خطبه 110 شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبة له عليه السّلام
وَ أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَةٍ- وَ لَيْسَتْ بِدَارِ نُجْعَةٍ- قَدْ تَزَيَّنَتْ بِغُرُورِهَا- وَ غَرَّتْ بِزِينَتِهَا- هَانَتْ عَلَى رَبِّهَا فَخَلَطَ حَلَالَهَا بِحَرَامِهَا- وَ خَيْرَهَا بِشَرِّهَا وَ حَيَاتَهَا بِمَوْتِهَا وَ حُلْوَهَا بِمُرِّهَا- لَمْ يُصْفِهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَوْلِيَائِهِ- وَ لَمْ يَضِنَّ بِهَا عَلَى أَعْدَائِهِ- خَيْرُهَا زَهِيدٌ وَ شَرُّهَا عَتِيدٌ- وَ جَمْعُهَا يَنْفَدُ وَ مُلْكُهَا يُسْلَبُ‏ وَ عَامِرُهَا يَخْرَبُ- فَمَا خَيْرُ دَارٍ تُنْقَضُ نَقْضَ الْبِنَاءِ- وَ عُمُرٍ يَفْنَى فِيهَا فَنَاءَ الزَّادِ- وَ مُدَّةٍ تَنْقَطِعُ انْقِطَاعَ السَّيْرِ- اجْعَلُوا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِكُمْ وَ اسْأَلُوهُ مِنْ أَدَاءِ حَقِّهِ مَا سَأَلَكُمْ- وَ أَسْمِعُوا دَعْوَةَ الْمَوْتِ- آذَانَكُمْ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى بِكُمْ- إِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وَ إِنْ ضَحِكُوا- وَ يَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وَ إِنْ فَرِحُوا- وَ يَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَ إِنِ اغْتَبَطُوا بِمَا رُزِقُوا- قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الْآجَالِ- وَ حَضَرَتْكُمْ كَوَاذِبُ الْآمَالِ- فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلَكَ بِكُمْ مِنَ الْآخِرَةِ- وَ الْعَاجِلَةُ أَذْهَبَ بِكُمْ مِنَ الْآجِلَةِ- وَ إِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ- مَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ إِلَّا خُبْثُ السَّرَائِرِ- وَ سُوءُ الضَّمَائِرِ- فَلَا تَوَازَرُونَ وَ لَا تَنَاصَحُونَ- وَ لَا تَبَاذَلُونَ وَ لَا تَوَادُّونَ- مَا بَالُكُمْ تَفْرَحُونَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا تُدْرِكُونَهُ- وَ لَا يَحْزُنُكُمُ الْكَثِيرُ مِنَ الْآخِرَةِ تُحْرَمُونَهُ- وَ يُقْلِقُكُمُ الْيَسِيرُ مِنَ الدُّنْيَا يَفُوتُكُمْ- حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِكُمْ- وَ قِلَّةِ صَبْرِكُمْ عَمَّا زُوِيَ مِنْهَا عَنْكُمْ- كَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِكُمْ وَ كَأَنَّ مَتَاعَهَا بَاقٍ عَلَيْكُمْ- وَ مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ بِمَا يَخَافُ مِنْ عَيْبِهِ- إِلَّا مَخَافَةُ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ بِمِثْلِهِ- قَدْ تَصَافَيْتُمْ عَلَى رَفْضِ الْآجِلِ وَ حُبِّ الْعَاجِلِ- وَ صَارَ دِينُ أَحَدِكُمْ لُعْقَةً عَلَى لِسَانِهِ- صَنِيعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَ أَحْرَزَ رِضَا سَيِّدِهِ‏

اللغة
أقول: يقال: هذا منزل قلعة بضمّ القاف: أى لا يصلح للاستيطان. و النجعة بضمّ النون: طلب الكلاء. و العتيد: المهيّأ المعدّ. و اللعقة بالضمّ: اسم لما تأخذه الملعقة.

و في هذا الفصل نكت:

فالاولى: التحذير من الدنيا و الاستدراج إلى تركها بذكر معايبها
و ذلك من أوّل الفصل إلى قوله: انقطاع السير. فأشار أوّلًا إلى أنّها لا تصلح للاستيطان و طلب الكلاء، و كنّى به عمّا ينبغي أن يطلب من الخيرات الباقية الّتى هى محلّ الأمن و السرور الدائم. و ثانيا إلى أنّ زينتها سبب لاستغفالها الخلق و الاغترار بها سبب لاستحسانها.
فإن قلت: فقد جعل الزينة سببا للغرور، و الغرور سببا للزينة و ذلك دور.
قلت: إنّما جعل الزينة سببا للاستغرار، و الغرور سببا لاستحسانها و عدم التنبّه لمعايبها. فلا دور. و ثالثا: أنّها هانت على ربّها: أى لم تكن العناية الآلهيّة إليها بالذات فلم تكن خيرا محضا بل كان كلّ ما فيها ممّا يعدّ خيرا مشوبا بشرّ يقابله، و ذلك بحسب الممكن فيها و زهادة خيرها بالنسبة إلى خير الآخرة.

الثانية: التأديب بأوامر:
أحدها: أن يجعلوا فرائض اللّه عليهم من جملة ما يطلبونه منه، و الغرض أن تصير محبوبة لهم كمحبّتهم لما يسألونه من مال و غيره فيواظبوا على العمل بها. الثاني: أن يسألوه أداء حقّه عنهم، و ذلك بالإعانة و التوفيق و الإعداد لذلك كما سألهم أداء حقّه، و الغرض أيضا أن يصير الأداء مهمّا لهم محبوبا إليهم، و نحوه في الدعاء المأثور: ألّلهمّ إنّك سألتنى من نفسى ما لا أملكه إلّا بك فأعطنى منها ما يرضيك عنّى. الثالث: أن يسمعوا داعى الموت آذانهم: أى يقصدون سماع كلّ لفظ يخوّف الموت و أهواله، و ذلك بالجلوس مجالس الذكر و محاضرة الزاهدين في الدنيا، و فائدة ذكر الموت تنغيص اللذّات الدنيويّة كما قال عليه السّلام: أكثروا ذكر هادم اللذّات.

الثالثة: شرح حال الزاهدين في الدنيا
ليهتدى من عساه أن ينجذب إلى اللّه إلى‏ كيفيّة طريقتهم فيقتدى بهم. فذكر لهم أوصافا: الأوّل: أنّهم تبكى قلوبهم و إن ضحكوا، و ذلك إشارة إلى دوام حزنهم لملاحظتهم الخوف من اللّه فإن ضحكوا مع ذلك فمعاملة مع الخلق. الثاني: أنّهم يشتدّ حزنهم و إن فرحوا. و هو قريب ممّا قبله. الثالث: أنّه قد يكثر لبعضهم متاع الحياة الدنيا و لكنّهم يتمرّدون على أنفسهم فيتركون الالتفات إليها بالزينة و طاعتها فيما تدعوهم إليه من متاع الحياة الدنيا الحاضرة و إن غبطهم غيرهم بما قسّم لهم من رزق.

الرابعة: تعنيف السامعين على ما هم عليه من الأحوال المضرّة في الآخرة
و ذلك بالغفلة عن ذكر الأجل و استحضارهم للآمال الكاذبة و غيرها من الأحوال المذكورة. إلى آخر الفصل، و محلّ- تدركونه و تحرمونه و يفوتكم- النصب على الحال، و- قلّة صبركم- عطف على وجوهكم: أى حتّى يتبيّن ذلك الفلق في وجوهكم و في قلّة صبركم عمّا غيّب عنكم منها. و قوله: و ما يمنع أحدكم أن يستقبل أخاه. إلى آخره. أى ما يمنع أحدكم من لقاء أخيه لعيبه و لأئمته عليه إلّا الخوف منه أن يلقاه بمثله لمشاركته إيّاه فيه كما صرّح به في قوله: تصافيتم على رفض الآجل. إلى آخره، و استعار لفظ اللعقة لما ينطق به من شعار الإسلام و الدين كالشهادتين و نحوهما من دون ثبات ذلك في القلب و رسوخه و العمل على وفقه، و- صنيع- نصب على المصدر: أى صنعتم صنيعا مثل صنيع من أحرز رضا سيّده بقضاء ما أمره به، و وجه التشبيه الاشتراك في الترك و الإعراض عن العمل. و باللّه التوفيق.


شرح‏ نهج ‏البلاغة(ابن ‏ميثم بحرانی)، ج 3 ، صفحه‏ى 93

 

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.