيلة منها (البغى): الفساد و أصل البغي الحسد ثم سمي الظالم بغيا لأن الحاسد ظالم، (نفر إلي) و نفروا إلى الشي‏ء: أسرعوا إليه- مجمع البحرين-.

الاعراب

حيي هذا: هذا عطف بيان للحي و التعبير بلفظة هذا و هم قريش المهاجرون أو هم مع الأنصار بعناية الوحدة الاسلامية الساكنون في المدينة بادعاء حضورهم عند المخاطبين ذهنا حتى كأنهم يعاينونهم فان حرج الموقف يلفت نظر أهل الكوفة و فكرتهم إلى المدينة التي كانت مركزا للاسلام و لأهل الحل و العقد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله.

إما: تفيد الترديد و الابهام و إذا كان مدخولها الجمع و ما في معناه يشعر بالتقسيم كقوله تعالى «إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا»، اذكر:

من باب التفعيل يتعدى إلى مفعولين و هما قوله «الله» و «من بلغه»، كتابي:فاعل قوله «بلغه»، لما: بالتشديد بمعنى إلا كقوله تعالى «و إن كل لما جميع لدينا محضرون‏ 22- يس» و بالتخفيف مركبة من لام التأكيد و ما الزائدة.

المعنى‏

تجاهل العارف قال ابن ميثم: و قوله: إما ظالما- إلى قوله: عليه‏، من باب تجاهل العارف لأن القضية لم تكن بعد ظهرت لأهل الكوفة و غيرهم ليعرفوا هل هو مظلوم أو غيره.

و قال الشارح المعتزلي: ما أحسن هذا التقسيم و ما أبلغه في عطف القلوب عليه و استمالة النفوس إليه، قال: لا يخلو حالي في خروجي من أحد أمرين- إلخ.

أقول: جعل الشارح المعتزلي قوله عليه السلام‏ (إما ظالما و إما مظلوما) حالا عن الضمير المتكلم في قوله‏ (خرجت) و تبعه ابن ميثم على هذا التفسير و لا يخلو من الاعتراض.

إظهار الترديد منه عليه السلام في هذا الموقف الحرج و تأييد أهل التشكيك في إبهام حاله من كونه‏ ظالما أو مظلوما لا يناسب مقامه و لا موقعه و لا يناسب الموقف هضم النفس بهذا التعبير الموهن كما ذكره المعتزلي.

و لا يصح ما ذكره ابن ميثم «و لأن القضية لم تكن بعد ظهرت لأهل- الكوفة و غيرهم ليعرفوا هل هو مظلوم أو غيره» لأن غيره هو عثمان المقتول باهتمام أهل الكوفة و حضور جيش منهم فكيف لا يصح حاله عندهم و لا يعرفون برائة على عليه السلام عن الظلم و البغي حتى يؤيد شكهم بهذا التعبير الموجب للفشل و المستند للمخالف في دعوة الناس إلى التخذيل و الكف عن النصرة.

و الأصح جعله حالا عن الحي المقصود منه قبيلة قريش أو مسلمة مدينة من المهاجرين و الأنصار فان قريشا حيه العنصري و مسلمة المدينة حيه الاسلامي و التعبير بالمفرد باعتبار لفظ جمع أو كل كما ورد في الاية «إما شاكرا و إما كفورا».

و المقصود أني خرجت من بين قريش أو مسلمة المدينة حال كون بعضهم ظالما و بعضم مظلوما، و يؤيده قوله‏ «مبغيا عليه» و إلا فالأنسب أن يقول «مبغيا علي»، و قوله عليه السلام‏ (فان كنت محسنا) بالنظر إلى أعماله بعد نفرهم إليه لا بالنسبة إلى ما قبله، و لفظ الماضي بعد «إن» تفيد معنى المضارع غالبا، و اندرج في كلامه عليه السلام‏ (فاني خرجت عن حيي هذا) معنا ذهبيا يشعر بديمو قراطية سامية هي لب التعاليم الاسلامية.

و هي أنه عليه السلام بعد تصديه للزعامة على الامة الاسلامية و بيعة المسلمين معه بالامامة تجرد عن جميع المعاني العنصرية و سلم نفسه للشعب الاسلامي باسره و خرج عن حيه و قبيلته فهو اليوم ابن الشعب الاسلامي عامة بخلاف من تقدمه من الزعماء الثلاثة، فان أبا بكر و عمر كانا ابنا المهاجرين و الأنصار و لم يخرجا عن التعصب للعرب فهما ابنا العرب كما يظهر من ديوان العطايا الذي نظمه عمر و من جعله العرب طبقات بعضها فوق بعض و لم يراع لمن أسلم من سائر الناس حقا و جعلهم موالى و أسقط حقوقهم الاجتماعية في موارد شتى، و أما عثمان فقد ظهر ابن حيه بني أمية و فوض إليهم امور المسلمين و بيت مالهم حتى نقموا عليه و ثاروا على حكومته و قتلوه.

و قد أكد عليه السلام هذه الفلسفة السامية العميقة بقوله‏ «ظالما أو مظلوما …» إي تجرد عن حيه على أي حال كان حيه فان هذا التجرد طبيعة زعامته العامة على الامة و لا ربط له بوضع حيه من كونه ظالما أو مظلوما، فان كلا العنوانين ربما صارا من دواعي الخروج عن الحي، و كلامه هذا أبلغ تعبير في استعطاف أهل الكوفة للقيام بنصرته فكأنه قال: أنا من الشعب و منكم فهلموا إلى.

الترجمة

از نامه ايست كه حضرتش در هنگام رفتن از مدينه ببصره بأهل كوفه نگاشته است:

أما بعد، براستى كه من از اين قبيله بيرون شدم كه يا ستمكار بودند و يا ستمكش، يا متجاوز بودند و يا تجاوز كش، و خدا را ياد آور همه خواننده‏ هاى اين نامه مى ‏كنم كه بمحض اطلاع از مضمون آن بسوى من كوچ كنند، تا اگر نيك رفتارم مرا يارى دهند، و اگر بد رفتارم از من گله كنند و بمن اعتراض نمايند.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 55 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 56 صبحی صالح

56- و من وصية له ( عليه‏ السلام  ) وصى بها شريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام‏

اتَّقِ اللَّهَ فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ وَ خَفْ عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغَرُورَ وَ لَا تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ

وَ اعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ مَكْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ الْأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضَّرَرِ فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً وَ لِنَزْوَتِكَ عِنْدَ الْحَفِيظَةِ وَاقِماً قَامِعاً

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الخامس و الخمسون‏ و من كلام له عليه السلام وصى بها شريح بن هانى، لما جعله على مقدمته الى الشام.

إتق الله في كل صباح و مساء، و خف على نفسك الدنيا الغرور، و لا تأمنها على حال، و اعلم أنك إن لم تردع نفسك عن كثير مما

تحب مخافة مكروه سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر، فكن لنفسك مانعا رادعا، و لنزوتك [لنزواتك‏] عند الحفيظة واقما قامعا.

اللغة

(الغرور): فعول من الغرور بمعنى الفاعل يستوي فيه المذكر و المؤنث (الردع): المنع، (سمت): كدعت من سما يسمو أى رفعت بك، (النزوة):

الوثبة الشهوانية و تستعمل لركوب الذكر على الانثى، (الحفيظة): الغضب، (الواقم): الذي يرد الشي‏ء شديدا من وقمته أى رددته أقبح الرد و قهرته، (القمع): القلع و الدق المهلك من الرأس.

الاعراب‏

الدنيا الغرور: مفعول خف، يقال: خافه و خاف منه، سمت بك: جزاء الشرط في قوله عليه السلام «إن لم تردع»، بك: الباء للتعدية، لنفسك: جار و مجرور متعلق بقوله عليه السلام «مانعا رادعا» قدم عليه، عند الحفيظة: ظرف متعلق بقوله «لنزوتك».

المعنى‏

قال الشارح المعتزلي بعد سرد نسب‏ شريح بن هاني‏ إلى الحارث بن كعب المذحجي: كان هاني يكنى في الجاهلية أبا الحكم، لأنه كان يحكم بينهم، فكناه رسول الله صلى الله عليه و آله بأبي شريح إذ وفد عليه، و ابنه شريح هذا من جلة أصحاب علي‏ عليه السلام‏، شهد معه المشاهد كلها، و عاش حتى قتل بسجستان في زمن الحجاج.

و قال ابن ميثم: أنفذه مع زياد بن النضير على مقدمته بالشام في اثنى عشر ألفا.

أقول: مبالغته عليه السلام في وصية شريح بالتقوى و الحذر من‏ الدنيا الغرور في كل‏ حال‏ و تحذيره من العواقب السوء لمتابعة هوى النفس من الميل للترفع مع‏ أنه من كبار أصحابه المخلصين إنما كان لما يعلمه من مكائد معاوية و خداعه لجلب الرجال باعطاء المنصب و الرتبة و المال بتدليس و تلبيس يعجز عنه الأباليس، فانه خدع أمثال أبي الدرداء و أبي هريرة و كثير من عباد و زهاد أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و استلحق زيادا بعشيرته بدعوى أنه أخوه و كون من مني أبيه و غمر إلى لحيته في فضيحته، فخاف عليه السلام من كيد معاوية لمقدمته و استلحاقهم به قبل وصوله كما صنع مع مقدمة الجيش الذي بعثها ابنه الحسن المجتبى بعده لإكمال جهاد أبيه بقيادة أمثال عبد الله به العباس من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و أبيه و المتعلمين في مكتبه و العالمين بحقيقته.

الترجمة

از سخنانى كه در سفارش بشريح بن هاني فرمود چون او را بفرماندهى مقدمة الجيش خود بشام فرستاد:

از خدا بپرهيز در هر بام و شام، و بر خود بترس از دنياى پرفريب و از آن آسوده مباش در هر حال، و بدانكه اگر نفس خود را از بسيارى دوست داشتنيهايت براى نگرانى از سخت حالى باز ندارى هواهاى نفسانيت ترا بزيانهاى فراوانى بكشانند، جلوگير و مهاركش نفس سركش خود باش و هنگام خشم از جهشش بسختى بازدار و او را سركوب و ريشه كن ساز.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 54 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 55 صبحی صالح

55- و من كتاب له ( عليه السلام  ) إلى معاوية

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا وَ ابْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا لِيَعْلَمَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًاوَ لَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا وَ لَا بِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا وَ إِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَي بِهَا

وَ قَدِ ابْتَلَانِي اللَّهُ بِكَ وَ ابْتَلَاكَ بِي فَجَعَلَ أَحَدَنَا حُجَّةً عَلَى الْآخَرِ

فَعَدَوْتَ عَلَى الدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَطَلَبْتَنِي بِمَا لَمْ تَجْنِ يَدِي وَ لَا لِسَانِي وَ عَصَيْتَهُ أَنْتَ وَ أَهْلُ الشَّامِ بِي وَ أَلَّبَ عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ وَ قَائِمُكُمْ قَاعِدَكُمْ

فَاتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ وَ نَازِعِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ وَ اصْرِفْ إِلَى الْآخِرَةِ وَجْهَكَ فَهِيَ طَرِيقُنَا وَ طَرِيقُكَ

وَ احْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ اللَّهُ مِنْهُ بِعَاجِلِ قَارِعَةٍ تَمَسُّ الْأَصْلَ وَ تَقْطَعُ الدَّابِرَ فَإِنِّي أُولِي لَكَ بِاللَّهِ أَلِيَّةً غَيْرَ فَاجِرَةٍ لَئِنْ جَمَعَتْنِي وَ إِيَّاكَ جَوَامِعُ الْأَقْدَارِ لَا أَزَالُ بِبَاحَتِكَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الرابع و الخمسون و من كتاب له عليه السلام الى معاوية

أما بعد، فإن الله سبحانه قد جعل الدنيا لما بعدها، و ابتلى فيها أهلها، ليعلم أيهم أحسن عملا، و لسنا للدنيا خلقنا، و لا بالسعى فيها أمرنا، و إنما وضعنا فيها لنبتلى بها، و قد ابتلانى الله بك و ابتلاك بي، فجعل أحدنا حجة على الاخر، فعدوت [فغدوت‏] على طلب الدنيا بتأويل القرآن و طلبتني بما لم تجن يدي و لا لساني، و عصبته أنت و أهل الشام بي و ألب عالمكم جاهلكم و قائمكم قاعدكم فاتق الله في نفسك، و نازع الشيطان قيادك و اصرف إلى الاخرة وجهك، فهى طريقنا و طريقك، و احذر أن يصيبك الله منه بعاجل قارعة تمس الأصل و تقطع الدار [الدابر]، فإني أولي لك بالله ألية غير فاجرة، لئن جمعتني و إياك جوامع الأقدار لا أزال بباحتك [بناحيتك‏] [حتى يحكم الله بيننا و هو خير الحاكمين‏].

اللغة

(عصبه به): علقه به، (التأليب): التحريص، (القيادة): حبل تقاد به (القارعة): الداهية، (تمس الأصل): تقطعه، (الدابر): المتأخر من النسل (الألية)، اليمين، (باحة الدار): وسطها، ساحتها.

الاعراب‏

لما بعدها: لما موصولة أو موصوفة و الظرف مستقر مفعول ثان لقوله جعل و بعدها: ظرف مستقر صلة أو صفة، أيهم أحسن عملا: جملة محكية عن القرآن قائمة مقام مفعولى يعلم، لم تجن: صيغة الجحد من الجناية، أنت: تأكيد للضمير المخاطب في عصبته لتصحيح العطف عليه، أن يصيبك الله منه: قال الشارح المعتزلي: الضمير في «منه» راجع إلى الله تعالى و «من» لابتداء الغاية، و قال الراوندي: «منه» أى من البهتان الذي أتيته، أى من أجله و «من» للتعليل، و هذا بعيد و خلاف الظاهر، بعاجل قارعة: من إضافة إلى الصفة إلى الموصوف و كذا جوامع الأقدار و أثره التأكيد، لا أزال: نفى من زال، بباحتك: ظرف مستقر خبره، غدوت على الدنيا: قال المعتزلي: على ها هنا متعلق بمحذوف دل عليه الكلام تقديره:مثابرا على طلب الدنيا أو مصرا.

المعنى‏

بعث الله الأنبياء بطبقاتهم لهداية الناس و ردعهم عن الفساد و اتباع الشهوات و أهم وسائلهم التذكير و الإنذار و التبشير و لم يؤمر من الأنبياء بطبقاتهم و هم آلاف مؤلفة بالسيف و الجهاد إلا نذر يسير، و روي إلا أربعة امروا بالسيف لدفع هجوم الأعداء الألداء، منهم خاتمهم رسول الاسلام صلى الله عليه و آله و سلم، و قد نزلت عدة آيات كريمة في القرآن الشريف يصرح بأنه بشير و نذير و أنه ليس بجبار و لا وكيل عليهم.

منها: قوله تعالى: «إنما أنت نذير و الله على كل شي‏ء وكيل‏- سورة هود الاية 12».

منها: قوله تعالى: «و ما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد 45- ق» منها: قوله تعالى: «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا- 45 و 46 الاحزاب».

و قد قام أمير المؤمنين‏ عليه السلام‏ بعده بالتبشير و الإنذار للعصاة و البغاة، و من رؤوسهم‏ معاوية الذي لم يؤثر فيه إنذار الرسول صلى الله عليه و آله طيلة دعوته بمكة قبل الهجرة، فدام على كفره و وثنيته حتى فتح رسول الله مكة المكرمة و وقع قريش مكة الألداء في اسره، فامن هو و أبوه و أهله كرها و أسروا النفاق دهرا، حتى توفى صلى الله عليه و آله فدبروا و كادوا حتى سادوا في الاسلام و سلط معاوية على بلاد الشام فقام علي بإنذاره أداء لحق الوصاية و ذكره باي من القرآن منها قوله تعالى:«ليبلوكم أيكم أحسن عملا- 7 هود».

و نبهه على أن الدنيا دار مجاز و دار امتحان و ابتلاء و الابتلاء على وجوه شتى باعتبار أحوال الناس، فجعل أحدنا حجة على الاخر.

فأولت‏ القرآن‏ في‏ طلب الدنيا، قال الشارح المعتزلي: «و تأويل القرآن ما كان معاوية يموه به على أهل الشام فيقول لهم: أنا ولي دم عثمان، و قد قال الله تعالى: و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا 33 الاسراء.

و قال ابن ميثم: تأويل القرآن‏ كقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى‏ 178- البقرة و غيرها من الايات الدالة على وجوب القصاص، فتأول بادخال نفسه فيها و طلب القصاص لعثمان و إنما كان دخوله في ذلك بالتأويل، لأن الخطاب خاص بمن قتل و قتل منه و معاوية بمعزل من ذلك إذ لم يكن من أولياء دم عثمان ففسر الاية بالعموم ليدخل فيها.

و برأ عليه السلام نفسه من الاشتراك في قتل عثمان يدا و لسانا و قد اتهمه‏ معاوية بذلك و جعله وسيلة لتحريض‏ أهل الشام‏ بالحرب معه عليه السلام و أمره بترك هذا البهتان و الدفاع تجاه‏ الشيطان‏ بنزع قياده من الهوى و الشهوات و التوجه‏ إلى الاخرة و حذره من العقوبة في الدنيا بحيث تصل إلى أصله و تقطع نسله كما وقع بعد ذلك من قطع نسل بنى امية و محوهم عن الجامعة البشرية.

الترجمة

أما بعد، براستى كه خداوند سبحان دنيا را مقدمه ما بعدش مقرر داشته، و أهل دنيا را در آن در بوته آزمايش گذاشته تا معلوم شود كداميك خوش كردارترند ما براى دنيا آفريده نشديم و بكوشش در آن فرمان نداريم، همانا ما در دنيا آمديم تا امتحان شويم، خداوند مرا بتو و ترا بمن در معرض امتحان آورده و هر كدام را حجت بر ديگر ساخته، تو بر روى دنيا افتادى و تأويل قرآن را بر خلاف حق وسيله آن ساختى و مرا بچيزى مسئول كردى كه دست و زبانم بدان آلوده نشده.

خودت و أهل شام آنرا دستاويز كرده ‏ايد و آنرا بمن چسبانده ‏ايد و دانشمندتان نادانها را ترغيب بدان مى ‏كنند و آنها كه بر سر كارند بيكاره‏ ها را بدان تشويق مى ‏نمايند.

تو خود پرهيزكار باش و از خدا بترس و با شيطان در مهار كردنت ستيزه كن و خود را برهان و روى باخرت كه راه من و تو است بگردان، و در حذر باش كه خداوندت بيك بلاى كوبنده در اين دنيا دچار كند كه بريشه‏ات بزند و دنباله‏ات را ببرد و نسلت را قطع كند.

براستى من براى تو سوگندى ياد كنم كه تخلف ندارد بر اين كه اگر خداوند مرا با تو در ميدان نبرد فراهم آورد و پيشامد مقدرات مرا و تو را در پيكار با يكديگر كشاند هميشه در خانه و كاشانه‏ات بمانم «تا خداوند ميان ما حكم فرمايد كه او بهترين حكمها است».

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 53 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 54 صبحی صالح

54- و من كتاب له ( عليه‏ السلام  ) إلى طلحة و الزبير (مع عمران بن الحصين الخزاعي) ذكره أبو جعفر الإسكافي في كتاب المقامات في مناقب أمير المؤمنين ( عليه ‏السلام)

 أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتُمَا وَ إِنْ كَتَمْتُمَا أَنِّي لَمْ أُرِدِ النَّاسَ حَتَّى أَرَادُونِي وَ لَمْ أُبَايِعْهُمْ حَتَّى بَايَعُونِي وَ إِنَّكُمَا مِمَّنْ أَرَادَنِي وَ بَايَعَنِي

وَ إِنَّ الْعَامَّةَ لَمْ تُبَايِعْنِي لِسُلْطَانٍ غَالِبٍ وَ لَا لِعَرَضٍ حَاضِرٍ فَإِنْ‏كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي طَائِعَيْنِ فَارْجِعَا وَ تُوبَا إِلَى اللَّهِ مِنْ قَرِيبٍ وَ إِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي كَارِهَيْنِ فَقَدْ جَعَلْتُمَا لِي عَلَيْكُمَا السَّبِيلَ بِإِظْهَارِكُمَا الطَّاعَةَ وَ إِسْرَارِكُمَا الْمَعْصِيَةَ

وَ لَعَمْرِي مَا كُنْتُمَا بِأَحَقِّ الْمُهَاجِرِينَ بِالتَّقِيَّةِ وَ الْكِتْمَانِ وَ إِنَّ دَفْعَكُمَا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْخُلَا فِيهِ كَانَ أَوْسَعَ عَلَيْكُمَا مِنْ خُرُوجِكُمَا مِنْهُ بَعْدَ إِقْرَارِكُمَا بِهِ

وَ قَدْ زَعَمْتُمَا أَنِّي قَتَلْتُ عُثْمَانَ فَبَيْنِي وَ بَيْنَكُمَا مَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي وَ عَنْكُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ يُلْزَمُ كُلُّ امْرِئٍ بِقَدْرِ مَا احْتَمَلَ فَارْجِعَا أَيُّهَا الشَّيْخَانِ عَنْ رَأْيِكُمَا فَإِنَّ الْآنَ أَعْظَمَ أَمْرِكُمَا الْعَارُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَجَمَّعَ الْعَارُ وَ النَّارُ وَ السَّلَامُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الثالث و الخمسون‏ و من كتاب له عليه السلام الى طلحة و الزبير، مع عمران بن الحصين الخزاعى، ذكره أبو جعفر الاسكافى في كتاب المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام‏

أما بعد، فقد علمتما و إن كتمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني، و لم أبايعهم حتى بايعوني، و إنكما ممن أرادني و بايعني، و إن العامة لم تبايعني لسلطان غالب، و لا لعرض حاضر، فإن كنتما بايعتماني طائعين فارجعا و توبا إلى الله من قريب، و إن كنتما بايعتماني كارهين فقد جعلتما لي عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة و إسراركما المعصية، و لعمري ما كنتما بأحق المهاجرين بالتقية و الكتمان، و إن دفعكما هذا الأمر من قبل أن تدخلا فيه كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقراركما به.

و قد زعمتما أني قتلت عثمان، فبيني و بينكما من تخلف عني و عنكما من أهل المدينة، ثم يلزم كل امرى‏ء بقدر ما احتمل، فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما، فإن الان أعظم أمركما العار من قبل أن يجتمع العار و النار، و السلام.

الاعراب‏

إن كتمتما: لفظة إن وصلية، أنى لم أرد قائم مقام مفعولي علم، و أنكما ممن أرادني: عطف على أني لم أرد، و كذلك قوله: و أن العامة، طائعين حال من ضمير في كنتما، السبيل مفعول أول لقوله جعلتما ولي ظرف مستقر و هو مفعوله الثاني و عليكما متعلق بقوله السبيل، باظهار كما الباء للسببية و إظهار مصدر مضاف إلى الفاعل، بالتقية متعلق بقوله: بأحق.

المعنى‏

قال ابن ميثم: خزاعة قبيلة من الأزد، و قيل: الاسكاف‏ منسوب إلى اسكاف رستاق كبير بين النهروان و البصرة، و كتاب المقامات‏ الذي صنفه الشيخ المذكور في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام‏.

قال الشارح المعتزلي: عمران بن الحصين‏ بن عبد بن خلف، و سرد نسبه إلى كعب بن عمرو الخزاعي‏، يكنى أبا بجيد بابنه بجيد بن عمران، أسلم هو و أبو هريرة عام خيبر، و كان من فضلاء الصحابة و فقهائهم … و قال محمد بن سيرين: أفضل من في البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله‏ عمران بن الحصين‏ …

و أما أبو جعفر الإسكافي‏- و هو شيخنا محمد بن عبد الله الإسكافي- عده قاضي القضاة في الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة- إلى أن قال: و قال: كان أبو جعفر فاضلا عالما، و صنف سبعين كتابا في علم الكلام و هو الذي نقض كتاب «العثمانية» على أبي عثمان الجاحظ في حياته- إلى أن قال: و كان أبو جعفر يقول بالتفضيل‏ على قاعدة معتزلة بغداد، و يبالغ في ذلك، و كان علوي الرأى، محققا مصنفا قليل العصبية.

أقول: خزاعة من القبائل الساكنة حول مكة المكرمة الموالية لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى قبل نشر الإسلام و قبل أن أسلموا، و قد نصروه و أيدوه في مواقف هامة و سيدهم بديل بن ورقاء الخزاعي المشهور و هو أحد الممثلين لأهل مكة المشركين في قضية حديبية.

فمن تلك المواقف ورودهم في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله في معاهدة صلح الحديبية و قبولهم حمايته و اعتمادهم به تجاه قريش.

و منها ردعهم أبا سفيان و جنده من الهجوم ثانيا إلى المدينة بعد الرحيل من احد و إصابة المسلمين بأكثر من سبعين قتيلا و جرحى كثيرة، فقد روى أنه لما بلغ إلى الروحاء ندم من تركه الزحف بقية المسلمين في المدينة و عزم على الرجوع فلحقه عير خزاعة الراحلة من المدينة فاستخبرهم عن المسلمين فأجابوه بانه قد رحلوا ورائكم بجيش كثير سود الأرض يسرعون في اللقاء معكم و استيصالكم فخاف و لم يرجع.

و الظاهر أن هذا الكتاب صدر منه عليه السلام في ضمن المراجعات و الاحتجاجات المتبادلة بينه و بين‏ طلحة و الزبير في جبهة الجمل، و كان أحد مجاهيده التي توسل بها لإخماد هذه الثورة الحادة قبل اشتغال الحرب الهائلة الهدامة و نبه فيه على أن نفوذ الامامة و هي الرياسة العامة يحتاج إلى بيعة الامة عن الرضا و طيب النفس فان الإمامة تحتاج إلى صلاحية روحية و معنوية في نفس الإمام تعتمد على العصمة عند الإمامية و لا طريق إلى إثباتها إلا النص الصادر عن المعصوم نبيا كان أم إماما منصوصا فيعتمد على دلالة من الله إليها، و لكن نفوذها في الامة بحيث يتصدى الإمام لإجراء الامور يحتاج إلى بيعتهم عن طيب النفس.

و هذا معنا التمكن الذي أشار إليه المحقق الطوسى في تجريده بقوله‏ «وجوده لطف و تصرفه لطف آخر و عدمه منا» أى عدم تمكننا و بيعتنا مع الامام فوت عنا تصرف الامام في الامور و إجرائها كما ينبغي.

و أشار عليه السلام إلى ما يسقط اعتبار البيعة و هو أمران:

1- (و إن العامة لم تبايعني لسلطان غالب) يعني أن البيعة الصادرة عن قهر الناس بارعابهم و تخويفهم لا تنعقد، لأن الإكراه مبطل للمعاهدات عقدا كانت أم إيقاعا و البيعة من أهم العقود بين الرعية و الامام فلا تنعقد مع الاكراه.

2- (و لا لعرض حاضر) قال الشارح المعتزلي «ص 123 ج 17 ط مصر»:«أى مال موجود فرقته بينهم» و هو المعبر عنه بابتياع الرأي، فالبيعة الحاصلة بابتياع آراء من بايع إلى حيث يخل بالأكثرية اللازمة يسقط البيعة عن الاعتبار، فأثبت عليه السلام صحة بيعته بأنها صادرة عن عامة الناس بالرضا و طيب النفس فيلزم عليهما التسليم و الطاعة و الانقياد.

ثم أقام عليهما الحجة بأنهما بايعا معه فيلزم عليهما الوفاء بها و الرجوع عن الخلاف و التوبة إلى الله‏ فورا فانها واجبة على العاصي فورا، فان زعما أنهما كارهان لبيعته و لم تصدر عن الرضا و طيب النفس فاعترض عليهما بوجوه:

1- أن الكراهة غير مبطلة للعقود، لأن مجرد الكراهة الباطنية لا تضر بصحة العقد الصادر عن الرضا الانشائي بداعي المنافع المقصودة منه كالمريض يشتري الدواء و هو كاره له بداعي معالجة مرضه، و كالمضطر في شراء الحوائج فانه كاره قلبا فالمبطل للعقد هو الاكراه الذي يسلب قدرة المكره لا الكراهة الباطنية.

2- أن ظاهر بيعتكما الرضا و طيب النفس، فدعوى الكراهة مردودة لأنها كالانكار بعد الإقرار، فقال عليه السلام‏ (فقد جعلتما لي عليكما السلطان بإظهار كما الطاعة).

3- أنكما تعترفان بالنفاق، و إظهار النفاق موجب للعقوبة و إن كان المستتر منه يحال إلى الله تعالى فيعاقب عليه في الاخرة، و أشار إليه بقوله‏ (و إسرار كما المعصية).

ثم تعرض لجواب ما يمكن أن يحتجوا به في المقام و هو التقية فقال عليه السلام ليس المقام مقام التقية لأنها في معرض الخوف من إظهار العقيدة و أنتما من‏ المهاجرين‏ الذين لا يخافون في المقام مع أنه عليه السلام لم يتعرض لمن تخلف عن بيعته بأدنى تعقيب و أذى كما أشار إليه بعد ذلك في قطع عذرهما و ما تمسكا به من اتهامه عليه السلام بقتل عثمان، فقال.

(و قد زعمتما أني قتلت عثمان، فبيني و بينكما من تخلف عني و عنكما من أهل المدينة) أمثال: محمد بن مسلمة و اسامة بن زيد، و عبد الله بن عمر،- فاتخذهم شهودا على من شرك في قتل عثمان و دعا إليه.

قال في الشرح المعتزلي: و أهل المدينة يعلمون أن‏ طلحة كان هو الجملة و التفصيل في أمره و حصره و قتله، و كان‏ الزبير مساعدا له على ذلك و إن لم يكن مكاشفا مكاشفة طلحة- انتهى.

و قد أشار في قوله‏ (من قبل أن يجتمع العار و النار) إلى قتل‏ طلحة و الزبير في هذه الحرب، و نلفت نظر القراء إلى أن طلحة و الزبير من أكابر الصحابة المهاجرين الذين آمنوا في السنين الاولى من البعثة و في عصر غربة الاسلام بدعوة أبي بكر و هم عدة، كما في سيرة ابن هشام «ص 158 ج 1 ط مصر»: فلما أسلم أبو بكر «رض» أظهر إسلامه و دعا إليه- إلى أن قال- فأسلم بدعائه في ما بلغني عثمان بن عفان «و سرد نسبه» و الزبير بن العوام «و سرد نسبه» و عبد الرحمن ابن عوف «و سرد نسبه» و سعد بن أبي وقاص «و سرد نسبه» و طلحة بن عبيد- الله «و سرد نسبه»- انتهى.

و كان أثر نفس أبي بكر نفث النفاق في هؤلاء فخرج كلهم من أعداء على أمير المؤمنين و من رءوس أهل النفاق و الخلاف مع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله و الدليل عليه إقبالهم على الدنيا و جمع الأموال الطائلة و النزة إلى الرياسة و الجاه كما يظهر من الأخبار الصحيحة.

الترجمة

از يك نامه‏اى كه به طلحه و زبير نگاشته و با عمران بن حصين گسيل داشته أبو جعفر إسكافي آنرا در كتاب مقامات خود كه در مناقب أمير المؤمنين نوشته است يادآور شده.

أما بعد، شما هر دو بخوبى مى ‏دانيد- گر چه نهان مى ‏سازيد- كه من مردم را نخواستم تا مرا خواستند، و دست بيعت بدانها دراز نكردم تا آنها دست براى بيعت من دراز كردند، و شما هر دو از كسانى هستيد كه مرا خواستيد و با من بيعت كرديد، و راستش اين است كه عموم مردم بزور و قهر با من بيعت نكردند و براى طمع در عرض موجودى كه به آنها پرداخت شده باشد بيعت نكردند، بلكه از روى رضا و رغبت دست بيعت بمن دادند.

اگر شما بدلخواه با من بيعت كرديد اكنون از خلاف خود بر گرديد و فورا بدرگاه خدا توبه كنيد، و اگر از روى بى‏ميلى و ناخواهى با من بيعت كرديد اين بيعت بگردن شما ثابت شده و خود دليل محكوميت خود را به من سپرديد كه إظهار إطاعت كرديد و نافرمانى را در دل نهفتيد، بجان خودم قسم شما از سائر مهاجران سزاوارتر به تقيه و كتمان عقيده نبوديد، كناره گيري شما از اين كار پيش از ورود در آن براستى براى شما رواتر بود از مخالفت با آن پس از اعتراف و إقرار بدان.

شما را گمان اين است كه من عثمان را كشتم، همه آنها كه در مدينه از من و شما هر دو طرف كناره گيرى كردند و از حادثه قتل عثمان بخوبى آگاهند ميان من و شما حكم باشند تا هر كس باندازه‏اى كه متحمل انجام اين حادثه شده است مسئول باشد، اى دو تن پير مرد كهنسال و رهبر اسلامى از رأى و نظر خود بر گرديد و بسوى حق گرائيد، زيرا اكنون بزرگترين نكوهشى كه بر شما است همان ننگ كناره گيرى از جبهه نبرد است، و پيشگيرى كنيد از اين كه اين ننگ با شكنجه دوزخ توأم گردد.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 52/3 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )نامه امیر المومنین علی علیه السلام به مالک اشتر نخعی

نامه 53 صبحی صالح

53- و من كتاب له ( عليه‏ السلام  ) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر و أعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، و هو أطول عهد كتبه و أجمعه للمحاسن.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلَادِهَا

أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ إِيْثَارِ طَاعَتِهِ وَ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ الَّتِي لَا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا وَ لَا يَشْقَى إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وَ إِضَاعَتِهَا

وَ أَنْ يَنْصُرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِهِ وَ يَدِهِ وَ لِسَانِهِ فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ وَ إِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ

وَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَ يَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ

ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ وَ أَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ وَ يَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ

وَ إِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ

فَامْلِكْ هَوَاكَ وَ شُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ وَ أَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَ الْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَ اللُّطْفَ بِهِمْ

وَ لَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَ تَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ وَ يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَ الْخَطَإِ

فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَ صَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَ تَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَ صَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَ وَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ وَ اللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَ قَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَ ابْتَلَاكَ بِهِمْ

وَ لَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَ لَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَ رَحْمَتِهِ وَ لَا تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ وَ لَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ

وَ لَا تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً وَ لَا تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ وَ مَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ وَ تَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ

وَ إِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ وَ قُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ

فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ وَ يَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ وَ يَفِي‏ءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ

إِيَّاكَ وَ مُسَامَاةَ اللَّهِ فِي عَظَمَتِهِ وَ التَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ وَ يُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ

أَنْصِفِ اللَّهَ وَ أَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَ مِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ وَ مَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ

وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَ مَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ‏

وَ كَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ وَ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَ تَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَ هُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ

وَ لْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَ أَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَ أَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَ إِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ

وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ وَ أَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلَاءِ وَ أَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَ أَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ وَ أَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَ أَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وَ أَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ

وَ إِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وَ جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَ الْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ وَ مَيْلُكَ مَعَهُمْ

وَ لْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَ أَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ النَّاسِ فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا فَلَا تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ

وَ اللَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللَّهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ

أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ وَ اقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ وَ تَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَضِحُ لَكَ وَ لَا تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وَ إِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ

وَ لَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ وَ يَعِدُكَ الْفَقْرَ وَ لَا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الْأُمُورِ وَ لَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الْجُبْنَ وَ الْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ

إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً وَ مَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ وَ إِخْوَانُ الظَّلَمَةِ

وَ أَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَ نَفَاذِهِمْ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَ أَوْزَارِهِمْ وَ آثَامِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ وَ لَا آثِماً عَلَى إِثْمِهِ

أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَ أَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً وَ أَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وَ أَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَ حَفَلَاتِكَ

ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ وَ أَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ

وَ الْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَ الصِّدْقِ ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ وَ لَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ وَ تُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ

وَ لَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَ الْمُسِي‏ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ‏ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ وَ تَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ وَ أَلْزِمْ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ

وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَ تَخْفِيفِهِ الْمَئُونَاتِ عَلَيْهِمْ وَ تَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ

فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلًا

وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ

وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ وَ لَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأُلْفَةُ وَ صَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ وَ لَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَ الْأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا وَ الْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا

وَ أَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَ مُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ وَ إِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ

وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ وَ لَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ وَ مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ وَ مِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ وَ مِنْهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَ الرِّفْقِ

وَ مِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَ الْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ مُسْلِمَةِ النَّاسِ وَ مِنْهَا التُّجَّارُ وَ أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ                       

وَ مِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ

وَ كُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ وَ وَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً

فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللَّهِ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ وَ زَيْنُ الْوُلَاةِ وَ عِزُّ الدِّينِ وَ سُبُلُ الْأَمْنِ وَ لَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ

ثُمَّ لَا قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلَّا بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَ يَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ

ثُمَّ لَا قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلَّا بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَ الْعُمَّالِ وَ الْكُتَّابِ لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ وَ يَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ وَ يُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَ عَوَامِّهَا

وَ لَا قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ وَ يُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ وَ يَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ مَا لَا يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ

ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَ مَعُونَتُهُمْ

وَ فِي اللَّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ وَ لِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ وَ لَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاهْتِمَامِ وَ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَ تَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ وَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ:

فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِإِمَامِكَ وَ أَنْقَاهُمْ جَيْباً وَ أَفْضَلَهُمْ حِلْماً

مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ وَ يَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ وَ يَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَ يَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ وَ مِمَّنْ لَا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ وَ لَا يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ

ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَ الْأَحْسَابِ وَ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ السَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَ الشَّجَاعَةِ وَ السَّخَاءِ وَ السَّمَاحَةِ فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ وَ شُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ

ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا وَ لَا يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْ‏ءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ وَ لَا تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَ إِنْ قَلَّ فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ بِكَ

وَ لَا تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالًا عَلَى جَسِيمِهَا فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَ لِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ

وَ لْيَكُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ وَ أَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ بِمَا يَسَعُهُمْ وَ يَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ

وَ إِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلَاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلَادِ وَ ظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ

و إِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ وَ لَا تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلَّا بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَ قِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ وَ تَرْكِاسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ

فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ وَ وَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَ تَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ وَ تُحَرِّضُ النَّاكِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى وَ لَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَى غَيْرِهِ وَ لَا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلَائِهِ وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ صَغِيراً وَ لَا ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ عَظِيماً

وَ ارْدُدْ إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ وَ يَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ

فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ‏

فَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَ الرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ:

ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ وَ لَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَ لَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَ لَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْ‏ءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَ لَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ وَ لَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ

وَ أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَ آخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ وَ أَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ وَ أَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ وَ أَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَ لَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ وَ أُولَئِكَ قَلِيلٌ

ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ وَ افْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ وَ تَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ وَ أَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ

فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الْأَشْرَارِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى وَ تُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا:

ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً وَ لَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَ أَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَ الْخِيَانَةِ

وَ تَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَ الْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ الْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً وَ أَصَحُّ أَعْرَاضاً وَ أَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً وَ أَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً

ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَ غِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ

ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَ ابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَ الْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَ الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ

وَ تَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً

فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَ أَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَ قَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ:

وَ تَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَ صَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ وَ لَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَ أَهْلِهِ

وَ لْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ وَ مَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ وَ أَهْلَكَ الْعِبَادَ وَ لَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِيلًا

فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ

وَ لَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْ‏ءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ وَ تَزْيِينِ وِلَايَتِكَ

مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ وَ تَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ وَ الثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَ رِفْقِكَ بِهِمْ

فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ

وَ إِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا وَ إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ وَ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ وَ قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ:

ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ وَ اخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَ أَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلَافٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلَإٍ

وَ لَا تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمِّالِكَ عَلَيْكَ وَ إِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ فِيمَا يَأْخُذُ لَكَ وَ يُعْطِي مِنْكَ وَ لَا يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ وَ لَا يَعْجِزُ عَنْ إِطْلَاقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ

وَ لَا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ

ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَ اسْتِنَامَتِكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَ حُسْنِ خِدْمَتِهِمْ وَ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَ الْأَمَانَةِ شَيْ‏ءٌ

وَ لَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً وَ أَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ

وَ اجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا وَ لَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا وَ مَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ‏

ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَ أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً الْمُقِيمِ مِنْهُمْ وَ الْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَ الْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ

فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَ أَسْبَابُ الْمَرَافِقِ وَ جُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَ الْمَطَارِحِ فِي بَرِّكَ وَ بَحْرِكَ وَ سَهْلِكَ وَ جَبَلِكَ وَ حَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَ لَا يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ وَ صُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ

وَ تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَ فِي حَوَاشِي بِلَادِكَ وَ اعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً وَ شُحّاً قَبِيحاً وَ احْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وَ تَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ وَ ذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ وَ عَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ

فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )مَنَعَ مِنْهُ وَ لْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَ أَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَ الْمُبْتَاعِ

فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ وَ عَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ:

ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَ الْمُحْتَاجِينَ وَ أَهْلِ الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَ مُعْتَرّاً

وَ احْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ وَ اجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَ قِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى

وَ كُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ وَ لَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَ لَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ

وَ تَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ وَ تَحْقِرُهُ الرِّجَالُ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَ التَّوَاضُعِ فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ

ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الْإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَ كُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ

وَ تَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَ ذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَهُ وَ لَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ وَ ذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ وَ الْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ وَ قَدْ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ وَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ:

وَ اجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ وَ تَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَ تُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَ أَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَ شُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ

فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى ‏الله‏ عليه‏ وآله ‏وسلم  )يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ

ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَ الْعِيَّ وَ نَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ‏ وَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ

ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ

وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ

وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هوَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ

ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ

وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ

وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هِيَ لَهُ خَاصَّةً فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَ نَهَارِكَ وَ وَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ كَامِلًا غَيْرَ مَثْلُومٍ وَ لَا مَنْقُوصٍ بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ

وَ إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ لِلنَّاسِ فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَ لَا مُضَيِّعاً فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَ لَهُ الْحَاجَةُ

وَ قَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى‏ الله‏ عليه‏ وآله ‏وسلم  )حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ كَصَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ وَ كُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً

 وَ أَمَّا بَعْدُ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ وَ قِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ

وَ الِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ وَ يَعْظُمُ الصَّغِيرُ وَ يَقْبُحُ الْحَسَنُ وَ يَحْسُنُ الْقَبِيحُ وَ يُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ

وَ إِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ وَ لَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ

وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ

مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مِمَّا لَا مَئُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ:

ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَ بِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ وَ قِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ

وَ لَا تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَ حَامَّتِكَ قَطِيعَةً وَ لَا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ يَحْمِلُونَ مَئُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وَ عَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ

وَ أَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَ الْبَعِيدِ وَ كُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ وَ ابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ

وَ إِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ وَ اعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَ رِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وَ إِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ:

وَ لَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ و لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَ أَمْناً لِبِلَادِكَ

وَ لَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَ اتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ

وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ

فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْ‏ءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ

فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ وَ لَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ

وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى‏ مَنَعَتِهِ وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ فَلَا إِدْغَالَ وَ لَا مُدَالَسَةَ وَ لَا خِدَاعَ فِيهِ

وَ لَا تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ وَ لَا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَ التَّوْثِقَةِ

وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللَّهِ فِيهِ طِلْبَةٌ لَا تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَ لَا آخِرَتَكَ:

إِيَّاكَ وَ الدِّمَاءَ وَ سَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ وَ لَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ وَ لَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَ انْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

فَلَا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَ يُوهِنُهُ بَلْ يُزِيلُهُ وَ يَنْقُلُهُ وَ لَا عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ وَ لَا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ

وَ إِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وَ أَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً فَلَا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ:

وَ إِيَّاكَ وَ الْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَ الثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَ حُبَ‏ الْإِطْرَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ

وَ إِيَّاكَ وَ الْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ

فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ وَ التَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ وَ الْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَ النَّاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ‏

وَ إِيَّاكَ وَ الْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَ أَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ

وَ إِيَّاكَ وَ الِاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ وَ التَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ وَ عَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الْأُمُورِ وَ يُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ

امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ وَ سَوْرَةَ حَدِّكَ وَ سَطْوَةَ يَدِكَ وَ غَرْبَ لِسَانِكَ وَ احْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ وَ تَأْخِيرِ السَّطْوَةِ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الِاخْتِيَارَ وَ لَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ وَ الْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ

فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا وَ تَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا وَ اسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ لِكَيْلَا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا:

وَ أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ أَنْ يُوَفِّقَنِي وَ إِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَ إِلَى خَلْقِهِ

مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ وَ جَمِيلِ الْأَثَرِ فِي الْبِلَادِ وَ تَمَامِ النِّعْمَةِ وَ تَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ وَ أَنْ يَخْتِمَ لِي وَ لَكَ بِالسَّعَادَةِ وَ الشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‏

وَ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَ السَّلَامُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20

الفصل العاشر من عهده عليه السلام‏

ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين و المحتاجين و أهل البؤسى و الزمنى، فإن في هذه الطبقة قانعا و معترا، و احفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم، و اجعل لهم قسما من بيت مالك، و قسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، و كل قد استرعيت حقه، فلا [و لا] يشغلنك عنهم بطر، فإنك لا تعذر بتضييعك [بتضييع‏]التافه لأحكامك الكثير المهم، فلا تشخص همك عنهم، و لا تصعر خدك لهم، و تفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون، و تحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية و التواضع، فليرفع إليك أمورهم، ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله يوم تلقاه، فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، و كل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه و تعهد أهل اليتم و ذوى الرقة في السن ممن لا حيلة له، و لا ينصب للمسألة نفسه، و ذلك على الولاة ثقيل «و الحق كله ثقيل» و قد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم، و وثقوا بصدق موعود الله لهم.

اللغة

(البؤسى): هي البؤسى كالنعمى للنعيم بمعنى الشدة، (و الزمنى): أولو الزمانة و الفلج، (القانع): الذي يسئل لحاجته (المعتر): الذي يتعرض للعطاء من غير سؤال، (الصوافي) جمع صافية: أرض الغنيمة، (التافه): الحقير، (أشخص همه): رفعه، (تصعير الخد): إمالته كبرا، (تقتحمه): تزدريه، (أعذر في الأمر): صار ذا عذر فيه.

الاعراب‏

الله مكررا: منصوب على التحذير، من الذين: من بيانية، لله: اللام‏

للاختصاص و تفيد الاخلاص، و كل: المضاف إليه محذوف أي كلهم.

المعنى‏

قد عبر عليه السلام من الطبقة السابعة بالطبقة السفلى‏ نظرا إلى ظاهر حالهم عند الناس حيث إنهم عاجزون عن الحيلة و الاكتساب و هم مساكين و محتاجون و المبتلون بالبؤس و الزمانة و لكن سواهم مع سائر الناس في الحقوق و أظهر بهم أشد العناية و الاهتمام و قسمهم إلى ثلاثة أقسام.

1- القانع، و قد فسر بمن يسأل لرفع حاجته و يعرض حاجته على مظان قضائه.

2- المعتر، و هو السيى‏ء الحال الذي لا يسأل الحاجة بلسانه و لكن يعرض نفسه في مظان الترحم و التوجه إليه فكان يسأل بلسان الحال.

3- من اعتزل في زاوية بيته لا يسأل بلسانه و لا يعرض نفسه على مظان قضاء حوائجه، إما لرسوخ العفاف و عزة النفس فيه، و إما لعدم قدرته على ذلك كالزمنى و هم الذين بين حالهم في قوله عليه السلام‏ (و تفقد امور من لا يصل إليك منهم، ممن تقتحمه العيون و تحقره الرجال) و قد وصى فيهم بامور:

1- حفظ حقوقهم و العناية بهم طلبا لمرضاة الله و حذرا من نقمته لأنهم لا يقدرون على الانتقام ممن يهضم حقوقهم.

2- جعل لهم قسما من بيت المال العام الذي يجمع فيه الصدقات الواجبة و المستحبة و أموال الخراج الحاصل من الأراضي المفتوحة عنوة.

3- جعل لهم قسما من صوافي الاسلام في كل بلد، قال في الشرح المعتزلي: و هي الأرضون التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و كانت صافية رسول الله صلى الله عليه و آله، فلما قبض صارت لفقراء المسلمين، و لما يراه الامام من مصالح الاسلام.

4- أن لا يصير الزهو بمقام الولاية موجبا لصرف النظر عنهم و عدم التوجه إليهم مغترا باشتغاله بامور هامة عامة، فقال عليه السلام: أحكام الامور الهامة الكثيرة لا يصير كفارة لصرف النظر عن الامور الواجبة القصيرة.

5- الاهتمام بهم و عدم العبوس في وجوههم عند المحاضرة و المصاحبة لاظهار الحاجة.

ثم أوصى بالتفقد عن القسم الثالث المعتزل بوسيلة رجال موثق‏ من أهل الخشية و التواضع‏ و خصص طائفتين من العجزة بمزيد التوصية و الاهتمام.

الف- الأيتام الذين فقدوا آبائهم و حرموا من محبة والدهم الذين يلمسونهم بالعطف و الحنان دائما.

ب- المعمرون إلى أرذل العمر الذين أنهكتهم الشيبة و اسقطت قواهم فلا يقدرون على انجاز حوائجهم بأنفسهم، و أشار إلى أن رعاية هذه الطبقة على الولاة ثقيل‏ بل‏ الحق كله ثقيل‏.

الترجمة

سپس خدا را باش خدا را باش در باره آن طبقه زير دستى كه بيچاره و مستمندند چون گدايان و نيازمندان و گرفتاران سختى در زندگى و مردم زمين گير و از كار افتاده، زيرا در اين طبقه حاجت خواهان و ترحم جويانند آنچه را از تو در باره حفظ حق آنان خواسته در نظر دار، و بهره‏اى از بيت المال براى آنها مقرر دار، و بهره‏اى هم از در آمد خالصجات اسلامى در هر شهرستانى باشند، حق بيگانه ‏ها و دوردستهاى اين طبقه همانند حق نزديكان آنها است، سر مستى مقام و جاه تو را از آنها باز ندارد، زيرا انجام كارهاى مهم و فراوان براى تقصير تو در اين كارهاى كوچك و لازم عذر پذيرفته نيست، دل از آنان بر مدار و چهره بر آنها گره مساز، از آن دسته اين مستمندان كه بحضور تو نمى‏رسند، و مردم بديده تحقير بدانها نگاه ميكنند بازرسى و تفقد كن، و براى سرپرستى آنان كسان موثق و مورد اعتمادى كه خدا ترس و فروتن باشند بگمار تا وضع آنانرا بتو گزارش دهند.

با اينها چنان رفتار كن كه در پيشگاه خداوند سبحان هنگام ملاقاتش رو سفيد و معذور باشى، زيرا اينان در ميان رعيت از ديگران بيشتر نيازمند انصاف و عدلند و در باره هر كدام به درگاه خدا از نظر پرداخت حقش عذرخواه باش، يتيمان و پيران پشت خميده را كه بيچاره‏اند و نيروى سؤال و در خواست ندارند بازرسى كن اين كاريست كه براى حكمرانان سنگين است ولى چه بايد كرد؟ هر حقى سنگين است، و خداوند آنرا بر مردمى سبك نمايد كه عاقبت خوش بخواهند و خود را بسيار شكيبا دارند، و براستى وعده‏هاى خداوند بر ايشان اطمينان و عقيده دارند.

الفصل الحادى عشر من عهده عليه السلام‏

و اجعل لذوى الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، و تجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك، و تقعد عنهم جندك و أعوانك من أحراسك و شرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع، فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه و آله- يقول في غير موطن: (لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع) ثم احتمل الخرق منهم و العي، و نح عنهم الضيق و الأنف، يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته، و يوجب لك ثواب طاعته، و أعط ما أعطيت هنيئا و امنع في إجمال و إعذار. ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها: منها إجابة

عمالك بما يعيا عنه كتابك، و منها إصدار حاجات الناس عند [يوم‏] ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك، و أمض لكل يوم عمله، فإن لكل يوم ما فيه، و اجعل لنفسك فيما بينك و بين الله أفضل تلك المواقيت، و أجزل تلك الأقسام و إن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية، و سلمت منها الرعية. و ليكن في خاصة ما تخلص به لله دينك إقامة فرائضه التي هى له خاصة، فأعط الله من بدنك في ليلك و نهارك، و وف ما تقربت به إلى الله من ذلك كاملا غير مثلوم و لا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ، و إذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا و لا مضيعا، فإن في الناس من به العلة و له الحاجة، و قد سألت رسول الله- صلى الله عليه و آله- حين وجهني إلى اليمن كيف أصلي بهم؟ فقال: «: صل بهم كصلاة أضعفهم، و كن بالمؤمنين رحيما».

اللغة

(الحرس): حرس السلطان و هم الحراس الواحد حرسي و الحرس اسم مفرد بمعنى الحراس كالخدام و الخدم، (الشرط): قوم من أعوان الحكومة يعلمون أنفسهم بعلامات الخدمة يعرفون بها، (التعتعة) في الكلام: التردد فيه‏ من حصر أو عى (الخرق): ضد الرفق، (عى): يقال: عيى من باب تعب عجز عنه و لم يهتد لوجه مراده، العي بكسر العين و تشديد الياء: التحير في الكلام، (الأنف): الانفة و هي خصلة تلازم الكبر، (الأكناف): الجوانب، (إجمال):

في الرفق، (يعيا): يعجز (مثلوم): ما فيه خلل.

الاعراب‏

مجلسا: مصدر ميمي فيكون مفعولا مطلقا أو اسم مكان فيكون مفعولا فيه، من أحراسك: لفظة من بيانية، غير متتعتع حال، يبسط الله: مجزوم في جواب الأمر، ما اعطيت، لفظة ما مصدرية زمانية أو موصولة و العائد محذوف، هنيئا: تميز رافع للابهام عن النسبة، في إجمال: لفظة في للظرفية المجازية، امور من امورك مبتدأ لخبر مقدم محذوف أى هنا امور من امورك، و لذا صح الابتداء بالنكرة ما فيه: فيه ظرف مستقر صفة أو صلة لما، إقامة فرائضه: اسم و ليكن اخر عن الخبر، و هو جملة ظرفية.

المعنى

بعد ما فرغ عليه السلام من تشريح النظام العام و تقرير القوانين لتشكيلات الدولة و تنظيم أمر طبقات الامة، توجه إلى بيان ما يرتبط بالوالي نفسه و بينه في شعب ثلاث:

الاولى: ما يلزم على الوالي بالنسبة إلى عموم من يرجع إليه في حاجة و يشكو إليه في مظلمة و وصاه بأن يعين وقتا من أوقاته لإجابة المراجعين إليه و شرط عليه:

1- أن يجلس لهم في مكان بلا مانع يصلون إليه و يأذن للعموم من ذوى الحاجات في الدخول عليه.

2- أن يتلقاهم بتواضع و حسن خلق مستبشرا برجوعهم إليه في حوائجهم.

3- أن يمنع جنده و أعوانه من التعرض لهم و ينحى الحرس و الشرط الذين يرعب الناس منهم عن هذه الجلسة ليقدر ذوو الحاجة من بيان مقاصدهم و شرح ماربهم و مظالمهم بلا رعب و خوف و حصر في الكلام.

4- أن يتحمل من السوقة و البدويين خشونة آدابهم و كلامهم العاري عن كل ملاحة و أدب.

5- أن لا يضيق عليهم في مجلسه و لا يفرض عليهم آدابا يصعب مراعاتها و لا يلقاهم بالكبر و أبهة الولاية و الرياسة.

6- أنه إن كان حاجاتهم معقولة و مستجابة فاعطاهم ما طلبوا لم يقرن عطائه بالمن و الأذى و الخشونة و التأمر حتى يكون هنيئا و إن لم يقدر على إجابة ما طلبوا يردهم ردا رفيقا جميلا و يعتذر عنهم في عدم إمكان إجابة طلبتهم.

الثاني: ما يلزم عليه فيما بينه و بين أعوانه و عماله المخصوصين به من الكتاب و الخدمة كما يلي:

1- يجيب عماله و كتابه في حل ما عجزوا عنه من المشاكل الهامة.

2- يتولى بنفسه‏ اصدار الحوائج التي عرضت على أعوانه و يصعب عليهم انفاذها لما يعرض عليهم من الترديد في تطبيق القوانين أو الخوف مما يترتب على انفاذها من نواح شتى.

3- أن لا يتأخر أى عمل عن يومه المقرر و يتسامح في إمضاء الامور في أوقاتها المقررة.

الثالث: ما يلزم عليه فيما بينه و بين الله فوصاه بأن الولاية بما فيها من المشاغل و المشاكل لا تحول بينه و بين ربه و أداء ما يجب عليه من العبادة و التوجه إلى الله فقال عليه السلام:

اجعل‏ أفضل‏ أوقاتك و أجزل أقسام عمرك بينك و بين الله في التوجه إليه و التضرع و الدعاء لديه و إن كان كل عمل من أعمالك عبادة لله مع النية الصالحة و إصلاح حال الرعية.

و أمره باقامة الفرائض المخصوصة، و إن كانت شاقة و متعبة لبدنه كالصوم في الأيام الحارة و الصلاة بمالها من المقدمات في شدة البرد و في الفيافي و الأسفار الطائلة بحيث لا يقع خلل فيما يؤديه من الأعمال و لا منقصة فيه من التسامح و الإهمال.

قال في الشرح المعتزلي في بيان قوله: (كاملا غير مثلوم) أى لا يحملنك شغل السلطان على أن تختصر الصلاة اختصارا، بل صلها بفرائضها و سننها و شعائرها في نهارك و ليلك و إن أتعبك ذلك و نال من بدنك و قوتك.

أقول: الظاهر أن المقصود من قوله‏ (غير مثلوم) هو النهى عن الاخلال بواجب في العبادة من شرط أو جزء بحيث يوجب البطلان و المقصود من قوله‏ (غير منقوص) النهي عن النقصان الغير المبطل كالاختصار و التعجيل في الأداء أو التأخير من وقت الفضيلة.

قال ابن ميثم: الثامن أن يعطى الله من بدنه في ليله و نهاره: أي طاعة و عبادة فحذف المفعول الثاني للعلم به و القرينة كون الليل و النهار محلين للأفعال و القرينة ذكر البدن.

أقول: لا يخلو كلامه من تكلف و الظاهر أن قوله عليه السلام كنايه [فاعط الله من بدنك‏] (من بدنك) ظرف مستقر مفعول ثان لقوله‏ (فأعط) كما تقول أعط زيدا من البر، و الجملة كناية عن رياضة بدنية في العبادة بحيث يصرف فيها جزء من البدن و قواه.

ثم استدرك من ذلك صلاته بالناس في الجماعة فأمره برعاية حال المأمومين و أدائها على وجه لا يشق على المعلولين و لا يضر بحوائج العمال و المحترفين فتصير الصلاة في الجماعة منفورة عندهم و لكن لا يؤديها على وجه يخل بواجباتها و آدابها المرعية بحيث يكون مضيعا لأعمالها أو وقتها.

و نختم شرح هذا الفصل بذكر قصتين مناسبتين للمقام:

الاولى: حكي أنه استأذن بعض أعوان فتح‏على‏ شاه من المحقق القمي المعاصر له و هو مرجع و مفت للشيعة في أيامه و معتمد لديه في إفطار الشاه صومه لطول‏ النهار و شدة الحر معللا بأن الصوم يؤثر في حاله و يورث فيه الغضب الشديد و خصوصا في أوان العصر فربما يحكم على المتهمين بالعقوبة قبل التحقيق عن إثباته جرمه، أو على المجرمين بتشديد العقوبة إلى أن يصل بالقتل و الفتك بما يخرج عن حد العدالة، فأجاب رحمه الله تعالى: بأن الشاه يصوم و لا يغضب حتى يرتكب الخلاف و الظلم.

الثانية: ما ذكره الشارح المعتزلي في شرحه «ص 87 ج 17 ط مصر» قال: كان بعض الأكاسرة يجلس للمظالم بنفسه، و لا يثق إلى غيره، و يقعد بحيث يسمع الصوت، فإذا سمعه أدخل المتظلم، فاصيب بصمم في سمعه، فنادى مناديه: أن الملك يقول: أيها الرعية إني إن أصبت بصمم في سمعي فلم أصب في بصري، كل ذي ظلامة فليلبس ثوبا أحمر، و جلس لهم في مستشرف له.

الترجمة

براى مراجعان شخص خودت كه بتو نيازى دارند وقتى مقرر دار كه شخص خودت بدانها رسيدگى كنى و در مجلس عمومى همه را بار دهى، و در آن متواضع باشى براى خدائى كه تو را آفريده بشرائط زير:

لشكريان و ياوران خود را از قبيل گارد مخصوص پاسبانى و پاسبانان شهرباني خود را از مراجعان بر كنار سازى تا هر كس بى لكنت زبان با تو سخن خود را در ميان گذارد، زيرا من از رسول خدا صلى الله عليه و آله شنيدم كه در چند جا فرمود: «مقدس و پاك نباشند امتى كه در ميان آنها حق ناتوان از توانا بى لكنت زبان گرفته نشود».

سپس بد برخوردى و كند زبانى آنانرا بر خود هموار كن و فشار و تكبر فرمانروائى خود را از آنان دور دار تا خداوند بدين وسيله رحمت همه جانبه خود را بروى تو بگشايد و پاداش طاعتش را بتو ارزانى دارد هر چه بهر كس مى‏دهى بى‏منت باشد تا بر او گوارا بود و اگر از انجام درخواست كسى دريغ كردى با زبان خوش و معذرت او را روانه ساز.

سپس تو را كارهائيست كه بناچار خوبست بايد انجام دهى:

از آن جمله پذيرفتن مراجعه كارمندان تو است در آنچه دفتر داران تو از انجام آن درمانند.

از آن جمله پاسخ گوئى به نيازمنديهاى مردم است كه بتو مراجعه مى‏شود در صورتى كه ياوران تو از پاسخ بدانها دچار نگرانى شوند.

كار هر روزى را در همان روز انجام بده و به فردا ميفكن، زيرا براى هر روزى است كارهاى مربوط بدان روز.

براى خود ميان خود و خداى تعالى بهترين أوقات و شايان‏ترين قسمت عمر خود را مقرر دار و گر چه همه اوقات تو براى خدا مصرف مى‏ شود و عبادت محسوبست در صورتى كه نيت پاك باشد و كار رعيت درست شود، و بايد در خصوص آنچه با خلاصمندى در كار دين خود براى خدا انجام مى ‏دهى، انجام واجباتى كه بر تو است و مخصوص خدا است منظور دارى، از تن خود بخدا بده، در شب خويش و در روز خويش آنچه براى تقرب بخداى سبحان ميكنى (از نماز و روزه و غيره) كامل انجام بده بطورى كه خللى در آن نباشد و كاستى نداشته باشد، بگزار هر چه بيشتر به تنت رنج عبادت رسد.

ولى هر گاه براى مردم نماز ميخوانى و جماعت در پشت سر دارى نبايد باندازه‏اى طول بدهى كه مايه نفرت مردم از نماز جماعت شود و نه چنان كوتاه آئى كه مايه تضييع نماز گردد، مردمى كه پشت سر تو نماز مى‏خوانند برخى دچار بيمارى و گرفتارى و حاجت هستند.

من خود از رسول خدا صلى الله عليه و آله هنگامى كه براى سرپرستى مسلمانان بسوى يمنم گسيل داشت پرسيدم كه: چگونه براى مردم نماز جماعت بخوانم؟ در پاسخ فرمود: مانند نماز ناتوان‏ترين آنها و نسبت بمؤمنان مهربان باش.

الفصل الثاني عشر من عهده عليه السلام‏

[و] أما بعد [هذا] فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، و قلة علم بالامور، و الاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير، و يعظم الصغير، و يقبح الحسن، و يحسن القبيح، و يشاب الحق بالباطل، و إنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، و ليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، و إنما أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه؟ أو فعل كريم تسديه؟ أو مبتلى بالمنع؟ فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مئونة فيه عليك، من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة.

اللغة

(الشوب) بالفتح: الخلط يقال: شابه شوبا من باب قال خلطه، (الوري):

ما توارى عنك و استتر، (سمات): جمع سمة كعدة و أصلها و سم و هي العلامات، (ضروب): أنواع، (سخت) من سخا يسخو: جادت، (الأسداء): الاعطاء.

المعنى‏

قد يتخذ الوالي حاجبا على بابه يمنع عن ورود الناس إليه إلا مع الاذن، و قد يحتجب عن الناس أى يكف نفسه عن الاختلاط بهم فيقطع عنه أخبارهم و أحوالهم، و قد سعى الاسلام في رفع الحجاب بين الوالي و الرعية إلى النهاية، فكان النبي صلى الله عليه و آله يختلط مع الناس كأحدهم فيجتمعون حوله للصلاة في كل يوم خمس مرات و لاستماع آي القرآن و الوعظ و عرض الحوائج في أي وقت حتى يهجمون على أبواب دور نسائه و يدخلونها من دون استيذان.

فنزلت الاية «يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه و لكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا و لا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم و الله لا يستحيي من الحق و إذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب‏» 53- الأحزاب.

و قد كانوا يصيحون عليه من وراء الباب و يستحضرونه حتى نزلت الاية 4 و 5 الحجرات‏ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون و لو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم و الله غفور رحيم‏.

و لكن ورد الحجاب في الحكومة الاسلامية في أيام عمر، قال الشارح المعتزلي «ص 91 ج 17 ط مصر» حضر باب عمر جماعة من الأشراف منهم سهيل بن عمرو و عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس فحجبوا، ثم خرج الاذن فنادى، أين عمار أين سلمان، أين صهيب و أدخلهم فتمعرت وجوه القوم- تغيرت غيظا و حنقا- فقال سهيل ابن عمرو: لم تتمعر وجوهكم، دعوا و دعينا، فأسرعوا و أبطأنا و لئن حسدتموهم على باب عمر اليوم لأنتم غدا لهم أحسد.

و اشتد الحجاب في أيام بني امية فكان المراجعون يحجبون وراء الباب شهورا و سنة، قال الشارح المعتزلي «ص 93 ج 17 ط مصر» أقام عبد العزيز بن زرارة الكلابي على باب معاوية سنة في شملة من صوف لا يؤذن له.

و الظاهر أن موضوع كلامه عليه السلام هذا ليس الحجاب بهذا المعنى، بل المقصود النهى عن غيبة الوالي من بين الناس و عدم الاختلاط معهم بحيث يعرف أحوالهم و أخبارهم فانتهز خواصه هذه الفرصة فيموهون عليه الحقائق، كما يريدون و يعرضون عليه الامور بخلاف ما هي عليه فيستصغر عنده‏ الكبير و بالعكس‏ و يقبح‏ باضلالهم عنده‏ الحسن‏ و بالعكس و لا يتميز عنده‏ الحق‏ من‏ الباطل‏ قال عليه السلام‏ «إنما الوالي بشر» لا يعلم الغيب و ما يخفيه عنه ذو و الأغراض و ليست للحق علائم محسوسة ليعلم‏ الصدق من الكذب‏.

ثم رد عليه السلام عذر الوالي‏ في‏ الاحتجاب‏ من هجوم‏ الناس‏ عليه و طلب‏ الجوائز منه فقال: إن كان‏ الوالي‏ جوادا يبذل في الحق فلا وجه لاحتجابه، و إن كان أهل المنع من العطاء فاذا لم يبذل للطالبين أيسوا منه فلا يطلبون.

و نختم شرح هذا الفصل بنقل ما حكاه الشارح المعتزلي من وصايا أبرويز لحاجبه قال:

و قال أبرويز لحاجبه: لا تضعن شريفا بصعوبة حجاب، و لا ترفعن وضيعا بسهولته ضع الرجال مواضع أخطارهم فمن كان قديما شرفه ثم ازدرعه «اثبته» و لم يهدمه بعد آبائه فقدمه على شرفه الأول، و حسن رأيه الاخر، و من كان له شرف متقدم و لم يصن ذلك حياطة له، و لم يزدرعه تثمير المغارسة، فألحق بابائه من رفعة حاله ما يقتضيه سابق شرفهم، و ألحق به في خاصته ما ألحق بنفسه، و لا تأذن له إلا دبريا و إلا سرارا، و لا تلحقه بطبقة الأولين، و إذا ورد كتاب عامل من عمالي فلا تحبسه عنى طرفة عين إلا أن أكون على حال لا تستطيع الوصول إلى فيها، و إذا أتاك من يدعى النصيحة لنا فاكتبها سرا، ثم أخدلها بعد أن تستأذن له، حتى إذا كان منى بحيث أراه فادفع إلى كتابه فان أحمدت قبلت و إن كرهت رفضت، و إن أتاك عالم مشتهر بالعلم و الفضل يستأذن، فأذن له، فإن العلم شريف و شريف صاحبه، و لا تحجبن عني أحدا من أفناء الناس إذا أخذت مجلسي مجلس العامة، فإن الملك لا يحجب إلا عن ثلاث: عي يكره‏

أن يطلع عليه منه، أو بخل يكره أن يدخل عليه من يسأله، أو ريبة هو مصر عليها فيشفق من إبدائها و وقوف الناس عليها، و لا بد أن يحيطوا بها علما، و إن اجتهد في سترها.

الترجمة

پس از همه اينها خود را مدتى طولانى از نظر رعيت محجوب بدار، زيرا پرده گيرى كار گزاران از رعايا يك نوع فشار بر آنها است و كم اطلاعى از كارها پرده گيرى از رعيت مانع از دانستن حقايق است و بزرگ را در نظر كار گزار خرد جلوه مى ‏دهد و خرد را بزرگ، و زيبا را زشت جلوه مى‏دهد، و زشت را زيبا، و حق و باطل را بهم مى ‏آميزد، همانا كارگزار و حكمران يك آدمى است و آنچه را مردم از او نهان دارند نخواهد دانست، حق را نشانه‏هاى آشكار و ديدنى نيست تا درست و نادرست بوسيله آنها شناخته شوند، همانا تو كه حكمرانى يكى از دو كس خواهى بود:

يا مردى دست باز و با سخاوتى در راه حق، چرا پشت پرده مى‏ روى براى پرداخت حقى كه بايد بدهى يا كار خوبى كه بايد بكنى.

يا مردى هستى گرفتار بخل و تنگ نظر در اين صورت هم مردم چه زود از حاجت خواستن از تو صرف نظر كنند وقتى تو را بيازمايند از تو نوميد گردند، با اين كه بيشتر حوائج مراجعان بتو خرجى ندارد، از قبيل شكايت از مظلمه‏اى يا در خواست انصاف و عدالت در معامله و داد ستدى.

الفصل الثالث عشر من عهده عليه السلام‏

ثم إن للوالي خاصة و بطانة فيهم استئثار و تطاول، و قلة إنصاف في معاملة، فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال‏ و لا تقطعن لأحد من حاشيتك و حامتك قطيعة، و لا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك، يحملون مئونته على غيرهم، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك، و عيبه عليك في الدنيا و الاخرة.

و ألزم الحق من لزمه من القريب و البعيد، و كن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك و خاصتك حيث وقع، و ابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فإن مغبة ذلك محمودة.

و إن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك، و اعدل عنك ظنونهم بإصحارك، فإن في ذلك رياضة منك لنفسك، و رفقا برعيتك، و إعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق.

اللغة

(بطانة) الرجل: دخلاؤه و أهل سره ممن يسكن إليهم و يثق بمودتهم، (الاستئثار): طلب المنافع لنفسه خاصة، (التطاول): و أطال الرجل على الشي‏ء مثل أشرف و زنا و معنى و تطاول علا و ارتفع، (الحسم): قطع الدم بالكي و حسمه حسما من باب ضرب: قطعه، (الحامة): القرابة، (القطيعة): محال ببغداد أقطعها المنصور أناسا من أعيان دولته ليعمروها و يسكنوها، و منه حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع، و أقطعته قطيعة أي طائفة من أرض الخراج و الأقطاع إعطاء الإمام قطعة من الأرض و غيرها و يكون تمليكا و غير تمليك- مجمع البحرين-.

(العقدة): الضيعة، و العقدة أيضا: المكان الكثير الشجر و النخل اعتقد،الضيعة: اقتناها، (المهنا): مصدر هنأته كذا (المغبة): العاقبة، (الحيف):الظلم و الجور، (و أصحرت) بكذا أى كشفته، مأخوذ من الاصحار، و هو الخروج إلى الصحراء.

الاعراب‏

استئثار: مبتدأ لقوله فيهم و هو ظرف مستقر قدم على المبتدأ لكونه نكرة، بقطع: الباء للسببيه، لا يطمعن: فاعله مستتر فيه راجع إلى قوله أحد، يحملون مئونته: جملة حالية، واقعا حال من قوله ذلك، بما: الباء بمعنى مع، بك حيفا الجار و المجرور ظرف مستقر مفعول ثان لقوله: ظنت قدم على حيفا و هو المفعول الأول لكونه ظرفا، فأصحر: ضمن معنى صرح فعدى بالباء، من تقويمهم لفظة من للتعليل.

المعنى

من أصعب نواحي العدالة للولاة و الحكام و السلاطين و الزعماء العدالة في خصوص الأولياء، و الأحباء و الأقرباء و الأرحام من حيث منعهم عن الظلم بالرعية اعتمادا على تقربهم بالحاكم و من بيده الأمر و النهى، و قد اهتم النبي صلى الله عليه و آله في ذلك فحرم الصدقات على ذوي قرباه لئلا يشتركوا مع الناس في بيت المال فيأخذون أكثر من حقهم، و منع بني عبد المطلب من تصدي العمل في جمع الصدقات لئلا يختلسوا منها شيئا بتزلفهم إلى النبي صلى الله عليه و آله.

ففي الوسائل بسنده عن محمد بن يعقوب، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، و عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن صفوان بن يحيى، عن عيص بن القاسم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن اناسا من بني هاشم أتوا رسول الله صلى الله عليه و آله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا يكون لنا هذا السهم الذي جعل الله عز و جل للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: يا بني عبد المطلب [يا بني هاشم- خ ب‏] إن الصدقة لا تحل لى و لا لكم‏ و لكني قد وعدت الشفاعة- إلى أن قال: أ تروني مؤثرا عليكم غيركم؟

و قد حفظ على هذه السيرة النبوية المقدسة في صدر الأسلام شيئا ما حتى وصلت النوبة إلى عثمان فحكم ذوي قرابته من بني امية على رقاب المسلمين و سلطهم على أموالهم فكان يعطى العطايا الجزيلة لهم من بيت مال المسلمين و يقطع الأقطاع لهم من أراضي المسلمين و هتك حجاب العدل فأقطع مروان بن الحكم من فدك التي أخذها أبو بكر من فاطمة عليها السلام بحجة مختلفة من أنه في‏ء لجميع المسلمين و صدقة مرجوعة إليهم، ثم شاع أمر الأقطاع في حكام الجور إلى أن المنصور العباسي أعطى جمعا من بطانته قطايع من أراضي بغداد أكثرهم حظا من ذلك الربيع الحاجب المتهالك في خدمته و الفاتك بأعدائه و أهل ريبته كائنا من كان حتى بالنسبة إلى الأئمة المعصومين عليهم السلام.

و قد أكثر حكام بني امية أيام إمارتهم من أقطاع القطائع و غصب أراضي المسلمين إلى حيث ملاؤا صدور المسلمين غيظا و كرها على حكومتهم فخاف عمر ابن عبد العزيز من ثورة تدك عرشهم فعزم بحزمه الفائق على سد هذا الخلل و تصدى لرد المظالم بكل صرامة و صراحة.

قال الشارح المعتزلي «ص 98 ج 17 ط مصر»: رد عمر بن عبد العزيز المظالم التي احتقبها بنو مروان فابغضوه و ذموه، و قيل: إنهم سموه فمات و في «ص 99»:روى جويرية بن أسماء، عن إسماعيل بن أبي حكيم، قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز، فلما تفرقنا نادى مناديه، الصلاة جامعة، فجئت إلى المسجد، فإذا عمر على المنبر، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن هؤلاء- يعني خلفاء بني امية قبله- قد كانوا أعطوا عطايا ما كان ينبغي لنا أن نأخذها منهم، و ما كان ينبغي لهم أن يعطوناها، و إني قد رأيت الان أنه ليس على في ذلك دون الله حسيب، و قد بدأت بنفسي و الأقربين من أهل بيتي، إقرء يا مزاحم.

فجعل مزاحم يقرأ كتابا فيه الأقطاعات بالضياع و النواحي، ثم يأخذه عمر فيقصه بالجلم «المقص» لم يزل كذلك حتى نودي بالظهر.

و روى الأوزاعى، أيضا، قال: قال عمر بن عبد العزيز يوما، و قد بلغه عن بني امية كلام أغضبه: إن لله في بني امية يوما- أو قال: ذبحا- و أيم الله لئن كان ذلك الذبح- أو قال: ذلك اليوم- على يدي لأعذرن الله فيهم، قال: فلما بلغهم ذلك كفوا، و كانوا يعلمون صرامته، و أنه إذا وقع في أمر مضى فيه.

أقول: و من هذه الرواية يعلم عمق سياسة عمر بن عبد العزيز و حزمه و أنه تفرس أن مظالم بني امية تؤدي إلى ثورة عامة عليهم تستأصلهم، فصار بصدد العلاج من نواح كثيرة:منها- يرد الظلامات و الأقطاع ما أمكنه.

منها- التحبب إلى أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله حتى رد فدك إليهم خلافا لسنة أبي بكر الغاصبة و إلغاء سب و لعن علي عليه السلام من خطبة صلاة الجمعة الذي سنها و أمر بها معاوية.

و روى عمر بن علي بن مقدم، قال: قال ابن صغير لسليمان بن عبد الملك لمزاحم: إن لي حاجة إلى أمير المؤمنين عمر، قال: فاستأذنت له، فأدخله، فقال: يا أمير المؤمنين لم أخذت قطيعتي؟ قال: معاذ الله أن آخذ قطيعة ثبتت في الإسلام، قال: فهذا كتابي بها- و أخرج كتابا من كمه- فقرأه عمر و قال: لمن كانت هذه الأرض؟ قال: كانت للمسلمين، قال: فالمسلمون أولى بها، قال:

فاردد إلى كتابي، قال: إنك لو لم تأتنى به لم أسألكه، فاذا جئتنى به فلست أدعك تطلب به ما ليس لك بحق، فبكى ابن سليمان، فقال مزاحم: يا أمير المؤمنين، ابن سليمان تصنع به هذا؟! قال: و ذلك لأن سليمان عهد إلى عمر، و قدمه على إخوته فقال عمر: ويحك يا مزاحم، إني لأجد له من اللوط- في اللسان و قد لاط حبه بقلبي أى لصق- ما أجد لولدي، و لكنها نفسي اجادل عنها- انتهى.

أقول: هذا في أقطاع الأراضي، و أما أقطاع المناصب، فقد ابتدع من عصر أبي بكر حيث اتخذ خالد بن الوليد بطانة و أعطاه لقب سيف الله و فوض إليه إمارة جيوش الاسلام لما علم منه عداوة علي عليه السلام و فوض إمارة الجيش الذي بعثه إلى‏ الشام إلى يزيد بن أبي سفيان فاتخذ بني امية بطانة لما عرف فيهم من المعاداة مع بني هاشم و أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله مع وجود من هو أشجع و أرسخ قدما في الاسلام من كبار الصحابة العظام كأمثال مقداد و الزبير و عمار بن ياسر.

و قد عرف عليه السلام ما لحق من الاضرار بالاسلام من‏ استئثار خاصة الوالي و بطانته و أن‏ فيهم تطاول و قلة انصاف‏، فأمر الوالي‏ بقطع مادة الفساد و نهاه مؤكدا عن أقطاع الأراضي لحاشيته و قرابته، و أضاف إليه أن لا يسلطه على ما يمس بالرعية بواسطة عقد إجارة أو تقبل زراعة الأراضي و نحوهما لئلا يظلمهم‏ في الشرب‏ و يحملهم مئونة لانتفاعه عنهم بلا عوض و أشار إلى أن ذلك صعب فأمره بالصبر و انتظار العاقبة المحمودة لإجراء هذه العدالة الشاقة عليه.

ثم توجه عليه السلام إلى أنه قد ينقم‏ الرعية على‏ الوالي‏ في امور يرونها ظلما عليهم فيتهمونه بالمظالم و الجور فيتنفر عنه قلوبهم و يفكرون في الخلاص منه، و ربما كان ذلك من جهلهم بالحقيقة، فلا بد للوالي من التماس معهم و كشف الحقيقة لهم و إقناعهم و تنبيههم على جهلهم و حل العقدة التي تمكنت في قلوبهم، و قد اتفق ذلك لرسول الله صلى الله عليه و آله في مواقف:

منها- ما اتفق في موقف تقسيم غنائم حنين حيث أسهم لرؤساء قريش كأبي سفيان مائة بعير، و أسهم لرؤساء العشائر كعيينة بن حصن و أمثاله مائة بعير، و أسهم للأنصار المجاهدين المخلصين مع سابقتهم و تفانيهم في نصرة الاسلام أربعة، فدخل في صدورهم من الغيظ ما لا يخفى فنقموا على رسول الله صلى الله عليه و آله و اتهموه بالحيف في تقسيم الغنيمة فلما عرض ذلك عليه صلى الله عليه و آله جمع الأنصار و أصحر لهم بعذره و أزال غيظهم و أقنعهم قال ابن هشام في سيرته «ص 320 ج 2 ط مصر»: قال ابن إسحاق، و أعطى رسول الله صلى الله عليه و آله المؤلفة قلوبهم و كانوا أشرافا من أشراف الناس يتألفهم و يتألف بهم قومهم، فاعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير، و أعطى ابنه معاوية مائة بعير، و أعطى حكيم بن حزام مائة بعير، و أعطى الحارث ابن كلدة أخا بني عبد الدار مائة بعير- إلى أن قال: و أعطى العلاء بن جارية الثقفي‏ مائة بعير، و أعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مائة بعير، و أعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة بعير، و أعطى مالك بن عوف بن النصري مائة بعير، و أعطى صفوان ابن امية مائة بعير- إلى أن قال: جاء رجل من تميم يقال له: ذو الخويصرة فوقف عليه و هو يعطى الناس، فقال: يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: أجل فكيف رأيت؟ قال: لم أرك عدلت- إلى أن قال: عن أبي سعيد الخدرى قال: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه و آله ما أعطى من تلك العطايا في قريش و في قبائل العرب و لم يكن للأنصار منها شي‏ء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم لقى و الله رسول الله صلى الله عليه و آله قومه فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفي‏ء الذي أصبت قسمت في قومك و أعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب و لم يك في هذا الحي من الأنصار منها شي‏ء قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله ما أنا إلا من قومي، قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، قال: فخرج سعد فجمع الأنصار، في تلك الحظيرة- إلى أن قال: فلما اجتمعوا له أتاه سعد فقال: قد اجتمع هذا الحي من الأنصار فأتاهم رسول الله صلى الله عليه و آله فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله، ثم أصحر لهم عن عذره في ضمن خطبة بليغة قاطعة فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم و قالوا رضينا برسول الله قسما و حظا، ثم انصرف رسول الله و تفرقوا فمن أراد الاطلاع فليرجع إلى محله.

و من أهمها ما وقع في صلح الحديبية مع مشركي مكة حيث قبل رسول الله صلى الله عليه و آله منهم الرجوع من حديبية و نقص العمرة التي أحرم بها مع أصحابه و شرط لقريش شروطا يثقل قبولها على أصحابه.

قال ابن هشام في سيرته «ص 215 ج 2 ط مصر» قال الزهري: ثم بعث قريش سهيل بن عمرو أخا بني عامر بن لؤى إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و قالوا له: ائت محمدا فصالحه و لا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنه عامه هذا فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدا، فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و آله‏ مقبلا قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه و آله تكلم فأطال الكلام و تراجعا، ثم جرى بينهما الصلح فلما التأم الأمر و لم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر، فقال:

يا أبا بكر أ ليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلى م نعطى الدنية في ديننا؟! قال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه- الغرز: العود المغروز بالأرض: أى الزم رايته- فإني أشهد أنه رسول الله، قال عمر: و أنا أشهد أنه رسول الله، ثم أتى رسول الله، فقال: يا رسول الله أ لست برسول الله؟ قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال:بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلى م نعطى الدنية في ديننا؟! قال: أنا عبد الله و رسوله لن اخالف أمره و لن يضيعني- انتهى.

و هذا الذي بينه عمر ما كان يختلج في صدور أكثر المسلمين لما أحسوا من ثقل شروط الصلح و اضطهادها المسلمين حتى دخل الشك في قلوب الناس، و روى عن عمر انه قال: ما شككت في الإسلام قط كشكي يوم حديبية.

فأصحر رسول الله صلى الله عليه و آله عن عذره بأنه عبد الله و رسوله، و قد أمره الله تعالى بعقد هذا الصلح و لا يستطيع مخالفة أمر الله.

و يظهر شكهم مما روي عن ابن عباس قال: حلق رجال يوم حديبية و قصر آخرون، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: يرحم الله المحلقين، قالوا: و المقصرين يا رسول الله، قال: يرحم الله المحلقين، قالوا: و المقصرين- إلى أن قال: فقالوا:يا رسول الله فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين؟ قال: لم يشكوا.

و منها- ما رواه في الوسائل عن عنبسة بن مصعب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:سمعته يقول: اتى النبي صلى الله عليه و آله بشي‏ء يقسمه فلم يسع أهل الصفة جميعا فخص به اناسا منهم فخاف رسول الله صلى الله عليه و آله أن يكون قد دخل قلوب الاخرين شي‏ء، فخرج إليهم، فقال: معذرة إلى الله عز و جل و إليكم يا أهل الصفة إنا اوتينا بشي‏ء فأردنا أن نقسمه بينكم فلم يسعكم فخصصت به اناسا منكم خشينا جزعهم و هلعهم- ذكره‏ في كتاب الزكاة في باب عدم وجوب استيعاب المستحقين بالإعطاء-.

و لعمري أن هذه المرحلة من أصعب ما يبتلي به الولاة و الامراء و رؤساء الشعوب و الملل الغير الراقية و الملل المتأخرة، حيث إن أعدل القوانين مما لا يرضى به كثير منهم لاستئثارهم بالمنافع و عدم التوجه إلى غيرهم من الأفراد فقلما وقع في تاريخ الدول و الملل أن يكون الشعب راضيا من الحكومة غير ناقم عليه في كثير من قوانينها و إجراء آتها.

الترجمة

سپس راستى كه براى والى مخصوصان و ياران نزديكى است كه خود خواه و دست درازند و در معامله با ديگران كمتر رعايت انصاف را مى ‏نمايند، ريشه تجاوز و ستم آنانرا با قطع وسائل ستم از بن بر كن، و بهيچكدام از دوروريها و خويشان خود تيولى از اراضى مسلمانان وامگذار و هرگز در تو طمع نبندند كه قراردادى بنفع آنها منعقد كنى كه مايه زيان مردم ديگر باشد در حقابه آب يارى يا در عمل مشتركى كه مخارج آنرا بر ديگران تحميل كنند، تا سود آنرا ببرند و گوارا بخورند و عيب و نكوهشش در دنيا و آخرت بگردن تو بماند.

حق را در باره خويش و بيگانه بطور لزوم مراعات كن، و در اين باره شكيبائى و خدا خواهى را منظور دار با هر چه فشار بر خويشان و يارانت وارد شود، گرانى اين كار را در سرانجام خوب آن تحمل كن، زيرا سرانجامش پسنديده و دلنشين است.

و اگر رعيت تو را متهم به ستم و جورى كردند، عذر خود را در باره كارى كه منشأ اتهام و بدبينى آنها شده فاش كن و با كمال صراحت مطلب را به آنها بفهمان و بدبينى آنها را بوسيله صراحت در بيان مطلب از خود بگردان، زيرا اين خود براى نفس تو رياضت و پرورشى است و نسبت برعيت ارفاق و ملاطفتى است، و در نتيجه عذر خواهى مؤثريست كه گره كار تو را مى‏گشايد و رعيت را براه حق استوار مى ‏دارد.

الفصل الرابع عشر من عهده عليه السلام‏

و لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك و لله فيه رضا، فإن في الصلح دعة لجنودك، و راحة من همومك، و أمنا لبلادك، و لكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم، و اتهم في ذلك حسن الظن، و إن عقدت بينك و بين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء، و ارع ذمتك بالأمانة، و اجعل نفسك جنة دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله شي‏ء الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم و تشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود، و قد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر، فلا تغدرن بذمتك، و لا تخيسن بعهدك، و لا تختلن عدوك، فإنه لا يجترى‏ء على الله إلا جاهل شقي، و قد جعل الله عهده و ذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته، و حريما يسكنون إلى منعته، و يستفيضون إلى جواره، فلا إدغال و لا مدالسة و لا خداع فيه، و لا تعقد عقدا تجوز فيه العلل، و لا تعولن على لحن قول بعد التأكيد و التوثقه، و لا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق، فإن صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه و فضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، و أن تحيط بك من الله فيه طلبة فلا تستقبل فيها دنياك و لا آخرتك.

اللغة

(دعة): مصدر ودع: الراحة، (استوبلوا) استفعال من الوبال: أى ينتظرون و بال عاقبة الغدر و الوبال: الوخم، يقال: استوبلت البلد: استوخمت فلم توافق ساكنها، (خاس) بالعهد: نقضه، (الختل): الخداع و المكر (أفضاه): بسطه، استفاض الماء: سال، (الدغل): الفساد، (المدالسة): مفاعلة من التدليس في البيع و غيره كالمخادعة و هي إرائة الشي‏ء و تعريفه بخلاف ما هو عليه، (لحن القول):كالتورية و التعريض و هي أداء المقصود بلفظ يحتمل غيره من المعنى، (التوثقة):مصدر من وثق.

الاعراب‏

لله فيه رضا: رضا مبتدأ مؤخر مرفوع تقديرا و لله جار و مجرور متعلق برضا و فيه ظرف مستقر خبر له، و الجملة حال عن قوله عليه السلام صلحا، الحذر: منصوب على التحذير بفعل مقدر و كل الحذر تأكيد، عقدة مفعول عقدت و بينك ظرف متعلق بها، ما اعطيت، ما موصولة أو مصدرية و العائد محذوف.

فانه ليس من فرائض الله- إلى قوله: أشد عليه اجتماعا- إلخ، قال الشارح المعتزلي في «ص 107 طبع مصر»، قال الراوندي: الناس مبتدأ و أشد مبتدأ ثان و من تعظيم الوفاء خبره، و هذا المبتدأ الثاني مع خبره خبر المبتدأ الأول و محل الجملة نصب لأنها خبر ليس و محل ليس مع اسمه و خبره رفع لأنه خبر فانه، و شي‏ء اسم ليس و من فرائض الله حال و لو تأخر لكان صفة لشي‏ء و الصواب أن شي‏ء اسم ليس و جاز ذلك و إن كان نكرة لاعتماده على النفي و لأن الجار و المجرور قبله في موضع الحال كالصفة، فتخصص بذلك و قرب من المعرفة، و الناس مبتدأ و أشد خبره، و هذه الجملة المركبة من مبتدأ و خبر في موضع رفع لأنها صفة شي‏ء و أما خبر المبتدأ الذي هو «شي‏ء» فمحذوف و تقديره «في الوجود» كما حذف الخبر في قولنا «لا إله إلا الله» أى في الوجود.

و ليس يصح ما قال الراوندي من أن «أشد» مبتدأ ثان و «من تعظيم الوفاء» خبره لأن حرف الجر إذا كان خبرا لمبتدأ تعلق بمحذوف، و ها هنا هو متعلق بأشد نفسه، فكيف يكون خبرا عنه، و أيضا فانه لا يجوز أن يكون أشد من تعظيم الوفاء خبرا عن الناس، كما زعم الراوندي، لأن ذلك كلام غير مفيد ألا ترى أنك إذا أردت أن تخبر بهذا الكلام عن المبتدأ الذي هو «الناس» لم يقم من ذلك صورة محصلة تفيدك شيئا، بل يكون كلاما مضطربا.

و يمكن أن يكون «من فرائض الله» في موضع رفع لأنه خبر المبتدأ و قد قدم عليه، و يكون موضع «الناس» و ما بعده رفع لأنه خبرا لمبتدأ الذي هو شي‏ء، كما قلناه أولا، و ليس يمتنع أيضا أن يكون «من فرائض الله» منصوب الموضع لأنه حال و يكون موضع «الناس أشد» رفعا لا خبرا لمبتدأ الذي هو «شي‏ء».

أقول: الوجه الصحيح في إعراب هذه الجملة أن: من فرائض الله ظرف مستقر خبر ليس و «شي‏ء» اسمه و كون الخبر ظرفا و مقدما من مصححات الابتداء بالنكرة، و «الناس» مبتدأ و «أشد عليه اجتماعا» خبره و «من تعظيم الوفاء» مكمل قوله «أشد» فان أفعل التفضيل يكمل بالاضافة أو لفظة من، و الجملة في محل حال أوصفة لقوله «شي‏ء» و ما ذكره الراوندي و الشارح المعتزلي من الوجوه تكلفات مستغنى عنها.

دون المسلمين: ظرف مستقر في موضع الحال عن المشركين، لا تختلن، نهى مؤكد من ختله يختله إذا خدعه و راوغه، فلا ادغال، لنفى الجنس و الاسم مبني على الفتح كنايه [فلا ادغال و لا مدالسة و لا خداع فيه‏] و نفى جنس الادغال و ما بعده كناية عن النهي المؤكد، و فضل عاقبته:عطف على قوله: انفراجه، و أن تحيط: فعل مضارع منصوب بأن المصدرية معطوف‏ على قوله عليه السلام غدر أي و من إحاطة لله بك فيه طلبة، فلا تستقبل: الفاء فصيحة تفيد التفريع و هي الفاء الفصيحة.

المعنى‏

قد تعرض عليه السلام في هذا الفصل في الروابط الحكومية الاسلامية الخارجية و حث على رعاية الصلح و قبول الدعوة إليه، و هذا الدستور ناش من جوهر الاسلام الذي كان شريعة الصلح و السلام و الأمن، فانه نهض بشعارين ذهبيين و هو الإسلام و الإيمان، و الإسلام مأخوذ من السلم، و الإيمان مأخوذ من الأمن و هذان الشعاران اللذان نهض الإسلام بهما اعلام بأن هذا الدين داع إلى استقرار الصلح و الأمن بين كافة البشر، و قد نزلت في القرآن الشريف آيات محكمات تدعو إلى الصلح و استتباب السلام.

1- يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة 94- النساء.

قال في مجمع البيان: و قرء في بعض الروايات عن عاصم السلم بكسر السين و سكون اللام و قرء الباقون السلام بالألف، و روى عن أبي جعفر القارئ عن بعض الطرق «لست مؤمنا» بفتح الميم الثانية، و حكى أبو القاسم البلخي أنه قراءة محمد بن علي الباقر عليه السلام- انتهى.

فجمع هذين القرائتين يصير «و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا» فيكون صريحا في المطلوب و موافقا لقوله عليه السلام‏ (و لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك).

2- لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس و من يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما 114- النساء.

3- و الصلح خير و أحضرت الأنفس الشح و إن تحسنوا و تتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا 128- النساء.

فقوله تعالى «و الصلح خير» جملة صارمة ذهبية مال إليها كل الشعوب في هذه العصور و آمنوا بها من حيث يشعرون و من حيث لا يشعرون، فقد صار حفظ الصلح و السلام دينا للبشر كافة أسسوا لحفظه و الدعوة إليه مؤسسة الامم المتحدة.

4- «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين‏ 209- البقرة».و السبب في ترغيب الإسلام في الصلح و السلم أن الاسلام، دين برهان و تفكير و شريعة تبيان و دليل و الاستفادة منها يحتاج إلى محيط سالم و طمأنينة و الحرب المثيرة للأحقاد و التعصبات منافية للتوجه إلى البرهان و التعقل في أي بيان، و قد نبه عليه السلام إلى ما في الصلح من الفوائد القيمة فقال: (فان في الصلح‏:

1- دعة لجنودك) فالحرب متعبة للأبدان منهكة للقوى، فيحتاج الجند إلى دعة و استراحة لتجديد القوى و الاقتدار على مقاومة العدى.

2- (و راحة من همومك) فالحرب تحتاج إلى ترسيم خطة صحيحة تؤدى إلى الظفر فاذا حمى الوطيس و احمر الموقف من دم الأبطال و ارتج الفضاء من العويل و الويل لا يقدر القائد من التفكير و ترسيم خطط ناجحة و الصلح يريحه من الهموم و يفتح أمامه فرصة الفكر و ترسيم خطط للظفر بالعدو.

3- (و أمنا لبلادك) فالحرب تثير الضغائن و تحرض العدو على الاغارة في البلاد و سلب الأمن و الراحة عن العباد.

ثم نهى عليه السلام و حذر عن الغفلة بعد الصلح و وصى أن يكون المسلمون دائما على اهبة فطنا يقظا من كيد الأعداء، لأن العدو إذا رأى التفوق لعدوه في الحرب و أيس من الغلبة عليه يلتجأ باقتراح الصلح، ثم لم يلبث أن يفكر في الخديعة و طلب الظفر بالمكر و الدهاء من شتى النواحي و يقارب ليتمكن من درس نقاط الضعف و ينتهز الفرصة للهجوم على عدوه في موقع مقتض.

فالحرب خطة محيطة بالأخطار من شتى النواحي، فلا بد من ملاحظة أي احتمال يؤدي إلى ظفر العدو و إن كان ضعيفا و الفكر في معالجته و سده، كما أنه‏ لما اصطف المسلمون مع قريش في احد فكر النبي صلى الله عليه و آله في إمكان هجوم خيالة قريش من وراء عسكر الإسلام و محاصرتهم حتى بعد انهزامهم، فوكل عبد الله بن جبير في ستين نفرا من رماة الإسلام على جبل الرماة و وصاهم بالمقام هناك و حفظ خلف صفوف المسلمين و أكد لهم مزيد التأكيد و وعدهم بمزيد من سهم الغنيمة.

و لما انهزم المشركون في الهجوم الأول لجيش الإسلام و شرعوا بالفرار غر أصحاب عبد الله و لم يطيعوه و أخلوا مقامهم، فانتهز خالد بن وليد قائد خيالة قريش هذه الفرصة و دار بالخيالة وراء صفوف المسلمين و حاصرهم فوقع الانهزام في صفوف المسلمين و قتل أكثر من سبعين من أبطال الإسلام و اصيب النبي صلى الله عليه و آله بجراحات عظيمة كاد أن يقضى عليه لو لا نصر الله و تأييده.

و الصلح دورة ينضب شعلة الحرب تحت الرماد فلا بد من‏ الحذر و اليقظة التامة من مكائد العدو الكاشر باسنانه الحاقد بقلبه.و قد تقدم الاسلام في أيام بني عثمان تقدما ظاهرا في اروبا حتى حاصر جيش الأسلام بلدة وينه و لكن لما وقع عقد الصلح بين زعماء أروبا و بني عثمان كادوا و دبروا حتى استولوا على متصرفاته و ارجعوا سلطة الإسلام الرهيبة قهقرى و شرحوا في ترسيم خطط لإغفال المسلمين و تنويمهم بشتى الوسائل حتى غلبوا في القرن الثامن عشر و بعده على كافة نواحي الإسلام و فتحوا بلاد الإسلام فتحا اقتصاديا لا نظير له من قبل و حازوا كل منابع ثروة المسلمين من المعادن، و حولوا بلادهم إلى أسواق تجارية لهم و كبلوهم برءوس الأموال الهائلة و سخروهم من حيث يشعرون و من حيث لا يشعرون و دام سلطتهم على أغلب المسلمين و أغلب بلادهم إلى عصرنا هذا، فيا لها من مصيبة سببت إغواء شباب الإسلام و انحرافهم عن الإسلام.

زعم العواذل أنني في غمرة صدقوا و لكن غمرتي لا تنجلي‏

فلا بد من الأخذ بالحزم‏ و طرد حسن الظن‏ تجاه‏ العدو سواء في حالة الحرب أو الصلح، و الصلح مع العدو غالبا ينتهى إلى عقد قرار بشروط معينة فتوجه عليه السلام إلى ذلك و وصى فيه بأمرين:

1- أمر بالوفاء بالعهد و الذمة وفاء كاملا يحوط به من كل ناحية و رعاية الذمة إلى حيث يضحى بنفسه في سبيل‏ الوفاء و رعاية الذمة مع أنها تنعقد مع غير المسلم، و أشار إلى أن‏ الوفاء بالعهد فريضة إلهية يجب رعايتها و الالتزام بها و وديعة بشرية اتفقت الشعوب و الملل راقيها و متأخرها على الالتزام بها حتى المشركين المنكرين للدين، حيث أنهم يخافون من عاقبة الغدر، فيقول عليه السلام: (فلا تغدرن بذمتك و لا تخيسن بعهدك، و لا تختلن عدوك) لأن‏ الغدر و نقض العهد و المخادعة بعد التعهد ظلم و لو كان الطرف كافرا و لا يرتكبه‏ إلا جاهل شقي‏.

و نبه على أن اتفاق بني الإنسان على رعاية العهود و الذمم نظم إلهي و إلهام فطرى أوحى إليهم من حيث لا يشعرون لحفظ الأمن و النظام و اللازم لبقاء البشر فهو رحمة الله التي فاضت في كافة العباد كالرزق المقدر لهم ليسكنو إلى منعة حريمها و ينتشروا في جوارها وراء ماربهم و مكاسبهم.

2- أمره بالسعي في صراحة ألفاظ المعاهدة و وضوح النصوص المندرجة فيها بحيث لا تكون ألفاظها و جملها مبهمة و مجملة، قابلة للترديد و التأويل، و نهى عن التمسك بخلاف ظاهر ألفاظ المعاهدة بعد التأكيد و التوثيق‏ لنقضها إذا طرء الصعوبة على إجرائها، و قال عليه السلام‏ (و لا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق) و علله عليه السلام بأن الصبر على الصعوبة الناشئة من الوفاء بالعهد متعقب بالفرج و حسن العاقبة و هو خير من الغدر الذي‏ يخاف تبعته‏ بانتقام من نقض عهده في الدنيا و بعقوبة الله‏ على نقض العهد المنهي عنه في غير آية من القرآن في الاخرة.و مما ينبغي تذكره هنا ما وقع لرسول الله صلى الله عليه و آله في معاهدة حديبية مع قريش، قال ابن هشام في سيرته «ص 216 ج 2 ط مصر».

فبينا رسول الله صلى الله عليه و آله يكتب الكتاب هو و سهيل بن عمرو إذا جاء أبو جندل ابن سهيل بن عمرو يوسف في الحديد، قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه و آله، و قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله حين خرجوا و هم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله‏ صلى الله عليه و سلم، فلما رأوا ما رأوا من الصلح و الرجوع و ما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه و آله في نفسه دخل على الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون، فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه و أخذ بتلبيبه، ثم قال: يا محمد قد لجت القضية بيني و بينك قبل أن يأتيك هذا، قال: صدقت فجعل ينتره بتلبيبه و يجره ليرده إلى قريش، و جعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أ أرد إلى المشركين يفتنونني في ديني فراد الناس إلى ما بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله يا أبا جندل أصبر و احتسب فإن الله عاجل لك و لمن معك من المستضعفين فرجا و مخرجا إنا قد عقدنا بيننا و بين القوم صلحا و أعطيناهم على ذلك و أعطونا عهد الله و إنا لا نغدر بهم، قال: فوثب عمر بن الخطاب، انتهى.

و أنت ترى ما وقع فيه رسول الله صلى الله عليه و آله من الحرج و المشقة في الوفاء بالعهد الذي عقده مع قريش و لكن دام عليه حتى فرج الله عنه أحسن فرج.

الترجمة

محققا صلحى كه از دشمن بدان دعوت شدى رد مكن در صورتى كه خدا پسند باشد زيرا در صلح با دشمن آرامش خاطر لشكريان تو است و مايه آسايش تو از هم و هول است و وسيله آسايش شهرستانها است، ولى بايد پس از صلح بسيار از دشمن در حذر باشى، زيرا بسا كه دشمن نزديك و دمخور مى‏شود تا دشمن را غافلگير كند، دور انديشى را پيشه كن و خوش بينى را كنار بگذار.

و اگر ميان خود و دشمنت قرار دادى بستى يا او را در پناه خود گرفتى تعهد خود را از همه جهت وفا كن، و ذمه پناه بخشى خود را رعايت نما و جان خود را سپر آن عهدى ساز كه سپردى، زيرا در ميان واجبات خداوند چيزى نيست كه همه مردم با تفرقه در اهواء و تشتت در آراء سخت‏تر در آن اتفاق داشته باشند از تعظيم و بزرگ داشت وفا بتعهدات.

تا آنجا كه مشركان و بت پرستان هم كه مسلمانى ندارند آنرا بر خود لازم مى‏شمارند، براى آنكه عواقب نقض تعهد را نكبت بار مى‏دانند، بتعهد پناه بخشى‏

خود غدر مكن و عهد خود را مشكن و دشمن خود را گول مزن، زيرا دليرى و گستاخى بر خدا را مرتكب نشود مگر نادان بدبخت.

خداوند تعهد و ذمه پناه بخشى را مايه آسايش ساخته كه ميان بندگان خود از هر كيش و ملت پراكنده و آنرا بست و دژ محكمى مقرر كرده كه در سايه آن بيارامند و در پناه آن بدنبال انجام كارهاى خود بگرايند، دغلى و تدليس و فريب و خدعه را در آن راهى نيست.

قرار دادى منعقد نكن كه عبارات آن مبهم باشد و خلل در آن راه يابد و بكنايه و اشاره در عقد قرارداد مؤكد و مورد وثوق اعتماد مكن، و اگر براى اجراى برخى مواد قرارداد در فشار افتادى امر خدا تو را باجراى آن ملزم ساخته در مقام برنيا كه بنا حق را فسخ آنرا جستجو كنى، زيرا شكيبائى تو بر تحمل فشار اجراى تعهد با اميد باين كه دنبالش گشايش است و سرانجامش خوبست بهتر است از عهد شكنى كه بيم از عواقب ناهنجارش دارى و از اين كه از جانب خداوند در باره آن مورد مسئوليت قرار بگيري، و خدا از تو نگذرد نه در دنيا و نه در آخرت.

الفصل الخامس عشر من عهده عليه السلام‏

إياك و الدماء و سفكها بغير حلها، فإنه ليس شي‏ء أدعى لنقمة، و لا أعظم لتبعة، و لا أحرى بزوال نعمة، و انقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها، و الله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه و يوهنه بل يزيله و ينقله، و لا عذر لك عند الله و لا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود البدن،

و إن ابتليت بخطإ و أفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة فإن في الوكزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدى إلى أولياء المقتول حقهم. و إياك و الإعجاب بنفسك، و الثقة بما يعجبك منها، و حب الإطراء، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين. و إياك و المن على رعيتك بإحسانك، أو التزيد فيما كان من فعلك، أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإن المن يبطل الإحسان، و التزيد يذهب بنور الحق، و الخلف يوجب المقت عند الله و الناس، قال الله تعالى: «كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون‏- 3 الصف». و إياك و العجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقط [التساقط] فيها عند إمكانها، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت، أو الوهن عنها إذا استوضحت، فضع كل أمر موضعه، و أوقع كل عمل موقعه. و إياك و الاستئثار بما الناس فيه أسوة، و التغابى عما تعنى به مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك، و عما قليل‏

تنكشف عنك أغطية الأمور، و ينتصف منك للمظلوم املك حمية أنفك، و سورة حدك، و سطوة يدك، و غرب لسانك و احترس من كل ذلك بكف البادرة، و تأخير السطوة، حتى يسكن غضبك فتملك الإختيار، و لن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك. و الواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة، أو سنة فاضلة، أو أثر عن نبينا- صلى الله عليه و آله- أو فريضة في كتاب الله، فتقتدى بما شاهدت مما عملنا به فيها، و تجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، و استوثقت به من الحجة لنفسي عليك لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها [فلن يعصم من السوء و لا يوفق للخير إلا الله تعالى و قد كان فيما عهد إلى رسول الله- صلى الله عليه و آله- في وصاياه تحضيض على الصلاة و الزكاة و ما ملكته أيمانكم، فبذلك أختم لك بما عهدت، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم‏].

اللغة

(قود) القود بالتحريك: القصاص، يقال: أقدت القاتل بالقتيل: قتلته به‏ و بابه قال (الوكزة): و كزه: ضربه و دفعه، و يقال: و كزه أي ضربه بجمع يده على ذقنه، و أصابه بوكزة أى بطعنة و ضربة، (نخوة): في الحديث إن الله أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية بالفتح فالسكون أى افتخارها و تعظمها، (الفرصة):

النوبة، و الممكن من الأمر، (يمحق) يقال: محقه محقا من باب نفعه: نقصه و أذهب منه البركة، و قيل: المحق ذهاب الشي‏ء كله حتى لا يرى له أثر، (التزيد): تفعل من الزيادة أى احتساب العمل أزيد مما يكون، (المقت):

البغض، (لج) في الأمر لجاجة إذا لازم الشي‏ء و واظبه من باب ضرب، (الاسوة):المساواة، (التغابي): التغافل، (سورة) الرجل: سطوته وحدة بأسه، (غرب) اللسان: حدته، (البادرة): سرعة السطوة و العقوبة.

الاعراب‏

إياك منصوب على التحذير، و الدماء منصوب على التحذير و التقدير اتق نفسك و احذر الدماء و سفكها، مما يضعفه: من للتبعيض، لا عذر لنفى الجنس و الخبر محذوف، في نفسه جار و مجرور متعلق بقوله: أوثق، مقتا: منصوب على التميز، بما الناس، ما موصولة أو موصوفة، و الجملة بعدها صفة أو صلة، و فيه متعلق بقوله أسوة، بكف البادرة مصدر مضاف إلى المفعول من المبنى للمفعول.

المعنى‏

قد تعرض عليه السلام في هذا الفصل للتوصيات الأخلاقية بالنسبة إلى الوالي نفسه ليكون اسوة لعماله أولا و لكافة الرعية نتيجتا، فتوجه إلى التعليم الأخلاقي كطبيب روحاني ما أشده في حذقه و مهارته فانه عليه السلام وضع إصبعه على أصعب الأمراض الأخلاقية و الجنائية التي ابتلت بها الامة العربية في الجاهلية العمياء التي ظلت عليها قرونا وسعت في معالجتها و التحذير عنها و بيان مضارها كدواء ناجع ناجح في معالجتها فشرع في ذلك الفصل بقوله عليه السلام.

(إياك و الدماء و سفكها) كانت العرب في الجاهلية غريقة في الحروب و المشاحنات، و عريقة في سفك الدماء البريئات، فكانت تحمل سلاحها و تخرج‏ من كمينها للصيد فيهدف أى دابة تلقاها وحشية كانت أم أهلية بهيمة كانت أم نسمة، تعيش بالصيد و تشبع منها و تسد جوعتها، و إذا كان صيدها إنسانا يزيده شعفا و سرورا، لأنه ينال بسلبه و متاعه فانقلبت إلى امة سفاكة تلذ من قتل النفوس و يزيدها نشاطا إذا كان المقتول رجلا شريفا و بطلا فارسا فتفتخر بسفك دمه و تنظم عليه الأشعار الرائقة المهيجة و ترنمها و تغني بها في حفلاتها.

و جاء الإسلام مبشرا بشعار الإيمان و الأمن و لكن ما لبث أن ابتلى بالهجومات الحادة التي ألجأه إلى تشريع الجهاد، فاشتغل العرب المسلمون بقتل النفوس في ميادين الجهاد حقا في الجهاد المشروع و باطلا في شتى المناضلات التي أثارها المنافقون فيما بينهم بعض مع بعض أو مع الفئة الحقة حتى ظهر في الإسلام حروب دموية هائلة تعد القتلى فيها بعشرات الالوف كحرب جمل و صفين.

فزاد المسلمون العرب السادة في الجزيرة و ما فتحوه من البلاد الواسعة الالفة بمص الدماء و سفكها حتى سقط حرمة الإنسان في نظرهم و سهل عليهم أمر سفك الدماء لا يفرقون بين ذبح شاة و بين ذبح إنسان.

و هذا الداء العضال مهمة للتعليمات الإسلامية من الوجهه الأخلاقية منذ بعثة النبي صلى الله عليه و آله.

فنزلت في القرآن الشريف آيات محكمة صارمة في تحريم سفك الدماء فبين الاعتراض عليه من لسان الملائكة العظام حين إعلام خلق آدم فقال عز من قائل‏ و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أ تجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء 30- البقرة و تلاها بنقل قصة ابني آدم الذي قتل أحدهما الاخر فأبلغ في تشنيع ارتكاب القتل إلى حد الاعجاز، ثم صرح بالمنع في قوله تعالى «و ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ 92- النساء».

و فرض في ارتكاب قتل الخطاء كفارة عظيمة، فقال تعالى «و من قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة و دية مسلمة إلى أهله‏» ثم قرر عقوبة لا تتحمل في قتل المؤمن‏ عمدا فقال تعالى‏ و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما 94- النساء.

و أكد النبي في المنع عن قتل الخطا باشتراك العاقلة في هذا الجريمة المعفوة عن العقوبة الاخروية لكونها غير اختيارية من حيث النية فحملهم الدية و أعلن أن حرمة المؤمن كحرمة الكعبة باعتبار أن حرمة الكعبة راسخة في قلوب العرب و عقيدتهم إلى النهاية.

و قد نبه عليه السلام إلى تبعات سفك الدم بما يلي:

1- (فانه ليس شي‏ء أدعى لنقمة) في نظر أولياء المقتول و عامة الناس و عند الله.

2- (و لا أعظم لتبعة) في الدنيا بالانتقام من ذوي أرحام المقتول و أحبائه و بالقصاص المقرر في الاسلام.

3- (و لا أحرى بزوال نعمة) و أهمها زوال الطمأنينة عن وجدان القاتل و ابتلائه بالاضطراب الفكري و عذاب الوجدان.

4- (و انقطاع مدة) سواء كان‏ مدة الشباب فيسرع المشيب إلى القاتل أو الرتبة الاجتماعية و المدنية فتسقط عند الناس و عند الامراء، أو العمر فيقصر عمر القاتل.

5- أنه أول ما يقضي الله به‏ يوم القيامة، فتحل أول عقوبة الاخرة بالقاتل.

6- انتاجه عكس ما يروم القاتل من ارتكابه، فيضعف سلطنته و يوهنها إن قصد به تقوية سلطانه بل يزيلها و ينقلها.

7- إنه لا يقبل الاعتذار و الخلاص من عقوبته إن كان عمدا.

8- ادائه إلى‏ القود المفني‏ للبدن‏ و المزيل للحياة.

ثم بين عليه السلام أنه إن كان‏ خطأ فلا بد من الانقياد لأولياء المقتول‏ بأداء الدية من دون مسامحة و اعتزاز بمقام الولاية، و نبه إلى الاحتياط في الضرب‏

و الايلام و إلى كظم الغيظ عند المكاره فانه ربما يصير الوكزة باليد سببا للقتل.

قال في الشرح المعتزلي: في شرح قتل الخطأ «ص 212 ج 17 ط مصر»: و قد اختلف الفقهاء في هذه المسألة، فقال أبو حنيفة و أصحابه: القتل على خمسة أوجه:عمد، و شبه عمد، و خطأ، و ما اجري مجرى الخطأ، و قتل بسبب:

فالعمد ما يتعمد به ضرب الانسان بسلاح، أو ما يجرى مجرى السلاح كالمحدد من الخشب و ليطة القصب «و هى قشر القصب اللازق به» و المروة «و هى الحجر الأبيض البراق» المحددة، و النار، و يوجب ذلك المأثم و القود إلا أن يعفو الأولياء، و لا كفارة فيه.

و شبه العمد أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح و اجرى مجرى السلاح كالحجر العظيم و الخشبة العظيمة، و يوجب ذلك المأثم و الكفارة، و لا قود فيه، و فيه الدية مغلظة على العاقلة.

و الخطأ على وجهين: خطأ في القصد، و هو أن يرمي شخصا يظنه صيدا، فاذا هو آدمي، و خطأ في الفعل، و هو أن يرمي غرضا فيصيب آدميا، و يوجب النوعان جميعا الكفارة و الدية على العاقلة، و لا مأثم فيه.

و ما اجرى مجرى الخطأ، مثل النائم يتقلب على رجل فيقتله، فحكمه حكم الخطأ.

و أما القتل بسبب، فحافر البئر و واضع الحجر في غير ملكه، و موجبه إذا تلف فيه إنسان الدية على العاقلة، و لا كفارة فيه.

فهذا قول أبي حنيفة و من تابعه، و قد خالفه صاحباه أبو يوسف و محمد في شبه العمد، و قالا: إذا ضربه بحجر عظيم، أو خشبة غليظة فهو عمد، قال: و شبه العمد أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا، كالعصا الصغيرة، و السوط، و بهذا القول قال الشافعي.

و كلام أمير المؤمنين عليه السلام يدل على أن المؤدب من الولاة إذا تلف تحت يده إنسان في التأديب فعليه الدية، و قال لي قوم من فقهاء الامامية: إن مذهبنا أن لا دية عليه، و هو خلاف ما يقتضيه كلام أمير المؤمنين عليه السلام.

أقول: ليس في كلامه عليه السلام أن الضرب كان للتأديب كما قيده به في كلامه بل الظاهر خلافه و أنه عليه السلام بين حكم العنوان الذاتي الأولي للضرب و لا ينافي ذلك سقوطه بعنوانه الثانوي كما إذا كان للتأديب أو الدفاع.

و قال المحقق- رحمه الله- في الشرائع: القتل إما عمد، و إما شبيه العمد و إما خطأ محض، فضابطة العمد أن يكون عامدا في فعله و قصده، و شبه العمد أن يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده، و الخطأ المحض أن يكون مخطئا فيهما انتهى.

قسم القتل إلى هذه الأقسام الثلاثة، ثم فرع بعد ذلك فروعا كثيرة في موجبات الضمان الملحق بقتل الخطأ أو شبه العمد، و مع ملاحظة الفروع التي تعرض فيها لأنواع الضمانات في هذا الباب لا يظهر منها كثير خلاف مع ما ذكره الشارح المعتزلي من فقهاء العامة، و لا يسع المقام تفصيل ذلك.

ثم حذر عن‏ الاعجاب‏ بالنفس و الاعتماد على ما يصدر منه من محاسن الأعمال في نظره، و الاعجاب‏ بالنفس موجب للنخوة و الغرور التي كانت من أمراض العرب الجاهلي و أداه إلى الاعتقاد بالتبعيض العنصري و التمسك بأن عنصره و جرثومته القبلي أشرف العناصر، فالعرب مع ضيق معاشه و حرمانه عن أكثر شئون الحياة السعيدة و موجبات الرفاه في المعيشة و تقلبه في رمال الصحراء و حر الرمضاء يرى نفسه أشرف البشر و أفضل من سلف و غبر، فيأنف من الارتباط الأخوي مع بني- نوعه و التبادل الانتفاعي بالزواج، و قد يأنف من أخذ العطاء مع حاجته و فقره المدقع.

و قد تمكن في عقيدته هذا الامتياز العنصري حتى بالنسبة إلى بني قبائله العرب فضلا عن غيرها، كما حكى عن الأصمعي أنه مر على شاب عريان، في رحلته بين القبائل العربية لاستقصاء اللغة و الأقاصيص العربية، فاستنطقه فأجابه بأبيات فصيحة أعجبه فأعطاه دنانير، فسأل منه الشاب عن أي قبيلة هو؟ فقال: من باهلة،فامتنع من أخذ العطاء لخسة قبيلة باهلة عند العرب حتى قيل في ذلك:

إذا باهلي تحته حنظلية له ولد منها، فذاك المذرع‏

أراد الشاعر أنه إذا كانت الزوجة للزوج الباهلي حنظلية يصير الولد مذرعا أى شريفة الام و وضيع الأب.

و لما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه و آله رحمة للعالمين، مهمه هدفين هامين في دعوته الاصلاحية:

1- بث التوحيد و هداية البشر إلى عبادة الله وحده تحت شعار «لا إله إلا الله» و ردعهم عن عبادة الأصنام و الأنداد الذين لا ينفعون و لا يضرون.

2- إلفات البشر إلى أخوية إنسانية و رفع التبعيض العنصري بأدق معانيه و محو الامتيازات الموهومة بوجه جذري، فبث دعوة التوحيد بكل جهد و جهود حتى لبى دعوته اناس مخلصون، و أيده الله بنصرة قبائل عرب يثرب فهاجر إلى المدينة و أسس حكومة الاسلام النيرة، فاتبعه قبائل العرب واحدة بعد اخرى و فتح مكة المكرمة و أخضع قبائل قريش الأشداء في العناد مع الاسلام، و هم ذروة العرب و أشرف القبائل في عقيدة سائر العرب و في اعتقادهم، نشاوا بهذه العقيدة منذ قرون حتى رسخ في دماغهم و رسب في دمائهم و مصوها من ضروع امهاتهم.

و لما فتح مكة على خطة نبوية أشبه بالإعجاز من دون سفك الدماء في الحرم و إيقاد الحرب المؤلمة و تبين سيادة الاسلام على أنحاء الجزيرة العربية و أجوائها الواسعة قام على كعبة المكرمة، و نادى بهذين الهدفين الهامين بكل صراحة في خطبة ذهبية هاك نصها عن سيرة ابن هشام:

قال ابن إسحاق: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله قام على باب الكعبة فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، نصر عبده، و هزم الأحزاب وحده، ألا! كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت، و سقاية الحاج، و قتل الخطأ شبه العمد بالسوط و العصا ففيه الدية مغلظة: مائة من الابل أربعون منها أولادها في بطونها، يا معشر قريش: إن الله قد أذهب‏ عنكم نخوة الجاهلية و تعظمها بالاباء، الناس من آدم و آدم من تراب، ثم تلا هذه الاية «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏- الاية كلها 13- الحجرات».

ثم قال: يا معشر قريش، ما ترون إني عامل فيكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم و ابن أخ كريم، قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء.و في بعض الروايات «وحده» ثلاث مرات كما أنه في بعضها بعد قوله «و آدم من تراب» ورد أنه صلى الله عليه و آله قال: و ليس لعربي فضل على عجمى إلا بالتقوى.

و لكنه لم يدم هذه التربية النبوية في العرب و لم يعتقد بها المنافقون فسكتوا حتى توفي صلى الله عليه و آله و سلم فرجعوا قهقرى و أحيوا تفاخر العرب بالاباء و تفضيل عنصرهم على سائر الناس و جد في ذلك عمر و اشتد في ترويجه بنو امية طول حكومتهم الجبارة التي دامت ألف شهر و قد توجه صلى الله عليه و آله إلى حرية التناكح و نص عليها في خطبة تاريخية هامة ألقاها في حجة الوداع.

و قد كان منشأ النخوة العربية التي روى فيها أنها مهلكة للعرب هى العجب بالنفس و بما يأتي من الأعمال، فحذر عليه السلام من هذه الخصلة المهلكة أشد تحذير و بالتحذير من حب الاطراء الناشي منه، و بين‏ أن ذلك من أوثق فرص الشيطان‏ لإغواء الانسان و محق ما يفعله‏ من الاحسان‏.

قال الشارح المعتزلي «ص 114 ج 17 ط مصر»: ناظر المأمون محمد بن القاسم النوشجاني المتكلم، فجعل «المتكلم» يصدقه و يطريه و يستحسن قوله، «فقال المأمون: يا محمد، أراك تنقاد إلى ما تظن أنه تسرني قبل وجوب الحجة لي عليك، و تطريني بما لست احب أن أطرى به، و تستخذى لي في المقام الذي ينبغي أن تكون فيه مقاوما لي، و محتجا علي، و لو شئت أن أفسر الامور بفضل بيان، و طول لسان، و أغتصب الحجة بقوة الخلافة، و ابهة الرياسة لصدقت و إن كنت كاذبا، و عدلت و إن كنت جائرا، و صوبت و إن كنت مخطئا، لكني لا أرضى إلا بغلبة الحجة، و دفع الشبهة، و إن أنقص الملوك عقلا، و أسخطهم‏ رأيا من رضي بقولهم: صدق الأمير».

ثم نبه عليه السلام بالنهي عن ثلاثة امور: المن على‏ الرعية بالاحسان و التزيد في‏ الأعمال و الخلف في الوعد إلى التجنب عن الافراط في حب النفس الذي يكون غريزة للانسان بالذات، فانه أول ما يحس و يشعر يحس حب‏ نفسه‏ و حب النفس مبدأ الرضا و الغضب المحركين لأى حركة في الانسان، و الافراط فيه موجب لرذائل كثيرة أشار عليه السلام إلى امهاتها في هذه الجمل.

فمنها: المن‏ على من يحسن إليه لأنه إشعار بالانانية و تبجح بالشخصية من فرط الحب بالذات، قال الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الأذى‏ 264- البقرة»، قال الشارح المعتزلي «ص 115 ج 17 ط مصر» و كان يقال: المن محبة للنفس، مفسدة للصنع.

و منها، التزيد في الفعل الناشي عن تعظيم نفسه، فيرى حقير عمله كبيرا و قليله كثيرا فيذهب بنور الحق‏ لكونه كذبا و زورا، قال الشارح المعتزلي في الصفحة الانفة الذكر: مثل أن يسدى ثلاثة أجزاء من الجميل، فيدعي في المجالس و المحافل أنه أسدى عشرة.

و منها، نهيه عن‏ خلف‏ الوعد مع الرعايا، فهو أيضا ناش عن إكبار نفسه و تحقير الرعايا حيث إنه لم يعتن بانتظارهم و لم يحترم تعهدهم و خلاف الوعد و إن كان قبيحا و مذموما على وجه العموم و لكنه من الامراء و الولاة بالنسبة إلى الرعية أقبح و أشنع، لاشتماله على العجب و الكبر و تحقير طرف التعهد، و قد عد الله خلف الوعد من المقت عنده البالغ في النهي عنه حيث‏ قال تعالى «كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون‏ 3- الصف» فانه مشتمل على تكبير خلف الوعد من وجوه، قال الشارح المعتزلي «ص 115 ج 17 ط مصر»: و أما أمير المؤمنين عليه السلام قال: «إنه‏ يوجب المقت» و استشهد عليه بالاية، و المقت‏: البغض.

ثم حذره عن‏ العجلة في‏ الامور، فانه ناش عن الجهل و خفة العقل كما ترى في الصبيان و غير المثقفين من بنى الانسان، و قد روى «ان العجلة من الشيطان» و العجلة من الغرائز الكامنة في البشر من ناحية طبعه الحيواني كما قال الله تعالى:«خلق الإنسان من عجل‏ 27- الأنبياء».

كما أنه عليه السلام حذر عن المسامحة و التساقط في الامور إذا حان وقتها و تيسرت و عن الاصرار في إنجاحها إذا صعبت و تنكرت و لم يتيسر، أو الاغماض عنها إذ كشفت حقيقتها و اتضحت.

قال الشارح المعتزلي «ص 16 ج 17 ط مصر»: و منها نهيه عن‏ التساقط في الشي‏ء الممكن عند حضوره، و هذا عبارة عن النهي عن الحرص و الجشع، و في كلامه ما لا يخفى من النظر.

و من أسوء الأخلاق الحاكمة في وجود الانسان خلق‏ الاستئثار، و أثره أن يجلب كل شي‏ء إلى نفسه و يخصص كل ما يناله بنفسه فيتجاوز على حقوق إخوانه و يمنع الحقوق المتعلقة بماله، و الاستئثار طبيعي للانسان المحب لذاته بلا نهاية و يؤيده الجهل و الحاجة السائدين على العرب طيلة قرون الجاهلية، فنهى عليه السلام عنه‏ فبما يشترك‏ فيه الناس‏.

و نهاه عن الغفلة و التسامح فيما تهمه و ترتبط به من نظم الامور و بسط العدل حيث يقبح أمثاله في عيون الناس، فان التسامح في أخذ حق‏ المظلوم‏ عن الظالم‏ مأخوذ من‏ الوالى بنفع غيره و هو الظالم، قال الشارح المعتزلي في الصفحة الانفة الذكر: و صورة ذلك أن الأمير يؤمي إليه أن فلانا من خاصته يفعل كذا و يفعل كذا من الامور المنكرة، و يرتكبها سرا فيتغابى عنه و يتغافل، انتهى.

و نهاه عن الاستكبار و البطش اللذين من آثار الإمارة و السلطان، فان السلطان بطبعه سريع الغضب و شديد الانتقام و الحكم على من أساء إليه فوصاه بقوله عليه السلام‏ (و لن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك).

قال الشارح المعتزلي في «ص 117 ج 17 ط مصر»: و كان لكسرى أنوشروان صاحب قد رتبه و نصبه لهذا المعنى، يقف على رأس الملك يوم جلوسه، فاذا غضب‏ على إنسان و أمر به قرع سلسلة تاجه بقضيب في يده و قال له: إنما أنت بشر، فارحم من في الأرض يرحمك من في السماء.

ثم بين له المرجع القانوني الذي يجب عليه العمل به في حكومته، كما يلي:

1- السيرة العملية للحاكم العادل الذي كان قبله، فانها محترمة و مرضية عند الله و عند الناس‏.

2- السنة المأثورة الفاضلة الصادرة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم‏ بنقل الجماعات أو الثقات.

3- الفرائض المقررة في كتاب الله‏ في محكم آياته، و شرط عليه في العمل بها بما شاهد من عمله و تطبيق القوانين على موضوعاتها ليأمن من الاشتباه في التفسير و فهم المقصود و من الخطأ في التطبيق، و ها هنا بحثان:

1- كيف جعل عليه السلام سيرة الحكومة العادلة أصلا في مقابل السيرة المأثورة عن النبي صلى الله عليه و آله و هو أشبه باصول العامة.

2- كيف قدم سيرة الحكومة العادلة على السيرة المأثورة عن النبي صلى الله عليه و آله و قدمهما على الفريضة المنصوصة في كتاب الله و الخوض فيهما يحتاج إلى إطالة لا يسعها المقام.

الترجمة

از خون و خونريزى ناروا بپرهيز، زيرا خون ناحق از همه چيز زودتر مورد انتقام مى‏شود و گناهش بزرگتر است، و نعمت را زودتر از ميان مى‏برد، و ريشه عمر را قطع مى‏كند، خداوند سبحان در روز قيامت محاكمه گنهكاران را در باره خونريزى‏ هاى ميان بندگان آغاز مى‏ كند.

حكومت خود را بوسيله خون ناحق تقويت مكن، زيرا خونريزى ناروا آنرا سست و متزلزل مى‏سازد و سپس بنيادش را مى‏كند و بدست ديگرانش مى‏دهد، در نزد خدا و در نزد من در قتل عمد راه عذر و اميد عفو ندارى، زيرا كيفر مقرر آن قصاص است.

و اگر گرفتار قتل خطا شدى، و تازيانه يا شمشير و يا دستت بدون قصد قتل زياده روى كردند و كسى را كشتى «چون ممكن است بيك مشت محكم و بالاتر قتلى واقع شود» مبادا غرور سلطنت ترا باز دارد از اين كه حق أولياى مقتول را بپردازى و رضايت آنها را جلب كنى.

مبادا بخود ببالى، و بسرافرازيهاى خود اعتماد كنى.

مبادا تملق و ستايش را دوست بدارى، زيرا كه آن در نزد شيطان مناسبترين فرصتى است براى پايمال كردن هر نتيجه‏ اى از نيكى نيكوكاران.

مبادا باحسان خود نسبت برعايا بر سر آنها منت بگذارى يا كار خود را بيش از آنچه كه هست در حساب آنها آرى يا به آنها وعده‏اى بدهى و تخلف كنى، زيرا منت احسان را نابود مى‏كند، و بيشتر بحساب آوردن خدمتى نور حقيقت را مى‏برد، و خلف وعده نزد خداوند و مردم دشمنى ببار مى ‏آورد، خداوند متعال (در سوره صف آيه 3) مى‏فرمايد «دشمنى بزرگيست نزد خدا كه بگوئيد آنچه را عمل نمى ‏كنيد».

مبادا در كارهاى خود بى وقت شتاب كنى، يا در وقت مناسب سستى و تنبلى كنى، يا اگر متعذر و دشوار شد در باره آن اصرار و لجبازى كنى، و در صورت روشنى زمينه كارى در آن مسامحه روا دارى، هر كارى را بجاى خود مقرر دار.

مبادا از آنچه همه مردم در آن برابر و شريكند براى خود امتيازى قائل شوى يا از آنچه در برابر چشم همه است صرف نظر كنى و در تخلف وظائف دستگاه خود را به نفهمى بزنى، زيرا مسئوليت بر تو است و سود را ديگران مى ‏برند، و بزودى پرده از كارها برداشته مى‏شود و انتقام مظلوم از ظالم گرفته مى‏شود.

باد بينى و شراره تندى و ضرب دست و تيزى زبان خود را مهار كن، و در جلوگيرى از زبان خود و پس زدن سطوت و تندى بكوش تا خشمت فرو نشيند و اختيار خود را بدست آرى و قضاوتى مكن تا بسيار متوجه معاد و قيامت و پروردگار خود نگردى و حق را رهنمون نسازى.

بر تو لازم است كه روش حكومتهاى عدالت شعار پيش از خود را در نظر بگيرى، و روش نيك و أثرى كه از پيغمبر صلى الله عليه و آله باقى مانده منظور سازي و فريضه‏اى كه در قرآن خدا مقرر شده پيش چشم گذارى، و چنانچه بچشم خود ديدى ما آنرا مورد عمل و إجراء نموده‏ايم از آن پيروى كنى.

بايد براى خود بكوشى در پيروى اين فرمانى كه من براى تو صادر كردم و حجت خود را در آن بتو تمام نمودم تا در صورتى كه هواى نفس بر تو چيره شد عذرى نداشته باشى.

خاتمة عهده عليه السلام‏

و أنا أسأل الله بسعة رحمته، و عظيم قدرته على إعطاء كل رغبة [رغيبة] أن يوفقني و إياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه و إلى خلقه، مع حسن الثناء في العباد، و جميل الأثر في البلاد، و تمام النعمة، و تضعيف الكرامة و أن يختم لي و لك بالسعادة و الشهادة، إنا إليه راجعون [راغبون‏]، و السلام على رسول الله، صلى الله عليه و آله الطيبين الطاهرين [و سلم تسليما كثيرا].

الاعراب‏

قال الشارح المعتزلي: فان قلت: فقوله «و تمام النعمة» على ما ذا تعطفه؟

قلت: هو معطوف على «ما» في قوله «لما فيه» كأنه قال: أسأل الله توفيقي لذا و لتمام النعمة.

أقول: الأوضح عطفه على «الاقامة» في قوله «من الاقامة» لأن تمام‏

النعمة و ما بعده مما فيه رضاه، و أن يختم لى: عطف على قوله «أن يوفقني».

المعنى‏

قد نبه عليه السلام أن للوالي مسئولية عند الله و مسئولية عند الناس، و لا بد له من الاجتهاد في الخروج عن كلتا المسئوليتين حتى يعذره الله و يعذره خلق الله، و علامته‏ حسن الثناء من‏ العباد و جميل الأثر في البلاد، من الجانب الخلقي، و تمام النعمة و تضعيف الكرامة من جانب الله، لأنه أثر شكر نعمة الولاية الذي أداه الوالي.

ثم‏ سأل الله‏ تعالى لنفسه و له نيل‏ السعادة و فوز الشهادة، و قد استجاب الله ذلك لهما.

الترجمة

من از خداوند خواستارم كه برحمت واسعه و عظمت قدرتش بر بخشش هر خواست مرا و ترا توفيق عطا فرمايد براى انجام آنچه رضاى او است از پايدارى بر معذرت خواهى روشن نزد خدا و خلق در بهمراه ستايش خوب در ميان بندگان و أثر نيك در آبادى و عمران شهرستانها و تمامى نعمت و دو چندانى كرامت از حضرت يزدان، و از حضرتش خواستارم عمر من و تو را بپايان رساند با سعادت و توفيق جانبازى و شهادت، راستى كه ما همه را بدرگاه او گرايش و رغبت است.

درود فراوان بر فرستاده خداوند، و صلوات بر او و خاندان پاك و پاكيزه‏اش درودى هر چه بيشتر.

و قد أدرج الشارح المعتزلي في آخر شرح هذا العهد الشريف وصايا من العرب و أردفها بوصية من أردشير بن بابك مليئة بحكم مفيدة يؤيد ما ذكره عليه السلام في هذا العهد فألتقط منها قصعا، قال في «ص 124 ج 17 ط مصر»:

و من كتاب أردشير بن بابك إلى بنيه و الملوك من بعده:

رشاد الوالي خير للرعية من خصب الزمان، الملك و الدين توأمان، لا قوام لأحدهما إلا بصاحبه، فالدين اس الملك و عماده، ثم صار الملك حارس الدين‏

فلا بد للملك من أسه، و لا بد للدين من حارسه، فأما ما لا حارس له فضائع، و ما لا أس له فمهدوم …

و اعلموا أنه ليس ينبغي للملك أن يعرف للعباد و النساك بأن يكونوا أولى بالدين منه، و لا أحدب عليه، و لا أغضب له [و لا ينبغي له‏] أن يخلي النساك و العباد من الأمر و النهي في نسكهم و دينهم فان خروج النساك و غيرهم من الأمر و النهي عيب على الملوك و على المملكة، و ثلمة بينة الضرر على الملك و على من بعده.

و اعلموا أنه قد مضى قبلنا من أسلافنا ملوك كان الملك منهم يتعهد الحماية بالتفتيش و الجماعة بالتفضيل و الفراغ بالاشغال، كتعهده جسده بقص فضول الشعر و الظفر، و غسل الدرن و الغمر و مداواة ما ظهر من الأدواء و ما بطن، و قد كان من اولئك الملوك من صحة ملكه أحب إليه من صحة جسده، فتتابعت تلك الاملاك بذلك كأنهم ملك واحد، و كأن أرواحهم روح واحدة، يمكن أولهم لاخرهم، و يصدق آخرهم أولهم، يجتمع أبناء أسلافهم، و مواريث آرائهم، و عثرات عقولهم عند الباقي بعدهم، و كأنهم جلوس معه يحدثونه و يشاورونه.

حتى كان على رأس دارا بن دارا ما كان من غلبة الاسكندر الرومي على ما غلب عليه من ملكه، و كان إفساده أمرنا، و تفرقته جماعتنا، و تخريبه عمران مملكتنا أبلغ له في ما أراد من سفك دمائنا، فلما أذن الله عز و جل في جمع مملكتنا، و إعادة أمرنا كان من بعثه إيانا ما كان، و بالاعتبار يتقى العثار، و التجارب الماضية دستور يرجع إليه من الحوادث الاتية ….

و عند حسن الظن بالأيام تحدث الغير، و تزول النعم، و قد كان من أسلافنا و قدماء ملوكنا من يذكره عزه الذل، و أمنه الخوف، و سروره الكابة، و قدرته المعجزة، و ذلك هو الرجل الكامل قد جمع بهجة الملوك، و فكرة السوقة، و لا كمال إلا في جمعها …

و اعلموا أن بدء ذهاب الدولة ينشأ من قبل إهمال الرعية بغير أشغال‏ معروفة، و لا أعمال معلومة، فاذا تولد الفراغ تولد منه النظر في الامور، و الفكر في الفروع و الاصول، فاذا نظروا في ذلك نظروا بطبائع مختلفة، فتختلف بهم المذاهب، فيتولد من اختلاف مذاهبهم تعاديهم و تضاغنهم، و هم مع اختلافهم هذا متفقون و مجتمعون على بغض الملوك، فكل صنف منهم إنما يجري إلى فجيعة الملك بملكه، و لكنهم لا يجدون سلما إلى ذلك أوثق من الدين و الناموس، ثم يتولد من تعاديهم أن الملك لا يستطيع جمعهم على هوى واحد، فان انفرد باختصاص بعضهم صار عدو بقيتهم.

و من طبائع العامة استثقال الولاة و ملالهم و النفاسة عليهم، و الحسد لهم، و في الرعية، المحروم و المضروب و المقام عليه الحدود، و يتولد من كثرتهم مع عداوتهم أن يجبن الملك من الاقدام عليهم، فان في إقدام الملك على الرعية كلها كافة تعزيرا بملكه- إلى أن قال- فمن أفضى إليه الملك بعدي فلا يكونن باصلاح جسده أشد اهتماما منه بهذه الحال، و لا يكونن بشي‏ء من الأشياء أكره و أنكر لرأس صار ذنبا أو ذنب صار رأسا، و يد مشغول صار فارغة، أو غني صار فقيرا، أو عامل مصروف، أو أمير معزول ….

و اعلموا أنكم لن تقدروا على أن تختموا أفواه الناس من الطعن و الازراء عليكم، و لا قدرة لكم على أن تجعلوا القبيح من أفعالكم حسنا، فاجتهدوا في أن تحسن أفعالكم كلها، و ألا تجعلوا للعامة إلى الطعن عليكم سبيلا …

و اعلموا أن لكل ملك بطانة، و لكل رجل من بطانته بطانة، ثم إن لكل امرى‏ء من بطانة البطانة بطانة، حتى يجتمع من ذلك أهل المملكة، فاذا أقام الملك بطانته على حال الصواب فيهم أقام كل امرى‏ء منهم بطانته على مثل ذلك حتى يجتمع على الصلاح عامة الرعية ….

و اعلموا أن ابن الملك و أخاه و ابن عمه يقول: كدت أن أكون ملكا، و بالحري ألا أموت حتى أكون ملكا، فاذا قال ذلك قال ما لا يسر الملك، إن كتمه فالداء في كل مكتوم، و إذا تمنى ذلك جعل الفساد سلما إلى الصلاح،و لم يكن الفساد سلما إلى صلاح قط، و قد رسمت لكم في ذلك مثالا:

اجعلوا الملك لا ينبغي إلا لأبناء الملوك من بنات عمومتهم، و لا يصلح من أولاد بنات العم إلا كامل غير سخيف العقل، و لا عازب الرأي، و لا ناقص الجوارح و لا مطعون عليه في الدين، فإنكم إذا فعلتم ذلك قل طلاب الملك، و إذا قل طلابه استراح كل امرى‏ء إلى مايليه، و نزع إلى حد يليه، و عرف حاله، و رضي معيشته، و استطاب زمانه.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 52/2 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )نامه امیر المومنین علی علیه السلام به مالک اشتر نخعی

نامه 53 صبحی صالح

53- و من كتاب له ( عليه‏ السلام  ) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر و أعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، و هو أطول عهد كتبه و أجمعه للمحاسن.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلَادِهَا

أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ إِيْثَارِ طَاعَتِهِ وَ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ الَّتِي لَا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا وَ لَا يَشْقَى إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وَ إِضَاعَتِهَا

وَ أَنْ يَنْصُرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِهِ وَ يَدِهِ وَ لِسَانِهِ فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ وَ إِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ

وَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَ يَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ

ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ وَ أَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ وَ يَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ

وَ إِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ

فَامْلِكْ هَوَاكَ وَ شُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ وَ أَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَ الْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَ اللُّطْفَ بِهِمْ

وَ لَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَ تَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ وَ يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَ الْخَطَإِ

فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَ صَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَ تَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَ صَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَ وَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ وَ اللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَ قَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَ ابْتَلَاكَ بِهِمْ

وَ لَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَ لَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَ رَحْمَتِهِ وَ لَا تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ وَ لَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ

وَ لَا تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً وَ لَا تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ وَ مَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ وَ تَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ

وَ إِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ وَ قُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ

فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ وَ يَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ وَ يَفِي‏ءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ

إِيَّاكَ وَ مُسَامَاةَ اللَّهِ فِي عَظَمَتِهِ وَ التَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ وَ يُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ

أَنْصِفِ اللَّهَ وَ أَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَ مِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ وَ مَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ

وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَ مَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ‏

وَ كَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ وَ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَ تَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَ هُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ

وَ لْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَ أَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَ أَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَ إِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ

وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ وَ أَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلَاءِ وَ أَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَ أَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ وَ أَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَ أَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وَ أَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ

وَ إِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وَ جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَ الْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ وَ مَيْلُكَ مَعَهُمْ

وَ لْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَ أَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ النَّاسِ فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا فَلَا تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ

وَ اللَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللَّهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ

أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ وَ اقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ وَ تَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَضِحُ لَكَ وَ لَا تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وَ إِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ

وَ لَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ وَ يَعِدُكَ الْفَقْرَ وَ لَا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الْأُمُورِ وَ لَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الْجُبْنَ وَ الْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ

إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً وَ مَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ وَ إِخْوَانُ الظَّلَمَةِ

وَ أَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَ نَفَاذِهِمْ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَ أَوْزَارِهِمْ وَ آثَامِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ وَ لَا آثِماً عَلَى إِثْمِهِ

أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَ أَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً وَ أَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وَ أَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَ حَفَلَاتِكَ

ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ وَ أَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ

وَ الْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَ الصِّدْقِ ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ وَ لَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ وَ تُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ

وَ لَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَ الْمُسِي‏ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ‏ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ وَ تَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ وَ أَلْزِمْ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ

وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَ تَخْفِيفِهِ الْمَئُونَاتِ عَلَيْهِمْ وَ تَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ

فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلًا

وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ

وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ وَ لَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأُلْفَةُ وَ صَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ وَ لَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَ الْأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا وَ الْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا

وَ أَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَ مُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ وَ إِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ

وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ وَ لَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ وَ مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ وَ مِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ وَ مِنْهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَ الرِّفْقِ

وَ مِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَ الْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ مُسْلِمَةِ النَّاسِ وَ مِنْهَا التُّجَّارُ وَ أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ                       

وَ مِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ

وَ كُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ وَ وَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً

فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللَّهِ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ وَ زَيْنُ الْوُلَاةِ وَ عِزُّ الدِّينِ وَ سُبُلُ الْأَمْنِ وَ لَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ

ثُمَّ لَا قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلَّا بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَ يَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ

ثُمَّ لَا قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلَّا بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَ الْعُمَّالِ وَ الْكُتَّابِ لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ وَ يَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ وَ يُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَ عَوَامِّهَا

وَ لَا قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ وَ يُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ وَ يَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ مَا لَا يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ

ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَ مَعُونَتُهُمْ

وَ فِي اللَّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ وَ لِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ وَ لَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاهْتِمَامِ وَ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَ تَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ وَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ:

فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِإِمَامِكَ وَ أَنْقَاهُمْ جَيْباً وَ أَفْضَلَهُمْ حِلْماً

مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ وَ يَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ وَ يَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَ يَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ وَ مِمَّنْ لَا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ وَ لَا يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ

ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَ الْأَحْسَابِ وَ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ السَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَ الشَّجَاعَةِ وَ السَّخَاءِ وَ السَّمَاحَةِ فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ وَ شُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ

ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا وَ لَا يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْ‏ءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ وَ لَا تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَ إِنْ قَلَّ فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ بِكَ

وَ لَا تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالًا عَلَى جَسِيمِهَا فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَ لِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ

وَ لْيَكُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ وَ أَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ بِمَا يَسَعُهُمْ وَ يَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ

وَ إِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلَاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلَادِ وَ ظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ

و إِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ وَ لَا تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلَّا بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَ قِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ وَ تَرْكِاسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ

فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ وَ وَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَ تَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ وَ تُحَرِّضُ النَّاكِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى وَ لَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَى غَيْرِهِ وَ لَا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلَائِهِ وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ صَغِيراً وَ لَا ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ عَظِيماً

وَ ارْدُدْ إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ وَ يَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ

فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ‏

فَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَ الرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ:

ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ وَ لَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَ لَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَ لَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْ‏ءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَ لَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ وَ لَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ

وَ أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَ آخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ وَ أَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ وَ أَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ وَ أَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَ لَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ وَ أُولَئِكَ قَلِيلٌ

ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ وَ افْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ وَ تَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ وَ أَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ

فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الْأَشْرَارِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى وَ تُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا:

ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً وَ لَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَ أَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَ الْخِيَانَةِ

وَ تَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَ الْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ الْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً وَ أَصَحُّ أَعْرَاضاً وَ أَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً وَ أَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً

ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَ غِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ

ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَ ابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَ الْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَ الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ

وَ تَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً

فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَ أَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَ قَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ:

وَ تَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَ صَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ وَ لَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَ أَهْلِهِ

وَ لْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ وَ مَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ وَ أَهْلَكَ الْعِبَادَ وَ لَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِيلًا

فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ

وَ لَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْ‏ءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ وَ تَزْيِينِ وِلَايَتِكَ

مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ وَ تَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ وَ الثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَ رِفْقِكَ بِهِمْ

فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ

وَ إِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا وَ إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ وَ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ وَ قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ:

ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ وَ اخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَ أَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلَافٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلَإٍ

وَ لَا تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمِّالِكَ عَلَيْكَ وَ إِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ فِيمَا يَأْخُذُ لَكَ وَ يُعْطِي مِنْكَ وَ لَا يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ وَ لَا يَعْجِزُ عَنْ إِطْلَاقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ

وَ لَا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ

ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَ اسْتِنَامَتِكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَ حُسْنِ خِدْمَتِهِمْ وَ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَ الْأَمَانَةِ شَيْ‏ءٌ

وَ لَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً وَ أَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ

وَ اجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا وَ لَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا وَ مَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ‏

ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَ أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً الْمُقِيمِ مِنْهُمْ وَ الْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَ الْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ

فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَ أَسْبَابُ الْمَرَافِقِ وَ جُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَ الْمَطَارِحِ فِي بَرِّكَ وَ بَحْرِكَ وَ سَهْلِكَ وَ جَبَلِكَ وَ حَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَ لَا يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ وَ صُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ

وَ تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَ فِي حَوَاشِي بِلَادِكَ وَ اعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً وَ شُحّاً قَبِيحاً وَ احْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وَ تَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ وَ ذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ وَ عَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ

فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )مَنَعَ مِنْهُ وَ لْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَ أَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَ الْمُبْتَاعِ

فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ وَ عَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ:

ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَ الْمُحْتَاجِينَ وَ أَهْلِ الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَ مُعْتَرّاً

وَ احْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ وَ اجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَ قِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى

وَ كُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ وَ لَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَ لَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ

وَ تَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ وَ تَحْقِرُهُ الرِّجَالُ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَ التَّوَاضُعِ فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ

ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الْإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَ كُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ

وَ تَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَ ذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَهُ وَ لَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ وَ ذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ وَ الْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ وَ قَدْ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ وَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ:

وَ اجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ وَ تَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَ تُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَ أَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَ شُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ

فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى ‏الله‏ عليه‏ وآله ‏وسلم  )يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ

ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَ الْعِيَّ وَ نَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ‏ وَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ

ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ

وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ

وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هوَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ

ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ

وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ

وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هِيَ لَهُ خَاصَّةً فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَ نَهَارِكَ وَ وَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ كَامِلًا غَيْرَ مَثْلُومٍ وَ لَا مَنْقُوصٍ بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ

وَ إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ لِلنَّاسِ فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَ لَا مُضَيِّعاً فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَ لَهُ الْحَاجَةُ

وَ قَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى‏ الله‏ عليه‏ وآله ‏وسلم  )حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ كَصَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ وَ كُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً

 وَ أَمَّا بَعْدُ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ وَ قِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ

وَ الِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ وَ يَعْظُمُ الصَّغِيرُ وَ يَقْبُحُ الْحَسَنُ وَ يَحْسُنُ الْقَبِيحُ وَ يُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ

وَ إِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ وَ لَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ

وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ

مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مِمَّا لَا مَئُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ:

ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَ بِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ وَ قِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ

وَ لَا تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَ حَامَّتِكَ قَطِيعَةً وَ لَا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ يَحْمِلُونَ مَئُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وَ عَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ

وَ أَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَ الْبَعِيدِ وَ كُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ وَ ابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ

وَ إِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ وَ اعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَ رِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وَ إِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ:

وَ لَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ و لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَ أَمْناً لِبِلَادِكَ

وَ لَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَ اتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ

وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ

فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْ‏ءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ

فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ وَ لَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ

وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى‏ مَنَعَتِهِ وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ فَلَا إِدْغَالَ وَ لَا مُدَالَسَةَ وَ لَا خِدَاعَ فِيهِ

وَ لَا تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ وَ لَا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَ التَّوْثِقَةِ

وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللَّهِ فِيهِ طِلْبَةٌ لَا تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَ لَا آخِرَتَكَ:

إِيَّاكَ وَ الدِّمَاءَ وَ سَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ وَ لَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ وَ لَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَ انْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

فَلَا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَ يُوهِنُهُ بَلْ يُزِيلُهُ وَ يَنْقُلُهُ وَ لَا عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ وَ لَا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ

وَ إِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وَ أَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً فَلَا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ:

وَ إِيَّاكَ وَ الْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَ الثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَ حُبَ‏ الْإِطْرَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ

وَ إِيَّاكَ وَ الْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ

فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ وَ التَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ وَ الْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَ النَّاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ‏

وَ إِيَّاكَ وَ الْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَ أَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ

وَ إِيَّاكَ وَ الِاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ وَ التَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ وَ عَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الْأُمُورِ وَ يُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ

امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ وَ سَوْرَةَ حَدِّكَ وَ سَطْوَةَ يَدِكَ وَ غَرْبَ لِسَانِكَ وَ احْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ وَ تَأْخِيرِ السَّطْوَةِ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الِاخْتِيَارَ وَ لَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ وَ الْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ

فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا وَ تَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا وَ اسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ لِكَيْلَا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا:

وَ أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ أَنْ يُوَفِّقَنِي وَ إِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَ إِلَى خَلْقِهِ

مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ وَ جَمِيلِ الْأَثَرِ فِي الْبِلَادِ وَ تَمَامِ النِّعْمَةِ وَ تَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ وَ أَنْ يَخْتِمَ لِي وَ لَكَ بِالسَّعَادَةِ وَ الشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‏

وَ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَ السَّلَامُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

الفصل الخامس من عهده عليه السلام‏

و إن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، و ظهور مودة الرعية، و أنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم، و لا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة [الامور] أمورهم، و قلة استثقال دولهم و ترك استبطاء انقطاع مدتهم، فافسح في آمالهم، و واصل في‏ حسن الثناء عليهم و تعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم، فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع، و تحرض الناكل، إن شاء الله تعالى. ثم اعرف لكل امرى‏ء منهم ما أبلى، و لا تضيفن بلاء امرى‏ء إلى غيره، و لا تقصرن به دون غاية بلائه، و لا يدعونك شرف امرى‏ء إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، و لا ضعة امرى‏ء إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما. و اردد إلى الله و رسوله ما يضلعك من الخطوب و يشتبه عليك من الامور، فقد قال الله سبحانه لقوم أحب إرشادهم:

يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شي‏ء فردوه إلى الله و الرسول‏ 59- النساء فالرد إلى الله: الأخذ بمحكم كتابه، و الرد إلى الرسول:الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.

اللغة

(قرة عين) لي و لك: أى فرح و سرور لي و لك، (الحيطة) على وزن الشيمة مصدر حاطه يحوطه حوطا و حياطة و حيطة: أى كلاه و رعاه، (استثقال) استفعال من الثقل: تحمل الشدة و الاستنكار بالقلب، (بطؤ) بالضم ككرم بطاء ككتاب و أبطأ ضد أسرع و منه الخبر: من بطأ به عمله لم ينفعه نسبه، أى من أخره عمله السيى‏ء و تفريطه في العمل الصالح لم ينفعه في الاخرة شرف النسب، (فسحت) له‏ في المجلس فسحا من باب نفع: فرجت له عن مكان يسعه و فسح المكان بالضم، و أفسح لغة.

(تهز الشجاع): يقال هزه و هز به إذا حركه، (و تحرض الناكل): قوله تعالى: و حرض المؤمنين على القتال، أي حثهم و التحريض الحث و الاحماء عليه، (أبلى): أي أظهر الاخلاص في الجهاد، (لا تضيفن): صيغة نهي مؤكدة بالثقيلة من أضاف يضيف: لا تنسبن، (ضعة): اسم مصدر من وضع يضع أي خسة مقامه و حسبه، (ما يضلعك): يقال ضلع بالفتح يضلع ضلعا بالتسكين أي مال عن الحق و حمل مضلع أي مثقل، (الخطوب): و هذا خطب جليل أي أمر عظيم.

الاعراب‏

استقامة العدل: خبر قوله أفضل، إلا بسلامة صدورهم: مستثنى مفرغ، ذووا: جمع ذا بمعنى صاحب: أي أصحاب الاخلاص في الجهاد، ما أبلى: يحتمل أن يكون لفظة ما مصدرية أي ابتلائه و يحتمل أن يكون موصولة بحذف العائد أي ما أبلا فيه، دون: ظرف مضاف إلى قوله: غاية بلائه، و لا ضعة: عطف على قوله:

شرف امرى‏ء أي لا يدعونك ضعة امرى‏ء، من الخطوب: لفظة من بيانية، غير المفرقة: صفة ثانية لقوله بسنته.

المعنى‏

قد تعرض عليه السلام في ضمن هذا الفصل المتعلق بالجند و امرائه للعدالة فقال:

(و إن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد) و ذلك لارتباط إجراء العدل في البلاد بالجند من وجوه شتى نذكرها بعد التنبيه على نكتة مهمة في المقام، و هى أن الجند بمعناه العام هو المالك و القائم بالسيف في‏ الرعية بحيث يكون القوة و القدرة على إجراء الامور بيده، و قد تفرع من الجند في النظامات العصرية ما يلي:

1- إدارة الشرطة العامة التي تنظر إلى إجراء الأمن‏ في البلاد بحراسة الأسواق و الطرق و طرد اللصوص و أخذهم و معاقبتهم و طرد كل من يريد الاستفادة من الناس‏ من غير طريقها القانوني و المحافظ على الأمن من جهة المنع عن النزاع و المضاربة و المقاتلة و ارتكاب الجنايات بأنواعها.

2- إدارة حفظ الانتظامات العامة السائدة على إدارة الشرطة.

3- إدارة الجيش الحافظ للأمن‏ في البلاد تجاه هجوم الأعداء من الخارج.

و يرتبط العدل‏ بالجند و فروعه من نواح شتى:

الف- من حيث أن كل سرقة أو جناية أو جنحة وقعت بين الناس فتعرض على إدارة الشرطة و هي التي تتصدى لدفعها و تتعرض لرفعها بعد وقوعها و تنظم أوراق الاعترافات و تشريح القضايا للعرض على المحاكمات فيكون مفتاح‏ العدل‏ بيد إدارة الشرطة من حيث انضباطها و حراستها للشعب حتى لا توجد فرصة للصوص فيسرقون متاع الناس و فرصة للنزاع و القتال فيحدث الجنايات بأنواعها، فهذا مبدأ إجراء العدل في البلاد و من حيث رعاية الحق و الحقيقة في تنظيم أوراق الاعترافات و الشهادات و تشريح القضايا و ضبطها على حقيقتها للعرض على المحاكم و إحقاق حق المظلوم عن الظالم، فلو كان الجند غير معتن بحراسة الناس و نظارة الطرق و الأسواق و الدور ليلا و نهارا لكثر السرقة و الجناية و اختل العدل و النظام، و لو كان الجندي غير دين و غير أمين فيأخذ الرشوة و يقع تحت نفوذ ذوى القدرة فلا يضبط الاعترافات و أوراق الشهادات على ما تحكى عن الواقع و يدسسها و يلطخها بالرشوة و أو غير ذلك فيختل الأمن و العدل‏ و يكثر المظالم بين الشعب.

ب- من حيث أن الظلم و ثلم سياج‏ العدل‏ ينشأ غالبا من القدرة فالمقتدر هو الذى يطمع في أموال الضعفاء و أعراضهم و يتعرض للعدوان و التجاوز، فلما كان السيف و القدرة في يد الجندي فهو الذي يتعرض للظلم على أفراد الشعب. و قد ملى‏ء كتب التواريخ من ارتكاب الامراء و الجنود الظلم على الناس من وجوه شتى و أكثر من يقع منهم الظلم و يختل بهم‏ العدل‏ في كل عصر هم الذين بيدهم السيف و السوط فيطمعون في أموال الناس و أعراضهم و يتجاوزون على حقوق غيرهم سيما إذا كان الوالي نفسه ظالما و متجاوزا فقد قال شاعر فارسي ما معناه:

لو أن الملك أكل تفاحة من‏ الرعية ظلما و عدوانا يستأصل عبيده ألفا من شجرات التفاح ظلما و عدوانا.

و لو أخذ الملك من‏ الرعية خمس بيضات ظلما يشوي جنده و عبيده ألف دجاجة من أموال‏ الرعية ظلما و عدوانا.

ج- من حيث أن امراء الجنود كثيرا ما يطمحون إلى تحصيل مراتب أعلى و مناصب أغلى فيثيرون الفتن و يثورون على الولاة فتقع هناك حروب و ثورات تجر إلى القتل و النهب و الأسر و يشتعل نار الفتنة فتعم الأبرياء و الضعفاء من النساء و الولدان و المرضى و من لا حرج عليهم، و أكثر الفتن في التاريخ نشأت من مطامح و مطامع امراء الجيوش حتى في صدر الاسلام و في حكومة النبي عليه السلام، فهذا خالد بن الوليد أمره النبي صلى الله عليه و آله بعد فتح مكة فعدا على بني جذيمة و قتل منهم رجالا أبرياء فوصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه و آله فنادى: اللهم إني أبرا إليك مما فعل خالد، و بعث مولانا علي بن أبي طالب لتلافي خطأ خالد.

قال في سيرة ابن هشام «ص 283 ج 2 ط مصر»: بعث رسول الله صلى الله عليه و آله خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعيا و لم يبعثه مقاتلا و معه قبائل من العرب:

سليم بن منصور و مدلج بن مرة فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن كنانة، فلما رآه القوم أخذوا سلاحهم، فقال خالد: ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا، قال ابن إسحاق: فحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة- إلى أن قال- فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه و آله رفع يديه إلى السماء ثم قال: اللهم إني أبرا إليك مما صنع خالد بن الوليد.

قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم أنه حدث عن إبراهيم بن جعفر المحمودي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: رأيت أني لقمت لقمة من حيس فالتذذت‏ طعمها فاعترض في حلقي منها شي‏ء حين ابتلعتها فأدخل على يده فنزعه، فقال أبو بكر الصديق «رض»: يا رسول الله، هذه سرية من سراياك تبعثها فيأتيك بها بعض ما تحب و يكون في بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهله.

قال ابن هشام: و حدثني أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه و آله فأخبره الخبر، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: هل أنكر عليه أحد؟ قال: نعم أنكر عليه رجل أبيض ربعة فنهمه خالد فسكت عنه، و أنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب فراجعه فاشتدت مراجعتهما، فقال عمر بن الخطاب: أما الأول يا رسول الله، فابنى عبد الله و أما الاخر فسالم مولى أبي حذيفة- إلى أن قال- ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم و أمر الجاهلية تحت قدميك، فخرج علي حتى جاءهم و معه مال قد بعث به رسول الله فودى لهم الدماء و ما اصيب لهم من الأموال حتى أنه ليدى لهم ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شي‏ء من دم و لا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال فقال لهم علي حين فرغ منهم: هل بقى لكم بقية من دم أو مال لم يوديكم؟ قالوا: لا، قال: فاني اعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه و آله مما لا يعلم و لا تعلمون …

و قد ارتكب خالد هذا في صدر حكومة أبي بكر قتل مالك بن نويرة و أسر أهله و قبيله على وجه وضيع و فضيح مما فت في عضد العدل الاسلامي بما لم يتدارك بعد، و إذا تصفحت تاريخ أي شعب من الشعوب و تأملت في أحوالهم وجدت أكثر الفتن و المظالم و الجنايات ناشئة من قبل الامراء و رءوس الجيوش، و تمد إلى هذا العصر المضي‏ء بالقوانين و النظامات الدولية العامة الحائزة للامم المتحدة المحافظة على السلم و السلام في جميع الشعوب الملجا لدفع المظالم عن الأبرياء و الضعفاء و مع ذلك لا تمضى سنة بل و أشهر حتى تسمع ثورة عسكرية ناشئة من امراء الجيش هنا و هناك تتضمن مقاتل و مظالم لا تحصى.

و قد نادى عليه السلام في هذا الفصل الذي عقده في عهده التاريخي الذي لا مثيل له‏ بحفظ العدالة و نبه على أن العدالة قرة عين الولاة مشيرا إلى أن‏ استقامة العدل في البلاد مرتبطة بالجند من نواح كثيرة كما بيناه.

ثم توجه عليه السلام في هذا المقام إلى أهم ما يجب في نظام الدولة العادلة، و هو أن يكون الحكومة حكومة الشعب و أن يرى الشعب الحكومة ناشئة منه و حافظة لمصالحه فيودها و يحبها عن ظهر قلبه، فشرح رابطة الأمة و الشعب في حكومة كهذه في خمسة امور جذرية:

1- ظهور مودة الرعية و إظهارهم الحب لها.

2- سلامة صدورهم‏ بالنسبة إلى الحكومة و عدم الحقد و الخصومة بالنسبة إليها.

3- إحاطتهم‏ على ولاة الامور إحاطة الولدان بالوالد مع إظهار الإخلاص و النصيحة لها

4- عدم‏ استثقال‏ إدامة الحكم و الدولة نفورا عن مظالمها.

5- ترك‏ تمنى‏ انقطاع مدة غلبة الحكومة بزوالها رجاء للخلاص عن ظلمها و عدوانها.

و هذه هي امارات حكومة شعبية قائمة على درك الشعب و نيله لحقوقه السياسية المعبر عنه بحكومة الشعب على الشعب المبني على الديموقراطية الأصيلة الصحيحة و إمارة حكومة كهذه هو حسن رابطة الجند مع الشعب و الرعية بحيث يدرك الشعب أن الجند منه و له يحرس منافعه و يدفع عنه هجوم عدوه و يحفظ على‏ العدل‏ و المساواة بين أفراده.

و مما لا شك أن أكثر الحكومات قامت على القهر و الاضطهاد بالنسبة على الامة و الرعية خصوصا في مبادئ تأسيسها في العصور القديمة و بقي في التاريخ أعلام حكومات نمرودية و فرعونية كسمات لرجال جبار ظلام لا يتوقع منهم إلا الارهاب و النهب و ربما يرتعد الفرائض من سماع أسمائهم بعد دفنهم في عمق التاريخ من زمن بعيد، و إنما يظهر قهر الحكومات الجبارة و اضطهادها للرعية على أيدي‏ الجند المأمورين لقهر الناس و قتلهم و أسرهم، فكان الناس من زمن بعيد و في أكثر الشعوب و الامم يواجهون الجندي كعدو ظالم لا ينتظر منه إلا الايلام و الارهاب فوصى عليه السلام في ضمن عهده هذا إلى السعى لقلب هذه الرابطة بين الشعب و الجند و تحويلها إلى رابطة ودية أخوية أسس الاسلام حكومته عليها، فانه جعل وظائف الجند من الامور العامة، و كلف بها جميع الامة ففي عصر النبي صلى الله عليه و آله كل المسلمين جنود و جنود الاسلام كل مسلم بالغ عاقل، فالجند الاسلامي ناش عن صميم الامة فلم يكن هناك جند و شعب متمايزون حتى يرهب الشعب من الجند و يتجاوز الجند على الشعب، و لما توسع الامة الاسلامية بالفتوحات المتواصلة المتوالية و دخل في ظل الاسلام شعوب شتى لم يتسم كلها بسمة الجند الاسلامي وصى عليه السلام في عهده هذا بحفظ الرابطة الودية بين الجند و سائر أفراد الشعب بحيث لا يدرك الشعب أن الجند صنف ممتاز عنه قاهر عليه و حاكم على أمره.

وصيته عليه السلام باحياء الفضيلة و حفظ الحقوق‏

ثم أمر عليه السلام بعدم التضييق على امراء الجنود و حصرهم في درجة واحدة، بل التوسيع عليهم في الارتقاء إلى درجات أعلى بحسب ما لهم من الاستعداد و اللياقة لها فقال عليه السلام‏ (فافسح في آمالهم).

و هذا كما جرى في التاريخ من أمر طارق بن زياد في ما بعد فانه أحد الامراء و القواد الأمجاد الأفذاذ في تاريخ الفتوحات الاسلامية بلغته همته إلى فتح الاندلس بعد استيلاء الجنود الاسلامية على سواحل البحر الأبيض من سورية و مصر إلى المغرب الأقصى إلى المراكش، و يوجب ذلك عبر مضيق جبل الطارق و الزحف على بلاد العدو وراء البحر و لا يرخص موسى بن نصير القائد العام للجنود الاسلامية في ذلك العصر لقصور همته أو غبطته على فتح كهذا من أحد قواده، و لكن طارق عزم على ذلك و عبر مضيق البحر في سبعة آلاف جندي و فتح مملكة اندلس، و أتى باية كبيرة من الرجولية و علو الهمة في تاريخ الفتوحات العسكرية فصار اندلس مملكة إسلامية غنية بالتمدن و العلم منذ ثمانية قرون بقيت آثارها إلى عصرنا هذا، و أمر عليه السلام‏ بحسن الثناء على‏ رجال كهذا و ضبط ما لهم من الماثر في الجهاد إحياء للفضيلة و ترغيبا لسائر الأفراد القاصري الهم و الهمة.

وصيته عليه السلام بالمساواة و ترك التبعيض

المساواة و التاخي أصل إسلامي مال إليه كل الشعوب في هذه العصور الأخيرة المنيرة بالتفكير و الاختراع، و ادرج في برنامج الحقوق العامة البشرية، و لكن المقصود منه ليس تساوي الأفراد في النيل من شئون الحياة: الصالح منهم و الطالح و الجاد منهم و الكسلان على نهج سواء، بل المقصود منه نيل كل ذي حق حقه من حظ الحياة على حسب رتبته العلمية و جده في العمل، فهذا الأصل يبتني على تعيين الحقوق، و قد شرح عليه السلام في هذا الفصل من كلامه هذا الأصل فقال‏ (اعرف لكل امرى‏ء منهم ما أبلى) فأمر بايصال حق الجهد و الاخلاص إلى صاحبه و عرفان هذا الحق بما يوجبه من الرتبة و الامتياز و فسر التبعيض البغيض في امور:

1- إضافة جهد رجل إلى غيره و احتسابه لغير صاحبه.

2- عدم استيفاء حق المجاهد الجاد و التقصير في رعاية حقه على ما يستحقه.

3- احتساب العمل الصغير من رجل شريف كبيرا رعاية لشرفه.

4- استصغار عمل كبير من رجل وضيع بحساب ضعته.

فهذه هى التبعيضات الممنوعة التي توجب سلب الحقوق عن ذوي الحقوق.

توصيته عليه السلام برعاية القانون و تبيين معناه و التثبت عند الترديد و الاشتباه‏

فالقانون في الحكومة الاسلامية هو نص القرآن الصريح و سنة الرسول الثابت الصحيح، فكثيرا ما يعرض امور على الوالي يشكل عليه حكمها و يشتبه عليه‏ أمرها من جهة العرض على القانون فيختلف في حكمها الاراء و يتولد النزاع و قد بين‏ الله‏ حكمه بعد الأمر باطاعة القانون من وجوب إطاعة الله‏ و إطاعة رسوله‏ و إطاعة اولى الأمر الحافظ للقانون بعد الرسول صلى الله عليه و آله‏ فقال «و إن تنازعتم في‏ شي‏ء فردوه إلى الله و الرسول».

و ينبغي البحث في مفاد هذه الاية من وجهين:

الأول أن هذا التنازع‏ الذي يوجب في رفعه الرجوع‏ إلى الله و رسوله‏ هوما يقع بين أفراد الامة الاسلامية غير اولى الأمر الذي أوجب طاعتهم في رديف طاعة الله‏ و طاعة رسوله‏، فيكون النزاع المردود إلى الله و رسوله‏ تارة بين فردين من الامة، و اخرى بين فرد أو جمع من الامة مع‏ اولى الأمر، أو مخصوص بالنزاع بين الامة غير اولى الأمر، و لا بد من القول بأن هذا النزاع لا يشمل‏ اولى الأمر، لأن‏ اولى الأمر عدوا واجب الطاعة كالله و الرسول و لا معنى لوجوب طاعة اولى الأمر و تصوير النزاع معهم بحيث يرد في رفعه‏ إلى الله و الرسول‏، فاولوا الأمر مندرج في الرسول و لا بد من كونهم معصومين و مصونين عن الخطاء و الاشتباه و لا يجتمع وجوب طاعة اولى الأمر على الاطلاق مع كونهم طرفا في النزاع.

الثاني أن هذا التنازع‏ المبحوث عنه في الاية لا بد و أن يكون في الشبهة الحكمية و في العلم بكبرى كلية للحكم الشرعي التي هو نص القانون المرجوع إليه، كاختلاف الصحابة في وجوب الغسل من الدخول بلا إنزال، فأنكره جمع قائلين بأن الماء من الماء حتى رجعوا إلى عموم قوله تعالى «أو لامستم النساء» الشامل للدخول بلا إنزال، و كالنزاع في حكم المجوس من حيث إنهم أهل الكتاب فيشملهم حكم الجزية أم ملحقون بالكافر الحربي حتى رجعوا بدلالة مولانا امير- المؤمنين عليه السلام إلى أنهم أهل كتاب لقوله تعالى «و أصحاب الرس»، و كالنزاع في أمر حلى الكعبة في زمان حكومة عمر، فقال قوم بجواز بيعها و صرفها في تجهيز الجنود الاسلامية لتقوية عساكر الاسلام حتى أرجعهم مولانا أمير المؤمنين إلى ما نزل في القرآن من أحكام الأموال و ما عمل به النبي صلى الله عليه و آله في حلي الكعبة من عدم التعرض لها.

و أما في الشبهات الموضوعية فقد ينازع الامة مع النبي صلى الله عليه و آله نفسه كما وقع في موارد:

منها في الخروج من الحصون للحرب مع المشركين في احد، فرأى النبي أولا التحصن فرد رأيه أكثر الصحابة فرجع إلى قولهم و أفضى إلى هزيمة المسلمين و قتل ما يزيد على سبعين من كبار الصحابة منهم حمزة بن عبد المطلب، و قد شرع الشورى بين النبي و المسلمين بهذا الاعتبار فقال الله تعالى «و شاورهم في الأمر- 159 آل عمران».

و قد أمر عليه السلام لرفع‏ التنازع‏ بالرجوع إلى محكم الكتاب فقال‏ «فالرد إلى الله: الأخذ بمحكم الكتاب» و الظاهر منه أن المرجع عند النزاع أولا هو الرجوع إلى الايات المحكمة من القرآن التي وصفها الله تعالى بأنها ام الكتاب، فقال تعالى: «هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات‏ 7- آل عمران».

فما هى الاية المحكمة؟

الاية المحكمة هى التي لها دلالة واضحة على المعنى يتوافق عرف اللسان الذي نزل عليه القرآن على فهمه منها، و المحكم بحسب الاصطلاح هو الجامع بين النص و الظاهر الذي يتوافق عرف اللسان على فهمه من الكلام، قال الشيخ البهائي في زبدته في مبحث الدلالات: اللفظ إن لم يحتمل غير ما يفهم منه لغة فنص، و إلا فالراجح ظاهر و المرجوح مأول و الجامع بين الأولين محكم و بين الأخيرين متشابه.

فالمحكم هو الظاهر الدلالة على المعنى المقصود مضافا إلى كون معناه أمرا مفهوما للعموم لتضمنها حكما عمليا أو أصلا اعتقاديا كايات الأحكام و ما يدل على التوحيد و صفات الله الجلالية و الجمالية.

فان لم تكن الاية ظاهرة الدلالة على المقصود كالحروف المقطعة الواقعة في أوائل غير واحد من السور، أو تدل على معنى مبهم غامض يحتاج إلى البيان و التوضيح كقوله تعالى «و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية- 17- الحاقة» فليست من الايات المحكمة التي يرجع إليها عند الاختلاف.

فان لم تكن هناك آية محكمة ترفع النزاع فترجع إلى السنة الجامعة الغير المفرقة و هى قول أو تقرير صادر عن النبي صلى الله عليه و آله مجمع عليها بين أصحابه و ثابت عند الامة، و لم تكن النصوص و القضايا الصادرة عنه صلى الله عليه و آله المجمع عليها بين الأصحاب بقليل في ذلك العصر الذي صدر هذا العهد الشريف.

و نختم هذا الفصل بنقل تفسير هذه الاية الشريفة عن «مجمع البيان»:

«يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله» أى الزموا طاعة الله فى ما أمركم به و نهاكم عنه‏ «و أطيعوا الرسول» أى و ألزموا طاعة رسوله أيضا، و إنما أفرد الأمر بطاعة الرسول و إن كانت طاعته مقترنة بطاعة الله، مبالغة في البيان و قطعا لتوهم من توهم أنه لا يجب لزوم ما ليس في القرآن من الأوامر- إلى أن قال- «و اولى الأمر منكم» للمفسرين فيه قولان: أحدهما أنه الامراء عن أبي هريرة و ابن عباس في إحدى الروايتين و ميمون بن مهران و السدي و اختاره الجبائي و البلخي و الطبري، و الاخر أنهم العلماء عن جابر بن عبد الله و ابن عباس في الرواية الاخرى و مجاهد و الحسن و عطا و جماعة، و قال بعضهم: لأنهم الذين يرجع إليهم في الأحكام و يجب الرجوع إليهم عند التنازع‏ دون الولاة.

و أما أصحابنا فانهم رووا عن الباقر و الصادق عليهما السلام أن‏ اولى الأمر الأئمة من آل محمد صلى الله عليه و آله أوجب الله طاعتهم بالاطلاق كما أوحب طاعته و طاعة رسوله و لا يجوز أن يوجب الله طاعة أحد على الاطلاق إلا من ثبت عصمته و علم أن باطنه كظاهره و أمن منه الغلط، و إلا يلزم الأمر بالقبيح و ليس ذلك بحاصل في الامراء و لا العلماء سواهم، جل الله أن يأمر بطاعة من يعصيه أو بالانقياد للمختلفين في القول و الفعل، لأنه محال أن يطاع المختلفون كما أنه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه، و مما يدل على ذلك أيضا أن الله قرن طاعة اولى الأمر بطاعة رسوله كما قرن طاعة رسوله بطاعته و أولو الأمر فوق الخلق جميعا كما أن الرسول فوق‏ اولى الأمر و فوق سائر الخلق، و هذه صفة أئمة الهدى من آل محمد الذين ثبت إمامتهم و عصمتهم و اتفقت الامة على علو رتبتهم و عدالتهم، انتهى ما نقلناه عن التفسير.

الترجمة

و براستى بهترين چيزى كه باعث شادمانى و رضايت واليان است پابرجا شدن عدل و داد است در بلاد و ظهور دوستدارى رعيت است نسبت بانان، و براستى كه اين گنجينه دوستى و مهرورزى را از گنجدان دل آنان نتوان بر آورد مگر باين كه

1- سينه‏ هاشان از كينه پاك باشد.

2- خير خواهى و اخلاص آنان نسبت بواليان محقق نشود مگر باين كه دوستانه و با اطمينان خاطر گرد واليان بر آيند و آن را بسود خود بدانند و سلطنت و تسلط والي را بر خود سنگين و ناروا نشمارند و براى زوال دولت و حكومت او روز شماره نكنند و بقاء حكومت او را بر خود ستم ندانند.

بايد ميدان آرزوى فرماندهان قشون را توسعه بخشى و راه ترقى را در برابر آنها باز گزارى و از آنها ستايش كنى و خدمات ارزنده ‏اى كه انجام داده ‏اند هميشه برشمارى و در نظر آرى زيرا هر چه بيشتر خدمات خوب آنها را ياد آور شوى دليران را بهتر برانگيزد و كناره گيران را تشويق بكار و خدمت باشد.

بايد براى هر كدام حق خدمت او را منظور دارى و خدمت يكى را بپاى ديگرى بحساب نياورى و كمتر از آنچه هست نشمارى، شرافت و مقام هيچكس باعث نشود كه خدمت اندك او را بزرگ بحساب آورى و زبونى و بينوائى هيچكس سبب نشود كه خدمت بزرگ او را بكم گيرى.

اگر تو را در احكام خدا و قانون شرع هدى مشكلى پيش آيد و شبهه‏ اى در حكمى بدلت شود خداوند خودش مردم را در اين باره ارشاد كرده و فرموده:

«أيا كسانى كه گرويديد فرمان خدا را ببريد و فرمان رسول خدا را ببريد و از اولى الأمر را و اگر در باره حكمى ميان شما اختلاف و نزاعى رخ داد آن را از خدا و رسولش جويا شويد» رد حكم بخدا عبارت از عمل بايات روشن قرآن است، و رد حكم و جويا شدنش از رسول خدا بمعنى رجوع بسنت و روش مقرر و ثابت و مورد اتفاق آن حضرت است كه مورد اختلاف نباشد.

الفصل السادس من عهده عليه السلام‏

ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، و لا تمحكه الخصوم، و لا يتمادى في الزلة، و لا يحصر من الفي‏ء إلى الحق إذا عرفه، و لا تشرف نفسه على طمع و لا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، و أوقفهم في الشبهات، و آخذهم بالحجج، و أقلهم تبرما بمراجعة الخصم، و أصبرهم على تكشف الأمور، و أصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء و لا يستميله إغراء، و أولئك قليل، ثم أكثر تعاهد قضائه، و افسح له في البذل ما يزيل علته، و تقل معه حاجته إلى الناس، و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا، فإن هذا الدين قد كان أسيرا في أيدى الأشرار، يعمل فيه بالهوى، و تطلب به الدنيا.

اللغة

(الحكم) مصدر حكم يحكم و جاء منه حكم تحكيما و تحكم تحكما و حاكم و تحاكم و هو إنشاء نفساني يتعلق بالنسبة بين الموضوع و المحمول ايجابا أو سلبا فيسمى تصديقا و خبرا إذا حكى عما ورائه، و يحتمل الصدق، و الكذب و إنشاء إذا لم يحك بأقسامه من الأمر و النهي و القسم و الدعاء و غير ذلك، و ينسب إلى الشرع فيقال: الحكم الشرعي، و هو طلب الشارع الفعل أو تركه مع استحقاق الذم بمخالفته أو بدونه أو تسويته و يتولد منه الحكم الوضعي بأقسامه أو هو إنشاء مستقل في بعض صوره، و الحكم الشرعي عند الأشاعرة خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين، و هذا التفسير أعم و أتم، و الحكم القضائى إنشاء إثبات حق لأحد المترافعين كما إذا اقيم البينة أو اعترف المدعى عليه أو نفيه كما إذا أنكر و حلف، (محك) الرجل: لج و ماحك زيد عمرا: لاجه، (الزلة): موضع الخطر و المزلة، المزلق، (الصرم): القطع، (لا يزدهيه): افتعال من الزهو و هو الكبر، (الاطراء): كثرة المدح، (الاغتيال): الأخذ على غرة.

الاعراب‏

في نفسك: ظرف متعلق بقوله أفضل، ممن: لفظة من للتبعيض و الظرف مستقر و حال من فاعل أفضل، و أوقفهم: عطف على قوله أفضل، قليل: خبر اولئك يستعمل في المفرد و الجمع، ما يزيل علته: لفظة ما اسمية موصوفة بما بعدها أى شيئا أو بذلا يزيل علته، له عندك: ظرفان متعلقان بقوله اغتيال الرجال.

المعنى‏

يحتاج إدارة شئون الاجتماع إلى قانون كلي يتضمن تعيين الحقوق و الحدود بين الأفراد على الوجه الكلي، و إلى قانون يتضمن رفع الاختلاف بينهم عند النزاع و الخصومة في الحقوق التي يتضمنها القوانين العامة، و إلى قوة لإجراء هذه القوانين، و من هنا يقسمون قوى المجتمع الحاكمة على الشعب و الأمة إلى القوة المقننة و القوة القضائية و القوة المجرية، و هذه القوى الثلاثة هى أركان إدارة شعب و امة متمدنة مترقية و لا بد من استقلال كل. هذه القوى في شئونها و عدم مداخلة أي منها في الشئون المتعلقة بالقوة الاخرى حتى يستقيم الامور و تتحقق العدالة في المجتمع و يصل كل ذي حق إلى حقه.

و قد تعرض عليه السلام في هذا الفصل من‏ عهده للأشتر عليه الرحمة حين ولاه مصر إلى القوة القضائية و ما يلزم في القاضي من الأوصاف و الألقاب ليكون أهلا لتصدي منصب القضاء و الحكم بين‏ الناس‏ فقال‏ (ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك) فقد أدرج عليه السلام في هذه الجملة استقلال القوة القضائية حيث إن المتصدي للقضاء لا بد و أن يكون من‏ أفضل‏ أفراد الامة، و إذا كان من‏ أفضل‏ أفراد الامة فيكون مستقلا في أمره و لا يتسلط عليه غيره لأن المفضول لا يحكم على الفاضل و الأفضل، مضافا إلى ما أكد ذلك الاستقلال بما ذكره عليه السلام في آخر الفصل من قوله‏ (و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك).

ثم فسر عليه السلام‏ الأفضل‏ بمن يحوز ألقابا ستة:

1- لا تضيق به الامور لقلة الاحاطة بوجوه تدبيرها و عدم قوة التحليل و التجزية للقضايا الواردة عليه فيحار فيها و يعرضه الشك و الترديد في حلها و فصلها.

2- كنايه و لا تمحكه الخصوم، قال في الشرح المعتزلي: جعله ما حكا أى لجوجا، و قال ابن ميثم: أى يغلبه على الحق باللجاج، و قيل: ذلك كناية عن كونه ممن يرتضيه الخصوم فلا تلاجه و يقبل بأول قوله.

أقول: يمكن أن يكون كناية عن كونه بشدة صلابته في أمره و هيبة ايمانه و تمسكه بالحق بحيث لا يطمع‏ الخصوم‏ في جعله محكا يمتحنونه هل يقبل الرشوة أم لا و هل يؤثر فيه التطميع و التهديد أم لا؟

3- و لا يتمادى في الزلة، حيث إن القاضي في معرض الاشتباه دائما من جهة تحيل المترافعين و تشبث كل واحد منهما في جلب نظر القاضي إلى الاعتماد بكون‏ الحق‏ له فاذا عرض له رأى ثم كشف له أنه خلاف‏ الحق لا يتمادى في الزلة و لا يصعب عليه الرجوع‏ إلى الحق‏.

4- لا يحصر من‏ الرجوع‏ إلى الحق إذا عرفه‏، قال الشارح المعتزلي:هو المعنى الأول بعينه، إلا أن ها هنا زيادة، و هو أنه‏ لا يحصر أى لا يعيا في المنطق، لأن من‏ الناس‏ من إذا زل حصر عن أن يرجع و أصابه كالفهاهة و العي و أضاف ابن ميثم أنه لا يأبى للرجوع‏ إلى الحق‏ حفظا لجاهه و خوفا من الشناءة كما يفعله قضاة السوء.

5- أن‏ لا يحدث‏ نفسه بالطمع‏ في الاستفادة من المترافعين فيتوجه إلى إلى الأوفر منهم ثروة أو جاها ليستفيد من ماله أو جاهه، ثم يجره ذلك إلى أخذ الرشوة و الميل عن‏ الحق‏ و الحكم بخلاف‏ الحق‏.

6- أن يكون دقيقا في كشف القضية المعروضة عليه محققا لفهم الحقيقة و لا يكتفي بالنظر السطحي في فهم صدق المتداعيين و كذبهم، بل يكتنه القضية عن طرق كشف الجرم و عن طرق كشف الحقيقة و هى كثيرة غير محصورة جدا، و قد ظهر منه عليه السلام في قضاياه الكثيرة ما يقضي منه العجب.

فمما ذكر من ذلك أنه سافر عبد مع مولا له شاب فادعى العبد أثناء السفر أنه هو المالك لسيده و أنه عبده و عامل معه معاملة المسترق فدخلا كوفة و ترافعا عند علي عليه السلام و لم يكن هناك بينة لأحدهما و لم يعترف العبد المتجاوز للحقيقة بوجه من الوجوه، فأحضرهما يوما و أمر بحفر ثقبتين في جدار متعاكسا و أمرهما باخراج رأسهما من تلك الثقبتين، ثم نادى بصوت عال يا قنبر اضرب عنق العبد، فلما سمع العبد ذلك هابه و أخرج رأسه من الثقبة فورا فصار ذلك اعترافا له بالحقيقة، و قد قرر في محاكم هذه العصور طرائق هائلة في كشف الحقيقة و كشف الجرائم.

فهذه هى الصفات التي توجب فضيلة الفرد و تشكل له شخصية رهيبة تؤهله لتصدي منصب القضاوة، و لم يكتف عليه السلام بهذه الصفات حتى أكملها بستة اخرى فقال:

1- أوقف‏ الرعية عند عروض‏ الشبهة، فلا يأخذ بأحد طرفي الشبهة حتى يفحص و يبين له الحق بدليل علمي يوجب الاطمينان.

2- آخذهم بالحجج‏، فلا يقصر في جمع الدلائل و الأمارات على فهم الحقيقة من أي طريق كان.

3- و أقل الناس‏ تضجرا و قلقا من‏ مراجعة الخصوم‏، فلا ينهرهم و لا يصيح في وجوههم ليسع لهم بيان الحال و المال فينكشف له‏ الحق‏ و لا يضيع حق‏ الخصوم‏ قال الشارح المعتزلي: و هذه الخصلة من محاسن ما شرطه عليه السلام، فان القلق و الضجر و التبرم قبيح و أقبح ما يكون من القاضي.

4- أن يكون‏ أصبر الناس على‏ كشف حقيقة الامور بالبحث و جمع الدلائل.

5- أن يحكم عند وضوح‏ الحق‏ صريحا و قاطعا و لا يؤخر صدور الحكم‏.

6- أن لا يؤثر فيه المدح و الثناء من المتداعيين أو غيرهما فيصير متكبرا و لا يؤثر فيه تحريض الغير فيجلب نظره إلى أحد الخصمين.

و قد أعلن عليه السلام بعد بيان هذه الأوصاف بأن الواجدين لها قليل.

و اعلم أن القضاوة من شئون النبوة كما قال الله تعالى «فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما 65- النساء فهى من شئون الرياسة العامة على الدين و الدنيا الثابتة للنبي بالرسالة و للوصي بحكم الوصاية، و قد ورد في الحديث أن مسند القضاوة مجلس لا يجلسه إلا نبي أو وصي أو شقي، فلا بد من كسب هذا المنصب من النبي و الوصي، فلا يجوز تصدي القضاوة لأحد من عند نفسه و إن كان مجتهدا و واجدا لأوصاف القاضي.

قال في «الرياض» بعد ذكر شرائط القاضي: و اعلم أنه لا بد مع اجتماع هذه الشرائط من إذن الامام بالقضاء لمستجمعها خصوصا أو عموما، و لا يكفي مجرد اجتماعها فيه إجماعا لما مضى من اتفاق النص و الفتوى على اختصاصه عليه السلام بمنصب القضاء، فلا يجوز لأحد التصرف فيه إلا باذنه قطعا و منه ينقدح الوجه في ما اتفقوا عليه من أنه لا ينعقد القضاء بنصب العوام له، أى المستجمع للشرائط أو غيره بالطريق الأولى بينهم قاضيا، انتهى.

ثم استثنى بعد ذلك بقوله: نعم لو تراضى اثنان بواحد من الرعية فحكم بينهما لزم حكمه في حقهما في المشهور بين أصحابنا بل لم ينقلوا فيه خلافا أصلا مستندين إلى وقوع ذلك في زمن الصحابة و لم ينكر أحد منهم ذلك، انتهى.

أقول: لو تم الدليل على ذلك كان من موارد صدور الاذن على وجه العموم فكان قاضي التراضي قاضيا منصوبا بالأدلة العامة.

إلى أن قال: و مع عدم الامام ينفذ قضاء الفقيه من فقهاء أهل البيت عليهم السلام الجامع للصفات المشترطة في الفتوى لقول أبي عبد الله عليه السلام: فاجعلوه قاضيا فقد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه.

و قد نقل عن الشهيد الثاني في المسالك ما لفظه: ما تقدم من اشتراط نصب القاضي و إن كان فقيها و مجتهدا و عدم نفوذ حكمه إلا مع التراضي به مختص بحال حضور الإمام و تمكنه من نصب القضاة، و أما مع عدم ذلك إما لغيبته أو لعدم بسط يده فيسقط هذا الشرط من جملة الشروط و هو نصب الامام، انتهى.

ثم قال: و ينفذ عندنا قضاء الفقيه العدل الامامي الجامع لباقي الشروط و إن لم يتراض الخصمان بقوله لقول أبي عبد الله عليه السلام لأبي خديجة: إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضيا فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه- إلى أن قال: و قريب منها رواية عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أ يحل ذلك؟ فقال عليه السلام من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فانما يأخذه سحقا و إن كان حقه ثابتا لأنه أخذ بحكم الطاغوت و قد أمر الله تعالى أن يكفر به، قلت: كيف يصنعان؟ قال: انظروا إلى من كان منكم روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما- إلخ.

أقول: يستفاد من الحديثين أن الامام نصب الفقيه الجامع للشرائط قاضيا على وجه العموم فليس هناك استثناء عن اشتراط القضاء باذن الامام، و ظاهر الفقهاء أن القاضي يلزم أن يكون مجتهدا مطلقا فلا يجوز للمتجزي تصدي القضاء و إن كان استفادة ذلك من الحديثين مشكل.

و اعلم أنه قد ذكر الفقهاء للقاضي شرائط كما يلي:

قال في الرياض: و اعلم أن الصفات المشترطة فيه ستة: التكليف بالبلوغ و كمال العقل، و الايمان بالمعنى الأخص أي الاعتقاد بالاصول الخمسة، و العدالة و طهارة المولد عن الزنا، و العلم و لو بالمعنى الشامل للظن الاجتهادي بالحكم الشرعي القائم مقامه بالدليل القطعي فانه في الحقيقة علم و لو بوسيلة الظن فإنه في طريق الحكم لا نفسه، و الذكورة، بلا خلاف في شي‏ء من ذلك أجده بيننا بل عليه الاجماع في عبائر جماعة كالمسالك و غيره في الجميع- إلى أن قال: و لا بد أن يكون ضابطا فلو غلبه النسيان لم ينعقد له القضاء، و هل يشترط علمه بالكتابة؟

الأشبه نعم- إلى أن قال: و لا ينعقد القضاء للمرأة و في انعقاده للأعمى تردد إلى أن قال: و الأقرب الأشهر أنه لا ينعقد له القضاء- انتهى.

أقول: لا ينطبق ما ذكره الفقهاء من شرائط القاضي على ما ذكره عليه السلام في هذا الفصل من الصفات الاثنتي عشر للقاضي فإن كلامه عليه السلام يخلو من كثير من هذه الشرائط كشرط الايمان بالمعنى الأخص، كيف و قد نصب شريحا قاضيا في أيام حكومته و لم يكن مؤمنا بالمعنى الأخص كما أن. كلامه خال عن اشتراط الذكورة و طهارة المولد، إلا أن يقال إن هذه الشرائط يستفاد من فحوى كلامه فإنها دون ما ذكره عليه السلام من الشرائط للقاضي بكثير مع التوجه إلى قوله عليه السلام‏ (و اولئك قليل).

و هل يشترط هذه الشرائط التي عددها عليه السلام في القاضي على وجه الوجوب فلا يجوز نصب القاضي الفاقد لأحد هذه الشروط مطلقا أو عند وجود واجد هذه الشرائط؟ ظاهر كلام الفقهاء عدم وجوب رعاية وجود كل هذه الشرائط في القاضي و قد ذكروا بعضها من صفات مستحبة له.

قال في الرياض: النظر الثاني في الاداب و هى قسمان: مستحبة و مكروهة و لم يرد بكثير منها نص و لا رواية و لكن ذكرها الأصحاب فلا بأس بمتابعتهم مسامحة في أدلة السنن و الكراهة، فالمستحب إشعار رعيته و أخبارهم بوصوله إن إن لم يشتهر خبره، و الجلوس في قضائه في موضع بارز مثل رحبة أو فضاء يسهل الوصول إليه، و يكون مستقبل القبلة في جلوسه لتحصيل الفضيلة على قول و الأكثر على استحبابه، مستدبر القبلة ليكون وجوه الناس إليها نظرا إلى عموم المصلحة و أن يأخذ مبتدأ ما في يد الحاكم المعزول من حجج الناس و ودائعهم- إلى أن قال: و السؤال بعد ذلك عن أهل السجون و إثبات أسمائهم و البحث عن موجب اعتقالهم و حبسهم ليطلق من يجب إطلاقه، و يستحب تفريق الشهود عند الإقامة، فإنه أوثق خصوصا في موضع الريبة عدا ذوي البصائر و الشأن من العلماء و الصلحاء الأعيان فلا يستحب تفريقهم بل يكره و ربما يحرم لما يتضمن تفريقهم من الغضاضة و المهانة بهم بل ربما يحصل في ذلك كسر قلوبهم، و أن يستحضر من أهل العلم و الاجتهاد من يعاونه في المسائل المشتبهة.

و المكروهات: الاحتجاب أى اتخاذ الحاجب وقت القضاء، للنبوي: من ولى شيئا من امور الناس فاحتجب دون حاجتهم و فاقتهم احتجب الله تعالى دون حاجته و فاقته و فقره- إلى أن قال: و أن يقضي مع ما يشغل النفس كالغضب لغير الله تعالى و الجوع و العطش و المرض و غلبة النعاس و مدافعة الأخبثين و نحو ذلك من المشغلات كما يستفاد من الأخبار ففي النبوي: لا يقضي و هو غضبان، و في آخر:

لا يقضي إلا و هو شبعان- إلى أن قال: و أن يرتب و يعين قوما للشهادة دون غيرهم لما يترتب عليه من التضييق على الناس و الغضاضة من العدل الغير المرتب، و نقل قول بتحريمه نظرا إلى أن ذلك موجب لإبطال شهادة مقبولي الشهادة فانه ربما يتحمل الشهادة غيرهم فاذا لم تقبل شهادتهم ضاع الحق عن أهله و قد قال سبحانه «و أشهدوا ذوى عدل منكم» فأطلق، انتهى.

و قال في مبحث وظائف الحكم و آدابه: و هى أربع: الاولى يجب على القاضي‏ التسوية بين الخصوم في السلام عليهما و رده إذا سلما عليه، و الكلام معهما و المكان لهما فيجلسهما بين يديه معا، و النظر إليهما و الإنصات و الاستماع لكلامهما، و العدل في الحكم بينهما و غير ذلك من أنواع الإكرام كالاذن في الدخول و طلاقة الوجه للنصوص المستفيضة- إلى أن قال: من جملته قول علي عليه السلام لشريح: ثم واس بين المسلمين بوجهك و منطقك و مجلسك حتى لا يطمع قريبك في حيفك، و لا يبأس عدوك من عدلك، انتهى.

و قد ذكر الشارح المعتزلي في هذا الشأن حديثا كما يلي: و استعدى رجل على علي بن أبي طالب عليه السلام عمر بن الخطاب و علي جالس، فالتفت عمر إليه، فقال: قم يا أبا الحسن فاجلس مع خصمك، فقام فجلس معه و تناظرا ثم انصرف الرجل و رجع علي عليه السلام إلى محله، فتبين عمر التغير في وجهه،فقال:يا أبا الحسن، مالي أراك متغيرا، أكرهت ما كان؟ قال: نعم، قال: و ما ذاك؟

قال: كنيتني بحضرة خصمي، هلا قلت: قم يا علي فاجلس مع خصمك، فاعتنق عمر عليا، و جعل يقبل وجهه، و قال: بأبي أنتم بكم هدانا الله و بكم أخرجنا من الظلمة إلى النور.

و نذكر في آخر هذا الفصل ما ذكره الشارح المعتزلي في آداب القاضي نقلا عن الفقهاء:

قال: و قد ذكر الفقهاء في آداب القاضي امورا، قالوا:لا يجوز أن يقبل هدية في أيام القضاء، و لا يجوز قبولها في أيام القضاء ممن له حكومة و خصومة و إن كان ممن له عادة قديمة، و كذلك إن كانت الهدية أنفس و أرفع مما كانت قبل أيام القضاء لا يجوز قبولها، و يجوز أن يحضر القاضي الولائم و لا يحضر عند قوم دون قوم لأن التخصيص يشعر بالميل، و يجوز أن يعود المرضى، و يشهد الجنائز، و يأتي مقدم الغائب، و يكره له مباشرة البيع و الشراء، و لا يجوز أن يقضي و هو غضبان، و لا جائع و لا عطشان، و لا في حال الحزن الشديد، و لا الفرح الشديد، و لا يقضي و النعاس يعانيه، و المرض يقلقه،و لا هو يدافع الأخبثين، و لا في حر مزعج، و لا في برد مزعج، و ينبغي أن يجلس للحكم في موضع بارز يصل إليه كل أحد، و لا يحتجب إلا لعذر، و يستحب أن يكون مجلسه فسيحا لا يتأذي بذلك هو أيضا، و يكره الجلوس في المساجد للقضاء، فان احتاج إلى و كلاء جاز أن يتخذهم و يوصيهم بالرفق بالخصوم و يستحب أن يكون له حبس، و أن يتخذ كاتبا إن احتاج إليه و من شرط كاتبه أن يكون عارفا بما يكتب به عن القضاء، و اختلف في جواز كونه ذميا، و الأظهر أنه لا يجوز، و لا يجوز أن يكون كاتبه فاسقا، و لا يجوز أن يكون الشهود عنده قوما معينين بل الشهادة عامة في من استكمل شروطها.

و اعلم أنه من المقرر في القوانين القضائية في هذا العصر أن الحكم الصادر في قضية واحدة يقبل النقض مرتين، فقسموا الدائرة القضائية إلى ثلاث مراتب:

المحكمة الابتدائية التي يعرض عليها القضية أول مرة فاذا صدر حكم من قاضي هذه المحكمة يكون لمن صدر الحكم عليه أن يعرضه على محكمة الاستيناف و يطلب تجديد النظر فيه، و يجوز لقاضي محكمة الاستيناف نقض الحكم إن رأى فيه خللا من حيث القوانين القضائية، فان أبرمه فلمن هو عليه أن يعرضه مرة ثالثة إلى محكمة أعلى و هي محكمة التميز، فلها أن ينقضه إن رأت فيه خللا فان أبرمته يصير قطعيا باتا لا يقبل النقض، و قد أشار عليه السلام إلى هذه المراتب الثلاثة في ضمن هذا الفصل، فقوله عليه السلام‏ (و لا يحصر من الفى‏ء إلى الحق إذا عرفه) إشارة إلى الحكم الاستينافي، فإن الرجوع‏ إلى الحق‏ إنما يكون بعد صدور حكم ابتدائي في القضية المعروضة على محكمة القضاء، ثم أشار إلى الدرجة الثالثة بقوله‏ (و أكثر تعاهد قضائه) فإن‏ تعاهد القضاء، ثم أشار إلى الدرجة الثالثة بقوله‏ (و أكثر تعاهد قضائه) فإن‏ تعاهد القضاء و الفحص عنها من قبل الوالي يشمل الأحكام الصادرة في القضايا المعروضة، و فائدة الفحص و التعاهد عنها إنما يكون في نقضها إذا رأى الوالي فيها خللا.

ثم أوصى للقضاة بوفور البذل‏ لهم بحيث يكفي لمؤونتهم و سد حاجاتهم،فلا يؤديهم ضيق المعيشة إلى أخذ الرشوة و الميل عن‏ الحق‏.

ثم أوصى بحفظ جانبهم و إعطاء المنزلة العالية لهم عند الوالي‏ بحيث لا يجترى‏ء أحد على انتقادهم لدى‏ الوالي‏ و حط رتبتهم ليكون ذلك مظنة لتهديدهم من قبل ذوي النفوذ بالسعى في عزلهم إذا لم يوافقوا لما أرادوا منهم من الميل عن‏ الحق‏ بنفعهم و المقصود من هذه الجملة حفظ استقلال القوة القضائية عن القوة المقننة و القوة المجرية و عدم تدخل أحد فيها حتى يطمئن القاضي بنفسه و يعتقد أنه لا يحول بينه و بين تشخيص‏ الحق‏ في القضية المعروضة عليه أحد، فيفحص عن‏ الحق‏ و يميزه و يحكم به من دون خوف و لا وجل.

الترجمة

سپس برگزين براى قضاوت ميان مردم در اختلافات آنها بهترين رعاياى خود را در نظر خودت از كسانى كه داراى اين صفات باشند:

1- كارها بر آنها مشكل نگردند و در حل و فصل آنها در نمانند.

2- اهل دعوى آنها را به لجبازى نكشند و در معرض امتحان نياورند.

3- اگر بلغزش و خطائى دچار شدند دنبال آن نروند و بمحض اين كه فهميدند بحق برگردند.

4- رجوع و برگشت بحق پس از فهميدن آن بر آنها دشوار و ناهموار نباشد.

5- خود را در پرتگاه طمع نكشند و پيرامون آن نگردند.

6- بفهم سطحي و ابتدائي در قضايا اكتفاء نكنند و دنبال فهم نهائي و تحقيق كافي باشند.

با اين حال، از همه مردم در مورد شبهه و ابهام حق محتاطتر باشند، و از همه بيشتر دنبال دليل و حجت براى روشن شدن حق بگردند، و از مراجعت أهل دعوى دلگير و تنگ خلق نشوند، و از همه كس براى كشف حقيقت بردبارتر باشند و چون حق را روشن و گويا فهميدند در صدور حكم قاطع باشند.

از كسانى باشند كه ستايش آنها را فريفته و خود بين نسازد و تشويق و ترغيب در آنها مؤثر نگردد و دل آنها را نبرد، اينان كميابند.

سپس بسيار از قضاوت آنها بازرسى كن و بجريان كار آنها مطلع باش و براى قاضي بخشش فراوان كن و حقوق مكفي مقرردار باندازه‏اى كه رفع نياز او را بكند و حاجت وى را بمردم ديگر بحد أقل برساند.

براى او در نزد خود مقامى بس منيع مقرردار كه هيچكدام از خواص كار- گزاران تو بدان مقام طمع نورزند تا بدينوسيله از دستبرد مردان ديگر در پيشگاه تو نسبت بخود مصون باشند، در اين باره نظرى رسا داشته باش زيرا اين دين بدست مردمى بد اسير بوده است، و بهوى و هوس در آن عمل مى‏شده و آنرا وسيله بر آوردن آرزوهاى شيطاني كردند و بوسيله آن دنيا طلبى نمودند.

الفصل السابع من عهده عليه السلام‏

ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا، و لا تولهم محاباة و أثرة، فانهم [فإنهما] جماع من شعب الجور و الخيانة، و توخ منهم أهل التجربة و الحياء من أهل البيوتات الصالحة، و القدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقا، و أصح أعراضا و أقل في المطامع إشرافا، و أبلغ في عواقب الامور نظرا، ثم أسبغ عليهم الأرزاق، فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، و غنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، و حجة عليهم إن خالفوا أمرك، أو ثلموا أمانتك، ثم تفقد أعمالهم، و ابعث العيون‏ من أهل الصدق و الوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة، و الرفق بالرعية، و تحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه، و أخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة، و وسمته بالخيانة، و قلدته عار التهمة. و تفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم، و لا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج و أهله، و ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، و أهلك العباد، و لم يستقم أمره إلا قليلا، فإن شكوا ثقلا أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، و لا يثقلن عليك شي‏ء خففت به المئونة عنهم، فإنه‏ ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك، و تزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم، و تبجحك باستفاضة العدل فيهم، معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم، و الثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم و رفقك بهم، فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم، من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به، فإن العمران محتمل ما حملته، و إنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، و إنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع، و سوء ظنهم بالبقاء، و قلة انتفاعهم بالعبر.

اللغة

(المحاباة): المعاطاة و العطاء بلا عوض، (الاثرة): الاستبداد و الانعام للحب و المودة، (الجماع): الجمع، (التوخي): التقصد، ثلمت الاناء من باب ضرب: كسرته من حافته، الثلمة كبرمة: الخلل الواقع في الحائط و غيره، (الحدوة): الحث، (وسمه) وسما و سمة: أثر فيه بسمة و كي، و الميسم بكسر الميم اسم الالة التي يكوى بها، يقال (ثقل) الشي‏ء بالضم ثقلا و زان عنب و يسكن للتخفيف فهو ثقيل، (الشرب): النصيب من الماء، (البالة): القليل من الماء يبل به الأرض، و الظاهر أنه في الأراضي التي يسقيه الأمطار فحسب، فاذا قلت الأمطار يقال: اصيب بالبالة، (أحالت) الأرض: تغيرت عما عليه من الاستواء فلم ينجب زرعها و لا أثمر نخلها، و ذلك يكون على أثر السيول و الأمطار الغزيرة (البجح): الفرح، يقال: بجح بالشى‏ء بالكسر و بالفتح لغة ضعيفة و بجحته فتبجح:

أى فرحته ففرح و في حديث: أهل الجنة في خيراتها يتبجحون، (معتمدا):قاصدا، (الاجمام): الاراحة، (الاعواز): الفقر.

الاعراب‏

اختبارا: مفعول له لقوله فاستعملهم، محاباة: مفعول له لقوله لا تولهم، توخ: أمر من توخى يتوخى، و أهل التجربة مفعوله، المتقدمة: صفة لقوله البيوتات، أخلاقا: منصوب على التميز من النسبة في قوله أكرم، ما تحت أيديهم:

ما موصولة و تحت أيديهم ظرف مستقر صلة و العائد محذوف أو مستتر في الظرف باعتبار متعلقه المقدر و يحتمل أن تكون موصوفة و ما بعدها صفتها أى شيئا تحت أيديهم، فان أحد منهم: أحد فاعل فعل مضمر يفسره قوله: بسط يده إلى خيانة اكتفيت بذلك شاهدا: جملة فعلية حالية و قوله فبسطت عليه العقوبة جزاء الشرط، بما يصلح أهله: ما موصولة و ما بعدها صلتها، سواهم: ظرف مستقر صلة لقوله من في لمن، إلا بهم: استثناء مفرغ، خففت عنهم: جزاء شرط لقوله فان شكوا، معتمدا: حال عن المخاطب، من بعد: بضم بعد مبنيا لكون المضاف إليه المحذوف منويا أى بعد ذلك الارفاق، طيبة: حال، من إعواز: من هنا للتعليل.

المعنى‏

قد انبسط النظم السياسي للبلاد في هذه العصور فيتشكل الحكومة من رئيس أو ملك يعين وزراء عديدة لكل شأن من شئون البلد، فوزير للحرب، و وزير للمالية، و وزير للامور الداخلية، و وزير للامور الخارجية، و وزير للعلوم، و وزير للاشغال العامة، و هكذا، و ربما يزيد الوزراء على عشرين وزيرا و يتشكل كل وزارة من مديريات و إدارات كثيرة يشتغل في امورها خلق كثير، و لكن النظم السياسي في صدر حكومة الاسلام كان بسيطا جدا، و هذا هو العلة الرئيسية لتقدم الاسلام و نفوذه في الامم و الشعوب، فكان ينبعث من قبل الخليفة لكل ناحية عامل، و الشغل الرئيسي لهذا العامل مهما كان مدار عمله وسيعا أمران:

1- إقامة الصلاة للناس بامامته فكان حضور الجماعة و الصلاة خلف العامل واجبا على كل المكلفين فيحضرون المسجد كل يوم في مواقيت الصلوات الخمسة و يصطفون وراء العامل فيصلي بهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة في صلاته و يلقنهم‏ العقائد الاسلامية و يدر بهم للاصطفاف تجاه العدو في ميادين الجهاد، فكانت جامعة الصلاة مدرسة للمعارف و تعليم النظامات العسكرية لكل مسلم، و لا يشغل منه إلا مقدار ساعتين في كل يوم و ليلة، و يكون له الفرصة الكافية أن يذهب وراء مشاغله و حرفه المعتادة.

2- جمع الخراج من الدهاقين و الزارعين و يدخل في ضمنه الجزية المفروضة على أهل الكتاب الداخلين في ذمة الاسلام من اليهود و النصارى و المجوس، و هم الأكثرون عددا في هذا العصر المشتغلون بأمر الزراعة و العمران في شتى نواحي البلاد الاسلامية الممتدة من إفريقيا إلى حدود الصين، فكان شخصية الوالي هي النقطة الرئيسية في استقامة نظم البلاد الاسلامية و صحة مسير الاسلام نحو التقدم و الازدهار و نحو هدفه الاساسي الذي هو هداية الناس كافة كما قال الله تعالى:و ما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا و نذيرا، 28- السبأ و لا يوصل إلى هذا الهدف الرئيسي إلا برعاية القوانين الاسلامية و بث العدل الاسلامي و رعاية نوع البشر و إرائة طريق سعادته بالسيرة و العمل، فكان وظيفة العامل ثقيلة و دقيقة، و من هذه الجهة أوصى لانتخاب العمال بقوله‏ (فاستعملهم اختبارا).

قال في الشرح المعتزلي «ج 17 ص 29 ط مصر»: و هم‏ عمال‏ السواد و الصدقات و الوقوف و المصالح و غيرها، فأمره أن يستعملهم بعد اختبارهم و تجربتهم و أن لا يوليهم‏ محاباة لهم و لمن يشفع فيهم و لا إثرة و لا إنعاما عليهم.

أقول: لا وجه لاختصاص كلامه بصنف من العمال، بل المقصود منه مطلق العمال و من يلي أمر ناحية من البلاد، و الاثرة هو إظهار المحبة لأحد أو التعطف له لتودده أو حاجته أو غير ذلك من الدواعي الخصوصية، و في نسخة ابن ميثم:«فانهم جماع من الجور و الخيانة».

فالمقصود أن العمال الشاغلين للأعمال في زمان عثمان و من تقدمه كانوا جمعا من شعب الجور و الخيانة، فإن الخلفاء الذين تقمصوا الخلافة بغير حق و يخافون على مقامهم من ثورة طلاب الحق و يستعملون في أعمالهم من يوافقهم‏ في نفاقهم و يعينهم على جورهم و شقاقهم ممن ينحرف عن الحق و يميل إلى الباطل لضعف عقيدته و رقة ديانته و ايمانه.

فانظر إلى أبي بكر المتحفظ على الظاهر و المتظاهر بحفظ السيرة النبوية قد اختار خالد بن وليد المنحرف عن أهل بيت النبوة و الحاسد الحاقد على مركز الولاية علي بن أبي طالب أمير الامراء في حكومته و فوض إليه قوة السيف الاسلامي و لقبه سيف الله و سيف شهره رسول الله مع وجود مات من الأبطال في الأصحاب ممن لهم القدمة في الاسلام و الاخلاص و النصيحة، فارتكب خالد جنايات و فضائح في العالم الاسلامي يقشعر الأبدان من سماعها.

و هذا عمر استعمل على الكوفة و هى أحد الثغور الاسلامية الرئيسية بما لها من الوسعة الشاملة من حدود نجد إلى تخوم خراسان مغيرة بن شعبة أحد أعداء أمير المؤمنين الألداء، و هو رجل الجناية و الخيانة من عصره الجاهلي قد التجأ بالاسلام على أثر جناية و خيانة فضيحة ارتكبها كما في سيرة ابن هشام «ص 213 ج 2 ط مصر» قال الزهري في حديثه: ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله عروة بن مسعود الثقفي- إلى أن قال: ثم جعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه و آله و هو يكلمه قال: و المغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه و آله في الحديد قال: فجعل يقرع يده إذا تناول لحية رسول الله صلى الله عليه و آله و يقول: اكفف يدك عن وجه رسول- الله صلى الله عليه و آله قبل أن لا تصل إليك «أى المقرعة» قال: و يقول عروة: ويحك ما أفظك و أغلظك؟! قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه و آله فقال له عروة: من هذا يا محمد؟

قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، قال: أى غدر، و هل غسلت سوأتك إلا بالأمس، قال ابن هشام: أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة بن شعبة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بنى مالك من ثقيف فتهايج الحيان من ثقيف بنو مالك رهط المقتولين و الأحلاف رهط المغيرة فودى عروة المقتولين ثلاث عشرة دية و أصلح ذلك الأمر، انتهى.

أقول: و كان قتلهم غدرا لأخذ هداياهم التي أعطاهم ملك اليمن فأخذها و فر بها إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فأسلم و عرضها على رسول الله صلى الله عليه و آله فلم يقبلها، فارتكب في أيام عمله في الكوفة فضيحة الزنا و هو محصن مع ام جميل امرأة ذات بعل على ضوء النهار فاطلع على زناه أربعة من الصحابة و التابعين العاملين في دار- الحكومة منهم زياد بن أبيه فعرضوا أمره إلى عمر فطلبه و الشهود إلى المدينة و حاكمه بنفسه و أدى ثلاثة من الشهود شهادة تامة على ارتكابه الزنا، و لكن لما ورد زياد لأداء الشهادة قال له عمر: أرى وجه رجل لا يفتضح به أحد كبار أصحاب رسول الله، فلقنه بهذا الكلام ما أراد أن يلقنه، فقال زياد: رأيت مغيرة نائما مع ام جميل على فراش واحد و هو راكب على بطن ام جميل و سكت عن رؤيته دخوله فيها كالميل في المكحلة و نقص شهادته و لم ير عمر شهادته كافية فأمر بضرب سائر الشهود حد القذف و برأ مغيرة، و أي فضيحة في الاسلام أفضح من هذه؟.

و أما عمال عثمان فلا يحتاج جورهم و خيانتهم إلى توضيح فانه كالعيان المغني عن البيان، فقال عليه السلام: إن العمال السابقين كانوا جماعا من شعب الجور و الخيانة.

و لكن في نسخة المعتزلي‏ «فانهما جماع من شعب الجور و الخيانة» و قال في شرحه: فانهما- يعني استعمال‏ المحاباة و الاثرة- جماع من شعب الجور و الخيانة و قد تقدم شرح مثل هذه اللفظة، و المعنى أن ذلك يجمع ضروبا من‏ الجور و الخيانة أما الجور فانه يكون قد عدل عن المستحق إلى غير المستحق ففي ذلك جور على المستحق، و أما الخيانة فلأن الأمانة تقتضي تقليد الأكفاء، فمن لم يعتمد ذلك فقد خان من ولاه.

و اغتر ابن ميثم بهذا التفسير فقال: فلا يوليهم‏ محاباة و إثرة، كأن يعطونه شيئا على الولاية فيوليهم و يستأثر بذلك دون مشاورة فيه، فانهما أى المحاباة و الاثرة- كما هو مصرح به في بعض النسخ عوض الضمير- جماع من شعب الجور و الخيانة، أما الجور فللخروج بهما عن واجب العدل المأمور به شرعا، و أما الخيانة فلأن التحري في اختيارهم من الدين و هو أمانة في يد الناصب لهم،فكان نصبهم من دون ذلك بمجرد المحاباة و الاثرة خروجا عن الأمانة و نوعا من‏ الخيانة.

أقول: لا يخفى ما في ما ذكره الشارحان من تطبيق جملة: جماع من شعب الجور و الخيانة على الانتخاب بالمحاباة و الاثرة من التكلف و التعسف، نعم لا إشكال في أن هذا الانتخاب جور و خيانة و لكن لا ينطبق عليه أنه‏ جماع من شعب الجور و الخيانة إلا بالتكلف، فالأظهر أن هذه الجملة راجعة إلى العمال الشاغلين للأعمال قبل حكومته عليه السلام.

ثم أمر عليه السلام بانتخاب العمال‏ من أهل البيوتات الصالحة و المتقدمة في الاسلام‏ لما ذكرنا سابقا من أن كفيل تربية الأفراد في ذلك العصر هى الاسرة و البيت، و لم تكن هناك شهادة على صلاحية الفرد غير النظر في البيت و الاسرة التي ربى فيها و نشأ في ظلها، فقد وصف هؤلاء المربين في البيوت‏ الصالحة بأنهم موصوفون بما يلزم للعامل من كرم الأخلاق و مصونية العرض و قلة الطمع و النظر في عواقب الامور.

ثم أوصى بوفور الأرزاق‏ و الرواتب‏ عليهم‏، لئلا يضطروا إلى الاختلاس مما في‏ أيديهم‏ من أموال الخراج و يتم الحجة عليهم إن خانوا.

ثم أوصى‏ بتفقد أعمالهم و بث‏ العيون عليهم‏ لحثهم‏ على‏ حفظ الأمانة و الرفق بالرعية.

ثم شرع‏ عقوبة الخائن الذي ثبت خيانته باتفاق‏ أخبار العيون‏ و المتفقدين في البدن بعرضهم على السياط و عزلهم عن العمل و إعلام خيانتهم للعموم و تقليدهم‏ بعار التهمة و أثر ذلك انفصالهم عن شغلهم أبدا.

ثم توجه إلى‏ أمر الخراج‏ و هو المصدر الوحيد في هذا العصر لخزانة الحكومة و ما يلزمها من المصارف في شتى حوائجها من أرزاق الجند و رواتب العمال و الخدم، و نبه على أن المبدأ الوحيد للخراج‏ هو عمران‏ البلاد بالزرع و الغرس و ما يتحصل منه عوائد جديدة و بين أن التوليدات المثمرة إنما هى‏ من الزراعة و تربية المواشي، و كليهما يتفقان على عمران‏ البلاد و قدرة الزراع و الدهاقين المالية على العمل في الانتاج و التوليد و أن طلب‏ الخراج‏ مع قطع النظر عن العمران موجب للخراب و الاستيصال.

و من واجب العمران التوجه إلى الافات الطارئة في المحاصيل الزراعية و الحيوانية، فقال عليه السلام‏ «فان شكوا ثقلا- أى جورا- في ضرب مقدار الخراج‏ المضروب عليهم أو جور العمال في أخذه‏ أو علة نحو أن يصيب الغلة آفة كالجراد و البرق و البرد و غيرها.

أو انقطاع شرب‏- بأن ينقص الماء في النهر أو طم القنوات في أثر السيول أو الزلازل و نحوها.

أو بالة- يعني قلة الأمطار في ما يسقى بماء المطر أو كثرة الأمطار الموجبة للسيول الجارفة للزرع و الشجر.

أو إحالة أرض اغتمرها غرق‏- يعني أن الأرض قد تحولت في أثر السيول أو تكرار الزرع فلم يحصل منها زرع لأن الغرق غمرها و أفسد زرعها.

أو أجحف بها عطش‏ فأتلفها.

فلا بد من سماع الشكوى و التحقيق عنها و التخفيف على الزراع و الدهاقين و بذل المساعدة لهم بحيث‏ يصلح أمرهم‏ و يتمكنوا من الاشتغال بالعمران و نبه على أن هذا التخفيف و المساعدة لم يذهب هدرا، لأنه:

1- ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك‏.

2- زينة و افتخار لولايتك‏ فان زينة الوالي عمران البلاد و راحة العباد.

3- تكتسب‏ حسن ثنائهم‏ عليك و تسر باستفاضة العدل فيهم‏ مع اعتمادك على‏ فضل قوتهم بما ذخرت عندهم‏ من توجهك عليهم و توجههم عليك بالوثوق بك و الاعتماد بعدلك‏ و رفقك‏.

4- فربما حدث‏ عليك حادث و تحتاج إلى الاقتراض منهم أو طلب المعونة منهم أو مساعدتهم لك بنفوسهم فيجيبونك و يساعدونك بطيب‏ أنفسهم‏.

ثم انتج من ذلك ضابطتين عامتين هامتين:

1- العمران محتمل ما حملته‏.

2- يؤتى خراب الأرض من‏ فقر أهلها و إعوازهم مصارف عمرانها.

ثم نبه على أن‏ إعواز أهل الأرض ناش عن الولاة السوء الذي لا هم لهم إلا جمع المال و الأخذ من الرعايا بكل حال، لسوء ظنهم ببقائهم على العمل و خوفهم من العزل و عدم انتفاعهم بالعبر و اعتقادهم بالعقوبة من الله في الاخرة.

و قد نقل الشارح المعتزلي هنا ما يؤيد كلام مولانا لا بأس بنقله قال:

عهد سابور بن اردشير لابنه‏

و قد وجدت في عهد سابور بن أردشير إلى ابنه كلاما يشابه كلام أمير المؤمنين عليه السلام في هذا العهد و هو قوله:

و اعلم أن قوام أمرك بدرور الخراج، و درور الخراج بعمارة البلاد، و بلوغ الغاية في ذلك استصلاح أهله بالعدل عليهم، و المعونة لهم، فإن بعض الامور لبعض سبب، و عوام الناس لخواصهم عدة، و بكل صنف منهم إلى الاخر حاجة، فاختر لذلك أفضل من تقدر عليه من كتابك، و ليكونوا من أهل البصر و العفاف و الكفاية، و استرسل إلى كل أحد منهم شخصا يضطلع به، و يمكنه تعجيل الفراغ منه، فان اطلعت على أن أحدا منهم خان أو تعدى، فنكل به، و بالغ في عقوبته، و احذر أن تستعمل على الأرض الكثير خراجها إلا البعيد الصوت، العظيم شرف المنزلة و لا تولين أحدا من قواد جندك الذين هم عدة للحرب، و جنة من الأعداء شيئا من أمر الخراج، فلعلك تهجم من بعضهم على خيانة في المال، أو تضييع للعمل فان سوغته المال، و أغضيت له على التضييع كان ذلك هلاكا و إضرارا بك و برعيتك و داعية إلى فساد غيره، و إن أنت كافأته فقد استفسدته، و أضقت صدره، و هذا أمر توقيه حزم، و الإقدام عليه حزق، و التقصير فيه عجز.

و اعلم أن من أهل الخراج من يلجى‏ء بعض أرضه و ضياعه إلى خاصة الملك‏ و بطانته لأحد أمرين، أنت حرى بكراهتهما، إما لامتناع من جور العمال و ظلم الولاة، و تلك منزلة يظهر بها سوء أثر العمال و ضعف الملك و إخلاله بما تحت يده، و إما للدفع عما يلزم من الحق و التيسر له، و هذه خلة تفسد بها آداب الرعية، و تنقص بها أموال الملك، فاحذر ذلك، و عاقب الملتجئين و الملجأ إليهم.

الترجمة

سپس در كارهاى كارمندان و عمال خود بنگر و از روى امتحان و آزمايش آنان را بكار بگمار و بمحض دلخوشى و احسان به آنها يا خويش و اظهار خصوصيت با آنها كارگزارشان مكن، زيرا آنها مجموعه‏اى از تيره‏هاى جور و ستم و خيانتند.

از ميان آنان اهل تجربه و مردم آبرومند را انتخاب كن، كسانى كه از خانواده ‏هاى خوب و پيشقدم در اسلام هستند و پيشرو بودند، زيرا كه آنان:

1- اخلاقى گرامى ‏تر و اصيل‏تر دارند.

2- آبروى آنها نيالوده و محفوظ و بابروى خود علاقه دارند.

3- كمتر پيرامون طمع و جلب منافع مى ‏گردند.

4- در عواقب امور و دنباله كارها نظرى رساتر و عميق‏تر دارند و ملاحظه عاقبت كار خود را بهتر مى‏ كنند.

سپس حقوق و ارزاق مكفي بدانها بده زيرا وفور معيشت مايه اصلاح نفوس آنها است و سبب بى ‏نيازى آنان از تصرف در اموالى كه زير دست آنها است مى ‏شود و وسيله اتمام حجت بر آنها مى‏ گردد در صورتى كه از دستور تو سرپيچند و در امانتت خيانت ورزند.

سپس كارهاى آنان را زير نظر بگير و ديده بان‏هاى درست و وفادار بر آنها بگمار، زيرا بازرسى پنهانى تو از كارهاى آنان موجب تشويق آنها است بر امانتدارى و خوشرفتارى با رعيت، معاونان خود را خوب بپا و اگر از آنها كسى دست بخيانت گشود و مورد اتفاق نظر خبر گزاران و ديده‏بانان گرديد و گواهى آنانرا در باره‏

اثبات جرمش كافي دانستى او را زير تازيانه مجازات بكش و مسئول كار خودش بشناس و در معرض خوارى در آور و داغ خيانت بر پيشانى او بنه و جامه ننگين تهمت را در بر او كن.

از وضع خراج و در آمد املاك بازرسى كن بوجهى كه مايه بهبود خراج‏گزاران باشد، زيرا در بهبود امر خراج و بهبود حال خراج‏گزاران بهبود حال ديگران نهفته است و ديگران را جز بدانها بهبودى حال ميسر نيست، زيرا همه مردم نانخوران خراجند و خراج‏گزاران، و بايد توجه تو بابادى زمين بيشتر باشد از توجه بجلب خراج، زيرا خراج جز از زمين آباد بدست نيايد و هر كس آباد نكرده خراج خواهد شهرستانها را ويران و بندگان خدا را نابود سازد و جز اندك زمانى كارش درست نيايد.

اگر زارعان و دهقانان شكايت كردند از فزونى و گرانى مقدار خراج يا از آفت در زراعت يا قطع آب يا كمى باران يا دگرگونى و فساد زمين زراعت و درخت بواسطه آنكه سيل آنرا غرق كرده يا تشنگى بدان زيان رسانيده خراج آنها را تا حدى كه مايه بهبود حالشان باشد تخفيف بده و اين تخفيف كه مايه كمك بدانها است بر تو گران نيايد زيرا:

1- اين ذخيره و پس اندازيست در ملك كه بوسيله آباد كردن بلاد تو بتو برمي گردد.

2- سبب زيور و آرايش حكمرانى تواست.

3- مايه جلب ستايش آنان و شادمانى تو بانتشار عدالت در باره آنها است در حالى كه بفزونى نيروى آنها اعتماد دارى بدانچه براى آنها ذخيره كردى و فراهم آوردى و جلب اعتماد آنها را بخود نمودى بوسيله آنكه آنها را بعدالت گسترى خود معتاد ساختى و با نرمش با آنها معامله كردى.

بعلاوه بسا باشد كه براى تو پيشامدى رخ دهد و گرفتارى پيش آيد و چون تو با آنها احسان كردى و خوشرفتارى نمودى و اعتماد آنها را جلب كردى در دنبال آن هر تقاضا را با طيب خاطر پذيرا شوند و بتو هر گونه كمك و مساعدت را از روى‏ رضا و رغبت تقديم دارند.

بابادانى هر چه بار نهى بار مى‏كشد و همانا ويرانى سرزمينها زائيده ندارى و بى وسيله‏اى أهل آن سرزمين است آيا ندارى و بيچارگى مردم از كجا ناشى مى‏ شود؟

از توجه كارگزاران بجمع مال دنيا و ربودن دسترنج مردمان براى بدبينى آن كارگزاران نسبت به بقاء آنان بر سر كار خود و بواسطه كم عبرت گرفتن آنها از آنچه براى مردم با ايمان و با بصيرت مايه عبرتست.

الفصل الثامن من عهده عليه السلام‏

ثم انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم، و اخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك و أسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملإ، و لا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمالك عليك، و إصدار جواباتها على الصواب عنك فيما يأخذ لك و يعطي منك، و لا يضعف عقدا اعتقده لك، و لا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك، و لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الامور، فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل، ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك و استنامتك و حسن الظن منك، فإن الرجال يتعرفون لفراسات الولاة بتصنعهم و حسن خدمتهم [حديثهم‏] و ليس وراء ذلك من النصيحة

و الأمانة شي‏ء، و لكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرا، و أعرفهم بالأمانة وجها، فإن ذلك دليل على نصيحتك لله و لمن وليت أمره، و اجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم لا يقهره كبيرها، و لا يتشتت عليه كثيرها، و مهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته.

اللغة

(كتاب) جمع كاتب: من يتولي ديوان المكاتبات، (مكائد): جمع مكيدة: تدبير سري تجاه العدو، (لا تبطره): و قد تكرر في الحديث ذكر البطر و هو كما قيل: سوء احتمال الغنى و الطغيان عند النعمة و يقال: هو التجبر و شدة النشاط، و قد بطر بالكسر يبطر بالفتح- مجمع البحرين-.

(الملأ): قيل: الملأ جماعة من الناس يملئون العين و القلب هيبة، و قيل:

هم أشراف الناس و رؤساؤهم الذين يرجع إلى قولهم، (العقد): المعاهدة في أمر بين اثنين، (الفراسة) بالكسر الاسم من قولك تفرست فيه خيرا، و هي نوعان أحدهما ما يوقعه الله في قلوب أوليائه فيعلمون بعض أحوال الناس بنوع من الكرامات و إصابة الحدس و الظن و هو ما دل عليه ظاهر الحديث: اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله، و ثانيهما نوع يعلم بالدلائل و التجارب، (استنام) إلى كذا: سكن إليه، (تغابيت) عنه: تغافلت عنه.

الاعراب‏

ممن لا تبطره: من للتبعيض، بحضرة ملأ: متعلق بقوله فيجترئ، فيما يأخذ: لفظة ما موصولة و ما بعدها صلتها و العائد محذوف، وراء ذلك، ظرف‏ مستقر خبر ليس قدم على اسمها و هو شي‏ء، بما ولوا: يجوز أن تكون ما مصدرية:

أى بالولاية التي ولوها و العائد محذوف على أي تقدير، كان في العامة: اسم كان مقدر فيه و في العامة ظرف مستقر خبر له، و أثرا تميز من قوله عليه السلام لأحسنهم ألزمته: جزاء قوله عليه السلام: مهما كان.

المعنى‏

من أهم النظامات الرئيسية في الدول الراقية و المتمدنة نظام الديوان و الكتاب، فقد اهتم به الملوك و الرؤساء من عهد قديم و تمثل في النظام الاسلامي في عهد النبي صلى الله عليه و آله في كتابة آى القرآن، و قد دار حول النبي في هذا العصر مع ندرة الكاتب في الامة العربية الاميين اثنى عشر كاتبا يوصفون بكتاب الوحى يرأسهم مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، و قد اهتم النبي صلى الله عليه و آله بتوفير الكتاب في الجامعة الإسلامية حتى جعل فداء أسرى الحروب الكاتبين تعليم الكتابة لعشر نفر من المسلمين، و كان علي عليه السلام هو الكاتب المخصوص للنبي صلى الله عليه و آله يتولي كتابة العهود و المواثيق بينه و بين الناس في مواقف كثيرة على الأكثر: منها كتابه عهد الصلح بين المسلمين و قبائل اليهود الساكنين حول المدينة في صدر الهجرة، كما في سيرة ابن هشام «ص 301 ج 1 ط مصر».

قال ابن إسحاق: و كتب رسول الله صلى الله عليه و آله كتابا بين المهاجرين و الأنصار و وادع فيه يهود و عاهدهم و أقرهم على دينهم و أموالهم و شرط عليهم و اشترط لهم.

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه و آله بين المؤمنين و المسلمين من قريش و يثرب و من تبعهم «و» فلحق بهم و جاهد معهم إنهم امة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم و هم يفدون عانيهم بالمعروف و القسط بين المؤمنين و بنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى و كل طائفة تفدى عانيها بالمعروف و القسط بين المؤمنين و بنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى و كل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف و القسط بين‏ المؤمنين و بنو النجار على ربعتهم- إلى أن قال: و أنه من تبعنا من يهود فإن له النصر و الأسوة غير مظلومين و لا متناصرين عليهم- إلخ.

و هو عهد تاريخي غزير اللفظ و المعنى، و لم يصرح في السيرة باسم الكاتب و لكن الظاهر أنه علي بن أبي طالب عليه السلام- فتدبر.

و منها العهد التاريخي المنعقد بينه صلى الله عليه و آله مع قريش في واقعة الحديبية حيث منع قبائل قريش مكة عن دخول المسلمين مكة المكرمة لأداء العمرة و صدوهم في وادي حديبية و عرضوهم للحرب، فامتنع النبي صلى الله عليه و آله عن إثارة حرب في هذه الواقعة و تردد بينه و بين قريش عدة من الرجال حتى تمكن سهيل بن عمرو من عقد صلح بين النبي صلى الله عليه و آله مع قريش في ضمن شروط هامة ثقيلة على المسلمين و تولى علي عليه السلام كتابة هذا العهد، كما في سيرة ابن هشام «ص 216 ج 2 ط مصر»:

قال: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: اكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: لا أعرف هذا و لكن اكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: اكتب باسمك اللهم، فكتبها، ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو قال: فقال سهيل: لو شهدت أنك رسول الله لم اقاتلك و لكن اكتب اسمك و اسم أبيك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه و آله اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو و اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس و يكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم و من جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه و أن بيننا عيبة مكفوفة و أنه لا إسلال و لا إغلال و أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد و عهده دخل فيه و من أحب أن يدخل في عقد قريش و عهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عقد محمد و عهده و تواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش و عهدهم و أنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة و أنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها- إلى أن قال: في بيان شهود الكتاب:

و علي بن أبي طالب و كتب و كان هو كاتب الصحيفة.

و قد بين عليه السلام في هذا الفصل نظام الديوان و ألقاب الكتاب اللائقين الأنجاب و نظم أمر الديوان و الكتاب في مباحث قيمة.

1- في شخصية الكاتب من الوجهة الأخلاقية و رعاية الأمانة و الصداقة و لم يتعرض عليه السلام لما يلزم في الكاتب من الوجهة الفنية و ما يجب عليه من تعلم الخط و تحصيل درجات علمية ليتمكن من الاشتغال بكتابة الديوان العالي لأنه معلوم بالضرورة لمن يعرض نفسه لهذا المنصب العالي فشغل الكتابة في ديوان رسمي يحتاج في عصرنا هذا إلى شهادة إتمام تحصيلات الدورة المتوسطة مضافا إلى ما يلزم له من التعلم الخصوصي لفن الكتابة و الفوز بجودة الخط.

و قد لخص الوصف العام للكاتب بقوله عليه السلام‏ (فول على امورك خيرهم) قال ابن ميثم: و تفسير الخير هنا هو من كان تقيا قيما بما يراد منه من مصالح العمل.

أقول: كأنه غفل عن معنى التفضيل المصرح به في قوله عليه السلام: خيرهم‏.

قال في الشرح المعتزلي:

فصل في الكتاب و ما يلزمهم من الاداب‏

و اعلم أن الكاتب الذي يشير أمير المؤمنين عليه السلام إليه هو الذي يسمى الان في الاصطلاح العرفي وزيرا، لأنه صاحب تدبير حضرة الأمير، و النائب عنه في اموره و إليه تصل مكتوبات العمال و عنه تصدر الأجوبة، و إليه العرض على الأمير، و هو المستدرك على العمال، و المهيمن عليهم، و هو على الحقيقة كاتب الكتاب، و لهذا يسمونه الكاتب المطلق.

أقول: الوزارة منصب ممتاز عن الكتابة في عصرنا هذا و أظن أنه كان ممتازا في العصور السابقة، و إن كان الوزير يشتغل بالكتابة و إنشاء ما يهم من الكتب في بعض الأزمان، و في بعض الأحيان إلا أنه لا يدل على كون الكاتب هو الوزير، فقد كان في عهد هارون و مأمون يصدر التوقيعات الهامة في الامور

العامة المرتبطة بدار الخلافة بقلم يحيى بن خالد البرمكي و ابنه جعفر و فضل و لهم مقام الوزارة في ديوان الخلافة إلا أنه لم يعهد توصيفهم بالكاتب في كتب السير و التواريخ.

قال: و كان يقال للكاتب على الملك ثلث: رفع الحجاب عنه، و اتهام الوشاة عليه، و إفشاء السر لديه.

2- في تقسيم الكتاب إلى درجات و طبقات:

فمنهم كاتب السر، فأوصى فيه بأن يكون أجمع الكتاب للأخلاق الصالحة و لا يكون خفيف المزاج فيسوء فيه أثر خلواته مع الوالي و توديعه أسراره لديه فيعتريه البطر و الطغيان على الوالي فيجترئ عليه بإظهار الخلاف و الأنانية في المحضر الحافل بالأشراف و الرؤساء و الامراء فيهون الوالي بجرأته عليه و يضعف قدره عند الملأ.

و منهم كاتب الديوان العام الذي يرد عليه مكاتبات العمال و يتكلف جوابها فيوصي عليه السلام فيه أن يكون حافظا يقظا لا يسامح في اصدار جواب هذه الكتب على وجه الصواب سواء فيما يتعلق بأخذ الخراج و العوائد أو ما يتعلق باعطاء الرواتب و المصارف، فيضبط ذلك كله ليتمكن الوالى من النظر في الواردات و الصادرات.

و أن يكون فطنا ليقا في تنظيم مواد العهود و العقود بين الوالي و غيره من أصناف الرعايا أو الأجانب، و هذا أمر يحتاج إلى بصيرة فائقة و فطنة وقادة يقتدر صاحبها إلى تنظيم مواد المعاهدة محكمة غير مبهمة بحيث لا يمكن لطرف المعاهدة أن يجعل بعض جملها مبهمة و يفسرها على ما يريد كما أنه يحتاج التخلص عن المسئولية تجاه مقررات العهود إلى بصيرة و حسن تعبير عبر عليه السلام بقوله‏ (و لا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك).

و اشترط في الكاتب أن يعرف قدره و يقف عند حده في إعمال النفوذ لدى الوالي و لا يغتر بصحبته مع الوالي و مجالسته معه لأداء ما يجب عليه من شغله في إنهاء الرسائل إليه و أخذ الإمضاء منه في جوابها فلا يحسب هذا الحضور و المجالسة التي يقتضيها شغله دلالا على الوالي فيطير فوق قدره.

ثم نبه على أن انتخاب الكتاب و انتصابهم في هذا الشغل الهام لا بد و أن يكون معتمدا على اختبار كامل في صلاحيتهم و لا يكتفي في إثبات لياقتهم بمجرد الحدس و الفراسة و حسن الظن الناشي عن التظاهر بالإخلاص و تقديم الخدمة لأن الرجال أهل تصنع و تظاهر ربما يغتر الوالي بهما و هم خلو من الاخلاص في الباطن.

و بين عليه السلام أن الدليل على صلاحيتهم سابقتهم في تولي الكتابة للصالحين قبل ذلك مع حسن أثرهم في نظر العامة و عرفان أمانتهم عند الناس.

ثم أشار إلى تفنن أمر الكتابة و وجوهها المختلفة فأمر بأن يجعل لكل من الامور رئيسا لائقا من الكتاب الماهرين في هذا الفن بحيث لا يقهره مشكل ورد عليه و لا يعجز عن الإدارة إذا تكثرت الواردات عليه، و نبه على أنه من الواجب الفحص عن صحة عمل الكتاب و عدم الغفلة عنهم فلو غفل عنهم و تضرر الناس منهم كان تبعته على الوالي و هو مسئول عنه.

و نذكر هنا وصية صدرت من ابرويز إلى كاتبه نقلا عن الشرح المعتزلي «ص 81 ج 17 ط مصر».

و قال أبرويز لكاتبه: اكتم السر، و اصدق الحديث، و اجتهد في النصيحة و عليك بالحذر، فان لك على أن لا اعجل عليك حتى أستأني لك، و لا أقبل فيك قولا حتى أستيقن، و لا أطمع فيك أحدا فتغتال، و اعلم أنك بمنجاة رفعة فلا تحطها و في ظل مملكة فلا تستزيلنه، قارب الناس مجاملة من نفسك، و باعدهم مسامحة عن عدوك، و اقصد إلى الجميل ازدراعا لغدك و تنزه بالعفاف صونا لمروءتك، و تحسن عندي بما قدرت عليه، احذر لا تسرعن الألسنة عليك، و لا تقبحن الاحدوثة عنك، و صن نفسك صون الدرة الصافية، و أخلصها خلاص الفضة البيضاء و عاتبها معاتبة الحذر المشفق، و حصنها تحصين المدينة المنيعة، لا تدعن أن ترفع إلى الصغير فانه يدل على الكبير، و لا تكتمن عنى الكبير فإنه ليس بشاغل‏ عن الصغير، هذب امورك، ثم القنى بها، و احكم أمرك، ثم راجعنى فيه، و لا تجترئن على فامتعض، و لا تنقبضن مني فأتهم، و لا تمرضن ما تلقاني به و لا تخدجنه، و إذا أفكرت فلا تعجل، و إذا كتبت فلا تعذر، و لا تستعن بالفضول فإنها علاوة على الكفاية، و لا تقصرن عن التحقيق فانها هجنة بالمقالة، و لا تلبس كلاما بكلام، و لا تبعدن معنى عن معنى، و اكرم لي كتابك عن ثلاث:

خضوع يستخفه، و انتشار يهجنه، و معان تعقد به، و اجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول، و ليكن بسطة كلامك على كلام السوقة كبسطة الملك الذي تحدثه على الملوك، فاجعله عاليا كعلوه، و فائقا كتفوقه، فانما جماع الكلام كله خصال أربع: سؤالك الشي‏ء، و سؤالك عن الشي‏ء، و أمرك بالشي‏ء، و خبرك عن الشي‏ء، فهذه الخصال دعائم المقالات، إن التمس إليها خامس لم يوجد، و إن نقص منها واحد لم يتم، فاذا أمرت فأحكم، و إذا سألت فأوضح، و إذا طلبت فأسمح و إذا أخبرت فحقق، فانك إذا فعلت ذلك أخذت بجراثيم القول كله، فلم يشتبه عليك واردة، و لم تعجزك صادرة، أثبت في دواوينك ما أخذت، احص فيها ما أخرجت، و تيقظ لما تعطى، و تجرد لما تأخذ، و لا يغلبنك النسيان عن الاحصاء و لا الاناة عن التقدم، و لا تخرجن وزن قيراط في غير حق، و لا تعظمن إخراج الالوف الكثيرة في الحق، و ليكن ذلك كله عن مؤامرتي.

الترجمة

سپس در حال كاتبان آستانت نظر كن و كارهايت را به بهترين آنان بسپار و نامه‏ هاى محرمانه و حاوى تدبيرات خود را مخصوص كسى كن كه:

1- بيشتر از همه واجد اخلاق شايسته و نيك باشد.

2- احترام و مقام مخصوص نزد تو او را مست و بيخود نسازد تا در حضور بزرگان و سروران با تو اظهار مخالفت كند و نسبت بتو گستاخى و دليرى كند.

3- غفلت و مسامحه كارى مايه كوتاه آمدن او از عرض نامه‏هاى عمال تو

بر تو و صدور پاسخهاى درست آنها نگردد چه در باره آنچه براى تو دريافت مى‏شود و چه در باره آنچه از طرف تو پرداخت مى‏گردد.

4- عهد نامه‏اى كه براى تو تنظيم ميكند سست و شكننده نباشد، و از آزاد كردن تو از قيد مقررات عهدنامه‏ها بوسيله تفسيرهاى پذيرفته عاجز نماند.

5- باندازه خود و حدود مداخله او در كارها نادان و نفهميده نباشد زيرا كسى كه اندازه خود را نداند باندازه و قدر و مرتبه ديگران نادانتر باشد.

سپس بايد انتخاب و انتصاب آنان در مقام منيع كاتبان متكى بخوشبيني و دلباختگى و خوش گمانى تو نباشد زيرا مردان زرنگ راه جلب فراست و خوشبينى واليان را بوسيله ظاهر سازى و تظاهر بخوش خدمتى خوب مى‏شناشند، در صورتى كه در پس اين ظاهر سازى هيچ اخلاص و حقيقتى وجود ندارد و ليكن بايد آنها را بوسيله تصدى كارهاى مربوطه براى نيكان پيش از خود بيازمائى، و هر كدام نزد عموم مردم خوش سابقه‏تر و بأمانت دارى معروفترند بر گزينى كه اين خود دليل است بر اين كه نسبت به پروردگار خود بكسى كه از جانب او متصدى ولايت و فرمانگزارى شدى خير انديشى كردى.

و بايد براى هر نوعى از كارهاى خود رئيسى براى دفتر مربوطه انتخاب كنى كه كارهاى مهم او را مقهور و درمانده نسازند و كارهاى بسيار او را پريشان نكنند، و بايد بدانى هر عيبى در كاتبان تو باشد و مايه زيان گردد تو خود مسئول آنى.

الفصل التاسع من عهده عليه السلام‏

ثم استوص بالتجار و ذوي الصناعات و أوص بهم خيرا، المقيم منهم و المضطرب بماله، و المترفق ببدنه [بيديه‏]، فإنهم‏ مواد المنافع، و أسباب المرافق، و جلابها من المباعد و المطارح في برك و بحرك، و سهلك و جبلك، [و] حيث لا يلتئم الناس لمواضعها، و لا يجترءون عليها، فإنهم سلم لا تخاف بائقته، و صلح لا تخشى غائلته، و تفقد أمورهم بحضرتك و في حواشي بلادك و اعلم- مع ذلك- أن في كثير منهم ضيقا فاحشا، و شحا قبيحا، و احتكارا للمنافع، و تحكما في البياعات، و ذلك باب مضرة للعامة، و عيب على الولاة، فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله- صلى الله عليه و آله- منع منه، و ليكن البيع بيعا سمحا: بموازين عدل، و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به، و عاقبه في غير إسراف.

اللغة

(المضطرب بماله): التاجر الذي يدور بماله من بلد إلى بلد للكسب، (جلاب) جمع جالب، (المطارح) جمع مطرح: الأرض البعيدة، (البائقة):

الداهية، (الغائلة): الشر، (حواشي البلاد)، أطرافها، (الشح)، البخل مع حرص فهو أشد من البخل لأن البخل في المال و هو في مال و معروف تقول: شح يشح من باب قتل و في لغة من باب ضرب و تعب فهو شحيح- مجمع البحرين.

(الاحتكار): حبس المنافع عن الناس عند الحاجة إليها، (التحكم في‏ البياعات): التطفيف في الوزن و الزيادة في السعر، (السمحة) بفتح فسكون أى السهلة التي لا ضيق فيها و لا حرج و سمح به يسمح بفتحتين سموحا و سماحا و سماحة أي جاد، (قارف): قارف الذنب و غيره إذا داناه و لا صقه و إن شئت إذا أتاه و فعله- مجمع البحرين.

الاعراب‏

استوص بالتجار: مفعوله محذوف: أى أوص نفسك بذلك، أوص بهم خيرا حذف مفعوله: أى أوص عما لك، المقيم: بدل أو عطف بيان للضمير في بهم و المضطرب عطف عليه، المترفق ببدنه، بيان لقوله ذو الصناعات، فانهم سلم: أى اولو سلم فحذف المضاف و اقيم المضاف إليه مقامه للمبالغة و الضمير في بائقته يرجع إلى السلم باعتبار اولى السلم، و هكذا الكلام في قوله صلح- إلخ.

في كثير منهم ظرف مستقر خبر إن، البياعات جمع بياع مصدر بايع أي المبايعات، عيب على الولاة عطف على قوله باب مضرة، بيعا مفعول مطلق نوعي بموازين عدل: جار و مجرور متعلق بقوله بيعا، و أسعار عطف على قوله موازين، من البائع من بيانية.

المعنى‏

انتقل عليه السلام بعد تنظيم الحكومة إلى الاجتماع و ما يصلح به أمر الامة و ركنه التجارة و الصناعة، و التجارة شغل شريف حث عليها في الشرع الاسلامي لكونها وسيلة لتبادل الحاصلات الأولية و التوليدات الصناعية، و هذا التبادل ركن الحياة الاجتماعية و نظام الحيوية المدنية، و قد ورد أخبار كثيرة في مدح التجارة و الترغيب إليها ففي الخبر أنه تسعة أعشار الرزق في التجارة و واحدة في سائر المكاسب.

قال في الوسائل في مقدمات كتاب التجارة: و بإسناده عن روح عن أبي عبد الله عليه السلام‏

قال: تسعة اعشار الرزق في التجارة.

و روى بسنده عن عبد المؤمن الأنصاري عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: البركة عشرة أجزاء: تسعة أعشارها في التجارة و العشر الباقي في الجلود. قال الصدوق: يعني بالجلود الغنم.

و بإسناده عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: تعرضوا للتجارات فإن لكم فيها غنى عما في أيدى الناس، و إن الله عز و جل يحب المحترف الأمين المغبون غير محمود و لا مأجور.

و بإسناده عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن محمد الزعفراني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من طلب التجارة استغنى عن الناس، قلت: و إن كان معيلا؟ قال: و إن كان معيلا إن تسعة أعشار الرزق في التجارة.

و بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: التجارة تزيد في العقل.

و بالإسناد عن علي بن الحكم، عن أسباط بن سالم، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فسألنا عن عمر بن مسلم ما فعل؟ فقلت: صالح و لكنه قد ترك التجارة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: عمل الشيطان- ثلاثا- أما علم أن رسول الله صلى الله عليه و آله اشترى عيرا أتت من الشام فاستفضل فيها ما قضى دينه و قسم في مراتبه، يقول الله عز و جل «رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله‏- إلى آخر الاية 37- النور» يقول القصاص: إن القوم لم يكونوا يتجرون، كذبوا و لكنهم لم يكونوا يدعون الصلاة في ميقاتها و هم أفضل ممن حضر الصلاة و لم يتجر.

و الأخبار في هذا الموضوع كثيرة مستفيضة، و كفى في فضل التجارة أنها كانت شغل النبي صلى الله عليه و آله قبل أن يبعث نبيا، و قد سافر إلى الشام في التجارة مع عمه أبي طالب و هو غلام لم يبلغ الحلم، ثم صار عاملا لخديجة بنت خويلد و سافر إلى الشام للتجارة مرة اخرى، و قد أعجبت خديجة أمانته و كفايته فطلبت منه أن يزوجها.

و الظاهر من حديث أسباط بن سالم الانف الذكر أنه لم يدع الاشتغال بها بعد البعثة و تحمل أعباء النبوة، كما يستفاد ذلك من تعيير قريش له بقولهم:

«ما لهذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق‏- كما في الاية 7 من سورة الفرقان».

و قد وصف عليه السلام التجار بما لا مزيد عليه من خدمتهم في الاجتماع الانساني و حمايتهم المدنية البشرية فقال:

1- (و المضطرب بماله) أى من يجعل ماله متاعا يدور به في البلاد البعيدة يقطع المفاوز و يعرض نفسه للأخطار ليصل حوائج كل بلد إليه.

2- فانهم مواد المنافع و أسباب المرافق‏.

قد اهتم الدول الراقية و الشعوب المتقدمة في هذه العصور بأمر التجارة و أدركوا حقيقة ما أفاده عليه السلام في هذه الجملة القصيرة قبل قرون طويلة من أن التجارة مواد المنافع، و قد أبلغ عليه السلام في إفادة ما للتجارة من الأهمية في أمر الاقتصاد حيث جاء بكلمة المواد جمعا مضافا مفيدا للعموم، و بكلمة المنافع جمعا معرفا باللام مفيدا للاستغراق، فأفاد أن كل مادة لكل منفعة مندرج في أمر التجارة، فالتجارة تحتاج إلى ما يتجر به من الأمتعة و إلى سوق تباع تلك الأمتعة، ثم يؤخذ بدلها متاعا آخر و يبدل بمتاع آخر فيستفاد من هذه المبادلات كلها أرباحا.

و قد بلغ أهمية التجارة في هذه القرون المعاصرة إلى حيث صارت محورا للسياسة العامة للدول العظمى فكانوا يبحثون عن الاراضي التي يحصل منها مواد نافعة كالمعادن الغزيرة من النفط و الذهب و الفضة و المحاصيل الزراعية التي تصرف في صناعة النسج و غيرها، ثم ينقلونها إلى بلادهم و يصنعون منها أنواع الأمتعة التي يحتاج إليها كل شعب من الشعوب، و يبحثون عن الأسواق التي يصرف منها هذه المصنوعات، فصارت هذه المنافع التجارية أساسا لسياسة الدول و مثارا للحروب الهائلة و مدارا للمعاملة مع الشعوب، تحيلت الدول العظمي في الحيلولة بين الشعوب المتأخرة ذات المواد الصالحة للصنعة كالنفط و أنواع المعادن و المحاصيل الزراعية المتحولة إلى المنسوجات، و بين الرقي و التقدم في أمر الصنعة و العلم بادارة المكائن الصناعية.

و قد ابتلت امة ايران و شعبها بهذه العرقلة السياسية و المكيدة الحيالة منذ قرون و سلطت على معادنها و منافعها و أسواقها دول حيالة عظمى دبرت تأخرها في أمر الصناعة منذ قرون، و قد غفلت امة ايران و شعبها بل الامم الاسلامية كلهم من هذه الجملة من كلام مولانا أمير المؤمنين في أمر التجار (فإنهم مواد المنافع و أسباب المرافق).

و قد كان التجارة العالمية في القرون المزدهرة الاسلامية أيام الخلفاء العباسيين الاول في يد المسلمين، فكانوا يجوبون البحار و البراري شرقا و غربا في جميع القارات بوسيلة السفن الأرياحية الخطيرة و يحملون أنواع الأمتعة إلى تلك البلاد البعيدة و الجزر النائية و يبدلونها بما في هذه البلاد و الجزر البحرية من أنواع المحاصيل و النقود و يزرعون العقائد الإسلامية في قلوب أهاليها، فنحن نعلم الان في رسوخ الإسلام إلى بلاد نائية و قارات متنائية كإفريقيا و جزائر أندونوسيا و أبعد منها، و كان المبلغون الأولون للاسلام في هذه البلاد البعيدة حتى الصين و اليابان هم تجار المسلمين الأبطال في القرون الزاهية الاسلامية، فكانوا يدخلون تلك البلاد و يخالطون أهلها تجارا سالمين و يحببون إليهم الإسلام بأعمالهم الإسلامية النيرة الجاذبة، فيعمل الإسلام فيهم كجهاز حي نشيط يتوسع و ينمو حتى بلغ أهل الإسلام في جميع الأصقاع ماة ملايين، و هذا أهم المنافع التجارية التي نالها المسلمون في عصور نشاطهم و تقدمهم، و هذا أحد الأسرار المخزونة في قوله عليه السلام:فإنهم مواد المنافع و أسباب المرافق‏.

و قد نبه عليه السلام إلى أن الروابط التجارية تفيد الشعوب و عامة البشرية من جهة أنها سبب استقرار السلم و الصلح بين أفراد الامة و بين الشعوب فقال عليه السلام‏ (فانهم سلم لا تخاف بائقته و صلح لا تخشى غائلته) فيا لها من جملة ذهبية حية في هذه القرون المعاصرة، و في القرن العشرين العطشان لاستقرار الصلح العالمي و السلم العام بين الشعوب.

فالرابطة التجارية المبنية على تبادل المنافع و الحوائج تكون ودية و أخوية دائما و هذا هو أساس الوداد العقلاني الصادق الثابت فإن المتبادلين للحوائج و المنافع يحب كل منهما الاخر لأن حب أحدهما للاخر يرجع إلى حب الذات الذى هو الحب الثابت للانسان، فان الانسان يحب ذاته قبل كل شي‏ء فحبه لذاته ذاتي و يحب كل شي‏ء لحبه بذاته حبا عرضيا بواسطة في الثبوت أو العروض، فالرابطة التجارية سواء كانت بين فردين أو شعبين أو شعوب شتى رابطة ودية سلمية نافرة للحرب و التنازع، فالشعوب المحبة للسلام ساعون لبسط التجارة الحرة الداعية إلى الود و التفاهم المتبادل، فإن كل أحد يحب من يقضى حاجته و ينفعه، و الحب الزواجي الذي هو أساس تزويج ثابت لا بد و أن يرجع إلى هذا المعنى و يدرك كل من الزوجين أن الاخر يتبادل معه قضاء الحوائج و تبادل المنافع.

و أما الحب الغريزي القائم بين الام و ولدها فلا يصح أن يكون مبدءا للمعاهدات و العقود، و هو الذي يعبر عنه بالعشق في لسان الأدب و الشعر، و هو حب كاذب خارج عن تحت الارادة و الادارة و أحسن ما عبر عنه ما نقل عن الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا في تعريف العشق من أنه: مرض سوداوى يزول بالجماع و السفر و يزيد بالفكر و النظر.

و الشعوب المحبة للسلام في عالم البشرية يسعون وراء عقد روابط تجارية حرة مع الشعوب الاخرى مبنية على تبادل المنافع و الحوائج و يسعون وراء التجارة بالتهاتر أى تبادل الحاجيات بنوع آخر منها و لا تقيدون بيوعهم بأخذ النقود، فالتجارة الحرة تكون أساسا للسلم بين الشعوب كما أشار إليه عليه السلام بقوله‏ (فإنهم سلم لا تخاف بائقته و صلح لا تخشى غائلته) و قد فسر البائقة بالداهية فيفيد أن التجارة الحرة ليس فيها دهاء و مكر و قصد سوء من قبيل الاستعمار و التسلط و صلح ليس ورائه مضرة و هلاك.

و أمر عليه السلام بتفقد أحوال التجار و النظارة عليهم تكميلا لتوصيته لهم بالخيرو الحماية لرؤوس أموالهم عن التلف و السرقة بأيدى اللصوص، و هذه توصية بإقرار الأمن في البلاد و في طرق التجارة بحرا و برا، و قد التفت الامم الراقية إلى ذلك فاهتموا باستقرار الأمن في البلاد و الطرق، و في حفظ رءوس الأموال التجارية عن المكائد و الدسائس المذهبة لها، فقال عليه السلام: (تفقد امورهم بحضرتك) أى في البلد، (و في حواشي بلادك) أي في الطرق و الأماكن البعيدة.

ثم نبه عليه السلام إلى خطر في أمر التجارة يتوجه إلى عامة الناس المحتاجين في معاشهم إلى شراء الأمتعة من الأسواق، و هو خلق الشح و طلب الادخار و الاستكثار من المال الكامن في طبع الكثير من التجار، فانه يؤول إلى الاستعمار و التسلط على اجور الزراع و العمال إلى حيث يؤخذون عبيدا و أسرى لأصحاب رءوس الأموال فوصفهم بقوله عليه السلام: (أن في كثير منهم):

1- (ضيقا فاحشا) أى حبا بالغا في جلب المنافع و ازدياد رقم الأموال المختصة به ربما يبلغ إلى الجنون و لا يقف بالملايين و المليارات.

2- (و شحا قبيحا) يمنع من السماح على سائر الأفراد بما يزيد على حاجته بل بما لا يقدر على حفظه و حصره.

3- (و احتكارا للمنافع) بلا حد و لا حساب حتى ينقلب إلى جهنم كلما قيل لها: هل امتلئت؟ يجيب: هل من مزيد؟

4- (و تحكما في البياعات) أى يؤول ذلك الحرص الجهنمي إلى تشكيل الشركات و الانحصارات الجبارة فيجمعون حوائج الناس بمكائدهم و قوة رءوس أموالهم و يبيعونها بأى سعر أرادوا و بأي شروط خبيثة تحفظ مزيد منافعهم و تقهر الناس و تشدد سلاسل مطامعهم و مظالمهم على أكتافهم و استنتج عليه السلام من ذلك مفسدتين مهلكتين:

الف- (باب مضرة للعامة) و أى مضرة أعظم من الأسر الاقتصادي في أيدي ثعابين رءوس الأموال.

ب- (و عيب على الولاة) و أي عيب أشنأ من تسليم الامة إلى هذا الأسر المهلك.

فشرع عليه السلام لسد هذه المفاسد، المنع من الاحتكار للمنافع، فنلفت نظر القراء الكرام إلى أن الاحتكار على وجهين.

1- احتكار الأجناس و هو موضوع بحث الفقهاء في باب البيع حيث حكموا بحرمة الاحتكار أو كراهته على خلاف بين الفقهاء، فقد عده المحقق في المختصر النافع في المكروهات فقال بعد عد جملة منها: و الاحتكار، و قال صاحب الرياض في شرحه: و هو حبس الطعام، كما عن الجوهري أو مطلق الأقوات يتربص به الغلاء للنهى عنه في المستفيضة.

منها الصحيح، إياك أن تحتكر، المعتبر بوجود فضالة المجمع على تصحيح رواياته في سنده فلا يضر اشتراك راويه بين الثقة و الضعيف، و على تقدير تعينه فقد ادعى الطوسى الإجماع على قبول روايته، و لذا عد موثقا و ربما قيل بوثاقته، و فيه: لا يحتكر الطعام إلا خاطئ، و لذا قيل: يحرم، كما عن المقنع و المرتضى و الحلي و أحد قولي الحلبي و المنتهى و به قال في المسالك و الروضة، و لا يخلو عن قوة- إلى أن قال: و إنما يكون الاحتكار الممنوع منه في خمسة:

الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و السمن، على الأشهر- إلى أن قال:

و قيل: كما عن المبسوط و ابن حمزة أنه يكون في الملح أيضا، و قواه في القواعد و المسالك و أفتى به صريحا في الروضة تبعا للمعته، و لعله لفحوى الأخبار المتقدمة لأن احتياج الناس إليه أشد مع توقف أغلب الماكل عليه- إلى أن قال: و إنما يتحقق الكراهة إذا اشتراه و استبقاه لزيادة الثمن مع فقده في البلد و احتياج الناس إليه و لا يوجد بايع و لا باذل مطلقا غيره، فلو لم يشتره بل كان غلته لم يكره كما عن النهاية للصحيح: الحكرة أن يشترى طعاما ليس في المصر غيره، و نحوه الخبر المتقدم عن المجالس لكنه ضعيف السند، و مع ذلك الشرط فيه كالأول يحتمل وروده مورد الغالب فالتعميم أجود، وفاقا للمسالك عملا بالاطلاق و التفاتا إلى مفهوم التعليل في الصحيح المتقدم: يكره أن يحتكر و الناس ليس لهم طعام- إلى أن قال: و يشترط زيادة على ما مر أن يستبقيه في زمان الرخص أربعين يوما و في الغلاء ثلاثة أيام، فلا حكرة قبل الزمانين في الموضعين لرواية ضعيفة عن المقاومة لما مر و تقييده قاصرة، و يجبر الحاكم المحتكر على البيع مع الحاجة إجماعا، كما في ب وقيح و كلام جماعة و هو الحجة مضافا إلى الخبرين في أحدهما أنه مر بالمحتكرين فأمر بحكرتهم إلى أن يخرج في بطون الأسواق و حيث ينطلق الناس إليها.

و هل يسعر الحاكم السعر عليه حينئذ الأصح الأشهر لا، مطلقا وفاقا للطوسي و الرضي و الحلي و الشهيد الثاني للأصل و عموم السلطنة في المال، و خصوص الخبر:

لو قومت عليهم، فغضب صلى الله عليه و آله حتى عرف الغضب من وجهه فقال: أنا أقوم عليهم إنما السعر إلى الله تعالى يرفعه إذا شاء و يضعه إذا شاء.

خلافا للمفيد و الديلمي فيسعر عليه بما يراه الحاكم من المصلحة لانتفاء فائدة الإجبار لا معه لجواز الاجحاف في القيمة، و فيه منع انحصار الفائدة فيما ذكره مع اندفاع الاجحاف بما يأتي.

و لا بن حمزة و الفاضل و اللمعة فالتفصيل بين اجحاف المالك فالثاني، و عدمه فالأول، تحصيلا لفائدة الإجبار و دفعا لضرر الاجحاف، و فيهما نظر فقد يحصلان بالأمر بالنزول عن المجحف و هو و إن كان في معنى التسعر إلا أنه لا ينحصر على قدر خاص.

هذا خلاصة ما ذكره الفقهاء في باب الاحتكار نقلناه عن الرياض مزدوجا شرحه مع متن المختصر النافع للمحقق رحمه الله.

2- احتكار المنافع‏، كما عبر في كلامه عليه السلام و الظاهر أن احتكار المنافع التي عنونه عليه السلام غير الاحتكار المعنون في الفقه، و المقصود منه الحرص على أخذ الأرياح و المنافع من التجارات زائدا عن المقدار المشروع على الوجه المشروع بحيث يؤدي هذا الحرص و الولع إلى تشكيل الشركات و ضرب الانحصارات التي شاع في هذه العصور و مال إليه أرباب رءوس الأموال الهامة في الشركات النفطية و الانحصارات المعدنية و يدل على ذلك امور:

1- أنه عليه السلام جعل ثمرة الضيق الفاحش و الشح القبيح احتكار المنافع، و الاحتكار المعنون في الفقه هو احتكار الأجناس و الحبوبات المعينة، و الفرق بينهما ظاهر.

2- أنه عليه السلام عطف على قوله‏ «احتكارا للمنافع» قوله‏ «و تحكما في البياعات» و البياعات جمع معرف بالألف و اللام يفيد العموم، و الاحتكار الفقهي لا ينتج هذا المعنى بل التحكم في البياعات و التسلط على الأسواق معنى آخر ناش عن الانحصارات التجارية التي توجدها أرباب رءوس الأموال.

3- ما رواه في الوسائل بسنده عن محمد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن أحمد بن النضر، عن أبي جعفر الفزارى قال: دعا أبو عبد الله عليه السلام مولى يقال له مصادف فأعطاه ألف دينار و قال له: تجهز حتى تخرج إلى مصر فإن عيالي قد كثروا، قال: فتجهز بمتاع و خرج مع التجار إلى مصر، فلما دنوا من مصر استقبلتهم قافلة خارجة من مصر فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة و كان متاع العامة فأخبروهم أنه ليس بمصر منه شي‏ء فتحالفوا و تعاقدوا على أن لا ينقصوا متاعهم من ربح الدينار دينارا، فلما قبضوا أموالهم انصرفوا إلى المدينة فدخل مصادف على أبي عبد الله عليه السلام و معه كيسان كل واحد ألف دينار فقال: جعلت فداك هذا رأس المال و هذا الاخر ربح، فقال: إن هذا الربح كثير و لكن ما صنعتم في المتاع؟ فحدثه كيف صنعوا و تحالفوا، فقال: سبحان الله تحلفون على قوم مسلمين أن لا تبيعوهم إلا بربح الدينار دينارا، ثم أخذ أحد الكيسين و قال: هذا رأس مالي و لا حاجة لنا في هذا الربح، ثم قال: يا مصادف مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال. و قد رواه بسندين آخرين مع اختلاف يسير.

أقول: يستفاد من هذا الحديث أن التجار أو جدوا في معاملتهم مع أهل مصر انحصارا و هم محتاجون على المتاع فأخذوا منهم مائة في المائة من الربح‏

فلما اطلع الإمام على عملهم لم يتصرف في هذا الربح لأنه مأخوذ من أرباب الحاجة إلى المتاع بالتحالف و إيجاد الانحصار الموضعي، و هذا هو عين ما يستعمله أصحاب الشركات و الانحصارات في هذا العصر و هو ما عبر عنه علي عليه السلام‏ «باحتكار المنافع و التحكم في البياعات» فيستفاد من ذلك كله أن كبرى احتكار المنافع كبرى مستقلة، و مغايرة مع كبرى الاحتكار المعنون في الفقه، و أنه تشريع علوي كما أن المنع عن الاحتكار في الطعام تشريع نبوي.

فاحتكار المنافع في مورد تحالف الشركات و الانحصارات على أسعار معينة في الأمتعة فيخرج وضع السوق عن طبعه المبني على مجرد العرضة و التقاضا من دون مداخلة أمر آخر في ذلك، و حينئذ لا بد أن يداخل الحكومة و ينظر في أمر الأسعار و يعين للأجناس سعرا عادلا يوافق مقدرة الناس المحتاجين إلى هذه الأمتعة و يمنع التجار الانحصاريين عن الاجحاف بالناس في أسعارهم الناشئة عن أهوائهم و ولعهم بجمع الأموال و الإغارة على العمال و الزراع في مص دمائهم و أخذ اجورهم.

و أما الاحتكار الفقهي المبني على مجرد الامتناع عن بيع الأطعمة المدخرة انتظارا لارتفاع سعره فهو في مورد لا مداخلة لأرباب رءوس الأموال في السوق و كان السوق على طبعه العادى و السعر حينئذ ينطبق على مقتضى تقاضا المبتاعين و مقدار عرضة البايعين و هو السعر الذي يلهمه الله في قلوب أهل السوق فيتوافقون عليه كما في حديث الوسائل في أبواب الاحتكار بسنده عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه و آله، أنه مر بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق و حيث تنظر الأبصار إليها فقيل لرسول الله صلى الله عليه و آله:

لو قومت عليهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه و آله حتى عرف الغضب في وجهه فقال: أنا أقوم عليهم؟ إنما السعر إلى الله يرفعه إذا شاء و يخفضه إذا شاء.

فقوله عليه السلام‏ «فامنع من الاحتكار» يرجع إلى المنع عن احتكار المنافع و إيجاد الشركات الانحصارية و تعليله بأن‏ رسول الله صلى الله عليه و آله منع‏ الاحتكار يحتمل وجهين:

1- أنه أخذ عن رسول الله صلى الله عليه و آله المنع عن الاحتكار المطلق بحيث يشمل احتكار المنافع و احتكار الأطعمة، فنقله عنه دليلا على ما أمر به من المنع عن احتكار المنافع.

2- أنه ذكر منع رسول الله صلى الله عليه و آله عن احتكار الأطعمة تنظيرا و بيانا لحكمة التشريع مع أنه لا يحكم و لا يقول إلا ما علمه رسول الله صلى الله عليه و آله.

و قد تبين مما ذكرنا أن الحق في مسئلة حق تسعير الحاكم و عدمه، هو التفصيل بين ما إذا كان وضع السوق طبيعيا عاديا منزها عن مداخلة أرباب رءوس الأموال و أطماعهم فلا يجوز للحاكم تسعير الطعام أو المتاع الذى اجبر مالكه على عرضه للبيع و يرجع في السعر إلى طبع السوق الملهم من طبع العرضة و التقاضا.

و أما إذا كان السوق تحت نفوذ أرباب رءوس المال و مطامعهم و حملوا عليه الانحصارات الرأسمالية أو ما بحكمها فلا بد للحاكم من تعيين السعر العادل، كما قال عليه السلام‏ «و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع».

الترجمة

سپس در باره بازرگانان و صنعتگران سفارش خواه باش، و در باره آنان بخوبى و رعايت حال سفارش، كن، چه بازرگانان صاحب بنگاه و اقامتگاه در شهر و روستا و چه بازرگانان دوره گرد كه سرمايه خود را بهمراه خود بهر شهر و ديار مى‏ گردانند و آن صنعتگرانى كه با دسترنج خود وسيله آسايش ديگران را فراهم مى ‏سازند، زيرا آنان مايه‏ هاى سودهاى كلان و وسائل آسايش هم نوعانند و هر كالا را از سرزمينهاى دور دست و پرتگاه‏ها بدست مى ‏آورند، از بيابان تو و از درياى تو و از سرزمينهاى هموار تو و از كوهستانهايت و از آن جائى كه عموم مردم با آنها سرو كارى ندارند و رفت و آمدى نمى ‏كنند و جرئت رفتن بدان سرزمينها را ندارند.

زيرا كه بازرگانان و صنعتگران مردمى سالمند و از نيرنگ و آهنگ شورش و جنگ آنان بيمى در ميان نيست، مردمى صلح دوست و آرامش طلبند و از زيان آنان هراسى در ميان نيست.

و بايد از حال و وضع آنها بازرسى كنى چه آنكه در كنار تو و در شهر و ديار تو باشند و يا در كناره‏هاى دور دست كشور و محور حكمرانى تو.

و بدانكه با اين حال بسيارى از آنها بسيار تنگ نظرند و گرفتار بخل و دريغى زشت و زننده و در پى انباشتن سودهاى كلانند و تسلط بر انجام همه گونه معاملات و اين خود مايه زيان عموم رعايا و ننگ و نكوهش بر حكمرانانست، از احتكار غدقن كن، زيرا رسول خدا صلى الله عليه و آله از آن غدقن كرده، و بايد فروش هر متاع فروشى آزاد و روا و بوسيله ترازوهاى درست و نرخهاى عادلانه‏اى باشد كه بهيچكدام از طرفين معامله از فروشنده و خريدار ستمى نشود و هر كس پس از غدقن تو دستش باحتكار و انباشتن سود آلوده شد او را شكنجه كن و عقوبت نما و از حد مگذران‏

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 52/1 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )نامه امیر المومنین علی علیه السلام به مالک اشتر نخعی

نامه 53 صبحی صالح

53- و من كتاب له ( عليه‏ السلام  ) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر و أعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، و هو أطول عهد كتبه و أجمعه للمحاسن.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلَادِهَا

أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ إِيْثَارِ طَاعَتِهِ وَ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ الَّتِي لَا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا وَ لَا يَشْقَى إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وَ إِضَاعَتِهَا

وَ أَنْ يَنْصُرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِهِ وَ يَدِهِ وَ لِسَانِهِ فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ وَ إِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ

وَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَ يَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ

ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ وَ أَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ وَ يَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ

وَ إِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ

فَامْلِكْ هَوَاكَ وَ شُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ وَ أَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَ الْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَ اللُّطْفَ بِهِمْ

وَ لَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَ تَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ وَ يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَ الْخَطَإِ

فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَ صَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَ تَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَ صَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَ وَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ وَ اللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَ قَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَ ابْتَلَاكَ بِهِمْ

وَ لَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَ لَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَ رَحْمَتِهِ وَ لَا تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ وَ لَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ

وَ لَا تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً وَ لَا تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ وَ مَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ وَ تَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ

وَ إِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ وَ قُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ

فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ وَ يَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ وَ يَفِي‏ءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ

إِيَّاكَ وَ مُسَامَاةَ اللَّهِ فِي عَظَمَتِهِ وَ التَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ وَ يُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ

أَنْصِفِ اللَّهَ وَ أَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَ مِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ وَ مَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ

وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَ مَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ‏

وَ كَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ وَ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَ تَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَ هُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ

وَ لْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَ أَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَ أَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَ إِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ

وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ وَ أَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلَاءِ وَ أَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَ أَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ وَ أَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَ أَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وَ أَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ

وَ إِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وَ جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَ الْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ وَ مَيْلُكَ مَعَهُمْ

وَ لْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَ أَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ النَّاسِ فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا فَلَا تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ

وَ اللَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللَّهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ

أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ وَ اقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ وَ تَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَضِحُ لَكَ وَ لَا تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وَ إِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ

وَ لَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ وَ يَعِدُكَ الْفَقْرَ وَ لَا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الْأُمُورِ وَ لَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الْجُبْنَ وَ الْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ

إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً وَ مَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ وَ إِخْوَانُ الظَّلَمَةِ

وَ أَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَ نَفَاذِهِمْ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَ أَوْزَارِهِمْ وَ آثَامِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ وَ لَا آثِماً عَلَى إِثْمِهِ

أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَ أَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً وَ أَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وَ أَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَ حَفَلَاتِكَ

ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ وَ أَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ

وَ الْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَ الصِّدْقِ ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ وَ لَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ وَ تُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ

وَ لَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَ الْمُسِي‏ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ‏ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ وَ تَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ وَ أَلْزِمْ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ

وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَ تَخْفِيفِهِ الْمَئُونَاتِ عَلَيْهِمْ وَ تَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ

فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلًا

وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ

وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ وَ لَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأُلْفَةُ وَ صَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ وَ لَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَ الْأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا وَ الْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا

وَ أَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَ مُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ وَ إِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ

وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ وَ لَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ وَ مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ وَ مِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ وَ مِنْهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَ الرِّفْقِ

وَ مِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَ الْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ مُسْلِمَةِ النَّاسِ وَ مِنْهَا التُّجَّارُ وَ أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ                       

وَ مِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ

وَ كُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ وَ وَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً

فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللَّهِ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ وَ زَيْنُ الْوُلَاةِ وَ عِزُّ الدِّينِ وَ سُبُلُ الْأَمْنِ وَ لَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ

ثُمَّ لَا قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلَّا بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَ يَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ

ثُمَّ لَا قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلَّا بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَ الْعُمَّالِ وَ الْكُتَّابِ لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ وَ يَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ وَ يُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَ عَوَامِّهَا

وَ لَا قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ وَ يُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ وَ يَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ مَا لَا يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ

ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَ مَعُونَتُهُمْ

وَ فِي اللَّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ وَ لِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ وَ لَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاهْتِمَامِ وَ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَ تَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ وَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ:

فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِإِمَامِكَ وَ أَنْقَاهُمْ جَيْباً وَ أَفْضَلَهُمْ حِلْماً

مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ وَ يَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ وَ يَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَ يَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ وَ مِمَّنْ لَا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ وَ لَا يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ

ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَ الْأَحْسَابِ وَ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ السَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَ الشَّجَاعَةِ وَ السَّخَاءِ وَ السَّمَاحَةِ فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ وَ شُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ

ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا وَ لَا يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْ‏ءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ وَ لَا تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَ إِنْ قَلَّ فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ بِكَ

وَ لَا تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالًا عَلَى جَسِيمِهَا فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَ لِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ

وَ لْيَكُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ وَ أَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ بِمَا يَسَعُهُمْ وَ يَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ

وَ إِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلَاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلَادِ وَ ظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ

و إِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ وَ لَا تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلَّا بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَ قِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ وَ تَرْكِاسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ

فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ وَ وَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَ تَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ وَ تُحَرِّضُ النَّاكِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى وَ لَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَى غَيْرِهِ وَ لَا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلَائِهِ وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ صَغِيراً وَ لَا ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ عَظِيماً

وَ ارْدُدْ إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ وَ يَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ

فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ‏

فَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَ الرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ:

ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ وَ لَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَ لَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَ لَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْ‏ءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَ لَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ وَ لَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ

وَ أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَ آخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ وَ أَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ وَ أَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ وَ أَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَ لَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ وَ أُولَئِكَ قَلِيلٌ

ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ وَ افْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ وَ تَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ وَ أَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ

فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الْأَشْرَارِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى وَ تُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا:

ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً وَ لَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَ أَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَ الْخِيَانَةِ

وَ تَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَ الْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ الْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً وَ أَصَحُّ أَعْرَاضاً وَ أَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً وَ أَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً

ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَ غِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ

ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَ ابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَ الْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَ الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ

وَ تَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً

فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَ أَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَ قَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ:

وَ تَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَ صَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ وَ لَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَ أَهْلِهِ

وَ لْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ وَ مَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ وَ أَهْلَكَ الْعِبَادَ وَ لَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِيلًا

فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ

وَ لَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْ‏ءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ وَ تَزْيِينِ وِلَايَتِكَ

مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ وَ تَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ وَ الثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَ رِفْقِكَ بِهِمْ

فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ

وَ إِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا وَ إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ وَ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ وَ قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ:

ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ وَ اخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَ أَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلَافٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلَإٍ

وَ لَا تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمِّالِكَ عَلَيْكَ وَ إِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ فِيمَا يَأْخُذُ لَكَ وَ يُعْطِي مِنْكَ وَ لَا يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ وَ لَا يَعْجِزُ عَنْ إِطْلَاقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ

وَ لَا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ

ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَ اسْتِنَامَتِكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَ حُسْنِ خِدْمَتِهِمْ وَ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَ الْأَمَانَةِ شَيْ‏ءٌ

وَ لَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً وَ أَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ

وَ اجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا وَ لَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا وَ مَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ‏

ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَ أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً الْمُقِيمِ مِنْهُمْ وَ الْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَ الْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ

فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَ أَسْبَابُ الْمَرَافِقِ وَ جُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَ الْمَطَارِحِ فِي بَرِّكَ وَ بَحْرِكَ وَ سَهْلِكَ وَ جَبَلِكَ وَ حَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَ لَا يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ وَ صُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ

وَ تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَ فِي حَوَاشِي بِلَادِكَ وَ اعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً وَ شُحّاً قَبِيحاً وَ احْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وَ تَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ وَ ذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ وَ عَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ

فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )مَنَعَ مِنْهُ وَ لْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَ أَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَ الْمُبْتَاعِ

فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ وَ عَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ:

ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَ الْمُحْتَاجِينَ وَ أَهْلِ الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَ مُعْتَرّاً

وَ احْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ وَ اجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَ قِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى

وَ كُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ وَ لَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَ لَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ

وَ تَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ وَ تَحْقِرُهُ الرِّجَالُ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَ التَّوَاضُعِ فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ

ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الْإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَ كُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ

وَ تَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَ ذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَهُ وَ لَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ وَ ذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ وَ الْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ وَ قَدْ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ وَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ:

وَ اجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ وَ تَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَ تُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَ أَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَ شُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ

فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى ‏الله‏ عليه‏ وآله ‏وسلم  )يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ

ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَ الْعِيَّ وَ نَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ‏ وَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ

ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ

وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ

وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هوَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ

ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ

وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ

وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هِيَ لَهُ خَاصَّةً فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَ نَهَارِكَ وَ وَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ كَامِلًا غَيْرَ مَثْلُومٍ وَ لَا مَنْقُوصٍ بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ

وَ إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ لِلنَّاسِ فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَ لَا مُضَيِّعاً فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَ لَهُ الْحَاجَةُ

وَ قَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى‏ الله‏ عليه‏ وآله ‏وسلم  )حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ كَصَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ وَ كُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً

 وَ أَمَّا بَعْدُ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ وَ قِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ

وَ الِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ وَ يَعْظُمُ الصَّغِيرُ وَ يَقْبُحُ الْحَسَنُ وَ يَحْسُنُ الْقَبِيحُ وَ يُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ

وَ إِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ وَ لَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ

وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ

مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مِمَّا لَا مَئُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ:

ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَ بِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ وَ قِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ

وَ لَا تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَ حَامَّتِكَ قَطِيعَةً وَ لَا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ يَحْمِلُونَ مَئُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وَ عَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ

وَ أَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَ الْبَعِيدِ وَ كُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ وَ ابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ

وَ إِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ وَ اعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَ رِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وَ إِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ:

وَ لَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ و لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَ أَمْناً لِبِلَادِكَ

وَ لَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَ اتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ

وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ

فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْ‏ءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ

فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ وَ لَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ

وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى‏ مَنَعَتِهِ وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ فَلَا إِدْغَالَ وَ لَا مُدَالَسَةَ وَ لَا خِدَاعَ فِيهِ

وَ لَا تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ وَ لَا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَ التَّوْثِقَةِ

وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللَّهِ فِيهِ طِلْبَةٌ لَا تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَ لَا آخِرَتَكَ:

إِيَّاكَ وَ الدِّمَاءَ وَ سَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ وَ لَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ وَ لَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَ انْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

فَلَا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَ يُوهِنُهُ بَلْ يُزِيلُهُ وَ يَنْقُلُهُ وَ لَا عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ وَ لَا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ

وَ إِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وَ أَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً فَلَا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ:

وَ إِيَّاكَ وَ الْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَ الثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَ حُبَ‏ الْإِطْرَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ

وَ إِيَّاكَ وَ الْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ

فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ وَ التَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ وَ الْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَ النَّاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ‏

وَ إِيَّاكَ وَ الْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَ أَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ

وَ إِيَّاكَ وَ الِاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ وَ التَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ وَ عَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الْأُمُورِ وَ يُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ

امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ وَ سَوْرَةَ حَدِّكَ وَ سَطْوَةَ يَدِكَ وَ غَرْبَ لِسَانِكَ وَ احْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ وَ تَأْخِيرِ السَّطْوَةِ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الِاخْتِيَارَ وَ لَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ وَ الْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ

فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا وَ تَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا وَ اسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ لِكَيْلَا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا:

وَ أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ أَنْ يُوَفِّقَنِي وَ إِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَ إِلَى خَلْقِهِ

مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ وَ جَمِيلِ الْأَثَرِ فِي الْبِلَادِ وَ تَمَامِ النِّعْمَةِ وَ تَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ وَ أَنْ يَخْتِمَ لِي وَ لَكَ بِالسَّعَادَةِ وَ الشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‏

وَ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَ السَّلَامُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الثاني و الخمسون من كتبه عليه السلام‏

و من عهد له عليه السلام كتبه للاشتر النخعي رحمه الله، لما ولاه على مصر و أعمالها حين اضطرب أمر محمد بن أبى بكر، و هو أطول عهد و اجمع كتبه للمحاسن مالك بن الحارث الأشتر النخعي قد عده الشيخ رحمه الله في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام و قال في القسم الأول من الخلاصة: «و هو ما اجتمع فيه الصحاح و الحسان» مالك بن الأشتر قدس الله روحه و رضي الله عنه جليل القدر عظيم المنزلة كان اختصاصه بعلي عليه السلام أظهر من أن يخفي، و تأسف أمير المؤمنين لموته و قال: لقد كان لي مثل ما كنت لرسول الله صلى الله عليه و آله، انتهى، و قد روي عن الكشي فيه روايات:

فمنها ما عن الفضل بن شاذان أنه من التابعين الكبار و رؤسائهم و زهادهم.

و منها ما رواه مرسلا بقوله لما نعي الأشتر مالك بن الحارث النخعي أمير المؤمنين عليه السلام تأوه حزنا، ثم قال: رحم الله مالكا و ما مالك؟! عز علي به هالكا لو كان صخرا لكان صلدا و لو كان جبلا لكان فندا و كأنه قدمني قدا.

و منها ما رواه هو عن محمد بن علقمة بن الأسود النخعي، قال: خرجت في رهط اريد الحج، منهم مالك بن الحارث الأشتر و عبد الله بن الفضل التميمي و رفاعة بن شداد البجلي حتى قدمنا الربذة، فاذا امرأة على قارعة الطريق تقول:

يا عباد الله المسلمين هذا أبوذر صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله هلك غريبا ليس لي أحد يعينني عليه، قال: فنظر بعضنا إلى بعض و حمدنا الله على ما ساق إلينا و استرجعنا على عظيم المصيبة، ثم أقبلنا معها فجهزناه و تنافسنا في كفنه حتى خرج من بيننا بالسواء، ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه، ثم قدمنا الأشتر فصلى بنا عليه، ثم دفناه، فقام الأشتر على قبره ثم قال: اللهم هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله عبدك في العابدين و جاهد فيك المشركين، لم يغير و لم يبدل لكنه‏

رأى منكرا فغيره بلسانه و قلبه حتى جفي و نفى و حرم و احتقر ثم مات وحيدا غريبا، اللهم فاقصم من حرمه و نفاه عن مهاجره حرم رسولك، قال: فرفعنا أيدينا جميعا و قلنا آمين، ثم قدمت الشاة التي صنعت فقالت: إنه قد أقسم عليكم أن لا تبرحوا حتى تتغدوا فتغدينا و ارتحلنا.

و منها ما روي عن حلام دلف الغفاري و كانت له صحبة، قال: مكث أبو ذر بالربذة حتى مات فلما حضرته الوفاة قال لامرأته: اذبحي شاة من غنمك و اصنعيها فاذا نضجت فاقعدي على قارعة الطريق فاول ركب تريهم قولي يا عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله قد قضى نحبه و لقى ربه فأعينونى عليه و أجيبوه.

فان رسول الله صلى الله عليه و آله أخبرني أنى أموت في أرض غربة و أنه يلي غسلي و دفني و الصلاة على رجال من امته صالحون.

و منها ما في البحار من أنه مما كتب أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر لما نعي إليه محمد بن أبي بكر و كان مقيما بنصيبين، أما بعد فانك ممن أستظهر به على إقامة الدين و أقمع به نخوة الاثيم و أسد به الثغر المخوف، و قد كنت وليت محمد ابن أبي بكر مصر فخرج خوارج و كان حدثا لا علم له بالحرب فاستشهد فاقدم إلي لننظر في امور مصر و استخلف على عملك أهل الثقة و النصيحة من أصحابك و استخلف مالك بن شبيب بن عامر.

و قد ذكر جماعة من أهل السير أنه لما بلغ معاوية إرسال علي عليه السلام الأشتر إلى مصر عظم ذلك إليه و بعث إلى رجل من أهل الخراج و قيل: دس إليه مولى عمر، و قيل مولى عثمان فاغتاله فسقاه السم فهلك، و لما بلغ معاوية موته خطب الناس فقال: أما بعد فانه كان لعلي بن أبي طالب يمينان قطعت إحداهما يوم صفين و هو عمار بن ياسر و قد قطعت الاخرى اليوم و هو مالك بن الأشتر.

و في شرح ابن أبي الحديد أنه كان فارسا شجاعا رئيسا من أكابر الشيعة و عظمائها شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين عليه السلام و نصره و قال فيه بعد موته: رحم الله مالكا فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه و آله.

أقول: إن الأشتر كان رجل فذ من نخع أحد قبائل يمن و قد كان أكثر أهل يمن ذووا بصيرة في الدين و من المخلصين لأمير المؤمنين لوجوه:

1- أن مقاطعة يمن دخل تحت حماية فارس منذ زمان كسرى أنوشروان و أنها صارت تحت إدارة الفرس عشرات من السنين و اختلطت سكانها بالفرس فكانوا ذوي بصيرة و أجابوا إلى الاسلام عن طوع و إرادة و اتصلوا بأهل بيت النبي صلى الله عليه و آله فنشأ فيهم رجال من المخلصين لعلي عليه السلام العارفين بحقه أمثال مالك الأشتر النخعي و كميل بن زياد النخعي.

2- أن رسول الله صلى الله عليه و آله خص أهل يمن بأن بعث عليهم علي بن أبي طالب عليه السلام غير مرة، قال في «ص 415 ج 2 من سيرة ابن هشام ط مصر»:«غزوة علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى اليمن»:و غزوة علي بن أبي طالب رضوان الله عليه اليمن غزاها مرتين، قال ابن هشام: قال أبو عمرو المدني: بعث رسول الله صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب إلى اليمن و بعث خالد بن الوليد في جند آخر و قال: إن التقيتما فالأمير علي بن أبي طالب.

و كان علي عليه السلام سنة حجة الوداع في يمن و التحق برسول الله صلى الله عليه و آله في الحج و قد أحرم على إحرام رسول الله صلى الله عليه و آله فاشترك معه في الهدي الذي ساقه.

قال ابن هشام في سيرته «ص 389 ج 2 ط مصر»:قال ابن إسحاق: و حدثني عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه و آله كان بعث عليا رضي الله عنه إلى نجران فلقيه بمكة و قد أحرم فدخل على فاطمة بنت رسول الله رضي الله عنها فوجدها قد حلت و تهيأت فقال: ما لك يا بنت رسول الله؟

قالت: أمرنا رسول الله أن نحل بعمرة فحللنا، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و آله فلما فرغ من الخبر عن سفره قال له رسول الله صلى الله عليه و آله: انطلق فطف بالبيت و حل كما حل أصحابك قال: يا رسول الله إني أهللت كما أهللت فقال: ارجع فاحلل كما حل أصحابك قال: يا رسول الله إني قلت حين أحرمت: اللهم إني اهل بما أهل به نبيك و عبدك و رسولك محمد صلى الله عليه و آله، قال: فهل معك من هدي؟ قال: لا، فأشركه‏

رسول الله في هديه و ثبت على إحرامه مع رسول الله صلى الله عليه و آله حتى فرغا من الحج و نحر رسول الله صلى الله عليه و آله الهدي عنهما.

قال ابن إسحاق: و حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن دكانة قال: لما أقبل علي رضي الله عنه من اليمن لتلقى رسول الله صلى الله عليه و آله بمكة تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فاستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي رضي الله عنه، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فاذا عليهم الحلل قال: ويلك ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس، قال:ويلك انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه و آله قال: فانزع الحلل من الناس فردها في البز قال: و أظهر الجيش شكواه لما صنع بهم.

قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان ابن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب و كانت عند أبي سعيد الخدري عن أبي سعيد الخدري قال: اشتكى الناس عليا رضوان الله عليه فقام رسول الله فينا خطيبا فسمعته يقول:

أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يشكى، انتهى ما أردنا نقله عن السيرة لابن هشام.

فمما ذكرنا يظهر أن عرب يمن و قبائله الذين سكنوا كوفة بعد الفتح الاسلامي كانوا أهل بصيرة بالدين و أهل إخلاص لأهل بيت النبي و أمير المؤمنين عليه السلام، و من هذه الجهة لما جمع طلحة و الزبير الجموع في بصرة بغيا على حكومة علي عليه السلام خرج علي إليهم من مدينة بما لا يبلغ ألف نفس من كبار أصحاب النبي اعتمادا على نصرة أهل كوفة فاستنصر منهم فنصروه، فانهزم أصحاب الجمل و أكثر المهاجرين في الكوفة من قبائل يمن‏

موقعية مصر في الحكومة الاسلامية

مصر من البلاد العريقة في المدنية منذ آلاف من القرون، و قد كشف الباحثون‏ فيها آثار المدنية إلى ما يزيد عن عشرات من القرون، و برع فيها جمع من الفلاسفة الأول قد استمد يونان في عصره الذهبي من تعليمات شائعة فيها، ثم عقب ذلك بحكومة البطالسة فيها فأسسوا فيها دور الحكمة و ألفوا كتبا قيمة بقي منها نحو مجسطي، فكانت مصر متهيئة لبيان دقائق النظم الاجتماعية و القضائية و العسكرية أكثر من سائر البلاد.

و هذا هو السبب في تطويل هذا العهد و تعرضه لكافة شئون الحياة المادية و المعنوية، فان الاسلام حاو لكل ما يحتاج إليه بنو الانسان من النظم و القوانين لتربية الروح و المادة، و هذا أحد معاني الشريعة الكاملة الناسخة لما قبلها من الشرائع و الباقية إلى آخر الدهر.

و لكن العرب في الحجاز و سائر أقطار الجزيرة كانوا في سذاجة من العيش و بساطة من الفهم لا يستطيعون تحمل دقائق القوانين و تفاصيل النظم مما يتعلق بشتى أنواع المعاش من الزراعة و التجارة و القضاوة و غير ذلك، لعدم الانس بها في حياتهم و عدم ممارسة شئونها.

فدعاهم الاسلام في بادى‏ء الأمر على أبسط تعاليمها في العقيدة و الأخلاق، و أزكى شئون الانسانية من الاعتقاد بالصانع و عبادته و ملازمة الامور الخيرية من البر بالوالدين و صلة الأرحام و ترك الفحشاء و الكذب و غير ذلك، و لما نشر الاسلام إلى بلاد فارس وجد قوما عريقا في المدنية و أليفا بالنظم الاجتماعية ففسح أمامه مجالا لبسط تعاليمه الجذرية.

كما أنه إذا نشر الاسلام في مصر وجد أمامه قوم من الأقباط و بقايا الفلاسفة و البطالسة ما رسوا الحياة المدنية أكثر و أدق و لما وقعت في حوزة حكومة علي عليه السلام قام فيها بتعاليم هامة و عامة منها صدور هذا العهد، و إن كان علي عليه السلام يتفرس بعدم توفيق مالك نفسه لإجرائه.

و قد نفصله على خمسة عشر فصلا يمتاز بعضها عن بعض بما تضمنها من الشئون المختلفة و الاداب الممتازة في كل شأن من الشئون.

الفصل الاول‏

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه، حين ولاه مصر: جباية خراجها، و جهاد عدوها، و استصلاح أهلها، و عمارة بلادها. أمره بتقوى الله، و إيثار طاعته، و اتباع ما أمر به في كتابه:

من فرائضه و سننه، التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، و لا يشقى إلا مع جحودها و إضاعتها، و أن ينصر الله سبحانه بقلبه و يده و لسانه، فإنه- جل اسمه- قد تكفل بنصر من نصره، و إعزاز من أعزه. و أمره أن يكسر نفسه عند الشهوات، و ينزعها [يزعها] عند الجمحات فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله. ثم اعلم، يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور، و أن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، و يقولون فيك ما كنت‏

تقول فيهم، و إنما يستدل على الصالحين بما يجرى الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح فاملك هواك، و شح بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت.

اللغة

(الجباية): جبا الخراج: جمعه، (يزعها): يكفها، (جمح الفرس):

تغلب على راكبه و ذهب به لا ينثني- المنجد-.

الاعراب‏

حين ولاه مصر: ظرف اضيف إلى جملة فعلية متعلق بقوله: عهده.

المعنى‏

قد عقد لمالك‏ ولاية عامة على كل امور مصر و جمعها في أربع:

1- الامور المالية و الاقتصادية التي تتركز في ذلك العصر في جمع‏ الخراج‏ فان‏ مصر من الأراضي المفتوحة عنوة انتقل أراضيها العامرة إلى المسلمين فقرروا فيها الخراج‏.

2- في الامور العسكرية فأثبت له القيادة العامة على القوى المسلحة و الجامع لها جهاد الأعداء.

3- الامور الاجتماعية و النظم الحقوقية الراجعة إلى كل فرد فعبر عنها بقوله: (و استصلاح أهلها).

4- عمران‏ البلاد بالزراعة و الغرس و سائر ما يثمر للناس في معاشهم.

ثم ابتدء بما يلزم عليه في نفسه من التأديب و الحزم ليقدر على إجراء أمره‏ عليه السلام‏ و حصرها في امور:

1- تقوى الله و إيثار طاعته‏.

2- اتباع ما أمر الله فى كتابه من الفرائض و السنن‏.

3- نصرة الله‏ بالقلب و اليد و اللسان.

قال الشارح المعتزلي: نصرة الله باليد: الجهاد بالسيف، و بالقلب الاعتقاد للحق، و باللسان: قول الحق.

أقول: لا ينحصر نصرة الله باليد على الجهاد بالسيف فانها تحقق في كل أعمال الجوارح المرضية لله تعالى، و منها الجهاد بالسيف إذا حان وقته و حضر شرطه.

ثم وصاه بحفظ نفسه‏ عن التغلب عليه في اموره و أمر بكسر شهواته و ميوله نحو اللذائذ المادية و حذره منها أشد الحذر.

ثم خاطبه باسمه فقال: (ثم اعلم يا مالك اني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور) فقد أثبت عليه السلام لمصر في تاريخها الماضي‏ دول‏ و حكومات و وصفها بانها عدل و جور، فلا بد من الفحص عن هذه الدول و الفحص عن ماهى عادلة أو جائرة.

فهل المقصود من هذه الدول هي العمال الاسلاميين بعد فتح‏ مصر، و هل يصح التعبير عنهم بأنها دول عدل و لو باعتبار شمول السلطة الإسلامية من أواخر خلافة أبي بكر إلى أيام عمر و عثمان فالدول الجارية دولة عمر و عثمان مثلا، أو حكومة عمرو بن عاص فاتح مصر و من وليه من امثال ابن أبي السرح، و هل توصف واحدة منها بأنها عادلة؟ أو المراد من الدول الجارية المتتالية في مصر الدول قبل الإسلام في قرون كثيرة و أشكال شتى فلا بد من بيان إجمالى لهذه الدول، و هل يمكن تعرف دولة عادلة فيها أم لا.

فنقول: نتوجه إلى دول مصر في ضوء القرآن الكريم فانه قد تعرض لشرح بعض دولها إجمالا فيما يأتي.

1- دولة مصر المعاصر ليوسف النبي صلوات الله عليه المعبر عنها بدولة عزيز مصر.

ففي سورة يوسف الاية 30 «و قال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتاها

عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين‏».

و الظاهر أن عزيز مصر هو حاكمها و رئيسها في هذا العصر المعبر عنه بفرعون و قد قيل: إن عزيز مصر غير فرعون مصر بل هو رئيس جندها أو أحد أركان دولتها و لكن سياق الايات الواردة يأباها، فانظر إلى آية 42 في بيان رؤيا الملك:

«و قال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف و سبع سنبلات خضر و أخر يابسات‏- إلى آية- 50- و قال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فسئله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم‏- 51- قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه و إنه لمن الصادقين‏- إلى آية- 54- و قال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين‏».

فسياق هذه الايات يشهد بوضوح أن زوج زليخا و عزيز مصر رجل واحد و هو حاكم مطلق على امور مصر و ليس فوقه أحد، و يستفاد من نص الايات الأخيرة من سورة يوسف أن عزيز مصر لما اطلع على مقام يوسف و طهارته و عصمته و نبوته تنزل عن عرش مصر و فوض إليه امور مصر كافة فصار يوسف عزيز مصر، كما في آية 78 «يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين‏- إلى آية 88- قالوا يا أيها العزيز مسنا و أهلنا الضر و جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل و تصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين‏».

فعزيز مصر و هو زوج زليخا و إن لم يتنزل عن العرش رسما بحيث تتحول الحكومة من بيت إلى بيت لكنه آمن بيوسف و انقاد له و فوض إليه اموره، كما يستفاد من الاية 24- المؤمن- عن قول مؤمن آل فرعون موسى «و لقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا».

و هذا الذي ذكرناه و إن كان مخالفا لما اثبته التوراة في تاريخ يوسف‏ و تبعها التواريخ و لكن الالتزام بتحريف التوراة و التاريخ ليس بعيدا عن الصواب بعد ظهور القرآن المستند إلى الوحى، و بهذه الجهة قال الله تعالى في آية 102:

«ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك‏» و يتعارض القرآن مع التوراة في موارد شتى من قصة يوسف أشرنا إليها في تفسيرنا لسورة يوسف «كانون عفت قرآن» من أراد الاطلاع فليرجع إليه.

فعلى ضوء هذا التفسير كان دولة عزيز مصر في زمن يوسف عليه السلام دولة عادلة و دولة فرعون مصر المعاصر لموسى بن عمران دولة جائرة من كل النواحي منكرا لله تعالى و لعبادته و مناديا على رءوس الأشهاد «أنا ربكم الأعلى‏» و ظالما لبني إسرائيل إلى حيث يذبح أبنائهم و يستحيى نسائهم و يجر عليهم بلاء عظيما ليستأصلهم عن شافتهم حتى صارت من الأمثال السائرة العالمية في الجور و الظلم و العدوان.

هذا بالنظر إلى مجمل التاريخ المنعكس في الكتب السماوية.و قد انتهت حكومة مصر قبل الإسلام إلى بطالسة يونان فأثروا في بسط الفلسفة اليونانية فيها و أسسوا دورا لتعليم الفلسفة و مكتبة عامة بقيت إلى عصر الفتح الإسلامي و كان حاكم مصر و واليها في ذلك العصر مقوقس الذي كتب إليه رسول الله صلى الله عليه و آله كتابا يدعوه إلى قبول الإسلام مع الكتب التي بعثها إلى غير واحد من رؤساء و ملوك ذلك العصر، ففي سيرة ابن هشام «ص 392 ج 2 ط مصر».

قال ابن هشام: حدثني من أثق به عن أبي بكر الهذلي قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و آله خرج على أصحابه ذات يوم بعد عمرته التي صدعنها يوم الحديبية فقال: أيها الناس إن الله قد بعثني رحمة و كافة فلا تختلفوا على كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم، فقال أصحابه: و كيف اختلف الحواريون يا رسول الله؟ فقال:

دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضي و سلم، و أما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وجهه و تثاقل و شكا ذلك عيسى إلى الله، فأصبح المتثاقلون و كل واحد منهم يتكلم بلغة الامة التي بعث إليها، و بعث رسول الله صلى الله عليه و آله رسلا من أصحابه و كتب معهم كتابا إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام، فبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم، و بعث عبد الله بن حذافة السهمى إلى كسرى ملك فارس، و بعث عمرو بن امية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة، و بعث حاطب ابن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الاسكندرية- إلخ.

و مقوقس هذا رجل يوناني يحكم على مصر عقب ملوك بطالسة و كان تحت حماية ملوك الروم البيزانطية في ذلك العصر، فلما جاءه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إليه الكتاب لقيه ببشر و احترام و رده إلى رسول الله صلى الله عليه و آله مصحوبا بهدايا منها المارية القبطية التي قبلها رسول الله صلى الله عليه و آله بقبول حسن و سريها و اتخذها لفراشه و أولدها فولدت له إبراهيم ابن النبي و نالت حظوة عند رسول الله صلى الله عليه و آله.

و قد دخل مصر في حوزة الإسلام سنة العشرين من الهجرة و أقدم على فتحها عمرو بن العاص بعد ما استتب للمسلمين فتح سورية و تسلطوا عليها و فر هرقل ملك الروم الشرقية إلى قسطنطينية.

فلما سافر عمر إلى الشام للنظر في أمر معاوية و ما بلغه من سرفه لقيه عمرو بن العاص في قرية يقال لها: جابية قرب دمشق و أخلى به و عرض عليه زحفه إلى مصر بجيش من المسلمين معللا بأن فتح مصر يضاعف شوكة الإسلام، فمنعه عمر معللا بخوفه من جموع الروم الساكنين في مصر للدفاع عنها على حيش الإسلام، فأقام عمرو بن العاص في دمشق حتى استقر سلطة الإسلام على جميع بلاد الشام و رجع بعد فتح النوبة إلى فلسطين بأمر من عمر، و يهمه فتح مصر دائما حتى تهيأ جيشا و قصد مصر من دون تحصيل رخصة من عمر، و بلغ خبره إلى عمر فلم يرتضه و كتب إليه: «من عمر بن الخطاب إلى العاصي بن العاصي أما بعد فانك سرت إلى مصر و من معك و بها جموع الروم، و إنما معك نفر يسير و لعمري لو ثكلت امك و ما سرت بهم فإن لم يكن بلغت مصر فارجع بهم».

و أمر عقبة بن عامر الجهني بايصال هذا الكتاب إلى عمرو بن عاص معجلا فأسرع لإيصال المكتوب حتى أدركه في رفح، و هي مرحلة في طريق مصر منها إلى عسقلان يومان، فلما رآه عمرو بن العاص تفرس أنه قاصد من عمر ليرجع‏ فماطل في أخذ كتابه حتى بلغ عريش و كانت هي بلدة من مصر في ساحل بحر الروم و نهاية أرض الشام، فطلب عقبة و أخذ منه كتاب عمر و قرأه على الناس و قال: هذا العريش الذي نحن فيه من أى البلاد؟ قالوا: من بلاد مصر، فقال:لا ينبغي لنا أن نرجع لأن الخليفة شرط لرجوعنا عدم دخول مصر، فرحل في تخوم مصر حتى بلغ جيل [الحلال‏].

و وصل الخبر إلى مقوقس ملك مصر، فأرسل قائدا له يسمى مذقور الأعيرج بجيش لدفع المسلمين و تلاقى الفريقان في أرض فرما، و اشتد الحرب بينهما و قتل من الفريقين جمع كثير فهزم جمع الروم و تقدم عمرو بن العاص إلى قواصر و رحل إلى أم دنين و نزل فيها بقرب القاهرة، و هي بلدة في جنب فسطاط بينهما سور، و هي كانت دار الملك لمصر كما أنها عاصمة مصر في هذا العصر، ثم رجع أعيرج إلى الحرب مع عمرو بن عاص فتلاقيا في أم دنين و قتل خلق كثير من الجانبين و دامت الحرب مدة شهر كامل و لم يتيسر فتح مصر، و كتب عمرو بن عاص إلى عمر و استمد منه، فأرسل عمر أربعة من أبطال المسلمين و هم زبير بن العوام و المقداد ابن الأسود و عبادة بن صامت و مسلمة بن المخلد في اثنى عشر ألفا لمددهم فأسرعوا في السير و لحقوا بعمرو بن العاص فقوى جيش الإسلام و وهن أمر أعيرج و تحصن في قصر له و حوله خندق يتخلله معابر إلى القصر ملاها بقطعات حادة من الحديد لا يقدر العبور عليها الراكب و الراجل، و جهد المسلمون في فتح الحصن، و بلغ الخبر إلى مقوقس، فزحف بجيوش لحرب المسلمين و دام الحرب سبعة أشهر.

فقال الزبير: اضحى بنفسي في سبيل الله عسى أن يفتح هذا الحصن للمسلمين فصنع عدة مراقي و نصبها على الحصن فقال: إذا سمعتم تكبيري من فوق السور فارفعوا أصواتكم جميعا معي بالتكبير، فصعد الحصن بجمع من رجاله و هبط و فتح الباب فعرض مقوقس على المسلمين الصلح لما رأى من جهودهم في فتح الحصن و شرط لهم دينارين من الذهب كل سنة عن كل شخص في مصر، فطلبوا هذا الجزية من الروم الساكنين في أرض مصر و عرض على هرقل فلم يرض بذلك، و أمر مقوقس بالحرب‏ مع المسلمين و لكن مقوقس لم ينكث عهده و لحق القبط بالمسلمين، و لما استقر المسلمون في مصر صلحا أو عنوة على قول بعضهم و فتحوا الاسكندرية و دخلها عمرو ابن العاص فتن بها و أراد الإقامة فيها كمركز لجيوش الإسلام، فاستجاز من عمر في ضمن مكتوب أفصح فيه عن فتوحاته فأجابه بما يلي:لا تجعلوا بيني و بينكم ماء حتى إذا ما أردت أركب اليكم راحلتي حتى أقدم عليكم قدمت.

فلما قرأ مكتوب عمر رحل من اسكندرية إلى الفسطاط فسكنها و جعلها معسكر المسلمين فتنازع الجيش في مسكنهم حول فسطاط فأمر عمرو أربعة من امراء الجيش فخطوا لهم و عينوا حدود مساكنهم، و قد اشترك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله في حرب مصر أربعة عشر من المهاجرين يرأسهم زبير بن العوام، و ستة عشر من الأنصار يرأسهم عبادة بن صامت الأنصاري.

و لما ثم فتح مصر صار عمرو بن عاص واليا عليها و هو أول من صار واليا على مصر من المسلمين و هو قرشي من سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لوي، و كان يسافر إلى مصر تاجرا في أيام الجاهلية، و فتح مصر أيام عمر يوم الجمعة غرة محرم سنة العشرين من الهجرة، و بقى فيها واليا أربع سنين و شهورا، زار عمر خلالها مرتين.

كان في إسكندرية مصر رجل يسمى يحيى النحوي من أساقفة إسكندرية فهداه الله إلى الإسلام فكبر على الأساقفة فاجتمعوا حوله و ناظروه فأجابهم و دام على إسلامه، فلما فتح عمرو بن العاص المصر دخل عليه فاستقبله باكرام لما سمع من فضله و مجاوبته للنصارى في إثبات حقانية الإسلام و اتخذه نديما له يكتسب من فضله و حكمته.

فقال يوما لعمرو: قد حزت ما في الإسكندرية من الأموال و الخزائن و لا كلام لأحد معك في ذلك لكن هنا شي‏ء لا يفيدكم و نحتاج إليه فاعف عنه و دعه لنا، فقال عمرو: ما هو؟ قال: كتب الحكمة التي جمعها ملوك إسكندرية طيلة قرون خاصة يوناطيس الذي يدعوه أهل أروپا فيلاد لفس و كان محبا للحكمة، فأمر رجلا يسمى زهيرة بجمع الكتب و نصبه ضابطا لمكتبته، فاشترى الكتب من التجار بأثمان غالية حتى اجتمع في مكتبته أكثر من أربعة و خمسين ألف كتابا، و قلده ملوك البطالسة في جمع الكتب إلى ما خرج عن الاحصاء.

فعجب عمرو بن العاص من كلامه، و قال: لا بد من أن أكتب ذلك لعمر بن الخطاب و آخذ منه الجواب فكتب إليه، فأجابه: إن كان ما في هذه الكتب ما يوافق كتاب الله لا حاجة لنا بها و إن كان مخالفا له لا نرتضيها فأعدمها و امح أثرها فقسمها عمرو على حمامات إسكندرية ليصرفوها فيها بدلا من الوقود فأوقدوها خلال ستة أشهر حتى أفنوها.

و قد استنكر بعض المورخين الجدد من أهل مصر صدور الأمر من عمر باحراق كتب مكتبة إسكندرية لما صدر في الإسلام من الأمر بالفحص و البحث عن الحقائق و تحصيل العلم و لو بالصين.

أقول: و قد عرفت مما ذكرنا من ملخص تاريخ فتح مصر بيد المسلمين أنه لم يحكم في مصر إلى أيام أمير المؤمنين عليه السلام و إلى حين صدور هذا العهد التاريخي للأشتر النخعي إلا عمرو بن العاص و عبد الله بن سرح بن أبي سرح الذي ولاه عثمان على مصر بعد عزل فاتحه عمرو بن العاص فثار عليه الرومان، فاستعان عثمان بعمرو فسار إلى مصر و أخمد ثورة الرومان و أخرجهم من مصر و لكن لم يرض عثمان بعزل عبد الله فاشتركا في إدارة امور مصر و تنازعا و رجح عثمان عبد الله بن سرح عليه فرجع إلى المدينة ناقما على عثمان معينا لأعدائه و محرضا للقيام عليه حتى قتل و هما واليان على مصر.

و لا يصدق على حكومتهما باعتبار أنهما عاملان للخليفة لفظ الدولة و لا يمتازان بالعدل و الجور بل كلاهما من نسيج واحد و من أهل النفاق و من أعداء أهل البيت و المخالفين لولاية أمير المؤمنين عليه السلام و من الحكام الجائرين فان عمرو ابن العاص توجه في مصر إلى جمع المال و الادخاد حتى بلغ ثروته إلى حيث‏ ظهر للملأ اغتصابه لأموال المسلمين و أخذه من بيت المال فوق حقه و سهمه حتى بلغ خبره إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه معاتبا له:

أما بعد، فقد ظهر لي من مالك ما لم يكن في رزقك و لا كان لك مال قبل أن أستعملك، فأنى لك هذا؟ فوالله لو لم يهمني في ذات الله إلا من اختان في مال الله لكثر همي و انتثر أمري، و لقد كان عندي من المهاجرين الأولين من هو خير منك و لكني قلدتك رجاء غنائك فاكتب إلى من أين لك هذا المال؟ و عجل.

فأجابه عمرو بن العاص:

أما بعد، فقد فهمت كتاب أمير المؤمنين فأما ما ظهر لي من مال فإنا قدمنا بلادا رخيصة الأسعار و كثيرة الغزو، فجعلنا ما أصابنا في الفضول التي اتصل بأمير المؤمنين نباها و الله لو كانت خيانتك حلالا ما خنتك و قد ائتمنتنى فان لنا أحسابا إذا رجعنا إليها أغنتنا عن خيانتك، و ذكرت أن عندك من المهاجرين الأولين من هو خير مني فإذا كان ذاك فوالله ما دققت لك يا أمير المؤمنين بابا و لا فتحت لك قفلا.

فلما وصل جوابه إلى عمر كتب إليه ثانيا:

أما بعد فإني لست من تسطيرك الكتاب و تثقيفك الكلام في شي‏ء، و لكنكم معشر الامراء قعدتم على عيون الأموال و لن تقدموا عذرا، و إنما تأكلون النار و تتعجلون العار، و قد وجهت إليك محمد بن مسلمة فسلم إليه شطر مالك.

فأعطى الكتاب محمد بن مسلمة و بعثه إلى مصر، فلما وصل إلى مصر و حضر عند عمرو بن العاص أحضر له طعاما، فقال محمد: لو دعوتني إلى الضيافة و أحضرت لي طعاما لأكلته و لكن هذا الطعام مقدمة للشر فنحه عنى و احضر شطر مالك، و لا مناص لعمرو بن العاص من إطاعة أمر عمر، فأمر باحضار شطر من ماله من المواشي و الذهب و الفضة و أثاث الدار و غيرها، فلما نظر إليها رأى خزانة جزيلة فقال تأسفا:

لعن الله زمانا صرت فيه عاملا لعمر، و الله لقد رأيت عمر و أباه على كل واحد منهم عبائة قطوانية لا تجاوز ما يض ركبتيه و على عنقه حزمة[1] حطب و العاص بن وائل في مزردات الديباج.

و كان محمد بن مسلمة من شجعان الأنصار و المخلصين لحكومة عمر فاختاره من عمال غضبه و يبعثه إلى كبار الرجال لإجراء أوامره الرهيبة الشاقة فهو الذي أجرى أمره في تشطير أموال خالد بن الوليد في الشام و عزله من إمارة جيش الإسلام و تأديبه في محضر الأنام.

و هو الذي أجرى أمر عمر في سعد بن وقاص باحراق قصره الذي بناه في الكوفة و نصب فيه بابين من أبواب قصر مدائن.

و هو الذي فتك بكعب بن أشرف و قتله في عصر النبي صلى الله عليه و آله كما قال ابن هشام في سيرته.

فنقول: إن الدول التي وقع في صدر هذا العهد و وصفها عليه السلام بأن فيها عادل و جائر لا يصح أن تكون حكومة عمرو عاص و خلفه على مصر لأنها ليست دولة إلا بتكلف و لا يطلق عليها دول بلفظ الجمع مع أنهما جائران لاتباعهما عمر و عثمان و حالهما معلومة مع أنهما عريقان في النفاق و عداوة أهل البيت و خصوصا الثاني منهما.

فلا بد أن يكون المقصود من هذه الدول الحاكمة على مصر قبل الإسلام مما بقيت آثارها و أخبارها و عرفها خلق مصر و لو بالنقل عن الأسلاف أو بسبب ثبت أخبارها في كتب التاريخ، فوجه عليه السلام مالكا إلى هذا التاريخ العميق العريق في القدم و ملأ عهده هذا من القوانين السائدة في مصر القديمة و من بعض سير ملوكها العدول.

و لا ينافي توصيف بعض دول مصر بالعدالة مع كونهم و ثنيين، لأن عدالة الدولة بالنسبة إلى رعاياها و حفظ النظم و الحقوق لا يرتبط بمذهبها، و يمكن أن يعد ذلك من كراماته عليه السلام و إحاطته بالعلوم و الأخبار.

ثم نبهه عليه السلام إلى أن سيرة الحاكم و الوالي بمالها من التعلق إلى عموم‏ الناس‏ تنعكس في التاريخ و تلهج بها الألسن و كما أنك تقضي في أعمال الولاة قبلك يقضي عليك من يقوم مقامك، بعدك و دليل الصلحاء ما يجرى على لسان العباد باذن الله فلا تتوجه إلى ادخاد الأموال كما هو عادة طلاب الدنيا المفتونين بها بل‏ ليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح‏، و العمل الصالح‏ للوالي و عامله ما يوجب راحة رعيته و اجراء العدل فيما بينهم، و لذا أمر بمنع الهوى عن التأثير في أعماله و منع‏ النفس عما لا يحل له‏.

الترجمة

بنام خداوند بخشنده مهربان.

اين فرمان بنده خدا أمير مؤمنانست بمالك بن حارث الأشتر كه بايد آنرا در عهده خود بشناسد، و اين فرمان هنگامى شرف صدور يافته كه او را والى بر كشور مصر نموده تا خراج آن را بگيرد و با دشمن آن بجنگد و ملت آنرا اصلاح كند و بلاد آنرا آباد نمايد.

1- تقوا از خدا را شعار خود كند و طاعتش را غنيمت شمارد و از آنچه در كتابش از فرائض و سنن دستور داده پيروى نمايد، زيرا هيچكس بسعادت نرسيده مگر با پيروى از آنها، و كسى بدبخت نگردد مگر بانكار و ترك عمل بدانها.

2- خداوند سبحان را با دست و دل و زبان يارى كند، زيرا خداى جل اسمه ضامن يارى و عزت كسانيست كه او را يارى كنند و عزيز شمارند.

3- خود را از شهوترانى و سركشى نفس بازدارد، زيرا نفس بطبع خود بدخواه است مگر خدا رحم كند.

اى مالك من تو را بكشورى فرستادم كه پيش از تو دولتهاى عادل و ظالمى بخود ديده، مردم بهمان چشم تو را بينند كه تو واليان پيش از خود را بينى، و در باره تو همان را مى ‏گويند كه در باره آنها مي گوئى، خداوند مردمان نيك و شايسته را بزبان بندگان خود معرفى مي كند، بايد محبوبترين ذخيره در نظر تو پس انداز كردن عمل صالح باشد، هواى نفس خود را داشته باش و نسبت بخود از آنچه بر تو حلال نيست دريغ كن، زيرا دريغ كردن بخويشتن رعايت انصاف با او است در آنچه دوست دارى يا بد دارى.

الفصل الثاني من عهده عليه السلام للاشتر النخعي‏

و أشعر قلبك الرحمة للرعية، و المحبة لهم، و اللطف بهم، و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، و إما نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، و تعرض لهم العلل، و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطاء، فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه و صفحه، فإنك فوقهم، و والى الأمر عليك فوقك، و الله فوق من ولاك، و قد استكفاك أمرهم، و ابتلاك بهم، و لا تنصبن نفسك لحرب الله، فإنه لا يدي لك بنقمته، و لا غنى بك عن عفوه و رحمته، و لا تندمن على عفو، و لا تبجحن بعقوبة، و لا تسرعن إلى بادرة وجدت منها مندوحة، و لا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع، فإن ذلك إدغال في القلب، و منهكة للدين، و تقرب من الغير، و إذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك و قدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك‏ يطامن إليك من طماحك، و يكف عنك من غربك، و يفى‏ء إليك بما عزب عنك من عقلك.

إياك و مساماة الله في عظمته، و التشبه به في جبروته، فإن الله يذل كل جبار، و يهين كل مختال. أنصف الله و أنصف الناس من نفسك و من خاصة أهلك و من لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، و من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، و من خاصمه الله أدحض حجته، و كان لله حربا حتى ينزع و يتوب، و ليس شي‏ء أدعى إلى تغيير نعمة الله و تعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله يسمع دعوة المضطهدين، و هو للظالمين بالمرصاد. و ليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، و أعمها في العدل و أجمعها لرضى الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، و إن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة، و ليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مئونة في الرخاء و أقل معونة له في البلاء، و أكره للإنصاف، و أسال بالإلحاف، و أقل شكرا عند الإعطاء و أبطأ عذرا عند المنع، و أضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة، و إنما عماد الدين و جماع المسلمين و العدة للأعداء العامة من الأمة، فليكن صغوك لهم، و ميلك معهم.

و ليكن أبعد رعيتك منك، و أشنؤهم عندك أطلبهم لمعايب الناس، فإن في الناس عيوبا، الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر [منها] لك، و الله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت، يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك، أطلق عن الناس عقدة كل حقد، و اقطع عنك سبب كل وتر، و تغاب عن كل ما لا يصح لك، و لا تعجلن إلى تصديق ساع، فإن الساعى غاش و إن تشبه بالناصحين. و لا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل، و يعدك الفقر، و لا جبانا يضعفك عن الأمور، و لا حريصا يزين لك الشره بالجور، فإن البخل و الجبن و الحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله.

إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، و من شركهم في الاثام فلا يكونن لك بطانة، فإنهم أعوان الأثمة،و إخوان الظلمة، و أنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم و نفاذهم، و ليس عليه مثل آصارهم و أوزارهم ممن لم يعاون ظالما على ظلمه و لا آثما على إثمه، أولئك أخف عليك مئونة، و أحسن لك معونة، و أحنى عليك عطفا، و أقل لغيرك إلفا، فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك و حفلاتك، ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك، و أقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه، واقعا ذلك من هواك حيث وقع، و الصق بأهل الورع و الصدق ثم رضهم على أن لا يطروك، و لا يبجحوك بباطل لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو، و تدني من العزة. و لا يكونن المحسن و المسي‏ء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيدا لأهل الاحسان في الإحسان، و تدريبا لأهل الإساءة على الإساءة و ألزم كلا منهم ما ألزم نفسه.

و اعلم أنه ليس شي‏ء بأدعى إلى حسن ظن و [ال [راع‏]] برعيته من إحسانه إليهم، و تخفيفه المئونات عليهم، و ترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فإن حسن‏ الظن يقطع عنك نصبا طويلا، و إن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، و إن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده. و لا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، و اجتمعت بها الألفة، و صلحت عليها الرعية، و لا تحدثن سنة تضر بشي‏ء من ماضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها، و الوزر عليك بما نقضت منها. و أكثر مدارسة العلماء، و منافثة [مناقشة] الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، و إقامة ما استقام به الناس قبلك.

اللغة

(الضارى): المعتاد للصيد، الجرى‏ء عليه، (الصفح): الإعراض عن الذنب و غفرانه، (البجح) بسكون الجيم: الفرح و السرور، (البادرة): الحدة، (المندوحة): السعة في الأمر و عدم الضيق و الاضطرار، (الإدغال): إدخال الفساد في الأمر، (المنهكة): الضعف، (الابهة) و (المخيلة): الكبر، (يطامن):

يسكن، (طماح) النفس: جماحها عن المشتهيات، طمح البصر: ارتفع، (عزب) الفرس حدته و أول جريه، (المساماة): مفاعلة من السمو، (الجبروت):عظيم الكبر، (أدحض حجته): أبطلها، (ينزع): يرجع، (اجحف) به: ذهب به، (الالحاف). شدة السؤال و الاصرار فيه، (ملمات الدهر): ما يلم و ينزل من خطوبه و بلاياه، (جماع المسلمين): جمعهم و عامتهم (الصغو): الميل،(أشنأهم): أبغضهم، (الوتر): الحقد، (التغابي): التجاهل و التغافل، (بطانة) الرجل: خاصته الملاصقون به، (الاصار) جمع إصر: الاثام، (حفلاتك):

جلساتك في المجالس و المحافل، (الاطراء): المبالغة في المدح و الثناء، (الزهو):الكبر، (التدريب): التعويد، (المناقشة): المحادثة و البحث.

الاعراب‏

تغتنم أكلهم: جملة حالية عن اسم لا تكونن، مثل الذي تحب، صفة موصوف محذوف أى عفوا و صفحا مثل الذي تحب، و والى الأمر مبتدأ و فوقك ظرف مستقر خبر له و الجملة حالية، لا يدي، نافية للجنس و يدي مبنى على علامة النصب و هو الياء و حذف النون على التوسع و التشبيه بالمضاف.

إياك و مساماة الله، منصوب على التحذير، تغاب: أمر من تغابى يتغابى تغابيا للأشرار قبلك، قبلك ظرف مستقر حال عن الأشرار.

المعنى‏

قد تعرض عليه السلام هذا في الفصل من‏ عهده‏ للأشتر لبيان روابطه مع رعيته و المسوسين له من العامة و الخاصة في ثلاثة مراحل:

الاولى: رابطته باعتبار أنه وال على الناس و بيده القدرة و الأمر و النهى مع كل أحد، و بينها في امور:

1- أن يكون ملؤ قلبه‏ المحبة و اللطف و الرحمة لكافة الرعية.

2- عدم سوء الاستفادة عن قدرته‏ عليهم‏ فيصير ذئبا وقع على غنم يأكلهم لأن رعاياه، إما إخوانه‏ في الدين‏ ككافة المسلمين، و إما إخوانه‏ في‏ الإنسانية كالذمي و المعاهد.

3- الصفح عن خطاياهم و العفو عن ذنوبهم لنقصان التربية، و نبهه على ان نسبتهم إليه كنسبته إلى‏ الوالي الامر عليه و فوقه أيضا هو الله‏، فينبغي‏ الصفح‏ عنهم، كما أنه يرجو الصفح عنه من‏ الوالي الامر و فوقه من‏ الله‏ القادر، و بين أن تعذيب عباد الله بمنزلة الحرب‏ مع‏ الله‏ الذي لا قدرة تجاه عقوبته، و لا غنى عن عفوه و رحمته‏.

4- عدم الندامة على عفو المجرم مهما كان.

5- عدم السرور و الانشراح لعقوبة المجرم إذا اقتضاها الضرورة.

6- ملازمة الحلم و الاجتناب عن‏ بادرة الغضب.

7- لا تفسد قلبك بحديث الرياسة و السلطة.

8- و إذا أحدث السلطان فيه أبهة و طغيانا فلينظر إلى عظم ملك الله‏ حتى يخضع قلبه و يدرك عجز نفسه و يكف عن جريه في سبيل الأمارة، و يجد عقله الزائل في سكر الرياسة.

9- حذره عن اغتراره باحتفاف الناس حوله و انقيادهم له فتطغى نفسه كفرعون و يبارز الله في عظمته و جبروته‏، فانه يذله‏ الله‏ و يهينه كفرعون و يأخذه بنكال الاخرة و الالى و يصير عبرة لمن يخشى.

10- أمره برعاية الانصاف مع‏ الله‏ و خلقه، سواء بالنسبة إلى نفسه أو أهله أو من يهواه من رعيته، فلا يهضم حق الله و حق أحد من عباده لرعاية هؤلاء فانه‏ ظلم‏ و الله خصم للظالم، و من خاصمه الله أدحض حجته و كان لله حربا حتى يتوب و الظلم يوجب تغيير النعم و سلب الأمارة و الحكم.

11- أمره برعاية ما هو الأفضل‏ في‏ أداء الحق‏ و ما هو أعم لجميع‏ الرعية في‏ اجراء العدل‏ و ما هو أجمع لرضا الرعية في تمشية الامور و إن كان يوجب‏ سخط الخاصة من أرباب النفوذ و أصحاب المقامات السامية، و علل ذلك بأن غضب عامة الرعية و عدم رضاهم عن وضعهم يوجب الثورة و البلوى و لا يقدر الخاصة مهما كانوا مخلصين للحكومة و جادين في نصرته المقاومة تجاه سيول الثائرين و أهل البلوى كما حدث في زمان عثمان حيث إن سوء سياسته و عدم تأديته الحقوق العمومية صار سببا لنقمة عامة الجيش الإسلامي، فانحازوا من مصر و كوفة و اجتمعوا في المدينة و حصروا عثمان و لم يقدر خاصته كمروان بن حكم و سائر رجال بني امية مع كمال نفوذهم و دهائهم أن يصدوا سيل الثائرين و المهاجمين حتى قتل عثمان في داره و القي بجسده إلى البقيع و تبعه ما تبعه من الحوادث الهامة، و لكن إذا كان العموم راضيا و موافقا مع‏ الوالي‏ فسخط بعض الخواص لا يؤثر شيئا، لأن الفرد و الأفراد القليلين لا يقدرون على مقاومة الوالي إذا لا تساعدهم العموم.

ثم وصف‏ الخاصة الملاصقة بالوالي مع كمال أدبهم و تواضعهم بما يلي:

الف- هم‏ أثقل‏ الناس‏ على الوالي‏ من جهة المئونة و ما يتوقعون من معاش اشرافي يصاحب الخدم و الحشم و الغلمان و المماليك، كما كان‏ في‏ حال‏ الرخاء و العافية.

ب- هم‏ أقل‏ الناس‏ معونة عند حلول‏ البلاء و ضيق الحال.

ج- هم‏ أكره‏ الناس للعدل و الانصاف لأن وضعهم يقتضي التجاوز و التعدى بحقوق غيرهم.

د- هم أصر الناس على السؤال و تقديم التقاضا لحوائجهم حقا كانت أم باطلة.

ه- هم‏ أقل‏ الناس‏ شكرا للعطايا و أبطأ لقبول الاعتذار عند المنع‏.

و- هم‏ أضعف صبرا في النوائب و تجاه الحوادث فيفرون عن صف الجهاد عند شدة البأس، ثم وصف‏ العامة من‏ الناس بما يلى:

هم‏ عماد الدين‏ و حفاظه، و يتشكل منهم جامعة المسلمين‏ و السواد الأعظم و هم‏ العدة في الدفاع عن‏ الأعداء.

12- ثم وصف أهل النمامة و طلاب عيوب‏ الناس‏ و أمره بابعادة و شنئانه و نبه أن من مصلحة الوالي الستر على عيوب‏ الناس‏ و عدم التفتيش عنها حق لا يوجب نفورهم عنه و خوفهم منه.

13- أمره بقطع كل ما يوجب‏ حقد الناس‏ و تمكن البغضاء في صدورهم.

14- التجاهل عن امور لا يصح‏ للوالي الدخول فيها من أحوال‏ الناس‏ الخصوصية مما لا يصح‏ و يظهر له.

15- التوقف في‏ تصديق‏ من يسعى لديه عن غيره حتى يتفحص و يتحقق و وصف‏ الساعي‏ بأنه‏ غاش‏ في صورة ناصح.

16- النهى عن‏ المشورة مع‏ البخيل‏.

17- النهى عن‏ المشورة مع‏ الجبان‏.

18- النهى عن‏ المشورة مع‏ الحريص‏.

و قد أشار إلى أن‏ المشورة مع هؤلاء لا تهتدي إلى رأي صالح مصيب باعتبار ما ركز في طبع هؤلاء من مساوى الأخلاق التي تؤثر في رأيهم و تكدره، فالبخيل‏ يمنع عن الإيثار و البذل لكل أحد كما أن‏ الجبان‏ لا يرى الحرب و الجهاد مع الأعداء مصلحة في حال من الأحوال، لأن جبنه يدعوه إلى حفظ النفس و الإخفاء عن العدو كما أن‏ الحريص‏ الجامع للدنيا يدعو إلى‏ الشره‏.ثم نبه إلى أن هذه الذمائم ترجع إلى مبدء واحد و هو سوء الظن بالله‏ تعالى و قلة معرفته.

و اعلم أن‏ الوزير هو المعاون و الظهير كما قال الله تعالى حكاية عن موسى ابن عمران «رب اشرح لي صدري و يسر لي أمري و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي و اجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به‏ 25- 28 سورة طه» و قد خصص هذا العنوان بمن يعاون الرؤساء و الملوك حتى يتبادر من لفظ وزير فلان أنه سلطان، و والي‏ مصر باعتبار سعة ميدان نفوذه يساوي ملكا من الملوك و قد كان لكل فرعون من فراعنة مصر و كل ملك من ملوكه و كل وال من ولاته الاسلاميين وزراء و معاونون و هم أهيأ الناس للالتصاق بالوالي الجديد و كسب الجاه عنده و إشغال مقام الوزارة لديه و تقديم الهدايا و تحسين الثناء و بذل العون له بما لهم من التجربة و الاطلاع على مجارى الامور، و قلما يقدر وال جديد أو ملك جديد من التخلص عن أمثال هؤلاء، و لكنه صلوات الله عليه بين حال تلك العصابة المتمرنة على الظلم فقال: إذا كان‏ الوزير وزيرا للوالي الشرير فقد شركه في الاثام‏ و المظالم و لا يجوز الاعتماد عليه و اتخاذه‏ بطانة في امور الحكومة فانهم أعوان الأثمة و إخوان الظلمة.

ثم هداه إلى رجال آخرين يفضلون على أمثال هؤلاء من وجوه:

1- لهم مثل آرائهم و نفاذهم‏ في الامور مبرؤون من‏ الاصار و الأوزار لعدم المعاونة على الظلم‏ و الاثم فيكون‏ آرائهم‏ أصقل‏ و نفاذهم‏ أكثر.

2- اولئك أخف مئونة لانهم أهل صلاح و سداد و لم يعتادوا الاسراف في المعيشة و ادخار الأموال.

3- معونتهم للوالي أكثر من الوزراء السابقين لعدم اعتيادهم بالمسامحة في الامور.

4- لم يغير صفاء قلوبهم المطامع و المكائد فكان حبهم للوالي خالصا و عطفهم عليه عن صميم القلب.

5- لم يألفوا مع اناس آخرين هم أتباع و أعوان الأشرار الماضين فالفتهم مع غير الوالي‏ قليل.

ثم أمره بالانتخاب من‏ اولئك‏ الوزراء الصالحين فقال عليه السلام:

(ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك) على خلاف عادة الولاة الظلمة الطالبين لمن يؤيدهم على أهوائهم الباطلة، و قد ذكر الشارح المعتزلي هنا قصة لطيفة كما يلي:اتى الوليد بن عبد الملك برجل من الخوارج، فقال له: ما تقول في الحجاج؟

قال: و ما عسيت أن أقول فيه، هل هو إلا خطيئة من خطاياك، و شرر من نارك، فلعنك الله و لعن الحجاج معك و أقبل يشتمهما، فالتفت الوليد إلى عمر بن عبد العزيز فقال: ما تقول في هذا؟ قال: ما أقول فيه هذا رجل يشتمكم، فإما أن تشتموه كما شتمكم، و إما أن تعفوا عنه، فغضب الوليد و قال لعمر: ما أظنك إلا خارجيا، فقال عمر: و ما أظنك إلا مجنونا، و قام فخرج مغضبا، و لحقه خالدابن الريان صاحب شرطة الوليد، فقال له: ما دعاك إلى ما كلمت به أمير المؤمنين؟ لقد ضربت بيدي إلى قائم سيفي أنتظر متى يأمرني بضرب عنقك، قال:

أو كنت فاعلا لو أمرك؟ قال: نعم، فلما استخلف عمر جاء خالد بن الريان فوقف على رأسه متقلدا سيفه، فنظر إليه و قال: يا خالد ضع سيفك، فانك مطيعنا في كل أمر نأمرك به، و كان بين يديه كاتب كان للوليد، فقال له: ضع أنت قلمك فانك كنت تضر به و تنفع، اللهم إني قد وضعتهما فلا ترفعهما، قال: فوالله ما زالا وضيعين مهينين حتى ماتا.

أقول: عمر بن عبد العزيز لما تصدى للخلافة يعلم أن مظالم بني أمية شاعت في الأقطار الاسلامية و تلاطمت فكاد عرش الخلافة يسقط فدبر أحسن تدبير لتعليل تلك المظالم و قطع أيادى المولعين بها بكل وجه ممكن، و من أهم ما نفذه إسقاط سب أهل البيت من الخطب و رد فدك إلى بني فاطمة كما ذكرناه في مقامه و لم يأل جهدا في إصلاح الاجتماع و لكن لم يتركوه على سرير الخلافة إلا مما يقرب ثلاث سنين.

ثم أمره عليه السلام بالتقرب‏ بأهل الورع و الصدق‏ و تركهم على حالهم حرا لئلا ينحرفوا عن طريق‏ الورع و الصدق‏ فيطروه بالثناء و يمدحوه بما لا يستحق فان الإطراء يفسدهم و يؤثر في‏ الوالي‏ فيكسبه زهوا و غرورا فيفسد هو أيضا.

ثم أمره برعاية العدالة و الحق بينهم و ليس معناه أن ينظر إلى جميعهم بنظرة واحدة و يكون‏ المحسن و المسى‏ء سواء فانه يوجب‏ تزهيد أهل الاحسان في الاحسان و تدريب أهل الإسائة بالإسائة.

ثم نبهه على أن ألزم ما يكون يتوجه إليه‏ الوالى‏ جلب‏ حسن ظن الرعية و جلب عطفه و أدعى شي‏ء إلى ذلك أمران:

1- الاحسان‏ بالرعايا ببذل ما يحتاجون من المئونة و الحوائج.

2- تخفيف‏ ما يطلب منهم من الخراج و المئونات و ترك استكراههم على ما ليس‏ في عهدتهم لجلب‏ حسن‏ ظنهم و اعتمادهم على‏ الوالي فحسن الظن‏ بالوالي إذا عم الرعايا يسهل الأمر عليه في إرادتهم و لا يحتاج إلى بث العيون و المحافظين‏ عليهم‏، و حسن الظن‏ لا بد و أن يكون أثر التجربة و الامتحان.

ثم وصاه برعاية السنن الصالحة التي‏ عمل بها صدور الامة الاسلامية و شاعت بين المسلمين و ألفوا بها فلا يصح نقض‏ هذه السنن‏ و تبديلها بالبدع أو تركها رأسا و المقصود منها السنن‏ الحسنة التي عمل بها المسلمون اقتداء بالنبي صلى الله عليه و آله أو عملوها في مشهد من النبي فأقرهم عليها فصارت من‏ السنن‏ الاسلامية الثابتة.

الترجمة

1- دلت را نسبت برعيت پر از مهر و محبت و لطف كن، نسبت به آنها چون درنده آزار كننده‏اى مباش كه خوردن آنان را غنيمت شمارى، زيرا از دو كس بيرون نيستند يا برادر دينى تو هستند يا همنوع تو محسوبند و در معرض لغزش و خطا قرار دارند و از روى عمد و يا خطا گاهى تجاوز مى ‏كنند، باندازه‏اى در باره آنها گذشت و عفو منظوردار كه خود از خداوند توقع گذشت و عفو گناه خود را دارى، تو بالادست آنهائى و والى تو بالا دست تواست و خداوند بالا دست كسى است كه تو را والى كرده و كار آنها را بتو وانهاده و بوسيله آنها تو را در معرض امتحان قرار داده است.

2- هرگز بجنگ و ستيز با خدا بر مخيز زيرا تاب انتقام او را ندارى و از عفو و رحمتش بى ‏نياز نيستى.

3- هرگز از عفو خلافكار پشيمان مباش.

4- هرگز بر شكنجه و عقوبت مبال.

5- تا راه گريز دارى بتندى و تحكم مشتاب، مگو من فرماندهم و فرمانم اجراء مى ‏شود، زيرا اين خود فساد در دل و سستى در دين پديد مى ‏كند و دگرگونى و آشوب ببار مى ‏آورد.

6- چون از ملاحظه حكومت و مقاومت تكبر و سرافرازى بتو دست داد.نگاهى بملك بزرگ خدا كن كه بالا دست تو است و توجه كن كه خداوند بر تو قدرت دارد و تو در برابر او بر خود هم قدرت ندارى زيرا اين توجه سركشى ترافرونشاند و تندى ترا باز دارد و عقلي كه بر اثر خود بينى از سرت بدر رفته به تو باز گردد.

7- مبادا با خداوند در بزرگى و جبروت سر همسرى و همانندى داشته باشى زيرا خداوند هر جبارى را خوار و هر بالنده ‏اى را زبون مى ‏كند.

8- نسبت بخداوند و مردم از طرف خودت و خاندانت و دوستانت انصاف و عدالت را مراعات كن، اگر نكنى ستم ورزيده‏اى (و هر كس ببندگان خدا ستم كند خدا از طرف بندگانش خصم اوست و چون خدا با كسى خصومت كند دليلش را باطل نمايد و با او بجنگد تا برگردد و توبه كند)، هيچ چيز از ادامه ستمكارى مؤثرتر در زوال نعمت خداوند و تعجيل انتقام او نيست، زيرا خدا نفرين ستمكشان را خوب مى ‏شنود و در كمين ستمكاران است.

9- كارهائى را بيشتر دوست دار كه با حقيقت ‏تر و عادلانه‏ تر و رضايت عمومى رعايا را بهتر جلب مى‏ كند، زيرا خشم ملت رضايت مخصوصان دولت را پايمال مى ‏كند ولى خشم مخصوصان دولت با وجود رضايت عمومى ملت جبران و در گذشت مى ‏شود، مخصوصان و اطرافيان والى در هنگام صلح و آسايش هزينه بسيار سنگينى بر او تحميل مى‏ كنند و در هنگام گرفتارى كمتر باو كمك مى ‏دهند، از عدالت بيشتر بدشان مى ‏آيد و پرروتر در خواست عطا و مقام مى ‏كنند، چون به آنها چيزى داده شود كمتر شكر مى ‏كنند و اگر دريغ شود ديرتر عذر مى ‏پذيرند، و در پيشامدهاى ناگوار روزگار ناشكيباترند.همانا ستون ديانت و جامعه مسلمانان و ذخيره دفن دشمنان توده عمومى ملت باشند، بايد گوشت بسخن آنها و دلت با آنها باشد.

10- هر كس از رعايا نسبت بمردم عيب جوتر است او را از خود دور كن و دشمن‏تر بدار، زيرا طبعا در مردم عيبهائى هست كه بايست والي بيشتر از ديگران آنها را بپوشد، در مقام مباش كه عيب آنها را بدانى زيرا هر چه را بدانى بايد آنرا اصلاح كنى ولى آنچه از تو پنهانست خدا در باره آن حكم مى‏ كند تا، مى ‏توانى بديها را بپوش تا خدا عيب ترا از رعيت بپوشد.

11- با مردم بهيچ وجه كينه توزى مكن و خونى از آنها بر عهده مگير و از آنچه بر تو روشن نيست تغافل بورز.

12- در تصديق را پورتچيان سخن چين شتاب مكن، زيرا آنان در لباس خير خواه آب بشير مى‏ كنند.

13- چند طايفه را هم شور خود مكن.

الف- بخيل، زيرا تو را از فضل و احسان منصرف مى ‏كند و از تهى دستى بيم مى ‏دهد.

ب- ترسو، زيرا تو را در هر كارى بسستى و ضعف مى ‏كشاند.

ج- حريص و آزمند، زيرا دست اندازى بر خلاف حق را در نظر تو نمايش مى ‏دهد، بحل و ترس و حرص چند خصلت بدند كه ريشه همه آنها بد گمانى بخدا است.

14- بدترين وزيران تو كسانى ‏اند كه وزير واليان بدكار پيش از تو بوده ‏اند و با آنها در گناهان همكارى كرده ‏اند، مبادا اينان طرفداران و مخصوصان تو باشند زيرا كه يار گنهكاران و برادر ستمگرانند، تو مى‏ توانى بجاى آنها بهتر از آنها را بيابي، كسانى كه نظريات و نفوذ آنها را دارند ولى وزر و وبال آنها را ندارند و با ستمكاران و گنهكاران همكارى نكرده ‏اند، اين مردان پاكدامن هزينه كمترى بر تو تحميل مى ‏كنند و نسبت بتو مهربانترند و با بيگانه‏ ها كم الفت ترند، آنها را مخصوصان جلسه‏ هاى سرى و انجمنهاى علنى خود قرار ده سپس بر گزيده ‏تر آنها پيش تو كسى باشد كه حق را بى ‏پرده برابر تو بگويد و در مخالف خواست حق براى دوستانش ترا كمتر مساعدت كند چه دلخواه تو باشد چه نباشد.

15- به پاكدامنان و راستگويان بپيوند و آنها را چنان بار آور و بپرور كه تملق ترا نگويند و بكارهائى كه نكرده ‏اى بيهوده ستايش و خوشامد ترا نگويند، زيرا مدح خود پسندى آورد و بغرور كشاند.

16- مردمان درست و خوشرفتار و نادرست و بدكار را بيك چشم منگر و برابر مدان، زيرا در اين صورت مردان درست و خوشرفتار بخدمت كردن و درستى بى‏ رغبت مى‏ شوند و مردان بدكار و نادرست ببد كردارى تشويق و وادار مى‏ گردند، هر يك از اين دو را بپاداش كارشان كه خود براى خود خواسته‏ اند برسان.

17- بايد رعيت را بخود خوشبين و اميدوار كنى و بهترين راهش اينست كه به آنها احسان كنى و بار هزينه و مخارج آنها را تا مى ‏توانى سبك كنى و آنها را به چيزى كه در عهده آنها نيست بزور وادار نكنى، در اين زمينه طبعا تو هم برعيت خوشبين خواهى شد و خوشبينى تو به آنها رنج و اندوه فراوان و دنباله دارى را از دوشت بر مى‏ دارد.

18- نسبت بهر كس پيش تو آزمايش خوب داده بايد خوشبين باشى و هر كس آزمايش بد داده باو بدبين باش.

19- روش نيكى كه پيشروان و رهبران نخست اين امت بكار زده ‏اند و با آن توده را بهم پيوسته ‏اند و كار رعيت را اصلاح كرده‏ اند نقض مكن و روش تازه و بدى كه باين دستورات نيك گذشته لطمه مى‏زند پديد مياور تا آنانكه روشهاى نيك را گذاشته اجر برند و تو و بال نقض آنرا بگردن بگيرى.

20- در باره دستورات اصلاحى كشور و اداره كارهاى مردم كه پيش از تو بوده است با دانشمندان مطلع بسيار گفتگو كن و با فرزانگان خير خواه بسيار انجمن نما.

الفصل الثالث من عهده عليه السلام‏

و اعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، و لا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله، و منها كتاب العامة و الخاصة و منها قضاة العدل، و منها عمال الإنصاف و الرفق، و منها أهل الجزية و الخراج من أهل الذمة و مسلمة الناس، و منها التجار و أهل‏ الصناعات، و منها الطبقة السفلى من ذوى الحاجة و المسكنة، و كل قد سمى الله له سهمه، و وضع على حده فريضته في كتابه أو سنة نبيه- صلى الله عليه و آله- عهدا منه عندنا محفوظا. فالجنود بإذن الله حصون الرعية، و زين الولاة، و عز الدين و سبل الأمن، و ليس تقوم الرعية إلا بهم، ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوهم، و يعتمدون عليه فيما يصلحهم و يكون من وراء حاجتهم، ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة و العمال و الكتاب لما يحكمون من المعاقد، و يجمعون من المنافع، و يؤتمنون عليه من خواص الأمور و عوامها، و لا قوام لهم جميعا إلا بالتجار و ذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم، و يقيمونه من أسواقهم، و يكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم، ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة و المسكنة الذين يحق رفدهم و معونتهم، و في الله لكل سعة، و لكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه. و ليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله تعالى من ذلك إلا بالاهتمام و الاستعانة بالله، و توطين نفسه على لزوم الحق و الصبر

عليه فيما خف عليه أو ثقل.

اللغة

(الرعية): الماشية الراعية، الماشية المرعية، (الطبقة): المرتبة و من ذلك قولهم: الطبقة الاجتماعية و طبقة العمال و نحوها، (الجند): جمع أجناد و جنود و الواحد جندي: العسكر، (الكاتب) ج: كتاب: العالم و من عمله الكتابة- المنجد.

(الجزية): الخراج المعروف المجعول على رأس الذمي يأخذه الامام في كل عام، قال تعالى: «حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون» قيل: سميت بذلك لأنها قضاية منهم لما عليهم، و قيل: لأنها يجتزى بها و يكتفى بها منهم (الحصن):

واحد الحصون: و هو المكان المرتفع لا يقدر عليه لارتفاعه و منه: الفقهاء حصون الاسلام كحصن سور المدينة- مجمع البحرين.

(المعاقد) جمع معقد: و هو العقد و القرار في المعاملات و يطلق على الأوراق المتضمنة للمعاهدات.

الاعراب‏

لا يصلح بعضها إلا ببعض، جملة فعلية صفة لقوله طبقات، لا غنى ببعضها لاء المشبهة بليس و غنى اسمها، منها جنود الله جملة اسمية قدم خبرها لكونه ظرفا، و هكذا ما عطف عليها من سائر الجمل، أو سنة نبيه عطف على قوله فريضة عهدا منه منصوب على التميز الرافع للابهام عن النسبة من قوله: قد سمى الله سهمه و يحتمل أن يكون حالا، لا قوام للجنود: لاء نافية للجنس و الخبر محذوف أى لا قوام متحقق للجنود، ما لا يبلغه: لفظة ما اسمية: أى شيئا لا يبلغه، و في الله لكل سعة: سعة مبتدأ مؤخر، و في الله ظرف مستقر خبر له و لكل جار و مجرور متعلق بقوله سعة.

المعنى‏

قد تعرض عليه السلام في هذا الفصل من عهده المبارك لبيان‏ طبقات الناس‏

و الرعية و أثبت للرعية طبقات‏ سبعة و ليس المقصود من ذلك إثبات نظام‏ الطبقات‏ و تأييده فان نظام‏ الطبقات‏ مخالف‏ للعدل‏ و الديمقراطية الحاكمة بتساوى‏ الرعية في الحقوق.

فالبشر في تحوله الاجتماعي شرع من النظام القبلية و الاسرة المبني على أن الحكم المطلق ثابت لرئيس القبيلة و أبى الاسرة يحكم على الأفراد بما شاء يعز من شاء و يذل من شاء، فلا حياة للفرد إلا في ضمن القبيلة و يشترك معها في الخيرات و الشرور على ما يراه صاحب الاسرة و رئيس القبيلة، و هذا أدنى نظام اجتماعي وصل إليه البشر في تكامله الاجتماعي و انتقاله من الغاب إلى الصحراء، و قد ظل البشر في هذا النظام آلافا من السنين يسكن في ظل بيوت من الشعر أو الجلد و ينتقل من كور إلى كور، و قد أشار الله تعالى إلى هذا الدور في قوله:

و الله جعل لكم من بيوتكم سكنا و جعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم و يوم إقامتكم و من أصوافها و أوبارها و أشعارها أثاثا و متاعا إلى حين‏- النحل الاية 80».

و قد تحولت امم من هذا النظام إلى نظام مدنى أرقى قبل آلاف من السنين فقد ذكر بعضهم اكتشاف آثار المدنية في مصر من قبل خمسة عشر ألف عام و في الصين إلى ما قبل ذلك بالاف من القرون، ثم ازدهرت المدنية في بين النهرين و ضواحى ايران و فارس و ظل قبائل اروبا و إفريقا برابرة يعيشون تحت الخيام إلى هذه العصور الأخيرة إلا ما ظهرت من المدنية في يونان و بعض ضواحى البحر الأبيض و جزرها.

فنظام الطبقات يحصل للامم بعد التحول من النظام القبلي و مرجعه إلى اعتبار الامتيازات بين الأفراد و الأصناف و يبتنى على التبعيض في الحقوق العامة، كما شاع الان في ايفريقيا الجنوبية حيث إن الجنس الأبيض و هم الاسرة الحاكمة في البلاد يمتازون عن السودان و هم أكثر سكان البلاد الأصليين بحقوق واسعة، فنظام‏ الطبقات‏

يخالف التساوي و التاخي بين الأفراد و التساوي في الحقوق كما نادى به الإسلام في القرآن الشريف حيث يقول: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير- 13- الحجرات» و قد تعلق العرب على النظام الطبقاتي و اعتبار الامتياز من وجوه شتى: منها عدم تزويج بناتهم مع غير العرب و عدم تزويج القبائل بعضها مع بعض باعتبار علو شأنه، و قد اهتم النبي صلى الله عليه و آله بمحو النظام الطبقاتي و إلقاء هذه الامتيازات المتوهمة بكل جهده.

و مقصوده عليه السلام من قوله‏ (و اعلم أن للرعية طبقات) ليس اثبات‏ الطبقات‏ بهذا المعنى بل بيان اختلاف‏ الرعية في ما تتصديه من شئون الحياة البشرية حيث إن الانسان مدني بالطبع يحتاج إلى حوائج كثيرة في معاشه من المأكل و الملبس و المسكن و لا يقدر فرد واحد بل أفراد على إدارة كل هذه الامور فلا بد و أن ينقسم‏ الرعية بحسب مشاغله إلى‏ طبقات‏ و يتصدى كل طبقة شأنا من الشئون و شغلا من المشاغل، ثم يتبادل حاصل أعماله بعضهم مع بعض حتى يتم أمر معيشتهم و يكمل حوائج حياتهم و جعل‏ الرعية سبع‏ طبقات‏:

1- الجنود المحافظون للحدود و الثغور و المدافعون عن هجوم‏ الأعداء.

2- كتاب العامة المتصدون لكتابة العقود و المعاهدات و الحقوق و غيرها من المراسلات.

3- قضاة العدل‏ و رؤساء المحاكم المتصدون للترافع بين‏ الناس‏ و النظر في الدعاوى و اثبات الحق عن غيره بحسب الموازين القضائية المقررة.

4- عمال‏ الامور الحسبية المحافظون على‏ الانصاف و الرفق‏ بين‏ الناس‏ و هم الذين يجرون الأحكام القضائية و ينفذونها و يتعلق هذه الوظيفة في هذه العصور بادارة الشرطة العامة و ما يتبعها من المخافر.

5- أهل الجزية و الخراج من أهل الذمة و مسلمة الناس‏، قال ابن ميثم و قوله‏ من أهل الذمة و مسلمة الناس‏ تفصيل‏ للأهل‏ الأول، فأهل الذمة تفسير لأهل الجزية و مسلمة الناس‏ تفسير لأهل الخراج‏، و يجوز أن يكون‏

تفسيرا لأهل الجزية و الخراج‏ لأن للامام أن يقبل أرض‏ الخراج‏ من سائر المسلمين و أهل الذمة.

أقول: لا إشكال في اختصاص‏ أهل الجزية بالذميين، و أما أهل الخراج‏ أيضا كان أكثرهم في صدر الإسلام ذميا لأن المسلمين مشتغلون بامور الدين و تجهيز الجيوش و لا فرصة لهم في الاشتغال بزرع الأرض و حرسها فكل أرض يملكها المسلمون يكون في أيدى‏ أهل الذمة يعملون فيها و يؤدون خراجها، و لكن ظهر في‏ أهل الخراج‏ من المسلمين و زادوا تدريجا بوجهين:

الف- أن كثيرا من‏ أهل الذمة التابعين للإسلام أسلموا فيما بعد لما ظهر لهم من دلائل صدق الاسلام و حسن سلوكه.

ب- أنه بعد ما شاع الاسلام في كثير من المعمورة و انتشر في البلدان النائية العامرة كمصر و الشام فقد تصدى جمع من المسلمين لأمر الزراعة و الحرث و صاروا من‏ أهل الخراج‏.

6- التجار و أهل الصناعات‏ و الحرف الكثيرة التي عليها مدار حياة البشر و ادارة شتى شئونها من التجارة و البناية و العمارة و غيرها.

7- الطبقة السفلى من ذوى الحاجة و المسكنة، و التعبير عن هذه الطبقة بالسفلى‏ باعتبار أنها لا تقدم عملا نافعا في الاجتماع تتبادل به مع أعمال‏ الطبقات‏ الاخر فلا بد و أن تعيش من عمل‏ الطبقات‏ الاخر.

و قد بين عليه السلام في نظم‏ طبقات الرعية أنه لا محل للعاطل و من لا يعمل عملا يفيد الاجتماع في المجتمع الحي البشري، فما ترى بين الامة من جماعات لا يتصدون لهذه المشاغل و يعيشون ربما أرغد عيش بين‏ الرعية فهم كاللصوص و المغيرين.

فمنهم أرباب رءوس المال الذين يتحصلون الأرباح من رأس مالهم و يعاملون بالربا، و قد قال الله تعالى‏ «و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله‏- 278- البقرة».و قد شاع هذه الطبقة في هذه العصور يسكنون القصور و يعيشون بالهناء و السرور من دون أن يعملوا عملا للاجتماع.

و منهم أرباب الحيل و المخاديع ممن يدعى السحر و النيرنجات و الرمل و أمثال ذلك فيتوجه إليهم البسطاء من الناس و يبذلون في سبيل دعاويهم الباطلة الغالي و الرخيص من أموالهم.

و منهم أصحاب التعاويذ و الدراويش و من حذا حذوهم ممن يحصلون أموال البسطاء و الغافلين بأنواع المكائد و الحيل.

و منهم من يسأل بكفه و يدور في الأسواق و الدور و يستغيث بالناس لتحصيل المعاش و الرزق بالتكدي.

و لو عد في مثل هذه العصور طبقات الناس‏ في بلد إسلامي يوجد فيها طبقات‏ كثيرة لا تدخل في هذه السبعة.

ثم بين عليه السلام الموقع الاجتماعي لكل من هذه‏ الطبقات‏ و احتياج بعضها إلى بعض في إدارة شئون الحياة و إدامتها فوصف‏ الجنود بأنهم:

1- حصون الرعية و وسيلة الأمن‏ و الراحة لهم بحيث لا حفاظ و لا دفاع تجاه الأعداء المهاجمين أو اللصوص السالبين إلا بوجودهم.

2- زينة و ابهة للولاة تجاه العدو الخارجي و المخالف الداخلي فلولا وجود الجند لا يمكن للوالي تمشية الامور و تدريبها.

3- الجنود الاسلامية الذين يقومون في ميادين‏ الجهاد بنصرة الحق عز للدين تجاه الأعداء الكافرين.

4- الجنود سبل‏ للأمن‏ من وجوه شتى فلا يجترى‏ء اللص أن يسلب أموال‏ الناس‏ خوفا من‏ الجنود و لا يجترى‏ء العدو أن يهاجم على المسلمين و يسلبهم أموالهم خوفا من‏ الجنود.

و لا بد لمعاش الجندي و سد حوائجه من وجوه كافية يصل إليه دوما و هو الخراج‏ الذي يتحصل من الأراضي الخراجية و قد يكون أجناسا صالحة للمعيشة كحصة من حنطة الأرض الخراجية، و قد يكون درهما و دينارا يصرف في رفع‏ الحوائج، فوجود الجند إنما يقوم‏ على‏ الخراج‏ المقرر له فانه لو لا هذا الخراج‏ يحتاج إلى التخلي عن شغله و السعى وراء طلب المعيشة فلا يبقى جنديا فان‏ الجنود لا بد و أن يكونوا معدين للجهاد و مقاومة العدو في كل حين و تحصيل‏ الخراج‏ و ايصاله إلى الجند يحتاج إلى‏ الصنف الثالث من القضاة و العمال و الكتاب‏، فان‏ الخراج‏ إنما يؤخذ على طبق معاهدة بين‏ عمال‏ الأرض و الوالي‏ فلا بد من تنظيم أسناد ثم لا بد من‏ عمال‏ يحصلون‏ الخراج‏ من‏ عمال‏ الأرض طبق‏ المعاقدة المرضية و ربما ينشأ هناك خلافات بين‏ عمال الوالي‏ و عمال‏ الأراضي أو بعضهم مع بعض فلا بد من الرجوع إلى القاضي في حل هذه الخلافات، و هذه الجامعة المركبة من القوة الدفاعية و الماليه و القضائية و الكتاب‏ لا يقدرون على المعيشة إلا مع ما يقضي حوائج المعيشة من اللباس و الغذاء و أنواع الأثاث و الرياش التي يحتاج وجودها إلى من يصنعها و يهيؤها و إلى من ينقلها من بلد إلى بلد، و هم‏ التجار و ذوى الصناعات‏ فأهل الصنعة بفنونها و شعوبها منتشرة في شرق الأرض و غربها و يتخصص أهل كل بلد بصنعة خاصة بهم و الواسطة في حمل هذه المصنوعات من بلد إلى بلد هم‏ التجار الذين يتعرفون وجود كل صنعة في أي بلد و يتحملون المشاق في نقلها إلى أسواق اخرى حيث يضعونها في منال أيدى الطالبين، فالتجار و ذووا الصنعة ركن في الاجتماع المدني‏ لما يجتمعون عليه من مرافقهم و يقيمونه من أسواقهم و يكفونه من الترفق بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم‏.

ثم‏ بعد ذلك لا يخلو الاجتماع مهما كان صحيحا و منظما و عادلا من وجود ذوى العاهات و العجزة و الأشياخ الذين لا يقدرون على العمل، فهذه‏ الطبقة كالقشر من الشجرة فكما أنه لا يمكن وجود شجرة سالمة مثمرة من دون قشر، لا يمكن وجود اجتماع خال من هذه‏ الطبقة السفلى‏، فمنهم من أدى خدمته أيام شبابه و دوران صحته ثم عرضه الهرم أو اعترضه السقم فتعذر له العمل، فلا بد من رعايته بتحمل مئونته، و منهم من حرم من القوة لعاهة عرضته فلا بد من حفظ حرمته و رعاية كرامته، و هم الذين يحق رفدهم و معونتهم و تهية وسائل معيشتهم و يسع‏ رحمة الله‏ كل هذه‏ الطبقات‏ السبعة و لكل‏ منهم‏ على الوالي حق‏ الرعاية و المحافظة بقدر ما يصلحه‏.

الترجمة

اى مالك، بدانكه ملت از طبقه‏ هاى چندى تشكيل مى ‏شود كه بايد هر كدام را با ديگرى اصلاح كرد و همه با هم پيوسته و مرتبط و بهم نيازمندند.

الف- جنود الله، آرتشى كه در راه خدا و براى خدا مى ‏جنگد.

ب- نويسندگان عامه و خاصه، دفترداران عمومي و منشيان مخصوص كه براى رجال و بزرگان نامه ‏هاى خصوصى والي و كارگزاران عاليرتبه او را تنظيم مى ‏نمايند.

ج- قاضيان و دادگران عادل، دادستان‏ها و قاضيان محاكم.

د- كارمندان إنصاف و رفق: تشكيلات كل شهربانى و شهردارى، اداره أمر بمعروف و نهى از منكر.

ه- أهل جزيه و خراج از كفار ذمي و مسلمانان، بدهكاران ماليات سري و ماليات زمينهائى كه خالصه دولت اسلامي است و متصرفين آن بايد سهم در آمد زمين را بدولت بپردازند.

و- بازرگانان و پيشه‏ وران و صنعتگران.

ز- بيچارگان و زبونان كه نيازمندند و دست طلب دراز دارند: مردمان بيچاره كه سرمايه‏اى و كار و شغلى ندارند و يا نمى‏توانند كار كنند و باز نشسته‏اند و براى قوت خود محتاجند.

خداوند در كتاب خود قرآن مجيد و سنت پيغمبرش براى هر كدام از اين طبقات بخشى از ثروت كه در كشور است نام برده و در خور استحقاقش قرار معينى نهاده، اين دستور بودجه و پخش آن بما سپرده است و نزد ما مصون و محفوظ است.

لشكريان باذن خدا پناه رعيت و زينت واليان و عزت دين و وسيله أمنيت راهها مى ‏باشند، رعيت بى‏وجود آنها بر سرپا نمى‏ماند و آنها بر سر پا نمى ‏مانند مگر بوسيله دريافت حقوق خود كه خدا از خراج و ماليات براى آنها معين كرده و بپشت گرمى آن در جنگ با دشمنان نيرومند مى ‏شوند و زندگى خود را اصلاح مى ‏نمايند و رفع نياز مى ‏كنند.

اين دو دسته لشكريان و خراج‏گزاران را دسته سومى بايد اداره كند كه عبارتند از قاضيان (دستگاه دادگسترى) و كارمندان دولت (استانداران و فرمانداران و بخشداران) و نويسندگان (متصديان امور دفترى) براى آنكه معاملات و معاهدات را منعقد مى‏كنند و عوائد را جمع آورى مى‏كنند و كارهاى كلى و جزئي به آنها سپرده است.

زندگى همه اينها اداره نمى ‏شود مگر بوسيله بازرگانان و صنعتگران كه وسائل زندگى را جمع آورى مى ‏كنند و بازار داد و ستد بوجود مى ‏آورند و با دست خود أبزارهاى زندگانى را جمع آورى مى ‏كنند و مى‏ سازند كه ديگران نمى ‏توانند بسازند، سپس آن دسته پائين و بيچاره اند كه نيازمند و مسكينند، كسانى كه بايد به آنها بخشش كرد و براى خدا بدانها كمك نمود، هر كدام آنها را نزد والى جائى است و بر او لازم است باندازه‏اى كه زندگى آنها اصلاح شود به آنها كمك دهد.

والى از عهده اين خدمتى كه خدا بر او لازم كرده بر نيايد مگر بكوشش و استعانت از خداوند و وادار كردن خود بر درستكارى و صبر بر آن سبك باشد بر او يا سنگين.

الفصل الرابع من عهده عليه السلام‏

فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله و لرسوله و لإمامك، و أنقاهم جيبا، و أفضلهم حلما، ممن يبطى‏ء عن الغضب، و يستريح إلى العذر، و يرأف بالضعفاء، و ينبو على الأقوياء، و ممن لا يثيره العنف، و لا يقعد به الضعف.

ثم الصق بذوي الأحساب، و أهل البيوتات الصالحة و السوابق الحسنة، ثم أهل النجدة و الشجاعة و السخاء و السماحة، فإنهم جماع من الكرم، و شعب من العرف، ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما، و لا يتفاقمن في نفسك شي‏ء قويتهم به، و لا تحقرن لطفا تعاهدتهم به و إن قل، فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك و حسن الظن بك، و لا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها، فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به، و للجسيم موقعا لا يستغنون عنه. و ليكن آثر رءوس جندك عندك من واساهم في معونته، و أفضل عليهم من جدته، بما يسعهم و يسع من ورائهم من خلوف أهليهم، حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو، فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك.

اللغة

(جنود) جمع جند و الواحد جندي: العسكر، (أنقاهم جيبا): أطهرهم في القلب و النفس و ألزمهم للتقوى، (بطؤ) يبطى‏ء: ضد أسرع، (رؤف) رأفة:

رحمه أشد رحمة فهو رؤوف، (نبا) ينبو: تجافى و تباعد، (أثاره) هيجه، (العنف):الشدة و القساوة، (قعد به): أعجزه، (النجدة): الرفعة، (السماحة): البذل، (جماع الشي‏ء): جمعه، يقال: الخمر جماع الاثم أى جامعة لكل أصنافه، (فقم)

فقما الأمر: عظم، تفاقم الأمر: عظم و لم يجر على استواء- المنجد، (الخلوف):المتخلفون جمع خلف بالفتح.

الاعراب‏

أنصحهم في نفسك: في نفسك متعلق بقوله أنصحهم، جيبا: تميز لقوله أنقاهم رافع للابهام عن النسبة و كذلك حلما منصوب على التميز، من قوله أفضلهم عن الغضب: متعلق بقوله يبطى‏ء و يفيد المجاوزة أى يبطى‏ء متجاوزا عن الغضب، على الأقوياء: يفيد الاستعلاء، لا يقعد به الضعف: الباء للتعدية، ثم الصق:

يفيد التراخي أى ول من جنودك في الدرجة الثانية من ذوى الأحساب، ثم أهل النجدة: تراخ ثان، جماع: خبر إن أى مجمع الكرامة و شعب من الأعمال الحسنة، لا يتفاقمن: نهي مؤكد، اتكالا: مفعول له لقوله لا تدع، لليسير من لطفك: ظرف مستقر خبر إن قدم على اسمها و هو مرفوع موضعا، ينتفعون به:

جملة فعلية صفة لقوله موضعا، آثر: أفعل التفضيل من الاثرة يعني أحبهم و أخصهم إليك، جدته: اسم مصدر من الوجدان مثل عدة من الوعد: أى مما تمكن منه.

ورائهم: ظرف مستقر صلة لقوله من، من خلوف: بيان لقوله من ورائهم.

المعنى‏

قد تعرض عليه السلام في هذا الفصل لبيان ما يلزم أن يتصف به الجندي من الأوصاف حتى يستحق لمقام الولاية على السائرين و هذا هو من أهم امور النظام العسكري و قد انشأ في هذه العصور معاهد و مدارس لتعليم النظام و تربية الضباط و الامراء في الجيوش و تتضمن هذه التعليمات تمرينات و تدريبات عسكرية شاقة في دورات متعددة ينتهي كل منها إلى امتحانات صعبة ربما قل الناجحون منها.

و لكن الاسلام يتوجه إلى روحية الجندي أكثر مما يتوجه إلى تدريبه العملي، فان الجندي إنما يواجه العدو و يدافع عنه بروحه و ايمانه و قوة عقيدته أكثر مما يعتمد على قوة جسمه و أعماله، فقد كان رسول الله صلى الله عليه و آله يجمع المسلمين في صفوف صلاة الجماعة يعلمهم آي القرآن و يبين لهم طريق عبادة الرحمن و يؤيد اعتقادهم بالله و رسوله بالتمرين و التدريب على الاصول التعليمية للاسلام و يتخرج من بينهم رجال كأكبر قواد الجيوش في العالم يبارزون الأبطال المدربين في كليات العسكرية الرومانية و الفارسية فيقهرونهم و يغلبون عليهم حتى اشتهروا في هذه العصور بالبطولة و الشجاعة يقع الخوف في قلوب الأعداء من ذكر أسمائهم، و قد افتخر النبي صلى الله عليه و آله بقوله: «و نصرت بالرعب مسيرة شهر».

و هذه البطولة الفائقة تعتمد على قوة الروح و الايمان في القواد الاسلاميين أكثر مما تعتمد على قوة الجسم و التدريبات العملية، و قد وصف عليه السلام من يستحق مقام الولاية على الجند و ينبغي أن يكون أميرا بسبعة أوصاف:

1- أن يكون‏ أنصح‏ و أطوع‏ لله و رسوله و للامام‏ المفترض الطاعة من سائر الافراد، فلا يألوا جهدا في تحصيل رضا الله و رسوله و رضا إمامه مهما كلفه من الجهد و المشقة، و قد قدم هذا الاخلاص و النصح لرسول الله صلى الله عليه و آله سعد بن معاذ رئيس الأوس في قضية بدر حين عرض صلى الله عليه و آله على الأنصار الزحف لمقاتلة قريش في بدر فجمع أصحابه و عرض عليهم ما أراده، قال ابن هشام في سيرته «ص 374 ج 1 ط مصر»:

ثم نزل و أتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس فأخبرهم عن قريش- إلى أن قال: ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك و الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى «اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون» و لكن اذهب انت و ربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد- موضع بعيد مخوف- لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله: خيرا و دعا له به.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه و آله: أشيروا علي أيها الناس و إنما يريد الأنصار و ذلك أنهم عدد الناس و أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا برءاء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع أبنائنا و نسائنا، فكان رسول الله صلى الله عليه و آله يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصره‏ إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه و أن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم.

فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله، قال له سعد بن معاذ: و الله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل قال: فقد آمنا بك، و صدقناك، و شهدنا أن ما جئت به هو الحق، و أعطيناك على ذلك عهودنا و مواثيقنا على السمع و الطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد و ما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله.

2- أن يكون أطهر أفراد الجيش قلبا و سريرة و تجنبا عن الفواحش و المنكرات.

3- أن يكون أثبتهم‏ حلما و تسلطا على‏ نفسه‏ تجاه ما يثير الغضب‏ حتى لا يسوقه جبروت امارته على ارتكاب الشدة بالنسبة إلى من وقعوا تحت امرته بارتكاب ما يخالف هواه كما هو مقتضى طبع الامراء و أصحاب القوة و بسط اليد و النفوذ.

4- كان ممن يقبل الاعتذار عمن ارتكب خلافا و يتصف بالعفو و الصفح عن المذنب.

5- حين ما يكون جنديا موصوفا بشدة الشكيمة تجاه الأعداء مهيبا عند السائرين لإنفاذ أوامره، يكون رقيق القلب‏ يرأف بالضعفاء، كما وصف الله المؤمنين بقوله عز من قائل «أشداء على الكفار رحماء بينهم‏ 29- الفتح».

6- كان مقاوما للأقوياء المعتادين لإعمال النفوذ في الدولة لإحراز منافعهم و مقاصدهم و تحميل مظالمهم على‏ الضعفاء.

7- كان حليما و صبورا تجاه الشدائد و مفكرا في حل ما ينوبه من العقد و العقائد فلا يؤثر فيه‏ العنف‏ و شدة النائبة و صعوبة الحادثة فيثيره‏ و يجذبه إلى ارتكاب ما لا يليق به أو يجد في نفسه ضعفا فيتكاسل‏ و يقعد عن العمل و تدبير الأمرو الخطب الذي به حل.

هذا، و إحراز هذه الصفات الكريمة في الأفراد يحتاج إلى درس كامل عن أحوالهم و إلى تجارب و امتحانات متتالية و متطاولة ربما لا يتيسر بالنسبة إلى ما يحتاج إليه من الأفراد فقرر عليه السلام‏ ضابطتين تكونان كالأمارة و الدليل على وجود هذه الصفات العالية النفسانية.

الاول ضابطة الاسرة و البيت‏

و هى فصيلة من القبيلة تبقى دورا طويلا بعد التحول من النظام القبلي إلى النظام الدولي فكانت العرب تظل في النظام القبلي منذ قرون كثيرة حتى جاء نظام الاسلام فحول العرب إلى نظام حكومي أعلى ليس الحاكم فيه إرادة رئيس القبيلة و مقرراتها بل الحاكم فيه قانون الاسلام و الدستورات النبوية، و لكن الملة بقيت تحت تربية الاسرة و البيت فهي التي تكفل تربية الفرد و تعليمه بلا واسطة أو بوسيلة المكاتب أو المعلمين المخصوصين، فذوى الأحساب و أهل البيوتات الصالحة و السوابق الحسنة هم المؤدبون و المربون تربية صحيحة.

فاذا تم النظام الحكومي في الشعب و أكمل فيه وسائل التربية و التثقيف بانشاء دور التعليمات الابتدائية و المتوسطة و العالية و تشمل جميع الأفراد كما في الدول الراقية و الشعوب المترقية فينفصل الفرد عن البيت و الاسرة و ينتقل إلى تربية النظام الحكومي فيطالب بالشهادات المدرسية في كل دور و يعتمد في تعهده لأي شغل و مقام إلى ما في يده من الشهادات المدرسية و الكليات و المعاهد العلمية و لا ينظر إلى بيته و اسرته و إلى أبيه و امه لأن جهوده الذي بذله في سبيل التحصيل المنعكس في شهاداته المدرسية و أوراق دور علمه يثبت جوهر شخصيته و ما يستحقه من الرتب و الدرجات في النظام و سائر الشئون.

و لكن الحكومة الاسلامية الفنية في عصره عليه السلام لم تبلغ إلى حد يتكفل تربية الأفراد، و كان الاعتماد في صلاحية الأفراد إلى البيت و الأسرة، فالانتساب إلى بيت صالح و اسرة معروفة يقوم مقام الشهادة الصادرة من كلية علمية أو معهد رسمى كما كانت حكومة الفرس في أدوارها الطويلة قائمة على نظام الأسرة و البيوتات في تربية الأفراد و تأديبهم و إن بلغت من السعة و النفوذ إلى ما يوجب العجب و التحسين، و قد بين تلك الحكمة الاجتماعية الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطوطاليس في ما أجاب به الإسكندر الفاتح الشهير ننقله من الشرح المعتزلي بعينه، قال:

رسالة الاسكندر الى أرسطو و رد أرسطو عليه‏

و ينبغي أن نذكر في هذا الموضع رسالة أرسطو إلى الإسكندر في معنى المحافظة على أهل البيوتات و ذوي الأحساب، و أن يخصهم بالرياسة و الامرة، و لا يعدل عنهم إلى العامة و السفلة، فان في ذلك تشييدا لكلام أمير المؤمنين عليه السلام و وصيته.

لما ملك الاسكندر ايران‏شهر و هو العراق مملكة الأكاسرة و قتل دارا بن دارا كتب إلى أرسطو و هو ببلاد يونان:

عليك أيها الحكيم منا السلام، أما بعد، فان الأفلاك الدائرة، و العلل السمائية و إن كانت أسعدتنا بالامور التي أصبح الناس بها دائبين، فانا جد واجدين لمس الاضطرار إلى حكمتك، غير جاحدين لفضلك و الاقرار بمنزلتك و الاستنامة[1] إلى مشورتك و الاقتداء برأيك، و الاعتماد لأمرك و نهيك لما بلونا من جدا ذلك علينا، و ذقنا من جنا منفعته، حتى صار ذلك بنجوعه فينا و ترسخه في أذهاننا و عقولنا كالغذاء لنا، فما ننفك نعول عليه و نستمد منه استمداد الجداول من البحور، و تعويل الفروع على الاصول، و قوة الأشكال بالأشكال، و قد كان مما سبق إلينا من النصر و الفلح، و اتيح لنا من الظفر، و بلغنا في العدو من النكاية و البطش ما يعجز العقول عن وصفه، و يقصر شكر المنعم عن موقع الانعام به، و كان من ذلك أنا جاوزنا أرض سورية و الجزيرة، إلى بابل و أرض فارس، فلما حللنا بعقوة أهلها- العقوة ما حول الدار- و ساحة بلادهم، لم يكن إلا ريثما تلقنا برأس ملكهم هدية إلينا، و طلبا للحظوة عندنا، فأمرنا بصلب من جاء به، و شهرته لسوء بلائه، و قلة ارعوائه و وفائه ثم أمرنا بجمع من كان هناك من أولاد ملوكهم و أحرارهم و ذوي الشرف منهم، فرأينا رجالا عظيمة أجسامهم و أحلامهم، حاضرة ألبابهم و أذهانهم، رائعة مناظرهم و مناطقهم، دليلا على أن ما يظهر من روائهم و منطقهم أن وراء من قوة أيديهم، و شدة نجدتهم و بأسهم ما لم يكن ليكون لنا سبيل إلى غلبتهم، و إعطائهم بأيديهم، لو لا أن القضاء أدالنا منهم، و أظفرنا بهم، و أظهرنا عليهم، و لم نر بعيدا من الرأى في أمرهم أن نستأصل شافتهم، و نجتث أصلهم، و نلحقهم بمن مضى من أسلافهم، لتكون القلوب بذلك إلى الأمن من جرائرهم و بوائقهم، فرأينا أن لا نعجل باسعاف بادى‏ء الرأى في قتلهم دون الاستظهار عليهم بمشورتك فيهم، فارفع إلينا رأيك، فيما استشرناك فيه بعد صحته عندك، و تقليبك إياه بجلي نظرك، و سلام على أهل السلام فليكن علينا و عليك.

فكتب اليه أرسطو

لملك الملوك و عظيم العظماء، الإسكندر المؤيد بالنصر على الأعداء، المهدي له الظفر بالملوك، من أصغر عبيده و أقل خوله، ارسطوطاليس البخوع بالسجود، و التذلل في السلام، و الإذعان في الطاعة.

أما بعد، فانه لا قوة بالمنطق و إن احتشد الناطق فيه، و اجتهد في تثقيف معانيه و تأليف حروفه و مبانيه على الاحاطة بأقل ما تناله القدرة من بسط علو الملك و سمو ارتفاعه عن كل قول، و إبرازه على كل وصف، و اغترافه بكل إطناب، و قد كان تقرر عندي من مقدمات إعلام فضل الملك في صهلة سبقه، و بروز شأوه، و يمن نقيبته مذأدت إلى حاسة بصري صورة شخصه، و اضطرب في حس سمعي صوت لفظه، و وقع و همي على تعقيب نجاح رأيه، أيام كنت أودي إليه من تكلف تعليمي إياه ما أصبحت قاضيا على نفسي بالحاجة إلى تعلمه منه، و مهما يكن مني إليه في ذلك، فانما هو عقل مردود إلى عقله، مستنبطة أو اليه و تواليه من علمه‏ و حكمته، و قد جلا إلى كتاب الملك و مخاطبته إياى و مسألته لي عما لا يتخالجني الشك في لقاح ذلك و إنتاجه من عنده، فعنه صدر و عليه ورد، و أنا فيما اشير إليه على الملك- و إن اجتهدت فيه و احتشدت له، و تجاوزت حد الوسع و الطاقة مني في استنطاقه و استقصائه- كالعدم مع الوجود، بل كما لا يتجزأ في جنب معظم الأشياء و لكني غير ممتنع من اجابة الملك إلى ما سأل، مع علمي و يقيني بعظم غناه عني و شدة فاقتى إليه، و أنا راد إلى الملك ما اكتسبته منه، و مشير عليه بما أخذته عنه، فقائل له:

إن لكل تربة لا محالة قسما من الفضائل، و إن لفارس قسمها من النجدة و القوة و إنك إن تقتل أشرافهم تخلف الوضعاء على أعقابهم، و تورث سفلتهم على منازل عليتهم، و تغلب أدنيائهم على مراتب ذوي أخطارهم، و لم يبتل الملوك قط ببلاء هو أعظم عليهم و أشد توهينا لسلطانهم من غلبة السفلة، و ذل الوجوه فاحذر الحذر كله من أن تمكن تلك الطبقة من الغلبة و الحركة، فإنه إن نجم بعد اليوم على جندك و أهل بلادك ناجم دهمهم منه مالا روية فيه و لا بقية معه، فانصرف عن هذا الرأي إلى غيره و اعمد إلى من قبلك من اولئك العظماء و الأحرار، فوزع بينهم مملكتهم، و ألزم اسم الملك كل من وليته منهم ناحيته و اعقد التاج على رأسه، و إن صغر ملكه، فإن المتسمى بالملك لازم لاسمه، و المعقود التاج على رأسه لا يخضع لغيره، فليس ينشب ذلك أن يوقع كل ملك منهم بينه و بين صاحبه تدابرا و تقاطعا و تغالبا على الملك، و تفاخرا بالمال و الجند حتى ينسوا بذلك أضغانهم عليك و أوتارهم فيك، و يعود حربهم لك حربا بينهم، و حنقهم عليك حنقا منهم على أنفسهم، ثم لا يزدادون ذلك بصيرة إلا أحدثوا لك بها استقامة، و إن دنوت منهم دانوا لك، و إن نأيت عنهم تعززوا بك، حتى يثب من ملك منهم على جاره باسمك، و يسترهبه بجندك، و في ذلك شاغل لهم عنك و أمان لاحداثهم بعدك، و إن كان لا أمان للدهر، و لا ثقة بالأيام.

قد أديت إلى الملك ما رأيته لي حظا، و على حقا من إجابتي إياه إلى‏ ما سألني عنه، و محضته النصيحة فيه، و الملك أعلى عينا، و أنفذ روية، و أفضل رأيا و أبعد همة فيما استعان بي عليه، و كلفني بتبيينه و المشورة عليه فيه، لا زال الملك متعرفا من عوائد النعم، و عواقب الصنع، و توطيد الملك، و تنفيس الأجل، و درك الأمل، ما تأتي فيه قدرته على غاية قصوى ما تناله قدرة البشر، و السلام الذي لا انقضاء له، و لا انتهاء، و لا فناء، فليكن على الملك.

قالوا: فعمل الملك برأيه، و استخلف على إيران شهر أبناء الملوك و العظماء من أهل فارس فهم ملوك الطوائف الذين بقوا بعده و المملكة موزعة بينهم إلى أن جاء أردشير بن بابك فانتزع الملك منهم.

و ينبغي أن يلفت النظر إلى مكاتبة إسكندر و أرسطو هذه من وجوه:

1- ما يستفاد من كتاب إسكندر من إعجابه بالاسرة المالكة في إيران أيام داريوش حيث اعجب بهم و هابهم و خاف منهم بعد الغلبة عليهم حتى هم بقتلهم و استيصال شافتهم ليأمن بوائقهم على ملكه فيما بعد، ها بهم و هم أذلاء و اسراء تحت يديه، هابهم من قوة منطقهم و وفور تعقلهم و بسالتهم و شجاعتهم و اعترف بأن الغلبة عليهم كان قضاء مقدرا لا أمرا بشريا ميسرا، و يستفاد من ذلك أنه كان في الاسرة المالكة تربية و تثقيف لا يوجد مثلها حتى في يونان مركز الفلسفة في هذه العصور.

2- إن هذه التربية و الثقافة كانت مقصورة على الاسرة المالكة لا تتعداهم، و كانت عامة الناس في هذه المملكة الواسعة الأطراف فاقدين لكل شي‏ء لا يمسون من شئون الحياة إلا العمل تحت إرادة الحكام و نيل أدنى المعيشة مما يناله البهائم و الأنعام، فهم في الحقيقة كالغنم يرعاهم الاسرة المالكة تأكل منهم ما يشاء و تبقي ما يشاء، و هذا هو السر في إمكان الحكومة على هذه الشعوب الكثيرة في بلاد شاسعة الأطراف، و من هذه الجهة لا تهتم عامة الشعوب في الدفاع عن الوطن و لا تدخل لهم في هذا الأمر السياسي إلا ما يؤمرون به من جهة الامراء، فاذا ضعف الحكومة في ناحية أو شعب يهاجم عليها العدو و يتسلط عليها بلا منازع و مدافع و بقي هذا التلاشي بين الحكومة و الشعب في إيران إلى أيام الفتح العربي، فهاجم ما يقل‏ عن أربعين ألف جندي بدوي و غلب على الامبراطورية الممدودة من نواحي سورية و الشام إلى ثغور الهند و الصين.

3- يستحق العجب من تدبير الحكيم أرسطو لرد إسكندر الفاتح المغرور عن عزمه بقتل الاسرة المالكه في إيران، فقد أظهر في جوابه عن كتاب إسكندر كل خضوع و انقياد تجاه هذا الجبار العنيد ليستميله إلى إصغاء ما يملي عليه من سوء عاقبة هذا العزم الخبيث و دلل عليه بأن قتل الاسرة المالكة المدبرة في إيران الذين يحكمون و يديرون شئون امم شتى يزدادون على ملائين من البشر الذين لا يمسون من شئون الحياة إلا كالأنعام و الأغنام- يوجب تلاشى الامة البشرية و فنائهم و يولد منه الهرج و المرج المفنى لجماعات من البشر، فان البشر الغير المثقف الوحشي إذا كسب قوة و منعة يعيث في الأرض فسادا و خرابا و دمارا كما ارتكبه آتيلا الامر على القبائل الوحشية في اوروبا، و چنگيز الامر على قبائل وحشية في صين.

و نعود فنقول: إنه عليه السلام أشار في كلامه هذا إلى أن الاعتماد على الفرد يكتسب من ملاحظة أسرته و بيته الذي تولد و نشأ فيه.

الضابطة الثانية ما يستفاد من حال الفرد نفسه‏ ، فانه دخل في جماعة المسلمين في هذه الأيام خلق كثير من سائر الشعوب لا يعرف لهم اسرة و بيت و يعبرون عنهم بالموالي فكان الاعتماد عليهم يرجع إلى ما يستفاد من أخلاقهم فبين لذلك أربعة أوصاف:

1- النجدة، و هي صفة تنبى‏ء عن علو الهمة و تمنع الرجولية.

2- الشجاعة، و هي صفة تنبى‏ء عن الغيرة و سرعة الاقدام في الدفاع عما يجب حفظه.

3- السخاء، و هي صفة تنبى‏ء عن بسط اليد و عدم حب المال و الادخار و حب الإيثار على الأغيار.

4- السماحة، و هي صفة تنبى‏ء عن الاقتدار على جمع‏ الناس‏ و تأليفهم حوله‏ و التسلط عليهم بحسن الخلق و بسط الجود.

فهذه صفات شخصية إذا اجتمعت في فرد تؤهلها للامرة و توجب الاعتماد عليه في إعطاء الولاية على الجند.

ثم أشار في آخر هذا الفصل إلى أن أفضل رؤساء الجند و امراء الجيوش‏ من‏ يواسيهم‏ في المعونة و يوفر عليهم فيما يجده من المئونة و لا يقتصر على خصوص رواتبهم المقررة المحدودة بحيث يغنيهم لما يحتاجون إليه من مئونة أنفسهم و مئونة أهلهم المتخلفين‏ ورائهم‏ ينتظرون عونهم في كل حين‏ فيكون‏ حينئذ همهم هما واحدا في جهاد العدو و الدفاع عن حوزة الإسلام.

الترجمة

آن كس را از لشكريان خود بر قشون فرمانده كن كه داراى خصائل زير باشد:

1- در پيش خود از همه نسبت بخدا و رسول خدا صلى الله عليه و آله و نسبت به امام و رهبر تو با اخلاص‏تر و خيرخواه‏تر باشد.

2- از همه پاكدامن‏تر و پارساتر باشد.

3- از همه در حلم و بردبارى بيشتر باشد و از كسانى باشد كه خشم او را فرا نگيرد و بزودى از جاى خود بدر نرود.

4- عذر پذير باشد.

5- نسبت به بينوايان و ضعفاء رؤوف و مهربان باشد.

6- نسبت به افراد نيرومند و با نفوذ تأثير ناپذير و خوددار باشد.

7- از كسانى باشد كه سختى و دشوارى كارها او را از جاى بدر نبرد و از خود بيخود و بيچاره نسازد و ناتوانى و سستى او را زمين گير نگرداند.سپس خود را بمردمان خانواده ‏دار و آبرومند و منسوبان بخانواده‏هاى خوش سابقه و خوب نزديك كن و فرماندهان خود را از ميان آنها انتخاب كن.و از آن پس مردمان راد مرد و دلير را كه با سخاوت و مردم دارند در نظر بگير زيرا آنان جامع اوصاف كرامتند و همه خوبيها در وجود آنها هست.

سپس از همه كارهاشان وارسى كن و آنها را تحت نظر بگير چنانچه پدر و مادر از فرزند خود دلجوئى ميكنند و هيچ تقويت و نيرو بخشى بدانها در نظر تو مشكل و گره دار جلوه نكند و هيچ لطف و دلجوئى نسبت بدانها در چشمت خرد و كوچك نيايد و گر چه اندك و ناچيز باشد، زيرا اين خود براى آنها باعث خير خواهى و اخلاصمندى و خوشبينى بتو مى ‏گردد، از وارسى و تفقد كارهاى ريز و چشم نارس آنها صرف نظر نكن باعتماد اين كه كارهاى عمده و چشم گير آنها را بازرسى كردى، زيرا لطف و دلجوئى تو در كارهاى خرد و كوچك موقعيتى دارد كه از آن بهره‏مند شوند و در كارهاى مهم هم در جاى خود از بازرسى تو مستغنى نباشند.

بايد بر گزيده‏ترين فرماندهان قشونت در نزد تو كسانى باشند كه با افراد ديگر قشون همدردى دارند و بدانها كمك مى‏نمايند و از آنچه در دسترس دارند بدانها بذل ميكنند تا آنجا كه وسيله وسعت زندگى خود آنها و افراد خانواده آنها باشد كه در پشت سر خود بجا نهاده‏اند و چشم انتظار مخارج از آنها هستند تا اين كه يكدل و يك جهت در جهاد با دشمن بكوشند و پريشان خاطر نباشند راستى كه مهربانى و مهروزى تو با آنها مايه اين مى ‏شود كه از دل با تو مهر ورزند و مخلص تو باشند.

و يجدر بنا هنا أن نترجم مكاتبة إسكندر مع أرسطو في هذا المقام طلبا لمزيد النفع للقراء الكرام.

نامه اسكندر بارسطو و پاسخ أرسطو بنامه او چون اسكندر ايران شهر كه كشور عراق و مملكت خسروان پارس بود بچنگ آورد و دارا بن دارا را كشت بارسطو كه در يونان بود اين نامه را نوشت:

اى حكيم از طرف ما بر تو درود باد أما بعد، براستى كه چرخهاى گردان و علل‏ آسمان گر چه ما را بامورى سعادتمند كرده كه زبانزد همه مردم است ولى باز ما با كمال جد و كوشش به حكمت و فرزانگى تو خود را نيازمند مى ‏دانيم، فضليت تو را انكار نتوانيم و بمقام والاى تو اقرار داريم و بمشورت تو دلگرم هستيم و پيروى از رأى تو را لازم شمرده و بامر و نهى تو اعتماد داريم، چون سود آن را آزموده و نفع آن را چشيديم تا آنجا كه در ما ريشه كرده و در اذهان ما رسوخ نموده و غذاى خرد ما گرديده و هميشه بنظر تو اعتماد توانيم و چون نهرى از آن درياى دانش بهره‏مند مى ‏شويم و چون شاخه‏ اى هستيم از تنه تنومند و بنظرهاى تو نيرومند مى ‏شويم، چنان پيروزى و پيشتازى بما سبقت جست و ظفرمندى ما را نصيب آمد و در سركوبى و غلبه بر دشمن بدانجا رسيديم كه وصفش بگفت در نيايد و شكر اين نعمت از دست ما برنيايد و از اين جمله است كه ما از سرزمين سوريه و جزيره در گذشتيم تا به بابل و سرزمين فارس تاختيم و چون در بن خانه و عرصه بلاد آنها جاى گزين شديم ديرى نگذشت كه چند تن از خود آنان سر پادشاهشان را بدست خودشان براى ما پيشكش آوردند تا در نزد ما بهره‏مند گردند و بمقامى رسند، فرمان داديم آنانكه سر را آوردند بدار آويخته شدند زيرا سزاى بد رفتارى و بيوفائى آنها همين بود، سپس فرمان داديم تا همه شاهزادگان و رادمردانى كه در آن كشور بود گرد آوردند، مردمى ديديم تنومند و پهلوان و سر بزرگ و خردمند و آزموده، خوش منظر و خوش گفتار، و اين خود دليل است كه عقل و منطق نيرومندى در خود دارند و پهلوان و رادمرد و جنگجو هستند تا آنجا كه ما را راهى براى غلبه و پيروزى بر آنها وجود نداشته جز اين كه قضا و قدر بسود ما چرخيده و ما را بر آنها پيروز كرده و بر آنها مسلط نموده.

و بنظر خود اين را دور نمى‏ دانيم كه همه را از بن بر كنيم و از ريشه براندازيم و بگذشته‏هايشان ملحق سازيم تا از دست درازى و انتقامجوئى آنان آسوده خاطر و دل نهاده باشيم، و در نظر آورديم كه در كشتار آنان شتاب نكنيم تا رأى شما را در اين باره ندانيم و با شما مشورت نكنيم، شما رأى خود را در اين باره براى ما روشن سازيد، وزير و روى اين مطلب را بسنجيد، و همه درود درود گويان بر ما و شما باد.

ارسطو در پاسخ او چنين نوشت‏

بسوى شاه شاهان و بزرگ بزرگان، اسكندر كه در پيروزى بر دشمنان تأييد يافته و ظفر بر پادشاهان هديه پيشگاه او شده، از طرف خردترين بنده‏ها و كمترين وابسته‏ هاى او ارسطوطاليس كه در پيشگاهش پيشانى سايد، و درود و تذلل و فرمانبرى و انقياد وى را گردن نهاده.

أما بعد، گفت را هر چه گويا در آن مهارت بخرج دهد و در سنجش معانى و تأليف حروف و مبانيش بكوشد، احاطه بكمترين درجه قدرت و بسط علو سلطنت و فرازمندى رفعت تو نتواند، زيرا از هر گفتارى و توصيفى و تفصيلى برتر است.

از مقدمات اعلاميه فضيلت آن پادشاه در ميدان مسابقت و بروز مرتبة و يمن مقدم بر من مقرر گرديده است چنان درجه‏اى كه حس ديده‏ام پيكر او را ورانداز كرده و گوشم آوازه او را شنيده و كامبخشى راى او در وهمم صورت بسته، از همان دورانى كه من بظاهر مكلف باموزش او بودم خود را نيازمند آموختن حكمت او مى‏دانستم، و هر آنچه از من بوى القاء مى‏شد همانى بود كه از پرتو عقل او در من منعكس مى‏گرديد، و استنباطى بود كه بهم نظرى با او از علم و حكمتش رد و بدل مى‏كردم، از نامه پادشاه و خطاب وى با من و پرسش از من روشن است كه شكى ندارم نظر خود را در فكر من بيدار كرده و از رأى روشن خود در من نتيجه خواسته هم از او بمن نظرى صادر شود و هم از او دريافت گردد و باو بر گردد آنچه من بحضرت پادشاه اشاره كنم با همه كوشش و تلاشى كه در آن نمايم و از حد وسع و طاقت در آن بگذرم و در بازرسى و نكته سنجى آن بكوشم باز هم در برابر رأى منيرش چون عدم است نسبت بوجود و چون جزء لا يتجزى در برابر معظم أشياء، ولى در هر حال من از اجابت پادشاه سر بر نتابم و پرسش وى را بى‏پاسخ نگذارم، با اين كه مى‏دانم كه حضرتش از رأى من بى‏نياز است و من بدو بسيار نيازمند و محتاج، من‏ خود همان را كه از آن پادشاه بدست آورده و استفاده كردم بوى باز گردانم، و همان را كه از حكمتش دريافت نمودم بوى اشارت كنم و بحضرتش گويم.

بناچار هر خاكى و هر سرزمينى را بهره‏ايست از فضائل، و راستى كه سرزمين پارس را بهره‏ايست از بزرگوارى و نيرومندى، و براستى كه اگر تو مردم شرافتمند آن سرزمين را بكشى مردمى پست را جايگزين آنها مى‏سازى و خانمان و كشور بزرگانشان را بدست أوباش مى‏سپارى، و زبونان را بر آبرومندانشان چيره ميكنى و پادشاهان هرگز گرفتار بلائى نشوند كه بزرگتر و دردناكتر و بيشتر مايه توهين سلطنت آنان باشد از غلبه أوباش و بى‏آبرويان، بايد بسختى بر حذر باشى از اين كه طائفه أو باش را صاحب قدرت و حركت در أمر كشور سازى، زيرا چنانچه از اين أوباش شورشى بر عليه لشكر تو و أهل كشور تو رخ دهد بلائى بدانها رسد كه نتوان پيش بينى كرد و كسى را باقى نخواهند گذاشت، از اين نظر بر گرد و نظر بهترى پيش گير، و هر آن كس از اين بزرگان و شاهزادگان كه در دسترس توأند بخواه و بنواز و كشورشان را ميان آنها تقسيم كن، و هر كدام را فرمانرواى سرزمين كردى نام پادشاه بر او بنه و تاجى بر سر او بگذار و اگر چه قلمرو فرمان او كوچك باشد، زيرا هر كس را پادشاه خواندند بدين نام بچسبد و بر سر هر كه تاج نهند زير بار فرمان ديگرى نرود، و اين تدبير سبب گردد كه ميان آنها ستيزه و تفرقه و نزاع بر سر ملك و سلطنت در گيرد و با يكديگر از نظر مال و قشون مفاخرت آغازند تا آنكه كينه‏ هاى تو را فراموش كنند، و خونها كه از آنها ريختى بدست فراموشى سپارند، و جنگى كه بايد با تو بنمايند بميان خودشان بر گردد، و كينه بر تو كه بايست در سينه‏ها پرورند بكينه ميانه خودشان مبدل گردد، و سپس هر چه در اين زمينه بيناتر گردند و بمقام خود دل بسته‏تر شوند نسبت بتو خوش بين‏تر و راست كردارتر گردند، اگر بدانها نزديك شوى و از هر يك آنها دلجوئى كنى نسبت بتو اظهار اطاعت و انقياد كنند، و اگر از آنها دورى گزينى از تو عزت و آبرو خواستار شوند تا آنكه هر كدام بنام و باعتبار پشتيبانى تو بر همسايه خود بشورد و بوسيله لشكر تو او را بترساند و در اين كشمكش و ستيز از تو صرفنظر كنند و با تو در مقام ستيزه درنيايند و تو از گزند آنها در آسايش باشى، گر چه در اين روزگار آسايشى وجود ندارد و اعتمادى بگذشت زمانه نيست.

من آنچه را بهره دانش و فكرت خود مى ‏دانستم بپيشگاه پادشاه عرضه داشتم اين حقى بود بر عهده من كه مخلصانه در پاسخ آن حضرت نگاشتم و اندرز بى‏شائبه خود را بعرض رسانيدم، و در عين حال آن پادشاه از من بيناتر است و انديشه نافذتر و رأيى بهتر و همتى والاتر نسبت بدانچه در باره آن از من كمك خواسته و مرا بتوضيح و شور در آن واداشته دارد.

هميشه پادشاه از نعمتهاى واصله و احسانهاى بى ‏دريغ بر خوردار باد و ملكش پاينده و عمرش دراز و آرزويش رسا باد تا آنجا كه نيرويش بنهايت آنچه قدرت بشر رسا است بر آيد، درودى بى‏انتها و پيوسته و بى‏ نهايت و فنا ناپذير بر پادشاه باد.

مورخان گفته‏اند: پادشاه برأى ارسطو عمل كرد و نظر او را بكار بست و شاهزادگان و آزادگان پارس را بر سراسر كشور ايران جايگزين و فرمانروا ساخت، و آنان همان پادشاهان ملوك الطوائف بودند كه پس از او بجاى ماندند و كشور ايران ميان آنان تقسيم بود تا اردشير بن بابك آمد و كشور را از آنها گرفت و مملكت را متحد ساخت.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 51 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 52 صبحی صالح

52- و من كتاب له ( عليه ‏السلام  ) إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة

أَمَّا بَعْدُ فَصَلُّوا بِالنَّاسِ الظُّهْرَ حَتَّى تَفِي‏ءَ الشَّمْسُ مِنْ مَرْبِضِ الْعَنْزِ وَ صَلُّوا بِهِمُ الْعَصْرَ وَ الشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِي عُضْوٍ مِنَ النَّهَارِ حِينَ يُسَارُ فِيهَا فَرْسَخَانِ

وَ صَلُّوا بِهِمُ الْمَغْرِبَ حِينَ يُفْطِرُ الصَّائِمُ وَ يَدْفَعُ الْحَاجُّ إِلَى مِنًى وَ صَلُّوا بِهِمُ الْعِشَاءَ حِينَ يَتَوَارَى الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَ صَلُّوا بِهِمُ الْغَدَاةَ وَ الرَّجُلُ يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ وَ صَلُّوا بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ وَ لَا تَكُونُوا فَتَّانِينَ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الواحد و الخمسون من كتبه عليه السلام و من كتاب له عليه السلام الى امراء البلاد في معنى الصلاة

أما بعد، فصلوا بالناس الظهر حتى تفى‏ء الشمس مثل مربض العنز، و صلوا بهم العصر و الشمس بيضاء حية في عضو من النهار حين يسار فيها فرسخان، و صلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم و يدفع‏ الحاج إلى منى، و صلوا بهم العشاء حين يتوارى الشفق إلى ثلث الليل، و صلوا بهم الغداة و الرجل يعرف وجه صاحبه، و صلوا بهم صلاة أضعفهم و لا تكونوا فتانين.

اللغة

(مربض العنز): محل نوم الشاة طوله يقرب من ذراعين و عرضه يقرب من ذراع، (و يدفع الحاج إلى منى): وقت الافاضة من عرفات إلى منى و هو آخر يوم عرفة يبتدء من المغرب الشرعي، (يتوارى الشفق): يزول الحمرة المغربية الحادثة بعد غروب الشمس، (و الرجل يعرف وجه صاحبه): أى إذا كانا تحت السماء و لم يكن غيم و لا مانع.

الاعراب‏

صلوا بالناس: الباء في قوله: بالناس، يشبه أن تكون للتعدية كالباء في ذهب به لأن الامام يوجد الصلاة في المأمومين بتصديه للامامة كما أن ذهب به ربما يستعمل في مقام تصدى الفاعل لهداية الذاهب و إمامته في الذهاب، مثل مربض العنز: أى فيئا مثل مربض العنز فحذف الموصوف و هو مفعول مطلق لقوله تفى‏ء، و الشمس بيضاء حية مبتدأ و خبر و الجملة حالية عن فاعل صلوا، و في عضو من النهار: ظرف مستقر خبر بعد خبر لقوله: و الشمس، و كذلك قوله:

حين يسار فيها فرسخان، و يمكن أن يكون ظرفا لغوا متعلقا بقوله: صلوا، و قوله:حين يفطر الصائم، ظرف متعلق بقوله: صلوا.

المعنى‏

هذا دستور لإقامة صلاة الجماعة مع الناس‏ إلى امراء البلاد لأن الإمامة في الصلاة من أهم وظائف الامراء في الإسلام و خصوصا في ذلك العصر لأن، الجماعة في الصلاة محور تربية المسلمين و تعليمهم لما يهمهم من امور الدين و خصوصا تعليم آي القرآن و سوره، فان الامام يقرأ بعد الحمد ما يتيسر من سور القرآن الكريم و المأمومين ينصتون له و يحفظون ما يقرؤه بالمداومة و المحافظة على‏ الصلاة كما أن إقامة الصلاة في صفوف مرصوصة منظمة يدربهم على الاصطفاف تجاه الأعداء في ميادين الجهاد و معارك القتال و هو فن نظامي عسكري كان له أثر كبير في تقدم جيوش الاسلام و الغلبة على أعدائهم، و قد اشير إليه في قوله تعالى «إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص‏ 3- الصف» فالمقاتلة في صف كأنهم بنيان مرصوص مما يدربون عليها في الاصطفاف لصلاة الجماعة.

فالظاهر أن هذا الدستور لا يرجع إلى تحديد أوقات الصلاة تشريعا بحيث يمكن الاستناد به لاثبات الوقت المشروع، نعم يستفاد منه أن إقامة الصلاة في هذه الأوقات مقرونة بالفضيلة و مناسبة مع حال الامة.

و ليس الغرض منه تحديد وقت الصلاة الشرعي كما يظهر من ابن ميثم قال: «ص 133 ج 5» بين في هذا الكتاب أوقات‏ الصلاة المفروضة، فالأول وقت‏ الظهر وحده بوقت‏ في‏ء الشمس‏ أى رجوعها و ميلها إلى المغرب، ثم نبه بتقديره‏ بمربض العنز و هو أول وقت‏ الظهر و ذلك مما يختلف باختلاف البلاد.

أقول: ظاهر كلامه بل صريحه أن رجوع الظل الحادث بعد الزوال إلى مقدار مربض العنز أول وقت‏ الظهر، و فيه:

1- أن ظاهر قوله عليه السلام: (صلوا بالناس الظهر حتى تفي‏ء الشمس مثل مربض العنز) أن بلوغ الفى‏ء إلى هذا المقدار آخر وقت صلاة الظهر، لأن لفظة حتى تفيد انتهاء الغاية في الزمان و المكان لا ابتداءها، فالمقصود أنه‏ صلوا الظهر من حين الزوال إلى أن يبلغ الفي‏ء هذا المقدار.

2- أنه مخالف لقوله تعالى «أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل و قرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا 87- الأسراء».

قال في المجمع: أقم الصلوة لدلوك الشمس، أى لزوالها و ميلها، يقال: دلكت الشمس و النجوم من باب قعد دلوكا إذا زالت و مالت عن الاستواء، قال الجوهري: و يقال دلوكها غروبها، و هو خلاف ما صح عن الباقر عليه السلام من أن دلوك الشمس زوالها، فهذه الاية شرعت أوقات‏ الصلاة و ابتدأت ببيان وقت‏ الظهر من حين زوال‏ الشمس‏ و رجوع الفى‏ء إلى مقدار مربض العنز متأخر عنه بساعات خصوصا في البلاد التي يسامت الشمس رءوس أهلها و يزول الظل عند زوال الشمس كالمدينة في أيام من كون الشمس في برج جوزاء.

3- أنه مخالف لما اتفق عليه الفقهاء الامامية من أن أول وقت‏ صلاة الظهر من حين زوال الشمس و ميلها عن دائرة نصف نهار البلد.

قال المحقق في الشرائع: فما بين زوال الشمس إلى غروبها وقت للظهر و العصر و إن كان يختص‏ الظهر من أوله بمقدار أدائها و كذا العصر من آخره و ما بينهما فمشترك.

قال صاحب الجواهر في شرح كلامه: كل ذلك على المشهور بين الأصحاب بل لا خلاف في كون الزوال مبدأ صلاة الظهر بين المسلمين كما عن المرتضى و غيره الاعتراف به عدا ما يحكى عن ابن عباس و الحسن و الشعبي من جواز تقديمها للمسافر عليه بقليل و هو بعد انقراضه لا يقدح في إجماع من عداهم من المسلمين على خلافه إن لم يكن ضروريا من ضروريات الدين.

ثم تعرض صاحب الجواهر رحمه الله لأخبار كثيرة يستفاد منها تأخير وقت‏ الظهر عن الزوال، فقال: فما في صحيح الفضلاء عن الباقر و الصادق عليهما السلام من أن وقت‏ الظهر بعد الزوال قدمان و وقت‏ العصر بعد ذلك قدمان، و صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام أن وقت الظهر بعد ذراع من زوال الشمس و وقت العصر ذراعين من وقت الظهر، و ذلك أربعة أقدام من زوال الشمس، بل عن ابن مسكان أنه قال: حدثني بالذراع و الذراعين سليمان بن خالد و أبو بصير المرادي و حسين صاحب القلانس و ابن أبي يعفور و من لا أحصيه منهم، و خبر عبد الله بن مسكان أنه كان حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله قبل أن يظلل قامة و كان إذا كان الفى‏ء ذراعا و هو قدر مربض‏ غزال صلى الظهر و إذا كان ضعف ذلك صلى العصر و نحوه غيره.

و خبر إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا كان في‏ء الجدار ذراعا صلى الظهر و إذا كان ذراعين صلى العصر، قلت: إن الجدار يختلف، بعضها قصير و بعضها طويل؟ فقال: كان جدار مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله يومئذ قامة.

و خبر إسماعيل بن عبد الخالق عن الصادق عليه السلام: إن وقت الظهر بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في يوم الجمعة أو في السفر فان وقتها حين تزول الشمس.

و مضمر ابن أبي نصر: سألته عن وقت صلاة الظهر و العصر؟ فكتب: قامة للظهر و قامة للعصر.

و خبر عمر بن سعيد بن هلال عن الصادق عليه السلام: قال: قل لزرارة إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر و إذا كان ظلك مثليك فصل العصر.

و خبر سعيد الأعرج عن الصادق عليه السلام أيضا عن وقت الظهر، أ هو إذا زالت الشمس؟ فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر و يوم الجمعة فان وقتها إذا زالت الشمس فقال: بعد الزوال.

و خبر ابن شعيب عن الصادق عليه السلام: سألته عن صلاة الظهر؟ فقال: إذا كان الفي‏ء ذراعا قلت: ذراعا من أي شي‏ء؟ قال: ذراعا من فيئك، قلت: فالعصر؟

قال: الشطر من ذلك، قلت: هذا شبر؟ قال: أو ليس الشبر بكثير.

و خبر زرارة عن الصادق عليه السلام أيضا: وقت الظهر على ذراع.

و خبر ذريح المحاربي: سأل أبا عبد الله اناس و أنا حاضر، إلى أن قال:

فقال بعض القوم: إنا نصلي الاولى إذا كانت على قدمين و العصر على أربعة أقدام فقال أبو عبد الله عليه السلام: النصف من ذلك أحب إلي.

و خبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام: الصلاة في الحضر ثمان ركعات إذا زالت الشمس ما بينك و بين أن يذهب ثلثا القامة، فاذا ذهب ثلثا القامة بدأت بالفريضة.

و خبر عبيد بن زرارة: سألت أبا عبد الله عليه السلام من أفضل وقت الظهر؟ قال:

ذراع بعد الزوال، قال: قلت: فالشتاء و الصيف واحد؟ قال: نعم.

و يستفاد من مجموع هذه الأخبار امور:

1- أن المقصود من‏ مربض العنز في كلامه عليه السلام هو مقدار مربضه عرضا و يقرب من ذراع.

2- أن المقصود من هذه التعبيرات المختلفة كمربض العنز و مربض‏ الغزال و الذراع و القدمين أمر واحد و أن اختلاف التعبير بمناسبة انس ذهن المخاطب بأحد هذه المقادير.

3- أن تأخير صلاة الظهر عن الزوال بهذا المقدار كان لغرض من الأغراض:

منها- إرادة الرخصة في التنفل كما ذكره في الجواهر، قال: محمول على إرادة الرخصة للمتنفل في تأخير الظهر هذا المقدار و أنه لا يتوهم حرمته للنهي عن التطوع وقت الفريضة كما يؤمى إليه الأمر بالظهر عند الزوال حيث لا تشرع النافلة فيه كالسفر يوم الجمعة، و في خبر زرارة قال: قال لي: أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟ قال: قلت: لم؟ قال: لمكان الفريضة لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعا فاذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة.

و منها- انتظار اجتماع الناس و حضورهم في الجماعة و عدم تخلف أحد منها كما هو الظاهر من دستوره لامراء بلاده.

و منها- انتظار برودة الهواء في الأيام الشديدة الحر كما ورد من قوله صلى الله عليه و آله «أبردوا بصلاة الظهر» و فسر بأن المقصود من الإبراد بصلاة الظهر هو تأخيره إلى أن يبلغ الظل مقدار ذراع و تنكسر سورة الحر.

هذا، و لم يتعرض عليه السلام في كتابه هذا لبيان آخر وقت الظهر، و هذا دليل على أنه ليس في مقام تحديد الوقت، و وقت صلاة العصر بعد مضي مقدار أداء صلاة الظهر من الزوال و يمتد إلى غروب الشمس فيختص العصر بمقدار أربع ركعات من آخر النهار كما في مرسلة داود بن فرقد المنجبرة عن الصادق عليه السلام إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات فاذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقى وقت العصر حتى تغيب الشمس- إلخ.

و لكنه قرر وقت أداء صلاة العصر و عقد الجماعة لها بقوله: (و صلوا بهم العصر و الشمس بيضاء حية) أى لم ينكسر ضوؤها بقربها و هبوطها إلى افق المغرب ثم أوضح ذلك بقوله‏ (حين يسار فيها فرسخان) و المقصود سير القوافل المعمولة و يشغل مسير الفرسخين مما يقرب من ساعتين و الظل في هذا الوقت يقرب من المثلين كما نقل في الجواهر: و دخل أبو بصير على أبي عبدالله عليه السلام فقال: إن زرارة سألني عن شي‏ء فلم اجبه فقد ضقت من ذلك فاذهب أنت رسولي إليه فقل له: صل الظهر في الصيف إذا كان ظلك مثلك و العصر إذا كان مثليك، و كان زرارة هكذا يصلى في الصيف.

و لم يتعرض عليه السلام لبيان آخر وقت‏ العصر أيضا و قد عرفت أنه يمتد إلى غروب الشمس.

و أما صلاة المغرب‏ فقد أمر بعقد الجماعة لها من أول وقتها و هو غروب الشمس و ذكر له علامتين:

1- حين يفطر الصائم‏، و إفطار الصائم‏ إنما يكون بعد انتهاء النهار و دخول‏ الليل‏ لقوله تعالى «ثم أتموا الصيام إلى الليل‏».

2- حين يدفع الحاج‏ من عرفات‏ إلى‏ المشعر، و هو بعد انتهاء نهار عرفة أيضا و لكن في التعبير بقوله عليه السلام: إلى منى‏، غموض فان دفع‏ الحاج إلى منى‏ إنما يكون في عشية يوم التروية ليبيتوا بمنى ثم يذهبوا إلى عرفات من صبيحة اليوم التاسع و ليس له وقت محدود و على أي حال فالمقصود إقامة صلاة المغرب‏ في أول‏ الليل‏ بعد انتهاء النهار، و قد اختلف كلمات الأصحاب في تحديده:

قال في الشرائع: و كذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب و يختص من‏ أوله بمقدار ثلاث ركعات ثم يشاركها العشاء حتى ينتصف‏ الليل‏ و يختص‏ العشاء من آخر الوقت بمقدار أربع ركعات- إلى أن قال: و يعلم الغروب باستتار القرص و قيل: بذهاب الحمرة عن المشرق و هو الأشهر، قال صاحب الجواهر في شرحه:

بل في كشف اللثام أنه مذهب المعظم بل هو المشهور نقلا و تحصيلا فتوى و عملا شهرة عظيمة سيما بين المتأخرين، بل في الرياض أن عليه عامتهم إلا من ندر، بل في المعتبر أن عليه عمل الأصحاب كما عن التذكرة بل عن السرائر الاجماع عليه ….

أقول: لا إشكال في أن المدار في دخول الليل و انتهاء النهار هو سقوط الشمس عن الافق و غيبوبة الشمس عن الأبصار و الأنظار و حلول السواد محل بياض النهار، و لكن البحث في أن سقوط الشمس عن أي الافق مدار نهاية النهار و دخول الليل، فالأفق الظاهري هو ما يحيط به خط موهوم يخرج من عين الناظر و يتصل بمنتهى الافق في الأرض المستوية بحيث إذا هبطت عنه الشمس تغيب عن عين الناظر، و الافق الحقيقي هو ما يحيط به دائرة متوهمة يمر بمركز الأرض من تحت رجل الناظر بحيث إذا جاوزت عنه الشمس تقع محاذية للقسم الأسفل من الكرة الأرضية، فسقوط الشمس عن الافق الظاهري محسوسة في الأرض المستوية و أما سقوطه عن الافق المركزي فيعلم بعلامة و هى ذهاب الحمرة المشرقية الحادثة أوان غيبوبة الشمس عن الافق الظاهري كان، فينبغي أن يقال أنه لا خلاف في ان حقيقة المغرب هو سقوط القرص كما أنه لا خلاف بين الامامية في اعتبار ذهاب الحمرة علامة للمغرب، إنما الكلام في تحقيق معنا ذهاب الحمرة عن المشرق، ففسره بعضهم بانه عبارة عن ارتفاع الحمرة إلى فوق الرأس ثم هبوطها إلى افق المغرب و ظهورها هناك، و لكنه ليس بصحيح، لأن الحمرة المشرقية ترتفع عن الافق إلى فوق القامة ثم تمحو و تضمحل و لا مفهوم لتجاوز الحمرة عن فوق الرأس بهذا المعنى.

و فسره بعضهم بارتفاع الحمرة عن افق المشرق إلى ما يتجاوز قامة إنسان معتدل بحيث إذا توهم قيام إنسان في الافق الشرقي و قيس الحمرة المرتفعة معه‏ كانت الحمرة فوق رأسه فيصح أن يقال إن الحمرة جاوزت عن الرأس، و هذا هو الصحيح.

فالحاصل أن المغرب يدخل بسقوط الشمس عن الافق المركزي و علامته ارتفاع الحمرة عن افق المشرق فوق القامة و إن كانت باقية بعد، و هذا هو المراد من تجاوز الحمرة قمة الرأس، كما ورد في مرسل ابن أبي عمير الذي وصفه في الجواهر بأنه في قوة المسند عن الصادق عليه السلام وقت سقوط القرص و وقت الافطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة و تتفقد التي ترتفع من المشرق فاذا جاوزت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار و سقط القرص- انتهى.

و هذا هو مراد ابن أبي عقيل فيما حكى عنه كما في الجواهر:

«أول وقت المغرب سقوط القرص، و علامة ذلك أن يسود افق السماء من المشرق و ذلك الليل» فانه لا معنى لتجاوز الحمرة عن قمة الرأس إلا ارتفاعها فوق القامة فانها بعد ذلك تضمحل و تمحو فان ظهور هذا الحمرة إنما هو من تجلي أشعة الشمس في الطبقة البخارية الهوائية حول الافق.

و يؤيد ذلك ما رواه في الجواهر عن كتاب محمد بن علي بن محبوب، قال:أمرت أبا الخطاب أن يصلي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب و كان يصلي حين يغيب الشفق.

هذا، و لم يتعرض عليه السلام في كتابه هذا لبيان آخر وقت‏ صلاة المغرب‏ و قد عرفت أنه يمتد إلى نصف‏ الليل‏ و إن اختص من آخره مقدار أربع ركعات‏ بصلاة العشاء.ثم قال عليه السلام‏ (و صلوا بهم العشاء حين يتواري الشفق الى ثلث الليل).

فقد فسر الشفق‏ بالحمرة المغربية، قال في الشرح المعتزلي: فأما وقت‏ العشاء فقال الشعافعي: هو أن يغيب‏ الشفق‏ و هو الحمرة- إلى أن قال: و قد حكينا مذهب أبي حنيفة فيما تقدم و هو أن يغيب‏ الشفق‏ الذي هو البياض و به قال زفر و المزني- انتهى.

فقد ترى اختلاف الفقهاء في أن‏ الشفق‏ هو الحمرة المغربية القليلة البقاء بعد غروب الشمس أو البياض الباقي في افق المغرب إلى ما يقرب ساعتين من الليل، و قد فسر بعض الفقهاء الشفق‏ بالحمرة المغربية فقال بضيق وقت‏ المغرب‏ و نافلتها حيث إن هذا الوقت لا يكفي إلا لأداء فريضة المغرب‏ و نافلتها، و الظاهر أن المراد من‏ الشفق‏ في كلامه عليه السلام هو البياض الساطع بعد غروب‏ الشمس‏ إلى مقدار ساعة و نصف من‏ الليل‏ تقريبا فانه المعهود لأداء صلاة العشاء عند تفريقها عن‏ صلاة المغرب‏، و عليه جرت السنة و السيرة في مدينة الرسول صلى الله عليه و آله إلى عصرنا هذا.

و حدد عليه السلام آخر وقت أداء صلاة العشاء بمضي‏ ثلث الليل‏ و ظاهره سعة وقت إقامة الجماعة في‏ صلاة العشاء إلى ثلث الليل‏ باختلاف وضع البلدان و اختلاف الليل و النهار في الفصول المختلفة و ليس المقصود أن‏ ثلث الليل‏ نهاية وقت‏ صلاة العشاء على وجه الاطلاق، لما عرفت مما ذكرنا أن هذا الكتاب ليس بصدد بيان الأوقات بحدودها، بل المقصود منه دستور لإقامة الجماعة في وقت مناسب لها.

و أما الغداة فقال عليه السلام كنايه‏ (و صلوا بهم الغداة و الرجل يعرف وجه صاحبه) و هذا التعبير كناية عن بسط ضوء الفجر بحيث يعرف‏ الرجل صاحبه‏ إذا نظر إليه كما عبر في القرآن الكريم عن الفجر الصادق بقوله عز من قائل «حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر» ففسره بعضهم بأن المراد منه بسط ضوء الصباح إلى حيث يمتاز الخيط الأسود من الخيط الأبيض لأصحاب العيون الصحيحة، بناء على أن لفظة من في قوله تعالى «من الفجر» للتعليل فالمقصود أن الفجر يعتبر من بسط الضوء إلى حيث يكشف الظلمة و يتبين الأشياء فيمتاز الخيط الأسود من الخيط الأبيض أو يعرف الرجل وجه صاحبه‏ إذا لم يكن هناك مانع من غيم أو سقف أو غيرهما.

و قد وصى عليه السلام امراءه بعد بيان أوقات الجماعة بأمرين:

1- مراعاة حال الضعفاء في‏ الصلاة بترك التطويل و أداء المستحبات في الركوع و السجود فيصعب الأمر على الضعفاء و يرد عليهم المشقة فيبغضون الجماعة.

2- ترك الفتنة في إقامة الجماعة و هي على وجوه:

الالف- أى لا تفتنوا الناس بإتعابهم و إدخال المشقة عليهم بإطالة الصلاة و إفساد صلاة المأمومين بما يفعلونه من أفعال مخصوصة …، هكذا فسره في الشرح المعتزلي.

ب- وجه الفتنة هنا أنهم يكونون صادفين للناس عن الاتفاق و التساعد على الجماعة باطالتها المستلزمة لتخلف العاجزين و الضعفاء، هكذا فسره ابن ميثم «ص 134 ج 5».أقول: و أنت ترى أن كلا التفسيرين متشابهان و كأنه تكرار للأمر الأول.

ج- أن يكون المراد من النهي عن الفتنة عدم التوسل بالمأمومين و اجتماعهم لاثارة الخلاف و الصول على المخالفين أو عدم الافتتان بالصفوف المرتصة خلفهم فيدخلهم الكبرياء و العجب، فتدبر.

الترجمة

از يك نامه‏اى كه در معنى نماز بفرماندهان بلاد نگاشت.

أما بعد نماز ظهر را براى مردم بخوانيد تا گاهى كه سايه خورشيد باندازه خوابگاه گوسفندى بر گردد، و نماز عصر را هنگامى براى آنان بخوانيد كه خورشيد پرتو افكن و زنده است و قسمتى از روز باقى است باندازه‏اى كه بتوان مقدار دو فرسخ در آن طى مسافت كرد (پياده يا با چهارپا)، نماز مغرب را در آن گاه برايشان بخوانيد كه روزه‏دار افطار كند و حاج از عرفات كوچ كنند «بسوى منى»، و نماز عشا را در آن گاه برايشان بخوانيد كه شفق نهان مى ‏شود تا يك سوم أز شب، و نماز بامداد را در آن گاه بخوانيد كه هر مردى چهره مصاحب خود را مى ‏شناسد، نماز را برابر توانائى ضعيف‏ترين مردم بخوانيد، و در نماز فتنه جو مباشيد.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 50 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 51 صبحی صالح

51- و من كتاب له ( عليه ‏السلام  ) إلى عماله على الخراج‏

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَصْحَابِ الْخَرَاجِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَحْذَرْ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ لَمْ يُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ مَا يُحْرِزُهَا

وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَا كُلِّفْتُمْ بِهِ يَسِيرٌ وَ أَنَّ ثَوَابَهُ كَثِيرٌ وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْبَغْيِ وَ الْعُدْوَانِ عِقَابٌ يُخَافُ لَكَانَ فِي ثَوَابِ اجْتِنَابِهِ مَا لَا عُذْرَ فِي تَرْكِ طَلَبِهِ

فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَ اصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ وَ وُكَلَاءُ الْأُمَّةِ وَ سُفَرَاءُ الْأَئِمَّةِ وَ لَا تُحْشِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ وَ لَا تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ

وَ لَا تَبِيعُنَّ لِلنَّاسِ فِي الْخَرَاجِ كِسْوَةَ شِتَاءٍ وَ لَا صَيْفٍ وَ لَا دَابَّةً يَعْتَمِلُونَ عَلَيْهَا وَ لَا عَبْداً

وَ لَا تَضْرِبُنَّ أَحَداً سَوْطاً لِمَكَانِ دِرْهَمٍ وَ لَا تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مُصَلٍّ وَ لَا مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ تَجِدُوا فَرَساً أَوْ سِلَاحاً يُعْدَى بِهِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدَعَ ذَلِكَ فِي أَيْدِي أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونَ شَوْكَةً عَلَيْهِ

وَ لَا تَدَّخِرُوا أَنْفُسَكُمْ نَصِيحَةً وَ لَا الْجُنْدَ حُسْنَ سِيرَةٍ وَ لَا الرَّعِيَّةَ مَعُونَةً وَ لَا دِينَ اللَّهِ قُوَّةً

وَ أَبْلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ اصْطَنَعَ عِنْدَنَا

 وَ عِنْدَكُمْ أَنْ نَشْكُرَهُ بِجُهْدِنَا وَ أَنْ نَنْصُرَهُ بِمَا بَلَغَتْ قُوَّتُنَا وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

مختار الخمسون من كتبه عليه السلام و من كتاب له عليه السلام الى عماله على الخراج‏

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أصحاب الخراج:

أما بعد، فإن من لم يحذر ما هو صائر إليه لم يقدم لنفسه ما يحرزها، و اعلموا أن ما كلفتم يسير، و أن ثوابه كثير، و لو لم يكن فيما نهى الله عنه من البغى و العدوان عقاب يخاف لكان في ثواب اجتنابه ما لا عذر في ترك طلبه، فأنصفوا الناس من‏

أنفسكم، و اصبروا لحوائجهم، فإنكم خزان الرعية، و وكلاء الامة، و سفراء الأئمة، و لا تحشموا أحدا عن حاجته، و لا تحبسوه عن طلبته، و لا تبيعن للناس في الخراج كسوة شتاء و لا صيف و لا دابة يعتملون عليها و لا عبدا، و لا تضربن أحدا سوطا لمكان درهم، و لا تمسن مال أحد من الناس مصل و لا معاهد إلا أن تجدوا فرسا أو سلاحا يعدى به على أهل الإسلام فإنه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام فيكون شوكة عليه، و لا تدخروا أنفسكم نصيحة، و لا الجند حسن سيرة، و لا الرعية معونة، و لا دين الله قوة، و أبلوا في سبيل الله ما استوجب عليكم، فإن الله سبحانه قد اصطنع عندنا و عندكم أن نشكره بجهدنا، و أن ننصره بما بلغت قوتنا، و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

اللغة

(السفير): الرسول، (حشمته) و احتشمته بمعنى: أى أغضبته و أخجلته، (الشوكة): القوة، (أبليته): أعطيته.

الاعراب‏

عقاب: اسم لم يكن اخر عن خبره، يخاف: فعل مبني للمفعول المستتر فيه و الجملة صفة لقوله عقاب، ما لا عذر: ما نكرة موصوفة بما بعده و هو اسم مكان.

لا تبيعن: نهى مؤكد بنون التأكيد الثقيلة، كسوة شتاء: مفعول، اصطنع:افتعال من صنع أى أعطى، أن نشكره: بمنزلة المفعول له لقوله: اصطنع بحذف اللام أى لأن نشكره، قال في الشرح المعتزلي: و حذفها أكثر نحو قوله تعالى «لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم‏ 80- المائدة».

المعنى‏

قد نظم عليه السلام في كتابه هذا الاقتصاد العمومي و اعتمد في نظمه هذا على الايمان و الأخلاق، فان أكثر ما يصل إلى بيت المال في ذلك الزمان يجتمع من أموال الزكاة التي تتعلق بالمسلمين فيما يجب عليه الزكاة من الغلات الأربعة و الأنعام الثلاثة و الذهب و الفضة المسكوكتين بشرائطها المقررة في الفقه الاسلامي و من أموال الخراج التي تؤخذ من أهل الذمة و المعاهدين الذين يعملون في الأراضي المفتوحة عنوة، فان هذه الأراضي ينتقل إلى ملك المسلمين عموما فتسلم إلى من يعمل فيها قبال سهم من زراعتها أو مقدار معين من النقود و الأول يسمى بالمقاسمة و الثاني بالخراج.

قال ابن هشام في سيرته «ص 241 ج 2 ط مصر»: فأخبرني ابن هشام أن رسول الله صلى الله عليه و آله افتتح خيبر عنوة بعد القتال و كانت خيبر مما أفاء الله عز و جل على رسول الله صلى الله عليه و آله و خمسها رسول الله صلى الله عليه و آله و قسمها بين المسلمين و نزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال فدعاهم رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: إن شئتم دفعت إليكم هذا الأموال على أن تعملوها و تكون ثمارها بيننا و بينكم و أقركم ما أقركم الله، فقبلوا فكانوا على ذلك يعملونها و كان رسول الله صلى الله عليه و آله يبعث عبد الله بن رواحة فيقسم ثمرها و يعدل عليهم في الخرص.

و قد نظم أمر الخراج‏ في البلاد التي استولى عليه المسلمون بعد ذلك من بلاد الروم و فارس، و قد بعث عمر أيام حكومته عبد الله بن مسعود و حذيفة بن يمان لمساحة الأراضي العامرة في عراق و ضرب الخراج فحسبوها ثلاثين ألف ألف جريب من مزارع الحنطة و الشعير و النخل فضربوا على كل جريب من النخيل‏ ثمانية دراهم و من الحنطة درهمين و من الشعير أقل من ذلك، فكان الخراج يبلغ مأئة و سبعون ألف ألف درهم، و كان مهمة الحكومة الاسلامية تحصيل هذا الخراج و حفظه و إيصاله إلى موارده و مصارفه، فكان عمال الخراج من عمد النظام في عالم الاسلام، و كان يعتمد على تقواهم و دينهم في ذلك و قد نبههم عليه السلام على ذلك و حذرهم من الخيانة و التسامح في أموال المسلمين فابتدأ كلامه بقوله:

(فان من لم يحذر ما هو سائر إليه، لم يقدم لنفسه ما يحرزها) أشار إلى أن المسير هو الموت و لقاء الله العالم بكل خفية و خائنة فمن اهتمه أمر نفسه فلا بد من الحذر من موارد الهلكة و العقاب، و نبه على أن اشتغالهم بأمر الخراج‏ لا بد و أن يكون باعتبار إطاعة الله‏ و وليه فيما يلزم عليهم و يكون في عهدتهم لا باعتبار ما ينالونه من الاجرة المالية في هذا العمل بما هو حلال لهم، فقال عليه السلام: (ما كلفتم يسير و إن ثوابه كثير) و أكد ذلك بقوله: (لو لم يكن فيما نهى الله عنه من البغي و العدوان عقاب يخاف، لكان في ثواب اجتنابه ما لا عذر في ترك طلبه).

ثم حرضهم على رعاية العدل و الانصاف في أخذ الخراج‏ و إيصاله إلى مصارفه، قال ابن هشام في سيرته (ص 239 ج 2 ط مصر): فكان رسول الله صلى الله عليه و آله كما حدثني عبد الله بن أبي بكر- يبعث إلى أهل خيبر عبد الله بن رواحة خارصا بين المسلمين و يهود فيخرص عليهم فاذا قالوا: تعديت علينا قال: إن شئتم فلكم و إن شئتم فلنا فتقول يهود: بهذا قامت السماوات و الأرض.

ثم وصف عمال الخراج بألقاب شامخة ثلاثة:

1- جعلهم‏ خزان الرعية فيلزم عليهم رعاية الأمانة و ترك الخيانة.

2- جعلهم‏ و كلاء الامة فلا بد لهم من رعاية العدالة و المصلحة في ما حول إليهم من أمر الامة.

3- جعلهم‏ سفراء الأئمة فلا بد لهم من حفظ مقام سفارتهم برعاية الصحة و الأمانة في ما تحت أيديهم.

ثم نهاهم عن إظهار الحشمة و الهيبة تجاه‏ الناس‏ ليمنعوهم عن إظهار حوائجهم‏

و يحبسوهم عن مطالبهم.

ثم استثنى من‏ الخراج‏ لوازم المعيشة من اللباس و دواب العمل و العبد الخادم و نهى عن ضرب‏ الناس‏ في تحصيل‏ الخراج‏ و عن مصادرة أموالهم و إن كانوا كفارا في ذمة الاسلام‏ و عهده إلا أن يكون مما يعين به على مخالفة الاسلام‏ و تقوية أعداء الاسلام‏ من‏ الفرس و السلاح‏ فلا بد من ضبطها لدفع مادة الفساد و حفظ الأمن في البلاد الاسلامية.

ثم وصاهم امورا أربعة:

1- بذل النصح لأنفسهم.

2- و حسن السيرة مع الجنود الذين يضحون أنفسهم في سبيل تقوية الاسلام.

3- و إعانة الرعية فيما يقويهم على العمل و الاكتساب لتوفير الفوائد و مزيد الدخل القومي.

4- تقوية الدين‏ بالتبليغ و المواظبة على العمل بقوانينه.

ثم أمرهم بالجد في سبيل‏ ما أوجب‏ الله عليهم‏ من التكاليف و ضبط الخراج‏ و رعاية الأمانة فيه لأداء شكر الله تعالى في قبال نعمة الاسلام‏ و التسلط على‏ الأعداء و بلادهم و نعمهم.

الترجمة

از نامه‏اى كه بكارمندان خراج نگاشت:

از طرف بنده خدا علي امير مؤمنين بأصحاب خراج أما بعد هر كس از سرانجامى كه بدان در حركت است نهراسد براى خود پيشگيرى لازم را مراعات نكرده است، بدانيد اين وظيفه‏اى كه بشما واگذار شده اندك است و ثوابش بسيار است، اگر در ارتكاب آنچه خداوند از آن نهى كرده از ستمگرى و تجاوز عقوبتى بيمناك نبود همان درك ثواب اجتناب از آن براى قطع عذر در ترك اطاعت فرمان خدا بس بود.

از طرف خود نسبت بمردم انصاف را رعايت كنيد و در برابر انجام حوائج‏ و نيازمنديهاى آنان شكيبا باشيد زيرا شماها خزانه داران رعيت و وكلاء امت و سفيران أئمه هستيد، هيچكس را از نيازى كه دارد گرفتار حشمت خود نسازيد و او را از تقاضايش باز نداريد.

براى تحصيل خراج از مردم جامه تن آنها را چه تابستانى باشد و چه زمستاني نفروشيد و حيوانى كه وسيله كار آنها است از گاو و الاغ نفروشيد و بنده و خدمتكار را هم بفروش نرسانيد.

بخاطر يك درهم بدهى خراج احدى را يك تازيانه نزنيد، بمال احدى چه مسلمان باشد و چه كافر در پناه اسلام دست درازى نكنيد، مگر اين كه اسب يا ساز و برگ جنگ باشد كه وسيله تجاوز بأهل اسلام گردد كه براى مسلمان نشايد كه نيروى جنگى را در دست دشمنان اسلام وانهد و وسيله شوكت آنها در برابر مسلمانان گردد.

از نصيحت و اندرز خود دريغ نكنيد و از خوشرفتارى با قشونى ‏ها كوتاهى نكنيد، از كمك برعيت خوددارى ننمائيد و از تقويت و تأييد دين خدا باز نايستيد در راه آنچه خدا بر شما واجب كرده تلاش كنيد، زيرا خداوند بما و شماها احسان كرده و نعمت بخشيده تا با همه كوشش خود شكر او را بگزاريم و تا آنجا كه نيروى ما برسد او را يارى كنيم و جنبش و توانى نيست جز بخداوند والا و بزرگوار.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی