خطبه۷۹ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام فى صفه الدنیا

مَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَ آخِرُهَا فَنَاءٌ- فِی حَلَالِهَا حِسَابٌ وَ فِی حَرَامِهَا عِقَابٌ- مَنِ اسْتَغْنَى فِیهَا فُتِنَ- وَ مَنِ افْتَقَرَ

فِیهَا حَزِنَ وَ مَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ- وَ مَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ وَ مَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ- وَ مَنْ أَبْصَرَ إِلَیْهَا أَعْمَتْهُ

قال الشریف: أقول: و إذا تامل المتأمل قوله علیه السّلام «من أبصر بها بصرته» وجد تحته من المعنى العجیب و الغرض البعید ما لا تبلغ غایته و لا یدرک غوره، و لا سیما إذا قرن إلیه قوله «و من أبصر إلیها أعمته»، فإنه یجد الفرق بین «أبصر بها» و «أبصر إلیها» واضحا نیرا و عجیبا باهرا

اللغه

أقول: العناء: التعب،

و قد ذکر للدنیا فی معرض ذمّها و التنفیر عنها أوصافا عشره:

الأوّل: کون أوّلها عناء
و هو إشاره إلى أنّ الإنسان من لدن ولادته فی تعب‏ و شقاء، و یکفى فی الإشاره إلى متاعب الإنسان فیها ما ذکره الحکیم برزویه فی صدر کتاب کلیله و دمنه فی معرض تطویع نفسه بالصبر على عیش النسّاک: أو لیست الدنیا کلّها أذى و بلاء أو لیس الإنسان یتقلّب فی ذلک من حین یکون جنینا إلى أن یستوفى أیّامه فإنّا قد وجدنا فی کتب الطبّ أنّ الماء الّذی یقدّر منه الولد السوىّ إذا وقع فی رحم المرأه اختلط بمائها و دمها و غلظ ثمّ الریح تمحص ذلک الماء و الدم حتّى تترکه کالرائب الغلیظ ثمّ تقسمه فی أعضائه لآناء أیّامه فإن کان ذکرا فوجهه قبل ظهر امّه و إن کان انثى فوجهها قبل بطن امّها، و ذقنه على رکبتیه و یداه على جنبیه مقبض فی المشیمه کأنّه مصرور، و یتنفّس من متنفّس شاقّ، و لیس منه عضو إلّا کأنّه مقموط، فوقه حرّ البطن و تحته ما تحته، و هو منوط بمعاء من سرّته إلى سرّه امّه منها یمصّ و یعیش من طعام امّه و شرابها فهو بهذه الحاله فی الغمّ و الظلمات و الضیق حتّى إذا کان یوم ولادته سلّط اللّه الریح على بطن امّه و قوى علیه التحریک فتصوّب رأسه قبل المخرج فیجد من ضیق المخرج و عصره ما یجده صاحب الرهق [الرمق خ‏] فإذا وقع على الأرض فأصابته ریح أو مسّته ید وجد من ذلک من الألم ما لم یجده من سلخ جلده ثمّ هو فی ألوان من العذاب إن جاع فلیس له استطعام، و إن عطش فلیس له استقاء، أو وجع فلیس له استغاثه مع ما یلقى من الرفع و الوضع و اللفّ و الحلّ و الدهن و المرخ، إذا انیم على ظهره لم یستطع تقلّبا. فلا یزال فی أصناف هذا العذاب ما دام رضیعا. فإذا أفلت من ذلک اخذ بعذاب الأدب فاذیق منه ألوانا، و فی الحمیّه و الأدواء و الأوجاع و الأسقام. فإذا أدرک فهمّ المال و الأهل و الولد و الشره و الحرص و مخاطره الطلب و السعى. و کلّ هذا یتقلّب معه فیها أعداؤه الأربعه: المرّه و البلغم و الدم و الریح، و السمّ الممیت و الحیّات اللادغه مع و خوف السباع و الناس و خوف البرد و الحرّ ثمّ ألوان عذاب الهرم لمن بلغه.

الثانی: کون آخرها فناء.
هو تنفیر عنها بذکر غایتها و هو الموت و ما یستصحبه من فراق الأهل و الأحبّه، و الإشراف على أهوانه العظیمه المعضله.

الثالث: کونها فی حلالها حساب.
و هو إشاره إلى ما یظهر فی صحیفه الإنسان یوم القیامه من الآثار المکتوبه علیه ممّا خاض فیه من مباحات الدنیا، و توسّع فیه من المآکل‏ و المشارب و المناکح و المراکب، و ما یظهر فی لوح نفسه من محبّه ذلک فیعوقه عن اللحوق بالمجرّدین عنها الّذین لم یتصرّفوا فیها تصرّف الملّاک فلم یکتب علیه فی شی‏ء منها ما یحاسبون علیه. و إلیه إشاره سیّد المرسلین صلى اللّه علیه و آله و سلّم: إنّ الفقراء لیدخلون الجنّه قبل الأغنیاء بخمس مائه عام، و إنّ فقراء امّتى لیدخلون الجنّه سعیا، و عبد الرحمن یدخلها حبوا. و ما ذاک إلّا لکثره حساب الأغنیا بتعویقهم بثقل ما حملوا من محبّه الدنیا و قیناتها عن اللحوق بدرجه المخفّین منها. و قد عرفت کیفیّه الحساب.

الرابع: کونها فی حرامها عقاب.
و هو تنفیر عمّا یوجب العقاب من الآثام بذکره.

الخامس: کونها من استغنى فیها فتن
أى کانت محبّته لما اقتنى فیها سببا لفتنته و ضلاله عن سبیل اللّه کما قال تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُکُمْ وَ«»

السادس: کونها من افتقر فیها حزن.
و ظاهر أنّ الفقیر الطالب للدنیا غیر الواجد لها فی غایه المحنه و الحزن على ما یفوته منها، و خاصّه ما یفوته بعد حصوله له.

السابع: من ساعاها فاتته.
و أقوى أسباب هذا الفوات أنّ تحصیلها أکثر ما یکون بمنازعه أهلها علیها و مجاذبتهم إیّاها، و قد علمت ثوران الشهوه و الغضب و الحرص عند المجاذبه للشی‏ء و قوّه منع الإنسان له. و تجاذب الخلق للشی‏ء و عزّته عندهم سبب لتفویت بعضهم له على بعض، و فیه تنبیه على وجوب ترک الحرص علیها و الإعراض عنها.
إذ کان فواتها اللازم عن شدّه السعى فی فضلها مکروها للسامعین.

الثامن: کونها من قعد عنها و اتته.
و هو أیضا جذب إلى القعود عنها و ترکها و إن کان الغرض مواتاتها کما یفعله أهل الزهد الظاهرىّ المشوب بالریاء، و قد علمت أنّ الزهد الظاهرىّ مطلوب أیضا للشارع إذ کان وسیله إلى الزهد الحقیقىّ کما قال الرسول صلى اللّه علیه و آله و سلّم: الریاء قنطره الإخلاص. و قد راعى فی القرائن السجع المتوازى.

التاسع: من أبصر بها بصّرته:
أى من جعلها سبب هدایته و بصره استفاد منها البصر و الهدایه، و ذلک أنّک علمت أنّ مقصود الحکمه الإلهیّه من خلق هذا البدن و ما فیه من الآلات و المنافع إنّما هو استکمال نفسه باستخلاص العلوم الکلّیّه و فضایل‏ الأخلاق من تصفّح جزئیّات الدنیا و مقایسات بعضها إلى بعض کالاستدلال بحوادثها و عجائب مخلوقات اللّه فیها على وجوده و حکمته وجوده، و تحصیل الهدایه بها إلى أسرار ملکه فکانت سببا مادّیا لذلک فلأجله صدق أنّها تبصّر من أبصر بها.

العاشر: و من أبصر إلیها أعمته:
أى من مدّ إلیها بصر بصیرته، و تطّلع إلیها بعین قلبه محبّه و عشقا أعمت عین بصیرته عن إدراک أنوار اللّه و الاهتداء لکیفیّه سلوک سبیله.

و إلیه الإشاره بالنهى فی قوله تعالى وَ لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلى‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَهَ الْحَیاهِ الدُّنْیا لِنَفْتِنَهُمْ فِیهِ«» و قد ظهر الفرق بین قوله: من أبصر بها، و من أبصر إلیها، و مدح السیّد لهذا الفصل مدح فی موضعه.

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ى ۲۲۸

بازدیدها: ۷

خطبه ۷۸ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام

أَیُّهَا النَّاسُ الزَّهَادَهُ قِصَرُ الْأَمَلِ- وَ الشُّکْرُ عِنْدَ النِّعَمِ وَ التَّوَرُّعُ عِنْدَ الْمَحَارِمِ- فَإِنْ عَزَبَ ذَلِکَ عَنْکُمْ فَلَا یَغْلِبِ الْحَرَامُ صَبْرَکُمْ-

وَ لَا تَنْسَوْا عِنْدَ النِّعَمِ شُکْرَکُمْ- فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَیْکُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَهٍ ظَاهِرَهٍ- وَ کُتُبٍ بَارِزَهِ الْعُذْرِ وَاضِحَهٍ

اللغه

أقول: عزب: ذهب و بعد.

و أعذر: أظهر عذره.

و مسفره: مشرقه.

المعنى

و أعلم أنّ قوله: أیّها الناس. إلى قوله: عند المحارم. تفسیر للزهد

و قد رسمه بثلاثه لوازم له:

الأوّل: قصور الأمل. و لمّا علمت فیما سلف أنّ الزهد هو إعراض النفس عن متاع الدنیا و طیّباتها و قطع الالتفات إلى ما سوى اللّه تعالى ظهر أنّ ذلک الإعراض مستلزم لقصر الأمل فی الدنیا إذ کان الآمل إنّما یتوجّه نحو مأمول، و المتلفت إلى اللّه من الدنیا کیف یتصوّر طول أمله لشی‏ء منها.

الثانی: الشکر على النعمه. و ذلک أنّ العبد بقدر التفاته عن أعراض الدنیا یکون‏ محبّته للّه و إقباله علیه و اعترافه الحقّ بالآیه، و ذلک أنّ الشکر حال للقلب یثمرها العلم بالمشکور و هو فی حقّ اللّه أن یعلم أنّه لا منعم سواه، و أنّ کلّ منعم یقال فی العرف فهو واسطه مسخّره من نعمته. و تلک الحال تثمر العمل بالجوارح.

الثالث: الورع و هو لزوم الأعمال الجمیله و الوقوف على حدود عن التوّرط فی محارمه و هو ملکه تحت العفّه، و قد علمت أنّ الوقوف على التوّرط فی المحارم و لزوم الأعمال الجمیله لازمه للالتفات عن محابّ الدنیا و لذّاتها المنهىّ عن المیل إلیها. و هذا التفسیر منه علیه السّلام مستلزم للأمر به.

و قوله: بعد ذلک: فإن عزب عنکم
إلى آخره یحتمل معنیین: أحدهما: و هو الظاهر أنّه إن بعد علیکم و شقّ استجماع هذه الامور الثلاثه فالزموا منها الورع و الشکر. و کأنّه رخّص لهم فی طول الأمل، و ذلک أنّه قد یتصوّر طوله فیما ینبغی من عماره الأرض لغرض الآخره، و لأنّ قصر الأمل لا یصدر إلّا عن غلبه الخوف من اللّه تعالى على القلب و الإعراض بالکلّیّه عن الدنیا و ذلک فی غایه الصعوبه فلذلک نبّه على لزوم الشکر و الورع و رخّص فی طول الأمل، و فسّر الورع بالصبر إذ کان لازما للورع، و هما تحت ملکه العفّه، ثمّ شجّعهم بذکر الغلب عن مقاومه الهوى، و نبّهم بذکر النسیان على لزوم التذکّر. الثانی: یحتمل أن یکون لمّا فسّر الزهد باللوازم الثلاثه فی معرض الأمر بلزومها قال بعدها: فإن صعب علیکم لزوم الشکر و الثناء للّه و لزوم الأعمال الجمیله فاعدلوا إلى امور أسهل منها. فرخّص لهم فی طول الأمل لما ذکرناه، ثمّ فی التذکّر لنعم اللّه بحیث لا ینسى بالکلّیّه و یلتفت عنها عوضا عن دوام الحمد و الثناء، ثمّ فی الصبر عند المحارم و عند الانقهار لغلبه دواعى الشیطان عوضا من لزوم الأعمال الجمیله عندها فإنّ الصبر عند شرب الخمر مثلا عند حضورها أهون على الطبع من الصوم عن سایر المباحات حینئذ و لزوم سایر الأعمال الجمیله.
 
و قوله: فقد أعذر. إلى آخره.
تأکید لما سبق من أمره بالزهد، و جذب إلیه. و أشار بالحجج إلى الرسل لقوله تعالى‏

رُسُلًا مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ لِئَلَّا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّهٌ بَعْدَ الرُّسُلِ«» و لفظ الحجج مستعار، و وجه المشابهه أنّه لمّا کان ظهور الرسل قاطعا ألسنه حال الظالمین لأنفسهم فی محفل القیامه عن أن یقولوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَیْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آیاتِکَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى‏«» أشبه الحجّه القاطعه فاستعیر لفظها له، و بإسفارها و ظهورها إلى إشراق أنوار الدین عن نفوسهم الکامله على نفوس الناقصین و هو استعاره أیضا، و أشار ببروز عذر الکتب إلى ظهورها أعذارا للّه إلى خلقه بتخویفهم و ترغیبهم و إرشادهم إلى طریق النجاه، و إسناد الأعذار إلى اللّه تعالى استعاره من الأقوال المخصوصه الّتی یبدیها الإنسان عذرا لأفعال اللّه و أقواله الّتی عرّف خلقه فیها صلاحهم و أشعرهم فیها بلزوم العقاب لهم لو لم یلتفتوا إلیها. و باللّه التوفیق.

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ى ۲۲۶

بازدیدها: ۴

خطبه ۷۷ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام بعد حرب الجمل، فى ذم النساء

مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الْإِیمَانِ- نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ نَوَاقِصُ الْعُقُولِ- فَأَمَّا نُقْصَانُ إِیمَانِهِنَّ- فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلَاهِ وَ

الصِّیَامِ فِی أَیَّامِ حَیْضِهِنَّ- وَ أَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ- فَشَهَادَهُ امْرَأَتَیْنِ کَشَهَادَهِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ- وَ أَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ-

فَمَوَارِیثُهُنَّ عَلَى الْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِیثِ الرِّجَالِ- فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ وَ کُونُوا مِنْ خِیَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ- وَ لَا تُطِیعُوهُنَّ فِی

الْمَعْرُوفِ حَتَّى لَا یَطْمَعْنَ فِی الْمُنْکَرِ

المعنى

أقول: لمّا کانت واقعه الجمل و ما اشتملت علیه من هلاک جمع عظیم من المسلمین منسوبا إلى رأى امرأه أراد أن ینبّه على وجوه نقصان النساء و أسبابه فذکر نقصانهنّ من وجوه ثلاثه:

أحدها: کونهنّ نواقص الایمان
و أشار إلى جهه النقص فیه بقعود إحدیهنّ عن الصلاه و الصوم أیّام الحیض، و لمّا کان الصوم و الصلاه من کمال الإیمان و متمّمات الریاضه کان قعودهنّ عن الارتیاض بالصوم و الصلاه فی تلک الأیّام نقصانا لایمانهنّ، و إنّما رفعت الشریعه التکلیف عنهنّ بالعبادتین المذکورتین لکونهنّ فی حال مستقذره لا یتأهّل صاحبها للوقوف بین یدی الملک الجبّار، و یعقل للصوم وجه آخر و هو أنّه یزید الحائض إلى ضعفها ضعفا بخروج الدم. و أسرار الشریعه أدقّ و أجلّ أن یطّلع علیها عقول سایر الخلق.

الثانی: کونهنّ نواقص حظّ
و أشار إلى جهه نقصانه بأنّ میراثهنّ على النصف من میراث الرجال کما قال تعالى یُوصِیکُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ یُوصِیکُمُ«» و الّذی یلوح من سرّ ذلک کثره المئونه على الرجل و هو أهل التصرّف و کون المرأه من شأنها أن تکون مکفوله محتاجه إلى قیّم هولها کالخادم.

الثالث: کونهنّ نواقص عقول
و لذلک سبب من داخل و هو نقصان استعداد أمزجتهنّ، و قصورهنّ عن قبول تصرّف العقل کما یقبله مزاج الرجل کما نبّه تعالى علیه بقوله یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا تَدایَنْتُمْ بِدَیْنٍ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاکْتُبُوهُ وَ لْیَکْتُبْ«» فإنّه نبّه على ضعف القوّه الذاکره فیهنّ، و لذلک جعل شهاده امرأتین بشهاده رجل واحد، و له أیضا سبب عارض من خارج و هو قلّه معاشرتهنّ لأهل العقل و التصرّفات و قلّه ریاضتهنّ لقواهنّ الحیوانیّه بلزوم القوانین العقلیّه فی تدبیر أمر المعاش و المعاد و لذلک کانت أحکام القوى الحیوانیّه فیهنّ أعلب على أحکام عقولهنّ فکانت المرأه أرّق و أبکى و أحسد و ألجّ و أبغى و أجزع و أوقح و أکذب و أمکر و أقبل للمکر و أذکر لمحقّرات الامور و لکونها بهذه الصفه اقتضت الحکمه الإلهیّه أن یکون علیها حاکم و مدبّر تعیش بتدبیره و هو الرجل فقال تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ«» و لشدّه قبولها للمکر و قلّه طاعتها للعقل مع کونها مشترکه و داعیه إلى نفسها اقتضت أیضا أن یسنّ فی حقّها التستّر و التخدّر.

و قوله: فاتّقوا شرار النساء و کونوا من خیارهنّ على حذر.
 لمّا نبّه على جهه نقصانهنّ، و قد علمت أنّ النقضان یستلزم الشرّ لا جرم نفّر عنهنّ فأمر أوّلا بالخشیه من شرارهنّ و هو یستلزم الأمر بالهرب منهنّ و عدم مقاربتهنّ فأمّا خیارهنّ فإنّه أمر بالکون منهنّ على حذر. و یفهم من ذلک أنّه لا بدّ من مقاربتهنّ، و کان الإنسان إنّما یختار مقاربه الخیره منهنّ فینبغى أن یکون معها على تحرّز و تثبّت فی سیاستها و سیاسه نفسه معها إذ لم تکن الخیره منهنّ خیره إلّا بالقیاس إلى الشریره. ثمّ نهى عن طاعتهنّ بالمعروف کیلا یطمعن فی المنکر، و أشار به إلى طاعتهنّ فیما یشرن به و یأمرن مطلقا و إن کان معروفا صوابا، و فیما یطلبنه من زیاده المعروف و الإحسان إلیهنّ و إکرامهنّ بالزینه و نحوها فإنّ طاعه امرائهنّ فیما یشرون من معروف تدعوهنّ‏ إلى الشور بما لا ینبغی، و التسلّط على الأمر به فإن فعل فلیفعل لأنّه معروف لا لأنّه مقتضى رأیهنّ. و زیاده إکرامهنّ من مقوّیات دواعى الشهوه و الشرّ فیهنّ حتّى ینتهى بهنّ الطمع إلى الاقتراح و طلب الخروج إلى المواضع الّتی یرى فیها زینتهنّ و نحو ذلک إذ العقل مغلوب فیهنّ بدواعى الشهوات. و فی المثل المشهور: لا تعط عبدک کراعا فیأخذ ذراعا. و روى: أنّ رسول صلى اللّه علیه و آله و سلّم کان یخطب یوم عید فالتفت إلى صفوف النساء فقال: معاشر النساء تصدّقن فإنّى رأیتکنّ أکثر أهل النار عددا. فقالت واحده منهنّ: و لم یا رسول اللّه فقال صلى اللّه علیه و آله و سلّم: لأنکنّ تکثرن اللعن، و تکفرن العشیر، و تمکث إحدیکنّ شطر عمرها لا تصوم و لا تصلّى.

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ى ۲۲۳

بازدیدها: ۱۴

خطبه۷۶ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام

قاله لبعض أصحابه لما عزم على المسیر إلى الخوارج، فقال له: یا أمیر المؤمنین، إن سرت فى هذا الوقت خشیت أن لا تظفر بمرادک، من طریق علم النجوم.

فقال علیه السّلام: أَ تَزْعُمُ أَنَّکَ تَهْدِی إِلَى السَّاعَهِ- الَّتِی مَنْ سَارَ فِیهَا صُرِفَ عَنْهُ السُّوءُ- وَ تُخَوِّفُ مِنَ السَّاعَهِ الَّتِی مَنْ

سَارَ فِیهَا حَاقَ بِهِ الضُّرُّ- فَمَنْ صَدَّقَکَ بِهَذَا فَقَدْ کَذَّبَ الْقُرْآنَ- وَ اسْتَغْنَى عَنِ الِاسْتِعَانَهِ بِاللَّهِ- فِی نَیْلِ الْمَحْبُوبِ وَ دَفْعِ

الْمَکْرُوهِ- وَ تَبْتَغِی فِی قَوْلِکَ لِلْعَامِلِ بِأَمْرِکَ- أَنْ یُولِیَکَ الْحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ- لِأَنَّکَ بِزَعْمِکَ أَنْتَ هَدَیْتَهُ إِلَى السَّاعَهِ- الَّتِی نَالَ

فِیهَا النَّفْعَ وَ أَمِنَ الضُّرَّ ثم أقبل ع على الناس فقال أَیُّهَا النَّاسُ- إِیَّاکُمْ وَ تَعَلُّمَ النُّجُومِ إِلَّا مَا یُهْتَدَى بِهِ فِی بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ- فَإِنَّهَا

تَدْعُو إِلَى الْکَهَانَهِ- وَ الْمُنَجِّمُ کَالْکَاهِنِ وَ الْکَاهِنُ کَالسَّاحِرِ وَ السَّاحِرُ کَالْکَافِرِ- وَ الْکَافِرُ فِی النَّارِ سِیرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ

اللغه

أقول: حاق به: أحاط. و یولیه کذا: یعطیه إیّاه و یجعله أولى به.

المعنى

و روى أنّ المشیر علیه بذلک کان عفیف بن قیس أخا لأشعث بن قیس و کان یتعاطى‏ علم النجوم. و اعلم أنّ الّذی یلوح من سرّ نهى الحکمه النبوّیه عن تعلّم النجوم أمران:

أحدها: اشتغال متعلّمها بها، و اعتماد کثیر من الخلق السامعین لأحکامها فیما یرجون و یخافون علیه فیما یسنده إلى الکواکب و الأوقات، و الاشتغال بالفزع إلیه و إلى ملاحظه الکواکب عن الفزع إلى اللّه و الغفله عن الرجوع إلیه فیمایهمّ من الأحوال و قد علمت أنّ ذلک یضادّ مطلوب الشارع إذ کان غرضه لیس إلّا دوام التفات الخلق إلى اللّه و تذکّرهم لمعبودهم بدوام حاجتهم إلیه.

الثانی: أنّ الأحکام النجومیّه إخبارات عن امور سیکون و هى تشبه الاطّلاع على الامور الغیبیّه. و أکثر الخلق من العوامّ و النساء و الصبیّان لا یتمیّزون بینها و بین علم الغیب و الإخبار به. فکان تعلّم تلک الأحکام و الحکم بها سببا لضلال کثیر من الخلق موهنا لاعتقاداتهم فی المعجزات إذ الإخبار عن الکائنات منها، و کذلک فی عظمه بارئهم. و یسلکهم فی عموم صدق قوله تعالى قُلْ لا یَعْلَمُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَیْبَ إِلَّا اللَّهُ و عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَیْبِ لا یَعْلَمُها إِلَّا هُوَ«» و قوله إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَهِ وَ یُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَ یَعْلَمُ ما فِی الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِی نَفْسٌ ما ذا تَکْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِی نَفْسٌ بِأَیِّ أَرْضٍ تَمُوتُ«» فالمنجّم إذا حکم لنفسه بأنّه یصیب کذا فی وقت کذا فقد ادّعى أنّ نفسه تعلم ما تکسب غدا و بأىّ أرض تموت. و ذلک عین التکذیب للقرآن، و کأنّ هذین الوجهین هما المقتضیان لتحریم الکهانه و السحر و العزائم و نحوها، و أمّا مطابقه لسان الشریعه للعقل فی تکذیب هذه الأحکام فبیانها أنّ أهل النظر أمّا متکلّمون فإمّا معتزله أو أشعریّه.

أمّا المعتزله فاعتمادهم فی تکذیب المنجّم على أحد أمرین: أحدهما: أنّ الشریعه کذّبته. و عندهم أنّ کلّ حکم شرعىّ فیشتمل على وجه عقلىّ و إن لم یعلم عین ذلک الوجه، و الثانی مناقشته فی ضبطه لأسباب ما اخبر عنه من کون أو فساد.

و أمّا الاشعریّه فهم و إن قالوا: إنّه لا مؤثّر له إلّا اللّه و زعم بعضهم أنّهم خلصوا بذلک من إسناد التأثیرات إلى الکواکب إلّا أنّه لا مانع على مذهبهم أن یجعل اللّه‏ تعالى اتّصال نجم بنجم أو حرکته علامه على کون کاین أو فساده و ذلک ممّا لا یبطل على منجّم قاعده. فیرجعون أیضا إلى بیان عدم إحاطته بأسباب کون ما اخبر عنه. و مناقشته فی ذلک.

و أمّا الحکماء فاعلم أنّه قد ثبت فی اصولهم أنّ کلّ کائن فاسد فی هذا العالم فلا بدّ له من أسباب أربعه: فاعلىّ، و مادّىّ، و صورىّ، و غائىّ: أمّا السبب الفاعلىّ القریب فالحرکات السماویه و الّذی هو أسبق منها فالمحرّک لها إلى أن ینتهى إلى الجود الإلهىّ المعطى لکلّ قابل ما یستحقّه، و أمّا سببه المادىّ فهو القابل لصورته و تنتهى القوابل إلى القابل الأوّل و هو مادّه العناصر المشترکه بینها، و أمّا الصورىّ فصورته الّتی یقبلها مادّته، و أمّا الغائىّ فهى الّتی لأجلها وجد. أمّا الحرکات السماویّه فإنّ من الکاینات ما یحتاج فی کونه إلى دوره واحده للفلک، و منها ما یحتاج إلى جمله من أدواره و اتّصالاته. و أمّا القوابل للکائنات فقد تقرّر عندهم أیضا أنّ قبولها لکلّ کاین معیّن مشروط باستعداد معیّن له و ذلک الاستعداد یکون بحصول صوره سابقه علیه و هکذا قبل کلّ صوره صوره معدّه لحصول الصوره بعدها و کلّ صوره منها أیضا تستند إلى الاتّصالات و الحرکات الفلکیّه، و لکلّ استعداد معیّن زمان معیّن و حرکه معیّنه و اتّصال معیّن یخصّه لا یفی بدرکها القوّه البشریّه.

إذا عرفت ذلک فنقول: الأحکام النجومیّه إمّا أن تکون جزئیّه و إمّا کلّیّه.

أمّا الجزئیّه فأن یحکم مثلا بأنّ هذا الإنسان یکون من حاله کذا و کذا، و ظاهر أنّ مثل هذا الحکم لا سبیل إلى معرفته إذ العلم به إنّما هو من جهه أسبابه أمّا الفاعلیّه فأن یعلم أنّ الدوره المعیّنه و الاتّصال المعیّن سبب لملک هذا الرجل البلد المعیّن مثلا و أنّه لا سبب فاعلىّ لذلک إلّا هو، و الأوّل باطل لجواز أن یکون السبب غیر ذلک الاتّصال أو هو مع غیره. أقصى ما فی الباب أن یقال:

إنّما کانت هذه الدوره و هذه الاتّصال سببا لهذا الکاین لأنّها کانت سببا لمثله فى الوقت الفلانىّ لکن هذا أیضا باطل لأنّ کونها سببا للکائن السابق لا یجب أن یکون لکونها مطلق دوره و اتّصال بل لعلّه أن یکون لخصوصیّه کونه تلک المعیّنه الّتى لا تعود بعینها فیما بعد، و حینئذ لا یمکن الاستدلال بحصولها على کون هذا الکاین لأنّ المؤثرات المختلفه لا یجب تشابه آثارها، و الثانی‏ أیضا باطل لأنّ العقل یجزم بأنّه لا اطّلاع له على أنّه لا یقتضى لذلک الکاین من الأسباب الفاعله إلّا الاتّصال المعیّن. کیف و قد ثبت أنّ من الکاینات ما یفتقر إلى أکثر من اتّصال واحد و دوره واحده أو أقلّ، و أمّا القابلیّه فأن یعلم أنّ المادّه قد استعدّت لقبول مثل هذا الکاین و استجمعت جمیع شرائط قبوله الزمانیّه و المکانیّه و السماویّه و الأرضیّه. و ظاهر أنّ الإحاطه بذلک ممّا لا یفی به القوّه البشریّه، و أمّا الصوریّه و الغائیّه فأن یعلم ما یقتضیه استعداد مادّه ذلک المعیّن و قبولها من الصوره و ما یستلزمه من الشکل و المقدار، و أن یعلم ما غایه وجوده و ما أعدّته العنایه له، و ظاهر أنّ الإحاطه بذلک غیر ممکنه للإنسان.

و أمّا أحکامهم الکلّیّه فکأن یقال کلّما حصلت الدوره الفلانیّه کان کذا. و المنجّم إنّما یحکم بذلک الحکم من جزئیّات من الدورات تشابهت آثارها فظنّها متکرّره و لذلک یعدلون إذا حقّق القول علیهم إلى دعوى التجربه، و قد علمت أنّ التجربه تعود إلى تکرّر مشاهدات یضبطها الحسّ. و العقل یحصل منها حکما کلیّا کحکمه بأنّ کلّ نار محرقه فإنّه لمّا أمکن العقل استبتات الإحراق بواسطه الحسّ أمکنه الجزم الکلّى بذلک. فأمّا التشکّلات الفلکیّه و الاتّصالات الکوکبیّه المقتضیه لکون ما یکون فلیس شی‏ء منها یعود بعینه کما علمت و إن جاز أن یکون تشکّلات و عودات متقاربه الأحوال و متشابهه إلّا أنّه لا یمکن الإنسان ضبطها و لا الاطّلاع على مقدار ما بینها من المشابهه و التفاوت، و ذلک أنّ حساب المنجّم مبنىّ على قسمه الزمان بالشهور و الأیّام و الساعات و الدرج و الدقایق و أجزائها، و تقسیم الحرکه بإزائها و رفعهم بینها نسبه عددیّه و کلّ هذه امور غیر حقیقیّه و إنّما تؤخذ على سبیل التقریب. أقصى ما فی الباب أنّ التفاوت فیها لا یظهر فی المدد المتقاربه لکنّه یشبه أن یظهر فی المدد المتباعده، و مع ظهور التفاوت فی الأسباب کیف یمکن دعوى التجربه و حصول العلم الکلّى الثابت الّذی لا یتغیّر باستمرار أثرها على و تیره واحده. ثمّ لو سلّمنا أنّه لا یظهر تفاوت أصلا إلّا أنّ العلم بعود مثل الدوره

إذا عرفت ذلک فنقول: قوله: أ تزعم إلى قوله: الضرّ. استثبات لما فی العاده أن یدّعیه الأحکامیّون کما ادّعاه المنجّم المشیر بعدم المسیر فی ذلک الوقت. و قوله: فمن صدّقک [صدّق خ‏] بهذا إلى قوله: الضرر. إلزامات له على ما یعتقده عن نفرتها عن قبول أحکام المنجّم و الاعتقاد فیه.

أوّلها: أنّ من صدّقه فقد کذّب القرآن، و وجه التکذیب ما ذکرناه.

الثانی: کون مصدّقه یستغنى عن الاستعانه باللّه فی نیل محبوبه و رفع مکروهه: أى یفزع إلیه فی کلّ أمریهمّ به و یجعلهم عمده له فیعرض عن الفزع إلى اللّه کما سبق.

الثالث: أنّه ینبغی للعامل أن یولیه الحمد دون ربّه. و علّل هذا الإلزام بقیاس ضمیر من الشکل الأوّل. صورته: تزعم أنّک تهدى إلى ساعه النفع و الضرر، و کلّ من زعم ذلک فقد أهّل نفسه لاستحقاق الحمد من مصدّقه دون اللّه. فینتج أنّه قد أهّل نفسه لاستحقاق الحمد من مصدّقه دون اللّه. و الکبرى من المخیّلات، و قد یستعملها الخطیب للتنفیر عن بعض الامور الّتى یقصد النهى عنها. و قوله: أیّها الناس. إلى قوله: برّ أو بحر. تحذیر عن تعلّمها لما ذکرناه، و استثنى من ذلک تعلّمها للاهتداء بها فی السفر.

و اعلم أنّ الّذی ذکرناه لیس إلّا بیان أنّ الاصول الّتی ینبى‏ء علیها الأحکامیّون و ما یخبرون به فی المستقبل اصول غیر موثوق بها فلا یجوز الاعتماد علیها فی تلک الأحکام و الجزم بها. و هذا لا ینافی کون تلک القواعد ممهّده بالتقریب کقسمه الزمان و حرکه الفلک بالسنه و الشهر و الیوم مأخوذا عنها حساب یبنى علیه مصالح دینیّه کمعرفه أوقات العبادات کالصوم و الحجّ و نحوهما أو دنیویّه کآجال المداینات و سایر المعاملات و کمعرفه الفصول الأربعه لیعمل فی کلّ منها ما یلیق به من الحراثه و السفر و أسباب المعاش، و کذلک معرفه قوانین تقریبیّه من أوضاع الکواکب و حرکاتها یهتدى بقصدها و على‏ سمتها المسافرون فی برّ أو بحر فإنّ ذلک القدر منها غیر محرّم بل لعلّه من الامور المستحبّه لخلوّ المصالح المذکوره فیه عن وجوه المفاسد الّتی تشتمل علیها الأحکام کما سبق. و لذلک أمتن اللّه سبحانه على عباده بخلق الکواکب فی قوله وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِی ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ«» و قوله لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ«» و قوله: فإنّها. إلى آخره.

تعلیل للتحذیر عن تعلّمها و تنفیر عنها بقیاس آخر موصول یستنتج منه أنّ المنجّم فی النار. و على تقدیر تفصیله فالنتیجه الاولى کون المنجّم کالساحر و هى مع قوله: و الساحر کالکافر. و هذه النتیجه مع قوله: و الکافر فی النار ینتج المطلوب، و هو أنّ المنجّم فی النار، و القیاسان الأوّلان من قیاس المساواه. و قد علمت أنّه عسر الانحلال إلى الحدود المرتّبه فی القیاس المنتج لأنّ موضوع الکبرى جزء من محمول الصغرى فلیس الأوسط بمشترک فهو معدول عن وجهه إلى وقوع الشرکه فی بعض الأوسط. و لذلک یستحقّ أن یفرد باسم و یجعل لتحلیله قانون یرجع إلیه فی أمثاله. و قد سبق مثله فی الخطبه الاولى. و إذا حمل على القیاس الصحیح کان تقدیره المنجّم یشبه الکاهن المشبه للساحر و مشبه الکاهن المشبه للساحر مشبه للساحر فینتج أنّ المنجّم یشبه الساحر، و هکذا فی القیاس الثانی المنجّم یشبه الساحر المشبه للکافر و مشبه الساحر المشبه للکافر یشبه الکافر فالمنجّم یشبه الکافر و الکافر فی النار فالمنجّم کذلک و هو القیاس الثالث و نتیجته. فأمّا بیان معنى الکاهن و الساحر و الإشاره إلى وجوه التشبیهات المذکوره: فاعلم أنّا قد أشرنا فی المقدّمه إلى مکان وجود نفس تقوى على اطّلاع ما سیکون و على التصرّفات العجیبه فی هذا العالم فتلک النفس إن کانت کامله خیّره مجذوبه من اللّه تعالى بدواعى السلوک إلى سبیله و ما یقود إلیه فهى نفوس الأنبیاء و الأولیاء ذوى المعجزات و الکرامات، و إن کانت ناقصه شریره منجذبه عن تلک الجهه و غیر طالبه لتلک المرتبه بل مقتصره على رذایل الأخلاق و خسائس الامور کالتکهّن و نحوه‏ فهى نفوس الکهنه و السحره.

و أعلم أنّ أکثر ما تظهر قوّه الکهانه و نحوها من قوى النفوس فی أوقات الأنبیاء و قبل ظهورهم. و ذلک أنّ الفلک إذا أخذ فی التشکّل بشکل یتمّ به فی العالم حدث عظیم عرض من ابتداء ذلک الشکل و غایته أحداث فی الأرض شبیهه بما یرید أن یتمّ و لکنّها تکون غیر تامّه فإذا استکمل ذلک الشکل فی الفلک و تمّ وجد به فی العالم ما یقتضیه فی أسرع زمان لسرعه تبدّل أشکال الفلک فتظهر تلک القوّه الّتی یوجبها ذلک الشکل فی شخص واحد أو شخصین أو أکثر على حسب ما یقتضیه العنایه الإلهیّه و یستوعب ذلک الشخص تلک القوّه على الکمال. فأمّا من قرب من ذلک الشکل و لم یستوفه فإنّه یکون ناقص القوّه بحسب بعده من الشکل. و یظهر ذلک النقصان بظهور النبوّه المقصوده من ذلک الشکل.
فتبیّن قصور القوى المتقدّمه على النبىّ و المتأخّره عنه و نقصانهما عن ذلک التمام.

فأمّا صفه الکاهن من أصحاب تلک القوى فإنّ صاحب قوّه الکهانه إذا أحسّ بها من نفسه تحرّک إلیها بالإراده لیکملها فیبرزها فی امور حسیّه و یثیرها فی علامات تجرى مجرى الفال و الزجر و طرق الحصى، و ربّما استعان بالکلام الّذی فیه سجع و موازنه أو بحرکه عنیفه من عدو حثیث کما حکى عن کاهن من الترک، و کما نقل إلىّ من شاهد کاهنا کان فی زماننا و توفّى مند عشرین سنه یکنّى بأبى عمرو کان بناحیه من ساحل البحر یقال لها قلهات، و إنّه کان إذا سئل عن أمر استعان بتحریک رأسه تحریکا یقوى و یضعف بحسب الحاجه و أجاب عقیب ذلک، و قیل إنّه کان قد یستغنى فی بعض الإخبارات عن تلک الحرکه. و الغرض من ذلک اشتغال النفس عن المحسوسات فتداخل نفسه و یقوى فیها ذلک الأثر و یهجس فی نفسه عن تلک الحرکه ما تقذفه على لسانه، و ربّما صدق الکاهن، و ربّما کذب. و ذلک أنّه یتمّم نقصه بأمر مباین لکماله غیر داخل فیه فیعرض له الکذب و یکون غیر موثوق به، و ربّما تعمد الکذب خوفا من کساد بضاعته فیستعمل الزرق و یخبر بمالا أثر له فی نفسه و یضطرّ إلى التخمین. و درجات هؤلاء متفاوته بحسب قربهم من الافق الإنسانىّ و بعدهم منه و بقدر قبولهم للأثر العلوىّ. و یتمیّزون عن الأنبیاء بالکذب و ما یدّعونه من المحالات فإن اتّفق أن یلزم أحدهم الصدق فإنّه لا یتجاوز قدره فی قوّته و یبادر إلى التصدیق بأوّل أمر یلوح من النبىّ صلى اللّه علیه و آله و سلّم و یعرف فضله کما روى عن طلحه و سواد بن قارب و نحوهما من الکهنه فی زمان الرسول صلى اللّه علیه و آله و سلّم.

إذا عرفت ذلک فنقول: أمّا قوله: فإنّها تدعو إلى الکهانه. أىّ أنّها تدعو المنجّم فی آخر أمره إلى أن یصّیر نفسه کالکاهن فی دعوى الإخبار عمّا سیکون، ثمّ أکّد کونها داعیه إلى التمکین بتشبیهه بالکاهن. و أعلم أنّ الکاهن یتمیّز عن المنجّم بکون ما یخبر به من الأمور الکاینه إنّما هو عن قوّه نفسانیّه له، و ظاهر أنّ ذلک أدعى إلى فساد أذهان الخلق و إغوائهم لزیاده اعتقادهم فیه على المنجّم، و أمّا الساحر فیتمیّز عن الکائن بأنّ له قوّه على التأثیر فی أمر خارج عن بدنه آثارا خارجه عن الشریعه موذیه للخلق کالتفریق بین الزوجین و نحوه و تلک زیاده شرّ آخر على الکاهن أدعى إلى فساد أذهان الناس و زیاده اعتقادهم فیه و انفعالهم عنه خوفا و رغبه، و أمّا الکافر فیتمیّز عن الساحر بالبعد الأکبر عن اللّه تعالى و عن دینه و إن شارکه فی أصل الانحراف عن سبیل اللّه. و حینئذ صار الضلال و الفساد فی الأرض مشترکا بین الأربعه إلّا أنّه مقول علیهم بالأشدّ و الأضعف فالکاهن أقوى فی ذلک من المنجّم، و الساحر أقوى من الکاهن، و الکافر أقوى من الساحر. و لذلک التفاوت جعل علیه السّلام الکاهن أصلا فی التشبیه للمنجّم لزیاده فساده علیه ثمّ ألحقه به، و جعل الساحر أصلا للکاهن، و الکافر أصلا للساحر. لأنّ التشبیه یستدعى کون المشبّه به أقوى فی الوصف الّذی فیه التشبیه و أحقّ به. و قد لاح من ذلک أنّ وجه الشبه فی الکلّ هو ما یشترکون فیه من العدول و الانحراف عن طریق اللّه بالتنجیم و الکهانه و السحر و الکفر و ما یلزم من ذلک من صدّ کثیر من الخلق عن سبیل اللّه و إن اختلف جهات هذا العدول بالشدّه و الضعف کما بیّناه. و لمّا فرغ علیه السّلام من تنفیر أصحابه عن تعلّم النجوم و قبول أحکامها و غسّل أذهانهم من ذلک بالتخویف المذکور أمرهم بالمسیر إلى الحرب. و روى: أنّه سار فی تلک الساعه إلى الخوارج و کان منه ما علمت من الظفر بهم و قتلهم حتّى لم یفلت منهم غیر تسعه نفر، و لم یهلک من رجاله غیر ثمانیه نفر کما سبق بیانه، و ذلک یستلزم خطأ ذلک المنجّم و تکذیبه فی مقاله. و باللّه التوفیق.

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن ‏میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ ى ۲۱۶

بازدیدها: ۷

خطبه ۷۵ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلمات کان یدعو بها  

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِی مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّی- فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلَیَّ بِالْمَغْفِرَهِ- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِی مَا وَأَیْتُ مِنْ نَفْسِی وَ لَمْ تَجِدْ لَهُ

وَفَاءً عِنْدِی- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِی مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَیْکَ بِلِسَانِی- ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِی اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِی رَمَزَاتِ الْأَلْحَاظِ- وَ سَقَطَاتِ

الْأَلْفَاظِ وَ شَهَوَاتِ الْجَنَانِ وَ هَفَوَاتِ اللِّسَانِ

اللغه

أقول: الوأى: الوعد.

و الرمزات: جمع رمزه و هى الإشاره بالعین أو الحاجب أو الشفه.

و السقط من الشی‏ء: ردیئه.

و الهفوه: الزلّه.

المعنى

و قد سأل اللّه سبحانه فی جمیع هذا الفصل المغفره. و مغفره اللّه للعبد تعود إلى ستره علیه أن یقع فی مهاوى الهلکه فی الآخره أو یکشف مقابحه لأهل الدنیا فیها و کلّ ذلک یعود إلى توفیقه لأسباب السعاده و جذبه بها عن متابعه الشیطان فی المعاصى قبل صدورها منه أو قبل صیرورتها ملکات فی جوهر نفسه و المطلوب غفره امور:

الأوّل: ما اللّه أعلم به منه ممّا هو عند اللّه معصیه و سیّئه فی حقّه و هو لا یعلمها فیفعلها، ثمّ طلب تکرار مغفره اللّه لما یعاوده و یتکرّر منه کذلک. و إذا تصوّرت معنى المغفره تصوّرت کیف تکرارها.

الثانی: ما وعد نفسه أن یفعله للّه ثمّ لم یوف به. و ما هاهنا مصدریّه. و لا شکّ أنّ مطال النفس بفعل الخیر و عدم الوفاء به إنّما یکون عن خاطر شیطانىّ یجب أن یستغفر اللّه له و یسأل ستره ببعث الدواعى الجاذبه عن متابعه الشیطان المحرّک له.

الثالث: شوب النفس ما یتقرّب به من الأعمال إلى اللّه بالریاء و السمعه و مخالفه نیّه القربه إلیه بقصد غیره لها. و لا شکّ أنّ ذلک شرک خفىّ جاذب عن الترقّى فی درجات العلى، و یحتاج إلى تدارک اللّه بالمغفره و الجذب عنه قبل تمکّنه من النفس.

الرابع: الإشاره باللحظ. و هو الایماء الخارج عن الحدود الشریعه کما یفعل‏  عند التنبیه على شخص لیعاب أو لیضحک منه أو یظلم. و کلّ تلک عن خواطر شیطانیّه ینبغی أن یسأل اللّه تعالى رفع أسبابها و ستر النفس عن التدنّس بها.

الخامس: سقطات الألفاظ و الردى‏ء من القول. هو ما تجاوز حدود اللّه و خرج بها الإنسان عن مستقیم صراطه.

السادس: شهوات القلوب. فمن روى بالشین المعجمه فالمراد جذب القوّه الشهویّه للنفس: أى مشتهیاتها، و من روى بالسین فسهوات القلب خواطره الّتی لا یشعر بتفصیلها إذا خالفت أو امر اللّه و قد تستتبع حرکه بعض الجوارح إلى فعل خارج عن حدود اللّه أیضا و ذلک و إن کان لا یوجب أثرا فی النفس و لا یؤخذ به إلّا أنّه ربّما یقوى بقوّه أسبابه و کثرتها فیقطع العبد عن سلوک سبیل اللّه کما فی حقّ المنهمکین فی لذّات الدنیا المتجرّ دین لها فإنّ أحدهم ربّما رام أن یصلّى الفرض فیصلّى الصلاه الواحده مرّتین أو مرارا و لا یستثبت عدد رکعاتها و سجداتها، و غفر مثل ذلک بجذب العبد عن الأسباب الموجبه له.

السابع: هفوات اللسان: أى الزلل الحاصل من قبله. و مادّته أیضا خاطر شیطانىّ، و غفره بتوفیقه لمقاومه هواه. و أعلم أنّ الشیعه لمّا أوجبوا عصمته علیه السّلام عن المعاصى حملوا طلبه لمغفره هذه الامور على وجهین: أحدهما: و هو الأدّق أنّ طلبه لغفرانها إنّما هو على تقدیر وقوعها منه فکأنّه قال: اللهمّ إن صدر عنّى شی‏ء من هذه الامور فاغفره لى، و قد علمت أنّه لا یلزم من صدق الشرطیّه صدق کلّ واحد من جزئیها فلا یلزم من صدق کلامه صدور شی‏ء منها حتّى یحتاج إلى المغفره.
الثانی: أنّهم حملوا ذلک على تأدیب الناس و تعلیمهم کیفیّه الاستغفار من الذنوب أو على التواضع و الاعتراف بالعبودیّه و أنّ البشر فی مظنّه التقصیر و الإساءه. و أمّا من لم یوجب عصمته فالأمر معه ظاهر. و باللّه التوفیق.

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ ى ۲۱۴

بازدیدها: ۱

خطبه۷۴ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام

إِنَّ بَنِی أُمَیَّهَ لَیُفَوِّقُونَنِی تُرَاثَ مُحَمَّدٍ ص تَفْوِیقاً- وَ اللَّهِ لَئِنْ بَقِیتُ لَهُمْ- لَأَنْفُضَنَّهُمْ نَفْضَ اللَّحَّامِ الْوِذَامَ التَّرِبَهَ و یروى «التراب

الوذمه». و هو على القلب. قال الشریف: و قوله علیه السّلام «لیفوقوننى» أى. یعطوننی من المال قلیلا کفواق الناقه،

و هو الحلبه الواحده من لبنها، و الوذام: جمع و ذمه و هى: الحزه من الکرش أو الکبد تقع فى التراب فتنفض.

المعنى

أقول: استعار لفظ التفویق لعطیّتهم له المال قلیلا، و وجه المشابهه هو قلّه ما یعطونه منه مع کونه فی دفعات کما یعطى الفصیل ضرع امّه لتدرّ، ثم یدفع عنها لتحلب، ثمّ یعاد إلیها لتدرّ. و تراث محمّد إشاره إلى الفى‏ء الحاصل ببرکه محمّد صلى اللّه علیه و آله و سلّم و هو التراث اللغوىّ المکتسب عن المیّت بوجه ما، ثمّ أقسم إن بقى لبنى امیّه لیحرمنّهم التقدّم فی الامور، و استعار لفظ النفض لإبعادهم عن ذلک، و شبّه نفضه لهم بنفض القصّاب القطعه من الکبد أو الکرش من التراب إذا أصابته. و هذه الروایه هو الحقّ، و الثانیه سهو من الناقلین.

و قد ورد عنه هذا الکلام بزیاده و نقصان فی روایه اخرى و ذلک أنّ سعید بن العاص حیث کان أمیر الکوفه من قبل عثمان بعث إلیه بصله فقال: و اللّه لا یزال غلام من عثمان بنی امیّه یبعث إلینا ما أفاء اللّه على رسوله بمثل قوت الأرمله، و اللّه لئن بقیت لأنفضنّها نفض القصّاب الوذام التربه.

شرح‏ نهج‏ البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ ى ۲۱۳

بازدیدها: ۱

خطبه ۷۳شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ حُکْماً فَوَعَى- وَ دُعِیَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا وَ أَخَذَ بِحُجْزَهِ هَادٍ فَنَجَا- رَاقَبَ رَبَّهُ وَ خَافَ ذَنْبَهُ قَدَّمَ خَالِصاً وَ

عَمِلَ صَالِحاً- اکْتَسَبَ مَذْخُوراً وَ اجْتَنَبَ مَحْذُوراً- وَ رَمَى غَرَضاً وَ أَحْرَزَ عِوَضاً کَابَرَ هَوَاهُ وَ کَذَّبَ مُنَاهُ- جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِیَّهَ

نَجَاتِهِ وَ التَّقْوَى عُدَّهَ وَفَاتِهِ- رَکِبَ الطَّرِیقَهَ  

الْغَرَّاءَ وَ لَزِمَ الْمَحَجَّهَ الْبَیْضَاءَ- اغْتَنَمَ الْمَهَلَ وَ بَادَرَ الْأَجَلَ وَ تَزَوَّدَ مِنَ الْعَمَلِ

اللغه

أقول: الحجزه: معقد الإزار.

و المراقبه: المحافظه.

و ا لغرّاء: البیضاء.

المعنى

و اعلم أنّ هذا الفصل یشتمل على استنزاله علیه السّلام الرحمه لعبد استجمع ما ذکر من الامور، و هى عشرون وصفا:

الأوّل یسمع الحکم فیعیه، و الحکم الحکمه، و دعاؤه لسامعها و واعیها یستلزم أمره بتعلّمها و تعلیمها، و هى أعمّ من العلمیّه و العملیّه. و وعاها: أى فهمها کما القیت إلیه.

الثانی: کونه إذا دعى إلى رشاد دنا من الداعى إلیه و أجاب دعاؤه. و الرشاد یعود إلى ما یهدیه و یرشده إلى طریق معاشه و معاده من العلوم و الأعمال الّتی وردت بها الشریعه.

الثالث: أن یأخذ بحجزه هاد فینجو به: أى یکون فی سلوکه لسبیل اللّه مقتدیا باستاد مرشد عالم لتحصل به نجاته، و استعار لفظ الحجزه لأثر الاستاد و سنّته. و وجه المشابهه کون ذهن المقتدى لازما لسنّه شیخه فی مضایق طریق اللّه و ظلماتها لینجو به کما یلزم السالک لطریق مظلم لم یسلکه قبل بحجزه آخر قد سلک تلک الطریق و صار دلیلا فیها لیهتدى به و ینجو من التیه فی ظلماتها. و بین أهل السلوک حلاف أنّه هل یضطرّ المرید إلى الشیخ فی سلوکه أم لا. و أکثرهم یرى وجوبه. و یفهم من کلامه علیه السّلام وجوب ذلک و بمثل شهادته یتبجّح الموجبون له إذ کان لسان العارفین و منتهى طبقاتهم. و ظاهر أنّ طریق المرید مع الشیخ أقرب إلى الهدایه، و بدونه أطول و أقرب إلى الضلال عنها. فلذلک قال علیه السّلام: فنجا: أى أنّ النجاه معلّقه به، و قد ذکرنا ما احتجّ به الفریقان فی کتاب مصباح العارفین.

الرابع: أن یراقب ربّه. و أعلم أنّ المراقبه إحدى ثمرات الإیمان و هى رتبه عظیمه من رتب السالکین قال رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم: اعبد اللّه کأنّک تراه فإن لم تک تراه فإنّه یراک قال تعالى

أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى‏ کُلِّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ«» و قال إِنَّ اللَّهَ کانَ عَلَیْکُمْ رَقِیباً«» قال الإمام الغزّالىّ: و حقیقتها أنّها حاله للنفس بثمرها نوع من المعرفه، و تثمر أعمالا فی الجوارح و القلب: أمّا الحاله فهى مراعاه القلب للرقیب و اشتغاله به، و أمّا العلم المثمر لها فهو العلم بأنّ اللّه تعالى مطّلع على الضمائر و السرائر قائم على کلّ نفس بما کسبت و أنّ سرّ القلوب مکشوف له کظاهر البشره للخلق بل هو أشدّ فهذه المعرفه إذا استولت على القلب و لم یبق فیها شبهه فلا بدّ أن تجذبه إلى مراعات الرقیب. و الموقنون بهذه المعرفه فمنهم الصدّیقون و مراقبتهم التعظیم و الإجلال و استغراق القلب بملاحظه ذلک الجلال و الانکسار تحت الهیبه و العظمه بحیث لا یبقى فیه متّسع للالتفات إلى الغیر أصلا. و هى مراقبه مقصوره على القلب. أمّا الجوارح فإنّها تتعطّل عن التلفّت إلى المباحات فضلا عن المحظورات، و إذا تحرّکت بالطاعه کانت کالمستعمل لها فلا تصلح لغیرها و لا یحتاج إلى تدبیر فی ضبطها على سنن السداد، و من نال هذه الرتبه فقد یغفل عن الخلق حتّى لا یبصرهم و لا یسمع أقوالهم. و مثّل هذا بمن یحضر فی خدمه ملک عظیم فإنّ بعضهم قد لا یحسّ بما یجرى فی حضره الملک من استغراقه بهیبته، و بمن یشغله أمر مهمّ یفکّر فیه.

و روى: أنّ یحیى بن زکریّا علیه السّلام مرّ بامراه فدفعها على وجهها. فقیل له: لم فعلت فقال: ما ظننتها إلّا جدارا. الثانیه مراقبه الورعین من أصحاب الیمین و هم قوم غلب بعض اطّلاع اللّه تعالى على قلوبهم و لکن لم تدهشهم ملاحظه الجلال بل بقیت قلوبهم على الاعتدال متّسعه للتلفّت إلى الأقوال و الأعمال إلّا أنّها مع مدارستها للعمل لا تخلو عن المراقبه، و قد غلب الحیاء من اللّه على قلوبهم فلا یقدمون و لا یجمحون إلّا عن تثبّت فیمتنعون عن کلّ أمر فاضح فی القیامه إذ یرون اللّه تعالى مشاهدا لأعمالهم فی الدنیا کما یرونه فی القیامه. و من کان فی هذه الدرجه فیحتاج أن یراقب جمیع حرکاته و سکناته و لحظاته و جمیع اختیاراته و یرصد کلّ خاطر یسنح له فإن کان إلهیّا یعجّل مقتضاه و إن کانت شیطانیّا بادر إلى قمعه   استحیا من ربّه و لام نفسه على اتّباع هواه فیه و إن شکّ فیه توقّف إلى أن یظهر له بنور اللّه سبحانه من أىّ جانب هو کما قال علیه السّلام: الهوى شریک‏

العمى. و من التوفیق التوقّف عند الحیره و لا یهمل شیئا من أعماله و خواطره و إن قلّ لیسلم من مناقشه الحساب. فقد قال الرسول صلى اللّه علیه و آله و سلّم: الرجل لیسئل عن کحل عینیه و عن فتله الطین بإصبعه و عن لمسه ثوب أخیه.

الخامس: أن یخاف ذنبه. و اعلم أنّ الخوف لیس ممّا هو ذنب بل من المعاقب على الذنب لکن لمّا کان الذنب سببا موجبا لسخط المعاقب و عقابه نسب الخوف إلیه. و قد سبق منّا بیان حقیقتى الخوف و الرجاء.

السادس: أن یقدّم خالصا بأن یکون أحواله کلّها خالصه للّه من قول أو عمل، و خاطره بریئه عن الالتفات إلى غیره فیها. و قد سبق معنى الإخلاص فی الخطبه الاولى.

السابع: أن یعمل صالحا. و صلاح العمل الإتیان به کما امر به و هو نوع ممّا تقدّمه.

الثامن: أن یکتسب مذخورا. و هو أمر بسایر ما أمرت الشریعه باکتسابه. و نبّه على وجوب السعى فیه بأنّه یبقى ذخرا لیوم الفاقه إلیه.

التاسع: أن یجتنب محذورا. و هو أمر باجتناب ما نهت الشریعه عنه، و نبّه على وجوب اجتنابه بکونه محذورا یستلزم العقاب فی الآخره.

العاشر: أن یرمى غرضا: أى یحذف أعراض الدنیا عن درجه الاعتبار، و هو إشاره إلى الزهد و التخلّى عن موانع الرحمه.

الحادى عشر: أن یحرز عوضا: أى یذخر فی جوهر نفسه ملکات الخیر و یوجّه سرّه إلى مطالعه أنوار کبریاء اللّه و یحرز ما یفاض علیه من الحسنات و یثبتها بتکریرها.
فنعم العوض من متاع الدنیا و أعراضها الفانیه.

الثانی عشر: أن یکابر هواه: أى یطوّع نفسه الأمّاره بالسوء بالأعمال الدینیّه و یراقبها فی کلّ خاطر یلقیه إلى نفسیه و یقابلها بکسره و قمعه.

الثالث عشر: أن یکذب مناه: أى یقابل ما یلفته إلیه الشیطان من الأمانى و یعده به بالتکذیب و القمع له بتجویز عدم نیلها. و یحسم مادّه ذلک بالمراقبه فإنّ الوساوس الشیطانیّه یتبع بعضها بعضا، و من إشاراته علیه السّلام إلى ذلک: إیّاکم و المنى فإنّها بضایع‏ النوکى: أى الحمقى.

الرابع عشر: أن یجعل الصبر مطیّه نجاته. و الصبر هو مقاومه النفس لئلّا تنقاد إلى قبایح اللذّات. و لمّا علمت أنّ الانقیاد فی مسلکها إلى اللذّات القبیحه هو سبب الهلاک فی الآخره علمت أنّ مقاومتها و دفعها عنها هو سبب النجاه هناک، و قد استعار لفظ المطیّه للصبر، و وجه المشابهه کون لزومه سببا للنجاه کما أنّ رکوب المطیّه و الهرب علیها سبب النجاه من العدوّ.

الخامس عشر: أن یجعل التقوى عدّه وفاته. و لمّا کان التقوى قد یراد به الزهد، و قد یراد به الخوف من اللّه المستلزم للزهد کما علمت و کانت العدّه هو ما استعدّ به الإنسان للقاء الحوادث، و کان الموت أعظم حادث یسبق إلى الإنسان من أحوال الآخره کان التقوى عدّه للموت. إذ کان المتّقى مشغول السرّ بعظمه اللّه و هیبته عن کلّ حاله تلحقه فلا یکون للموت. عنده کثیر وقع و لا عظیم کرب، و قد یراد بالتقوى مطلق الإیمان، و بالوفاه ما بعدها مجازا، و ظاهر کون الإیمان عدّه واقیه من عذاب اللّه.

السادس عشر: أن یرتکب الطریقه الغرّاء. و هو أن یسلک إلى اللّه تعالى الطریقه الواضحه المستقیمه و هى سریعه.

السابع عشر: و أن یلزم المحجّه البیضاء. و الفرق بین هذا الأمر و الّذی قبله أنّ الأوّل أمر برکوب الطریقه الغرّاء، و الثانی أمر بلزومها و عدم مفارقتها و أنّها و إن کانت واضحه إلّا أنّها طویله کثیره المخاوف و سالکها أبدا محارب للشیطان و هو فی معرض أن یستزلّه عنها.

الثامن عشر: أن یغتنم المهل: أى أیّام مهلته و هى حیاته الدنیا و اغتنامه العمل فیها قبل یوم الحساب.

التاسع عشر: أن یبادر الأجل: أى یسابقه إلى العمل قبل أن یسبقه فیقتطعه عنه.

العشرون: أن یتزوّد من العمل. و هو الأمر بما یتبادر إلیه من اتّخاذ العمل زادا.
و قد سبق وجه استعاره الزاد له. و قد راعى علیه السّلام فی کلّ مرتبتین من هذا الکلام السجع المتوازى، و جعل الصدر ثلاثا و الآخر ثلاثا و عطف کلّ قرینه على مشارکتها فی‏ الحرف الأخیر منها، و حذف حرف العطف من الباقى لیتمیّز ما یتناسب منها عن غیره.
و کلّ ذلک بلاغه.

 

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ ى ۲۱۲

بازدیدها: ۹

خطبه۷۲ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام لما بلغه اتهام بنى أمیه له بالمشارکه فى دم عثمان

أَ وَ لَمْ یَنْهَ بَنِی أُمَیَّهَ عِلْمُهَا بِی عَنْ قَرْفِی- أَ وَ مَا وَزَعَ الْجُهَّالَ سَابِقَتِی عَنْ تُهَمَتِی- وَ لَمَا وَعَظَهُمُ اللَّهُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ

لِسَانِی- أَنَا حَجِیجُ الْمَارِقِینَ وَ خَصِیمُ النَّاکِثِینَ الْمُرْتَابِینَ- وَ عَلَى کِتَابِ اللَّهِ تُعْرَضُ الْأَمْثَالُ- وَ بِمَا فِی الصُّدُورِ تُجَازَى الْعِبَادُ

اللغه

أقول:

قرفنى بکذا: أى اتّهمنى به و نسبه إلىّ.

و وزع: کفّ.

و حجیجهم: محاجّهم.

و الخصیم: المخاصم.

المعنى

و قوله: أو لم ینه. إلى أو ما وزع.

استفهام من عدم انتهائهم عن نسبته إلى دم عثمان مع علمهم بحاله و قوّته فی الدین و عصمته عن دم حرام فضلا عن مثل دم عثمان استفهاما على سبیل الإنکار علیهم و التعجّب منهم، و نسبه لهم إلى الجهل لجهلهم بمناسبه حاله و سابقته فی الإسلام لبراءته عمّا قرفوه به. و قوله: و لما وعظهم اللّه به أبلغ من لسانى. تعذیر لنفسه فی عدم ردعه لهم عن الغیبه و أمثالها: أى إذا کان وعظ اللّه لهم مع کونه أبلغ من کلامى لا یرد عهم فکلامى بطریق الأولى و زواجر کتاب اللّه کقوله إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ و قوله وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً أَ یُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً«» الآیه و قوله وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً«» و نحوه من القرآن کثیر، و أراد بلسانه وعظه مجازا إطلاقا لاسم السبب على المسبّب.

و قوله: أنا حجیج المارقین.

أى الخوارج أو کلّ من خرج عن دین اللّه، و خصیم المرتابین: أى الشاکّین فی نسبه هذا الأمر إلىّ، و قیل: المنافقین الشاکّین فی صحّه الدین. و قوله: و على کتاب اللّه تعرض الامثال. إلى آخره.
إشاره إلى الحجّه الّتی یحجّ بها. و یخاصهم، و تقریرها: أنّ تعلّق هذا المنکر به إمّا من جهه أقواله، و أفعاله، و اعتقاداته و إرادته، و الثلاثه باطله فتعلّق هذا المنکر به و نسبته إلیه باطله. بیان الحصر أنّ هذه الجهات هى جهات صدور المنکر عن الإنسان.

بیان بطلان الأوّل و الثانی أنّه إن کان قد حصل فی أقواله و أفعاله ما یشبه الأمر بالقتل أو فعله فأوقع فی نفوس الجهّال شبهه القتل نحو ما روى منه لمّا سئل عن قتل عثمان: اللّه قتله و أنا معه، و کتخلّفه فی داره یوم قتل عن الخروج. فینبغى أن یعرض ذلک على کتاب اللّه تعالى فإنّه علیه تعرض الأمثال و الأشباه فإن دلّ على کون شی‏ء من ذلک قتلا فلیحکم به و إلّا فلا. و لن یدلّ أبدا. فلیس لهم أن یحکموا بالقتل من جهه قول أو فعل، و أمّا بطلان الثالث فلأنّ علم ما فی القلوب إلى اللّه و هو الجازى بما فیها من خیر أو شرّ و لیسوا مطّلعین على ما هناک حتّى یحکموا بالقتل من جهتها فإذن حکمهم بتعلّق هذا المنکر به باطل. و باللّه التوفیق.

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن ‏میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه ‏ى ۲۰۷

بازدیدها: ۴

خطبه ۷۱ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام لما عزموا على بیعه عثمان

لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّی أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَیْرِی- وَ وَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ

الْمُسْلِمِینَ- وَ لَمْ یَکُنْ فِیهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَیَّ خَاصَّهً- الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِکَ وَ فَضْلِهِ- وَ زُهْداً

فِیمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ

اللغه

أقول: الزخرف: الزینه،

و یقال: الذهب.

و الزبرج: النقش و الزینه بالحلیه أیضا.

المعنى

و قوله: لقد علمتم أنّى أحقّ بها. یشیر إلى ما علموه من وجه استحقاقه للخلافه و هو استجماعه للفضایل الداخلیّه و الخارجیّه، و الضمیر فی بها للخلافه و هو إمّا أن یعود إلى ذکرها فی فصل تقدّم متّصلا بهذا الفصل أو لشهرتها، و کون الحدیث فیها قرینه معیّنه لها کما قال قبل: لقد تقمّصها.

و قوله: و اللّه لاسلّمنّ ما سلمت امور المسلمین. أى لأترکنّ المنافسه فی هذا الأمر مهما سلمت امور المسلمین من الفتنه. و فیه إشاره إلى أنّ غرضه علیه السّلام من المنافسه فی هذا الأمر هو صلاح حال المسلمین و استقامه امورهم و سلامتهم عن الفتن و قد کان لهم بمن سلف من الخلفاء قبله استقامه أمر و إن کانت لا تبلغ عنده کمال استقامتها لو ولى هو هذا الأمر فلذلک أقسم لیسلمنّ ذلک الأمر و لا ینازع فیه إذ لو نازع فیه لثارث الفتنه بین المسلمین و انشقّت عصا الإسلام و ذلک ضدّ مطلوب الشارع، و إنّما یتعیّن علیه النزاع و القتال عند خوف الفتنه و قیامها.

فإن قلت: السؤال من وجهین: الأوّل: ما وجه منافسته فی هذا الأمر مع أنّه منصب یتعلّق بامور الدنیا و صلاحها مع ما اشتهر منه علیه السّلام من الزهد فیها و الإعراض عنها و ذمّها و رفضها. الثانی: کیف سلّم هاهنا خوف الفتنه و لم یسلّم لمعاویه و لطلحه و الزبیر مع قیام الفتنه فی حربهم. قلت: الجواب عن الأوّل: أنّ منصب رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم لیس منصبا دنیا ویّا و إن کان متعلّقا بإصلاح أحوال الدنیا لکن لا لکونها دنیا بل لأنّها مضمار الآخره و مزرعتها و الغرض من إصلاحها إنّما هو نظام أحوال الخلق فی معاشهم و معادهم فمنافسته علیه السّلام فی هذا الأمر على هذا الوجه من الامور المندوب إلیها إذا اعتقد أنّ غیره لا یغنى غناه فی القیام به فضلا أن یقال: إنّها لا تجوز.

و عن الثانی: أنّ الفرق بین الخلفاء الثلاثه و بین معاویه فی إقامه حدود اللّه و العمل بمقتضى أوامره و نواهیه ظاهر. و قوله: و لم یکن فیها جور إلّا علىّ خاصّه. تظلّم ممّن عدل بها عنه، و نسبه لهم إلى الجور دون من استحقّها فی أنظارهم. فأوصلوها إلیه من سایر الخلفاء. و خاصّه نصب على الحال. و قوله: إلیها التماسا لأجر ذلک. إلى آخره.

التماسا مفعول له و العامل لاسلمنّ: أى ألتمس ثواب اللّه و فضله بتسلیمى و صبری

و کذلک قوله: و زهدا. مفعول له، و فیه إیماء إلى أنّ مقصود غیره من طلب هذا الأمر و المنافسه فیه لیس إلّا الدنیا و زخرفها. و باللّه التوفیق.

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن ‏میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ى ۲۰۶

بازدیدها: ۴

خطبه ۷۰ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام
قاله لمروان بن الحکم بالبصره قالوا: أخذ مروان بن الحکم أسیرا یوم الجمل، فاستشفع الحسن و الحسین علیهما السلام إلى أمیر المؤمنین علیه السّلام فکلماه فیه، فخلى سبیله، فقالا له:

یبایعک یا أمیر المؤمنین فقال علیه السّلام: أَ وَ لَمْ یُبَایِعْنِی بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ- لَا حَاجَهَ

لِی فِی بَیْعَتِهِ إِنَّهَا کَفٌّ یَهُودِیَّهٌ- لَوْ بَایَعَنِی بِکَفِّهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ- أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَهً کَلَعْقَهِ

الْکَلْبِ أَنْفَهُ- وَ هُوَ أَبُو الْأَکْبُشِ الْأَرْبَعَهِ- وَ سَتَلْقَى الْأُمَّهُ مِنْهُ وَ مِنْ وَلَدِهِ یَوْماً أَحْمَرَ

اللغه

أقول:

السّبه: الاست.

و الإمره بالکسر: الولایه.

و کبش القوم: رئیسهم.

المعنى

و لمّا امتنع من بیعه مروان نبّه على سبب امتناعه من ذلک و هو أنّه مظنّه الغدر و ذلک قوله: إنّها کفّ یهودیّه. إذ من شأن الیهود الخبث و المکر و الغدر، ثمّ فسّر تلک الکنایه بقوله: لو بایعنى بیده لغدر بسبّته، و ذکر السّبه إهانه له لأنّ الغدر من أقبح الرذائل فنسبته إلى السّبه أولى النسب. و العرب تسلک مثل ذلک فی کلامها. قال المتوکّل یوما لأبى العیناء: إلى متى تمدح الناس و تذمّهم. فقال: ما أحسنوا و أساءوا، ثمّ قال: یا أمیر المؤمنین: إنّ اللّه تعالى رضى فمدح فقال نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ و سخط فذمّ فقال عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِکَ زَنِیمٍ و الزنیم ولد الزنا. ثمّ ذکر ممّا سیکون من أمر مروان ثلاثه امور:

أحدها: أنّه سیصیر أمیرا للمسلمین و نبّه على قصر مدّه إمارته بتشبیهها بلعقه الکلب أنفه، و وجه الشبه هو القصر، و کانت مدّه إمرته أربعه أشهر و عشرا، و روى ستّهأشهر، و إنّما خصّه بلعقه الکلب لأنّه فی معرض الذمّ، و البحث فی أمّا کهو فی قوله: أمّا أنّه سیظهر علیکم.

الثانی: أنّه سیکون أبا للأکبش الأربعه. و کان له أربعه ذکور لصلبه و هم عبد الملک و ولى الخلافه، و عبد العزیز و ولى مصر، و بشر و ولى العراق، و محمّد و ولى الجزیره، و یحتمل أن یرید بالأربعه أولاد عبد الملک و هم الولید و سلیمان و یزید و هشام کلّهم و لوا الخلافه و لم یلها أربعه إخوه إلّا هم.

الثالث: ما یصدر منه و من ذریّته من الفساد فی الأرض، و ما یلقى الناس منهم من القتل و انتهاک الحرمه. و کنّى عن قتلهم للناس و شداید ما یلقون منهم بالموت الأحمر. و من لسان العرب وصف الأمر الشدید بالأحمر، و لعلّه لکون الحمره وصف الدم کنّى به عن القتل، و روى یوما أحمر. و هو کنایه عن مدّه أمرهم و وصفه بالحمره کنایه عن شدّته.
و فساد بنی امیّه و دمارهم للإسلام و أهله مشهور، و فی کتب التواریخ مسطور.

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن ‏میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ى ۲۰۴

بازدیدها: ۲

خطبه ۶۹ ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام علم فیها الناس الصلاه على النبی صلى اللّه علیه و آله

اللَّهُمَّ دَاحِیَ الْمَدْحُوَّاتِ وَ دَاعِمَ الْمَسْمُوکَاتِ- وَ جَابِلَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِیِّهَا وَ

سَعِیدِهَا اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِکَ- وَ نَوَامِیَ بَرَکَاتِکَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِکَ وَ رَسُولِکَ- الْخَاتِمِ

لِمَا سَبَقَ وَ الْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ- وَ الْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ وَ الدَّافِعِ جَیْشَاتِ الْأَبَاطِیلِ- وَ

الدَّامِغِ صَوْلَاتِ الْأَضَالِیلِ- کَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِکَ مُسْتَوْفِزاً فِی مَرْضَاتِکَ- غَیْرَ نَاکِلٍ

عَنْ قُدُمٍ وَ لَا وَاهٍ فِی عَزْمٍ- وَاعِیاً لِوَحْیِکَ حَافِظاً لِعَهْدِکَ- مَاضِیاً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِکَ حَتَّى

أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ- وَ أَضَاءَ الطَّرِیقَ لِلْخَابِطِ- وَ هُدِیَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ وَ

الْآثَامِ- وَ أَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الْأَعْلَامِ وَ نَیِّرَاتِ الْأَحْکَامِ- فَهُوَ أَمِینُکَ الْمَأْمُونُ وَ خَازِنُ عِلْمِکَ

الْمَخْزُونِ- وَ شَهِیدُکَ یَوْمَ الدِّینِ وَ بَعِیثُکَ بِالْحَقِّ- وَ رَسُولُکَ إِلَى الْخَلْقِ- اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ

مَفْسَحاً فِی ظِلِّکَ- وَ اجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَیْرِ مِنْ فَضْلِکَ- اللَّهُمَّ وَ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِینَ

بِنَاءَهُ- وَ أَکْرِمْ لَدَیْکَ مَنْزِلَتَهُ وَ أَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ- وَ اجْزِهِ مِنِ ابْتِعَاثِکَ لَهُ مَقْبُولَ الشَّهَادَهِ-

مَرْضِیَّ الْمَقَالَهِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وَ خُطْبَهٍ فَصْلٍ- اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُ فِی بَرْدِ الْعَیْشِ وَ

قَرَارِ النِّعْمَهِ- وَ مُنَى الشَّهَوَاتِ وَ أَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ وَ رَخَاءِ الدَّعَهِ- وَ مُنْتَهَى الطُّمَأْنِینَهِ وَ تُحَفِ

الْکَرَامَهِ

اللغه

أقول:

المدحوّات: المبسوطات.

و المسموکات: المرفوعات.

و دعمها: حفظها بالدعامه.

جبل: خلق.

و الفطرات: جمع فطره و هى الخلقه.

و الدمغ: کسر عظم الدماغ.

و جیشات: جمع جیشه من جاشت القدر إذا ارتفع غلیانها.

و اضطلع بالأمر: قوى على حمله و القیام به من الضلاعه و هى القوّه.

و الاستیفاز: الاستعجال.

و النکول: الرجوع.

و القدم: التقدّم.

و الوهى: الضعف.

و وعى الأمر: فقهه.

و القبس: شعله النار.

و أورى: زکى و اشتعل.

و قد اشتملت هذه الخطبه على ثلاثه فصول.

الاوّل: فی صفات المدعوّ و تمجیده و هو اللّه سبحانه.
الثانی: فی صفات المدعوّ له و هو النبىّ صلى اللّه علیه و آله و سلّم.
الثالث: فی صفات أنواع المدعوّ به. و ذلک هو الترتیب الطبیعىّ.

فبدأه ممجّدا للّه تعالى باعتبارات ثلاثه:

أحدهما:

کونه داحى المدحوّات: أى باسط الأرضین السبع و ظاهر کونها مدحوّات فإنّ کلّ طبقه منها إذا اعتبرت کانت مبسوطه فأمّا صدق البسط على جمله الأرض مع أنّها کره و شهاده قوله: و الأرض بعد ذلک دحیها. بذلک، و قوله: و الأرض مددناها. فهو باعتبار طبقاتها. و قد یصدق علیها البسط باعتبار سطحها البارز من الماء الذى یتصرّف علیه الحیوان فإنّه فی الأوهام سطح مبسوط و إن کان عند الاعتبار العقلىّ محدّبا، و إلیه الإشاره بقوله تعالى الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ بِساطاً

الثانی:

داعم المسموکات: أى حافظ السماوات أن تقع على الأرض.
فإن قلت: قد قال فی الخطبه الاولى: بلا عمد تدعمها ثمّ جعلها هنا مدعومه فما وجه الجمع.
قلت: لم ینف هناک إلّا کونها مدعومه بعمد و هذا لا ینافی کونها مدعومه بغیر العمد، و قد بیّنا هناک أنّ الدعامه الّتى تقوم بها السماوات قدرته تعالى.

الثالث:

کونه جابل القلوب على فطراتها شقیّها و سعیدها: أى خالق النفوس على ما خلقها علیه من التهیّوء و الاستعداد لسلوک سبیلى الخیر و الشرّ و استحقاق الشقاوه و السعاده

  بحسب القضاء الإلهىّ کما قال تعالى وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَکَّاها وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها«» و قوله وَ هَدَیْناهُ النَّجْدَیْنِ أى ألهمناه معرفه سلوک طریقى الخیر و الشرّ. و أهل العرفان کثیرا ما یعتبرون عن النفس بالقلب. و شقیّها. بدل من القلوب: أى خالق شقىّ القلوب و سعیدها على فطراتها المکتوبه فی اللوح المحفوظ فمن أخذت العنایه الإلهیّه بزمام عقله على وفق ما کتب له فأعدّته لقبول الهدایه لسلوک سبیل اللّه فهو السعید، و من لحقته حبایل القضاء الإلهىّ فحطّته إلى مهاوى الهلکه فذلک هو الشقّى البعید. و إلیه الإشاره بقوله تعالى یَوْمَ یَأْتِ لا تَکَلَّمُ«» الآیه. و قوله: و اجعل شرائف صلواتک و نوامى برکاتک على محمّد عبدک و رسولک. بعض مطلوباته من هذا الدعاء. و شرایف صلواته ما عظم من رحمته و کمال جوده على النفوس المستعدّه لها، و نوامى برکاته ما زاد منها.

الفصل الثانی:

ذکر للنبىّ صلى اللّه علیه و آله و سلّم أحد و عشرین وصفا
على جهات استحقاق الرحمه من اللّه و زیاده البرکه المدعوّ بها.

الأوّل: کونه عبدا للّه
و ظاهر کون العبودیّه جهه لاستحقاق الرحمه.
الثانی: کونه رسولا له
و الرساله نوع خاصّ من الاستعباد توجب مزید الرحمه و الشفقه.
الثالث: کونه خاتما لما سبق
من أنوار الوحى و الرساله بنوره و ما جاء من الدین الحقّ. و ظاهر کون ذلک جهه استعداد منه لقبول الرحمه و درجات الکمال.
الرابع: کونه فاتحا لما انغلق من سبیل اللّه قبله
و طریق جنّته و حضره قدسه باندراس الشرائع ففتح صلى اللّه علیه و آله و سلّم تلک السبیل بشرعه و کیفیّه هدایته للخلق فیها.
الخامس: کونه قد أظهر الحقّ بالحقّ.
و الأوّل هو الدین و ما یدعو إلیه، و الثانی فیه أقوال: فقیل: هو المعجزات إذ بسببها تمکّن من إظهار الدین، و قیل: الحرب و الخصومه یقال فلان حاقّ فلانا فحقّه: أى خاصمه فغلبه، و قیل: هو البیان: أى أظهر الدین بالبیان الواضح. و أقول: الأشبه أنّه أراد: أظهر الحقّ بعضه ببعض. و کلّ جزئىّ‏

من الحقّ حقّ، و ذلک أنّ الدین لم یظهر دفعه و إنّما بنى الإسلام على خمس ثمّ کثرت فروعه و هو بالأصل یظهر الفرع، و ظاهر کون إظهاره للحقّ جهه لاستحقاقه الرحمه.
السادس: کونه دافعا لجیشات الأباطیل:
أى لثوران فتن المشرکین و انبعاثهم لإطفاء أنوار اللّه، أو لفتنتهم السابقه الّتى کانت معتاده من الغارات و حروب بعضهم لبعض فإنّ کلّ ذلک امور باطله على غیر قانون عدلىّ من اللّه، و ذلک الدفع من جهات قبول الرحمه.
السابع: کونه دامغا لصولات الأضالیل،
و هو قریب من السادس، و استعار لفظ الدمغ لهلاک الضلّال بالکلّیّه ببرکه مقدمه صلى اللّه علیه و آله و سلّم، و وجه الاستعاره کون الدمغ مهلکا للإنسان فأشبه ما أهلک الباطل و محاه من أفعال الرسول صلى اللّه علیه و آله و سلّم. و الضلال هنا الانحراف عن طریق اللّه اللازم عن الجهل بها، و استعار لفظ وصف الصولات له ملاحظه لشبه المنحرفین عن سبیل اللّه إلى الفساد فی قوّه انحرافهم و شدّه فسادهم بالفحل الصایل.
الثامن: کونه حمل الرساله
فقام بما کلّف به و قوى علیه، و قائما. نصب على الحال، و کذلک المنصوبات بعده و هى مستوفزا، و غیر ناکل، و کذلک محلّ لا واه، و واعیا، و حافطا، و ماضیا. و فی قوله: کما حمّل. لطف: أى صلّ علیه صلاه مناسبه مشابهه لتحمیلک له الرساله و قیامه بأمرها لأنّ الجزاء من الحکیم العدل یکون مناسبا للفعل المجزّى و لأجل کونها جهه استحقاق طلب ما یناسبها.
التاسع: کونه عجلا فی رضا اللّه
بامتثال أوامره.
العاشر: کونه غیرنا کل ما یتقدّم فیه من طاعه اللّه.
الحادى عشر: کونه ماضى العزم
فی القیام بأمر اللّه غیر و ان فیه.
الثانی عشر:
کونه واعیا لوحیه، ضابطا، قوىّ النفس على قبوله.
الثالث عشر: کونه حافظا لعهده
المأخوذ علیه من تبلیغ الرساله و أداء الأمانه، و قد سبق بیان معنى العهد فی الخطبه الاولى.
الرابع عشر: کونه ماضیا على إنفاذ أمره
فی العالم و جذب الخلق إلى سلوک سبیله.
الخامس عشر: ما انتهى إلیه من الغایه
باجتهاده فی إرضاء اللّه، و هو کونه أورى‏

قبس القابس: أى اشتعل أنوار الدین و قدح زناد الأفکار حتّى أظهر أنوار العلوم منها للمقتبسین، و استعار لفظ القبس لنور العلم و الحکمه، و لفظ الورى لإظهار الرسول لتلک الأنوار فی طریق اللّه، و قد سبق وجه الاستعاره.
السادس عشر: کونه أضاء الطریق للخابط.
فالطریق هى طریق الجنّه و الحضره الالهیّه، و إضاءته لها بإظهار تلک الأنوار و بیانها بتعلیم کیفیّه سلوکها و الإرشاد إلیها، و الخابط هو الجاهل الّذی قصدت الحکمه الالهیّه إرشاده حیث کان یخبط فی ظلمات الجهل.
السابع عشر: کونه قد هدیت به القلوب إلى موضحات الأعلام:
أى الأدلّه الواضحه على الحقّ. و نیّرات الأحکام هى المطالب الحقّه الواضحه اللازمه من تلک الأدلّه بعد ما کانت القلوب فیه من خوضات الفتن و الآثام اللازمه عمّا اجترحته من السیّئات.
و ذلک أمر ظاهر.
الثامن عشر: کونه أمین اللّه:
أى على وحیه و رسالته، و المأمون تأکید لأمانته.
و قد عرفت معنى الأمانه.
التاسع عشر: کونه خازن علمه المخزون:
أى علومه اللدنیّه الغیبیّه الّتی لا یتأهّل لحملها کلّ البشر المشار إلیها بقوله تعالى عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلى‏ غَیْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ«».
العشرون: کونه شهیدا یوم الدین
کقوله تعالى فَکَیْفَ إِذا جِئْنا مِنْ کُلِّ أُمَّهٍ بِشَهِیدٍ وَ جِئْنا بِکَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِیداً«» أى شاهدا یقوم القیامه على امّته بما علم منهم من خیر و شرّ.
فإن قلت: ما حقیقه هذه الشهاده و ما فایدتها مع أنّ اللّه تعالى عالم الغیب و الشهاده.
قلت: أمّا حقیقتها فیعود إلى اطّلاعه صلى اللّه علیه و آله و سلّم على أفعال امّته، و بیان ذلک أنّک علمت فیما سلف أنّ للنفوس القدسیّه الاطّلاع على الامور الغایبه و الانتقاش بها مع کونه فی جلابیب فی أبدانها فکیف بها إذا فارقت هذا العالم و الجسم المظلم فإنّها إذن تکون‏

مطّلعه على جمیع أفعال اممها و مشاهده لها من خیر أو شرّ، و أمّا فایدتها فقد علمت أنّ أکثر أحکام الناس وهمّیه، و الوهم منکر للإله على الوجه الّذی هو اله فبالحرىّ أن ینکر کونه عالما بجزئیّات أفعال عباده و دقایق خطرات أوهامهم، و ظاهر أنّ ذلک الإنکار یستتبع عدم المبالات بفعل القبیح و الانهماک فی الامور الباطله الّتى نهى اللّه تعالى عنها فإذا ذکر لهم أنّ علیهم شهداء و رقباء و کتّابا لما یفعلون مع صدق کلّ ذلک بأحسن تأویل کان ذلک ممّا یعین العقل على کسر النفس الأمّاره بالسوء و قهر الأوهام الکاذبه، و یردع النفس عن متابعه الهوى ثمّ لا بدّ لکلّ رسول من امناء على دینه و حفظه له هم شهداء أیضا على من بعده إلى قیام الساعه، و إذا کان معنى الشهاده یعود إلى اطّلاع الشاهد على ما فی ذمّه المشهود علیه و علمه بحقیقته و فائدتها حفظ ما فی ذمّه المشهود علیه و تخوّفه أن جحده أو لم یوصله إلى مستحقّه أن یشهد علیه الشاهد فیفضحه و ینتزع منه على أقبح وجه، و کان هذا المعنى و الفائده قائمین فی شهاده الأنبیاء علیهم السّلام إذ بها تتحفّظ أو

امر اللّه و تکالیفه الّتی هى حقوقه الواجبه، و یحصل الخوف للمقصّرین فیها بذکر شهاده الرسل علیهم بالتقصیر فیفتضحوا فی محفل القیامه و یستوفى منهم جزاء ما کلّفوا به فقصروا فیه بالعقاب الألیم لا جرم ظهر معنى کونهم شهداء اللّه على خلقه.
الحادى و العشرون: کونه مبعوثا بالحقّ
و هو الدین الثابت الباقى نفعه و ثمرته فی الآخره، ثمّ أعاد ذکر کونه رسول اللّه إلى خلقه. و إنّما کررّه لأنّه الأصل فی باقى الأوصاف، و ظاهر أنّ کلّ هذه الأوصاف جهات استحقاق الرحمه و البرکه و إفاضه الصلوات الالهیّه على نفسه القدسیّه.
الفصل الثالث: فی تفصیل المطلوب من هذا الدعاء
و هو قوله: اللّهم افسح. إلى آخره، و طلب امورا:

أحدها: أن یفسح له مفسحا فی ظلّه: أى مکانا متّسعا فی حضره قدسه و ظلّ وجوده، و لفظ الظلّ مستعار للجود، و وجه المشابهه راحه المستظلّ بالظلّ من حرّ الشمس فأشبهها راحه الملتجى‏ء إلى جود اللّه المستظلّ به من حراره جهنّم و سعیر عذابه، و إلیه الإشاره بقوله تعالى وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ.

الثانی: أن یجزیه مضاعفات الخیر من فضله: أى یضاعف له الکمالات من نعمه، و قد علمت أنّ مراتب استحقاق نعم اللّه غیر متناهیه.
الثالث: أن یعلى على بناء البانین بناءه، و یحتمل أن یرید ببنائه ما شیّده من الدین فیکون أعلاه المطلوب هو إتمام دینه و إظهاره بعده على الأدیان کلّها، و یحتمل أن یرید به ما شیّده من الملکات الخیریّه و استحقّه من مراتب الجنّه و قصورها.
الرابع: أن یکرّم لدیه منزلته و هو إنزاله المنزل المبارک الموعود، و قل ربّ انزلنى منزلا مبارکا.
الخامس: أن یتمّ له نوره و هو إمّا النور الّذی بعث به و إتمامه انتشاره فی قلوب العالمین، و إمّا النور الّذی فی جوهر ذاته. و تمامه زیاده کماله.
السادس: أن یجزیه عن بعثته قبول شهادته و رضا مقالته، و مقبول مفعول آخر.
و ذا منطق. نصب على الحال. و قبول شهادته. کنایه عن تمام الرضى عنه إذ من کان مقبول الشهاده مرضىّ القول فلا بدّ و أن یکون بریئا من جهات الرذائل المسخطه، أو کنایه عن کون معتقداته و مشاهداته من أعمال امّته و غیرها بریئه عن کدر الأغالیط و شوائب الأوهام، و کذلک رضا أقواله فی شفاعته و غیرها. و کونه ذا منطق عدل: أى لا جور فیه عن الحقّ، و خطبه فصل: أى ممیّزه للحقّ فاصله له من الباطل، و کلّ هذه الاعتبارات و إن اختلفت مفهوماتها ترجع إلى مطلوب واحد و هو طلب زیاده کمالاته علیه السّلام و قربه من اللّه تعالى، و قوله: اللهمّ اجمع. إلى آخر سأل اللّه أن یجمع بینه و بین الرسول فی امور: أحدها: برد العیش. و العرب یقول: عیش بارد إذا کان لا کلفه فیه من حرب و خصومه. و هو فی الآخره یعود إلى ثمرات الجنّه البریئه من کدر الأتعاب.
الثانی: قرار النعمه: أى مستقرّها و هو الجنّه و حضره ربّ العالمین.
الثالث: منى الشهوات، و هو ما تتمنّاه النفس من المشتهیات و تهواه من اللذّات بنعیم الأبد.
الرابع: رخاء الدعه و منتهى الطمأنینه: أى اتّساع سکون النفس بلذّه مفارقه الحقّ و الانس بالملأ الأعلى و أمنها من مزعجات الدنیا و راحتها من معافاه آفاتها.

الخامس: تحف الکرامه. و هى ثمرات الجنّه و قطوفها الدانیه و سایر ما أعدّه لتحف أولیائه الأبرار ممّا لا عین رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی) ، ج ۲ ، صفحه ى ۱۹۶

بازدیدها: ۶

خطبه۶۸ ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام فى ذم أهل العراق

أَمَّا بَعْدُ یَا أَهْلَ الْعِرَاقِ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ کَالْمَرْأَهِ الْحَامِلِ- حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ وَ مَاتَ

قَیِّمُهَا- وَ طَالَ تَأَیُّمُهَا وَ وَرِثَهَا أَبْعَدُهَا- . أَمَا وَ اللَّهِ مَا أَتَیْتُکُمُ اخْتِیَاراً- وَ لَکِنْ جِئْتُ إِلَیْکُمْ

سَوْقاً- وَ لَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّکُمْ تَقُولُونَ عَلِیٌّ یَکْذِبُ قَاتَلَکُمُ اللَّهُ تَعَالَى- فَعَلَى مَنْ أَکْذِبُ أَ عَلَى

اللَّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ- أَمْ عَلَى نَبِیِّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ- کَلَّا وَ اللَّهِ لَکِنَّهَا لَهْجَهٌ غِبْتُمْ

عَنْهَا- وَ لَمْ تَکُونُوا مِنْ أَهْلِهَا- وَیْلُ أُمِّهِ کَیْلًا بِغَیْرِ ثَمَنٍ لَوْ کَانَ لَهُ وِعَاءٌ- وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ

حِینٍ

اللغه

أقول:

أملصت: أسقطت.

و الأیّم: الّتى. لا بعل لها.

و اللهجه: اللسان و القول الفصیح.

و هذا الکلام صدر عنه بعد حرب صفّین. و فیه مقصودان:

الأوّل: توبیخهم على ترکهم للقتال بعد أن شارفوا النصر على أهل الشام، و تخاذلهم إلى التحکیم

و أبرز هذا المقصود فی تشبیههم بالمرأه الحامل، و ذکر لها أوصافا

خمسه، و هى وجود الشبه بینها و بینهم فالحمل یشبه استعدادهم و تعبیتهم للحرب، و الاتمام یشبه مشارفتهم للظفر، و الإملاص یشبه رجوعهم عن عدوّهم بعد طمعهم فی الظفر به و ذلک رجوع غیر طبیعىّ و لا معتاد للعقلاء کما أنّ الإملاص أمر غیر طبیعىّ للحامل و لا معتاد لها، ثمّ موت القیّم بامورها و هو زوجها و طول غربتها، و ذلک یشبه عدم طاعتهم له الجارى مجرى موته عنهم و طول ضعفهم لذلک و دوام عجزهم و ذلّتهم بعد رجوعهم لتفرّقهم إلى خوارج و رهم فإنّ موت قیّم المرأه مستلزم لضعفها و دوام عجزها و ذلّتها، ثمّ کونها قد استحقّ میراثها البعید عنها لعدم ولدها و زوجها و ذلک یشبه من حالهم أخذ عدوّهم الّذی هو أبعد الناس عنهم ما لهم من البلاد، و استحقاقه ذلک بسبب تقصیرهم عن مقاومته. و بهذه الوجوه من الشبه اشبهوا المرأه المذکوره و تمّ توبیخهم من هذه الجهه، ثمّ أخبرهم على التضجّر من حاله معهم بأنّه لم یأتهم إیثارا للمقام بینهم و لکن سوقا قدریّا اضطرّه إلى ذلک. و صدق. إذ لم یکن خروجه من المدینه الّتی هى دار الهجره و مفارقه منزل رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم و قبره إلى الکوفه إلّا لقتال أهل البصره، و حاجته إلى الاستنصار بأهل الکوفه علیهم إذ لم یکن جیش الحجاز وافیا بمقاتلتهم ثمّ اتّصلت تلک الفتنه بفتنه أهل الشام فدامت حاجته إلى المقام بینهم، و روى و لا حبئت إلیکم شوقا بالشین المعجمه.

و المقصود الثانی: توبیخهم على ما بلغه من تکذیبهم له، و مقابلته لهم على ذلک
بردّ أحکام أوهامهم الفاسده فی حقّه، و ذمّهم بجهلهم و قصور أفهامهم عمّا یفیده من الحکمه: و هو قوله: و لقد بلغنى أنّکم تقولون. یکذّب صوره دعواهم المقوله و قد کان جماعه من منافقى أصحابه إذا أخبر عن امور ستکون، أو کانت ثمّ أخبر عنها و أسند ذلک إلى رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم یتحادثون فیما بینهم بتکذیبه فیبلغه ذلک کإخباره عن قصّه الخوارج و ما یکون منهم، و عن ذى الثدیه، و أنّه سیقاتل الناکثین و القاسطین و المارقین و نحو ذلک من الامور الغریبه الّتى تستنکرها طباع العوامّ و لا یعقل أسرارها إلّا العالمون بل کانوا یکذّبونه بمحضره. روى أنّه لمّا قال: لو کسرت لى الوساده لحکمت بین أهل التوراه بتوراتهم، و بین أهل الإنجیل بإنجیلهم، و بین أهل الفرقان بفرقانهم، و اللّه ما من آیه نزلت فی

برّ أو بحر أو سهل أو جبل و لا سماء و لا أرض إلّا و أنا أعلم فیمن نزلت و فی أىّ شی‏ء انزلت. قال رجل من تحت المنبر: یا للّه و للدعوى الکاذبه. و کذلک لمّا قال: سلونى قبل أن تفقدونى أما و اللّه لتشعرنّ الفتنه الغماء برجلها و یطأ فی خطامها یا لها فتنه شبّت نارها بالحطب الجزل مقبله من شرق الأرض رافعه ذیلها داعیه ویلها بدجله أو حولها ذاک إذا استدار الفلک و قلتم مات أو هلک بأىّ واد سلک. فقال قوم من تحت منبره: للّه أبوه ما أفصحه کاذبا. و کأنّها إشاره إلى واقعه التتار. و قابل دعواهم بأمرین: أحدهما: الدعاء علیهم بقتال اللّه لهم، و قد علمت أنّ قتاله یعود إلى مقته و إبعادهم عن رحمته.
الثانی: الحجّه و تقریرها: أنّ الّذی أخبرکم به من هذه الامور إنّما هو عن اللّه و عن رسوله صلى اللّه علیه و آله و سلّم فلو کذبت فیه لکذبت إمّا على اللّه و هو باطل لأنّى أوّل من آمن به و أوّل مؤمن به لا یکون أوّل مکذّب له، أو على نبیّه و هو باطل لأنّى أوّل من صدّقه و اتّبع ملته.

و قوله: کلّا و اللّه. ردّ لصدق دعواهم بعد الحجّه کأنّه قال: فإذن دعواکم علىّ الکذب فیما اخبرکم به باطله.

و قوله: و لکنّها لهجه غبتم عنها و لم تکونوا من أهلها.

یرید به بیان منشأ دعویهم الفاسده لتکذیبه، و ذلک کون ما یقوله و یخبر به من الامور المستقبله و نحوها طورا وراء عقولهم الضعیفه الّتى هى بمنزله أوهام سایر الحیوان و لیسوا لفهم أسرارها بأهل. و أشار باللهجه إلى تلک الأقوال و أسرارها و بغیبتهم عنها إلى غیبه عقولهم عن إدراکها و معرفه إمکانها فی حقّ مثله أو إلى غیبتهم عنها عند إلقاء الرسول صلى اللّه علیه و آله و سلّم قوانینها الکلّیه إلیه و تعلیمه لأبوابها و تفصیل‏

ما فصّل منها له. و ظاهر أنّه لمّا کانت عقول اولئک و أمثالهم مقهوره تحت سلطان أوهامهم و کان الوهم مکذّبا و منکرا لمثل هذه الأحکام لا جرم لم تنتهض عقولهم لتصدیقه علیه السّلام فیها و لم تجوّز اطّلاعه علیها بل تابعت أوهامهم فی الحکم بتکذیبه. و حاله فی ذلک مختصره من حال رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم‏

مع منافقى قومه.

و قوله: ویل امّه.

فالویل فی الأصل دعاء بالشرّ، أو خبر به: و إضافته إلى الامّ دعاء علیها أن تصاب بأولادها، و قیل: إنّها تستعمل للرحمه، و قیل تستعمل للتعجّب و استعظام الأمر.

و قوله: کیلا بغیر ثمن.

إشاره إلى ما یفیضه علیهم من الأخلاق الکریمه و الحکم البالغه الّتى لا یرید بها جزاء و لا ثمنا ثمّ لا یفقهونها و لا یهذّبون بها أنفسهم لکون نفوسهم غیر مستعدّه لقبولها فلیس لها إذن من تلک الأنفس وعاء یقبلها. و استعار لفظ الکیل و کنّى به عن کثره ما یلقیه إلیهم منها و هو مصدر استغنى به عن ذکر فعله. فعلى هذا یحتمل أن یکون ویل امّه دعاء بالشرّ على من لم یفقه مقاله و لم یقتبس الحکمه منه، و الضمیر لإنسان ذلک الوقت و إن لم یجر له ذکر سابق مفرد یعود إلیه لکنّه موجود فی کلّ شخص منهم و کأنّه قال: ویل لامّهم، و یحتمل أن یکون ترحّما لهم فإنّ الجاهل مرحوم، و یحتمل أن یکون تعجّبا من قوّه جهلهم أو من کثره کیله للحکم علیهم مع إعراضهم عنها.

و قوله: و لتعلمّن نبأه بعد حین.

اقتباس لهذه الآیه المفصحه عن مقصوده: أى و لتعلمّن نبأ جهلکم و إعراضکم عمّا أمرکم به و ألقاه إلیکم من الحکم و الآراء الصالحه، و ینکشف لهم ثمره ذلک بعد حین.
و أشار بالحین إمّا إلى مدّه الحیاه الدنیا. و ثمره أفعالهم إذن الندامه و الحسره على ما فرّطوا فی جنب اللّه حیث لا ینفع إلّا الأعمال الصالحه و ذلک حین تزول عنهم غواشى أبدانهم و تطرح نفوسهم جلابیبها بالموت، و إمّا إلى مدّه حیاته هو: أى ستعلمون عاقبه فعلکم هذا بعد مفارقتى لکم. و العاقبه إذن ابتلاؤهم بمن بعده من بنى امیّه و غیرهم بالقتل و الذلّ و الصغار.

و باللّه العصمه و التوفیق.

شرح نهج البلاغه ابن میثم بحرانی ج۲ صفحه ی۱۹۳

بازدیدها: ۳

خطبه۶۷ابن میثم بحرانی

و قال علیه السّلام فى سحره الیوم الذى ضرب فیه  

مَلَکَتْنِی عَیْنِی وَ أَنَا جَالِسٌ- فَسَنَحَ لِی رَسُولُ اللَّهِ ص فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ- مَا ذَا لَقِیتُ مِنْ أُمَّتِکَ مِنَ الْأَوَدِ

وَ اللَّدَدِ فَقَالَ ادْعُ عَلَیْهِمْ- فَقُلْتُ أَبْدَلَنِی اللَّهُ بِهِمْ خَیْراً مِنْهُمْ- وَ أَبْدَلَهُمْ بِی شَرّاً لَهُمْ مِنِّی قال الشریف:

یعنى بالأود الاعوجاج، و باللدد الخصام و هذا من أفصح الکلام

المعنى

أقول: السحره: السحر الأعلى، و أمّا کیفیّه قتله علیه السّلام فمذکور فی التواریخ.

و قوله: ملکتنى عینى. استعاره حسنه و تجوّز فی الترکیب أمّا الاستعاره فلفظ الملک للنوم، و وجه الاستعاره دخول النائم فی غلبه النوم و قهره و منعه له أن یتصرّف فی نفسه کما یمنع الملک العبد من التصرّف فی أمره، و أمّا التجوّز ففى العین و فی الإسناد إلیها. أمّا الأول فأطلق لفظ العین على النوم لما بینها من الملابسه إذ إطباق الجفون من عوارضها، و أمّا الثانی فإسناد الملک إلى النوم المتجوّز فیه بلفظ العین. و الواو فی قوله: و أنا. للحال.

و قوله: فسنح إلى آخره.

أراد بالسنح حضور صوره رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم فی لوح خیاله کما علمت و شکایته منهم و جواب الرسول له یستلزم أمرین: أحدهما أنّه علیه السّلام کان فی غایه الکرب من تقصیرهم فی إجابه ندائه و دعوته إلى الجهاد حتّى انتهت الحال إلى قتله. الثانی عدم رضا رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم عنهم.

و قوله: أبدلهم بى شرّا لهم منّى. لا یستلزم أنّ فیه شرّا کما قدّمنا بیانه. و باللّه التوفیق.

 

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن ‏میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ ى ۱۹۲

بازدیدها: ۱

خطبه ۶۶ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام

کَمْ أُدَارِیکُمْ کَمَا تُدَارَى الْبِکَارُ الْعَمِدَهُ- وَ الثِّیَابُ الْمُتَدَاعِیَهُ- کُلَّمَا حِیصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّکَتْ مِنْ آخَرَ- کُلَّمَا أَطَلَّ عَلَیْکُمْ مَنْسِرٌ

مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ- أَغْلَقَ کُلُّ رَجُلٍ مِنْکُمْ بَابَهُ- وَ انْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَّبَّهِ فِی جُحْرِهَا وَ الضَّبُعِ فِی وِجَارِهَا- الذَّلِیلُ وَ اللَّهِ

مَنْ نَصَرْتُمُوهُ- وَ مَنْ رُمِیَ بِکُمْ فَقَدْ رُمِیَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ- إِنَّکُمْ وَ اللَّهِ لَکَثِیرٌ فِی الْبَاحَاتِ قَلِیلٌ تَحْتَ الرَّایَاتِ- وَ إِنِّی لَعَالِمٌ بِمَا

یُصْلِحُکُمْ وَ یُقِیمُ أَوَدَکُمْ- وَ لَکِنِّی لَا أَرَى إِصْلَاحَکُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِی- أَضْرَعَ اللَّهُ خُدُودَکُمْ وَ أَتْعَسَ جُدُودَکُمْ- لَا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ

کَمَعْرِفَتِکُمُ الْبَاطِلَ- وَ لَا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ کَإِبْطَالِکُمُ الْحَقَّ

اللغه

أقول البکار: جمع بکر و هو الفتى من الإبل.

و العمده: هى الّتى شدخ أسنمتها ثقل الحمل.

و الحوص: الخیاطه.

و تهتّکت: تخرّقت.

و أطلّ: أشرق. و المنسر بکسر المیم و فتح السین،

و العکس: القطعه من الجیش من الماءه إلى المائتین. و قد سبق.

و انجحر الضبّ: دخل جحره و هو فی بیته.

و بیت الضبع: وجاره.

و الأفوق الناصل: السهم لا فوق له و لا نصل.

و الباحه: ساحه الدار.

و الأود. الاعوجاج.

و أضرع: أذلّ.

و أتعس: أهلک.

 

المعنى

و هذا الفصل یشتمل على توبیخ أصحابه لتقاعدهم عن النهوض معه إلى حرب أهل الشام، و ذکر وجوه التوبیخ:

الأوّل: حاجتهم إلى المداراه الکثیره. و لیس ذلک من شیم الرجال ذوى العقول بل من شأن البهایم و من لا عقل له، و نبّههم فی حاجتهم إلى المداره بتشبیهین. أحدهما: بالبکاره الّتى قد انهکها حملها. و وجه الشبه بینهما و بینهم هو قلّه صبرهم و شدّه إشفاقهم و فرارهم من التکلیف بالجهاد و استغاثتهم کما یشتدّ جرجره البکر العمد، و فراره من معاوده الحمل.

الثانی: بالثیاب المتداعیه، و هى الّتى یتبع ما لم یتخرّق منها ما انخرق فی مثل حاله. و وجه الشبه ما ذکره، و هو قوله: کلّما حیصت من جانب تهتّکت من آخر: أى کما أنّ الثیاب المتداعیه کذلک. فکذلک أصحابه کلّها أصلح حال بعضهم و جمعهم للحرب فسد بعض آخر علیه. الثانی: شهاده حالهم علیهم بالجبن و الخوف و هو قوله: کلّما أطلّ. إلى قوله: و جارها، و کنّى بإغلاق کلّ منهم بابه عند سماعهم بقرب بعض جیوش الشام منهم عن فرارهم من القتال و کراهیه سماعهم للحرب، و شبّههم فی ذلک الخوف و الفرار بالضبّه و الضبع حین ترى الصائد أو أمرا تخافه. و إنّما خصّ الإناث لأنّها أولى بالمخافه من الذکران.

الثالث: وصفهم بالذلّه و قلّه الانتفاع بهم. فنبّه على وصف الذلّ بقوله: الذلیل و اللّه من نصرتموه. فإنّه إنّما یکون ذلیلا لکونهم کذلک، و یحتمل أن یشیر بذلک إلى سوء آرائهم فی التفرّق و الاختلاف، ثمّ بالغ فی ذلک بحصر الذلّ لکلّ منتصر بهم فیمن نصروه، و نبّه على قلّه الانتفاع بهم بقوله: و من رمى بکم فقد رمى بأفوق ناصل. استعار لهم من أوصاف السهم أرداها، و کنّى بذلک عن عدم فایدتهم و نکایتهم فی العدوّ کما لا فایده فی الرمى بالسهم الموصوف.

الرابع: وصفهم بالکثره فی المجامع و الأندیه مع قلّتهم فی الحرب و تحت الألویه. و ذلک یعود إلى الذمّ بالجبن أیضا و العار به فإن قلّه الاجتماع فی الحرب و التفرّق عنه من لوازم الخوف، و کما أنّ مقابل هذا الوصف و هو الاجتماع و الکثره فی الحرب مع القلّه فی غیره مدح کما قال أبو الطیّب.

ثقال إذا لائوا خفاف إذا دعوا            قلیل إذا عدّوا کثیر إذا شدّوا

فبالحرىّ أن کان هذا الوصف ذمّا کما قال عویف القوافی.

أ لستم أقلّ الناس عند لوائهم        و أکثرهم عند الذبیحه و القدر

و قوله: و إنّى لعالم إلى قوله: أودکم. أراد أنّه لا یصلحهم إلّا السیاسه بالقتل و نحوه کما فعل الحجّاج حین أرسل المهلبّ إلى الخوارج. روى أنّه نادى فی الکوفه من تخلّف عن المهلبّ بعد ثلاث فقد أحلّ دمه، و قتل جماعه فخرج الناس إلى المهلّب یهرعون، و کما یفعله کثیر من الملوک.

و قوله: و لکنّى لا أری إصلاحکم بإفساد نفسى: أى لمّا لم یکن لیستحلّ من دماء أصحابه ما یستحلّ ملوک الدنیا من رعیّتهم إذا أراد و إثبات ملکهم و لو بفساد دینهم لا جرم لم یر إصلاحهم بالقتل إذ کان إصلاحهم بذلک سببا لفساد نفسه بلزوم آثامهم لها. و لمّا کان من الواجب فی الحکمه أن یکون إصلاح الإنسان للغیر فرعا على إصلاح نفسه أوّلا لم یتصوّر من مثله علیه السّلام أن یفعل فعلا یستلزم فساد نفسه و إن اشتمل على وجه من المصلحه.

فإن قلت: الجهاد بین یدی الإمام العادل واجب و له أن یحملهم علیه. فلم لا یستجیز قتلهم.
قلت: الجواب من وجهین: أحدهما: أنّه لیس کلّ واجب یجب فی ترکه القتل کالحجّ. الثانی: لعلّه علیه السّلام لو شرع فی عقوبتهم بالقتل على ترک الجهاد معه لتفرّقوا عنه إلى خصمه أو سلّموه إلیه و اتّفقوا على قتله. و کلّ هذه مفاسد أعظم من تقاعدهم عن دعوته لهم فی بعض الأوقات. و قوله: أضرع اللّه. إلى آخره. دعا علیهم بالذلّ و هلاک الحظّ، ثمّ نبّهم على علّه استحقاقهم لدعائه و هى الجهل، ثمّ ما ینشأ عنه من ظلم أنفسهم. أمّا الجهل فعدم معرفتهم للحقّ کمعرفتهم الباطل، و أراد به ما یلزمهم من أوامر اللّه، و أراد بمعرفتهم الباطل معرفتهم بأحوال الدنیا و باطلها و الاشتغال به عن أوامر اللّه، و یحتمل أن یشیر به إلى ما یعرض لبعضهم من الشبه الباطله فی قتال أهل القبله فیوجب لهم التوقّف و التخاذل عن الحرب، و یکون مکاثرته بین معرفتهم للباطل و الحقّ تنبیها على قوّه جهلهم المرکّب و هو أشدّ الجهل، و غایته توبیخهم بکونهم على قسمى الجهل. فالبسیط هو عدم معرفتهم للحقّ، و المرکّب هو تصدیقهم بالباطل. و أمّا الظلم فهو إبطالهم للحقّ و ذلک إشاره إلى تعامیهم عن طاعه اللّه و تصاممهم عن سماع منادیه و إجابته، و عدم إبطالهم للباطل إشاره إلى عدم إنکارهم للمنکر من أنفسهم و غیرهم. و باللّه التوفیق.

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ى ۱۸۹

بازدیدها: ۲۴۳

خطبه ۶۵ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام لما قلد محمد بن أبى بکر مصر فملکت علیه فقتل

وَ قَدْ أَرَدْتُ تَوْلِیَهَ مِصْرَ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَهَ- وَ لَوْ وَلَّیْتُهُ إِیَّاهَا لَمَّا خَلَّى لَهُمُ الْعَرْصَهَ- وَ لَا أَنْهَزَهُمُ الْفُرْصَهَ- بِلَا ذَمٍّ لِمُحَمَّدِ بْنِ

أَبِی بَکْرٍ- فَلَقَدْ کَانَ إِلَیَّ حَبِیباً وَ کَانَ لِی رَبِیباً

أقول: کان علیه السّلام ولىّ محمّد بن أبى بکر مصر فلمّا اضطرب الأمر علیه بعد صفّین و قوى أمر معاویه طمع فی مصر. و قد کان عمرو بن العاص بایعه على أن یکون معه فی قتال علىّ و بکون مصر له طعمه. فبعثه إلیها بعد صفّین فی ستّه آلاف فارس و قد کان فیها جماعه عظیمه ممّن یطلب بدم عثمان، و کانوا یزعمون أنّ محمّدا قتله فانضافوا إلى عمرو، و کان معاویه کتب إلى وجوه أهل مصر أمّا إلى شیعته فبالترغیب، و أمّا إلى أعدائه فبالترهیب، و کتب محمّد بن أبى بکر إلى علىّ بالقصّه یستمدّه بالمال و الرجال فکتب إلیه بعده بذلک.
فجعل محمّد یدعو أهل مصر لقتال عمرو فانتدب معه منهم أربعه آلاف رجل فوجّه منهم ألفین‏

عند کنانه بن بشر لاستقبال عمرو، و بقى هو فی ألفین فابتلى کنانه فی ذلک الیوم بلاء حسنا و قتل من عسکر عمرو خلقا کثیرا، و لم یزل یقاتل حتّى قتل هو و من معه فلمّا قتل تفرّق الناس عن محمّد، و أقبل عمرو یطلب محمّدا فهرب منه مختفیا فالتجئ إلى حزبه اختبى فیها فدخل عمرو فسطاطه. و خرج معاویه بن خدیج الکندى و کان من امراء جیش عمرو فی طلب محمّد فطفر به و قد کاد یموت عطشا فقدّمه فضرب عنقه ثمّ أخذ جثّته فحشاها فی جوف حمار میّت و أحرقه، و قد کان على علیه السّلام وجّه لنصرته مع مالک بن کعب إلى مصر نحو من ألفى رجل فصار بهم خمس لیال و ورد الخبر إلى علىّ علیه السّلام بقتله و أخذ مصر. فخرج علیه السّلام علیه جزعا ظهر أثره فی وجهه ثمّ قال: رحم اللّه محمّدا کان غلاما حدثا، و قد کنت أردت. الفصل.

اللغه

و النهز: النهوض لتناول الشی‏ء.

و الفرصه: النهضه، و هى ما أمکنک من نفسک.

المعنى

و إنّما أراد تولیه هاشم لقوّته على هذا الأمر و کثره تجاربه، و هاشم هذا ابن عتبه بن أبی وقّاص الّذی کسر رباعیه رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم یوم احد و کلم شفته، و کان هاشم من شیعه علىّ و المخلصین فى ولائه شهد معه حرب صفّین و ابلى فیه بلاء حسنا و استشهد بین یدیه بها.

و قوله: لما خلّى لهم العرصه. أى عرصه الحرب کما فرّ محمّد، و ظنّ أنّه ینجو بفراره. و لو ثبت لثبت معه الناس و قتل کریما.

و قوله: و لا أنهزهم الفرصه. کنّى بالفرصه عن مصر: أی و لم یمکنهم من تناولها کما تمکّنوا مع محمّد.

و قوله: بلا ذمّ لمحمّد. أى لست فی مدحى لهاشم ذامّا لمحمّد. و نبّه على براءته من استحقاق الذمّ بوجهین.

الأوّل: أنّه کان لى حبیبا. و ظاهر أنّه علیه السّلام لا یحبّ إلّا مرضیّا للّه و رسوله بریئا من العیوب الفاضحه. و قد کان محمّد- رضى اللّه عنه- من نسّاک قریش و عبّادها.

الثانی: أنّه کان ربیبا له. و ذلک ممّا یستلزم محبّته و عدم ذمّه فأمّا کونه ربیبا فلأنّ ام محمّد هى أسماء بنت عمیس و کانت تحت جعفر بن أبی طالب و هاجرت معه إلى الحبشه فولدت له عبد اللّه بن جعفر و قتل عنها یوم موته فتزوّجها أبو بکر فأولدها محمّدا ثمّ لمّا مات عنها تزوجها علىّ علیه السّلام فکان محمّد ربیبته و نشأ على ولائه منذ صباه، و کان علىّ علیه السّلام یحبّه و یکرمه و یقول: محمّد ابنى من ظهر أبى بکر. و باللّه التوفیق.

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ى ۱۸۷

 

بازدیدها: ۲۲۲

خطبه ۶۴ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام فى معنى الأنصار

قالوا: لما انتهت إلى أمیر المؤمنین علیه السّلام أنباه السقیفه بعد وفاه رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم. قال

علیه السّلام:: فَهَلَّا احْتَجَجْتُمْ عَلَیْهِمْ- بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص وَصَّى بِأَنْ یُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهِمْ- وَ یُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِیئِهِمْ- قَالُوا

وَ مَا فِی هَذَا مِنَ الْحُجَّهِ عَلَیْهِمْ- فَقَالَ ع لَوْ کَانَ الْإِمَامَهُ فِیهِمْ لَمْ تَکُنِ الْوَصِیَّهُ بِهِمْ- ثُمَّ قَالَ ع‏ فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَیْشٌ- قَالُوا

احْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَهُ الرَّسُولِ ص- فَقَالَ ع احْتَجُّوا بِالشَّجَرَهِ وَ أَضَاعُوا الثَّمَرَهَ

المعنى

أقول: الأنباء الّتى بلغته علیه السّلام هى أخبار ما جرى بین الأنصار و المهاجرین من المشاجره فی أمر الإمامه و ایقاعهم البیعه لأبى بکر، و خلاصه القصّه أنّه لمّا قبض رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم اجتمعت الأنصار فی سقیفه بنى ساعده: و هى صفّه کانوا یجتمعون بها فخطبهم سعد بن عباده، و مدحهم فی خطبته و أغراهم بطلب الإمامه. و قال: إنّ لکم سابقه فی الإسلام لیست لقبیله من العرب. إنّ رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم لبث فی قومه بضع عشره سنه یدعوهم إلى عباده الرحمن فما آمن به من قومه إلّا قلیل، و اللّه ما کانوا یقدرون أن یمنعوه و لا یدفعوا عنه ضیما حتّى أراد اللّه بکم خیر الفضیله، و ساق إلیکم الکرامه، و رزقکم الایمان به و الإقرار بدینه. فکنتم أشدّ الناس على من تخلّف عنه منکم، و أثقله على عدوّه من غیرکم حتّى استقاموا لأمره و دانت لأسیافکم العرب، و انجز اللّه لنبیّکم الوعد و توفّاه و هو عنکم راض. فشدّوا أیدیکم لهذا الأمر. فأنتم أحقّ الناس به. فأجابوه جمیعا إن وفّقت و أصبت لم نعد و أن نولّیک هذا الأمر.

و أتى الخبر أبا بکر و عمر فجاء امسرعین إلى السقیفه فتکلّم أبو بکر فقال للأنصار: ألم تعلموا أنّا معاشر المهاجرین أوّل الناس إسلاما و نحن عشیره رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم و أنتم أنصار الدین و وزراء رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم و إخواننا فی کتاب اللّه، و أنتم المؤثرون على أنفسهم و أحقّ الناس بالرضاء بقضاء اللّه و التسلیم لما ساق اللّه إلى إخوانکم، و أن لا یکون انتقاض هذا الدین على أیدیکم، و أنا أدعوکم إلى بیعه أبى عبیده أو عمر فکلاهما قد رضیت لهذا الأمر.

فقال عمرو أبو عبیده: ما ینبغی لأحد من الناس أن یکون فوقک أنت صاحب الغار، و ثانى اثنین، و أمرک رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم بالصلوه.
فأنت أحقّ بهذا الأمر. فقالت الأنصار: نحن أنصار الدار و الایمان لم یعبد اللّه علانیه إلّا عندنا و فی بلادنا، و لا عرف الایمان إلّا من أسیافنا، و لا جمعت الصلاه إلّا فی مساجدنا. فنحن أولى بهذا الأمر. فإن أبیتم فمنّا أمیر و منکم أمیر. فقال عمر: هیهات لا یجمع سیفان فی غمد إنّ العرب لا ترضى أن تؤمّرکم و بینها من غیرکم. فقال الحباب بن المنذر: نحن‏ و اللّه أحقّ بهذا الأمر إنّه قددان لهذا الأمر بأسیافنا من لم یکن یدین له و إن لم ترضوا اجلیناکم عن بلادنا إنّا جذیلها المحلّک و عذیقها المرجّب إن شئتم لنعیدنّها جذعه. و اللّه لا یردّ علىّ أحد ما أقول إلّا حطمت أنفه بسیفى هذا. فقام بشر بن سعد الخزرجىّ و کان یحسد سعد بن عباده أن یصل إلیه هذا الأمر و کان سیّدا فی الخزرج و قال: إنّا لم نرد بجهادنا و إسلامنا إّ وجه ربّنا لا غرضا من الدنیا، و إنّ محمّدا رجل من قریش و قومه أحقّ بمیراث أمره و اتّقو اللّه و لا تنازعوهم معشر الأنصار. فقام أبو بکر فقال: هذا عمرو أبو عبیده بایعوا أیّهما شئتم فقالا: لا یتولّى هذا الأمر غیرک و أنت أحقّ به ابسط یدک فبسط یده فبایعاه و بایعه بشر بن سعد و بایعته الأوس کلّهم، و حمل سعد بن عباده و هو مریض فأدخل منزله، و قیل: إنّه بقى ممتنعا من البیعه حتّى مات بحوران فی طریق الشام.

و لنرجع إلى المتن فنقول: أمّا الخبر الّذی رواه علیه السّلام عن رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم حجّه علیهم فهو صحیح أخرجه مسلم و البخارى فی مسندیهما عن أنس قال أبو بکر و العبّاس بمجلس من مجالس الأنصار فی مرض رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم و هم یبکون فقالا: ما یبکیکم.
فقالوا: ذکرنا مجلس رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم فدخلا على الرسول فأخبراه بذلک فخرج رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم معصّبا على رأسه حاشیه برد فصعد المنبر و لم یصعده بعد ذلک الیوم فحمد اللّه و أثنى علیه ثمّ قال: اوصیکم بالأنصار فإنّهم کرشى و عیبتى و قد قضوا الّذی علیهم و بقى الّذی لهم فاقیلوا من محسنهم و تجاوزوا عن مسیئهم. فأمّا وجه احتجاجه بهذا الخبر فهو فی صوره شرطیّه متّصله یستثنى فیها نقیض تالیها. و تقریرها: لو کانت الإمامه حقّا لهم لمّا کانت الوصیّه بهم لکنّها بهم فلیست الإمامه لهم. بیان الملازمه أنّ العرف قاض بأنّ الوصیّه و الشفاعه و نحوها إنّما یکون إلى الرئیس فی حقّ المرءوس من غیر عکس، و أمّا بطلان التالى للخبر المذکور. و أمّا قوله: احتجّوا بالشجره و أضاعوا الثمره. فأشار بالثمره إمّا إلى نفسه و أهل بیته فإنّهم ثمره الغصن المورق المثمر لتلک الشجره، و لمّا استعیر لفظ الشجره لقریش استعار لفظ الثمره لنفسه. و قد عرفت فرعیّته عن رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم و کونه ثمره. و إضاعتهم لها إهمالهم له من هذا الأمر، و یحتمل‏ أن یرید بالثمره الّتى أضاعوها سنّه اللّه الموجبه فی اعتقاده استحقاقه لهذا لأمر و ظاهر کونها ثمره الرسول صلى اللّه علیه و آله و سلّم و إهمالهم لها ترکهم العمل بها فى حقّه، و هو کلام فی قوّه احتجاج له على قریش بمثل ما احتجّوا به على الأنصار. و تقدیره: أنّهم إن کانوا أولى من الأنصار لکونهم شجره رسول اللّه فنحن أولى لکوننا ثمره، و للثمره اختصاص بالمثمر من وجهین: أحدهما: القرب و مزیّته ظاهره. و الثانی: أنّ الثمره هى المطلوبه بالذات من الشجره و غرسها فإن کانت الشجره معتبره فبالأولى اعتبار الثمره، و إن لم یلتفت إلى الثمره فبالأولى لا التفات إلى الشجره.

و یلزم من هذا الاحتجاج أحد أمرین: إمّا بقاء الأنصار على حجّتهم لقیام هذه المعارضه، أو کونه علیه السّلام أحقّ بهذا الأمر و هو المطلوب. و اللّه أعلم بالصواب.

شرح‏ نهج‏ البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ى ۱۸۴

 

بازدیدها: ۲۱۵

خطبه ۶۳ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام کان یقوله لأصحابه فى بعض أیام صفین

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِینَ اسْتَشْعِرُوا الْخَشْیَهَ- وَ تَجَلْبَبُوا السَّکِینَهَ وَ عَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ- فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّیُوفِ عَنِ الْهَامِ وَ أَکْمِلُوا

اللَّأْمَهَ- وَ قَلْقِلُوا السُّیُوفَ فِی أَغْمَادِهَا قَبْلَ سَلِّهَا- وَ الْحَظُوا الْخَزْرَ وَ اطْعُنُوا الشَّزْرَ- وَ نَافِحُوا بِالظُّبَى وَ صِلُوا السُّیُوفَ

بِالْخُطَا- وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ بِعَیْنِ اللَّهِ وَ مَعَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ- فَعَاوِدُوا الْکَرَّ وَ اسْتَحْیُوا مِنَ الْفَرِّ- فَإِنَّهُ عَارٌ فِی الْأَعْقَابِ وَ نَارٌ

یَوْمَ الْحِسَابِ- وَ طِیبُوا عَنْ أَنْفُسِکُمْ نَفْساً- وَ امْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْیاً سُجُحاً- وَ عَلَیْکُمْ بِهَذَا السَّوَادِ الْأَعْظَمِ وَ الرِّوَاقِ

الْمُطَنَّبِ- فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ فَإِنَّ الشَّیْطَانَ کَامِنٌ فِی کِسْرِهِ- وَ قَدْ قَدَّمَ لِلْوَثْبَهِ یَداً وَ أَخَّرَ لِلنُّکُوصِ رِجْلًا- فَصَمْداً صَمْداً حَتَّى

یَنْجَلِیَ لَکُمْ عَمُودُ الْحَقِّ- وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَکُمْ وَ لَنْ یَتِرَکُمْ أَعْمالَکُمْ

أقول: المشهور أنّ هذا الکلام قاله علیه السّلام لأصحابه فی الیوم الّذی کان مساؤه لیله الهریر، و روى أنّه قال فی أوّل اللقاء بصفّین و ذلک فی صفر سنه سبع و ثلاثین.

 

اللغه

استشعرت الشی‏ء: اتّخذته شعارا: و هو ما یلی الجسد من الثیاب.

و الجلباب: الملحفه.

و السکینه: الثبات و الوقار.

و النواجذ: أقاصى الأضراس.

و نبا السیف: إذا رجع فی الضربه و لم یعمل و اللأمه بالهمزه الساکنه: الدرع، و بالمدوده مع تضعیف المیم جمیع آلات الحرب و القلقله: التحریک الخزر بفتح الزاء: ضیق العین و صغرها، و کذلک تضییقها و النظر بمؤخّرها عند الغضب.

و الطعن الشزر بسکون الزاء: الضرب على غیر استقامه بل یمینا و شمالا.

و الظبى: جمع ظبّه: و هو طرف السیف و المنافحه: التناول بأطراف السیوف.

و الأعقاب: جمع عقب أو جمع عقب و هو العاقبه.

و سجحا: أى سهلا.

و السواد: العدد الکثیر.

و الرواق: بیت کالفسطاط یعمل على عمود واحد.

و ثبجه: وسطه.

و الکسر: جانب الخباء و النکوص: الرجوع.

و الصمد. القصد. و لن یترکم: أى ینقصکم.

و اعلم أنّ هذه الأوامر مشتمله على تعلیم الحرب و المقاتله و هى کیفیّه یستلزم الاستعداد بها إفاضه النصر لا محاله.

فأوّلها: الأمر باستشعار خشیه اللّه
کما یلزم الشعار الجسد. و هو استعاره کما سبق.
و فایده هذا الأمر الصبر على الحرب و امتثال جمیع امور الباقیه. إذ خشیه اللّه مستلزمه لامتثال أوامره و لذلک قدّمه.

الثانی: الأمر باتّخاذ السکینه جلبابا  تنزیلا للثیاب الشامل للإنسان منزله الملحفه فی شمولها للبدن. و الشمول هو وجه الاستعاره، و فایده هذا الأمر طرد الفشل و إرهاب العدوّ فإنّ الطیش و الاضطراب یستلزمان الفشل و طمع العدوّ.

الثالث: الأمر بالعضّ على النواجذ و فایدته ما ذکر و هو أن ینبو السیف عن الهامه. و علّته أنّ العضّ على الناجذ یستلزم تصلّب العضلات و الأعصاب المتّصله بالدماغ فیقاوم ضربه السیف و یکون نکایته فیه أقلّ، و الضمیر فی قوله: فإنّه. یعود إلى الصدر الّذی دلّ علیه عضوّا کقولک: من أحسن کان خیرا له. و قال بعض الشارحین: عضّ الناجذ کنایه عن تسکین القلب و طرد الرعده و لیس المراد حقیقته. قلت: هذا و إن کان محتملا لو قطع عن التعلیل إلّا أنّه غیر مراد هنا لأنّه یضیع تعلیله بکونه أنبا للسیوف عن الهامّ.

الرابع: الأمر بإکمال اللأمه، و إکمال الدرع البیضه و السواعد، و یحتمل أن‏ یرید باللامه جمیع آلات الحرب و ما یحتاج إلیه فیه و فایدته شده التحصّن.

الخامس: الأمر بقلقله السیوف فی الأغماد
و فایدته سهوله جذبها حال اٍلٍحاجه إلیها فإنّ طول مکثها فی الأغماد یوجب صداها و صعوبه مخرجها حال الحاجه

السادس: الأمر بلحظ الخزر
و ذلک من هیئات الغضب فإنّ الإنسان إذا نظر من غضب علیه نظره خزرا، و فائدته امور: أحدها: إحماء الطبع و استثاره الغضب، و الثانی: أنّ النظر بکلّیه العین إلى العدوّ أماره الفشل و من عوارض الطیش و الخوف، و ذلک یوجب طمع العدوّ. الثالث: أنّ النظر بکلّیتها إلیه یوجب له التفطّن و الحذر و أخذ الاهبّه و التحرّز، و النظر خززا استغفال له و مظنّه لأخذ عزّته.

السابع: الأمر بالطعن الشرز
و ذلک أنّ الطعن یمینا و شمالا یوسّع المجال على الطاعن و لأن أکثر المناوشه للخصم فی الحرب یکون عن یمینه و شماله.

الثامن: الضرب بأطراف السیوف.
و فائدته أنّ مخالطه العدوّ و القرب الکثیر منه یشغل عن التمکّن من ضربه.

التاسع: الأمر بوصل السیوف بالخطا.
و له فایدتان: إحداهما أنّ السیف ربّما یکون قصیرا فلا ینال الغرض به فإذا انصاف إلیه مدّ الید و الخطوات بلغ به المراد. و فیه قول الشاعر.
إذا قصرت أسیافنا کان وصلها خطانا إلى أعدائنا فنضارب‏

و قول الآخر:
نصل السیوف إذا قصرن بخطونا یوما و نلحقها إذا لم تلحق‏

و قیل له علیه السّلام: ما أقصر سیفک فقال: اطوّله بخطوه. الثانیه: أنّ الزحف فی الحرب إلى العدوّ و التقدّم إلیه خطوات فی حال المکافحه یکسر توهّمه الضعف فی عدوّه و یلقى فی قلبه الرعب و یداخله الرهبه، و إلیه أشار حمید بن ثور الهذلىّ.
و وصل الخطا بالسیف و السیف بالخطا إذا ظنّ أنّ المرء ذا السیف قاصر

ثمّ لمّا أراد تأکید تلک الأوامر فی قلوبهم و أن یزیدهم أوامر اخرى أردف ذلک بأمرین: أحدهما: أنّ اللّه تعالى یراهم و ینظر کیف یعملون، و ذلک قوله: و اعلموا أنّکم‏ بعین اللّه، و الباء هنا کهى فی قولک: أنت منّى بمرأى و مسمع. الثانی: تذکیرهم بکونهم مع ابن عمّ رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم تنبیها لهم على فضیلته، و أنّ طاعه کطاعته رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم، و حربه کحربه کما هو المنقول عنه: حربک یا علىّ حربى. فیثبتوا على قتال عدوّهم کما ثبتوا مع رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم

العاشر: الأمر بمعاوده الکرّ.
و ذلک عند التحرّف للقتال و الانحیاز إلى الفئه، و أن یستحیوا من الفرار. ثمّ نبّهم على قبحه بأمرین: أحدهما: أنّه عار فی الأعقاب: أى أنّه عار فی عاقبه أمرکم و سبّه باقیه خلفکم، و العرب تستقبح الفرار کثیرا، الثانی: کونه نارا یوم الحساب: أى یوجب استحقاق النار، و هو من کبائر المعاصى، و جعله نارا مجازا تسمیه له باسم غایته و هو تذکیر لهم بوعیده تعالى وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلى‏ فِئَهٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ.  

الحادى عشر قوله: و طیّبوا عن أنفسکم نفسا
و هو تسهیل للموت علیهم الّذی هو غایه ما یلقونه من الشدائد فی الحرب بالبشاره بما هو أعظم و أجلّ من الحیاه الدنیا المطلوبه بترک القتال و هو ما أعدّ لهم من الثواب الباقى، و هذا کما یقول أحدنا للمنفق ماله مع حبّه له طب نفسا عمّا ذهب منک فإنّ الصدقه مضاعفه لک عند اللّه و تجدها خیرا و أعظم أجرا. و نفسا منصوب على التمییز، و أشار بها إلى النفس المدّبره لهذا البدن، و بالاولى إلى الشخص الزایل بالقتل.

الثانی عشر: الأمر بالمشى إلى الموت سجحا:
أى مشیا سهلا لا تکلّف فیه و لا تخشّع فإنّ المتکلّف سریع الفرار، و هو أمر لهم بالمشى إلى غایه ما یخافون من القتال لیوطّنوا نفوسهم علیه إو لنفروا بسرعه إلى الحرب إذ من العاده أن یستنفر الشجاع بمثل ذلک فیسارع إلى داعیه لما یتصوّره فیه من جمیل الذکر و حسن الاحدوثه، و روى سمحا و المعنى واحد. و قوله: علیکم بهذا السواد الأعظم. إلى قوله: رجلا. أقول لمّا شحذهم بالأوامر المذکوره عیّن مقصدهم، و أشار بالسواد الأعظم إلى أهل الشام مجتمعین، و بالرواق المطنّب إلى مضرب معاویه، و کان معاویه إذن فی مضرب‏ علیه قبّه عالیه بأطناب عظیمه و حوله من أهل الشام مائه ألف کانوا تعاهدوا أن لا ینفرجوا عنه حتّى یقتلوا. و عیّن لهم وسط الرواق و أغراهم به بقوله: إنّ الشیطان کامن فی کسره. و أراد بالشیطان معاویه، و قیل عمرو بن العاص، و ذلک أنّ الشیطان لمّا کان عباره عن شخص یضلّ الناس عن سبیل اللّه، و کان معاویه فی أصحابه کذلک عنده علیه السّلام لا جرم أطلق علیه لفظ الشیطان، و قد سبقت الإشاره إلى معنى الشیطان. و یحتمل أن یرید الشیطان، و لمّا کانت محالّ الفساد هى مظنّه إبلیس، و کان المضرب قد ضرب على غیر طاعه اللّه کان محلّا للشیطان فلذلک استعار له لفظ الجلوس فی کسره و قوله: و قد قدّم للوثبه یدا و أخّر للنکوص رجلا. کنایه عن تردّد معاویه و انتطاره لأمرهم إن جبنوا وثب، و إن شجعوا نکص و هرب، أو عن الشیطان على سبیل استعاره الوثبه و النکوص و الید و الرجل، و یکون تقدیم یده للوثبه کنایه عن تزیینه لأصحاب معاویه الحرب و المعصیه و تأخیره الرجل للنکوص کنایه عن تهیّته للفرار إذا التقى الجمعان کما حکى اللّه سبحانه عنه وَ إِذْ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَکُمُ«» الایه.

فإن قلت: فما معنى نکوص الشیطان على رأى من فسرّه بالقوّه الواهمه و نحوها.
قلت: لمّا کانت وسوسته تعود إلقائه إلى النفس صوره ما یحکم بحسنه لها فقط دون أمر آخر کما حکى اللّه تعالى عنه وَ قالَ الشَّیْطانُ لَمَّا قُضِیَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ«» الآیه کان نکوصه یعود إلى إعراض الوهم عند عضّ الحرب و مشاهده المکروه عن ذلک الحکم و رجوعه عنه، و هو معنى قوله: إنّى برى‏ء منکم إنّى أرى ما لا ترون، و ذلک أنّ الوهم إذن یحکم بالهرب و الاندفاع من المخوف بعد أن کان قد زیّن الدخول فیه فیکون إذن قوله إنّى أخاف اللّه و اللّه شدید العقاب موافقه لحکم العقل فیما کان یراه من طاعه اللّه بترک المعصیه بالحرب. و کلّ ذلک من تمام إغراء أصحابه بأهل الشام و تنبیههم على أنّ باعثهم فی الحرب لیس إلّا الشیطان و أنّه لا غرض له إلّا فتنتهم ثمّ الرجوع و الإعراض عنهم.

الثالث عشر: أمرهم بقصد عدوّهم مؤکّدا له بتکریره
أى اصمد و لهم صمدا إلى غایه أن یظهر لکم نور الحقّ بالنصر، و استعار لفظ العمود للحقّ الظاهر عن الصبح للمشارکه بینهما فی الوضوح و الجلاء فالصبح للحسّ، و الحقّ للعقل، و لفظ التجلّى ترشیح الاستعاره کنّى به عن ظهوره و وضوحه، و المعنى: الی أن یتّضح لکم أنّ الحقّ معکم یظفرکم بعدوّکم و قهره.
إذا الطالب لغیر حقّه سریع الانفعال قریب الفرار فی المقاومه. و قوله: و أنتم الأعلون. الایه. تسکین لنفوسهم و بشاره بالمطلوب بالحرب، و هو العلوّ و القهر کما بشّر اللّه تعالى به الصحابه فی قتال المشرکین و تثبیت لهم على المضىّ فی طاعته فإنّ حزب اللّه هم الغالبون. و قوله: و لن یترکم أعمالکم. تذکیر لهم بجزاء اللّه لهم أعمالهم فی الآخره، و بعث لهم بذلک على لزوم العمل له. و باللّه التوفیق.

شرح‏ نهج‏ البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی) ، ج ۲ ، صفحه‏ى ۱۷۹

بازدیدها: ۲۰۱

خطبه ۶۲ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَمْ تَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حَالًا- فَیَکُونَ أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ یَکُونَ آخِراً- وَ یَکُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ یَکُونَ بَاطِناً- کُلُّ مُسَمًّى

بِالْوَحْدَهِ غَیْرَهُ قَلِیلٌ- وَ کُلُّ عَزِیزٍ غَیْرَهُ ذَلِیلٌ وَ کُلُّ قَوِیٍّ غَیْرَهُ ضَعِیفٌ- وَ کُلُّ مَالِکٍ غَیْرَهُ مَمْلُوکٌ وَ کُلُّ عَالِمٍ غَیْرَهُ مُتَعَلِّمٌ- وَ کُلُّ

قَادِرٍ غَیْرَهُ یَقْدِرُ وَ یَعْجَزُ- وَ کُلُّ سَمِیعٍ غَیْرَهُ یَصَمُّ عَنْ لَطِیفِ الْأَصْوَاتِ- وَ یُصِمُّهُ کَبِیرُهَا وَ یَذْهَبُ عَنْهُ مَا بَعُدَ مِنْهَا- وَ کُلُّ بَصِیرٍ

غَیْرَهُ یَعْمَى عَنْ خَفِیِّ الْأَلْوَانِ وَ لَطِیفِ الْأَجْسَامِ- وَ کُلُّ ظَاهِرٍ غَیْرَهُ بَاطِنٌ وَ کُلُّ بَاطِنٍ غَیْرَهُ غَیْرُ ظَاهِرٍ- لَمْ یَخْلُقْ مَا خَلَقَهُ

لِتَشْدِیدِ سُلْطَانٍ- وَ لَا تَخَوُّفٍ مِنْ عَوَاقِبِ زَمَانٍ- وَ لَا اسْتِعَانَهٍ عَلَى نِدٍّ مُثَاوِرٍ وَ لَا شَرِیکٍ مُکَاثِرٍ وَ لَا ضِدٍّ مُنَافِرٍ- وَ لَکِنْ خَلَائِقُ

مَرْبُوبُونَ وَ عِبَادٌ دَاخِرُونَ- لَمْ یَحْلُلْ فِی الْأَشْیَاءِ فَیُقَالَ هُوَ فِیهَا کَائِنٌ- وَ لَمْ یَنْأَ عَنْهَا فَیُقَالَ هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ- لَمْ یَؤُدْهُ خَلْقُ مَا

ابْتَدَأَ- وَ لَا تَدْبِیرُ مَا ذَرَأَ وَ لَا وَقَفَ بِهِ عَجْزٌ عَمَّا خَلَقَ- وَ لَا وَلَجَتْ عَلَیْهِ شُبْهَهٌ فِیمَا قَضَى وَ قَدَّرَ- بَلْ قَضَاءٌ مُتْقَنٌ وَ عِلْمٌ

مُحْکَمٌ- وَ أَمْرٌ مُبْرَمٌ الْمَأْمُولُ مَعَ النِّقَمِ- الْمَرْهُوبُ مَعَ النِّعَمِ

اللغه

أقول: المثاور: المواثب.

و الداخر: الذلیل،

و آده الأمر: أثقله.

و ذرء: خلق.

و المبرم: المحکم.

المعنى

و قد اشتملت هذه الخطبه على مباحث لطیفه من العلم إلالهىّ أیضا لا یطّلع علیها إلّا المتبحّرون فیه.

الأوّل: الّذی لم یسبق. إلى قوله: باطنا.

أقول: إنّه لمّا ثبت أنّ السبق و المقارنه و القبلیّه و البعدیّه امور تلحق الزمان لذاته و تلحق الزمانیّات به، و ثبت أنّه تعالى منزّه عن الزمان إذ کان من لواحق الحرکه المتأخّره عن وجود الجسم المتأخّر عن وجود اللّه سبحانه کما علم ذلک فی موضعه لا جرم لم تلحق ذاته المقدّسه و مالها من صفات الکمال و نعوت الجلال شی‏ء من لواحق الزمان. فلم یجز إذن أن یقال مثلا کونه عالما قبل کونه قادر و سابقا علیه، و کونه قادرا قبل کونه عالما، و لا کونه أوّلا للعالم قبل کونه آخرا له قبلیّه و سبقا زمانیّا.

بقى أن یقال: إنّ القبلیّه و البعدیّه قد تطلق بمعان اخر کالقبلیّه بالشرف و الفضیله و الذات و العلیّه، و قد بیّنا فی الخطبه الاولى أنّ کلّ ما یلحق ذاته المقدّسه من الصفات فاعتبارات ذهنیّه تحدثها العقول عند مقایسته إلى مخلوقاته، و شی‏ء من تلک الاعتبارات لا تتفاوت أیضا بالقبلیّه و البعدیّه بأحد المعانی المذکوره بالنظر إلى ذاته المقدّسه فلا یقال مثلا هو المستحقّ لهذا الاعتبار قبل هذا الاعتبار أو بعده و إلّا لکان کمال ذاته قابلا للزیاده و النقصان، بل استحقاقه بالنظر إلى ذاته لمّا یصحّ أن یعبّر لها استحقاق واحد لجمیعها دائما فلا حال یفرض إلّا و هو یستحقّ فیه أن یعتبر له الأوّلیّه و الآخریّه معا استحقاقا أوّلیا ذاتیّا لا على وجه الترتّب‏ و إن تفاوتت الاعتبارات بالنظر إلى اعتبارنا، و هذا بخلاف غیره من الامور الزمانیّه فإنّ الجوهر مثلا یصدق علیه کونه أوّلا من العرض و لا یصدق علیه مع ذلک أنّه آخر له حتّى لو فرضنا عدم جمیع الأعراض و بقاء الجوهر بعدها لم یکن استحقاقه للاعتبارین معا بل استحقاقه لاعتبار الأوّلیّه متقدّم إذ کانت بعض أحواله سابقه على بعض، و لا استحقاقه لهما لذاته بل بحسب بقاء أسبابه. و لا العرض لما صدق علیه أنّه بعد الجوهر یصدق علیه أنّه قبله باعتبار ما، و خلاف المختلفین فی أیّ الصفات أقدم مبنىّ على سوء تصوّرهم لصانعهم سبحانه و تعالى عمّا یقولون علوّا کبیرا.

إذا عرفت ذلک فنقول: أوّلیّته هو اعتبار کونه مبدء لکلّ موجود، و آخریّته هو کونه غایه لکلّ ممکن، و قد سبق معنى کونه ظاهرا و باطنا فی الخطبه الّتی أوّلها: الحمد للّه الّذی بطن خفیّات الامور.

الثانی: کلّ مسمّى بالوحده غیره قلیل.

مقصود هذه الکلمه أنّه تعالى لا یوصف بالقلّه و إن کان واحدا، و تقریر ذلک أنّ الواحد یقال بمعان و المشهور منها المتعارف بین الخلق کون الشی‏ء مبدءا لکثره یکون عادّا لها و مکیالا و هو الّذی تلحقه القلّه و الکثره الإضافیّتان فإنّ کلّ واحد بهذا هو قلیل بالنسبه إلى الکثره الّتی یصلح أن یکون مبدءا لها و المتصوّر لأکثر أهل العالم صدق هذا الاعتبار على اللّه بل ربّما لا یتصوّر بعضهم کونه تعالى واحدا إلّا بهذا الوجه، و لمّا کان تعالى منزّها عن الوصف بالقلّه و الکثره لما یستلزمانه من الحاجه و النقصان اللازمین لطبیعه الإمکان أثبت القلّه لکلّ ما سواه فاستلزم إثباتها لغیره فی معرض المدح له و نفیهما عنه. و استلزم ذلک تنزیهه تعالى عن الواحدیّه بالمعنى المذکور. إذ سلب اللازم یستلزم سلب ملزومه، و لیس إذا بطل کونه واحدا بهذا المعنى بطل کونه واحدا. فإنّا بیّنا صدق الواحد علیه بمعان اخر فی الخطبه الاولى، و قد یفهم من هذا أنّه لمّا نفى عنه القلّه استلزم ذلک أن یثبت له الکثره، و هو من سوء الفهم و قلّه العلم فإنّ عدم القلّه إنّما یستلزم ثبوت الکثره عند تعاقبها على محلّ من شأنه قبولهما. و ربّما قیل: إنّ المراد بالقلیل هنا الحقیر، و هو غیر مناسب لذکر الوحده و إنّما قال علیه السّلام: کلّ‏ مسمّى بالوحده، و لم یقل کلّ واحد لیشعر بأنّ قول الوحده على واحدیّته تعالى و على واحدیّه غیره قول بحسب اشتراک الاسم.

الثالث: و کلّ عزیز غیره ذلیل.

أقول: رسّم العزیز بأنّه الخطیر الّذی یقلّ وجود مثله و تشتدّ الحاجه إلیه و یصعب الوصول إلیه. ثمّ فی کلّ واحد من هذه القیود الثلاثه کمال و نقصان فالکمال فی قلّه الوجود أن یرجع إلى واحد و یستحیل أن یوجد مثله و لیس ذلک إلّا اللّه سبحانه، و الکمال فی النفاسه و شدّه الحاجه أن یحتاج کلّ شی‏ء فی کلّ شی‏ء، و لیس ذلک على الکمال إلّا اللّه تعالى، و الکمال فی صعوبه المنال أن لا یوصل إلى حقیقته على معنى الإحاطه بها، و لیس ذلک على کمال إلّا اللّه تعالى فهو إذن العزیز المطلق الّذی کلّ موجود سواه ففى ذلّ الحاجه إلیه و حقاره العبودیّه بالنسبه إلى کمال عزّه. فأمّا العزیز من الخلق فهو الّذی توجد له تلک الاعتبارات لکن لا مطلقا بل بقیاسه إلى من هو دونه فی الاعتبارات المذکوره فهو إذن و إن صدق علیه أنّه عزیز بذلک الاعتبار إلّا أنّه فی ذلّ الحاجه إلى من هو أعلى رتبه منه و أکمل فی تلک الاعتبارات، و کذلک من هو أعلى منه إلى أن ینتهى إلى العزیز المطلق الّذی لا یلحقه ذلّ باعتبار ما. فلذلک أثبت علیه السّلام الذلّ لکلّ عزیز سواه.

الرابع: و کلّ قوىّ غیره ضعیف.

القوّه تعودن إلى تمام القدره، و یقابلها الضعف، و لمّا کان استناد جمیع الموجودات إلى تمام قدرته علمت أنّه لا أتمّ من قدرته فکلّ قوّه وصف بها غیره فبالنسبه إلى ضعف یقابلها لمن هو دونه و إذا قیس بالنسبه إلى من هو فوقه کان ضعیفا بالنسبه إلیه، و کذلک من هو فوقه إلى أن ینتهى إلى تمام قدره اللّه فهو القوىّ الّذی لا یلحقه ضعف بالقیاس إلى أحد غیره و کذلک قوله: و کلّ مالک غیره مملوک. فإنّ معنى المالک یعود إلى القادر على الشی‏ء الّذی تنفذ مشیّته فیه باستحقاق دون غیره، و غیره بإذنه. و لمّا ثبت أنّ کلّ موجود سواه فهو فی تصریف قدرته و مشیّته إذ هما مستند وجوده ثبت أنّه هو المالک المطلق الّذی لست له مملوکیّه بالقیاس إلى شی‏ء آخر و أنّ کلّ ما سواه فهو مملوک له و إن صدق علیه‏ بالعرف أنّه مالک بالقیاس إلى هو دونه. ثمّ لا یخفى علیک ممّا سلف أنّ قول القوّى و المالک علیه و على غیره قول بحسب اشتراک الاسم أیضا.

الخامس: و کلّ عالم غیره متعلّم.  

لمّا ثبت أنّ علمه تعالى بالأشیاء على ما مرّ من التفصیل إنّما هو لذاته، و لم یکن شی‏ء منه بمستفاد من أمر آخر، و کان علم من سواه إنّما هو مستفاد بالتعلّم من الغیر ثمّ الغیر. من الغیر إلى أن ینتهى إلى علمه تعالى الفایض بالخیرات لا جرم کان کلّ عالم سواه متعلّما و إن سمّى عالما بحصول العلم له، و کان هو العالم المطلق الّذی لا حاجه به فی تحصیل العلم إلى أمر آخر.

السادس: و کلّ قادر غیره یقدر و یعجز.

أقول: قدره اللّه تعالى تعود إلى اعتبار کونه مصدرا لآثاره. فأمّا قدره الغیر فقد یراد بها قوّه جسمانیّه منبّثه فی الأعضاء محرّکه لها نحو الأفاعیل الاختیاریّه. و العجز ما یقابل القدره بهذا المعنى و هو عدمها عمّا من شأنه أن یقدر کما فی حقّ الواحد منّا، و قد یراد بهما اعتباران آخران یتقابلان. إذا عرفت ذلک فنقول: القادر المطلق على کلّ تقدیر هو مستند کلّ مخترع و موجود اختراعا ینفرد به و یستغنى فیه عن معاونه غیره و ذلک إنّما یتحققّ فی حقّ اللّه سبحانه فأمّا کلّ منسوب إلى القدره سواه فهو و إن کان بالجمله ذا قدره إلّا أنّها ناقصه لتناولها بعض الممکنات فقط و قصورها عن البعض الآخر و عدم تناولها له إذا کانت لا تصلح للمخترعات و إن نسب إلیه إیجاد شی‏ء فلأنّه فاعل أقرب و واسطه بین القادر الأوّل سبحانه و بین ذلک الأثر لا لذاته استقلالا و تفرّدا به على ما علم فی مظانّه. فکلّ قادر سواه فلذاته یستحقّ العجز و عدم القدره بالنسبه إلى ما یمکن تعلّق قدرته به من سائر المخترعات و الممکنات و إنّما یستحقّ القدره من وجوده. فهو إذن الفاعل المطلق الّذی لا یعجزه شی‏ء عن شی‏ء و لا یستعصى على قدرته شی‏ء.

السابع: و کلّ سمیع غیره یصمّ عن لطیف الأصوات، و یصمّه کبیرها، و یذهب عنه ما بعد منها.

أقول: حسّ السمع فی الحیوان عباره عن قوّه تنفذ من الدماغ إلى الاذن فی‏ عصبته ثابته منه إلى الصماخ مبسوطه علیه کجلد الطبل، و هذه العصبه آله هذه القوّه.
و الصوت هیئه تحصل فی الهواء عن تموجّه بحرکه شدیده إمّا من قرع یحصل من اصطکاک جسمین صلبین فیضغط الهواء بینهما و ینفلت بشدّه، و إمّا من قلع شدید فیلج الهواء بین الجسمین المنفصلین الصلبین و یحصل عن السببین تموّج الهواء على هیئه مستدیره کما یفعل وقوع الحجر فی الماء فإذا انتهى ذلک التموّج إلى الهواه الّذی فی الاذن تحرّک ذلک الهواء الراکد حرکه مخصوصه بهیئه مخصوصه فتنفعل العصبه المفروشه على الصماخ عن تلک الحرکه و تدرکها القوّه السامعه هناک فهذا الإدراک یسمّى سماعا.
إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ إدراک هذه القوّه للصوت یکون على قرب و بعد و حدّ من القوّه و الضعف مخصوص فإنّه إن کان الصوت ضعیفا أو بعیدا جدّا لم یحصل بسببه تموّج الهواء فلم یصل إلى الصماخ فلم یحصل السماع و ذلک معنى قوله: یصمّ عن لطیف الأصوات، و یذهب علیه ما بعد منها. فإن قلت: لم خصّص اللطیف بالصمّ عنه و البعید بالذهاب علیه.
قلت: یشبه أن یکون لأنّ البعید فی مظنّه أن یسمع و إنّما یفوته بسبب عدم وصول الهواء الحامل له إلیه، و أمّا الخفىّ فلمّا فلم یکن من شأنه أن تدرکه القوّه السامعه أشبه عجزها عن إدراکه الصمّ فاستعیر لفظه له، و أمّا إن کان الصوت فی غایه القوّه و القرب فربّما أحدث الصمّ و ذلک لشدّه قرعه للصماخ و تفرّق اتّصال الروح الحامل لقوّه السمع عنه بحیث یبطل استعدادها لتأدیه القوّه إلى الصماخ و کلّ ذلک من نقصان الحیوان و ضعفه، و لمّا کان البارى تعالى منزّها عن الجسمیّه و توابعها لا جرم کانت هذه اللواحق من الصمم عن لطیف الأصوات، و ذهاب بعیدها، و الصمّ من کبیرها مخصوصه بمن له تلک القوّه المذکوره و السمع المخصوص فکلّ سامع غیره فهو کذلک. و استلزم ذلک فی معرض مدحه بتنزیهه سبحانه عنها. و إذ لیس سمیعا بالمعنى المذکور و قد نطق القرآن بإثبات هذه الصفه له فهو سمیع بمعنى أنّه لا یعزب عن إدراکه مسموع و إن خفى فیسمع السرّ و النجوى بل ما یسمع هو أدّق و أخفى حمد الحامدین و دعاء الداعین، و ذلک هو السمیع الّذی لا یتطرّق إلیه الحدثان إذ لم یکن بآله و آذان.

الثامن: و کل بصیر غیره یعمى عن خفىّ الألوان و لطیف الأجسام.

أقول: خفىّ الألوان مثلا کاللون فی الظلم، و اللطیف قد یکون بمعنى عدیم اللون کما فی الهواء، و قد یکون بمعنى رقیق القوام کالجوهر الفرد عند المتکلّمین، و کالذّره، و اللطیف بالمعنیین غیر مدرک للحیوان، و اطلق لفظ. العمى مجازا إذ کان عباره إمّا عن عدم البصر مطلقا أو عن عدمه عمّا من شأنه أن یبصر و لا واحد من هذین الاعتبارین بموجود للبصیر غیر اللّه فلم یکن عدم إدراکها عمى حقیقیّا بل لکون العمى من أسباب عدم الرؤیه اطلق لفظه علیه إطلاقا لاسم السبب على المسبّب، و هذا الحکم فی معرض مدحه إن یستلزم تنزیه بصره عن لاحق العمى و مظنّته إذ کان سبحانه منزّها عن معروض العمى و البصر و متعالیا عن أن یکون إدراکه بحدقه و أجفان و انطباع الصور و الألوان و إن کان یشاهد و یرى حتّى لا یعزب عنه ما تحت الثرى. و إذ لیس بصیرا بالمعنى المذکور فهو البصیر باعتبار أنّه مدرک لکمال صفات المبصرات، و ذلک الاعتبار أوضح و أجلى ممّا یفهم من إدراک البصر القاصر على ظواهر المرئیّات.

التاسع: و کلّ ظاهر غیره باطن.

أقول: ظهور الأشیاء هو انکشافها للحسّ أو للعقل انکشافا بیّنا، و یقابله بطونها و هو خفاؤها عن أحدهما، و لمّا ثبت أنّه تعالى منزّه عن الجسمیّه و لو احقها علم کونه منزّها عن إدراک الحواسّ، و لمّا قام البرهان على أنّه تعالى برى‏ء عن أنحاء التراکیب الخارجیّه و العقلیّه وجب تنزّه ذاته المقدّسه عن اطّلاع العقول علیها فعلم من هذا الترتیب أنّه لا یشارک الأشیاء فی معنى ظهورها و قد وصف نفسه بالظهور فیجب أن یکون ظهوره عباره عن انکشاف وجوده فی جزئیّات آثاره کما قال تعالی سَنُرِیهِمْ آیاتِنا فِی الْآفاقِ وَ فِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّى یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ«» و إن کانت مشاهده الحقّ له على مراتب متفاوته و درجات متصاعده کما أشار إلیه بعض مجرّدى السالکین: ما رأینا اللّه بعده. فلمّا ترقّوا عن تلک المرتبه درجه من المشاهده و الحضور قالوا: ما رأینا شیئا إلّا و رأینا اللّه فیه. فلمّا ترقّوا قالوا: ما رأینا شیئا إلّا و رأینا اللّه قبله. فلمّا ترقوا قالوا: ما رأینا شیئا سوى اللّه.

و الاولى مرتبه الفکر و الاستدلال علیه، و الثانیه مرتبه الحدس، و الثالثه مرتبه المستدلّین به لا علیه، و الرابعه مرتبه الفناء فی ساحل عزّته و اعتبار الوحده المطلقه محذوفا عنها کلّ لاحق. و إذا عرفت معنى ظهوره علمت أنّ شیئا من الممکنات لا یکون له الظهور المذکور فإنّه و إن کان لبعض الأشیاء فی عقل أو حسّ إلّا أنّه لیس فی کلّ عقل و فی کل حسّ إذ کلّ مطّلع على شی‏ء فالّذی خفى عته أکثر ممّا اطّلع علیه فکلّ ظاهر غیره فهو باطن بالقیاس إلیه و هو تعالى الظاهر لکلّ شی‏ء و فی کلّ شی‏ء لکونه مبدء کلّ شی‏ء و مرجع کلّ شی‏ء.

العاشر: و کلّ باطن غیره فهو ظاهر [فهو غیر ظاهر خ‏].

و قد علمت معنى البطون للممکنات و ظهورها، و علمت أیضا ممّا سبق أنّ کونه باطنا یقال بمعنیین: أحدهما: أنّه الّذی خفى قدس ذاته عن اطّلاع العقول علیه. و الثانی: أنّه الّذی بطن جمیع الأشیاء خبره و نفذ فیها علمه. ثمّ علمت الظهور المقابل للمعنى الأوّل، و أمّا المقابل للثانی فهو الّذی لم یطّلع إلّا على ظواهر الأشیاء لم یکن له اطّلاع على بواطنها یقال فلان ظاهر و ظاهرى.

إذا عرفت ذلک فنقول: إنّ کلّ باطن غیره سوا کان المراد بالبطون خفاء المتصوّر أو نفوذ العلم فی البواطن. فهو ظاهر بالقیاس إلیه تعالى ظهورا بالمعنى الّذی یقابله. أمّا الأوّل فلأنّ کلّ ممکن و إن خفى على بعض العالمین لم یخف على غیره و إن خفى على الکلّ فهو ظاهر فی علمه تعالى و ممکن الظهور فی علم غیره فلیس إذن بخفى مطلقا و هو تعالى الباطن الّذی لا أبطن منه و کلّ باطن غیره فهو ظاهر بالقیاس إلیه. و أمّا الثانی فلأنّ کلّ عالم و إن جلّ قدره فلا إحاطه له ببعض المعلومات و هو قاصر عن بعضها، و بعضها غیر ممکن له و هو تعالى الّذی لا یعزب عن علمه مثقال ذرّه فی الأرض و لا فی السماء و لا أصغر من ذلک و لا أکبر و کلّ ظاهر بالقیاس إلیه، و فی بعض النسخ و کلّ ظاهر غیره غیر باطن و کلّ باطن غیره غیر ظاهر، و معنى القضیّتین أنّ کلّ ممکن إن کان ظاهرا منکشفا لعقل أو حسّ لم یوصف مع ذلک بأنّه باطن کالشمس مثلا و إن کان باطنا خفیّا عن العقل و الحسّ لم یوصف مع ذلک بأنّه ظاهر، و هو تعالى الموصوف بأنّه الباطن الظاهر معا. و فی هذه النسخه نظر. فإنّا إنّما أثبتنا کونه تعالى ظاهرا و باطنا معا باعتبارین‏

و فی بعض الممکنات ما هو کذلک کالزمان مثلا فإنّ کلّ عاقل یعلم بالضروره وجود الزمان و إن خفیت حقیقته على جمهور الحکماء و اضطربت علیه أقوال العلماء و کذلک العلم فلیس إذن کلّ ظاهر غیره غیر باطن و لا کلّ باطن غیره غیر ظاهر. و اللّه أعلم.

الحادى عشر: لم یخلق ما خلقه لتشدید سلطان. إلى قوله: منافر.

أقول: إنّه تعالى لا یفعل لغرض و متى کان کذلک کان منزّها عن خصوصیّات هذه الأغراض. أمّا الأوّل فبرهانه أنّه لو فعل لغرض لکان وجود ذلک الغرض و عدمه بالنسبه إلیه تعالى إمّا أن یکونا على سواء، أو لیس. و الأوّل باطل و إلّا لکان حصول الغرض له ترجیحا من غیر مرجّح، و الثانی باطل لأنّهما إذ الم یستویا کان حصول الغرض أولى به فحینئذ یکون حصول ذلک الغرض معتبرا فی کماله فیکون بدونه ناقصا تعالى اللّه عن ذلک.
لا یقال: لیست أولوّیه الغرض بالنسبه إلى ذاته بل بالنسبه إلى العبد إذ غرضه الإحسان إلى الغیر.
لأنّا نقول: غرض إحسانه إلى الغیر و عدمه إن کانا بالنسبه إلیه على سواء عاد حدیث الرجحان بلا مرجّح، و إن کان أحدهما أولى به عاد حدیث الکمال و النقصان. و إذا عرفت أنّه تعالى لا یفعل لغرض، و کلّ ما ذکره علیه السّلام فی هذا الفصل من تشدید سلطان و تقویته أو تخوّف عاقبه زمان أو استعانه على ندّ و شریک و ضدّ أغراض علمت صدق قوله: إنّه لم یخلق شیئا من خلقه لشی‏ء من هذه الامور. و هذا تنزیه من طریق نفى الغرض المطلق.

و أمّا تنزیهه تعالى عن خصوصیّات هذه الأغراض فلأنّ تشدید السلطان إنّما یحتاج إلیه ذو النقصان فی ملکه، و لمّا کان تعالى هو الغنىّ المطلق فی کلّ شی‏ء عن کلّ شی‏ء صدق أنّ ذلک بغرض له ممّا خلق، و أمّا التخوّف عن عواقب الزمان فلأنّ التضرّر و الانتفاع و لواحقهما من الخوف و الرجاء و نحوهما إنّما هى من لواحق الممکنات القابله للنقصان و الکمال و ما هو فی معرض التغیّر و الزوال، و لمّا ثبت تنزیهه تعالى عن الانفعال عن شی‏ء لم یتصوّر أن یکون أحد هذه الامور غرضا له، و لذلک الاستعانه على النّدو الضدّ و الشریک فإنّ الاستعانه هى طلب العون من الغیر و ذلک من لوازم الضعف‏ و العجز و الخوف و أنّه لا عجز فلا استعانه فلا ندّ و لا شریک و لا ضدّ، و کذلک نقول: لا ندّ و لا شریک و لا ضدّ فلا استعانه و الغرض تنزیهه سبحانه عن صفات المخلوقین و خواصّ المحدثین.

و قوله: و لکن خلایق مربوبون و عباد داخرون.
 أى بل خلایق خلقهم بمحض جوده و هو فیضان الخیر عنه على کلّ قابل بقدر ما یقبله من غیر بخل و لا منع و تعویق، و بذلک الاعتبار کان کلّ شی‏ء و کلّ عبد ذلیل و هو مالکه و مولاه:
 
و قوله: لم یحلل فی الأشیاء فیقال هو فیها کائن.

إشاره إلى وصفه بسلب کونه ذا محلّ. و للناس فی تنزیهه تعالى عن المحلّ کلام طویل. و المعقول من الحلول عند الجمهور قیام موجود بموجود على سبیل التعبیه له، و ظاهر أنّ الحلول بهذا المعنى على الواجب الوجود محال لأنّ کونه تبعا للغیر یستلزم حاجته إلیه و کلّ محتاج ممکن. قال أفضل المتأخّرین نصیر الدین الطوسى- أبقاه اللّه- : و الحق أنّ حلول الشی‏ء فی الشی‏ء لا یتصوّر إلّا إذا کان الحال بحیث لا یتعیّن إلّا بتوسّط المحل و إذ لا یمکن أن یتعیّن واجب الوجود بغیره فإذن یستحیل حلوله فی غیره.
إذا عرفت ذلک فنقول: لمّا کان الکون فی المحلّ و النائى عنه و المباینه له امورا إنّما یقال على ما یصحّ حلوله فیه و یحلّه و کان هو تعالى منزّها عن الحلول وجب أن یمتنع علیه إطلاق هذه الامور. فإذ لیس هو بحالّ فی الأشیاء فلیس هو بکائن فیها، و إذ لیس بکائن فیها فلیس بنائى عنها و لا مباین لها.

و قوله: لم یؤده خلق ما ابتدء و لا تدبیر ما ذرء
الإعیاء إنّما یقال لذى الأعضاء من الحیوان و إذ لیس تعالى بجسم و لا ذى آله جسمانیّه لم یلحقه بسبب فعله إعیاء، و إنّما قال: ما ابتدء. لیکون سلب الإعیاء عنه أبلغ إذ ما ابتدء من الأفعال یکون المشقّه فیه أتمّ و تدبیره یعود إلى تصریفه لجمیع الذوات و الصفات دائما تصریفا کلّیّا و جزئیّا على وفق حکمته و عنایته، و نحوه قوله تعالى أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْ یَعْیَ بِخَلْقِهِنَّ«».

و قوله: و لا وقف به عجز عمّا خلق.
 إشاره إلى کمال قدرته و أنّ العجز علیه محال. و قد سبق بیانه.

و قوله: و لا ولجت علیه شبهه فیما قضى و قدّر.
 إشاره إلى کمال علمه و نفى الشبهه إن تعرض له. و أعلم أنّ الشبهه إنّما تدخل على العقل فی الامور المعقوله الصرفه غیر الضروریّه. و ذلک أنّک علمت أنّ الوهم لا یصدق حکمه إلّا فی المحسوسات فأمّا الامور المعقوله الصرفه فحکمه فیها کاذب فالعقل حال استفصاله وجه الحقّ فیها یکون معارضا بالأحکام الوهمیّه فإذا کان المطلوب غامضا فربّما کان فی الأحکام الوهمیّه ما یشبه بعض أسباب المطلوب فتتصوّره النفس بصورته و تعتقده مبدءا فینتج الباطل فی صوره المطلوب و لیس به، و لمّا کان البارى تعالى منزّها عن القوى البدنیّه و کان علمه لذاته لم یجز أن تعرض لقضائه و لا قدره شبهه، أو یدخل علیه فیه شکّ لکونهما من عوارضیها. و قد عرفت معنى القضاء و القدر فیما سبق.

و قوله: بلا قضاء متقن و علم محکم.
 أى برى‏ء من فساد الشبهه و الغلط.

و قوله: و أمر مبرم.
 إشاره إلى قدره الّذی هو تفصیل قضاءه المحکم، و ظاهر أنّ تفضیل المحکم لا یکون إلّا محکما:

و قوله: المأمول مع النقم المرهوب مع النعم [المرجوّ من النعم خ‏].
 أقول: منبع هذین الوصفین هو کمال ذاته و عموم فیضه و أنّه لا غرض له و إنّما الجود المطلق و الهبه لکلّ ما یستحقّه، و لمّا کان العبد حال حلول نقمته به قد یستعدّ بالاستغفار و الشکر لإفاضه الغفران و رفع النقمه فیفیضها علیه مع بقاء کثیر من نعمه لدیه کان تعالى مظنّه الأمل و الفزع إلیه فی رفع ما القى فیه و إبقاء ما أبقى حتّى أنّه تعالى هو المفیض لصوره الأمل، و إلیه أشار بقوله تعالى وَ إِذا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِیَّاهُ و کذلک حال إفاضه نعمته لمّا کان العبد قد یستعدّ بالغفله للإعراض عن شکرها کان تعالى فی تلک الحال أهلا أن یفیض علیه بوادر نقمته بسلبها فکان هو المأمول مع النقم المرهوب مع النعم فهو المستعان به علیه و هو الّذی لا مفرّ منه إلّا إلیه، و من عداه مخلوق نقمته غیر مجامع لأمل رحمته، و قیام نعمته معاند لشمول رهبته. فلا مأمول و لا مرهوب فی کلا الحالین سواه. و باللّه العصمه و التوفیق.
ِ

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی) ، ج ۲ ، صفحه‏ى ۱۶۸

بازدیدها: ۱۹۳

خطبه ۶۱ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

وَ اتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَ بَادِرُوا آجَالَکُمْ بِأَعْمَالِکُمْ- وَ ابْتَاعُوا مَا یَبْقَى لَکُمْ بِمَا یَزُولُ عَنْکُمْ- وَ تَرَحَّلُوا فَقَدْ جُدَّ بِکُمْ- وَ اسْتَعِدُّوا

لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّکُمْ- وَ کُونُوا قَوْماً صِیحَ بِهِمْ فَانْتَبَهُوا- وَ عَلِمُوا أَنَّ الدُّنْیَا لَیْسَتْ لَهُمْ بِدَارٍ فَاسْتَبْدَلُوا- فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ

یَخْلُقْکُمْ عَبَثاً وَ لَمْ یَتْرُکْکُمْ سُدًى- وَ مَا بَیْنَ أَحَدِکُمْ وَ بَیْنَ الْجَنَّهِ أَوِ النَّارِ- إِلَّا الْمَوْتُ أَنْ یَنْزِلَ بِهِ- وَ إِنَّ غَایَهً تَنْقُصُهَا اللَّحْظَهُ وَ

تَهْدِمُهَا السَّاعَهُ- لَجَدِیرَهٌ بِقِصَرِ الْمُدَّهِ- وَ إِنَّ غَائِباً یَحْدُوهُ الْجَدِیدَانِ- اللَّیْلُ وَ النَّهَارُ لَحَرِیٌّ بِسُرْعَهِ الْأَوْبَهِ- وَ إِنَّ قَادِماً یَقْدُمُ

بِالْفَوْزِ أَوِ الشِّقْوَهِ- لَمُسْتَحِقٌّ لِأَفْضَلِ الْعُدَّهِ- فَتَزَوَّدُوا فِی الدُّنْیَا مِنَ الدُّنْیَا- مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَکُمْ غَداً- فَاتَّقَى عَبْدٌ رَبَّهُ نَصَحَ

نَفْسَهُ وَ قَدَّمَ تَوْبَتَهُ وَ غَلَبَ شَهْوَتَهُ- فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ وَ أَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ- وَ الشَّیْطَانُ مُوَکَّلٌ بِهِ یُزَیِّنُ لَهُ الْمَعْصِیَهَ

لِیَرْکَبَهَا- وَ یُمَنِّیهِ التَّوْبَهَ لِیُسَوِّفَهَا- إِذَا هَجَمَتْ مَنِیَّتُهُ عَلَیْهِ أَغْفَلَ مَا یَکُونُ عَنْهَا- فَیَا لَهَا حَسْرَهً عَلَى کُلِّ ذِی غَفْلَهٍ أَنْ یَکُونَ

عُمُرُهُ عَلَیْهِ حُجَّهً- وَ أَنْ تُؤَدِّیَهُ أَیَّامُهُ إِلَى الشِّقْوَهِ- نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ- أَنْ یَجْعَلَنَا وَ إِیَّاکُمْ مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ نِعْمَهٌ- وَ لَا تُقَصِّرُ

بِهِ عَنْ طَاعَهِ رَبِّهِ غَایَهٌ- وَ لَا تَحُلُّ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ نَدَامَهٌ وَ لَا کَآبَهٌ

اللغه

أقول: المبادره: المسارعه.

و السدى: المهمل.

و جدیر بکذا: أى أولى به.

و حرّی: حقیق.

و التسویف: قول الإنسان سوف أفعل، و هو کنایه عن التمادى فی الأمر.

و البطر: تجاوز الحدّ فی الفرح.

و الکآبه: الحزن.

المعنى

و حاصل هذه الموعظه التنفیر من الدنیا و الترغیب فی الآخره و ما یکون وسیله إلى نعیمها و الترهیب ممّا یکون سببا للشقاء فیها.

فقوله: فاتّقوا اللّه. إلى قوله: بأعمالکم.
فیه تنبیه على وجوب لزوم الأعمال الصالحه، و حثّ علیها بالأمر بمسابقه الآجال و على توقّع سرعه الأجل و إخطاره بالبال، و هو من الجواذب القویّه إلى اللّه تعالى.
و نسب المسابقه إلى الآجال ملاحظه لشبهها بالمراهن إذ کان لحوقها حائلا بینهم و بین‏ الأعمال الصالحه الشبیهه بما یسبق علیه من رهن.

فقوله: و ابتاعوا ما بقى. إلى قوله: عنکم.
 إشاره إلى لزوم الزهد فی الدنیا، و التخلّى عن متاعها الفانى، و أن یشترى به ما یبقى من متاع الآخره. و قد عرفت غیر مرّه إطلاق لفظ البیع هنا. و قیّد المشترى بما یبقى، و الثمن بما یزول لیکون المشترى أحبّ إلى النفوس لبقائه.

و قوله: فترحّلوا فقد جدّ بکم.
أمر بالترحّل، و هو قطع منزل منزل من منازل السفر إلى اللّه تعالى فی مراتب السلوک لطریقه، و نبّه على وجوب الترحّل بقوله: فقد جدّ بکم: أى فی السیر إلى آجالکم بقوّه و ذلک الجدّ یعود إلى سرعه توارد الأسباب الّتى تعدّ المزاج للفساد و تقرّبه إلى الآخره ملاحظه لشبهها بسابق الإبل و نحوها.

و قوله: و استعدّوا للموت فقد أظلّکم.
 الاستعداد له هو باستکمال النفوس کما لها الّذی ینبغی حتّى لا یبقى للموت عندها کثیر وقع بل یکون محبوبا لکونه وسیله إلى المحبوب و هو لقاء اللّه و السعاده الباقیه فی حضره الملأ الأعلى، و نبّه بقوله: فقد أظلّکم. على قربه. و استلزم ذلک تشبیهه بالسحاب و الطیر فاستعیر له وصف الإظلال.

و قوله: و کونوا قوما صیح بهم فانتبهوا.
 تنبیه لهم على الالتفات إلى منادى اللّه، و هو لسان الشریعه و الانتباه بندائه من مراقد الطبیعه.

و قوله: و علموا. إلى قوله: سدى.
تنبیه لهم على أنّ الدنیا لیست بدار لهم لیلتفتوا عن الرکون إلیها و یتوقّعوا الإخراج منها. ثمّ أمرهم بالاستبدال بها لیذکّروا أنّ هناک عوضا منها یجب أن یلتفت إلیه و هو الدار الآخره، و نبّه بقوله: فإنّ اللّه لم یخلقکم عبثا. إلى آخره على وجوب العمل لذلک البدل فإنّهم لم یخلقوا إلّا لأمر وراء ما هم فیه.

و قوله: ما بین أحدکم. إلى قوله: ینزل به.

تعیین لما خلقوا له و وعدوا بالوصول إلیه و أنّه لا حایل بینهم و بینه إلّا الموت. قال بعض الشارحین: و هذا الکلام ممّا یصلح متمسّکا للحکماء فی تفسیرهم للجنّه و النار فإنّهم لمّا قالوا: إنّ الجنّه تعود إلى المعارف الإلهیّه و لوازمها، و النار تعود إلى حبّ الدنیا و المیل إلى مشتهیاتها. و تمکّن الهیئات الردیئه فی جوهر النفس و عشقها بعد المفارقه لما لا یتمکّن من العود إلیه کمن نقل عن مجاوره معشوقه و الالتذاذ به إلى موضع ظلمانىّ شدید الظلمه مع عدم تمکّنه من العود إلیه کما قال تعالى حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّی«» الآیه. و کان إدراک لذّه المعارفه التامّه، و إدراک ألم النار بالمعنى أمرا یتحقّق حال مفارقه هذا البدن. إذ کان الإنسان فی عالم الشهاده فی إدراکه لما حصل فی نفسه و تمکّن من الهیئات کعضو مفلوج غطّى خدره على ألمه فإذا أزال الخدر أحسّ بالألم فکذلک النفس بعد الموت تدرک مالها من لذّه أو ألم کما هو لزوال الشواغل البدنیّه عنها.
قلت: و هذا الکلام أیضا ظاهر على مذهب المتکلّمین إذ جاء فی الخبر أنّ العبد یکشف له الموت عمّا یستحقّه من جنّه أو نار ثمّ یؤجّل ذلک إلى قیام القیامه الکبرى.

و قوله: و إنّ غایه. إلى قوله: المدّه.
 کنّى بالغایه عن الأجل المعلوم للإنسان ثمّ نبّه على قصره و حقارته بأمرین: أحدهما: کونه تنقصه اللحظه: أى النظره. و هو ظاهر فإنّ کلّ جزء من الزمان فرصه قد مضى من مدّه الإنسان منقص لها. الثانی: کونه تهدمها الساعه. کنّى بالساعه عن وقت الموت، و لا شکّ أنّ الآن الّذی تنقطع فیه علاقه النفس مع البدن غایه لأجل الإنسان. و غایه الشی‏ء هى ما یتعلّق عندها الشی‏ء فکنّى بالهدم عن ذلک الانقطاع و الانتهاء کنایه بالمستعار. و ظاهر أنّ مدّه هذا شأنها فی غایه القصر.

و قوله: و إنّ غائبا. إلى قوله: الأوبه
 أشار بالغائب إلى الإنسان إذ کانت الدنیا عالم غربته و محلّ سفره، و منزله الحقیقىّ‏ إنّما هو منشأه و ما إلیه مرجعه، و إنّما سمّى اللیل و النهار جدیدان لتعاقبهما فلیس أحدهما مختلفا للآخر. و استعار لفظ الحدو لما یستلزمانه من إعداد الإنسان لقرب أجله المشبه لصوت الحادى الّذی یحدو الإبل لسرعه سیرها و قربها من المنزل المقصود لها.
و ظاهر أنّ من کان اللیل و النهار حادییه فهو فی غایه سرعه الرجوع إلى مبدئه و وطنه الأصلى. و قال بعض الشارحین: أراد بالغائب الموت. و هو و إن کان محتملا إلا أنّه لا یطابقه لفظ الأوبه لأنّ الموت لم یکن جائیا أو ذاهبا حتّى یرجع.

و قوله: و إنّ قادما. إلى قوله: العدّه
 أشار بالقادم بالفوز أو الشقوه إلى الإنسان حین قدومه على ربّه بعد المفارقه فإنّه إمّا الفوز بالسعاده الباقیه، أو الحصول على الخیبه و الشقوه. و نبّه بذکر القدوم على أنّ من هذا شأنه فالواجب علیه أن یستعدّ بأفضل عدّه لیصل بها إلى أحبهما لدیه، و یتباعد بها عن أکرههما عنده.

و قوله: فتزوّدوا. إلى قوله: غدا
 فصّل نوع تفصیل أفضل العدّه و هو الزاد الّذی یحرز الإنسان به نفسه یوم القیامه من السقب فی نار جهنّم و غلیل حرّها، و أشار بذلک الزاد إلى تقوى اللّه و خشیته. و قد علمت حقیقه الخشیه و الخوف و أنّه إنّما یحصل فی الدنیا. و أمّا کونه من الدنیا فلأنّ الآثار الحاصله للنفس من الحالات و الملکات کالخشیه و الخوف و سایر ما یتزودّه و یستصحبه بعد المفارقه امور إنّما حصلت عن هذا البدن و استفیدت من الدنیا بواسطته. و المشابهه الّتى لأجلها استعار لفظ الزاد هنا هو ما یشترک فیه الزاد المحسوس و التقوى من سلامه المتزوّد بهما کلّ فی طریقه فذاک فی المنازل المحسوسه من عذاب الجوع و العطش المحسوسین، و هذا فی المنازل المعقوله و مراتب السلوک و مراحل السفر إلی اللّه تعالى من عذاب الجوع المعقول.

و قوله: فاتّقى عبد ربّه. إلى قوله شهوته
 أو امر وردت بلفظ الماضى خالیه عن العطف و هى بلاغه تریک المعنى فی أحسن صوره.
فالأمر بالتقوى تفسیر للأمر بالزاد کما قال تعالى وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَیْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏» و الأمر بنصیحه النفس أمر بالنظر فی مصالحها، و الشعور علیها أن تعمل ما هو الأولى بها من التمسّک بحدود اللّه و الوقوف عندها، و الأمر بتقدیم التوبه و غلب الشهوه هو من جمله الأمر بالنصیحه کالتفسیر له و من لوازم التقوى أردفه بهما، و أراد تقدیم التوبه على الموت أو بالنسبه إلى کلّ وقت سیحضر.

و قوله: فإنّ أجله. إلى قوله: شقوه
 حثّ على امتثال أو امره السائقه إلى التوبه و غیرها، و تحذیر من هجوم المنیّه على غفله لما یستلزمه ذلک من شدّه الحسره و طول الندم على التفریط، و ذلک أنّ ستر الأجل عن الإنسان موجب للغفله عنه فإذا انضاف إلى ذلک خداع الأمل الناشى‏ء عن وساوس الشیطان فی تزیینه المعصیه و تسویفه التوبه مع کون موکّلا به و قرینا له کما قال سیّد المرسلین صلى اللّه علیه و آله و سلّم: ما من مولود إلّا و یولد معه قرین من الشیطان. کانت الغفله أشدّ و النسیان أکدّ، و استعار لفظ الخداع لصورته من النفس الأمّاره بالسوء و هو قولها للإنسان مثلا: تمتّع من شبابک و اغتنم لذّه العیش ما دمت فی مهله و مستقبل من عمرک و ستلحق للتوبه، و نحو ذلک من الأضالیل فإنّ هذه الصوره خداع من الشیطان، و أمّا نسبه ذلک إلى الأمل فلأنّ الأمل هو عزم النفس على فعل تلک الامور و أمثالها فی مستقبل الأوقات عن توهّم طول مدّه الحیاه و اتّساعها لما تفعله فیها من معصیه و توبه، و ذلک العزم من أسباب الانخداع للشیطان و غروره فلذلک نسب الخداع إلى الأمل مجازا، و جعل غایه ذلک الخداع هو أن تهجم على المخدوع منیّته حال ما هو فی أشدّ غفله عنها و اشتغال بما یؤمّله فیکون ذلک مستلزما لأعظم حسره و أکبر ندامه على أن یکون عمره علیه حجّه شاهدا بلسان حاله على ما اکتسب فیه من الآثام فصار بعد أن کان وسیله لسعادته سببا لشقاوته. و أغفل نصب على الحال. و حسره على التمیز للمتعجّب منه المدعوّ. و اللام فی لها قیل: للاستغاثه. کأنّه قال: یا للحسره على الغافلین ما أکثرک، و قیل: بل لام الجرّ فتحت لدخولها على الضمیر و المنادى محذوف و تقدیره یا قوم أدعوکم لها حسره، و أن فی موضع النصب بحذف الجارّ کأنّه قیل: فعلام یقع علیهم الحسره فقال: على کون أعمارهم حجّه علیهم یوم القیامه.

و قوله: نسأل اللّه تعالى. إلى قوله: کأبه.
 خاتمه الخطبه، و سأل اللّه الخلاص عن امور ثلاثه: الأوّل: أن یخلّصه من شدّه الفرج بنعمه الدنیا فإنّ ذلک من لوازم محبّتها المستلزمه للهلاک الأبدىّ. الثانی: أن لا تقصر به غایه عن طاعه ربّه: أى لا یقصر عن غایه من غایات الطاعه یقال قصرت هذه الغایه بفلان إذا لم یبلغها. الثالث: أن لا تحلّ به بعد الموت ندامه و لا حزن و ذلک سؤال لحسم أسبابها و هو اتّباع الهوى فی الدنیا و العدول عن طاعه اللّه. و باللّه العصمه.

شرح‏ نهج البلاغه(ابن ‏میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ى ۱۶۲

بازدیدها: ۱۹۴

خطبه ۶۰ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

أَلَا إِنَّ الدُّنْیَا دَارٌ لَا یُسْلَمُ مِنْهَا إِلَّا فِیهَا- وَ لَا یُنْجَى بِشَیْ‏ءٍ کَانَ لَهَا- ابْتُلِیَ النَّاسُ بِهَا فِتْنَهً- فَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لَهَا أُخْرِجُوا

مِنْهُ وَ حُوسِبُوا عَلَیْهِ- وَ مَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لِغَیْرِهَا قَدِمُوا عَلَیْهِ وَ أَقَامُوا فِیهِ- فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوِی الْعُقُولِ کَفَیْ‏ءِ الظِّلِّ- بَیْنَا تَرَاهُ

سَابِغاً حَتَّى قَلَصَ وَ زَائِداً حَتَّى نَقَصَ

اللغه

أقول: بینا: أصله بین بمعنى التوسّط فاشبعت الفتحه فحدثت ألف، و قد تزاد ما فیقال بینما و المعنى واحد، و تحقیق الظرفیّه هنا أنّ الظلّ دائر بین السبوغ و التقلّص و الزیاده و النقصان. و قلص الظلّ نقص.

المعنى

و الغرض من هذا الفصل التحذیر من الدنیا و التنبیه على وجوب لزوم أوامر اللّه فیها.

و أشار إلى ذلک فی أوصاف لها:

الأوّل: کونه لا یسلم منها إلّا فیها. و تحقیق ذلک أنّه لا دار إلّا الدنیا و الآخره، و قد علمت أنّ أسباب السلامه هى الزهد و العباده و سائر أجزاء الریاضه و شی‏ء منها لا یمکن فی الآخره بل کلّها أعمال متعلّقه بالبدن فإذن لا یتحقّق ما یلزمها من السلامه من الدنیا إلّا فی الدنیا.

الثانی: کونها لا ینجى بشی‏ء کان لها. و فیه إیماء إلى ذمّ الریاء فی الأقوال و الأفعال و تحذیر من کلّ عمل و قول قصد به الدنیا فإنّ شیئا من ذلک لا حظّ له فی استلزام النجاه فی الآخره بل ربّما کان سببا للهلاک فیها لما أنّ الاشتغال بمهمّات الدنیا منس للآخره.

الثالث: کونها قد ابتلى الناس بها فتنه. و فتنه منصوب بالمفعول له، و یحتمل‏ أن یکون مصدرا سدّ مسدّ الحال. و نحوه قوله تعالى «وَ نَبْلُوکُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَیْرِ فِتْنَهً وَ إِلَیْنا تُرْجَعُونَ«» و لنبحث عن معنى الابتلاء بالدنیا و کونها فتنه. و اعلم أنّه لیس المراد أنّ اللّه تعالى لا یعلم ما یؤول إلیه أحوال العباد و ما یکون منهم بعد خلقهم و ابتلائهم بالدنیا فإنّه تعالى هو العالم بما کان و ما یکون قبل کونه کما قال تعالى وَ ما مِنْ غائِبَهٍ فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا فِی کِتابٍ مُبِینٍ«»» و قوله تعالى ما أَصابَ مِنْ مُصِیبَهٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی أَنْفُسِکُمْ إِلَّا فِی کِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِکَ عَلَى اللَّهِ یَسِیرٌ«» بل الکشف عن حقیقه الابتلاء أنّه لمّا کان الإنسان إنّما یکون إنسانا بما خلق فیه من القوى الشهویّه و الغضبیّه و ما یتبعهما، و کان لهذه القوى میول طبیعیّه إلى حاضر اللذّات الدنیویّه فهى مسشتهیاتها و لا ابتهاج لها إلّا بها و لا حظّ لها من غیرها، و کانت النفوس الإنسانیّه مخالطه لهذه القوى و هى آلاتها، و لا وجه لها فی تصرّفاتها غالب الأحوال إلّا هى، و کانت تلک القوى فی أکثر الخلق جاذبه لنفوسها إلى مسشتهیاتها الطبیعیّه بالطبع، و کانت تلک النفوس فی أکثر الناس منقاده لقواها معرضه عن الآخره مشغوله بحاضر ما وجدته من لذّات الدنیا عن تصوّر ما ورائها. ثمّ مع ذلک کان المطلوب منها ما یضادّ ذلک و هو ترک حاضر الدنیا، و منازعه هذه القوى فی مسشتهیاتها، و جذبها عن التوجّه بکلیّتها إلیها لمتابعه النفس فی التفاتها عن ذلک إلى أمر لا یتصوّر فی الدنیا إلّا بالأوصاف الخیالیّه کما هو وظیفه الأنبیاء علیهم السّلام مع الخلق کانت إرادته تعالى لذلک الالتفات مع ما هم فیه من منازعه الهوى فإن أطاعوه هلکوا و إن عصوه نجوا صوره امتحان. فاشبه ذلک ما یعتمده أحدنا عند عبده إذا أراد مثلا اختبار صبره و محنته له فوهب له جمیع ما یشتهیه ثمّ کلّفه مع ذلک بتکالیف شاقّه لا یتمکّن من فعلها إلّا بالتفاته عن مشتهاه و تنغیصه علیه. فلا جرم صدقت صوره الابتلاء و الاختبار من اللّه فی الوجود، و کذلک ظهر معنى کونها فتنه. فإنّ الفتنه الامتحان و الاختبار. و إنّ قدّرناها حالا فهى بمعنى الضلال و یعود إلى جذبها للنفوس إلى حاضر لذّاتها عن سنن الحقّ.

الرابع: کونهم ما أخذوه منها اخرجوا منه و حوسبوا علیه. و هو تنبیه على‏ وجوب قصد الآخره بما یؤخذ من الدنیا و یتصرّف فیه، و تنفیر أن یجعل المأخوذ منها لمجرّد التمتّع بها بذکر وصفین: أحدهما: وجوب مفارقه المأخوذ منها و الإخراج منه، و الثانی: الحساب علیه فی الآخره. و اعلم أن الحساب على رأى الملّیّین ظاهر، قالوا: إنّ اللّه تعالى قادر على حساب الخلق دفعه واحده و لا یشغله کلام عن کلام کما قال: و هو سریع الحساب. أمّا الحکماء فقالوا: إنّ للحساب معنى، و تقریره بتقدیم مقدّمات.

الاولى أنّ کثره الأفعال و تکرّرها یوجب حدوث الملکات فی النفوس، و الاستقراء التامّ یکشف عن ذلک، و من کان مواظبته على عمل من الأعمال أکثر کان رسوخ تلک الملکه الصادره عن ذلک الفعل فی نفسه أقوى.
الثانیه: أنّه لمّا کان تکرّر العمل یوجب حصول الملکه وجب أن یکون لکلّ عمل یفعله الإنسان أثر فی حصول تلک الملکه بل یجب أن یکون لکلّ جزء من أجزاء العمل الواحد أثر فی حصول لها بوجه ما و ضربوا لذلک مثالا فقالوا: لو فرضنا سفینه عظیمه بحیث لو القى فیها مائه ألف منّ فإنّها تغوص فی الماء قدر شبر واحد و لو لم یکن فیها إلا حبّه واحده من الحنطه فذلک القدر من الجسم الخفیف فیها یوجب غوصها فی الماء بمقدار ماله من الثقل و إن بلغ فی القلّه إلى حیث لا یدرکه الحسّ. إذا عرفت ذلک فنقول: ما من فعل من الخیر و الشر قلیل و لا کثیر إلّا و یفید حصول أثر فی النفس إمّا سعاده أو شقاوه. و عند هذا ینکشف سرّ قوله تعالى فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّهٍ خَیْراً یَرَهُ وَ مَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّهٍ شَرًّا یَرَهُ و کذلک لمّا ثبت أنّ الأفعال إنّما تصدر بواسطه الجوارح من الید و الرجل و غیرهما لا جرم کانت الأیدى و الأرجل شاهده على الإنسان یوم القیامه بلسان حالها على معنى أنّ تلک الآثار النفسانیّه إنّما حصلت فی جواهر النفوس بواسطه الأفعال الصادره عنها فکان صدور تلک الأفعال من تلک الجوارح جاریا مجرى الشهاده على النفس بما اکتسبه بها. إذا عرفت ذلک فنقول: لمّا کانت حقیقه المحاسبه تعود إلى تعریف الإنسان ماله و ما علیه من مال و نحوه. و کان ما یحصل من النفوس من الملکات الخیریّه و الشرّیّه امورا مضبوطه فی جوهرها محصاه علیها و إنّما تنکشف لها کثره تلک الهیئات و تمکّنها من ذواتها و تضرّرها بها فی الآن الّذی تنقطع فیه علاقه النفس مع البدن أشبه ذلک ما تبیّن للإنسان عند المحاسبه ممّا احصى علیه و له. فاطلق علیه لفظ الحساب. و ذلک الیقین و الاطّلاع هو المشار إلیه بقوله علیه السّلام: و قدّموا علیه، و لیس المقصود أنّ ما یقدم علیه فی الآخره هو عین ما اخذ من الدنیا بل ثمرته فی النفوس من خیر أو شرّ فالّذی یتناوله الجاهلون منها لمجرّد التنعم بها فهو الّذى یتمکّن عنه هیئات السوء فی جواهر نفوسهم فیقدمون علیها و یقیمون بها فی عذاب جهنّم خالدون لا یفتّر عنهم و هم فیه مبلسون.

الخامس: کونها عند ذوى العقول کفى‏ء الظلّ، و نبّه بهذا الوصف على سرعه زوالها، و إنّما خصّص ذوى العقول بذلک لأمرین: أحدهما: أنّ المعتبر لزوالها عامل بمجرّد عقله دون هواه فلذلک نسب إلى العقل. الثانی: أنّ حال ذوى العقول مرغوب فیه لمن سمعه. و لمّا کان مقصوده تحذیر السامعین من سرعه زوالها لیعملوا فیها لما بعدها نسب ذلک إلى ذوى العقول لیقتفى السامعون أثرهم. ثمّ أشار إلى وجه شبهها للظلّ بقوله: بینا تراه. إلى آخره: أى أنّها یسرع زوالها کما یسرع زواله، و هو من التشبیهات السائره، و مثله قول الشاعر.

              ألا إنّما الدنیا کظلّ غمامه       أظلّت یسیرا ثمّ حفّت فولّت‏

شرح ‏نهج‏ البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ى ۱۵۹

بازدیدها: ۱۷۸