خطبه 69 ابن میثم بحرانی

و من خطبة له عليه السّلام علم فيها الناس الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و آله

اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ وَ دَاعِمَ الْمَسْمُوكَاتِ- وَ جَابِلَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَ

سَعِيدِهَا اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ- وَ نَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَ رَسُولِكَ- الْخَاتِمِ

لِمَا سَبَقَ وَ الْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ- وَ الْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ وَ الدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ- وَ

الدَّامِغِ صَوْلَاتِ الْأَضَالِيلِ- كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ- غَيْرَ نَاكِلٍ

عَنْ قُدُمٍ وَ لَا وَاهٍ فِي عَزْمٍ- وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ- مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى

أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ- وَ أَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ- وَ هُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ وَ

الْآثَامِ- وَ أَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الْأَعْلَامِ وَ نَيِّرَاتِ الْأَحْكَامِ- فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ وَ خَازِنُ عِلْمِكَ

الْمَخْزُونِ- وَ شَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وَ بَعِيثُكَ بِالْحَقِّ- وَ رَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ- اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ

مَفْسَحاً فِي ظِلِّكَ- وَ اجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ- اللَّهُمَّ وَ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ

بِنَاءَهُ- وَ أَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ وَ أَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ- وَ اجْزِهِ مِنِ ابْتِعَاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ-

مَرْضِيَّ الْمَقَالَةِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وَ خُطْبَةٍ فَصْلٍ- اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ فِي بَرْدِ الْعَيْشِ وَ

قَرَارِ النِّعْمَةِ- وَ مُنَى الشَّهَوَاتِ وَ أَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ وَ رَخَاءِ الدَّعَةِ- وَ مُنْتَهَى الطُّمَأْنِينَةِ وَ تُحَفِ

الْكَرَامَةِ

اللغة

أقول:

المدحوّات: المبسوطات.

و المسموكات: المرفوعات.

و دعمها: حفظها بالدعامة.

جبل: خلق.

و الفطرات: جمع فطرة و هى الخلقة.

و الدمغ: كسر عظم الدماغ.

و جيشات: جمع جيشه من جاشت القدر إذا ارتفع غليانها.

و اضطلع بالأمر: قوى على حمله و القيام به من الضلاعة و هى القوّة.

و الاستيفاز: الاستعجال.

و النكول: الرجوع.

و القدم: التقدّم.

و الوهى: الضعف.

و وعى الأمر: فقهه.

و القبس: شعلة النار.

و أورى: زكى و اشتعل.

و قد اشتملت هذه الخطبة على ثلاثة فصول.

الاوّل: في صفات المدعوّ و تمجيده و هو اللّه سبحانه.
الثاني: في صفات المدعوّ له و هو النبىّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم.
الثالث: في صفات أنواع المدعوّ به. و ذلك هو الترتيب الطبيعىّ.

فبدأه ممجّدا للّه تعالى باعتبارات ثلاثه:

أحدهما:

كونه داحى المدحوّات: أى باسط الأرضين السبع و ظاهر كونها مدحوّات فإنّ كلّ طبقة منها إذا اعتبرت كانت مبسوطة فأمّا صدق البسط على جملة الأرض مع أنّها كرة و شهادة قوله: و الأرض بعد ذلك دحيها. بذلك، و قوله: و الأرض مددناها. فهو باعتبار طبقاتها. و قد يصدق عليها البسط باعتبار سطحها البارز من الماء الذى يتصرّف عليه الحيوان فإنّه في الأوهام سطح مبسوط و إن كان عند الاعتبار العقلىّ محدّبا، و إليه الإشارة بقوله تعالى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً

الثاني:

داعم المسموكات: أى حافظ السماوات أن تقع على الأرض.
فإن قلت: قد قال في الخطبة الاولى: بلا عمد تدعمها ثمّ جعلها هنا مدعومة فما وجه الجمع.
قلت: لم ينف هناك إلّا كونها مدعومه بعمد و هذا لا ينافي كونها مدعومة بغير العمد، و قد بيّنا هناك أنّ الدعامة الّتى تقوم بها السماوات قدرته تعالى.

الثالث:

كونه جابل القلوب على فطراتها شقيّها و سعيدها: أى خالق النفوس على ما خلقها عليه من التهيّوء و الاستعداد لسلوك سبيلى الخير و الشرّ و استحقاق الشقاوة و السعادة

  بحسب القضاء الإلهىّ كما قال تعالى وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها«» و قوله وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ أى ألهمناه معرفة سلوك طريقى الخير و الشرّ. و أهل العرفان كثيرا ما يعتبرون عن النفس بالقلب. و شقيّها. بدل من القلوب: أى خالق شقىّ القلوب و سعيدها على فطراتها المكتوبة في اللوح المحفوظ فمن أخذت العناية الإلهيّة بزمام عقله على وفق ما كتب له فأعدّته لقبول الهداية لسلوك سبيل اللّه فهو السعيد، و من لحقته حبايل القضاء الإلهىّ فحطّته إلى مهاوى الهلكة فذلك هو الشقّى البعيد. و إليه الإشارة بقوله تعالى يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ«» الآية. و قوله: و اجعل شرائف صلواتك و نوامى بركاتك على محمّد عبدك و رسولك. بعض مطلوباته من هذا الدعاء. و شرايف صلواته ما عظم من رحمته و كمال جوده على النفوس المستعدّه لها، و نوامى بركاته ما زاد منها.

الفصل الثاني:

ذكر للنبىّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم أحد و عشرين وصفا
على جهات استحقاق الرحمة من اللّه و زيادة البركة المدعوّ بها.

الأوّل: كونه عبدا للّه
و ظاهر كون العبوديّة جهة لاستحقاق الرحمة.
الثاني: كونه رسولا له
و الرسالة نوع خاصّ من الاستعباد توجب مزيد الرحمة و الشفقة.
الثالث: كونه خاتما لما سبق
من أنوار الوحى و الرسالة بنوره و ما جاء من الدين الحقّ. و ظاهر كون ذلك جهة استعداد منه لقبول الرحمة و درجات الكمال.
الرابع: كونه فاتحا لما انغلق من سبيل اللّه قبله
و طريق جنّته و حضرة قدسه باندراس الشرائع ففتح صلى اللّه عليه و آله و سلّم تلك السبيل بشرعه و كيفيّة هدايته للخلق فيها.
الخامس: كونه قد أظهر الحقّ بالحقّ.
و الأوّل هو الدين و ما يدعو إليه، و الثاني فيه أقوال: فقيل: هو المعجزات إذ بسببها تمكّن من إظهار الدين، و قيل: الحرب و الخصومة يقال فلان حاقّ فلانا فحقّه: أى خاصمه فغلبه، و قيل: هو البيان: أى أظهر الدين بالبيان الواضح. و أقول: الأشبه أنّه أراد: أظهر الحقّ بعضه ببعض. و كلّ جزئىّ‏

من الحقّ حقّ، و ذلك أنّ الدين لم يظهر دفعة و إنّما بنى الإسلام على خمس ثمّ كثرت فروعه و هو بالأصل يظهر الفرع، و ظاهر كون إظهاره للحقّ جهة لاستحقاقه الرحمة.
السادس: كونه دافعا لجيشات الأباطيل:
أى لثوران فتن المشركين و انبعاثهم لإطفاء أنوار اللّه، أو لفتنتهم السابقة الّتى كانت معتادة من الغارات و حروب بعضهم لبعض فإنّ كلّ ذلك امور باطلة على غير قانون عدلىّ من اللّه، و ذلك الدفع من جهات قبول الرحمة.
السابع: كونه دامغا لصولات الأضاليل،
و هو قريب من السادس، و استعار لفظ الدمغ لهلاك الضلّال بالكلّيّة ببركة مقدمه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و وجه الاستعارة كون الدمغ مهلكا للإنسان فأشبه ما أهلك الباطل و محاه من أفعال الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم. و الضلال هنا الانحراف عن طريق اللّه اللازم عن الجهل بها، و استعار لفظ وصف الصولات له ملاحظة لشبه المنحرفين عن سبيل اللّه إلى الفساد في قوّة انحرافهم و شدّة فسادهم بالفحل الصايل.
الثامن: كونه حمل الرسالة
فقام بما كلّف به و قوى عليه، و قائما. نصب على الحال، و كذلك المنصوبات بعده و هى مستوفزا، و غير ناكل، و كذلك محلّ لا واه، و واعيا، و حافطا، و ماضيا. و في قوله: كما حمّل. لطف: أى صلّ عليه صلاة مناسبة مشابهة لتحميلك له الرسالة و قيامه بأمرها لأنّ الجزاء من الحكيم العدل يكون مناسبا للفعل المجزّى و لأجل كونها جهة استحقاق طلب ما يناسبها.
التاسع: كونه عجلا في رضا اللّه
بامتثال أوامره.
العاشر: كونه غيرنا كل ما يتقدّم فيه من طاعة اللّه.
الحادى عشر: كونه ماضى العزم
في القيام بأمر اللّه غير و ان فيه.
الثاني عشر:
كونه واعيا لوحيه، ضابطا، قوىّ النفس على قبوله.
الثالث عشر: كونه حافظا لعهده
المأخوذ عليه من تبليغ الرسالة و أداء الأمانة، و قد سبق بيان معنى العهد في الخطبة الاولى.
الرابع عشر: كونه ماضيا على إنفاذ أمره
في العالم و جذب الخلق إلى سلوك سبيله.
الخامس عشر: ما انتهى إليه من الغاية
باجتهاده في إرضاء اللّه، و هو كونه أورى‏

قبس القابس: أى اشتعل أنوار الدين و قدح زناد الأفكار حتّى أظهر أنوار العلوم منها للمقتبسين، و استعار لفظ القبس لنور العلم و الحكمة، و لفظ الورى لإظهار الرسول لتلك الأنوار في طريق اللّه، و قد سبق وجه الاستعارة.
السادس عشر: كونه أضاء الطريق للخابط.
فالطريق هى طريق الجنّة و الحضرة الالهيّة، و إضاءته لها بإظهار تلك الأنوار و بيانها بتعليم كيفيّة سلوكها و الإرشاد إليها، و الخابط هو الجاهل الّذي قصدت الحكمة الالهيّة إرشاده حيث كان يخبط في ظلمات الجهل.
السابع عشر: كونه قد هديت به القلوب إلى موضحات الأعلام:
أى الأدلّة الواضحة على الحقّ. و نيّرات الأحكام هى المطالب الحقّة الواضحة اللازمة من تلك الأدلّة بعد ما كانت القلوب فيه من خوضات الفتن و الآثام اللازمة عمّا اجترحته من السيّئات.
و ذلك أمر ظاهر.
الثامن عشر: كونه أمين اللّه:
أى على وحيه و رسالته، و المأمون تأكيد لأمانته.
و قد عرفت معنى الأمانة.
التاسع عشر: كونه خازن علمه المخزون:
أى علومه اللدنيّة الغيبيّة الّتي لا يتأهّل لحملها كلّ البشر المشار إليها بقوله تعالى عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ«».
العشرون: كونه شهيدا يوم الدين
كقوله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً«» أى شاهدا يقوم القيامة على امّته بما علم منهم من خير و شرّ.
فإن قلت: ما حقيقة هذه الشهادة و ما فايدتها مع أنّ اللّه تعالى عالم الغيب و الشهادة.
قلت: أمّا حقيقتها فيعود إلى اطّلاعه صلى اللّه عليه و آله و سلّم على أفعال امّته، و بيان ذلك أنّك علمت فيما سلف أنّ للنفوس القدسيّة الاطّلاع على الامور الغايبة و الانتقاش بها مع كونه في جلابيب في أبدانها فكيف بها إذا فارقت هذا العالم و الجسم المظلم فإنّها إذن تكون‏

مطّلعة على جميع أفعال اممها و مشاهدة لها من خير أو شرّ، و أمّا فايدتها فقد علمت أنّ أكثر أحكام الناس وهمّية، و الوهم منكر للإله على الوجه الّذي هو اله فبالحرىّ أن ينكر كونه عالما بجزئيّات أفعال عباده و دقايق خطرات أوهامهم، و ظاهر أنّ ذلك الإنكار يستتبع عدم المبالات بفعل القبيح و الانهماك في الامور الباطلة الّتى نهى اللّه تعالى عنها فإذا ذكر لهم أنّ عليهم شهداء و رقباء و كتّابا لما يفعلون مع صدق كلّ ذلك بأحسن تأويل كان ذلك ممّا يعين العقل على كسر النفس الأمّارة بالسوء و قهر الأوهام الكاذبة، و يردع النفس عن متابعة الهوى ثمّ لا بدّ لكلّ رسول من امناء على دينه و حفظة له هم شهداء أيضا على من بعده إلى قيام الساعة، و إذا كان معنى الشهادة يعود إلى اطّلاع الشاهد على ما في ذمّة المشهود عليه و علمه بحقيقته و فائدتها حفظ ما في ذمّة المشهود عليه و تخوّفه أن جحده أو لم يوصله إلى مستحقّه أن يشهد عليه الشاهد فيفضحه و ينتزع منه على أقبح وجه، و كان هذا المعنى و الفائدة قائمين في شهادة الأنبياء عليهم السّلام إذ بها تتحفّظ أو

امر اللّه و تكاليفه الّتي هى حقوقه الواجبة، و يحصل الخوف للمقصّرين فيها بذكر شهادة الرسل عليهم بالتقصير فيفتضحوا في محفل القيامة و يستوفى منهم جزاء ما كلّفوا به فقصروا فيه بالعقاب الأليم لا جرم ظهر معنى كونهم شهداء اللّه على خلقه.
الحادى و العشرون: كونه مبعوثا بالحقّ
و هو الدين الثابت الباقى نفعه و ثمرته في الآخرة، ثمّ أعاد ذكر كونه رسول اللّه إلى خلقه. و إنّما كررّه لأنّه الأصل في باقى الأوصاف، و ظاهر أنّ كلّ هذه الأوصاف جهات استحقاق الرحمة و البركة و إفاضة الصلوات الالهيّة على نفسه القدسيّة.
الفصل الثالث: في تفصيل المطلوب من هذا الدعاء
و هو قوله: اللّهم افسح. إلى آخره، و طلب امورا:

أحدها: أن يفسح له مفسحا في ظلّة: أى مكانا متّسعا في حضرة قدسه و ظلّ وجوده، و لفظ الظلّ مستعار للجود، و وجه المشابهة راحة المستظلّ بالظلّ من حرّ الشمس فأشبهها راحة الملتجى‏ء إلى جود اللّه المستظلّ به من حرارة جهنّم و سعير عذابه، و إليه الإشارة بقوله تعالى وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ.

الثاني: أن يجزيه مضاعفات الخير من فضله: أى يضاعف له الكمالات من نعمه، و قد علمت أنّ مراتب استحقاق نعم اللّه غير متناهية.
الثالث: أن يعلى على بناء البانين بناءه، و يحتمل أن يريد ببنائه ما شيّده من الدين فيكون أعلاه المطلوب هو إتمام دينه و إظهاره بعده على الأديان كلّها، و يحتمل أن يريد به ما شيّده من الملكات الخيريّة و استحقّه من مراتب الجنّة و قصورها.
الرابع: أن يكرّم لديه منزلته و هو إنزاله المنزل المبارك الموعود، و قل ربّ انزلنى منزلا مباركا.
الخامس: أن يتمّ له نوره و هو إمّا النور الّذي بعث به و إتمامه انتشاره في قلوب العالمين، و إمّا النور الّذي في جوهر ذاته. و تمامه زيادة كماله.
السادس: أن يجزيه عن بعثته قبول شهادته و رضا مقالته، و مقبول مفعول آخر.
و ذا منطق. نصب على الحال. و قبول شهادته. كناية عن تمام الرضى عنه إذ من كان مقبول الشهادة مرضىّ القول فلا بدّ و أن يكون بريئا من جهات الرذائل المسخطة، أو كناية عن كون معتقداته و مشاهداته من أعمال امّته و غيرها بريئة عن كدر الأغاليط و شوائب الأوهام، و كذلك رضا أقواله في شفاعته و غيرها. و كونه ذا منطق عدل: أى لا جور فيه عن الحقّ، و خطبة فصل: أى مميّزة للحقّ فاصلة له من الباطل، و كلّ هذه الاعتبارات و إن اختلفت مفهوماتها ترجع إلى مطلوب واحد و هو طلب زيادة كمالاتة عليه السّلام و قربه من اللّه تعالى، و قوله: اللهمّ اجمع. إلى آخر سأل اللّه أن يجمع بينه و بين الرسول في امور: أحدها: برد العيش. و العرب يقول: عيش بارد إذا كان لا كلفة فيه من حرب و خصومة. و هو في الآخرة يعود إلى ثمرات الجنّة البريئة من كدر الأتعاب.
الثاني: قرار النعمة: أى مستقرّها و هو الجنّة و حضرة ربّ العالمين.
الثالث: منى الشهوات، و هو ما تتمنّاه النفس من المشتهيات و تهواه من اللذّات بنعيم الأبد.
الرابع: رخاء الدعة و منتهى الطمأنينة: أى اتّساع سكون النفس بلذّة مفارقة الحقّ و الانس بالملأ الأعلى و أمنها من مزعجات الدنيا و راحتها من معافاة آفاتها.

الخامس: تحف الكرامة. و هى ثمرات الجنّة و قطوفها الدانية و ساير ما أعدّه لتحف أوليائه الأبرار ممّا لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن‏ ميثم بحرانی) ، ج 2 ، صفحه ى 196

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.