خطبه 122شرح ابن میثم بحرانی

 و من كلام له عليه السّلام في حث أصحابه على القتال

فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ وَ أَخِّرُوا الْحَاسِرَ- وَ عَضُّوا عَلَى الْأَضْرَاسِ- فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ- وَ الْتَوُوا فِي أَطْرَافِ الرِّمَاحِ فَإِنَّهُ أَمْوَرُ لِلْأَسِنَّةِ- وَ غُضُّوا الْأَبْصَارَ فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ وَ أَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ- وَ أَمِيتُوا الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ- وَ رَايَتَكُمْ فَلَا تُمِيلُوهَا وَ لَا تُخِلُّوهَا- وَ لَا تَجْعَلُوهَا إِلَّا بِأَيْدِي شُجْعَانِكُمْ- وَ الْمَانِعِينَ الذِّمَارَ مِنْكُمْ- فَإِنَّ الصَّابِرِينَ عَلَى نُزُولِ الْحَقَائِقِ- هُمُ الَّذِينَ يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِمْ- وَ يَكْتَنِفُونَهَا حِفَافَيْهَا وَ وَرَاءَهَا وَ أَمَامَهَا- لَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْهَا فَيُسْلِمُوهَا- وَ لَا يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهَا فَيُفْرِدُوهَا أَجْزَأَ امْرُؤٌ قِرْنَهُ وَ آسَى أَخَاهُ بِنَفْسِهِ- وَ لَمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إِلَى أَخِيهِ- فَيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ قِرْنُهُ وَ قِرْنُ أَخِيهِ- وَ ايْمُ اللَّهِ لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ سَيْفِ الْعَاجِلَةِ- لَا تَسْلَمُوا مِنْ‏ سَيْفِ الْآخِرَةِ- وَ أَنْتُمْ لَهَامِيمُ الْعَرَبِ وَ السَّنَامُ الْأَعْظَمُ- إِنَّ فِي الْفِرَارِ مَوْجِدَةَ اللَّهِ وَ الذُّلَّ اللَّازِمَ وَ الْعَارَ الْبَاقِيَ- وَ إِنَّ الْفَارَّ لَغَيْرُ مَزِيدٍ فِي عُمُرِهِ- وَ لَا مَحْجُوزٍ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ يَوْمِهِ- الرَّائِحُ إِلَى اللَّهِ كَالظَّمْآنِ يَرِدُ الْمَاءَ- الْجَنَّةُ تَحْتَ أَطْرَافِ الْعَوَالِي- الْيَوْمَ تُبْلَى الْأَخْبَارُ- وَ اللَّهِ لَأَنَا أَشْوَقُ إِلَى لِقَائِهِمْ مِنْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ- اللَّهُمَّ فَإِنْ رَدُّوا الْحَقَّ فَافْضُضْ جَمَاعَتَهُمْ- وَ شَتِّتْ كَلِمَتَهُمْ وَ أَبْسِلْهُمْ بِخَطَايَاهُمْ إِنَّهُمْ لَنْ يَزُولُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ- دُونَ طَعْنٍ دِرَاكٍ يَخْرُجُ مِنْهُ النَّسِيمُ- وَ ضَرْبٍ يَفْلِقُ الْهَامَ وَ يُطِيحُ الْعِظَامَ- وَ يُنْدِرُ السَّوَاعِدَ وَ الْأَقْدَامَ- وَ حَتَّى يُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ تَتْبَعُهَا الْمَنَاسِرُ- وَ يُرْجَمُوا بِالْكَتَائِبِ تَقْفُوهَا الْحَلَائِبُ- وَ حَتَّى يُجَرَّ بِبِلَادِهِمُ الْخَمِيسُ يَتْلُوهُ الْخَمِيسُ- وَ حَتَّى تَدْعَقَ الْخُيُولُ فِي نَوَاحِرِ أَرْضِهِمْ- وَ بِأَعْنَانِ مَسَارِبِهِمْ وَ مَسَارِحِهِمْ قال الشريف: أقول: الدعق: الدق، أى: تدق الخيول بحوافرها أرضهم، و نواحر أرضهم: متقابلاتها، يقال: منازل بنى فلان تتناحر، أى: تتقابل أقول: هذا الكلام. قاله بصفّين.

اللغة

أمور: أشدّ حركة و نفوذا. و الجأش: روعة القلب و اضطرابه عند الخوف. و الذمار: ما وراء الرجل ممّا يجب عليه حمايته، و حفافا الشي‏ء: جانباه. و لهاميم العرب: أجوادهم. و الموجدة: الغضب. و أبسلهم: أسلمهم للهلكة. و العوالى: جمع عالية: الرمح، و هو ما دخل منه إلى ثلثه. و النسيم: النفس. و المنسر: القطعة من الجيش، و كذلك الخميس: الجيش. و النواحر: جمع نحيرة و هى آخر ليلة من‏ الشهر مع يومها كأنّها تنحر الشهر المستقبل فيكون مراده بنواحر أرضهم أقاصيها. و أعنان مساربهم: أقطارها و ما اعترض منها. و مساربهم: مراعيهم واحدتها مسربة و هكذا مسارحهم: واحدتها مسرحة.

المعنى

و قد أمرهم بأوامر في مصلحة الحرب و كيفيّتها و نهاهم مناهى: فأوّلها:

الأمر بتقديم الدارع و تأخير الحاسر. و المصلحة فيه ظاهرة.

الثاني: العضّ على الأضراس. و حكمته ما سبق في قوله: معاشر المسلمين استشعروا الخشية، و في قوله لابنه محمّد بن الحنفيّة: تزول الجبال و لا تزل، و قد كرّره هنا أيضا.

الثالث: الالتواء في أطراف الرماح. و علّته ما ذكر، و هو أنّه إذا التوى الإنسان مع الرمح حال إرساله كان الرمى به أشدّ، و ذلك لحركة صدر الإنسان بعد التوائه مع حركة يده حين الإرسال فكانت حركته أشدّ و أقوى نفوذا.

الرابع: غضّ الأبصار. و فائدته ما ذكر من كونه أربط لاضطراب القلب و أسكن، و ضدّ ذلك مدّ البصر إلى القوم فإنّه مظنّة الخوف و الفشل و علامة لهما عند العدوّ.

الخامس: إماتة الأصوات. و فائدته أيضا طرد الفشل، إذ كانت كثرة اللغط (اللفظ خ) و الصياخ علامة لخوف الصائخ، و ذلك مستلزم لطمع العدوّ فيه و جرئته عليه.

السادس: قوله: و رايتكم فلا تميلوها. فإنّ إمالتها ممّا يظنّ به العدوّ تشويشا و اضطراب حال فيطمع و يقدم، و لأنّها إذا اميلت تغيب عن عيون الجيش فربّما لا يهتدى كثير منهم للوجه المطلوب.

السابع: و لا تخلّوها. و سيفسّر هو التخلية.

الثامن: لا تجعلوها. إلى قوله: منكم. و ذلك أنّها أصل نظام العسكر و عليها يدور و بها يقوى قلوبهم ما دامت قائمة فيجب في ترتيب الحرب أن يكون حاملها أشجع القوم. و قوله: فإنّ الصابرين. إلى قوله: فيفردوها. تخصيص لمن يحفظ الراية و يحفّها بوصف الصبر على نزول الحقائق: أى الشدائد الحقّة المتيقّنة الّتى‏ لا شكّ في نزولها، كى يسارعوا إلى حفظها و الإحاطة بها رغبة في تلك المحمدة، و بيّن بقوله: لا يتأخّرون عنها. إلى قوله: فيفردوها. معنى التخلية الّتى نهاهم عنها، و قوله: فيسلموها و يفردوها. نصب الفعلان بإضمار أن عقيب الفاء في جواب النفى.

التاسع: قوله: أجزء امرؤ قرنه. العاشر: آسى أخاه بنفسه فعلان ماضيان في معنى الامر، و التقدير و ليجزى امرؤ قرنه و هو خصمه و كفوه في الحرب: أى لتقاومه و ليواس أخاه بنفسه في الذبّ عنه و لا يفرّ من قرنه اعتمادا على أخيه في دفعه فيجتمع على أخيه قرنه و قرن أخيه. ثم ذكّرهم عدم الفائدة في الفرار. إذ كانت غاية الفرار السلامة من الموت و هو لا بدّ منه كقوله تعالى قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا«» و استعار لفظ سيف الآخرة للموت. و وجه المشابهة كونهما مبطلين للحياة. و إنّما كان سيف الآخرة لأنّها غايته. ثمّ مدحهم بأوصاف يستقبح معها الفرار، و هى كونهم أجود العرب و السنام الأعظم، و استعار لهم لفظ السنام لمشاركتهم إيّاه في العلوّ و الرفعة. ثمّ أكّد تقبيح الفرار بذكر معايبه، و أنّه لا فائدة فيه أيضا: أمّا معايبه فكونه يستلزم غضب اللّه فإنّ الفارّ من الجهاد في سبيله عاص لأمره و العاصى له مستحقّ لغضبه و عقابه. ثمّ كونه مستلزما للذّل اللازم و العار الباقى في الأعقاب و هو ظاهر، و أمّا أنّه لا فائدة فيه فلأنّ الفارّ لا يزاد في عمره لفراره. إذ علمنا أنّه بفراره لم يبلغ إلّا أجله المكتوب له فكان بقائه في مدّة الفرار من عمره لازيادة فيه و إنّ له يوما في القضاء الإلهىّ لا يحجز بينه و بينه فرار. و فيه تخويف بالموت.

و قوله: رائح إلى اللّه كالظمآن يرد الماء. استفهام عمّن يسلك سبيل اللّه و يروح إليه كما يروح الظمآن استفهاما على سبيل العرض لذلك الرواح، و وجه الشبه القوّة في السير و السعى الحثيث، و أشار بقوله: الجنّة تحت أطراف العوالى. إلى أنّ مطلوبه الرواح إلى اللّه بالجهاد و جذب إليه بذكر الجنّة، و خصّها بجهة تحت لأنّ دخول الجنّة غاية من الحركات بالرماح في سبيل اللّه و تلك الحركات‏ إنّما هي تحت العوالى، و قد أطلق لفظ الجنّة على تلك الأفعال الّتى هى غاية منها مجازا تسمية باسم غايته. ثمّ أعقب ذلك بدعاء اللّه على محاربيه إن ردّوا دعوته الحقّ بالتفريق و الإهلاك. ثمّ حكم بأنّهم لن يزولوا عن مواقفهم دون ما ذكر حكما على سبيل التهديد و الوعيد لهم. و الطعن الدراك: المتدارك. و كنّى بخروج النسيم منه عن كونه بخرق الجوف و الأمعاء بحيث يتنفّس المطعون من الطعنة، و روى النسم، و روى القشم بالقاف و الشين المعجمة و هو اللحم و الشحم و هو بعيد. و باللّه التوفيق.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 3 ، صفحه‏ى 123

 

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.