نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 28/1 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 28 صبحی صالح

28- و من كتاب له ( عليه ‏السلام  ) إلى معاوية جوابا قال الشريف و هو من محاسن الكتب

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ اصْطِفَاءَ اللَّهِ مُحَمَّداً ( صلى ‏الله‏ عليه ‏وآله  )لِدِينِهِ وَ تَأْيِيدَهُ إِيَّاهُ لِمَنْ أَيَّدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ

فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا وَ نِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا فَكُنْتَ فِي ذَلِكَ كَنَاقِلِ التَّمْرِ إِلَى هَجَرَ أَوْ دَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالِ

وَ زَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ فَذَكَرْتَ أَمْراً إِنْ تَمَّ اعْتَزَلَكَ‏ كُلُّهُ وَ إِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ وَ مَا أَنْتَ وَ الْفَاضِلَ وَ الْمَفْضُولَ وَ السَّائِسَ وَ الْمَسُوسَ

وَ مَا لِلطُّلَقَاءِ وَ أَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ وَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَ تَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ وَ تَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا وَ طَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا

أَ لَا تَرْبَعُ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ وَ تَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ وَ تَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَرُ فَمَا عَلَيْكَ غَلَبَةُ الْمَغْلُوبِ وَ لَا ظَفَرُ الظَّافِرِ وَ إِنَّكَ لَذَهَّابٌ فِي التِّيهِ رَوَّاغٌ عَنِ الْقَصْدِ

أَ لَا تَرَى غَيْرَ مُخْبِرٍ لَكَ وَ لَكِنْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ أُحَدِّثُ أَنَّ قَوْماً اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ لِكُلٍّ فَضْلٌ

حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ وَ خَصَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى‏الله‏عليه‏وآله  )بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ

أَ وَ لَا تَرَى أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لِكُلٍّ فَضْلٌ حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ قِيلَ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وَ ذُو الْجَنَاحَيْنِ

وَ لَوْ لَا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا وَ النَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا

لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا وَ لَا عَادِيُّ طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ‏ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بِأَنْفُسِنَا فَنَكَحْنَا وَ أَنْكَحْنَا فِعْلَ الْأَكْفَاءِ وَ لَسْتُمْ هُنَاكَ وَ أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ

وَ مِنَّا النَّبِيُّ وَ مِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ وَ مِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَ مِنْكُمْ أَسَدُ الْأَحْلَافِ وَ مِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ وَ مِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَ مِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا لَنَا وَ عَلَيْكُمْ

فَإِسْلَامُنَا قَدْ سُمِعَ وَ جَاهِلِيَّتُنَا لَا تُدْفَعُ وَ كِتَابُ اللَّهِ يَجْمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا وَ هُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ‏

وَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ‏فَنَحْنُ مَرَّةً أَوْلَى بِالْقَرَابَةِ وَ تَارَةً أَوْلَى بِالطَّاعَةِ

وَ لَمَّا احْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الْأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ بِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى‏الله‏عليه‏وآله  )فَلَجُوا عَلَيْهِمْ فَإِنْ يَكُنِ الْفَلَجُ بِهِ فَالْحَقُّ لَنَا دُونَكُمْ وَ إِنْ يَكُنْ بِغَيْرِهِ فَالْأَنْصَارُ عَلَى دَعْوَاهُمْ

وَ زَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ وَ عَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْكَ فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَوَ تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا

وَ قُلْتَ إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ الْمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ‏

  وَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ وَ أَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ

وَ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَةٍ فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً فِي دِينِهِ وَ لَا مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ وَ هَذِهِ حُجَّتِي إِلَى غَيْرِكَ قَصْدُهَا وَ لَكِنِّي أَطْلَقْتُ لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ مِنْ ذِكْرِهَا

ثُمَّ ذَكَرْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي وَ أَمْرِ عُثْمَانَ فَلَكَ أَنْ تُجَابَ عَنْ هَذِهِ لِرَحِمِكَ مِنْهُ فَأَيُّنَا كَانَ أَعْدَى لَهُ وَ أَهْدَى إِلَى مَقَاتِلِهِ أَ مَنْ بَذَلَ لَهُ نُصْرَتَهُ فَاسْتَقْعَدَهُ وَ اسْتَكَفَّهُ أَمْ مَنِ اسْتَنْصَرَهُ فَتَرَاخَى عَنْهُ وَ بَثَّ الْمَنُونَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَى قَدَرُهُ عَلَيْهِ

كَلَّا وَ اللَّهِ لَ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا.

وَ مَا كُنْتُ لِأَعْتَذِرَ مِنْ أَنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ أَحْدَاثاً فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشَادِي وَ هِدَايَتِي لَهُ فَرُبَّ مَلُومٍ لَا ذَنْبَ لَهُ وَ قَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ الْمُتَنَصِّحُ‏

وَ مَا أَرَدْتُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ‏

وَ ذَكَرْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي وَ لِأَصْحَابِي عِنْدَكَ إِلَّا السَّيْفُ فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ‏

بَعْدَ اسْتِعْبَارٍ مَتَى أَلْفَيْتَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الْأَعْدَاءِ نَاكِلِينَ وَ بِالسَّيْفِ مُخَوَّفِينَ فَلَبِّثْ قَلِيلًا يَلْحَقِ الْهَيْجَا حَمَلْ‏

فَسَيَطْلُبُكَ مَنْ تَطْلُبُ وَ يَقْرُبُ مِنْكَ مَا تَسْتَبْعِدُ

وَ أَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ مُتَسَرْبِلِينَ سَرَابِيلَ الْمَوْتِ أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ

وَ قَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ وَ سُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ وَ خَالِكَ وَ جَدِّكَ وَ أَهْلِكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج19  

و من كتاب له عليه السلام الى معاوية و هو من محاسن الكتب- و هو المختار الثامن و العشرون من باب الكتب‏

أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله تعالى محمدا صلى الله عليه و سلم لدينه، و تأييده إياه بمن أيده من أصحابه فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله عندنا، و نعمته علينا في نبينا فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر [هجر- معا]، أو داعى مسدده إلى النضال.

و زعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان و فلان فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله، و إن نقص لم يلحقك ثلمه، و ما أنت و الفاضل و المفضول و السائس و المسوس [و الفاضل و المفضول و السائس و المسوس- معا]، و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمييز [و التمييز- معا] بين المهاجرين الأولين و ترتيب [ترتيب- معا] درجاتهم، و تعريف [تعريف- معا] طبقاتهم؟ هيهات لقد حن قدح ليس منها و طفق يحكم فيها من عليه الحكم لها.

أ لا تربع أيها الإنسان على ظلعك و تعرف قصور ذرعك، تتأخر حيث أخرك القدر؟ فما عليك غلبة المغلوب، و لا لك ظفر الظافر، و إنك [فإنك- خ‏] لذهاب في التيه، رواغ من القصد، أ لا ترى- غير مخبر لك- لكن بنعمة الله أحدث، أن قوما من المهاجرين استشهدوا في سبيل الله- و لكل فضل- حتى إذا استشهد [شهيد [نا]] قيل: سيد الشهداء و خصه رسول الله صلى الله عليه و آله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه؟ أ و لا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله- و لكل فضل- حتى إذا فعل بواحد منا كما فعل بواحدهم، قيل: الطيار في الجنة و ذو الجناحين؟

و لولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين، و لا تمجها آذان السامعين، فدع عنك من مالت به الرمية فإنا صنائع ربنا و الناس بعد صنائع لنا، لم يمنعنا قديم عزنا و عادي طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا و أنكحنا فعل الأكفاء و لستم هناك، و أنى يكون ذلك كذلك و منا النبي و منكم المكذب، و منا أسد الله و منكم‏ أسد الأحلاف، و منا سيدا شباب أهل الجنة و منكم صبية النار، و منا خير نساء العالمين و منكم حمالة الحطب، في كثير مما لنا و عليكم، فإسلامنا ما قد سمعتم [سمع‏]، و جاهليتنا لا تدفع، و كتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا و هو قوله سبحانه: و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله*، و قوله تعالى: إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا و الله ولي المؤمنين‏، فنحن مرة أولى بالقرابة و تارة أولى بالطاعة. و لما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله صلى الله عليه و آله فلجوا عليهم فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم، و إن يكن بغيره فالأنصار على دعويهم. و زعمت أني لكل الخلفاء حسدت، و على كلهم بغيت، فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك و تلك شكاة ظاهر عنك عارها.

و قلت: إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع و لعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت، و أن تفضح فافتضحت، و ما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه‏ و لا مرتابا بيقينه، و هذه حجتي إلى غيرك قصدها و لكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها. ثم ذكرت ما كان من أمري و أمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه فأينا كان أعدى له و أهدى إلى مقاتله؟ أ من بذل له نصرته فاستقعده و استكفه، أم من استنصر فتراخى عنه، و بث المنون إليه حتى أتى قدره عليه؟ كلا و الله لقد علم الله المعوقين منكم و القائلين لإخوانهم هلم إلينا و لا تأتون البأس إلا قليلا. و ما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا فإن كان الذنب إليه إرشادي و هدايتي له فرب ملوم لا ذنب له، و قد يستفيد الظنة المتنصح. و ما أردت إلا الإصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت. و ذكرت أنه ليس لي و لا لأصحابي عندك إلا السيف فلقد أضحكت بعد استعبار، متى ألفيت بنو عبد المطلب عن الأعداء ناكلين، و بالسيوف مخوفين؟ فلبث قليلا يلحق الهيجاء حمل، فسيطلبك من تطلب، و يقرب منك ما تستبعد، و أنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان، شديد زحامهم،ساطع قتامهم، متسربلين سرابيل الموت، أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم، قد صحبتهم ذرية بدرية، و سيوف هاشمية، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك و خالك و جدك و أهلك و ما هي من الظالمين ببعيد.

اللغة

قد مضى بيان طائفة من لغات هذا الكتاب في شرح المختار التاسع من هذا الباب، أوله قوله عليه السلام: فأراد قومنا قتل نبيه و اجتياح أصله و هموا بنا الهموم- إلخ. (ص 324 ج 17).

(خبأ) أى أخفى، يقال: خبأ الشي‏ء، من باب منع مهموزا، و خبأ مشددا أى ستره و أخفاه و في كثير من النسخ المطبوعة كانت الكلمة مشكولة بتشديد الباء و نسخة الرضي بتخفيفها كما اخترناها. (ببلاء الله) أي بانعامه و إحسانه، أو اختباره و امتحانه و لكن المناسب مع ما عندنا هو الانعام و الاحسان.

(هجر) محركة اسم بلد مذكر مصروف و غير مصروف و النسبة إليه هاجري على خلاف القياس و من ذلك قولهم نبأ هاجري، و هو في نسخة الرضي مشكول مصروفا و غير مصروف معا، (مسدده) أي معلمه، (النضال) المراماة.

(ثلمه) الثلم: الكسر و العيب، و في عدة من النسخ المطبوعة و غيرها: لم ينقصك ثلمه، و لكن نسخة الرضي رضوان الله عليه كانت: لم يلحقك ثلمه كما اخترناه. (الطلقاء) جمع الطليق و هو من اطلق بعد الأسرة. (لقد حن قدح ليس منها) مثل، قال الميداني في فصل الحاء المهملة المفتوحة من مجمع الأمثال: حن قدح ليس منها، القدح أحد قداح الميسر و إذا كان أحد القداح من غير جوهرة اخواته ثم أجاله المفيض خرج له صوت يخالف أصواتها يعرف به أنه ليس من جملة القداح، يضرب للرجل يفتخر بقبيلة ليس منها أو يتمدح بما لا يوجد فيه، و تمثل به عمر حين قال الوليد بن عقبة بن أبى معيط: اقتل من بين قريش فقال عمر: حن قدح ليس منها، و الهاء في منها راجعة إلى القداح. انتهى. قوله: أجاله المفيض يقال: أفاض أهل الميسر بالقداح أي ضربوا بها.

(ألا تربع) ربع كمنع: وقف و انتظر و تحبس و منه قولهم: اربع عليك أو على نفسك أو على ظلعك قاله في القاموس.(و الظلع) بسكون اللام: العيب، و بفتحها: العرج و الغمز، و هو مصدر ظلع البعير كمنع أى غمز في مشيه، و من أمثالهم: ظالع يعود كسيرا، يعود من العيادة، يضرب للضعيف ينصر من هو أضعف منه كما في مجمع الأمثال للميداني.

(الذرع): الطاقة و الوسع و بسط اليد و ذرع الإنسان طاقته التي يبلغها، و في آخر الدعاء السابع من الصحيفة السجادية: فقد ضقت لما نزل بى يا رب ذرعا، و في شرحها الموسوم برياض السالكين للعالم المتضلع السيد عليخان قدس سره في ضيق الذرع المناسب لقصورها نكات أدبية فراجع.

(التيه): الضلال و التحير في المفاوز قال الله تعالى: فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض‏، (الرواغ): كثير الميل، يقال: راغ الرجل و الثعلب روغا و روغانا إذا مال و حاد عن الشي‏ء، و يقال: فلان يروغ روغان الثعلب و من الأمثال فلان أروغ من الثعلب.

(القصد): الاعتدال و الطريق المستقيم، (غير مخبر) خبره الشي‏ء و بالشي‏ء من باب التفعيل أعلمه إياه و أنبأه كأخبره و أخبر به، (استشهد) أى قتل في سبيل الله، و كذا اشهد، على صيغتى المجهول.

(تمجها) يقال مج الماء من فيها إذا ألقاه، (الطول) بالفتح فالسكون:الفضل، (عادى) أى قديم، قال الجوهرى في الصحاح: عاد قبيلة و هم قوم هود عليه السلام و شي‏ء عادى أى قديم كأنه منسوب إلى عاد.

و قال الشيخ محمد عبده: العادى الاعتيادى المعروف، أقول: الصواب ما قدمنا و هذا الوجه خطر ببالنا أيضا إلا أن مقابلته بالقديم منعنا عن ذلك، و في رواية صبح الأعشى: و مديد طولنا.

(الرمية) المراد منها ههنا الصيد الذي يرمي و هو كالمثل يضرب لمن يميل به عن الحق أغراضه الباطلة و أصله أن الرجل يقصد قصدا فيتعرض له الصيد فيتبعه فيميل به عن قصده الأصلى.

(فلجوا عليهم) أى ظفروا عليهم، و الفلج: الظفر، و الفعل من بابى نصر و ضرب، قال محمد بن بشير:

كم من فتى قصرت في الرزق خطوته‏ ألفيته بسهام الرزق قد فلجا

و البيت من الحماسة، (الحماسة 436 من شرح المرزوقى)، و في الحديث السادس من باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر و تفسير من اصول الكافي عن أبي جعفر عليه السلام قال: يا معشر الشيعة خاصموا بسورة إنا أنزلناه تفلجوا فو الله إنها لحجة الله تبارك و تعالى على الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و انها لسيدة دينكم و انها لغاية علمنا الحديث.

(صنائع) جمع صنيعة، قال الزمخشرى في أساس البلاغة: فلان صنيعتك و مصطنعك، و اصطنعتك لنفسى، قال الحطيئة:

فإن يصطنعني الله لا أصطنعكم‏ و لا اوتكم مالى على العثرات‏

و قال في القاموس: هو صنيعى و صنيعتى أى اصطنعته و ربيته و خرجته.

و الصنيعة أيضا هي ما يسدى من معروف أو يد إلى إنسان، قال ابن مولى ليزيد بن حاتم:

و إذا صنعت صنيعة أتممتها بيدين ليس نداهما بمكدر

و البيت من الحماسة، قال المرزوقي في الشرح: يقول: و إذا اتخذت عند إنسان يدا و أزللت إليه نعمة فانك لا تخدجها و لا تترك تربيتها لكنك تكملها و تقوم بعمارتها مصونة من المن و التكدير صافية من الشوائب و التعذير.

(شباب) جمع الشاب.(شكاة) الشكاة في الأصل: المرض، و توضع موضع العيب و الذم كما في هذا البيت فمعناها العيب و النقيصة.(ظاهر عنك) أى زائل عنك و ينبو، و لا يعلق بك، قال ابن الأثير في النهاية:

و في حديث عائشة كان يصلى العصر و لم يظهر فيى‏ء الشمس بعد من حجرتها أى لم يرتفع و لم يخرج إلى ظهرها، و منه حديث ابن الزبير لما قيل له يا ابن النطاقين تمثل بقول أبي ذؤيب: و تلك شكاة ظاهر عنك عارها، يقال ظهر عنى هذا العيب إذا ارتفع عنك و لم ينلك عنه شي‏ء أراد أن نطاقها لا يفض منه فيعير به و لكنه يرفع منه و يزيده نبلا، انتهى.

أقول في بيانه: كانت ام عبد الله بن الزبير ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر و أراد ابن الزبير أن تعييره إياه بلقب امه ليس عارا يستحيى منه إنما هو من مفاخره لأنه لقب لقبها به رسول الله صلى الله عليه و آله و هو في الغار مع أبي بكر على ما قيل فراجع إلى السيرة النبوية لابن هشام (ص 486 ج 1 من طبع مصر 1375 ه) و في الحماسة: قال سبرة بن عمرو الفقعسى و عيره ضمرة بن النهشلى كثرة إبله:

أعيرتنا ألبانها و لحومها و ذلك عار يا ابن ريطة ظاهر

قال المرزوقى في الشرح: و ذلك عار ظاهر أى زائل، قال أبو ذؤيب:

و عيرها الواشون أنى احبها و تلك شكاة ظاهر عنك عارها

و من هذا قولك: ظهر فوق السطح، و قولك: جعلته منى بظهر، و قوله تعالى: اتخذتموه وراءكم ظهريا، انتهى قول المرزوقي.

و أقول: صار هذا المصراع من البيت أعنى قول أبي ذؤيب و تلك شكاة إلخ مثلا يضرب لمن ينكر فعلا ليس له ربط به و لا تعلق له، و البيت من قصيدة غراء تنتهى إلى ثمانية و ثلاثين بيتا يرثى بها نشيبة بن محرث أحد بني مومل ابن حطيط الهذلى منقولة كاملة في ديوان الهذليين (ص 21 من طبع مصر 1385 ه) مطلعها:

هل الدهر إلا ليلة و نهارها و إلا طلوع الشمس ثم غيارها
أبى القلب إلا ام عمرو و أصبحت‏ تحرق ناري بالشكاة و نارها

و عيرها الواشون- البيت.

و أبو ذؤيب هذا هو خويلد بن خالد بن محرز الهذلى شاعر مجيد مخضرم أدرك الجاهلية و الإسلام، قدم المدينة عند وفاة النبي صلى الله عليه و آله فأسلم و حسن إسلامه روى عنه أنه قال: قدمت المدينة و لأهلها ضجيح بالبكاء كضجيج الحجيج أهلوا بالإحرام، فقلت: مه؟ فقالوا: توفى رسول الله صلى الله عليه و آله، كما في معجم الادباء لياقوت (ص 83 ج 11 من طبع مصر).

(الجمل المخشوش) الذي جعل في أنفه الخشاش و هو عويد يجعل في أنف البعير و نحوه يشد به الزمام ليكون أسرع لانقياده، مشتق من خش في الشي‏ء إذا دخل فيه لأنه يدخل في أنف البعير.(الغضاضة): الذلة و المنقصة، (المعوقين) أى المانعين عن القيام بنصرة الإسلام (فرب ملوم لا ذنب له) مثل، قال الميدانى في فصل الراء المضمومة من مجمع الأمثال: هذا من قول اكثم بن صيفي، يقول: قد ظهر للناس منه أمر أنكروه عليه و هم لا يعرفون حجته فهو يلام عليه و ذكروا أن رجلا في مجلس الأحنف بن قيس قال: لا شي‏ء أبغض إلى من التمر و الزبد فقال الأحنف: رب ملوم لا ذنب له- انتهى كلام الميداني.

(الظنة) بالكسر: التهمة (المتنصح) أى المتكلف بنصح من لا يقبل النصيحة و المبالغ فيه له.و قد يستفيد الظنة المتنصح، مصراع بيت صدره: و كم سقت من آثاركم من نصيحة، (استعبار) استعبر: جرت عبرته أى بكى.(لبث قليلا يلحق الهيجا حمل) هذا المثل قريب من قولهم: لبث رويدا يلحق الداريون، و حمل بالتحريك هو ابن بدر رجل من قشير و فيه يقول قيس ابن زهير العبسى:

و لكن الفتى حمل بن بدر بغى و البغى مرتعه وخيم‏

و هذا البيت للعبسى من أبيات الحماسة (الحماسة 147 من شرح المرزوقى) و من أبيات الأمالي للقالى ص 261 ج 1، و في السيرة النبوية لابن هشام ص 287 ج 1.و قول حمل يضرب به مثلا للتهديد بالحرب.

و روى الميدانى في مجمع الأمثال في فصل الضاد المفتوحة هكذا: ضح رويدا يدرك الهيجا حمل، و قال: ضح رويدا هذا أمر من التضحية أى لا تعجل في ذبحها ثم استعير في النهى عن العجلة في الأمر، و يقال: ضح رويدا لم ترع أى لم تفزع و يقال ضح رويدا يدرك الهيجا حمل، يعنى حمل بن بدر، قال زيد الخيل:

فلو أن نصرا أصلحت ذات بينها لضحت رويدا عن مطالبها عمرو
و لكن نصرا ارتعت و تخاذلت‏ و كانت قديما من خلايقها الغفر

أى المغفرة، نصر و عمروا بناقعين و هما حيان من بني أسد، انتهى قول الميداني.و في الباب الثالث و العشرين فى ما جاء من الأمثال من أوله لام من جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكرى: لبث رويدا يلحق الهيجا حمل، أى انتظر حتى يتلاقى الشبان، و الهيجا يقصر و يمد، و حمل اسم رجل، انتهى كلام أبي هلال.

و كما اختلف في ضبط هذا المثل على ما قدمنا كذا اختلف في حمل فذهب غير واحد إلى أنه ابن بدر كما دريت و في الإصابة و اسد الغابة أنه حمل ابن سعدانة قال في الأول: حمل بن سعدانة بن حارثة الكلبي وفد على النبي صلى الله عليه و آله و عقد له لواء و هو القائل: لبث قليلا يدرك الهيجا حمل، و شهد مع خالد مشاهده كلها و قد تمثل بقوله سعد بن معاذ يوم الخندق حيث قال:

لبث قيلا يدرك الهيجا حمل‏ ما أحسن الموت إذا حان الأجل‏

و في اسد الغابة: البث قليلا- إلخ و قال: شهد صفين مع معاوية، و الله تعالى أعلم.ثم إن الهيجاء في نسختنا التي قوبلت على نسخة الرضى ممدودة، و يجب أن تقرأ في البيت مقصورة ليستقيم الوزن.

(مرقل) أى مسرع، و الارقال ضرب من السير السريع، (جحفل) أى جيش عظيم، (قتامهم) أى غبارهم، (ساطع) اى منتشر، (نصالها) قال في القاموس:

النصل و النصلان حديدة السهم و الرمح و السيف ما لم يكن له مقبض جمعه أنصل و نصول و نصال، و نصل السهم فيه: ثبت، و في بعض النسخ نضالها بالمعجمة يقال ناضل عنه إذا دفع و لكن الصحيح ههنا بالمهملة و في صدر الكتاب بالمعجمة كما في نسخة الرضى رضوان الله عليه، قال أبو العيال الهذلى في أبيات لما حصر هو و أصحابه ببلاد الروم في زمن معاوية كتبها إلى معاوية فقرأه معاوية على الناس كما في ديوان الهذليين (ص 255 من طبع مصر):

فترى النبال تعير في أقطارنا شمسا كأن نصالهن السنبل‏
و ترى الرماح كأنما هي بيننا أشطان بئر يوغلون و نوغل‏

الاعراب‏

(و ما أنت و الفاضل و المفضول و السائس و المسوس) الفاضل و أترابه التالية على نسخة الرضى مشكولة بالنصب، كما أن في الجملة التي بعدها أعنى و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمييز إلخ التمييز و ترتيب و تعريف منصوبة أيضا و قد قرئت الجملة الاولى بالنصب و الرفع معا كما في نسخة مخطوطة مشكولة مقروة عندنا، و احتمل بعضهم الرفع في الجملة الثانية أيضا.

أفاد الفاضل الشارح المعتزلي بقوله: و ما أنت و الفاضل و المفضول الرواية المشهورة بالرفع و قد رواها قوم بالنصب فمن رفع احتج بقوله: و ما أنت و بيت أبيك و الفخر، و بقوله: فما القيسى بعدك و الفحار، و من نصب فعلى تأويل مالك و الفاضل و في ذلك معنى الفعل أى ما تصنع لأن هذا الباب لا بد أن يتضمن الكلام فيه فعلا أو معنى فعل و أنشدوا: فما أنت و السير في متلف، و الرفع عند النحويين‏ أولى، و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمييز النصب ههنا لا غير لأجل اللام في الطلقاء.

(حن قدح ليس منها) الضمير المجرور راجع إلى القداح كما مر، (فيها من عليه الحكم لها) الهاء في الطرفين راجعة إلى الطبقات أو الجماعة أو القضية أو نحوها غير مخبر منصوب على الحالية لضمير أحدث، و مخبر على نسخة الرضى كان بتشديد الباء من التخبير و في غير واحد من نسخ اخرى بكسر الباء المخففة من لإخبار و كلاهما بمعنى واحد كما مر في شرح اللغات، (أن قوما) مفعول ترى (الرمية) فعيلة بمعنى مفعولة و أنثت لأنها جعلت اسما لا نعتا و المراد بها الدنيا أى دع من مال إلى الدنيا و مالت به أى أمالته إليها، (فعل الاكفاء) منصوب على المصدر، (و لستم هناك) الواو للحال و العامل فيه خلطناكم، (على قومك) متعلق بقوله طولنا أى فضلنا عليهم، و جملة أن خلطناكم فاعل لقوله لم يمنعنا، و كلمتا قديم و عادى منصوبتان على المفعولية، و في نسخة الرضى- ره- و هي الصواب مرفوعتان على الفاعلية و جملة خلطناكم على هذا الوجه منصوبة على المفعولية، أفاد الفاضل الشارح المعتزلي بقوله: فان قلت: فبما ذا يتعلق في قوله في كثير؟ قلت: بمحذوف تقديره هذا الكلام داخل في جملة كلام كثير يتضمن مالنا و عليكم. (الفلج به) الضمير المجرور يرجع إلى الرسول (قصدها) الضمير يرجع إلى الحجة و إلى غيرك خبر قدم على القصد أى هذه حجتى قصدها إلى غيرك.

(يلحق الهيجا حمل) قرئ الفعل و حمل على وجهين: على تأنيث الفعل و نصب حمل فالهيجاء فاعل، و على تذكير الفعل و رفع حمل فالهيجاء مفعول (متسربلين) منصوب على الحال.

المصدر

قد مر في ذكر ماخذ الكتاب التاسع (ص 326 ج 17) نقل كتابه عليه السلام إلى معاوية جوابا عن كتابه إليه و قد نقلنا هما من كتاب صفين لنصر بن مزاحم و قد نقله ابن عبد ربه في العقد الفريد أيضا (ص 334 ج 4 من طبع مصر) و أما كتابه‏ هذا فقد نقله أعثم الكوفي في الفتوح (ص 157 من ترجمة الهروي طبع بمبئي) و أبو العباس أحمد بن علي القلقشندى في صبح الأعشى (ص 229 ج 1 من طبع مصر) و شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويرى في نهاية الأرب (ص 233 ج 7) و يطلب من باب كتبه عليه السلام إلى معاوية و احتجاجاته عليه من ثامن البحار (ص 534 ج 8 من الطبع الكمبانى)، و كتابه هذا يوهم أنه قريب من التاسع و أنهما واحد و الاختلاف في النسخ أو الروايات حتى أن الشارح البحرانى مال ههنا أن هذا الكتاب ملتقط من كتاب ذكر السيد منه فصلا سابقا و هو قوله: فأراد قومنا اهلاك نبينا و قد ذكرنا كتاب معاوية الذي هذا الكتاب جواب له و ذكرنا الكتاب له بأسره هناك و إن كان فيه اختلاف ألفاظ يسيرة بين الروايات- انتهى قوله.

أقول: قد وجدنا الكتابين في ماخذ عديدة و نرى بينهما اختلافا يمنعنا من اعتقادهما واحدا، على أن دأب الشريف الرضى رضوان الله عليه كان إذا نقل كلامه برواية اخرى أن ينبه بتقديمه على صورة اخرى: قال في المختار 227 من باب الخطب أوله: بسطتم يدي فكففتها و من كلام له عليه السلام في وصف بيعته بالخلافة و قد تقدم مثله بألفاظ مختلفة.

و قال في المختار 23 من باب الكتب أوله: وصيتى لكم أن لا تشركوا بالله شيئا: أقول: و قد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب إلا أن فيه زيادة أوجبت تكريره.

و قال في المختار 66 من هذا الباب أوله: أما بعد فان المرء ليفرح بالشي‏ء الذي لم يكن ليفوته: و قد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية.

و نحوها في عدة مواضع اخرى فلو كان الكتابان واحدا لكان يتعرض عليه كما تعرض فيها، و بعد الغمض عن ذلك نقول: إن الروايات قائلة بأن معاوية كتب إلى علي عليه السلام كتابا أنفذه إليه مع أبي أمامة الباهلى فكتب إليه علي عليه السلام هذا الكتاب، و كتب إليه كتابا أنفذه إليه مع أبي مسلم الخولانى فكتب عليه السلام في جوابه ذلك الكتاب المقدم في المختار التاسع و كان صدره: فإن أخا خولان قدم علي بكتاب- إلخ.

و قد أقبل على الفاضل الشارح المعتزلي هذا السئوال أيضا و أورده على النقيب أبي جعفر فأجابه بما لا يخلو ذكره من فائدة قال: سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن زيد فقلت: أرى هذا الجواب منطبقا على كتاب معاوية الذي بعثه مع أبي مسلم الخولانى إلى علي عليه السلام فإن كان هذا هو الجواب فالجواب الذي ذكره أرباب السيرة و أورده نصر بن مزاحم في كتاب صفين إذا غير صحيح، و إن كان ذلك الجواب فهذا الجواب إذن غير صحيح و لا ثابت؟.

قال: فقال لي: بل كلاهما ثابت مروى و كلاهما كلام أمير المؤمنين عليه السلام و ألفاظه، ثم أمرنى أن أكتب ما يمليه على فكتبته قال: كان معاوية يتسقط عليا و ينعى عليه ما عساه يذكره من حال أبي بكر و عمر و أنهما غصباه حقه و لا يزال يكيده بالكتاب يكتبه و الرسالة يبعثها يطلب غرته لينفث بما في صدره من حال أبي بكر و عمر إما مكاتبة أو مراسلة فيجعل ذلك حجة عليه عند أهل الشام و يضيفه إلى ما قرره في أنفسهم من ذنوبه زعم فقد كان غمصه عندهم بأنه قتل عثمان أو مالأ على قتله، و أنه قتل طلحة و الزبير، و أسر عائشة، و أراق دماء أهل البصرة و بقيت خصلة واحدة و هو أن يثبت عندهم أنه يتبرأ من أبي بكر و عمر و ينسبهما إلى الظلم و مخالفة الرسول في أمر الخلافة و أنهما وثبا عليه غلبة و غصباه إياها فكانت هذه الطامة الكبرى ليست مقصرة على فساد أهل الشام عليه بل و أهل العراق الذين هم جنده و بطانته و أنصاره لأنهم كانوا يعتقدون إمامة الشيخين إلا القليل الشاذ من خواص الشيعة.

فلما كتب ذلك الكتب مع أبي مسلم الخولانى قصد أن يغضب عليا و يحرجه و يحوجه إذا قرأ ذكر أبا بكر و أنه أفضل المسلمين إلى أن يرهن خطه في الجواب بكلمة تقتضى طعنا في أبي بكر فكان الجواب مجمحا غير بين فيه تصريح بالتظليم لهما و لا التصريح ببراءتهما و تارة يترحم عليهما و تارة يقول أخذ حقى و قد تركته لهما فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يكتب كتابا ثانيا مناسبا للكتاب الأول ليستفزا فيه عليا عليه السلام و يستخفاه و يحمله الغضب منه أن يكتب كلاما يتعلقان به‏ في تقبيح حاله و تهجين مذهبه، و قال له عمرو: إن عليا رجل نزق تياه و ما استطمعت منه الكلام بمثل تقريظ أبي بكر و عمر فاكتب فكتب كتابا أنفذه إليه مع أبي امامة الباهلى و هو من الصحابة بعد أن عزم على بعثه مع أبي الدرداء و نسخة الكتاب: من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فان الله تعالى- جده- إلى آخر ما ننقله بعيد هذا في ذكر المعنى.

ثم قال: قال النقيب أبو جعفر: فلما وصل هذا الكتاب إلى علي عليه السلام مع أبي امامة الباهلى كلم أبا امامة بنحو مما كلم به أبا مسلم الخولانى و كتب معه هذا الجواب.

قال: قال النقيب: و في كتاب معاوية هذا ذكر لفظ الجمل المخشوش أو الفحل المخشوش لا في الكتاب الواصل مع أبي مسلم و ليس في ذلك هذه اللفظة و إنما فيه حسدت الخلفاء و بغيت عليهم عرفنا ذلك من نظرك الشزر و قولك الهجر و تنفسك الصعداء و إبطاؤك عن الخلفاء.

قال: قال: و إنما كثير من الناس لا يعرفون الكتابين و المشهور عندهم كتاب أبي مسلم فيجعلون هذه اللفظة فيه و الصحيح أنها في كتاب أبي امامة ألا تراها عادت في جوابه و لو كانت في كتاب أبي مسلم لعادت في جوابه- انتهى كلام النقيب أبي جعفر من شرح الفاضل الشارح المعتزلي.

أقول: و هذا تحقيق خبرى دقيق و بحث روانى عميق فإن المجاميع في الفنون العديدة و الجوامع الروائية يفيد أنهما كتابان كما دريت، و قد مال إليه الفاضل المورخ الفنان محمد تقى سپهر في ناسخ التواريخ (ص 164 ج 2 من الطبع الناصرى) فانه بعد ما نقل كتاب معاوية مع أبي مسلم الخولانى و كتاب أمير المؤمنين عليه السلام في جوابه على ما مر نقلهما في ذكر ماخذ الكتاب التاسع قال ما هذا هو لفظه بالفارسية و كأنه ترجمة ما أفاده النقيب.

معاوية مكتوب را قرائت كرد و عمرو عاص را نيز بنمود، عمرو نگريست كه علي عليه السلام در جواب معاوية آنجا كه أبو بكر را بر تمامت مسلمانان تفضيل‏ نهاده كلمه كه تصريح بر تقبيح أبو بكر و تشنيع أعمال او باشد رقم نكرده إلا آنكه نگاشته است حق مرا مأخوذ داشته ‏اند و من تفويض كردم، با معاوية گفت بر قانون كتاب أول علي مكتوب كن و همچنان فصلى در فضل أبو بكر و عمر و عثمان رقم كن، چون على ايشان را غاصب حق خويش داند و در نزد خدا و رسول عاصى و بزهكار مى‏خواند بعيد نباشد كه در فضيحت عقيدت ايشان و ظلم و طغيان ايشان چيزى رقم كند آن گاه ما مكتوب او را بر فساد مذهب او حجت كنيم و بر مردم شام و صناديد قبايل عرضه داريم و تمامت عرب را بر او بر شورانيم و بر گردن آرزو سوار شويم، معاويه را كلمات او پسنده افتاد و همى‏خواست تا بصحبت أبو دردا چيزى نگارد هم از اين انديشه باز نشست و اين مكتوب را بدست أبو امامه باهلى كه در شمار أصحاب رسول خدا است انفاذ داشت: من عبد الله معاوية بن أبي سفيان- إلى آخر كتابه الاتى عن قريب- إلى أن قال: بالجملة أبو امامه باهلى اين نامه بگرفت و راه در نوشت و در كوفه حاضر حضرت أمير المؤمنين عليه السلام شده تسليم داد أمير المؤمنين بعد از قرائت آن مكتوب بدينگونه پاسخ نگاشت: أما بعد فقد بلغنى كتابك تذكر فيه اصطفاء الله تعالى- إلخ.

و بالجملة أن الظن المتاخم بالعلم من التتبع و الفحص حاصل بأن كل واحد منهما كتاب على حياله فلنرجع إلى تفسير الكتاب.

المعنى‏

لما كان الأمير عليه السلام في هذا الكتاب‏ يرد الأباطيل التي نسجتها عنكبوت أوهام‏ معاوية و أهواء شيطانه عمرو العاصى فلا بد لنا من نقل كتاب معاوية ليتضح الجواب، كتب معاوية إليه بعد كتابه الذي أنفذه إليه مع الخولانى على ما مر آنفا: من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب: أما بعد فإن الله تعالى جده اصطفى محمدا عليه الصلاة و السلام لرسالته، و اختصه بوحيه و تأدية شريعته‏ فأنقذ به من العماية، و هدى به من الغواية، ثم قبضه إليه رشيدا حميدا قد بلغ الشرع، و محق الشرك، و أخمد نار الإفك، فأحسن الله جزاءه، و ضاعف عليه نعمه و آلاءه.

ثم إن الله سبحانه اختص محمدا عليه الصلاة و السلام بأصحاب أيدوه و نصروه و كانوا كما قال الله سبحانه لهم: «أشداء على الكفار رحماء بينهم‏» فكان أفضلهم مرتبة، و أعلاهم عند الله و المسلمين منزلة الخليفة الأول الذي جمع الكلمة و لم الدعوة و قاتل أهل الردة، ثم الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح، و مصر الأمصار و أذل رقاب المشركين، ثم الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملة و طبق الافاق بالكلمة الحنيفية.

فلما استوثق الإسلام و ضرب بجرانه عدوت عليه، فبغيته الغوائل و نصبت له المكائد و ضربت له بطن الأمر و ظهره و دسست عليه و أغريت به و قعدت حيث استنصرك عن نصره، و سألك أن تدركه قبل أن يمزق فما أدركته، و ما يوم المسلمين منك بواحد: لقد حسدت أبا بكر و التويت عليه و رمت إفساد أمره و قعدت في بيتك، و استغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته، ثم كرهت خلافة عمر و حسدته، و استطلت مدته و سررت بقتله، و أظهرت الشماتة بمصابه حتى أنك حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبيه.

ثم لم تكن أشد منك حسدا لابن عمك عثمان نشرت مقابحه، و طويت محاسنه، و طعنت في فقهه، ثم في دينه ثم في سيرته، ثم في عقله و أغريت به السفهاء من أصحابك و شيعتك حتى قتلوه بمحضر منك، لا تدفع عنه بلسان و لا يد، و ما من هؤلاء إلا من بغيت عليه، و تلكأت في بيعته حتى حملت عليه قهرا تساق بحزائم الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش، ثم نهضت الان تطلب الخلافة و قتلة عثمان خلصاؤك و سجراؤك و المحدقون بك، و تلك من أمانى النفوس و ضلالات الهواء.

فدع اللجاج و العبث جانبا، و ادفع إلينا قتلة عثمان، و أعد الأمر شورى‏ بين المسلمين ليتفقوا على من هو لله رضا، فلا بيعة لك في أعناقنا، و لا طاعة لك علينا و لا عتبي لك عندنا، و ليس لك و لأصحابك عندى إلا السيف و الذي لا إله إلا هو لأطلبن قتلة عثمان أين كانوا و حيث كانوا حتى أقتلهم أو تلحق روحى بالله.

فأما ما لا تزل تمن به من سابقتك و جهادك فإنى وجدت الله سبحانه يقول:«يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين‏» و لو نظرت في حال نفسك لوجدتها أشد الأنفس امتنانا على الله بعملها و إذا كان الامتنان على السائل يبطل أجر الصدقة فالامتنان على الله يبطل أجر الجهاد و يجعله «كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شي‏ء مما كسبوا و الله لا يهدي القوم الكافرين‏» انتهى كتاب معاوية.

تشبيه و معنى كلامه: فلما استوثق الإسلام و ضرب بجرانه، أن الإسلام لما استقام و قر في قراره تشبيها بالبعير إذا برك و استراح مدجرانه على الأرض، و جران البعير هو مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره.

و قوله: حتى أنك حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبيه، يشير إلى عبيد الله ابن عمر و قتله أبا لؤلؤة فيروز قاتل عمر و قد تقدم كلامنا في شرح المختار 236 من باب الخطب (ص 244 ج 15) و في شرح المختار الأول من باب الكتب (ص 238 ج 16).

قوله: تلكأت في بيعته، تلكأ عن الأمر اى أبطأ و توقف، فالصواب أن يقال تلكأت عن بيعته فكلمة في بمعنى عن إن لم يتطرق فيها تحريف، قوله سجراؤك هو بالسين المهملة جمع سجير ككريم أى الخليل الصفى.

فكتب أمير المؤمنين علي عليه السلام في جوابه: أما بعد فقد أتانى كتابك تذكر اصطفاء الله محمدا صلى الله عليه و آله‏- إلخ فحان لنا الان شرح كتابه عليه السلام:

قوله عليه السلام: (أما بعد فقد أتانى‏- إلى قوله: إلى النضال) هذا الكتاب يشتمل على فصول تجيب عن فصول من الأباطيل المموهة التي توغل فيها معاوية و هذا القسم من الكتاب جواب عن قوله: فان الله تعالى جده- إلى قوله: فكان‏ أفضلهم مرتبة.

و بيان الجواب على الإجمال أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام كان بما أخبره معاوية أعلم من غيره لأنه لم يكن أحد كمثله في حماية الدين و الذب عن حوزته عن ابتداء دعوة رسول الله صلى الله عليه و آله إلى زمان ارتحاله من الدنيا و إخبار معاوية عليا عليه السلام بذلك كسفيه استبضع تمرا إلى هجر، أو كغبى دعى من علمه الرماية إلى المراماة، و أما بيانه على التفصيل فقد مر في شرح المختار التاسع من باب الكتب (ص 336- 348 ج 17) و في شرح المختار السابع عشر منه فراجع.

قوله: عليه السلام: (و زعمت أن أفضل الناس فلان‏- إلى قوله: فالأنصار على دعويهم‏) هذا الفصل جواب عن قول معاوية: فكان أفضلهم مرتبة- إلى قوله: و طبق الافاق بالكلمة الحنيفية، كان معاوية ذكر في كتابه الأفضل فالأفضل من الأصحاب على زعمه، و فضلهم على أمير المؤمنين عليه السلام تعريضا على حقده حيث قال:و أعلاهم الأول و الثاني و الثالث فأجابه بأن ما ذكرت فيهم إما أن يتم و يصح أولا فإن تم اعتزلك كله لأنه كان من تلك الفضائل في معزل، و على الثاني لم يلحقك عيبه و نقصه لأنه لم يكن منهم فعلى كلا الوجهين كان معاوية خائضا في ما لا يعنيه.

ثم بين عليه السلام عدم لياقة معاوية لتمييز الفاضل و المفضول‏ منهم و ترتيب درجاتهم و تعريف طبقاتهم بقوله: و ما أنت و الفاضل و المفضول‏- إلخ، و من‏ الطلقاء أبو سفيان و من أبنائهم معاوية كما مضى بيان ذلك تفصيلا من شرح المختار السابع عشر من باب الكتب عند حديث أهل مكة و أن أهل مكة هم الطلقاء (ص 281 ج 18).

و كأن قوله: عليه السلام‏ بين المهاجرين الأولين‏ يشير إلى قوله تعالى: و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه و أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم‏ (التوبة: 100) و كان معاوية و أبوه في زمان الهجرة مشركين و لما رفع الله الكلمة العليا و كان الناس يدخلون في دين الله أفواجا استسلما و ما أسلما كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما أسلموا و لكن‏ استسلموا و أسروا الكفر فلما وجدوا أعوانا عليه أظهروه‏ (المختار 16 من باب الكتب ص 224 ج 18) و راجع أيضا إلى (ص 370 ج 15 و الى ص 53 ج 18).

و قال الطبرسي- ره- في التفسير: في هذه الاية دلالة على فضل السابقين و مزيتهم على غيرهم لما لحقهم من أنواع المشقة في نصرة الدين فمنها مفارقة العشائر و الأقربين، و منها مباينة المألوف من الدين، و منها نصرة الإسلام و قلة العدد و كثرة العدو، و منها السبق إلى الإيمان و الدعاء إليه- إلى أن قال: و روى الحاكم أبو القاسم الحسكانى باسناده مرفوعا إلى عبد الرحمن بن عوف في قوله سبحانه: و السابقون الأولون‏ قال: هم عشرة من قريش أولهم إسلاما علي بن أبي طالب.

و بالجملة أن معاوية و أترابه شأنهم و قدرهم دون أن يدخلوا في التمييز بين هؤلاء و نحوه و ليسوا بأهل لذلك و نعم ما قيل:

خلق الله للحروب رجالا و رجالا لقصعة و ثريد

ثم أتى أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك بمثلين كما أتى في الأمر المقدم بالمثلين فقال عليه السلام: (هيهات لقد حن قدح ليس منها) و قد علمت في تفسير اللغة أنه يضرب للرجل يفتخر بقبيلة ليس منها أو يتمدح بما لا يوجد فيه، و قريب منه ما يقال في الفارسية: من آنم كه رستم جوانمرد بود، و الثاني قوله عليه السلام: (و طفق يحكم فيها من عليه الحكم لها) أى‏ طفق يحكم في‏ هذه الجماعة أو القضية أو نحوهما من عليه الحكم لها، يعني ليس له أن يحكم فيها و قدره دون ذلك بل يجب عليه قبول الحكم الصادر من أهله فيها.

ثم نبهه على ضعفه و قصور ذرعه عن البلوغ إلى تلك المراتب السامية و أنى للأعراج العروج إلى قلل شامخة، فقال: استفهام تحقيرى و تقريعى‏ (ألا تربع‏- إلخ)، استفهام على سبيل الاسترحام أو الاستحقار و التقريع، و قد عرفت أن الظلع هو العرج و الغمز، و هل للظالع أن يحمل حملا ثقيلا؟ أى‏ ألا ترفق بنفسك‏ أيها الظالع حتى لا تحمل عليها ما لا تطيقه؟ و ألا تعرف قصور ذرعك‏ و عدم قدرتك و استطاعتك عن البلوغ إلى درجة السابقين؟ و ألا تتأخر حيث أخرك قدر الله و تضع نفسك حيث وضعها الله؟.

ثم قال عليه السلام: (فما عليك غلبة المغلوب و لا لك ظفر الظافر) أتى بفاء التفريع على هذه الجملة، أي إذا كنت بمعزل عنهم و أجنبيا عن هؤلاء المهاجرين الأولين‏ و السابقين في الإسلام، فما عليك غلبة المغلوب‏ أي لا تضرك، و لا لك ظفر الظافر أي لا ينفعك فدخل معاوية فيما لا يعنيه.

ثم قال عليه السلام: (و انك لذهاب في التية رواغ من القصد) و ذلك لأن من خرج عن زيه و دخل فيما لا يعنيه، و تكلم فوق قدره يعد كلامه فضولا، و صدق عليه مثل: لقد حن قدح ليس منها، فقد ذهب في الضلال و مال عن الاعتدال و ما ذا بعد الحق إلا الضلال.

على أن معاوية أنكر الحق و عدل عن الصراط المستقيم حيث خرج مبارزا لمن له الحق و لمن هو على الصراط المستقيم بل لمن هو الحق و الصراط المستقيم ألا و هو إمام المتقين و قائد الغر المحجلين و خليفة رب العالمين و من هو من خاتم النبيين بمنزلة موسى من هارون علي أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين فمن عدل عن ذلك القسطاس المستقيم و الميزان القسط، فهو ذهاب في التيه رواغ عن القصد.

نقل سبط ابن الجوزي في التذكرة عن أبي حامد الغزالي حيث قال في كتاب سر العالمين و كشف ما في الدارين بعد نقل طائفة من كلامه في غصب الغاصبين خلافة أمير المؤمنين عليه السلام: ثم العجب من منازعة معاوية لعلي عليه السلام الخلافة و قد قطع الرسول صلى الله عليه و سلم طمع من طمع فيها بقوله: إذا ولى خليفتان فاقتلوا الأخير منهما، و العجب من حق واحد كيف ينقسم بين اثنين و الخلافة ليس بجسم و لا عرض فيتجزى، قال: و قال أبو حازم: أول خلافة [حكومة- خ ل‏] تجرى بين العباد في المعاد بين علي عليه السلام و معاوية فيحكم الله تعالى لعلي على معاوية و الباقون تحت المشية، و قال صلى الله عليه و سلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية، و لا ينبغي للإمام أن يكون باغيا، و لأن الامامة تضيق عن شخصين، كما أن الربوبية لا يليق بالهين اثنين- إلى أن قال: ثم استفاض لعن علي عليه السلام‏ على المنابر ألف شهر و كان ذلك بأمر معاوية أ تراهم أمرهم بذلك كتاب أو سنة أو إجماع؟ هذا صورة كلام الغزالي. (ص 37 من التذكرة الرحلي المطبوع على الحجر و المقابلة الرابعة من سر العالمين ص 22 من طبع النجف).

ثم أخذ أمير المؤمنين عليه السلام بتذكير معاوية و تنبيهه على أفضليته و أفضلية من هو من بيته و نسبه من بني هاشم حيث قال: (ألا ترى غير مخبر لك- لكن بنعمة الله احدث- أن قوما إلخ). يعني بقوله غير مخبر لك أنك لست بأهل أن يخاطبك مثلي كما يستفاد من سياق الكلام، و يحتمل بعيدا أن يفسر بأن معاوية لما كان واقفا على ذلك قال الأمير عليه السلام: غير مخبر لك، و قوله عليه السلام: لكن بنعمة الله احدث‏ يشير إلى قوله تعالى في سورة الضحى: و أما بنعمة ربك فحدث‏.

ثم قال عليه السلام: (قيل: سيد الشهداء) يعني‏ بسيد الشهداء عمه حمزة بن عبد المطلب رضوان الله عليه‏ استشهد في احد و القائل هو رسول الله صلى الله عليه و آله حيث قال:إنه‏ سيد الشهداء و خصه بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه‏ و مضى الكلام في شهادة حمزة و صلاة الرسول صلى الله عليه و آله و حزنه عليه في المختار التاسع من باب الكتب (ج 17) فراجع.

ثم قال عليه السلام: (إن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله) يعني به أخاه جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه استشهد في غزوة موتة، و قد تقدم الكلام في شهادته و فضله في شرح المختار التاسع المقدم ذكره أيضا فلا فائدة في الإعادة.

ثم أخذ عليه السلام بنقل فضائله و لكن أعرض عنه لما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه فقال: (و لو لا ما نهى الله‏. إلخ)- و أراد من قوله: (لذكر ذاكر) نفسه الشريفة، ثم وصف الفضائل بأنها بلغت في الشهرة و الوضوح مبلغا تعرفها قلوب المؤمنين و لا تمجها آذان السامعين‏ فلا ينكرها إلا عميان القلب و فاقد السمع و سياق الكلام يفيد أنها لوضوحها لا يمكن لأحد إنكارها و إن كان غير مؤمن يثقل عليه سماعها حيث قال عليه السلام: (و لا تمجها آذان السامعين) بعد قوله: تعرفها قلوب المؤمنين‏.

ثم قال عليه السلام: (فدع عنك من مالت به الرمية) و في نهاية الأرب: الدنية مكان‏ الرمية و هي الأمر الخسيس، قيل: انه مثل و أصله أن رجلا قصد مكانا و قد عرض عليه في أثناء طريقه صيد فجعل يتبعه ليصطاده فشغله عما قصده. انتهى كلامه بترجمة منا، و لكنا لم نظفر به، و الحق ما قاله آخر من أنه كالمثل.

و أما معناه: فقال الكيدري- كما نقل عنه في البحار: (ص 536 ج 8) أراد عليه السلام أنه- يعني معاوية- مطعون في نسبه و حسبه و أنه أزاله عن مقام التفاخر و التنافر مطاعن شهرت فيه. انتهى. ثم قال المجلسي- ره-: و كأنه حمل على الرماية على السهام المرمية. انتهى.

و ذكر المولى صالح القزويني- ره- في شرحه على النهج بالفارسية في معناه ثلاثة أوجه: أولها أنه عليه السلام أراد بمن نفسه الشريفة أي دعنى يا معاوية و شأني أسكت عنك، و لم يك قصدي أن افاخرك بمفاخري و لكن تعرض لي صيد في أثناء الطريق فرميته بسهم.

و ثالثها أنه عليه السلام أراد بمن معاوية أي دع ما يشغلك عن الحق و اترك ما لا يعنيك و دونك و شأنك و لا تكن كالذي‏ مالت به الرمية، و احتمله العالم الشارح البحريني قدس سره أيضا حيث قال: و يحتمل أن تكون الإشارة إليه بعينه على طريقة قولهم: إياك أعني و اسمعي يا جارة.

قلت: ما ذهب إليه الكيدري- ره- بعيد عن سياق العبارة و كذا الوجهان المذكوران سيما الأول منهما، و معنى العبارة المستفاد من سياقها أن أمير المؤمنين عليه السلام يأمره عن عدم الالتفات إلى أقوال أبناء الدنيا كعمرو بن العاص و أضرابه أى دع قوما أمالتهم الدنيا الدنية عن سوى الصراط، و بعد نفسك عنهم.

ثم قال عليه السلام: (فإنا صنائع ربنا و الخلق بعد صنائع لنا) إنما أتى بالفاء لأن كلامه هذا في مساق العلة لقوله عليه السلام: فدع عنك من مالت به الرمية، أي يجب عليك ترك هؤلاء القوم الذين ضلوا عن الطريق الحق، و عليك باتباع سبيلنا لأنا صنائع ربنا فمن أعرض عنا فقد حاد عن الصراط المستقيم.

ثم إن كلامه هذا فوق كلام البشر، و فوق ما يحوم حوله العبارة عليه مسحة من العلم الإلهي و لعمري أنه يجري مجرى التنزيلات السماوية، لما اشتمل عليه من أمر الخلافة الحقة، و شأن الحجج الإلهية، و أراه كأنه موج برز من محيط عظيم، أو نور سطع من عالم الأمر الحكيم، لا يتفوه به إلا من اصطنعه الله تعالى لنفسه، و لا يقدر على الإتيان به إلا قائل إنا لامراء الكلام و فينا تنشبت عروقه و علينا تهدلت غصونه، و لا يليق هذا الإدعاء إلا لنبي أو وصي نبي، و لا يصدر نحو هذه الكلمة العليا إلا من قلب هو عيبة أسرار الله جل شأنه، و بالجملة:

آن كس كه ز كوى آشنائيست‏ داند كه متاع ما كجائيست‏

و قد علمت في تفسير اللغات أن فلانا صنيعي و صنيعتى أى اصطنعته و ربيته و خرجته و فلان صنيعتك و مصطنعك، قال عز من قائل: فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى و اصطنعتك لنفسي‏ (طه 42) أى اصطفيتك و أخلصتك و استخلصتك لنفسى كما قال عز من قائل: و اذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا (مريم 52) و قال تعالى: قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي و بكلامي‏ (الاعراف 145)، قال جار الله الزمخشرى في الكشاف: هذا تمثيل لما خوله من منزلة التقريب و التكريم و التكليم، مثل حاله بحال من يراه بعض الملوك لجوامع خصال فيه و خصائص أهلا لئلا يكون أحد أقرب منزلة منه إليه و لا يأتمن على مكنون سره سواه. انتهى.

و قال النيسابورى في التفسير: اصطنعت فلانا لنفسى إذا اصطفيته و خرجته و معناه أحسنت إليه حتى أنه يضاف إليه، و نقل نحوه عن القفال أيضا، ففيه غاية التشريف و التكريم.

و إذا تأملت حق التأمل بما أهدينا إليك في الصنيعة تجدها تجري مجري الاصطفاء و الاجتباء و الإخلاص و الاستخلاص فتدبر في قوله تعالى: و اذكر عبادنا إبراهيم و إسحاق و يعقوب أولي الأيدي و الأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار و إنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار (ص: 48).

و قوله تعالى: و الذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا (فاطر: 32).

و قوله تعالى: الله يصطفي من الملائكة رسلا و من الناس إن الله سميع بصير (الحج: 76).

و قوله تعالى: و تلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه‏- إلى قوله: و إسماعيل و اليسع و يونس و لوطا و كلا فضلنا على العالمين و من آبائهم و ذرياتهم و إخوانهم و اجتبيناهم و هديناهم إلى صراط مستقيم‏.

و في قوله تعالى: أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم و ممن حملنا مع نوح و من ذرية إبراهيم و إسرائيل و ممن هدينا و اجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا و بكيا (مريم: 59).

و في قوله تعالى: كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء إنه من عبادنا المخلصين‏ (يوسف: 25)، و قوله تعالى: و قال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي‏ (يوسف: 55).

ثم لا يخفى عليك لطف كلامه عليه السلام: فانا صنائع ربنا و الناس بعد صنائع لنا من حيث إتيانه الضمير على هيئة الجمع دون المفرد يعنى أن جميع حجج الله اصطنعهم الله تعالى لنفسه و اصطفيهم بين سائر عباده فهو عليه السلام ينادى بأعلى صوته بأن خليفة الله لا بد من أن يكون منصوبا من عنده تبارك و تعالى، كما أفاد بكلامه هذا أعنى: فإنا صنائع ربنا أنهم معصومون أيضا و ذلك لأن الله لا يصطنع لنفسه من لا يكون معصوما و قد مر بحثنا عن ذلك مشبعا في الإمام و صفاته في شرح المختار 237 من باب الخطب (ص 33- إلى- 176 من ج 16).

و قد مضى كلام ثامن الأئمة عليهم السلام في ذلك أيضا من أن العبد إذا اختاره الله عز و جل لامور عباده شرح صدره لذلك و أودع قلبه ينابيع الحكمة و ألهمه العلم إلهاما فلم يعى بعده بجواب و يحير فيه عن الصواب و هو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن الخطايا و الزلل و العثار و خصه الله بذلك ليكون حجة على عباده و شاهده‏ على خلقه و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم.

و أفاد عليه السلام بكلامه: و الناس صنائع لنا، أنهم عليهم السلام وسائط فيض الله تعالى بين الله المتعال و بين عباده، و بقوله: إنا صنائع ربنا أنه لا واسطة بينهم و بين الله تعالى. ثم إن في سياق العبارة إيماء إلى أن من بلغ هذه المرتبة و المنزلة إكراما من الله تعالى حتى اصطفيه الله و اتخذه صنيعته و جعل‏ الناس صنائع‏ له فكيف يجعل غيره عدله فضلا عن أن يجعل أفضل منه و إن كان للغير قرب صورى و ظاهرى من‏ رسول الله صلى الله عليه و آله‏ و أنى هذه المنزلة الاعتبارية و من هو ممن اجتبيه الله تعالى و اصطنعه لنفسه.

مجاز ثم قال عليه السلام: (لم يمنعنا قديم عزنا- إلخ) معناه على نصب كلمتى قديم و عادى حتى تكونا مفعولين و جملة أن خلطناكم‏ مرفوعة على الفاعلية أن المخالطة بيننا و بينكم بالنكاح أى تزوجنا فيكم و تزوجكم فينا كفعل الأكفاء لا يمنعنا قديم عزنا و لا عادى طولنا عليكم و الحال أنكم‏ لستم‏ في مرتبة المماثلة لنا و كيف يكونون‏ الأكفاء لنا و الحال‏ منا النبي و منكم المكذب‏ إلخ.

و أما معناه على رفع الكلمتين كما في نسخة الرضي رضوان الله عليه و هو الصواب فأن يقال: إن‏ قديم عزنا و فضلنا عليكم‏ لم يمنعنا أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا و أنكحنا فعل الأكفاء و الحال أنكم‏ لستم‏ في مرتبة الأكفاء لنا، كما أن بيوت العز و الشرف يتأنفون عن مخالطة من دونهم كذلك.

أفاد الفاضل الشارح المعتزلي بقوله: و ينبغي أن يحمل قوله عليه السلام‏ قديم و عادى‏ على مجازه لا على حقيقته لأن بني هاشم و بني امية لم يفترقا في الشرف إلا مذ نشأ هاشم بن عبد مناف و عرف بأفعاله و مكارمه و نشأ حينئذ أخوه عبد شمس و عرف بمثل ذلك و صار لهذا بنون و لهذا بنون و ادعى كل من الفريقين أنه أشرف بالفعال من الاخر ثم لم يكن المدة بين نشاء هاشم و اظهار محمد صلى الله عليه و آله الدعوة إلا نحو تسعين سنة و مثل هذه المدة القصيرة لا يقال فيها قديم عزنا و عادى طولنا فيجب أن يحمل اللفظ على مجازه لأن الأفعال الجميلة كما تكون عادية تكون‏ بكثرة المناقب و الماثر و المفاخر و إن كانت المدة قصيرة، و لفظة قديم ترد و لا يراد بها قدم الزمان بل من قولهم لفلان قدم صدق و قديم أثر أى سابقة حسنة.

أقول: و يؤيده رواية صبح الأعشى: لم يمنعنا قديم عزنا و مديد طولنا، فان لفظة مديد قرينة على أن القديم ليس بمعناه المطابقي، و يمكن أن يقال: إن للقديم توسعا في المحاوراة كما يقال من قديم الدهر و من زمان قديم و ان لم يمض من الزمان إلا نحو تسعين سنة فلا يكون تجوز على هذا الوجه.

و قال العلامة المجلسى- ره- في البحار (ص 536 ج 8): و قد ظهر لك مما سبق أن بني امية لم يكن لهم نسب صحيح ليشاركوا في الحسب آباءه عليه السلام، مع أن قديم عزهم لم ينحصر في النسب بل أنوارهم عليهم السلام أول المخلوقات و من بدأ خلق أنوارهم إلى خلق أجسادهم و ظهور آثارهم كانوا معروفين بالعز و الشرف و الكمالات في الأرضين و السماوات يخبر بفضلهم كل سلف خلفا و رفع الله ذكرهم في كل امة عزا و شرفا، انتهى كلامه- ره-.

و أقول: قد ذكرنا نبذة من خلال بني هاشم و أنموذجة من شيم بني امية في شرح المختار السابع عشر من باب الكتب (من ص 257- إلى- ص 270 ج 18)، فراجع. ثم أخذ عليه السلام في بيان عدم كون بني امية في مرتبة المماثلة لبني هاشم و نفي كونهم أهلا للمخالطة بقوله: (و أنى يكون ذلك كذلك و منا النبي و منكم المكذب) و المكذب‏ هو أبو سفيان صخر بن حرب كان عدو رسول الله‏ و المكذب‏ له و ما أسلم آخر الأمر بل استسلم كما مضى الكلام في استسلام القوم في شرح كلام أمير المؤمنين عليه السلام: و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما أسلموا و لكن استسلموا و أسروا الكفر فلما وجدوا أعوانا عليه أظهروه‏. (المختار 16 من باب الكتب ص 190 ج 18).

و كان أبو سفيان أصل الشجرة الملعونة و ما من فتنة ظهرت من قريش على‏ رسول الله صلى الله عليه و آله‏ و المسلمين إلا كان له قدم راسخ و سعي بالغ فيها ثم استسلم عام الفتح‏ إما رغبة و إما رهبة كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام في المختار السابع عشر من هذا الباب (ص 228 ج 18): و لما أدخل الله العرب في دينه أفواجا و أسلمت له هذه الامة طوعا و كرها كنتم ممن دخل في الدين إما رغبة و إما رهبة و راجع في ذلك إلى ص 224 من ج 18 أيضا، و مات أبو سفيان في سنة 31 ه منافقا أعمى القلب و العينين، و تقدم طائفة من رذائل شيمه في تفسير المختار السابع عشر من باب الكتب (ص 265 ج 18 فراجع).

قال الواقدى في المغازى (ص 90 طبع مصر): و لما رجعت قريش إلى مكة- يعنى من غزوة بدر منهزمين- قام فيهم أبو سفيان بن حرب فقال: يا معشر قريش لا تبكوا على قتلاكم و لا تنوح عليهم نائحة و لا يبكيهم شاعر و أظهروا الجلد و العزاء فإنكم إذا نحتم عليهم و بكيتموهم بالشعر أذهب ذلك غيظكم، فأكلكم ذلك عن عداوة محمد و أصحابه، مع أنه إن بلغ محمدا و أصحابه شمتوا بكم فيكون أعظم المصيبتين شماتتهم، و لعلكم تدركون ثاركم فالدهن و النساء على حرام حتى أغزو محمدا، فمكثت قريش شهرا لا يبكيهم شاعر و لا تنوح عليهم نائحة.

و قال غير واحد من شراح النهج: المكذب‏ هو أبو جهل، كان أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه و آله، قتل يوم بدر كافرا و قال رسول الله صلى الله عليه و آله في حقه لما قتل:إن هذا أعتى على الله من فرعون إن فرعون لما أيقن بالهلاك وحد الله و إن هذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات و العزى.

و قال الشارح البحرانى قدس سره: المكذب‏ هو أبو جهل بن هشام و إليه الاشارة بقوله: و ذرني و المكذبين‏ الاية (المزمل: 11) قيل نزلت في المطيبين ببدر و كانوا عشرة و هم: أبو جهل و عتبة و شيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس و نبيه و منبه ابنا الحجاج و أبو البخترى بن هشام و النضر بن الحارث و الحارث بن عامر و أبي بن خلف و زمعة بن الأسود فذكر عليه السلام النبي صلى الله عليه و آله بفضيلته و هي النبوة و ذكر أبا جهل برذيلته و هي تكذيبه، انتهى كلامه- ره-.

قلت: و سيأتي البيان في المطيبين و حلفهم و حلف الفضول بعيد هذا.

قال ابن هشام في السيرة النبوية (ص 362 ج 1) في أبي جهل و ما أنزل الله تعالى فيه: و أبو جهل بن هشام لما ذكر الله عز و جل شجرة الزقوم تخويفا بها لهم قال: يا معشر قريش، هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد؟

قالوا: لا، قال: عجوة يثرب بالزبد، و الله لئن استمكنا منها لنتزقمنها تزقما فأنزل الله تعالى فيه: إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم‏، أى ليس كما يقول انتهى.

أقول: المراد من التقابل بين‏ منا و منكم‏ في كلام أمير المؤمنين عليه السلام هو التقابل بين بني هاشم و بني امية كما لا يخفى، و أبو جهل لعنه الله تعالى و إن كان أعدا عدو رسول الله صلى الله عليه و آله‏ و ألد خصامه و المكذبين له لكنه هو أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي من بني مخزوم بن مرة من قريش فهو ليس من بني امية فلا يصح أن يفسر قول أمير المؤمنين عليه السلام‏ و منكم المكذب‏ بأبي جهل لعنه الله تعالى و أى عار يلزم معاوية من هذا التفسير؟.

ثم قال عليه السلام: (و منا أسد الله و منكم أسد الأحلاف) عنى‏ بأسد الله‏ حمزة بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلى الله عليه و آله سماه رسول الله بذلك لشجاعته و ذبه عن دين الله.

و في الاصابة لابن حجر: أسلم حمزة عليه السلام في السنة الثانية من البعثة و لازم نصر رسول الله صلى الله عليه و آله و هاجر معه، شهد بدرا و أبلى في ذلك و قتل شيبة بن ربيعة و شارك في قتل عتبة بن ربيعة أو بالعكس، و قتل طعيمة بن عدى و عقد له رسول الله صلى الله عليه و آله لواء و أرسله فى سرية فكان ذلك أول لواء عقد في الإسلام في قول المدائنى و استشهد باحد و كان ذلك في النصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة فعاش دون ستين، و يقال إنه قتل باحد قبل أن يقتل أكثر من ثلاثين نفسا، و لقبه‏ رسول الله صلى الله عليه و آله أسد الله‏ و سماه‏ سيد الشهداء- انتهى ما أردنا نقله منها.

و في اسد الغابة: لما أسلم حمزة عرفت قريش أن‏ رسول الله صلى الله عليه و آله‏ قد عز و امتنع و أن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولون منه ثم هاجر إلى‏

المدينة و شهد بدرا و أبلى فيها بلاء عظيما مشهورا- إلى أن قال: و كان حمزة يعلم في الحرب بريشة نعامة، و قاتل يوم بدر بين يدي رسول الله صلى الله عليه و آله بسيفين و قال بعض اسارى الكفار: من الرجل المعلم بريشة نعامة؟ قالوا: حمزة، قال: ذاك فعل بنا الأفاعيل، و شهد احدا فقتل بها يوم السبت النصف من شوال و كان قتل من المشركين قبل أن يقتل أحدا و ثلاثين نفسا منهم سباع الخزاعى قال له حمزة: هلم إلى يا ابن مقطعة البظور و كانت امه ختانة فقتله.

قال: قال ابن إسحاق: كان حمزة يقاتل يومئذ بسيفين فقال قائل أى أسد هو حمزة فبينما هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على ظهره فانكشف الدرع عن بطنه فزرقه وحشى الحبشى مولى جبير بن مطعم بحربة فقتله و مثل به المشركون إلى أن قال:

و روى جابر قال: لما رأى رسول الله صلى الله عليه و آله حمزة قتيلا بكى فلما رأى ما مثل به شهق و قال: لو لا أن تجد صفية لتركته حتى يحشر من بطون الطير و السباع، وصفية هي ام الزبير و هي اخته، انتهى ما أردنا من نقل كلامه.

و أما اسد الأحلاف، فقال بعض الشراح: هو أبو سفيان و قيل لأبي سفيان أسد الأحلاف لأنه حالف الأحزاب على قتال رسول الله صلى الله عليه و آله حول المدينة و زلزل المؤمنون بمكانهم زلزالا شديدا إلى أن فرق الله تعالى جمعهم كما حكاه في قوله: فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها.

و تبعه الفاضل الشيخ محمد عبده قال: أسد الله حمزة، و أسد الأحلاف أبو سفيان لأنه حزب الأحزاب و حالفهم على قتال النبي في غزوة الخندق، انتهى كلامه.

قلت: هذا تفسير وجيه ملائم غير أن اسلوب الكلام يوجب أن يكون أسد الأحلاف ههنا غيره لما دريت أن أبا سفيان كان المكذب فأسد الأحلاف غيره.

و قال العالم الشارح البحراني: هو أسد بن عبد العزي و الأحلاف هم عبد مناف و زهره و أسد و تيم و الحارث بن فهر و سموا الأحلاف لأن بني قصى أرادوا أن ينتزعوا بعض ما كان بأيدى بني عبد الدار من اللواء و الندوة و الحجابة و الرفادة

و هي كل شي‏ء كان فرضه قصى على قريش لطعام الحاج في كل سنة و لم يكن لهم إلا السقاتة فتحالفوا على حربهم و أعدوا للقتال ثم رجعوا عن ذلك ناكصين و أقروا ما كان بأيديهم، انتهى كلامه.

قلت: أسد بن عبد العزى هو جد خديجة زوجة رسول الله صلى الله عليه و آله لأنها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب ابن لؤى بن غالب بن فهر، كما في السيرة النبوية لابن هشام (ص 189 ج 1 من طبع مصر 1375 ه).

و الرفادة على التفصيل مذكورة في السيرة النبوية لابن هشام أيضا (ص 130 ج 1) و قد نقلنا نبذة من الكلام في السقاية و الرفادة في شرح المختار السابع عشر من باب الكتب (ص 264 ج 18).

ثم ذكر ابن هشام بعد الكلام في الرفادة حلف المطيبين ثم حلف الفضول قال: قال ابن إسحاق ثم إن قصى بن كلاب هلك فأقام أمره في قومه و في غيرهم بنوه من بعده فاختطوا مكة رباعا، بعد الذي كان قطع لقومه بها، فكانوا يقطعونها في قومهم و في غيرهم من حلفائهم و يبيعونها فأقامت على ذلك قريش معهم ليس اختلاف و لا تنازع.

ثم إن بنى عبد مناف ابن قصى: عبد شمس و هاشما و المطلب و نوفلا أجمعوا على أن يأخذوا ما بأيدى بني عبد الدار بن قصى مما كان قصى جعل إلى عبد الدار من الحجابة و اللواء و السقاية و الرفادة و رأوا أنهم أولى بذلك منهم لشرفهم عليهم، و فضلهم في قومهم فتفرقت عند ذلك قريش، فكانت طائفة مع بني عبد مناف على رأيهم يرون أنهم أحق به من بني عبد الدار لمكانهم في قومهم، و كانت طائفة مع بني عبد الدار يرون أن لا ينزع منهم ما كان قصى جعل إليهم.

فكان صاحب أمر بنى عبد مناف عبد شمس بن عبد مناف و ذلك أنه كان أسن بنى عبد مناف و كان صاحب أمر بنى عبد الدار عامر بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار، فكان بنو أسد بن عبد العزي بن قصى، و بنو زهرة بن كلاب‏ و بنو تيم بن مرة بن كعب، و بنو الحارث بن فهر بن النضر، مع بنى عبد مناف.

و كان بنو مخزوم بن يقظة بن مرة، و بنو سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب و بنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب، و بنو عدى بن كعب مع بني عبد الدار و خرجت عامر بن لؤى و محارب بن فهر فلم يكونوا مع واحد من القريقين.

فعقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكدا، على أن لا يتخاذلوا و لا يسلم بعضهم بعضا ما بل بحرصوفة- يريد إلى الأبد، و صوف البحر: شي‏ء على شكل الصوف الحيواني، واحدته: صوفة، يقال: لا آتيك ما بل بحرصوفة، أو ما بل البحرصوفة يريد لا آتيك أبدا-.

فأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا فيزعمون أن بعض نساء بني عبد مناف أخرجتها لهم فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة، ثم غمس القوم أيديهم فيها فتعاقدوا و تعاهدوا هم و حلفاؤهم، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم فسمو المطيبين.

و تعاقد بنو عبد الدار و تعاهدوا هم و حلفاؤهم عند الكعبة حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا، و لا يسلم بعضهم بعضا فسموا الأحلاف.

ثم سوند بين القبائل و لز بعضها ببعض فعبيت بنو عبد مناف لبني سهم، و عبيت بنو أسد لبني عبد الدار، و عبيت زهرة لبني جمح، و عبيت بنو تميم لبني مخزوم و عبيت بنو الحارث بن فهر لبني عدي بن كعب. ثم قالوا: لتفن كل قبيلة من اسند إليها.

فبينا الناس على ذلك قد أجمعوا للحرب إذ تداعوا إلى الصلح على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية و الرفادة، و أن تكون الحجابة و اللواء و الندوة لبني عبد الدار كما كانت، ففعلوا و رضى كل واحد من الفريقين بذلك و تحاجز الناس عن الحرب، و ثبت كل قوم مع من حالفوا، فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الله تعالى بالإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة.

حلف الفضول و سبب تسميته كذلك‏

قال ابن هشام: و أما حلف الفضول: فحدثني زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق قال: تداعت قبائل من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى، لشرفه و سنه فكان حلفهم عنده، بنو هاشم، و بنوا المطلب، و أسد بن عبد العزى، و زهرة بن كلاب، و تيم بن مرة فتعاقدوا و تعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها و غيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، و كانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمة فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول.

قال: قال ابن إسحاق: و حدثني محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ التيمي أنه سمع طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما احب أن لي به حمر النعم و لو ادعى به في الإسلام لأجبت.

قال: قال ابن إسحاق: و حدثني يزيد بن عبد الله بن اسامة بن الهادي الليثي: أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي حدثه: أنه كان بين الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام، و بين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، و الوليد يومئذ أمير على المدينة أمره عليها عمه معاوية بن سفيان منازعة في مال كان بينهما بذي المروة، فكان الوليد تحامل على الحسين عليه السلام في حقه لسلطانه، فقال له الحسين:

احلف بالله لتنصفني من حقي أو لاخذن سيفي، ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله ثم لأدعون بحلف الفضول.

قال: فقال عبد الله بن الزبير و هو عند الوليد حين قال الحسين عليه السلام ما قال:

و أنا أحلف بالله لئن دعا به لاخذن سيفي ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا، قال: فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري فقال مثل ذلك و بلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك فلما بلغ ذلك‏

الوليد بن عتبة أنصف الحسين عليه السلام من حقه حتى رضى.

قال: قال ابن إسحاق: و حدثني يزيد بن عبد الله بن اسامة بن الهادي الليثي عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، قال: قدم محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف- و كان محمد بن جبير أعلم قريش- على عبد الملك ابن مروان بن الحكم حين قتل ابن الزبير و اجتمع الناس على عبد الملك، فلما دخل عليه قال له: يا أبا سعيد أ لم نكن نحن و أنتم، يعنى بني عبد شمس ابن عبد مناف، و بني نوفل بن عبد مناف، في حلف الفضول؟ قال: أنت أعلم، قال عبد الملك: لتخبرنى يا أبا سعيد بالحق من ذلك فقال: لا و الله، لقد خرجنا نحن و أنتم منه! قال: صدقت، تم خبر حلف الفضول.

و المنقول عن الروض الأنف في سبب تسمية هذا الحلف بهذا الاسم أن جرهما في الزمن الأول، قد سبقت قريشا إلى مثل هذا الحلف فتحالف منهم ثلاثة هم و من تبعهم أحدهم: الفضل بن فضالة، و الثاني: الفضل بن وداعة، و الثالث: فضيل بن الحارث و قيل: بل هم: الفضيل بن شراعة، و الفضل بن وداعة، و الفضل بن قضاعة، فلما أشبه حلف قريش هذا حلف هولاء الجرهميين سمى حلف الفضول.

و قيل: بل سمى كذلك لأنهم تحالفوا أن ترد الفضول على أهلها، و ألا يغزو ظالم مظلوما.

و كان حلف الفضول هذا قبل البعث بعشرين سنة، و كان أكرم حلف و أشرفه و أول من تكلم به و دعا إليه الزبير بن عبد المطلب، و كان سببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاصى بن وائل، و كان ذا قدر بمكة و شرف فحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الزبيدى الأحلاف: عبد الدار، و مخزوما، و جمح و سهما، و عدى بن كعب، فأبوا أن يعينوه على العاصى، و زبروه، فلما رأى الزبيدى الشر، أوفى على أبى قبيس عند طلوع الشمس، و قريش في أنديتهم حول الكعبة فصاح بأعلى صوته:

يا آل فهر لمظلوم بضاعته‏ ببطن مكة نائى الدار و النفر
و محرم أشعث لم يقض عمرته‏ يا للرجال و بين الحجر و الحجر
إن الحرام لمن تمت كرامته‏ و لا حرام لثوب الفاجر الغدر

فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب، و قال: ما لهذا مترك، فاجتمعت هاشم و زهرة، و تيم بن مرة، في دار ابن جدعان، فصنع لهم طعاما و تعاقدوا، و كان حلف الفضول، و كان بعدها أن أنصفوا الزبيدى من العاصى، انتهى ما عن الروض الأنف.

و الغرض من نقل حلف المطيبين و حلف الفضول من السيرة أن يعلم أن تفسير أسد الأحلاف بأسد بن عبد العزي ليس بصواب و كأن الشارح البحراني تبع في هذا التفسير قطب الدين الراوندي رضوان الله عليه، و قد نقل كلامه ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ثم خطاه و الحق مع ابن أبي الحديد في المقام، قال:

قال الراوندي: المكذب من كان يكذب رسول الله صلى الله عليه و آله عنادا من قريش و أسد الأحلاف أسد بن عبد العزى قال: لأن بني أسد بن عبد العزى كانوا أحد البطون الذين اجتمعوا في حلف المطيبين و هم بنو أسد بن عبد العزي، و بنو عبد مناف، و بنو تميم بن مرة، و بنو زهرة، و بنو الحارث بن فهر.

ثم قال ابن أبي الحديد: هذا كلام طريف جدا لأنه لم يلحظ أنه يجب أن يجعل بازاء النبي صلى الله عليه و آله مكذب من بنى عبد شمس فقال: المكذب من كذب النبي صلى الله عليه و آله من قريش عنادا و ليس كل من كذبه صلى الله عليه و آله من قريش أن يعير معاوية به، ثم قال: أسد الأحلاف أسد بن عبد العزي و أى عار يلزم معاوية من ذلك؟ ثم إن بنى عبد مناف كانوا في هذا الحلف و على و معاوية من بني عبد مناف و لكن الراوندي يظلم نفسه بتعرضه لما لا يعلمه، انتهى كلام ابن أبي الحديد.

و الصواب أن أسد الأحلاف هو عتبة بن ربيعة، قال الواقدي في الجزء الثالث من غزوة بدر من كتابه في مغازى رسول الله صلى الله عليه و آله (ص 49 من طبع مصر ه 1367):

و المشركون ينظرون على صفوفهم و هم يرون أنهم ظاهرون، فدنا الناس بعضهم من بعض فخرج عتبة و شيبة و الوليد حتى فصلوا من الصف ثم دعوا إلى المبارزة، خرج إليهم فتيان ثلاثة من الأنصار و هم بنو عفراء معاذ و معوذ و عوف بنو الحارث، و يقال ثالثهم عبد الله بن رواحة، و الثبت عندنا أنهم بنو عفراء فاستحيى رسول الله صلى الله عليه و آله من ذلك، و كره أن يكون أول قتال لقى المسلمون فيه المشركين في الأنصار و أحب أن تكون الشوكة لبني عمه و قومه، فأمرهم فرجعوا إلى مصافهم و قال لهم خيرا.

ثم نادى منادي المشركين: يا محمد أخرج لنا الأكفاء من قومنا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و آله: يا بني هاشم قوموا فقاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور الله.

فقام حمزة بن عبد المطلب، و علي بن أبي طالب، و عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف فمشوا إليهم.

فقال عتبة: تكلموا نعرفكم- و كان عليهم البيض فأنكروهم- فإن كنتم أكفاء قاتلناكم.

فقال حمزة بن عبد المطلب: أسد الله و أسد رسوله. قال عتبة: كفؤ كريم.

ثم قال عتبة: و أنا أسد الحلفاء، و من هذان معك؟ قال: علي بن أبي طالب، و عبيدة بن الحارث، قال: كفؤان كريمان.

ثم قال الواقدي: قال ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: لم أسمع لعتبة كلمة قط أوهن من قوله:- أنا أسد الحلفاء- يعني حلفاء الأجمة.

ثم قال عتبة لابنه: قم يا وليد، فقام الوليد، و قام إليه على عليه السلام و كان أصغر النفر فقتله على عليه السلام، ثم قام عتبة، و قام إليه حمزة فاختلفا ضربتين فقتله حمزة رضي الله عنه، ثم قام شيبة و قام إليه عبيدة بن الحارث و هو يومئذ أسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله فضرب شيبة رجل عبيدة بذباب السيف فأصاب عضلة ساقه فقطعها، و كر حمزة و على على شيبة فقتلاه، و احتملا عبيدة فحازاه إلى الصف و مخ ساقه‏

يسيل فقال عبيدة: يا رسول الله أ لست شهيدا؟ قال: بلى، قال: أما و الله لو كان أبو طالب حيا لعلم أنا أحق بما قال منه حين يقول:

كذبتم و بيت الله نخلى محمدا و لما نطاعن دونه و نناضل‏
و نسلمه حتى نصرع حوله‏ و نذهل عن أبنائنا و الحلائل‏

إلى آخر ما ذكره الواقدي في المغازي.

و عتبة هذا هو جد معاوية من قبل امه فان هندا ام معاوية هي بنت عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس، ففي المقابلة في كلام أمير المؤمنين عليه السلام: منا أسد الله و منكم أسد الأحلاف بحمزة من بني هاشم و عتبة من بني امية جد معاوية مما لا ينبغي أن يرتاب فيه و هذا هو التفسير الصحيح بلا مدافع.

و الحلفاء في قول عتبة هل هو مفرد أو جمع، فذهب أبو الزناد إلى أنه مفرد فهي بفتح الحاء و سكون اللام ففى أقرب الموارد: الحلفاء نبت أطرافه محددة كأنها أطراف سعف النخل و الخوص ينبت في مغايض الماء و النزوز الواحدة حلفة مثل قصبة و قصباء، و طرفة و طرفاء، و قيل: واحدته حلفاء، قال سيبويه: الحلفاء واحد و جميع و كذلك طرفاء و بهمى و شكاعى واحدة و جميع، و من ذلك أنا الذي في الحلفاء، أراد أنا الأسد لأن مأوى الأسد الاجام و منابت الحلفاء. انتهى.

و في منتهى الأرب، حلفاء كحمراء و حلف محركة: گياه دوخ، و هذا هو المراد من قوله: يعنى حلفاء الأجمة. و أما على الجمع فهي جمع الحليف أي المحالف قال أبو ذؤيب:

فسوف تقول إن هي لم تجدنى‏ أخان العهد أم أثم الحليف‏

قال ابن أبي الحديد بعد نقل ما نقلناه عن الواقدي: قلت: قد روى هذه الكلمة على صيغة اخرى: و أنا أسد الحلفاء، و روى أنا أسد الأحلاف.

ثم قال: قالوا في تفسيرهما: أراد أنا سيد أهل الحلف المطيبين، و كان الذين حضروه بني عبد مناف و بني أسد بن عبد العزى و بني تيم و بني زهرة و بني الحارث‏

ابن فهر خمس قبائل.

قال: و رد قوم هذا التأويل فقالوا: إن المطيبين لم يكن يقال لهم الحلفاء و لا الأحلاف و إنما ذلك لقب خصومهم و أعدائهم الذين وقع التحالف لأجلهم و هم بنو عبد الدار و بنو مخزوم و بنو سهم و بنو جمح و بنو عدى بن كعب خمس قبائل.

قال: و قال قوم في تفسيرهما: إنما عنى حلف الفضول و كان بعد حلف المطيبين بزمان و شهد حلف الفضول رسول الله صلى الله عليه و آله و هو صغير في دار ابن جدعان- ثم نقل قصة حلف الفضول فقال: و هذا التفسير أيضا غير صحيح لأن بني عبد الشمس لم يكونوا في حلف الفضول فقد بان أن ما ذكره الواقدى أصح و أثبت انتهى كلامه.

و قد نقلنا كلام ابن أبي الحديد من الجزء الرابع عشر من شرحه على الكتاب التاسع من النهج أوله: و من كتاب له عليه السلام إلى معاوية: فأراد قومنا قتل نبينا و اجتياح أصلنا- إلخ (ص 178 ج 2 من الطبع على الحجر).

قلت: ما قال ابن الحديد من أنه روى هذه الكلمة على صيغة اخرى فالاولى منهما أعنى و أنا أسد الحلفاء على صيغة الجمع و مفرده حليف، و الثانية منهما أعنى أنا أسد الأحلاف مطابق لما في نهج البلاغة و لا بعد أن يقال: إذا دار الأمر بين ما اختاره الرضي و بين ما في النسخ الاخرى فما اختاره الرضى فهو الأقوى لأنه رضوان الله عليه متضلع في البلاغة و خريت هذه الصناعة فينبغي أن يختار صيغة أسد الأحلاف كما اختارها.

و يبقي الكلام حينئذ في تفسير أسد الأحلاف أعنى بيان المراد منه في المقام فان تفسيره بالوجهين السابقين أعنى بحلف المطيبين و حلف الفضول كما نقلهما ابن أبي الحديد عن القوم ليس على ما ينبغي، و أرى أن الصواب في تفسيره المناسب للمقام هو ما أفاده الفاضل أحمد زكى صفوت في جمهرة رسائل العرب (ص 450 ج 1) حيث قال بعد نقل كلام ابن أبي الحديد المذكور آنفا:غير أن ابن أبي الحديد مع ما ذكره من تفنيد هذين التفسيرين، لم يبين‏  المراد بالأحلاف أو الحلفاء في رواية من روى «أنا أسد الأحلاف» و «أنا أسد الحلفاء جمعا» و أقول: إننا إذا بحثنا عمن قتلوا من مشركى قريش يوم بدر وجدناهم: من بني عبد شمس بن عبد مناف، و من بنى نوفل بن عبد مناف، و من بني أسد بن عبد العزى ابن قصى، و من بنى عبد الدار بن قصى، و من بني تيم بن مرة بن كعب بن لؤى و من بنى مخزوم بن يقظة بن مرة، و من بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ابن لؤى، و من بني سهم بن عمرو بن هصيص، و من بنى عامر بن لؤى، (راجع كتب السيرة) أى ان هذه البطون من قريش كانت قد تازرت و اتفقت كلمتها على حرب محمد صلى الله عليه و آله و إن شئت فقل إنهم قد تحالفوا على قتاله- و إن لم ينقل إلينا التاريخ أنهم قد عقدوا بينهم على ذلك حلفا بمعناه الأخص- ثم و لوا أمرهم عتبة ابن ربيعة فكان قائدهم و صاحب حربهم، فهو إذ يقول: «أنا أسد الأحلاف» يبغي أن يقول أنه أسد هذه البطون القرشية المتناصرة على قتال المسلمين انتهى كلامه.

قلت: و يؤيده ما نقله الواقدي في المغازى (ص 45) بعد نقل واقعة: أن حكيم بن حزام أتى عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد أنت كبير قريش و سيدها و المطاع فيها فهل لك أن لا تزال منها بخير آخر الدهر مع ما فعلت يوم عكاظ و عتبة يومئذ رئيس الناس- إلى أن قال: ثم جلس عتبة على جمله فسار في المشركين من قريش يقول: يا قوم أطيعونى،- إلخ.

و روى البخارى في صحيحه بعدة طرق عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد عن أبي ذر رضوان الله عليه قال: نزلت «هذان خصمان اختصموا في ربهم» في ستة من قريش برزوا يوم بدر: علي عليه السلام و حمزة و عبيدة بن الحارث، و شيبة و عتبة ابنى ربيعة و الوليد بن عتبة، فراجع إلى (ص 95) من الجزء الخامس منه.

ثم قال عليه السلام: (و منا سيدا شباب أهل الجنة و منكم صبية أهل النار) سيدا شباب أهل الجنة هما الحسن و الحسين عليهما السلام كما نص جدهما رسول الله صلى الله عليه و آله بذلك و قد أغنانا شهرته و استفاضته بين الفريقين إن لم نقل ببلوغه إلى حد التواتر عن نقل‏ الروايات الواردة في ذلك و إن أبيت إلا نقلها فنقول: كفى كلام أبيهما أمير المؤمنين علي عليه السلام في ذلك حجة أولا.

و ثانيا قد روى أحمد في المسند قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي نعيم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة، و قد أخرجه الترمذي أيضا، و قال: هذا حديث حسن صحيح. (نقله سبط ابن الجوزى في التذكرة، ص 133 من الطبع الرحلي).

و في مطالب السؤل في مناقب آل الرسول لابن طلحة الشافعي: و منها ما رواه الترمذي بسنده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة. (ص 65 من الطبع الرحلي).

و فيه أيضا (ص 71) و منه حديث حذيفة بن اليمان- رض- أخرجه الترمذي في صحيحه يرويه عنه بسنده، و قد تقدم طرف منه في فضائل فاطمة عليها السلام أن حذيفة قال لامه: دعيني آت رسول الله صلى الله عليه و آله فاصلى معه و أسئله أن يستغفر لي ذلك، فأتيته فصليت معه المغرب، ثم قام فصلى حتى صلى العشاء، ثم انفتل فأتبعته فسمع صوتي فقال: من هذا حذيفة؟ قلت: نعم، قال: ما حاجتك غفر الله لك و لامك؟ إن هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم على و يبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، و أن الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة.

إلى أن قال: و منه ما نقله الامام محمد بن إسماعيل البخاري و الترمذي رضى الله عنهما بسندهما كل منهما في صحيحه عن ابن عمر و سئله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق، فقال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض و قد قتلوا ابنى النبي صلى الله عليه و آله و سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول: هما ريحانتاي من الدنيا.

و روي أنه سئله عن المحرم يقتل الذباب، فقال: يا أهل العراق تسألونا عن قتل الذباب و قد قتلتم ابن رسول الله صلى الله عليه و آله، و ذكر الحديث و في آخره: و هما سيدا شباب أهل الجنة.

و في الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي: أخرج الترمذي و الحاكم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة (ص 82 من طبع مصر).

قال ابن الأثير في اسد الغابة (ص 11 ج 2) في معرفة الإمام المجتبى الحسن بن علي عليهما السلام: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد الأنماطي أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي، أخبرنا داود بن رشيد، أخبرنا مروان، أخبرنا الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعيم البجلي عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة- الخبر.

و قال أبو جعفر الطبري في التاريخ (ص 328 ج 7 من طبع ليدن): قال أبو مخنف: حدثني عبد الله بن عاصم قال: حدثني الضحاك المشرقي، لما دنا منه- يعني من أبي عبد الله أحد سيدي شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليه السلام في واقعة الطف- القوم دعا براحلته فركبها ثم نادى بأعلى صوته بصوت عال دعاء يسمع جل الناس:

أيها الناس اسمعوا قولى و لا تعجلوني حتى أعظكم بما لحق لكم علي و حتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم فإن قبلتم عذري و صدقتم قولي و أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، و لم يكن لكم على سبيل، و إن لم تقبلوا منى العذر و لم تعطوا النصف من أنفسكم «فأجمعوا أمركم و شركاء كم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلى و لا تنظرون إن ولي الله الذي نزل الكتاب و هو يتولى الصالحين».

قال: فلما سمع أخواته كلامه هذا صحن و بكين و بكى بناته فارتفعت أصواتهن فأرسل إليهن أخاه العباس بن علي و عليا ابنه، و قال لهما: اسكتاهن‏ فلعمري ليكثرن بكاؤهن.

قال: فلما ذهبا ليسكتاهن قال: لا يبعد ابن عباس، قال: فظننا انه إنما قالها حين سمع بكاؤهن لأنه قد كان نهاه أن يخرج بهن، فلما سكتن حمد الله و أثنى عليه و ذكر الله بما هو أهله و صلى على محمد صلى الله عليه و آله و على ملائكته و أنبيائه و ذكر من ذلك ما الله أعلم و ما لا يحصى ذكره، قال: فو الله ما سمعت متكلما قط قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه، ثم قال: أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يحل لكم قتلى و انتهاك حرمتي؟ أ لست ابن بنت نبيكم صلى الله عليه و آله و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين بالله و المصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه؟

أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟ أو ليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي؟ أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال لي و لأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة فان صدقتموني بما أقول و هو الحق، و الله ما تعمدت كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه و يضر به من اختلقه، فإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، أو أبا سعيد الخدري، أو سهل بن سعد الساعدي، أو زيد بن أرقم، أو أنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه و آله لي و لأخي، أ فما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي- الخبر.

قلت: قوله عليه السلام: ابن وصيه ينادى بأعلى صوته بأن أباه أمير المؤمنين عليا عليه السلام يعرف بالوصي، و قد مضى كلامنا و نقل الأشعار من سنام الصحابة و المسلمين في شرح المختار 236 من باب الخطب (ص 19 ج 17) فراجع.

قوله عليه السلام: و أول المؤمنين به و المصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه- و قد مضى كلامنا أنه عليه السلام كان أول الناس إسلاما في شرح المختار التاسع من باب الكتب (ص 345 ج 17).

ثم إنه صلى الله عليه و آله قال: إنهما سيدا شباب أهل الجنة لأن أهل الجنة كلهم شبان‏ و ذلك لأنها من عالم الأمر و لا يتطرق إليها أحكام عالم الخلق من الهرم و الوهن و نحوهما ألا ترى أن الله تعالى قال: و من نعمره ننكسه في الخلق أ فلا يعقلون‏ (يس:69)، و كأن التعبير بالشباب من حيث أن‏ الدار الآخرة لهي الحيوان‏، و أنها أقوى وجودا من الدار الاولى و آثار الوجود فيها أشد و أكثر، نظير ما رواه ثقة الإسلام الكليني قدس سره في الكافي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال لرجل ما الفتى عندكم؟ فقال له: الشاب، فقال: لا، الفتى المؤمن إن أصحاب الكهف كانوا شيوخا فسماهم الله عز و جل فتية بايمانهم (الوافي ص 39 ج 3).

و قد روى عن النبي صلى الله عليه و آله: أهل الجنة جرد مرد كحل لا يفنى شبابهم و لا تبلى ثيابهم، أتى به السيوطي في الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير.

و جاء في الأثر أن عجوزا من الأنصار قالت: يا رسول الله ادع الله بالمغفرة فقال لها: أما علمت أن الجنة لا تدخلها العجائز فصرخت فتبسم رسول الله صلى الله عليه و آله و قال لها: أما قرأت قول الله تعالى: إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا.

و يناسب المقام نقل احتجاج مروى في كتاب الاحتجاج للطبرسي- ره- رواه في باب احتجاج أبي جعفر محمد بن على الثاني عليهما السلام قال: و روى أن المأمون بعد ما زوج ابنته ام الفضل أبا جعفر عليه السلام كان في مجلس و عنده أبو جعفر عليه السلام و يحيى بن أكثم و جماعة كثيرة فقال له يحيى بن أكثم: ما تقول يا ابن رسول الله في الخبر الذي روى أنه نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه و آله و قال: يا محمد إن الله عز و جل يقرئك السلام و يقول لك: سل أبا بكر هل هو عنى راض فإنى عنه راض.

فقال أبو جعفر عليه السلام: لست بمنكر فضل أبي بكر و لكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلى الله عليه و آله في حجة الوداع: قد كثرت على الكذابة و ستكثر فمن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فاذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله عز و جل و سنتى فما وافق كتاب الله‏ و سنتى فخذوا به و ما خالف كتاب الله و سنتى فلا تأخذوا به، و ليس يوافق هذا الخبر كتاب الله تعالى قال الله تعالى: و لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب إليه من حبل الوريد فالله عز و جل خفى عليه رضا أبي بكر من سخطه حتى سأل عن مكنون سره هذا مستحيل في العقول.

ثم قال يحيى بن أكثم: و قد روى أن مثل أبي بكر و عمر في الأرض كمثل جبرئيل و ميكائيل في السماء.

فقال عليه السلام: و هذا أيضا يجب أن ينظر فيه لأن جبرئيل و ميكائيل ملكان لله مقربان لم يعصيا الله قط و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة، و هما قد أشركا بالله عز و جل و إن أسلما بعد الشرك فكان أكثر أيامهما الشرك بالله فمحال أن يشبها بهما.

قال يحيى: و قد روى أيضا أنهما سيدا كهول أهل الجنة فما تقول فيه؟.

فقال عليه السلام: و هذا الخبر محال أيضا لأن أهل الجنة كلهم يكونون شابا و لا يكون فيهم كهل، و هذا الخبر وضعه بنو امية لمضادة الخبر الذي قال رسول الله صلى الله عليه و آله في الحسن و الحسين: بأنهما سيدا شباب أهل الجنة.

فقال يحيى بن أكثم: و روى أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة.

فقال عليه السلام: و هذا أيضا محال لأن في الجنة ملائكة الله المقربين و آدم و محمد و جميع الأنبياء و المرسلين لا تضي‏ء بأنوارهم حتى تضي‏ء بنور عمر.

فقال يحيى: و قد روى أن السكينة تنطق على لسان عمر.

فقال عليه السلام: لست بمنكر فضل عمر و لكن أبا بكر أفضل من عمر، فقال على رأس المنبر: إن لي شيطانا يعتريني فاذا ملت فسدونى.

فقال يحيى: قد روى أن النبي صلى الله عليه و آله قال: لو لم ابعث لبعث عمر.

فقال عليه السلام: كتاب الله أصدق من هذا الحديث يقول الله في كتابه: و إذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح‏ قد أخذ الله ميثاق النبيين فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه و كل الأنبياء عليهم السلام لم يشركوا طرفة عين فكيف يبعث بالنبوة من أشرك و كان أكثر أيامه مع الشرك بالله، و قال رسول الله صلى الله عليه و آله: نبئت و آدم‏ بين الروح و الجسد.

فقال يحيى بن أكثم: و قد روى أيضا أن النبي صلى الله عليه و آله قال: ما احتبس عنى الوحى قط إلا ظننته قد نزل على آل الخطاب.

فقال عليه السلام: و هذا محال أيضا لأنه لا يجوز أن يشك النبي في نبوته قال الله تعالى: الله يصطفي من الملائكة رسلا و من الناس‏ فكيف يمكن أن ينتقل النبوة ممن اصطفاه الله تعالى إلى من أشرك به.

قال يحيى: روى أن النبي صلى الله عليه و آله قال: لو نزل العذاب لما نجا منه إلا عمر فقال عليه السلام: و هذا محال أيضا لأن الله تعالى يقول: و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون‏ فأخبر سبحانه أنه لا يعذب أحدا ما دام فيهم رسول الله صلى الله عليه و آله، و ما داموا يستغفرون الله، انتهى.

قلت: و قد وضع بنو امية في عمرو بن العاص ما تضحك به الثكلى فإن محمد ابن سعد روى في الطبقات الكبرى عن عبد الله بن عمرو أنه حدثه أن أباه أوصاه قال: يا بنى إذا مت فاغسلنى غسلة بالماء ثم جففنى في ثوب، ثم اغسلنى الثانية بماء قراح ثم جففنى في ثوب، ثم اغسلنى الثالثة بماء فيه شي‏ء من كافور ثم جففنى في ثوب، ثم إذا ألبستنى الثياب فأزر على فانى مخاصم، ثم إذا أنت حملتنى على السرير فامش بي مشيا بين المشيتين و كن خلف جنازة فإن مقدمها للملائكة خلفها لبني آدم، فاذا أنت وضعتنى في القبر فسن على التراب سنا، (ص 260 ج 4 من طبع بيروت).

و هذا الخبر كما تراه كذب محض وضعه بنو امية و أتباعهم من أشباه الرجال اقتراف الدنيا و زخارفها و أنى لعمرو بن العاص العاصى المتوغل في قاذورات الشهوات النفسانية أن ينال تلك المنزلة العظمى و الرتبة العليا، و هل هذا إلا اختلاق.

و كيف له أن يتفوه بذلك و قد نقل غير واحد من نقلة الأخبار و حملة الاثار أن عمرو بن العاص لما حضرته الوفاة قال لابنه لود أبوك أنه كان في غزاة ذات السلاسل إنى قد دخلت في امور لا أدرى ما حجتى عند الله فيها، ثم نظر إلى‏ ماله فرأى كثرته فقال: يا ليته كان بعرا يا ليتنى مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة أصلحت لمعاوية دنياه و أفسدت دينى آثرت دنياى و تركت آخرتى، عمى على رشدى حتى حضرنى أجلى، كأنى بمعاوية قد حوى مالى و أساء فيكم خلافتى فراجع إلى تاريخ اليعقوبى، و حيوة الحيوان للدميرى.

و أنى لعمرو أن يدعى نزول الملائكة عليه و حملهم سريره و قد قال فيه وصى خاتم النبيين عليه السلام:إنه ليقول فيكذب، يعد فيخلف، و يسأل فيحلف، و يسأل فيبخل، و يخون العهد، و يقطع الإل، فراجع إلى المختار 82 من باب الخطب من النهج.

نعم إن تلك الفضيلة لمن كانت الملائكة أعوانه في الامور ألا و هو على أمير المؤمنين عليه السلام فقد قال عليه السلام: و لقد وليت غسله صلى الله عليه و آله و الملائكة أعوانى فراجع إلى المختار 195 من باب الخطب من النهج أيضا.

و لما مات عليه السلام قام ابنه ريحانة رسول الله صلى الله عليه و آله و أحد سيدى شباب أهل الجنة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام خطيبا فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي صلى الله عليه و آله: ثم قال: ألا إنه قد مضى في هذه الليلة رجل لم يدركه الأولون و لن يري مثله الاخرون من كان يقاتل و جبريل عن يمينه و ميكائيل عن شماله فراجع إلى الكافي للكليني قدس سره و تاريخ اليعقوبي (ص 190 ج 2).

و قد جاء في الأثر أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام أوصى بذلك ابنه أبا محمد الحسن المجتبى عليه السلام حيث قال: فاذا أنا مت يا أبا محمد فغسلنى و كفنى و حنطنى ببقية حنوط جدك رسول الله صلى الله عليه و آله فإنه من كافور الجنة جاء به جبرئيل عليه السلام إليه ثم ضعنى على سريرى و لا يتقدم أحد منكم مقدم السرير و احملوا مؤخره و اتبعوا مقدمه فأى موضع وضع المقدم فضعوا المؤخر فحيث قام سريري فهو موضع قبرى- إلخ، فراجع إلى باب كيفية شهادته عليه السلام و وصيته و غسله و الصلاة عليه و دفنه من المجلد التاسع من البحار (ص 674 من طبع الكمبانى).

فانظر إلى تصرف بنى امية في الأخبار كيف سرقوها من محلها و أسندوها إلى غير أهلها، و كم لما نقلناها من نظير و لو لا خوف الإطناب لأتينا بطائفة منها في الكتاب.

ثم إن بني امية ما تصرفوا في الأخبار فقط بل تجاوزوا إلى القرآن و حرفوا كلام الله عن مواضعه. قال الشارح الفاضل المعتزلي في الجزء الرابع من شرحه على النهج (ص 23 من الطبع الرحلي): قال أبو جعفر: و قد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروى أن هذه الاية انزلت في علي عليه السلام: و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و يشهد الله على ما في قلبه و هو ألد الخصام و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد و أن الاية الثانية نزل في ابن ملجم و هي قوله تعالى: و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله‏ فلم يقبل فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل فبذل له أربع مائة ألف فقبل و روى ذلك. انتهى ما أردنا من نقل كلامه.

و صبية أهل النار:

هم صبية عقبة بن أبي معيط، لما قد روى الواقدي في غزوة بدر من كتابه في مغازي رسول الله صلى الله عليه و آله (ص 84 من طبع مصر) من أن رسول الله صلى الله عليه و آله أقبل بالأسرى حتى إذا كان بعرق الظبية أمر عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أن يضرب عنق عقبة بن أبي معيط و كان أسره عبد الله بن سلمة العجلاني فجعل عقبة يقول: يا ويلي علام أقتل يا معشر قريش من بين من ههنا؟

فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: لعداوتك لله و رسوله.

قال: يا محمد منك أفضل فاجعلني كرجل من قومي إن قتلتهم قتلتني و إن مننت عليهم مننت علي، و إن أخذت منهم الفداء كنت كأحدهم يا محمد من للصبية؟

قال رسول الله صلى الله عليه و آله: النار قدمه يا عاصم فاضرب عنقه، فقدمه عاصم فضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: بئس الرجل كنت و الله ما علمت كافرا بالله و برسوله و بكتابه مؤذيا لنبيه [منك‏] فأحمد الله الذي هو قتلك و أقر عيني منك.

ثم قال عليه السلام: (و منا خير نساء العالمين و منكم حمالة الحطب) يعني‏ بخير نساء العالمين‏ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله المعصومة التي أذهب الله عنها الرجس و طهرها تطهيرا، فقد روى أبو الحسين مسلم بن الحجاج في جامعه المعروف بصحيح مسلم (الباب التاسع من كتاب الفضائل في فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله ص 1883 ج 4 من طبع مصر) بإسناده عن أبي بكر بن أبي شيبة و محمد بن عبد الله بن نمير، عن محمد بن بشير، عن زكريا، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة:

خرج النبي صلى الله عليه و آله غداة و عليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا.

و في الباب الخامس و الخمسين من ينابيع المودة للفاضل الشيخ سليمان النقشبندي الحنفي (ص 148 من الطبع الناصري): و في جمع الفوائد، عائشة:

كن أزواج النبي صلى الله عليه و آله عنده لا يغادر منهن واحدة فأقبلت فاطمة تمشي ما تخطي مشيتها من مشية النبي صلى الله عليه و آله شيئا فلما رآها رحب بها، و قال: مرحبا يا بنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سارها فبكت بكاء شديدا، فلما رأى جزعها سار الثانية فضحكت فلما قام سألتها ما قال لك أبوك؟ قالت: ما كنت لأفشى على رسول الله صلى الله عليه و آله سره فلما توفى، قلت: عزمت عليك بما لى عليك من الحق حدثني ما قال لك أبوك صلى الله عليه و آله؟ قالت: أما الان فنعم. أما حين سارني في المرة الاولى فأخبرني أن جبرائيل كان يعارضني القرآن في كل سنة مرة و عارضه الان مرتين و إنى لا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله و [اصبر [ي‏]] فإنه نعم السلف أنا لك، فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني في الثانية فقال:

يا فاطمة أما ترضين أن تكون سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الامة فضحكت ضحك الذي رأيت. و في رواية: ثم سارني أني أول أهله يتبعه فضحكت و في اخرى قال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة و أنك أول أهلي لحوقا بي فضحكت، للشيخين و الترمذي.

و قال: و في صحيح البخاري: قال النبي صلى الله عليه و آله: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.

و قال أيضا: و في جمع الفوائد: أنس رفعه حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، و خديجة بنت خويلد، و فاطمة بنت محمد، و آسية امرأة فرعون- للترمذي. انتهى.

قلت: رواية البخاري مذكورة في باب مناقب فاطمة عليها السلام (ص 36 من الجزء الخامس من صحيح البخاري المشكول).

و في الدر المنثور في التفسير بالمأثور في قوله تعالى: إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك على نساء العالمين‏ (آل عمران: 43):

أخرج الحاكم و صححه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: أفضل نساء العالمين خديجة، و فاطمة، و مريم، و آسية امرأة فرعون.

و أخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله إن الله اصطفى على نساء العالمين أربعة: آسية بنت مزاحم، و مريم بنت عمران، و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله.

و أخرج أحمد و الترمذي و صححه و ابن المنذر و ابن حبان و الحاكم عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال: حسبك من نساء العالمين، مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد، و فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله، و آسية امرأة فرعون، و أخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلا.

و أخرج ابن أبي شيبة و ابن جرير عن فاطمة عليها السلام: قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله: أنت سيدة نساء أهل الجنة لا مريم البتول.

و أخرج ابن عساكر من طريق مقاتل عن الضحاك، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه و آله قال: أربع نسوة سادات عالمهن: مريم بنت عمران، و آسية بنت مزاحم، و خديجة بنت خويلد، و فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله، و أفضلهن عالما فاطمة. انتهى ما أردنا من نقل ما في الدر المنثور.

أقول: و نزل في آسية امرأة فرعون و في مريم قوله تعالى: و ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة و نجني من فرعون و عمله و نجني من القوم الظالمين و مريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا و صدقت بكلمات ربها و كتبه و كانت من القانتين‏.

ثم لما كانت فاطمة عليها السلام بضعة من أبيها خاتم النبيين سيد ولد آدم كما رواها الفريقان في جوامعهم الروائية فهي عليها السلام سيدة نساء العالمين مطلقا فقوله تعالى في مريم عليها السلام‏ و اصطفاك على نساء العالمين‏ محمول على أنها مصطفاة عليهن لا مطلقا بل على بعض الوجوه، فليتأمل في قول الإمام أبي جعفر عليه السلام في معنى الاية: اصطفاك لذرية الأنبياء و طهرك من السفاح و اصطفيك لولادة عيسى من غير فحل.

و في قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم‏ (آل عمران: 34).

. و في قوله تعالى: و لقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين و لقد اخترناهم على علم على العالمين‏ (الدخان: 33).

و في قوله تعالى: و لقد آتينا بني إسرائيل الكتاب و الحكم و النبوة و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على العالمين‏ (الجاثية: 17).

و في قوله تعالى: إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقربين‏ (آل عمران: 46).

و في قوله تعالى: و التي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا و جعلناها و ابنها آية للعالمين‏ (الأنبياء: 92).

و في قوله تعالى: و مريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا و صدقت بكلمات ربها و كتبه و كانت من القانتين‏ (آخر التحريم).

فإما أن يكون المراد من العالمين في قوله تعالى: و اصطفاك على نساء العالمين‏ نساء عالمي زمانها كما مال إليه غير واحد من المفسرين، و أمكن أن يؤيد هذا المعنى بايتي الدخان و الجاثية، و لكن الإعراض عن اطلاق سياق الاية لا يخلو من دغدغة.

و إما أن المراد من اصطفائها على نساء العالمين اصطفائها عليهن من حيث إنها آية عجيبة إلهية كما بينه أبو جعفر عليه السلام في الخبر المذكور بقوله: و اصطفيك لولادة عيسى من غير فحل، و يستفاد هذا المعنى من آيتي الأنبياء و التحريم و يؤيد بهما فلا تختص من هذه الجهة بنساء عالمى زمانها، و هذا الوجه الأخير كأنه الصواب أو هو متعين.

قال الشارح الفاضل المعتزلي في شرح قوله عليه السلام: و منا خير نساء العالمين‏:يعني فاطمة عليها السلام نص رسول الله صلى الله عليه و آله على ذلك لا خلاف فيه. انتهى.

حمالة الحطب‏

 هي العوراء ام جميل امرأة عبد العزى المكنى بأبي لهب بنت حرب اخت أبي سفيان عمة معاوية التي ورد فيها و في زوجها قوله تعالى: تبت يدا أبي لهب و تب ما أغنى عنه ماله و ما كسب سيصلى نارا ذات لهب و امرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد.

و في تفسير الدر المنثور و أخرج ابن جرير عن ابن زيد أن امرأة أبي لهب كانت تلقى في طريق النبي صلى الله عليه و آله الشوك فنزلت‏ تبت يدا أبي لهب و تب‏ … و امرأته حمالة الحطب‏.

و أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن ابن زيد و امرأته حمالة الحطب‏ قال:كانت تأتي بأغصان الشوك تطرحها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه و آله.

و أخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن مجاهد و امرأته حمالة الحطب‏ قال: كانت تمشى بالنميمة في جيدها حبل من مسد من نار.

و أخرج ابن أبي جرير و ابن أبي حاتم عن قتادة و امرأته حمالة الحطب قال‏:كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض «في جيدها حبل» قال: عنقها.

و أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن «حمالة الحطب» قال: كانت تحمل النميمة فتأتي بها بطون قريش.

و أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن الأنباري في المصاحف عن عروة بن الزبير «في جيدها حبل من مسد» قال: سلسلة من حديد من نار ذرعها سبعون ذراعا.

و في التفسير الصافي نقلا من قرب الأسناد عن الكاظم عليه السلام في حديث آيات النبي صلى الله عليه و آله قال: و من ذلك أن ام جميل امرأة أبي لهب أتته حين نزلت سورة تبت و مع النبي أبو بكر بن أبي قحافة فقال: يا رسول الله هذا ام جميل محفظة أم مغضبة تريدك و معها حجر تريد أن ترميك به فقال صلى الله عليه و آله: إنها لا ترانى، فقالت لأبي بكر: أين صاحبك؟ قال: حيث شاء الله، قالت: لقد جئته و لو أراه لرميته فإنه هجانى و اللات و العزى إنى لشاعرة، فقال أبو بكر: يا رسول الله لم ترك؟

قال: لا، ضرب الله بينى و بينها حجابا.

و قال معاوية يوما و عنده عمرو بن العاص و قد أقبل عقيل: لأضحكنك من عقيل فلما سلم قال معاوية: مرحبا برجل عمه أبو لهب، فقال عقيل: و أهلا برجل عمته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد، قال معاوية: يا أبا يزيد ما ظنك بعمك أبي لهب؟ قال: إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمتك حمالة الحطب أ فناكح في النار خير أم منكوح؟ قال: كلا شر و الله، نقله الشارح المعتزلي في الجزء الرابع من شرحه على النهج (27 من الطبع الرحلى).

و نقل الشيخ الأجل المفيد قدس سره في الإرشاد (ص 173 طبع طهران 1377 ه): بعد السبب في قبول الإمام الحسن المجتبى عليه السلام الهدنة و الصلح من معاوية ما هذا لفظه: فتوثق عليه السلام لنفسه من معاوية بتوكيد الحجة عليه و الإعذار فيما بينه و بينه عند الله تعالى و عند كافة المسلمين و اشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين عليه السلام و العدول عن القنوت عليه في الصلاة، و أن يؤمن شيعته رضى الله عنهم و لا يتعرض لأحد منهم بسوء و يوصل إلى كل ذي حق منهم حقه.

فأجابه معاوية إلى ذلك كله و عاهده عليه و حلف له بالوفاء به فلما استتمت الهدنة على ذلك سار معاوية حتى نزل بالنخيلة و كان ذلك يوم الجمعة فصلى بالناس ضحى النهار فخطبهم و قال في خطبته: و الله ما قاتلتكم لتصلوا و لا لتصوموا و لا لتحجوا و لا لتزكوا انكم لتفعلون ذلك و لكنى قاتلتكم لأتامر عليكم و قد أعطانى الله ذلك و أنتم له كارهون، ألا و إنى كنت منيت الحسن عليه السلام أشياء و أعطيته أشياء و جميعها تحت قدمي لا أفي بشي‏ء منها له.

ثم سار حتى دخل الكوفة فأقام بها أياما فلما استتمت البيعة له من أهلها صعد المنبر فخطب الناس و ذكر أمير المؤمنين عليه السلام و نال منه و نال من الحسن عليه السلام ما نال و كان الحسن و الحسين عليهما السلام حاضرين فقام الحسين عليه السلام ليرد عليه فأخذ بيده الحسن عليه السلام و أجلسه، ثم قام فقال: أيها الذاكر عليا أنا الحسن و أبي علي و أنت معاوية و أبوك صخر و امي فاطمة و امك هند و جدي رسول الله صلى الله عليه و آله و جدك حرب و جدتى خديجة و جدتك فتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرنا قدما و أقدمنا كفرا و نفاقا، فقالت طوائف من أهل المسجد: آمين آمين، انتهى قوله قدس سره.

و روى قريبا منه المحدث القمي رضوان الله عليه في مادة حسن من سفينة البحار عن الشعبى، و قال الفاضل الشارح المعتزلي: إن هذا الحديث نقله الفضل بن الحسن المصرى عن يحيى بن معين قال و قال الفضل: قال يحيى: آمين، و قال الفضل: أنا أقول آمين، و قال علي بن الحسين الاصفهانى آمين، و قال الشارح المذكور أنا أقول آمين، و كذلك كاتب هذه الأحرف الحسن بن عبد الله الطبري الاملى يقول آمين آمين و يرحم الله تعالى عبدا قال آمين.

تم قال عليه السلام: (في كثير مما لنا و عليكم) أى ما ذكرناه من فضائلنا و رذائلكم قليل‏ في كثير مما لنا من الفضائل‏ و عليكم‏ من الرذائل و قد تقدم الكلام في رؤية النبي صلى الله عليه و آله بني امية في المنام على صور قرود تصعد منبره و ترد الناس عن الإسلام القهقرى، فراجع إلى شرح المختار العاشر من هذا الباب (ص 47 ج 18).

و قد سئل علي أمير المؤمنين عليه السلام عن بني هاشم و بني امية فقال عليه السلام:نحن أمجد و أنجد و أجود، و هم أغدر و أمكر و أنكر (المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء ص 224 ج 4).

ثم قال عليه السلام: (فاسلامنا ما قد سمعتم، و جاهليتنا لا تدفع) يريد أن فضائل بني هاشم لا تختص بهم في الإسلام فقط بل لهم تلك الفضائل في زمن الجاهلية أيضا لا مدافع لهم في ذلك، أى أنهم كانوا من بيت شرف و مجد حيث كان الناس في الجاهلية الجهلاء، و قد مضى نقل طائفة منها في شرح المختار التاسع من باب الكتب (ج 17) و في شرح المختار السابع عشر من ذلك الباب أيضا (ج 18) فراجع.

و ينبغي أن نذكر في هذا الموضع احتجاجات أتى بها نقلة الاثار في أسفارهم:قال الشيخ إبراهيم بن محمد البيهقى في كتاب المحاسن و المساوى: قيل و أتى الحسن بن علي عليهما السلام معاوية بن أبي سفيان و قد سبقه ابن عباس فأمر معاوية فأنزل فبينا معاوية مع عمرو بن العاص و مروان بن الحكم و زياد بن أبي سفيان يتحاورون في قديمهم و حديثهم و مجدهم فقال معاوية: أكثرتم الفخر فلو حضركم الحسن بن علي و عبد الله بن العباس لقصرا من أعنتكما ما طال، فقال زياد: و كيف ذلك يا أمير المؤمنين ما يقومان لمروان بن الحكم في غرب منطقه و لا لنا في بواذخنا؟ فابعث إليهما في غد حتى نسمع كلامهما.

فقال معاوية لعمرو: ما تقول؟ قال هذا، فابعث إليهما في غد بعث إليهما معاوية ابنه يزيد، فأتياه و دخلا عليه و بدأ معاوية فقال: إني اجلكما و أرفع قدر كما عن المسامرة بالليل و لا سيما أنت يا أبا محمد فانك ابن رسول الله صلى الله عليه و آله و سيد شباب أهل الجنة فشكرا له، فلما استويا في مجلسهما و علم عمرو أن الحدة ستقع به قال: و الله لا بد أن أقول فإن قهرت فسبيل ذلك و إن قهرت أكون قد ابتدأت.

فقال: يا حسن إنا تفاوضنا فقلنا: إن رجال بني امية أصبر عند اللقاء و أمضى في الوغى، و أوفى عهدا، و أكرم خيما، و أمنع لما وراء ظهورهم من بني عبد المطلب.

ثم تكلم مروان فقال: و كيف لا تكون كذلك و قد قارعناكم فغلبناكم و حاربناكم فملكناكم، فإن شئنا عفونا و إن شئنا بطشنا.

ثم تكلم زياد فقال: ما ينبغي لهم أن ينكروا الفضل لأهله و يجحدوا الخير فى مظانه، نحن أهل الحملة في الحروب و لنا الفضل على سائر الناس قديما و حديثا.

فتكلم الحسن عليه السلام فقال: ليس من العجز أن يصمت الرجل عند ايراد الحجة، و لكن من الإفك أن ينطق الرجل بالخنا و يصور الباطل بصورة الحق يا عمرو افتخارا بالكذب و جرأة على الإفك! ما زلت أعرف مثالبك الخبيثة أبديها مرة و أمسك عنها اخرى فتأبي إلا انهما كا في الضلالة، أتذكر مصابيح الدجى و أعلام الهدى و فرسان الطراد و حتوف الأقران و أبناء الطعان و ربيع الضيفان و معدن النبوة و مهبط العلم و زعمتم أنكم أحمى لما وراء ظهوركم و قد تبين ذلك يوم بدر حين نكصت الأبطال و تساورت الأقران و اقتحمت الليوث و اعتركت المنية و قامت رحاؤها على قطبها و فرت عن نابها و طار شرار الحرب فقتلنا رجالكم و من النبي صلى الله عليه و آله على ذراريكم فكنتم لعمري في هذا اليوم غير مانعين لما وراء ظهوركم من بني عبد المطلب! ثم قال: و أما أنت يا مروان فما أنت و الإكثار في قريش و أنت طليق و أبوك طريد يتقلب من خزاية إلى سوءة و لقد جي‏ء بك إلى أمير المؤمنين فلما رأيت الضرغام قد دميت براثنه و اشتبكت أنيابه كنت كما قال:

ليث إذا سمع الليوث زئيره‏ بصبصن ثم قذفن بالأبعار

و يروى رمين بالأبعار.

فلما من عليك بالعفو و أرخى خناقك بعد ما ضاق عليك و غصصت بريقك لا تقعد معنا مقعد أهل الشكر و لكن تساوينا و تجارينا و نحن ممن لا يدركنا عار و لا يلحقنا خزاية!.

ثم التفت إلى زياد فقال: و ما أنت يا زياد و قريشا لا أعرف لك فيها أديما صحيحا و لا فرعا نابتا و لا قديما ثابتا و لا منبتا كريما بل كانت امك بغيا تداولها رجال‏ قريش و فجار العرب فلما ولدت لم تعرف لك العرب والدا فادعاك هذا- يعني معاوية- بعد ممات أبيه، مالك افتخار تكفيك سمية و يكفينا رسول الله صلى الله عليه و آله، و أبي علي بن أبي طالب سيد المؤمنين الذي لم يرتد على عقبيه، و عمي حمزة سيد الشهداء و جعفر الطيار و أنا و أخى سيدا شباب أهل الجنة! ثم التفت إلى ابن عباس فقال: يا ابن العم إنما هي بغاث الطير انقض عليها أجدل، فأراد ابن عباس أن يتكلم فأقسم عليه معاوية أن يكف فكف ثم خرجا.

فقال معاوية: أجاد عمرو الكلام لو لا أن حجته دحضت و تكلم مروان لو لا أنه نكص.

ثم التفت إلى زياد و قال: ما دعاك إلى محاورته؟ ما كنت إلا كالحجل في كف البازى، فقال أفاخر رجلا رسول الله صلى الله عليه و آله جده و هو سيد من مضى و من بقي و امه فاطمة الزهراء السواء، فقال عمرو: لقد أبقي عليك و لكنه طحن مروان طحن الرحى بثفالها يأبى إلا الإغراء بيننا و بينهم، لا جرم و الله لا شهدت مجلسا يكونان فيه إلا كنت معهما على من فاخرهما.

فخلا ابن عباس بالحسن فقبل بين عينيه و قال: افديك يا ابن عم، و الله ما زال بحرك يزخر و أنت تصول حتى شفيتني من أولاد البغايا.

ثم ان الحسن عليه السلام غاب أياما ثم رجع حتى دخل على معاوية و عنده عبد الله بن الزبير، فقال معاوية: يا أبا محمد اني أظنك تعبا نصبا فأت المنزل فأرح نفسك فيه، فقام الحسن عليه السلام فلما خرج قال معاوية لعبد الله بن الزبير: لو افتخرت على الحسن فانك ابن حواري رسول الله صلى الله عليه و آله و ابن عمته، و لأبيك في الإسلام نصيب وافر، فقال ابن الزبير: أناله! فرجع و هو يطلب ليلته الحجج فلما أصبح دخل على معاوية و جاء الحسن عليه السلام فحياه معاوية و سأله عن مبيته، فقال: خير مبيت و أكرم مستفاض، فلما استوى في مجلسه قال ابن الزبير:لولا أنك خوار في الحرب غير مقدام ما سلمت لمعاوية الأمر و كنت لا تحتاج إلى اختراق السهوب و قطع المفاوز تطلب معروفه و تقوم ببابه، و كنت‏ حريا أن لا تفعل ذلك و أنت ابن علي في بأسه و نجدته، فما أدرى ما الذي حملك على ذلك أضعف رأى أم وهن نحيزة، فما أظن لك مخرجا من هاتين الخلتين، أما و الله لو استجمع لي ما استجمع لك لعلمت أنى ابن الزبير و أني لا أنكص عن الأبطال و كيف لا أكون كذلك و جدتي صفية بنت عبد المطلب، و أبي الزبير حواري رسول الله صلى الله عليه و آله و أشد الناس بأسا و أكرمهم حسبا في الجاهلية و أطوعهم لرسول الله صلى الله عليه و آله.

فالتفت إليه الحسن عليه السلام و قال: أما و الله لو لا أن بني امية تنسبني إلى العجز عن المقال لكففت عنك تهاونا، و لكن سابين ذلك لك لتعلم أني لست بالعى و لا كليل اللسان، إياى تعير و علي تفتخر و لم يكن لجدك بيت في الجاهلية و لا مكرمة فزوجته جدتي صفية بنت عبد المطلب، فبذخ على جميع العرب بها و شرف بمكانها، فكيف تفاخر من هو من القلادة و اسطتها و من الأشراف سادتها نحن أكرم أهل الأرض زندا، لنا الشرف الثاقب و الكرم الغالب.

ثم تزعم أني سلمت الأمر لمعاوية فكيف يكون ذلك ويحك كذلك و أنا ابن أشجع العرب، و قد ولدتني فاطمة سيدة نساء العالمين و خير الإماء؟ لم أفعل ذلك ويحك جبنا و لا ضعفا و لكنه بايعني مثلك و هو يطلبني ببره و يداجيني المودة و لم أثق بنصرته لأنكم أهل بيت غدر، و كيف لا يكون كما أقول، و قد بايع أبوك أمير المؤمنين ثم نكث بيعته و نكص على عقبيه و اختدع حشية من حشايا رسول الله صلى الله عليه و آله ليضل بها الناس، فلما دلف نحو الأعنة و رأى بربق الأسنة قتل مضيعة لا ناصر له و اتي بك أسيرا قد وطئتك الكماة بأظلافها و الخيل بسنابكها و اعتلاك الأشتر فغصصت بريقك و أقعيت على عقبيك كالكلب إذا احتوشته الليوث، فنحن ويحك نور البلاد و أملاكها و بنا تفخر الامة و إلينا تلقى مقاليد الأزمة، أنصول و أنت تختدع النساء ثم تفتخر على بنى الأنبياء؟ لم تزل الأقاويل منا مقبولة و عليك و على أبيك مردودة، دخل الناس في دين جدي طائعين و كارهين، ثم بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام فسار إلى أبيك و طلحة حين نكثا البيعة و خدعا عرس‏ رسول الله صلى الله عليه و آله فقتل أبوك و طلحة و اتى بك أسيرا، فبصبصت بذنبك و ناشدته الرحم أن لا يقتلك فعفا عنك، فأنت عتاقة أبي و أنا سيدك و سيد أبيك، فذق و بال أمرك.

فقال ابن الزبير: اعذر يا أبا محمد فانما حملني على محاورتك هذا و أحب الإغراء بيننا فهلا إذا جهلت أمسكت عني فإنكم أهل بيت سجيتكم الحلم و العفو.

فقال الحسن عليه السلام: يا معاوية انظر هل أكيع عن محاورة أحد؟ ويحك أ تدرى من أى شجرة أنا و إلى من أنتمى؟ انته قبل أن أسمك بميسم تتحدث به الركبان في الافاق و البلدان.

فقال ابن الزبير: هو لذلك أهل، فقال معاوية: أما انه قد شفى بلا بل صدرى منك و رمي مقتلك فصرت كالحجل في كف البازى يتلاعب بك كيف أراد فلا أراك تفتخر على أحد بعدها.

و ذكروا أن الحسن بن علي عليه السلام دخل على معاوية فقال متمثلا:

فيم الكلام و قد سبقت مبرزا سبق الجواد من المدى و المقيس‏

فقال معاوية: إياى تعنى؟ أما و الله لانبئنك بما يعرفه قلبك و لا ينكره جلساؤك: أنا ابن بطحاء مكة، انا ابن أجودها جودا و أكرمها جدودا و أوفاها عهودا، أنا ابن من ساد قريشا ناشئا و كهلا.

فقال الحسن عليه السلام: أجل إياك أعنى أفعلى تفتخر يا معاوية؟ أنا ابن ماء السماء و عروق الثرى و ابن من ساد أهل الدنيا بالحسب الثابت و الشرف الفائق و القديم السابق، أنا ابن من رضاه رضى الرحمن و سخطه سخط الرحمن، فهل لك أب كأبي و قديم كقديمى؟ فان قلت: لا تغلب، و إن قلت: نعم تكذب.

فقال معاوية: أقول لا تصديقا لقولك، فقال الحسن:

الحق أبلج ما تخون سبيله‏ و الصدق يعرفه ذوو الألباب‏

و قال معاوية ذات يوم و عنده أشراف الناس من قريش و غيرهم: أخبروني بخير الناس أبا و اما و عما و عمة و خالا و خالة و جدا و جدة، فقام مالك بن‏ العجلان فأومأ إلى الحسن فقال: هاهوذا أبوه علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم و امه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله، و عمه جعفر الطيار في الجنان، و عمته ام هانى‏ء بنت أبي طالب، و خاله القاسم ابن رسول الله صلى الله عليه و آله، و خالته بنت رسول الله زينب و جده رسول الله صلى الله عليه و آله، و جدته خديجة بنت خويلد.

فسكت القوم و نهض الحسن، فأقبل عمرو بن العاص على مالك فقال: أحب بني هاشم حملك على أن تكلمت بالباطل؟ فقال ابن العجلان: ما قلت إلا حقا و ما أحد من الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق إلا لم يعط أمنيته في دنياه و ختم له بالشقاء في آخرته، بنو هاشم أنضرهم عودا و أوراهم زندا، كذلك يا معاوية؟ قال: اللهم نعم.

قيل: و استاذن الحسن بن علي عليه السلام على معاوية و عنده عبد الله بن جعفر و عمرو ابن العاص، فأذن له، فلما أقبل قال عمرو: قد جاءكم الأفه العيى الذي كان بين لحيية عبلة، فقال عبد الله بن جعفر: مه فو الله لقد رمت صخرة ململمة تنحط عنها السيول و تقصر دونها الوعول و لا تبلغها السهام، فإياك و الحسن إياك، فانك لا تزال راتعا في لحم رجل من قريش و لقد رميت فما برح سهمك و قدحت فما أورى زندك.

فسمع الحسن الكلام فلما أخذ الناس مجالسهم قال: يا معاوية لا يزال عندك عبد راتعا في لحوم الناس، أما و الله لو شئت ليكونن بيننا ما تتفاقم فيه الامور و تحرج منه الصدور ثم أنشأ يقول:

أتأمر يا معاوى عبد سهم‏ بشتمي و الملا منا شهود
إذا أخذت مجالسها قريش‏ فقد علمت قريش ما تريد
قصدت إلى تشتمنى سفاها لضغن ما يزول و ما يبيد
فما لك من أب كأبي تسامي‏ به من قد تسامي أو تكيد
و لا جد كجدي يا ابن هند رسول الله إن ذكر الجدود
و لا ام كامي من قريش‏ إذا ما يحصل الحسب التليد

 

فما مثلي تهكم يا ابن هند و لا مثلي تجاريه العبيد
فمهلا لا تهج منا امورا يشيب لها معاوية الوليد

و ذكروا أن عمرو بن العاص قال لمعاوية ذات يوم:

ابعث إلى الحسن بن علي فمره أن يخطب على المنبر فلعله يحصر فيكون ذلك مما نعيره به، فبعث إليه معاوية فأصعده المنبر و قد جمع له الناس فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

يا أيها الناس من عرفنى فأنا الذي يعرف و من لم يعرفني فانا الحسن بن علي بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه و آله، أنا ابن البشير النذير السراج المنير أنا ابن من بعث رحمة للعالمين و سخطا للكافرين، أنا ابن من بعث إلى الجن و الإنس، أنا المستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أول من ينفض رأسه من التراب، أنا ابن أول من يقرع باب الجنة، أنا ابن من قاتلت معه الملائكة و نصر بالرعب من مسيرة شهر، فافتن في هذا الكلام و لم يزل حتى أظلمت الدنيا على معاوية فقال: يا حسن قد كنت ترجو أن تكون خليفة و لست هناك.

فقال الحسن: انما الخليفة من سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه و آله و عمل بطاعة الله و ليس الخليفة من دان بالجور و عطل السنن و اتخذ الدنيا أبا و اما، و لكن ذاك ملك أصاب ملكا يمتع به قليلا و كان قد انقطع عنه و استعجل لذته و بقيت عليه تبعته فكان كما قال الله عز و جل: و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين ثم انصرف.

فقال معاوية لعمرو: و الله ما أردت إلا هتكى، ما كان أهل الشام يرون أن أحدا مثلى حتى سمعوا من الحسن ما سمعوا.

قيل: و قدم الحسن بن علي رضوان الله عليه على معاوية فلما دخل عليه وجد عنده عمرو بن العاص و مروان بن الحكم و المغيرة بن شعبة و صناديد قومه و وجوه اليمن و أهل الشام: فلما نظر إليه معاوية أقعده على سريره و أقبل عليه بوجهه يريه السرور بمقدمه، فلما نظر مروان إلى ذلك حسده و كان معاوية قال‏ لهم: لا تحاوروا هذين الرجلين فلقد قلداكم العار و فضحاكم عند أهل الشام- يعني الحسين بن على عليهما السلام، و عبد الله بن العباس.

فقال مروان: يا حسن لو لا حلم أمير المؤمنين و ما قد بني له آباؤه الكرام من المجد و العلاء ما أقعدك هذا المقعد و لقتلك و أنت له مستوجب بقودك الجماهير فلما أحسست بنا و علمت أن لا طاقة لك بفرسان أهل الشام و صناديد بني امية أذعنت بالطاعة و احتجرت بالبيعة و بعثت تطلب الأمان، أما و الله لو لا ذلك لاريق دمك، و علمت أنا نعطى السيوف حقها عند الوغى، فاحمد الله إذا بتلاك بمعاوية فعفا عنك بحلمه ثم صنع بك ما ترى.

فنظر إليه الحسن فقال: ويحك يا مروان لقد تقلدت مقاليد العارفي الحروب عند مشاهدتها و المخاذلة عند مخالطتها، نحن- هبلتك الهوابل- لنا الحجج البوالغ و لنا إن شكرتم عليكم النعم السوابغ، ندعوكم إلى النجاة و تدعوننا إلى النار فشتان ما بين المنزلتين، تفخر ببنى امية و تزعم أنهم صبر في الحروب أسد عند اللقاء- ثكلتك امك- اولئك البهاليل السادة و الحماة الذادة و الكرام القادة بنو عبد المطلب، أما و الله لقد رأيتهم و جميع من في هذا البيت ما هالتهم الأهوال و لم يحيدوا عن الأبطال كالليوث الضارية الباسلة الحنقة، فعندها وليت هاربا و اخذت أسيرا فقلدت قومك العار لأنك في الحروب خوار، أيراق دمي زعمت؟ أفلا أرقت دم من وثب على عثمان في الدار فذبحه كما يذبح الجمل و أنت تثغو ثغاء النعجة و تنادى بالويل و الثبور كالأمة اللكعاء، ألا دفعت عنه بيد أو ناضلت عنه بسهم؟ لقد ارتعدت فرائصك و غشى بصرك فاستغثت بي كما يستغيث العبد بربه، فانجيتك من القتل و منعتك منه ثم تحث معاوية على قتلى و لو رام ذلك معك لذبح كما ذبح ابن عفان، أنت معه أقصر يدا و أضيق باعا أجبن قلبا من أن تجسر على ذلك، ثم تزعم أنى ابتليت بحلم معاوية أما و الله لهو أعرف بشأنه و أشكر لما وليناه هذا الأمر فمتى بدا له فلا يغضين جفنه على القذي معك، فو الله لأثخنن أهل الشام بجيش يضيق عنها فضاؤها، و يستأصل‏ فرسانها ثم لا ينفعك عند ذلك الهرب و الروغان و لا يرد عنك الطلب تدريجك الكلام فنحن ممن لا يجهل آباؤنا القدماء الأكابر و فروعنا السادة الأخيار، انطق إن كنت صادقا.

فقال عمرو: ينطق بالخنى و تنطق بالصدق ثم أنشأ يقول:

قد يضرط العير و المكواة تأخذه‏ لا يضرط العير و المكواة في النار

ذق و بال أمرك يا مروان، و أقبل عليه معاوية فقال: قد نهيتك عن هذا الرجل و أنت تأبي إلا انهماكا فيما لا يعنيك، اربع على نفسك فليس أبوك كأبيه و لا أنت مثله، أنت ابن الطريد الشريد و هو ابن رسول الله صلى الله عليه و آله الكريم و لكن رب باحث عن حتفه و حافر عن مديته، فقال مروان: ارم من دون بيضتك و قم بحجة عشيرتك، ثم قال لعمرو: طعنك أبوه فوقيت نفسك بخصييك فلذلك تحذره و قام مغضبا فقال معاوية: لا تجار البحور فتغمرك، و لا الجبال فتبهرك و استرح من الاعتذار.

قيل: و لقى عمرو بن العاص الحسن بن علي عليه السلام في الطواف فقال: يا حسن أزعمت أن الدين لا يقوم إلا بك و بأبيك؟ فقد رأيت الله جل و عز أقامه بمعاوية فجعله راسيا بعد ميله و بينا بعد خفائه، أفرضى الله قتل عثمان أم من الحق أن تدور بالبيت كما يدور الجمل بالطحين؟ عليك ثياب كغرقي‏ء البيض و أنت قاتل عثمان، و الله إنه لألم للشعث و أسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك.

فقال الحسن عليه السلام: إن لأهل النار علامات يعرفون بها و هي الإلحاد لأولياء الله و الموالاة لأعداء الله، و الله إنك لتعلم أن عليا عليه السلام لم يترتب في الأمر و لم يشك في الله طرفة عين، و أيم الله لتنتهين يا ابن ام عمرو أو لأقرعن جبينك بكلام تبقى سمته عليك ما حييت، فإياك و الإبراز علي فإني من قد عرفت لست بضعيف الغمزة، و لا بهش المشاشة، و لا بمري‏ء المأكلة، و إني من قريش كأوسط القلادة، يعرف حسبي و لا ادعى لغير أبى، و قد تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليك ألأمهم نسبا و أظهرهم لعنة، فإياك عني فانك رجس، و إنما نحن بيت الطهارة، أذهب الله عنا الرجس و طهرنا تطهيرا.

قيل: و اجتمع الحسن بن علي عليه السلام و عمرو بن العاص، فقال الحسن عليه السلام:قد علمت قريش بأسرها أني منها في عز أرومتها لم اطبع على ضعف و لم اعكس على خسف، اعرف بشبهي و ادعى لأبي.

فقال عمرو: قد علمت قريش أنك من أقلها عقلا و أكثرها جهلا، و ان فيك خصالا لو لم يكن فيك إلا واحدة منهن لشملك خزيها كما شمل البياض الحالك، لعمر الله لتنتهين عما أراك تصنع أو لأكبسن لك حافة كجلد العائط أرميك من خللها بأحر من وقع الأثافي أعرك منها أديمك عرك السلعة، فانك طالما ركبت صعب المنحدر و نزلت في اعراض الوعر التماسا للفرقة و إرصادا للفتنة و لن يزيدك الله فيها إلا فظاعة.

فقال الحسن عليه السلام: أما و الله لو كنت تسمو بحسبك و تعمل برأيك ما سلكت فج قصد و لا حللت رابية مجد، و أيم الله لو أطاعني معاوية لجعلك بمنزلة العدو الكاشح فانه طالما طويت على هذا كشحك و أخفيته في صدرك و طمح بك الرجاء إلى الغاية القصوى التي لا يورق بها غصنك و لا يخضر لها مرعاك، أما و الله ليوشكن يا ابن العاص أن تقع بين لحيى ضرغام من قريش قوي متمنع فروس ذي لبد يضغطك ضغط الرحى للحب لا ينجيك منه الروغان إذا التقت حلقتا البطان.

انتهى ما أتى به البيهقي في المحاسن و المساوي في المقام.

و فى محاسن البرقي: قال عمرو بن العاص للحسين عليه السلام: ما بال أولادنا أكثر من أولادكم؟ فقال عليه السلام:

بغاث الطير أكثرها فراخا و ام الصقر مقلاة نزور

فقال: ما بال الشيب إلى شواربنا أسرع منه إلى شواربكم؟ فقال عليه السلام:إن نساءكم نساء بخرة فاذا دنا أحدكم من امرأته نهكته في وجهه فشاب منه شاربه فقال: ما بال لحاكم أوفر من لحائنا؟ فقال عليه السلام: و البلد الطيب يخرج نباته باذن ربه و الذي خبث لا يخرج إلا نكدا، فقال معاوية: بحقي عليك إلا سكت‏ فانه ابن علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال عليه السلام:

إن عادت العقرب عدنا له‏ و كانت النعل لها حاضرة
قد علم العقرب و استيقنت‏ أن لا لها دنيا و لا آخرة

و روى ابن شهرآشوب و غيره عن أبان الأحمر أن شريك بن الأعور دخل على معاوية، فقال له معاوية: و الله إنك لشريك و ليس لله لشريك و أنك لابن الأعور و البصير خير من الأعور، و أنك لدميم، و الجيد خير من الدميم فكيف سدت قومك؟

فقال له شريك: إنك لمعاوية و ما معاوية إلا كلبة عوت و استعوت الكلاب، و انك لابن صخر و السهل خير من الصخر، و انك لابن حرب و السلم خير من الحرب و انك لابن امية و ما امية إلا أمة صغرت فاستصغرت فكيف صرت أمير المؤمنين؟

فغضب معاوية و خرج شريك و هو يقول:

أ يشتمني معاوية بن صخر و سيفي صارم و معى لساني‏
فلا تبسط علينا يا ابن هند لسانك إن بلغت ذرى الأماني‏
و إن تك للشقاء لنا أميرا فإنا لا نقر على الهوان‏
و إن تك في امية من ذراها فانا في ذرى عبد المدان‏

و روى أن معاوية أرسل إليه هدية منها حلواء، يريد بذلك استمالته و صرفه عن حب علي بن أبي طالب عليه السلام، فدخلت ابنة صغيرة له خماسي أو سداسي عليه فأخذت لقمة من تلك الحلواء و جعلتها في فمها، فقال لها أبو الأسود يا بنتي ألقيه فإنه سم هذه حلواء أرسلها إلينا معاوية ليخدعنا عن أمير المؤمنين عليه السلام و يردنا عن محبة أهل البيت، فقالت الصبية: قبحه الله يخدعنا عن السيد المطهر بالشهد المزعفر تبا لمرسله و آكله فعالجت نفسها حتى قاءت ما أكلتها ثم قالت:

أبا لشهد المزعفر يا ابن هند نبيع عليك أحسابا و دينا
معاذ الله كيف يكون هذا و مولانا أمير المؤمنينا

و يشبه هذا ما روي أنه دخل أبو أمامة الباهلي على معاوية فقربه و أدناه ثم دعى بالطعام فجعل يطعم أبا أمامة بيده، ثم أوسع رأسه و لحيته طيبا بيده و أمر له‏ ببدرة من دنانير فدفعها إليه، ثم قال: يا أبا أمامة بالله أنا خير أم علي بن أبي طالب؟

فقال أبو أمامة: نعم و لا كذب و لو بغير الله سألتني لصدقت علي و الله خير منك و أكرم و أقدم إسلاما و أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه و آله قرابة و أشد في المشركين نكاية و أعظم عند الامة عناء، أ تدري من علي يا معاوية؟ ابن عم رسول الله صلى الله عليه و آله، و زوج ابنته سيدة نساء العالمين، و أبو الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة، و ابن أخي حمزة سيد الشهداء، و أخو جعفر ذى الجناحين، فأين تقع أنت من هذا يا معاوية؟ أظننت أني سأختيرك على علي عليه السلام بألطافك و طعامك و عطائك فأدخل إليك مؤمنا، و أخرج منك كافرا بئسما سولت لك نفسك يا معاوية ثم نهض و خرج من عنده فأتبعه بالمال، فقال: لا و الله لا أقبل منك دينارا واحدا.

قال تقي الدين أبو بكر بن علي الحموى في ثمرات الأوراق في المحاضرات: قلت: و أما الأجوبة الهاشمية و بلاغتها فهى في المحل الأرفع، فمن ذلك أنه اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص و الوليد بن عقبة و عتبة بن أبي سفيان و المغيرة بن شعبة فقالوا: يا أمير المؤمنين ابعث لنا إلى الحسن بن علي فقال لهم: فيم؟ فقالوا: كى نوبخه و تعرفه أن أباه قتل عثمان فقال لهم: إنكم لا تنتصفون منه و لا تقولون شيئا إلا كذبكم الناس، و لا يقول لكم شيئا ببلاغته إلا صدقه الناس فقالوا: أرسل إليه فإنا سنكفيك أمره فأرسل إليه معاوية فلما حضر قال: يا حسن إني لم ارسل إليك و لكن هؤلاء أرسلوا إليك فاسمع مقالتهم و أجب و لا تحرمني.

فقال الحسن عليه السلام فليتكلموا و نسمع، فقام عمرو بن العاص فحمد الله و أثنى عليه قال: هل تعلم يا حسن أن أباك أول من أثار الفتنة و طلب الملك فكيف رأيت صنع الله به؟.

ثم قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: يا بني هاشم كنتم أصهار عثمان بن عفان فنعم الصهر كان يفضلكم و يقربكم ثم بغيتم عليه فقتلتموه و لقد أردنا يا حسن قتل أبيك فأنقذنا الله منه و لو قتلناه بعثمان ما كان علينا من الله ذنب.

ثم قام عتبة فقال: تعلم يا حسن أن أباك بغي على عثمان فقتله حسدا على الملك و الدنيا فسلبها، و لقد أردنا قتل أبيك حتى قتله الله تعالى.

ثم قام المغيرة بن شعبة فكان كلامه كله سبا لعلي و تعظيما لعثمان.

فقام الحسن عليه السلام فحمد الله تعالى و أثنى عليه و قال: بك أبدأ يا معاوية لم يشتمني هؤلاء، و لكن أنت تشتمني بغضا و عداوة و خلافا لجدي صلى الله عليه و آله، ثم التفت إلى الناس و قال: انشدكم الله أ تعلمون أن الرجل الذي شتمه هؤلاء كان أول من آمن بالله و صلى القبلتين، و أنت يا معاوية يومئذ كافر تشرك بالله، و كان معه لواء النبي صلى الله عليه و آله يوم بدر، و مع معاوية و أبيه لواء المشركين.

ثم قال: أنشدكم الله و الإسلام، أ تعلمون أن معاوية كان يكتب الرسائل لجدي صلى الله عليه و آله فأرسل إليه يوما فرجع الرسول و قال: هو يأكل، فرد الرسول إليه ثلاث مرات كل ذلك و هو يقول: هو يأكل، فقال النبي صلى الله عليه و آله: لا أشبع الله بطنه، أما تعرف ذلك في بطنك أما تعرف ذلك في بطنك يا معاوية؟

ثم قال: و أنشدكم الله، أ تعلمون أن معاوية كان يقود بأبيه على جمل و أخوه هذا يسوقه، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: لعن الله الجمل و قائده و راكبه و سائقه هذا كله لك يا معاوية.

و أما أنت يا عمرو فتنازع فيك خمسة من قريش فغلب عليك شبه ألأمهم حسبا و شرهم منصبا ثم قمت وسط قريش فقلت: أتى شانئ محمد فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه و آله: إن شانئك هو الأبتر، ثم هجوت محمدا صلى الله عليه و آله بثلاثين بيتا من الشعر فقال النبي صلى الله عليه و آله: اللهم إني لا أحسن الشعر و لكن العن عمرو بن العاص بكل بيت لعنة ثم انطلقت إلى النجاشي بما عملت و عملت فأكذبك الله و ردك خائبا فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية و الإسلام فلم نلمك على بغضك.

و أما أنت يا ابن أبي معيط، فكيف ألومك على سبك لعلي و قد جلد ظهرك في الخمر ثمانين سوطا، و قتل أباك صبرا بأمر جدي، و قتله جدي بأمر ربي، و لما قدمه للقتل قال: من للصبية يا محمد، فقال: لهم النار فلم يكن لكم عن النبي صلى الله عليه و آله‏ إلا النار، و لم يكن لكم عند علي غير السيف و السوط.

و أما أنت يا عتبة فكيف تعد أحدا بالقتل لم لا قتلت الذي وجدته في فراشك مضاجعا لزوجتك ثم أمسكتها بعد أن بغت.

و أما أنت يا أعور ثقيف ففي أى ثلاث تسب عليا؟ أفي بعده من رسول الله صلى الله عليه و آله؟ أم في حكم جائر؟ أم في رغبة في الدنيا؟ فإن قلت شيئا من ذلك فقد كذبت أكذبك الناس، و إن زعمت أن عليا قتل عثمان فقد كذبت و أكذبك الناس، و أما وعيدك فانما مثلك كمثل بعوضة وقفت على نخلة، فقالت لها: استمسكي فاني اريد أن أطير، فقالت لها النخلة: ما عملت بوقوفك فكيف يشق على طيرانك و أنت فما شعرنا بعداوتك فكيف يشق علينا سبك، ثم نفض ثيابه و قام، فقال لهم معاوية: ألم أقل لكم إنكم لا تنتصفون منه، فو الله لقد أظلم علي البيت حتى قام فليس فيكم بعد اليوم خير. انتهى.

قال سبط ابن الجوزى في التذكرة: قال أهل السير: و لما سلم الحسن الأمر إلى معاوية أقام يتجهز إلى المدينة فاجتمع إلى معاوية رهط من شيعته منهم عمرو ابن العاص و الوليد بن عقبة و هو أخو عثمان بن عفان لامه و كان علي عليه السلام قد جلده في الخمر، و عتبة و قالوا: نريد أن تحضر الحسن علي سبيل الزيارة لنخجله قبل مسيره إلى المدينة فنهاهم معاوية و قال: إنه ألسن بني هاشم فألحوا عليه فارسل [إلى‏] الحسن فاستزاره فلما حضر شرعوا فتناولوا عليا عليه السلام و الحسن ساكت فلما فرغوا حمد الحسن الله و أثنى عليه و صلى على رسوله محمد صلى الله عليه و آله قال:

إن الذي أشرتم إليه قد صلى إلى القبلتين و بايع البيعتين و أنتم بالجميع مشركون و بما أنزل الله على نبيه كافرون، و أنه حرم على نفسه الشهوات و امتنع على اللذات حتى أنزل الله فيه «يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم» و أنت يا معاوية ممن قال رسول الله صلى الله عليه و آله في حقه: اللهم لا تشبعه أو لا أشبع الله بطنك، أخرجه مسلم عن ابن عباس.

و بات أمير المؤمنين يحرس رسول الله صلى الله عليه و آله من المشركين، و فداه بنفسه‏ ليلة الهجرة حتى أنزل الله فيه «و من الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله» و وصفه بالإيمان فقال «إنما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا» و المراد به أمير المؤمنين و قال له رسول الله صلى الله عليه و آله: أنت منى بمنزلة هارون من موسى و أنت أخى في الدنيا و الاخرة، و أنت يا معاوية نظر النبي صلى الله عليه و آله إليك يوم الأحزاب فرأى أباك على جمل يحرض الناس على قتاله و أخوك يقود الجمل و أنت تسوقه فقال: لعن الله الراكب و القائد و السائق، و ما قابله أبوك في موطن إلا و لعنه و كنت معه، ولاك عمر الشام فخنته، ثم ولاك عثمان فتربصت عليه و أنت الذي كنت تنهى أباك عن الإسلام حتى قلت مخاطبا له:

يا صخر لا تسلمن طوعا فتفضحنا بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا
لا تركنن إلى أمر تقلدنا و الراقصات بنعمان به الحرقا

و كنت يوم بدر و احد و الخندق و المشاهد كلها تقاتل رسول الله صلى الله عليه و آله و قد علمت الفراش الذي ولدت عليه.

ثم التفت إلى عمرو بن العاص و قال: أما أنت يا ابن النابغة فادعاك خمسة من قريش غلب عليك ألأمهم و هو العاص و ولدت على فراش مشترك و فيك نزل‏ إن شانئك هو الأبتر و كنت عدو الله و عدو رسوله و عدو المسلمين و كنت أضر عليهم من كل مشرك و أنت القائل:

و لا أنثنى عن بني هاشم‏ بما اسطعت في الغيب و المحضر
و عن عائب اللات لا أنثنى‏ و لو لا رضى اللات لم تمطر

و أما أنت يا وليد فلا ألومك على بغض أمير المؤمنين فإنه قتل أباك صبرا و جلدك في الخمر لما صليت بالمسلمين الفجر سكرانا و قلت أزيدكم و فيك يقول الحطيئة:

شهد الحطيئة حين يلقى ربه‏ أن الوليد أحق بالعذر
نادى و قد تمت صلاتهم‏ أ أزيدكم سكرا و ما يدرى‏
ليزيدهم اخرى و لو قبلوا لأتت صلاتهم على العشر

 

فأتوا أبا وهب و لو قبلوا لقرنت بين الشفع و الوتر
حبسوا عنانك اذجريت و لو تركوا عنانك لم تزل تجرى‏

و سماك الله في كتابه فاسقا، و سمى أمير المؤمنين مؤمنا في قوله: أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون‏ و فيك يقول حسان بن ثابت و في أمير المؤمنين:

أنزل الله ذو الجلال علينا في علي و في الوليد قرانا
ليس من كان مؤمنا عمرك الله‏ كمن كان فاسقا خوانا
سوف يدعى الوليد بعد قليل‏ و علي إلى الجزاء عيانا
فعلى يجزى هناك جنانا و وليد يجزى هناك هوانا

و أما أنت يا عتبة فلا ألومك في أمير المؤمنين فإنه قتل أباك يوم بدر و اشترك في دم ابن عمك شيبة، و هلا أنكرت على من غلب على فراشك و وجدته نائما مع عرسك حتى قال فيك نصر بن حجاج:

نبئت عتبة هيأته عرسه‏ لصداقة الهذلى من الحيان‏
ألقاه معها في الفراش فلم يكن‏ فحلا و أمسك خشية النسوان‏
لا تعتبن يا عتب نفسك حبها إن النساء حبائل الشيطان‏

ثم نفض الحسن ثوبه و قام فقال معاوية:

أمرتكم أمرا فلم تسمعوا له‏ و قلت لكم لا تبعثن إلى الحسن‏
فجاء و رب الراقصات عشية بركبانها يهوين من سرة اليمن‏
أخاف عليكم منه طول لسانه‏ و بعد مداه حين اجراره الرسن‏
فلما أبيتم كنت فيكم كبعضكم‏ و كان خطابى فيه غبنا من الغبن‏
فحسبكم ما قال مما علمتم‏ و حسبى بما ألقاه في القبر و الكفن‏

ثم قال سبط ابن الجوزى: تفسير غريب هذه الواقعة: قال الأصمعي و هشام ابن محمد الكلبي في كتابه المسمى بالمثالب: و قد وقفت عليه معنى قول الحسن لمعاوية: قد علمت الفراش الذي ولدت عليه أن معاوية كان يقال إنه من أربعة من قريش: عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي، و مسافر بن أبي عمرو و أبي سفيان‏ و العباس بن عبد المطلب و هؤلاء كانوا ندماء أبي سفيان و كان كل منهم يتهم بهند.

فأما عمارة بن الوليد كان من أجمل رجالات قريش و هو الذي وشى به عمرو بن العاص إلى النجاشي فدعى الساحر فنفث في احليله فهام مع الوحش و كانت امرأة النجاشي قد عشقته.

و أما مسافر بن أبي عمرو فقال الكلبي: عامة الناس على أن معاوية منه لأنه كان أشد الناس حبا لهند فلما حملت هند بمعاوية خاف مسافر أن يظهر أنه منه فهرب إلى ملك الحيرة و هو هند بن عمرو فأقام عنده، ثم إن أبا سفيان قدم الحيرة فلقيه مسافر و هو مريض من عشقه لهند و قد سقى بطنه فسأله عن أهل مكة فأخبره و قيل: إن أبا سفيان تزوج هندا بعد انفصال مسافر عن مكة فقال أبو سفيان اني تزوجت هندا بعدك فازداد مرضه و جعل يذوب فوصف الكى فاحضروا المكاوى و الحجام فبينا الحجام يكويه إذ حبق الحجام فقال مسافر: قد يحبق (قد يضرط- خ ل) العير و المكواة في النار فسارت مثلا ثم مات مسافر من عشقه لهند.

و ذكر هشام بن محمد الكلبي أيضا في كتاب المثالب و قال: كانت هند من المغيلمات و كانت تميل إلى السودان من الرجال فكانت إذا ولدت ولدا أسود قتلته قال: و جرى بين يزيد بن معاوية و بين إسحاق بن طابة بن عبيد كلام بين يدي معاوية و هو خليفة فقال يزيد لاسحاق إن خيرا لك أن يدخل بنو حرب كلهم الجنة أشار يزيد إلى ان ام إسحاق كانت تتهم ببعض بني حرب فقال له إسحاق ان خيرا لك ان يدخل بنو العباس كلهم الجنة فلم يفهم يزيد قوله و فهم معاوية فلما قام إسحاق قال معاوية ليزيد: كيف تشاتم الرجال قبل أن تعلم ما يقال فيك قال: قصدت شين إسحاق قال: و هو كذلك أيضا قال: و كيف؟ قال: أما علمت أن بعض قريش في الجاهلية يزعمون أنى للعباس فسقط في يدي يزيد.

و قال الشعبي: و قد أشار رسول الله صلى الله عليه و آله إلى هند يوم فتح مكة بشي‏ء من هذا فانها لما جاءت تبايعه و كان قد أهدر دمها فقالت: على ما ابايعك؟ فقال:على أن لا تزنين، فقالت: و هل تزنى الحرة؟ فعرفها رسول الله صلى الله عليه و آله فنظر إلى‏ عمر فتبسم.

و أما قول الحسن عليه السلام لعمرو بن العاص: ولدت على فراش مشترك فذكر الكلبى أيضا في المثالب قال: كانت النابغة ام عمرو بن العاص من البغايا أصحاب الرايات بمكة فوقع عليها العاص بن الوائل في عدة من قريش منهم أبو لهب و امية بن خلف و هشام بن المغيرة و أبو سفيان بن حرب في طهر واحد.

قال ابن الكلبي: و كان الزناة الذين اشتهروا بمكة جماعة منهم هؤلاء المذكورون، و امية بن عبد الشمس، و عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص أخو مروان بن الحكم، و عتبة بن أبي سفيان أخو معاوية، و عقبة بن أبي معيط فلما حملت النابغة بعمرو تكلموا فيه فلما وضعته اختصم فيه الخمسة الذين ذكرناهم كل واحد يزعم أنه ولده و ألب عليه العاص بن وائل و أبو سفيان بن حرب كل واحد يقول: و الله إنه مني فحكما النابغة فاختارت العاص فقالت: هو منه، فقيل لها ما حملك على هذا و أبو سفيان أشرف من العاص؟ فقالت: هو كما قلتم إلا انه رجل شحيح، و العاص جواد ينفق على بناتي، و أبو سفيان لا ينفق عليهن و كان لها بنات.

و أما قول الحسن عليه السلام للوليد بن عقبة: و جلدك علي في الخمر، فذكر أرباب السير قاطبة: أن عثمان بن عفان ولى الوليد بن عقبة الكوفة سنة ست و عشرين و كان الوليد مدمنا على شرب الخمر و كان يجلس على الشراب و عنده ندماؤه و مغنوه طول الليل إلى الفجر فإذا أذنه المؤذن بصلاة الفجر خرج سكرانا فصلى بهم فخرج يوما في غلالة لا يدرى أين هو فتقدم إلى المحراب فصلى بهم الفجر أربعا و قال: أزيدكم؟ فقال له عبد الله بن مسعود: ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم، و لما سجد قال في سجوده: اشرب و اسقني، فناداه عتاب بن غيلان الثقفي: سقاك الله المهل و من بعثك أميرا علينا، ثم حصبه و حصبه أهل المسجد، فدخل الوليد القصر و هو يترنح فنام في سريره، فهجم عليه جماعة منهم أبو جندب بن زهير الأسدي و ابن عوف الأزدي و غيرهما و هو سكران لا يعي فأيقظوه فلم يتنبه، ثم قاء عليهم‏ الخمر فنزعوا خاتمه من يده و خرجوا من فورهم إلى المدينة، فدخلوا على عثمان فشهدوا على الوليد أنه شرب الخمر، فقال: و ما يدريكم أنه شرب خمرا؟ قالوا:

شرب الخمر الذي كنا نشر به في الجاهلية فزبرهما و نال منهما فخرجا من عنده فدخلا على علي عليه السلام و أخبراه بالقصة، فدخل على عثمان فقال له: دفعت الشهود و أبطلت الحدود، قال له: فما ترى؟ فقال: تبعث إلى الفاسق فتحضره فان قامت عليه البينة حددته فأرسل إلى الوليد فأحضره فشهدوا عليه و لم يكن له حجة فرمى عثمان السوط إلى علي عليه السلام و قال له: حده، فقال علي لولده الحسن: قم فحده، فامتنع الحسن عليه السلام و قال: يتولى حارها من تولى قارها و القر البرد و معناه يتولاه و الى الأمر، فقال لعبد الله بن جعفر: قم فاجلده فامتنع فلما رآهم لا يفعلون توقيا لعثمان أخذ السوط و دني من الوليد فسبه الوليد فقال له عقيل بن أبي طالب: يا فاسق ما تعلم من أنت أ لست علجا من أهل صفورية قرية بين عكا و اللجون من أعمال الاردن كان أبوك يهوديا منها فجعل الوليد يحيد عن علي فأخذه فضرب به الأرض فقال له عثمان: ليس لك ذلك فقال: بلى و شر من ذلك إذ فسق ثم يمتنع أن يؤخذ منه حق الله تعالى ثم جلده أربعين.

و قد أخرج أحمد في المسند معنى هذا فقال: حدثنا يزيد بن هارون، ثنا سعيد بن أبي عرونة، عن عبد الله بن الداناج، عن حصين بن المنذر بن الحرث بن و علة قال: لما قال علي عليه السلام للحسن: قم فاجلده، قال: و فيم أنت و ذاك فقال علي عليه السلام: بل عجزت و وهنت قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده، فقام فجلده و علي عليه السلام يعد حتى بلغ أربعين، قال: أمسك، ثم قال: جلد رسول الله صلى الله عليه و آله في الخمر أربعين، و ضرب أبو بكر أربعين، و ضربها عمر صدرا من خلافته، ثم أتم ثمانين و كل سنة.

فان قيل: فقد روى أحمد في المسند أيضا عن علي عليه السلام انه قال: ما من رجل أقمت عليه حدا فمات فأجد في نفسي منه إلا صاحب الخمر فانه لو مات لوديته لأن رسول الله صلى الله عليه و آله يسنه و أخرجاه في الصحيحين فكيف تقول: و كل سنة؟

قلنا: لا خلاف أن النبي صلى الله عليه و آله ضرب في الخمر فالضرب في الجملة سنة و العدد ثبت باجماع الصحابة.

قال السبط: و قيل: هذه القصة إنما جرت للحسن عليه السلام مع معاوية و الوليد و من سميناهم بالشام لأن الحسن كان يعد علي معاوية كل حين و معه الحسين، قلت:

و قد دعى رسول الله صلى الله عليه و آله على الوليد بن عقبة لما رد أمانه، فقال أحمد في المسند حدثنا عبيد الله بن عمر، ثنا عبد الله بن داود، ثنا نعيم بن حكيم، عن ابن أبي مريم عن علي عليه السلام قال: جاءت امرأة الوليد بن عقبة تشكوه إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و قالت:

يا رسول الله إن الوليد يضربني فقال: اذهبي إليه و قولي له: قد أجارني رسول الله صلى الله عليه و آله فلم تلبث إلا يسيرا، حتى جاءت فقالت: ما زادني إلا ضربا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه و آله هدبة من ثوبه فدفعها إليها و قال لها: قولي هذا أماني من رسول الله صلى الله عليه و آله فلم تلبث إلا يسيرا حتى جاءت فقالت: يا رسول الله ما زادني إلا ضربا، فرفع رسول الله صلى الله عليه و آله يديه و قال: اللهم عليك بالوليد، و في رواية عليك بالفاسق.

و اختلفوا في معنى تسميته بالفاسق على قولين: أحدهما أن الوليد قال يوما لعلى عليه السلام: أ لست أبسط منك لسانا و أحد سنانا، فنزلت: أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون‏ ذكره ابن عباس.

و الثاني أن النبي صلى الله عليه و آله بعثه سنة ثمان من الهجرة إلى بني المصطلق يصدقهم و كانوا قد أسلموا و بنوا المساجد، فلما بلغهم قدوم الوليد خرجوا يتلقونه بالهدايا و السلاح فرحا به، فلما رآهم ولى راجعا إلى المدينة، فقال: يا رسول الله قد منعوا الزكاة و قاموا إلى بالسلاح فابعث إليهم البعوث، فقدم الحارث بن عباد على رسول الله صلى الله عليه و آله فقال له: يا حارث أردت قتل رسولى و منعت الزكاة؟! فقال: و الذي بعثك بالحق ما وصل إلينا و إنما رجع من الطريق، و لقد كذب فأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا- الاية.

و ذكر هشام بن محمد الكلبي عن محمد بن إسحاق قال: بعث مروان بن الحكم و كان واليا على المدينة رسولا إلى الحسن عليه السلام فقال له: يقول لك مروان: أبوك الذي فرق الجماعة و قتل أمير المؤمنين عثمان و أباد العلماء و الزهاد- يعني الخوارج‏ و أنت تفخر بغيرك، فاذا قيل لك من أبوك تقول: خالى الفرس.

فجاء الرسول إلى الحسن فقال له: يا أبا محمد إني أتيتك برسالة ممن يخاف سطوته و يحذر سيفه فإن كرهت لم أبلغك إياها و وقيتك بنفسي، فقال الحسن:

لا بل تؤديها و نستعين عليه بالله فأداها فقال له: تقول لمروان: إن كنت صادقا فالله يجزيك بصدقك، و إن كنت كاذبا فالله أشد نقمة، فخرج الرسول من عنده فلقيه الحسين فقال: من أين أقبلت؟ فقال: من عند أخيك الحسن، فقال: و ما كنت تصنع؟ قال: أتيت برسالة من عند مروان، فقال: و ما هي؟ فامتنع الرسول من أدائها، فقال: لتخبرني أو لأقتلنك فسمع الحسن فخرج و قال لأخيه: خل عن الرجل، فقال: لا و الله حتى أسمعها فأعادها الرسول عليه فقال له: قل له: يقول لك الحسين بن علي و فاطمة: يا ابن الزرقاء الداعية إلى نفسها بسوق ذى المجاز، صاحبة الراية بسوق عكاظ، و يا ابن طريد رسول الله صلى الله عليه و آله و لعينه، اعرف من أنت و من امك و من أبوك.

فجاء الرسول إلى مروان فأعاد عليه ما قالا. فقال له: ارجع إلى الحسن و قل له: أشهد انك ابن رسول الله و قل للحسين: أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب فقال للرسول قل له كلاهما لى و رغما.

قال قال الأصمعي: أما قول الحسين: يا ابن الداعية إلى نفسها فذكر ابن إسحاق أن ام مروان اسمها امية و كانت من البغايا في الجاهلية و كان لها راية مثل راية البيطار تعرف بها و كانت تسمي ام حتبل الزرقاء و كان مروان لا يعرف له أب و إنما نسب إلى الحكم كما نسب عمرو إلى العاص.

و أما قوله: يا ابن طريد رسول الله يشير إلى الحكم بن أبي العاص بن امية ابن عبد شمس، أسلم الحكم يوم الفتح و سكن المدينة و كان ينقل أخبار رسول الله صلى الله عليه و آله إلى الكفار من الأعراب و غيرهم و يتجسس عليه، قال الشعبي:

و ما أسلم إلا لهذا و لم يحسن إسلامه و رآه رسول الله صلى الله عليه و آله يوما و هو يمشي و يتخلج في مشيته يحاكي رسول الله فقال له: كن كذلك فما زال يمشى كأنه يقع على وجهه و نفاه رسول الله صلى الله عليه و آله إلى الطائف و لعنه فلما توفي رسول الله صلى الله عليه و آله كلم عثمان أبا بكر

أن يرده لأنه كان عم عثمان فقال أبو بكر: هيهات شي‏ء فعله رسول الله صلى الله عليه و آله و الله لا اخالفه أبدا فلما مات أبو بكر و ولى عمر كلمه فيه فقال: يا عثمان أما تستحى من رسول الله صلى الله عليه و آله و من أبي بكر ترد عدو الله و عدو رسوله إلى المدينة؟ و الله لا كان هذا أبدا فلما مات عمرو ولى عثمان رده في اليوم الذي ولى فيه و قربه و أدناه و دفع له مالا عظيما و رفع منزلته فقام المسلمون على عثمان و أنكروا عليه و هو أول ما أنكروا عليه و قالوا: رددت عدو الله و رسوله و خالفت الله و رسوله فقال:إن رسول الله وعدني برده فامتنع جماعة من الصحابة عن الصلاة خلف عثمان لذلك.

ثم توفي الحكم في خلافته فصلى عليه و مشي خلفه فشق ذلك على المسلمين و قالوا: ما كفاك ما فعلت حتى تصلى على منافق ملعون لعنه رسول الله صلى الله عليه و آله و نفاه فخلعوه و قتلوه و اعطى ابنه مروان خمس غنائم افريقية خمسمائة ألف دينار، و لما بلغ عايشة أرسلت إلى عثمان أما كفاك أنك رددت المنافق حتى تعطيه أموال المسلمين و تصلى عليه و تشيعه بهذا السبب؟ قالت: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر، و لما بلغ مروان انكارها جاء إليها يعاتبها فقالت: اخرج يا ابن الزرقاء انى أشهد على رسول الله صلى الله عليه و آله أنه لعن أباك و أنت في صلبه.

قال الشعبي: إن مروان ولد سنة اثنتين من الهجرة و أبوه إنما أسلم يوم الفتح و نفاه رسول الله صلى الله عليه و آله بعد ذلك، قلت: و قد ذكر ابن سعد في الطبقات معنى الحكاية التي حكيناها عن ابن إسحاق و رسالة مروان إلى الحسن. انتهى ما أردنا من نقل كلام سبط ابن الجوزي في التذكرة.

و أقول: سيأتي توضيح كلام الإمام المجتبى عليه السلام في عمرو بن العاص العاصي:فادعاك خمسة من قريش في تفسير كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عمرو بن العاص.

و أما قول الكلبي و الأصمعي أن معاوية كان من أربعة من قريش فقد روى الزمخشرى في كتاب ربيع الأبرار أيضا أن معاوية كان يعزى إلى أربعة:إلى عمرو بن مسافر، و إلى عمارة بن الوليد، و إلى العباس بن عبد المطلب‏ و إلى الصباح مغن أسود كان لعمارة، قال قالوا: كان أبو سفيان و سيما قصيرا، و كان الصباح عسيفا لأبي سفيان شابا و سيما فدعته هند إلى نفسها، و قالوا: إن عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضا و انها كرهت أن تضعه في منزلها فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك و في ذلك قال حسان بن ثابت:

لمن الصبى بجانب البطحاء في الأرض ملقى غير ذى مهد
بخلت به بيضاء آنسة من عبد شمس صلتة الخد

و أقول: هذان البيتان من أبيات توجد في آخر ديوان حسان على ما في نسخة مخطوطة من ديوانه في مكتبتنا، و الأبيات معنونة بهذا العنوان: و قال حسان لهند بنت عتبة بن أبي ربيعة، و بعد البيتين:

تسعى الصباح معولة يا هند انك صلبة الحرد
فإذا تشادعت بمقطرة تذكى لها بالودة الهند
غلبت على شبه الغلام و قد بان السواد لحالك جعد
أشرت لكاع و كان عادتها دق المشاش بناجذ جلد

فحرى لمعاوية أن يباهي و يفتخر قائلا: اولئك آبائى فجئنى بمثلهم.

و أما قوله: إذ حبق الحجام فقال مسافر: قد يحبق (يضرط- خ ل) العير و المكواة في النار فقال الميدانى في مجمع الأمثال: و يقال: إن أول من قاله مسافر ابن أبي عمرو بن امية و ذلك أنه كان يهوى بنت عتبة و كانت تهواه فقالت: إن أهلى لا يزوجوننى منك انك معسر، فلو قد وفدت إلى بعض الملوك لعلك تصيب مالا فتتزوجنى، فرحل إلى الحيرة وافدا إلى النعمان فبيناهم مقيم عنده إذ قدم عليه قادم من مكة فسأله عن خبر أهل مكة بعده فأخبره بأشياء و كان منها أن أبا سفيان تزوج هندا فطعن مسافر من الغم فأمر النعمان أن يكوى فأتاه الطبيب بمكاويه فجعلها في النار ثم وضع مكواة منها عليه و علج من علوج النعمان واقف فلما رآه يكوى ضرط فقال مسافر: قد يضرط العير و يقال: إن الطبيب ضرط.

و أما ما نقل السبط من قول أمير المؤمنين علي عليه السلام لولده الحسن عليه السلام: قم فحده فامتنع الحسن، و ما روى أحمد في المسند من أن عليا عليه السلام لما قال للحسن عليه السلام قم فاجلده قال الحسن عليه السلام و فيم أنت و ذاك، ففيهما كلام لأن امتناع الإمام المجتبى عليه السلام عما أمره به أبوه أمير المؤمنين عليه السلام فدونه خرط القتاد.

و أما ما نقله من حد شارب الخمر و من أن أمير المؤمنين عليه السلام جلد الوليد أربعين فالبحث عنه يوجب الإسهاب فانه يؤدى إلى شعب كثيرة من مسائل فقهية و غيرها و لذلك نكتفي على نقل ما أتى به صاحب الجواهر في شرح كتاب الحدود من كتاب الشرائع قال- ره-:

حد المسكر ثمانون جلدة بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه بل المحكى منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص، لكن في حسن الحلبى سئل الصادق عليه السلام أرأيت النبي صلى الله عليه و آله كيف يضرب بالخمر؟ قال: كان يضرب بالنعال و يزيد إذا أتى بالشارب ثم لم يزل الناس يزيدون حتى وقف ذلك على ثمانين أشار بذلك علي عليه السلام على عمر.

و نحوه خبر أبي بصير عنه عن أمير المؤمنين عليه السلام معللا بأنه إذا شرب سكر و إذا سكر هذى و إذا هذى افترى فاذا فعل ذلك فاجلدوه حدى المفترى ثمانين.

بل في المسالك روى العامة و الخاصة أن النبي صلى الله عليه و آله كان يضرب الشارب بالأيدي و النعال و لم يقدره بعدد فلما كان في زمن عمر استشار أمير المؤمنين عليه السلام في حده فأشار عليه أن يضربه ثمانين معللا له بأنه إذا شرب سكر و إذا سكر هذى و إذا هذى افترى فجلده عمر ثمانين و عمل بمضمونه أكثر العامة.

و ذهب بعضهم إلى أربعين مطلقا لما روى أن صحابة قد رووا ما فعل في زمانه صلى الله عليه و آله بأربعين و كان التقدير المزبور عن أمير المؤمنين عليه السلام من التفويض الجائز لهم.

و من الغريب ما في كتاب الإستغاثة في بدع الثلاثة من أن حد الشارب‏ الثمانين من بدع الثاني، و أن الرسول صلى الله عليه و آله جعل حده أربعين بالنعال العرين و جرائد النخل باجماع أهل الرواية، و ان الثاني قال: إذا سكر افترى و انه افترى حد حد المفترى، و في كشف اللثام و لعله أراد إلزامهم باعترافهم كما في الطرائف من قوله و من طريف ما شهدوا به أيضا على خليفتهم عمر من تغييره لشريعة نبيهم صلى الله عليه و آله و قلة معرفته بمقام الأنبياء و خلفائهم ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين من مسند أنس بن مالك في الحديث الحادى و التسعين من المتفق عليه ان النبي ضرب في الخمر بالجرائد و النعال و جلد أبو بكر أربعين فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر.

و ذكر الحميدي أيضا في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند السائب بن يزيد في الحديث الرابع من أفراد البخاري قال: كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و إمرة أبي بكر و شطر من خلافة عمر فنتقدم إليه بأيدينا و نعالنا و ارديتنا حتى كان آخر امرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا و فسقوا جلد ثمانين.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى اعتبار الثمانين مترتبة لكن في خبر زرارة سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الوليد بن عقبة حين شهد عليه بشرب الخمر قال عثمان لعلي عليه السلام: اقض بينه و بين هؤلاء الذين زعموا أنه شرب الخمر، قال: فأمر علي عليه السلام فجلد بسوط له شعبتان أربعين جلدة فصارت ثمانين.

و في خبره الاخر سمعته أيضا يقول: اقيم عبيد بن عمر و قد شرب الخمر فأمر عمر أن يضرب فلم يتقدم عليه أحد يضربه حتى قام علي عليه السلام بنسعة مثنية لها طرفان فضربه أربعين، و يمكن حملهما على جواز ذلك لمصلحة و الله العالم، و كيف كان فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا أنه لا فرق في الثمانين رجلا كان الشارب أو امرأة حرا كان أو عبدا بل عن صريح الغنية و ظاهر غيرها الإجماع عليه، انتهى ما أردنا من نقل كلامه طيب الله رمسه.

ثم قال عليه السلام: (و كتاب الله يجمع لنا- إلى قوله: أولى بالطاعة) احتج عليه السلام بايتين من القرآن الكريم على أولويته من غيره في أمر الخلافة و استنتج من‏ الاولى أولويته بالخلافة بقرابته إلى رسول الله صلى الله عليه و آله، و من الثانية أولويته بالخلافة بطاعة الرسول و لا يخفى على اولى الألباب حسن استنباطه عليه السلام هذا المعنى من القرآن الكريم.

كما لا يخفى عليهم أنه عليه السلام كان من أخص‏ اولى الأرحام‏ بالرسول صلى الله عليه و آله، و كان أقرب الخلق إلى اتباعه و ناهيك في المقام قوله عليه السلام: و لقد قبض رسول الله صلى الله عليه و آله و ان رأسه لعلى صدري و لقد سالت نفسه في كفى فأمر رتها على وجهى و لقد وليت غسله صلى الله عليه و آله و الملائكة أعوانى فضجت الدار و الأفنية ملأ يهبط و ملأ يعرج و ما فارقت سمعى هنيمة منهم يصلون حتى و اريناه في ضريحه فمن ذا أحق به منى حيا و ميتا؟، كما مضى في المختار 195 من باب الخطب، و قد مضت طائفة من كلامنا في الإمام و صفاته في شرح المختار 237 من باب الخطب فراجع (ص 35- 176 ج 16).

ثم إنه عليه السلام أتى بعد آية اولى الأرحام‏ بالاية الثانية لأن الأمر الأهم هو الإتباع و لولاه لا ينفع القرابة ألا ترى قوله عز و جل خطابا لنوح عليه السلام في أمر ولده: «انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح».

ثم قال عليه السلام: (و لما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة- إلى قوله:على دعويهم) ثم احتج عليه السلام على معاوية بما ظفر المهاجرون يوم السقيفة على الأنصار و ذلك أنه قالت الأنصار يوم السقيفة للمهاجرين: منا أمير و من قريش أمير و قال‏ المهاجرون‏: نحن شجرة الرسول و عشيرته و رووا عنه صلى الله عليه و آله الأئمة من قريش فغلبوا بذلك على الأنصار (ص 1838 من تاريخ الطبرى) فاحتج أمير المؤمنين علي عليه السلام على معاوية بأن ظفرهم على الأنصار إن كان لقربهم منه صلى الله عليه و آله فالحق لنا، أى فالحق لأهل بيته، و من كان من أخص‏ اولى الأرحام بالرسول‏ و أقربهم إليه أولى بذلك الحق، و إن كان بغيره فالأنصار على دعويهم‏ أى لم يتم حجة المهاجرين عليهم فلم يتحقق إجماع الصحابة على خلافة من جعل خليفة المسلمين‏ منذ قبض رسول الله صلى الله عليه و آله‏ و سيأتي عن قريب في شرح هذا الكتاب نحو احتجاجه هذا لما أتي به إلى أبي بكر للبيعة المنقول من كتاب الامامة و السياسة للدينورى.

و بالجملة أن أمير المؤمنين عليه السلام احتج على معاوية بالكتاب العزيز أولا بأنه‏ مرة أولى‏ بالخلافة بقرابة الرسول صلى الله عليه و آله‏ و تارة أولى‏ بها بالطاعة، ثم احتج عليه بما غلب‏ المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة بأن ظفر المهاجرين عليهم إن كان لقربهم من الرسول صلى الله عليه و آله فهو عليه السلام أولى بالخلافة من غيره لقربه من الرسول بمادريت، و إن كان لغير القرابة فلم يتم أمر الخلافة في الخلفاء الثلاث فما كتب معاوية في كتابه المنقول آنفا ليس بصحيح لأنه قال في ذلك الكتاب: فكان أفضلهم مرتبة و أعلاهم عند الله و المسلمين منزلة الخليفة الأول الذي جمع الكلمة- ثم الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح- ثم الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملة- إلخ- فاذا كان‏ الأنصار على دعويهم‏ لم يتحقق إجماع على خلافة هؤلاء.

على أن معاوية كان أجنبيا من النبي صلى الله عليه و آله و الأنصار كليهما بلا كلام فلا يجوز له دعوى الخلافة فليس لمثله حق فيها.

و قد مضى نحو كلامه عليه السلام هذا في المختار التاسع (ص 330 ج 17) حيث قال عليه السلام: لأن الله جل ذكره لما قبض نبيه صلى الله عليه و آله‏ قالت قريش: منا أمير و قالت الأنصار: منا أمير فقالت قريش: منا محمد رسول الله صلى الله عليه و آله‏ فنحن أحق‏ بذلك الأمر فعرفت ذلك الأنصار فسلمت لهم الولاية السلطان فاذا استحقوها بمحمد صلى الله عليه و آله دون الأنصار فان أولى الناس بمحمد صلى الله عليه و آله أحق بها منهم و إلا فان الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا فلا أدرى أصحابي سلموا من أن يكونوا حقي أخذوا أو الأنصار ظلموا عرفت أن حقي هو المأخوذ- إلخ.

قلت: و من كلامه هذا يستفاد حمل قوله: و إن يكن بغيره فالأنصار على دعويهم‏، على أن دعويهم منا أمير و منكم أمير بحالها، فانهم أعظم العرب فيها نصيبا فهم منعوا عن حقهم ظلما، و هذا وجه آخر فهم من كلامه هذا بقرينة كلامه ذلك، و إن كان يستلزم هذا الوجه المعنى الأول أيضا.

قال المسعودي في مروج الذهب: بايع الناس أبا بكر في سقيفة بني ساعدة ابن كعب بن الخزرج الأنصاري في يوم الاثنين الذي توفى فيه رسول الله صلى الله عليه و آله و لما بويع أبو بكر في يوم السقيفة و جددت البيعة له يوم الثلاثاء، خرج علي عليه السلام فقال: أفسدت علينا امورنا و لم تستشر و لم ترع لنا حقا، فقال أبو بكر: بلى، و لكن خشيت الفتنة، و كان للمهاجرين و الأنصار يوم السقيفة خطب طويل و محادثة في الإمامة، و خرج سعد بن عبادة و لم يبايع، و لم يبايع أبا بكر أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة عليها السلام.

قال: و لما احتضر أبو بكر قال: ما أنا إلا على ثلاث فعلتها وددت أني تركتها، و ثلاث تركتها وددت أني فعلتها، و ثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه و آله فأما الثلاث التي فعلتها و وددت أني تركتها فوددت أني لم أكن فتشت بيت فاطمة و ذكر في ذلك كلاما كثيرا، و وددت أني أكن حرقت الفجاءة و أطلقته نجيحا أو قتلته صريحا، و وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قد رميت الأمر في عنق أحد الرجلين فكان أميرا و كنت وزيرا، إلخ.

قلت: قد ذكر نحو كلام المسعودي في مروج الذهب ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب حيث قال في ترجمة أبي بكر: أنه بويع له بالخلاقة اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه و آله في سقيفة بني ساعدة، ثم بويع البيعة العامة يوم الثلثاء من غد ذلك اليوم و تخلف عن بيعته سعد بن عبادة، و طائفة من الخزرج، و فرقة من قريش. انتهى.

و نقل نحوهما غير واحد من حملة الأخبار غيرهما و فيه دليل بين على اختلاف القوم في بيعته و عدم توافقهم في خلافته.

و قال اليعقوبي في تاريخه: اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة يوم توفى رسول الله صلى الله عليه و آله و هو بعد لم يغسل- إلى أن قال: و قام المنذر بن الأرقم فقال:إن فيهم رجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد- قال: يعني علي بن أبي طالب- و جاء البراء بن عازب فضرب الباب على بني هاشم و قال: يا معشر بني هاشم بويع أبو بكر، فقال بعضهم: ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه و نحن أولى‏ بمحمد صلى الله عليه و آله، فقال العباس: فعلوها و رب الكعبة.

قال: و كان المهاجرون و الأنصار لا يشكون في علي عليه السلام فلما خرجوا من الدار، قام الفضل بن العباس و كان لسان قريش فقال: يا معشر قريش إنه ما حقت لكم الخلافة بالتمويه و نحن أهلها دونكم و صاحبنا أولى بها منكم، و قام عتبة ابن أبي لهب فقال:

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف‏ عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن‏
عن أول الناس إيمانا و سابقة و أعلم الناس بالقرآن و السنن‏
و آخر الناس عهدا بالنبي و من‏ جبريل عون له بالغسل و الكفن‏
من فيه ما فيهم لا يمترون به‏ و ليس في القوم ما فيه من الحسن‏

فبعث إليه علي عليه السلام فنهاه، و تخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين و الأنصار و مالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس بن عبد المطلب، و الفضل بن العباس، و الزبير بن العوام بن العاص، و خالد بن سعيد، و المقداد بن عمرو، و سلمان الفارسي، و أبو ذر الغفاري، و عمار بن ياسر، و البراء بن عازب، و ابي ابن كعب. انتهى كلامه.

قلت: و من هنا سميت الطائفة الحقة الاثنا عشرية بالرافضة كما قال شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي قدس سره: من أن سبعة عشر رجلا من الصحابة و مع علي أمير المؤمنين عليه السلام ثمانية عشر أبوا عن بيعة أبي بكر، فقال غيرهم ممن بايعوا أبا بكر في هؤلاء: رفضونا أى تركونا و لم يوافقونا في البيعة.

و كان فيمن تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب، و قال: أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم، و قال لعلي عليه السلام: امدد يدك ابايعك، و مضى كلام أمير المؤمنين عليه السلام لمعاوية: و قد كان أبوك أتانى حين ولى الناس أبا بكر فقال: أنت أحق بعد محمد صلى الله عليه و آله بهذا الأمر و أنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك ابسط يدك ابايعك فلم أفعل، فراجع إلى شرح المختار التاسع (ص 331 ج 17 و ص 7 ج 18).

قوله عليه السلام: (و زعمت أنى لكل الخلفاء حسدت و على كلهم بغيت‏- إلى قوله: ظاهر عنك عارها) هذا الفصل جواب عن قول معاوية: لقد حسدت أبا بكر و التويت عليه، إلى قوله: ثم كرهت خلافة عمر و حسدته، إلى قوله: لم تكن أشد منك حسدا لابن عمك عثمان إلى قوله: و ما من هؤلاء إلا من بغيت عليه و قال عليه السلام فإن يكن ذلك كذلك أى لا نسلم أولا على‏ أنى حسدت‏ هؤلاء و أنت كاذب في دعواك هذه.

أقول: قد مر تحقيق ذلك في المختار 237 من باب الخطب في البحث عن الامامة من أن جميع الذنوب أربعة أوجه لا خامس لها: الحرص و الحسد و الغضب و الشهوة فهذه منفية عن الامام (فراجع إلى ص 44 ج 16).

و ثانيا على فرض التسليم و المماشاة معكم في تلك الدعوى بأن تكون صادقا فيها فليس الجناية عليك حتى أعتذر إليك و ذلك لما مر غير مرة من أن معاوية لم يكن ولى دم عثمان كي يطلب دمه بل كلامه في ذلك من الفضول و خوض فيما لا يعنيه، على أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام كان يذب عنه حتى قال عليه السلام:

ما زلت أذب عن عثمان حتى أنى لأستحى، و قد دريت أن عثمان قتل نفسه بأحداثه التي أحدثها مما نقمها الناس منه و طعنوا بها عليه فراجع إلى شرحنا على المختار التاسع من باب الكتب (ص 395 ج 17)، و قد تمثل عليه السلام تأكيدا لكلامه ليس الجناية عليك فيكون العذر إليك بقول أبي ذؤيب الهذلى و قد تقدم بيانه في شرح اللغات على التفصيل.

ثم قد مضى نحو كلامه هذا في المختار التاسع من باب الكتب حيث قال عليه السلام: و ذكرت حسدي الخلفاء و إبطائى عنهم و بغيي عليهم فأما البغي فمعاذ الله أن يكون، و أما الإبطاء عنهم و الكراهة لأمرهم فلست أعتذر منه إلى الناس- إلخ (ص 330 ج 17).

قوله عليه السلام: (و قلت: إني كنت اقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى ابايع‏- إلى قوله: بقدر ما سنح من ذكرها) هذا الفصل جواب عن قول معاوية: و تلكأت‏ في بيعته حتى حملت عليه قهرا تساق بحزائم الاقتسار كما يساق الفحل‏ المخشوش‏.

و كان كلام معاوية في كتابه المنقول في شرح المختار التاسع (ص 327 ج 17) إلى أمير المؤمنين عليه السلام: فكان أفضلهم في إسلامه و أنصحهم لله و لرسوله الخليفة من بعده و خليفة خليفته، و الثالث الخليفة المظلوم عثمان فكلهم حسدت و على كلهم بغيت، عرفنا ذلك في نظرك الشزر و في قولك الهجر و في تنفسك الصعداء و إبطائك عن الخلفاء تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل‏ المخشوش حتى‏ تبايع و أنت كاره.

و إنما قال عليه السلام: لقد أردت أن تذم فمدحت و أن تفضح فافتضحت‏، لأن قول معاوية: و تلكأت في بيعته حتى حملت عليه قهرا تساق بحزائم الاقتسار، كما يساق الفحل المخشوش، و كذا قوله: و في إبطائك عن الخلفاء تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع و أنت كاره، اعتراف صريح بأن أمير المؤمنين عليا عليه السلام بايعهم على إجبارهم إياه، فلم يكن إجماع الامة على خلافة الثلاث فلم يتم خلافتهم فاعترف معاوية بظلمهم عليا عليه السلام و أنه عليه السلام كان مظلوما، و كان معاوية جعل خلافتهم عرضة لأغراضه الفاسدة سيما الثالث منهم كما لا يخفى فأراد معاوية أن يذم أمير المؤمنين عليه السلام فمدحه، و أن يفضحه فافتضح هو نفسه بكلامه قال الله تبارك و تعالى: و لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله‏ (فاطر 44).

ثم إن نحو هذا الإحتجاج وقع بين الأمير عليه السلام و بين أبي بكر و قد أتى به الطبرسي في كتاب الاحتجاج قال: احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام على أبي بكر لما كان يعتذر إليه من بيعة الناس له و يظهر الانبساط له، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام قال:

لما كان من أمر أبي بكر و بيعة الناس له و فعلهم بعلي لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط و يري منه الانقباض فكبر ذلك على أبي بكر و أحب لقاءه و استخرج ما عنده و المعذرة إليه مما اجتمع الناس عليه و تقليدهم إياه أمر الامة و قلة رغبته في ذلك و زهده فيه، أتاه في وقت غفلة و طلب منه الخلوة فقال: يا أبا

الحسن و الله ما كان هذا الأمر عن مواطاة منى و لا رغبة فيما وقعت عليه و لا حرص عليه و لا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الامة و لا قوة لي بمال و كثرة العشيرة و لا استيشار به دون غيري فما لك تضمر علي ما لم أستحقه منك، و تظهر لي الكراهة لما صرت فيه و تنظر إلى بعين الشناءة لي؟.

قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فما حملك عليه إذ لم ترغب فيه و لا حرصت عليه و ثقت بنفسك في القيام به؟.

قال: فقال أبو بكر: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه و آله إن الله لا يجمع امتى على ضلال و لما رأيت إجماعهم اتبعت قول النبي صلى الله عليه و آله و أحلت أن يكون إجماعهم على خلاف الهدى من الضلال فأعطيتهم قود الإجابة و لو علمت أن أحدا يتخلف لامتنعت.

فقال علي عليه السلام: أما ما ذكرت من قول النبي صلى الله عليه و آله: إن الله لا يجمع امتي على ضلال أ فكنت من الامة أم لم أكن؟ قال: بلى، قال: و كذلك العصابة الممتنعة عنك من سلمان و عمار و أبي ذر و المقداد و ابن عبادة و من معه من الأنصار؟ قال: كل من الامة، قال علي عليه السلام: فكيف تحتج بحديث النبي صلى الله عليه و آله و أمثال هؤلاء قد تخلفوا و ليس للامة فيهم طعن و لا في صحبة الرسول و لصحبته منهم تقصير- إلى آخر الاحتجاج.

قال القاضي قدس سره في إحقاق الحق: إن إجماع الامة بأجمعهم على امامة أبي بكر لم يتحقق في قت واحد و هذا واضح جدا مع قطع النظر عن عدم حضور أهل البيت عليهم السلام و سعد بن عبادة سيد الأنصار و أولاده و أصحابه و لهذا طوى صاحب المواقف دعوى ثبوت خلافة أبي بكر بالإجماع و اكتفى في إثباته بالبيعة- إلى أن قال:فإن بني هاشم لم يبايعوا أولا ثم قهروا فبايعوا بعد ستة أشهر و امتنع علي عليه السلام و لزم بيته و لم يخرج إليهم في جمعة و لا جماعة إلا [إلى‏] أن وقع ما نقله أهل‏ الأحاديث و الأخبار و اشتهر كالشمس في رابعة النهار حتى أن معاوية بعث إلى علي عليه السلام في كتاب كتبه إليه يقول فيه: انك كنت تقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى تبايع، يعيره و يؤنبه بأنه لم يبايع طوعا و لم يرض ببيعة أبي بكر حتى استكره عليها خاضعا ذليلا كالجمل إذا لم يعبر على قنطرة و شبهها فانه يكره و يخش بالرماح و غيرها ليعبر كرها.

فكتب إليه بالجواب عنه ما ذكر في نهج البلاغة المتواتر نقله عنه عليه السلام و هذا لفظه: و قلت: انى كنت اقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى ابايع، و لعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت و أن تفضح فافتضحت و ما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه أو مرتابا في يقينه و هذه حجتى إلى غيرك‏.

انتهى ما أردنا من نقل كلامه في المقام.

ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: (و ما على المسلم من غضاضة) أى ذلة و منقصة (في أن يكون مظلوما) أى مغصوبا حقه و هو الخلافة و الغاصب ظالم‏ (ما لم يكن) المسلم المظلوم‏ (شاكا في دينه و لا مرتابا بيقينه) فهو عليه السلام يشير إلى أنه كان على يقين و بصيرة في دينه و لا يضره و لا يضله عدول الناس عن العدل و ميلهم إلى الجور و سيأتي كلامه عليه السلام في المختار 62 من هذا الباب: انى و الله لو لقيتهم واحدا و هم طلاع الأرض كلها ما باليت و لا استوحشت و إنى من ضلالهم الذي هم فيه و الهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسى و يقين من ربى و إنى إلى لقاء الله و لحسن ثوابه لمنتظر راج‏- إلخ.

كما مضى نحو كلامه هذا في المختار العاشر من باب الخطب: ألا و إن الشيطان قد جمع حزبه و استجلب خيله و رجله و إن معى لبصيرتى ما لبست على بصيرتى نفسى و لا لبس علي‏- إلخ، و كذا في زالمختار 135 من باب الخطب: و إن معى لبصيرتى ما لبست و لا لبس علي‏- إلخ.

و في الحديث الثاني عشر من كتاب العقل و الجهل من اصول الكافي للكليني قدس سره روى بإسناد عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن‏ جعفر عليه السلام: يا هشام إن الله تبارك و تعالى بشر أهل العقل و الفهم في كتابه- إلى أن قال عليه السلام: يا هشام ثم ذم الله الكثرة فقال: و إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله‏ و قال: و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون‏ و قال: و لئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون‏.

يا هشام ثم مدح القلة فقال: و قليل من عبادي الشكور و قال: و قليل ما هم‏ و قال: و قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أ تقتلون رجلا أن يقول ربي الله‏ و قال: و من آمن و ما آمن معه إلا قليل‏ و قال: و لكن أكثرهم لا يعلمون* و قال: و أكثرهم لا يعقلون‏ و قال: «و أكثرهم لا يشعرون» الحديث.

ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام‏ (و هذه حجتى إلى غيرك قصدها و لكنى أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها) يعنى عليه السلام أن بيعته عليه السلام الخلفاء على إجبارهم إياه و إكراههم إياه حجة عليهم لما دريت من احتجاجه عليه السلام على أبي بكر المنقول آنفا من كتاب الاحتجاج، و من احقاق الحق، و لما لم يكن معاوية في أمر الخلافة في شي‏ء كما دريت آنفا من عدم كونه في مظنة الاستحقاق بل كان غير لائق له رأسا و كان أجنبيا من النبي و الأنصار كليهما و لم يكن له حظ و شأن فيه أصلا قال عليه السلام: و هذه حجتى إلى غيرك‏- إلخ.

و بما قدمنا و حققنا في معنى قوله عليه السلام: و قلت إني كنت اقاد كما يقاد الجمل المخشوش‏- إلخ، تعلم أن ما ذهب إليه الشارح البحرانى ليس كما ينبغي تركنا نقل كلامه مخافة التطويل و من شاء فليراجع إلى شرحه.

و لنذكر نبذة من كلام ابن قتيبة الدينوري في إكراه القوم عليا أمير المؤمنين عليه السلام للبيعة و إبايته البيعة فقال في كتاب الإمامة و السياسة المعروف بتاريخ الخلفاء (ص 11 من طبع مصر):

ثم إن عليا كرم الله وجهه اتي به إلى أبي بكر و هو يقول: أنا عبد الله، و أخو رسوله، فقيل له: بايع أبا بكر فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم لا ابايعكم و أنتم‏

أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، و احتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه و آله، و تأخذونه منا أهل البيت غصبا؟ ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم فأعطوكم المقادة، و سلموا إليكم الإمارة و أنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله صلى الله عليه و آله حيا و ميتا، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون و إلا فبوءوا بالظلم و أنتم تعلمون.

فقال له عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع، فقال له علي: احلب حلبا لك شطره و اشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا، ثم قال: و الله يا عمر لا أقبل قولك و لا ابايعه، فقال له أبو بكر: فإن لم تبايع فلا أكرهك، فقال أبو عبيدة ابن الجراح لعلي كرم الله وجهه: يا ابن عم إنك حديث السن و هؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم و معرفتهم بالامور و لا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك و أشد احتمالا و اضطلاعا به، فسلم لأبي بكر هذا الأمر، فانك إن تعش و يطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق و به حقيق في فضلك و دينك و علمك و فهمك و سابقتك و نسبك و صهرك.

فقال علي كرم الله وجهه: الله الله يا معشر المهاجرين، لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره و قعر بيعته إلى دوركم و قعور بيوتكم، و لا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس و حقه فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت و نحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الامور السيئة القاسم بينهم بالسوية و الله إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحق بعدا.

فقال بشير بن سعد الأنصاري: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان.

قال: و خرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمه بنت رسول الله صلى الله عليه و آله على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل و لو أن زوجك و ابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول علي كرم الله وجهه: أ فكنت أدع رسول الله صلى الله عليه و آله في بيته لم أدفنه و أخرج انازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له و لقد صنعوا ما الله حسيبهم و طالبهم.

قال: و إن أبا بكر تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم و هم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال: و الذي نفس عمر بيده: لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة، فقال: و إن. فخرجوا فبايعوا إلا عليا فانه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج و لا أضع ثوبى على عاتقى حتى أجمع القرآن فوقفت فاطمة على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم تركتم رسول الله صلى الله عليه و آله جنازة بين أيدينا و قطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا و لم تردوا لنا حقا.

فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفذ و هو مولى له: اذهب فادع لي عليا، فذهب إلى علي فقال له: ما حاجتك؟

فقال: يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله فرجع فأبلغ الرسالة فبكى أبو بكر طويلا فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر لقنفذ: عد إليه فقل له: أمير المؤمنين يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ فأدى ما امر به فرفع علي صوته فقال: سبحان الله! لقد ادعى ما ليس له فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة فبكى أبو بكر طويلا ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة.

فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين و كادت قلوبهم تنصدع و أكبادهم تنفطر و بقي عمر و معه قوم فأخرجوا عليا فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذا و لله الذي لا إله إلا هو تضرب عنقك، قال: إذا تقتلون عبد الله و أخا رسوله، قال عمر: أما عبد الله فنعم و أما أخو رسوله فلا، و أبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمرك فيه بأمرك، فقال: لا أكرهه على شي‏ء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه و آله يصيح و يبكي و ينادي يا ابن ام إن القوم استضعفونى و كادوا يقتلونني.

قال فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة فانا قد أغضبناها فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا عليا فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله و الله إن قرابة رسول الله أحب إلى من قرابتى، و إنك لأحب إلى من عائشة ابنتى، و لوددت يوم مات أبوك أنى مت و لا أبقي بعده أ فترانى أعرفك و أعرف فضلك و شرفك و أمنعك حقك و ميراثك من رسول الله إلا أنى سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: لا نورث ما تركنا فهو صدقة فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه و آله تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم، فقالت:

نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاى، و سخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتى فقد أحبنى، و من أرضى فاطمة فقد أرضانى، و من أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه و آله، قالت: فإني اشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني، و لئن لقيت النبي لأشكونكما إليه،- إلى أن قال ابن قتيبة: فلم يبايع علي كرم الله وجهه حتى ماتت فاطمة رضي الله عنها و لم تمكث بعد أبيها إلا خمسا و سبعين ليلة إلخ.

قلت: إن كلام الأمير عليه السلام يا ابن ام إن القوم استضعفونى و كادوا يقتلونني، اقتباس من قول الله عز و جل فيما جرى بين موسى كليم الله عليه السلام و أخيه هارون و بين قومه الظالمين حيث قال عز من قائل: و اتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار أ لم يروا أنه لا يكلمهم و لا يهديهم سبيلا اتخذوه و كانوا ظالمين و لما سقط في أيديهم و رأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا و يغفر لنا لنكونن من الخاسرين و لما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أ عجلتم أمر ربكم و ألقى الألواح و أخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء و لا تجعلني مع القوم الظالمين قال رب اغفر لي و لأخي و أدخلنا في رحمتك و أنت أرحم الراحمين إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم و ذلة في الحياة الدنيا و كذلك نجزي المفترين‏ (الأعراف: 149- 153).

و انما تذكر عليه السلام في التجائه بقبر النبي صلى الله عليه و آله بهذه الاية لأنه عليه السلام كان من النبي بمنزلة هارون من موسى كما رواها الفريقان في جوامعهم الروائية و حديث المنزلة من الأحاديث المتواترة و قد نقل المحدث الخبير الرباني السيد هاشم البحراني طيب الله رمسه و أعلى مقامه في الباب العشرين من كتابه القيم الموسوم بغاية المرام و حجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص و العام مائة حديث من طريق العامة في قول النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدى، و في الباب الحادي و العشرين منه سبعين حديثا من طريق الخاصة في ذلك.

فاذا كان لأمير المؤمنين علي عليه السلام تلك المنزلة السامية ففي استشهاده بالاية يظهر مطالب لاولى الدراية فتأمل فيما تلوناه عليك من الايات القرآنية.

ثم إن كلام أبي بكر لفاطمة عليها سلام الله المتعال: انى سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: لا نورث إلخ، فيظهر ما فيه بالتأمل في ما أفاده العلامة الحلى قدس سره في كتابه الموسوم بكشف الحق حيث قال:

و من المطاعن التي رواها السنة في أبي بكر أنه منع فاطمة ارثها فقالت له:

يا ابن أبي قحافة أترث أباك و لا أرث أبي، و احتج عليها برواية تفرد بها هو عن جميع المسلمين مع قلة رواياته و قلة علمه و كونه الغريم لأن الصدقة يحل عليه فقال لها: إن النبي صلى الله عليه و آله قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، و القرآن مخالف لذلك فإن صريحه يقتضى دخول النبى صلى الله عليه و آله فيه بقوله تعالى: يوصيكم الله‏ في أولادكم‏ و قد نص على أن الأنبياء يورثون فقال الله تعالى‏ و ورث سليمان داود و قال عن زكريا و إني خفت الموالي من ورائي و كانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني و يرث من آل يعقوب‏.

و ناقض فعله أيضا بهذه الرواية لأن أمير المؤمنين و العباس اختلفا في بغلة رسول الله صلى الله عليه و آله و سيفه و عمامته و حكم بها ميراثا لأمير المؤمنين عليه السلام و لو كانت صدقة على علي عليه السلام كان يجب على أبي بكر انتزاعها منه، و لكان أهل البيت الذين حكى الله تعالى عنهم بأنه طهرهم تطهيرا مرتكبين ما لا يجوز، نعوذ بالله من هذه المقالات الردية و الإعتقادات الفاسدة.

و أخذ فدك من فاطمة و قد وهبها أباها رسول الله صلى الله عليه و آله فلم يصدقها مع أن الله تعالى طهرها و زكاها و استعان بها النبي صلى الله عليه و آله في الدعاء على الكفار على ما حكى الله تعالى و أمره بذلك فقال له: فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم‏ فكيف يأمره الله تعالى بالاستعانة و هو سيد المرسلين بابنته و هي كاذبة في دعواها غاصبة لمال غيرها نعوذ بالله من ذلك.

فجاءت بأمير المؤمنين عليه السلام و شهد لها فلم يقبل شهادته قال: إنه يجر إلى نفسه و هذا من قلة معرفته بالأحكام، و مع أن الله تعالى قد نص في آية المباهلة أنه نفس رسول الله صلى الله عليه و آله فكيف يليق بمن هو بهذه المنزلة و استعان به رسول الله صلى الله عليه و آله بأمر الله تعالى في الدعاء يوم المباهلة أن يشهد بالباطل و يكذب و يغصب المسلمين أموالهم نعوذ بالله من هذه المقالة.

و شهد لها الحسنان عليهما السلام فرد شهادتهما و قال: هذان ابناك لا أقبل شهادتهما لأنهما يجر ان نفعا بشهادتهما، و هذا من قلة معرفته بالأحكام مع أن الله تعالى قد أمر النبي صلى الله عليه و آله بالاستعانة بدعائهما يوم المباهلة فقال: أبناءنا و أبناءكم‏ و حكم رسول الله صلى الله عليه و آله بأنهما سيدا شباب أهل الجنة فكيف يجامع هذا شهادتهما بالزور و الكذب و غصب المسلمين حقهم نعوذ بالله من ذلك.

ثم جاءت بام أيمن فقال: امرأة لا يقبل قولها: مع أن النبي صلى الله عليه و آله قال: ام‏ أيمن امرأة من أهل الجنة فعند ذلك غضبت عليه و على صاحبه و حلفت أن لا تكلمه و لا صاحبه حتى تلقا أباها و تشكو له فلما حضرتها الوفاة أوصت أن تدفن ليلا و لا يدع أحدا منهم يصلى عليها و قد رووا جميعا أن النبي صلى الله عليه و آله قال: يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك، انتهى كلامه قدس سره في المقام.

قوله عليه السلام: (ثم ذكرت ما كان من أمرى و أمر عثمان‏- إلى قوله عليه السلام:و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت) هذا الفصل جواب عن قول معاوية: ثم لم تكن أشد منك حسدا لابن عمك عثمان- إلى قوله: و تلك من أماني النقوس و ضلالات الهواء.

و اعلم أن احتجاجه هذا على معاوية في أمر عثمان يتضح لك بعد استحضارك ما قدمنا من الطبري و غيره من قوله عليه السلام: ما زلت أذب عن عثمان حتى أنى لأستحي، و قوله عليه السلام: و الله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما، و ما قدمنا من نصح أمير المؤمنين علي عليه السلام عثمان و طلبه قعوده في البيت، فراجع إلى ص 183 و ص 203 و ص 311 و ص 325 من ج 16. و ص 395 من ج 17، و ص 3 من ج 18.

قوله عليه السلام: (حتى أتى قدره عليه) أى‏ حتى أتى‏ قتله المقدر له.

و قوله عليه السلام: (كلا و الله لقد علم الله المعوقين منكم‏- إلخ) إشارة إلى قوله عز و جل في أوائل سورة الأحزاب: قد يعلم الله المعوقين منكم و القائلين لإخوانهم هلم إلينا و لا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم و كان ذلك على الله يسيرا.

و هي من الايات التي نزلت في الأحزاب الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه و آله في غزوة الخندق و كان من الأحزاب قريش و كان فائدهم أبو سفيان بن حرب كما نص به حملة الأخبار منهم أبو جعفر الطبري في التاريخ (ص 1465 ج 3 من‏ طبع ليدن) و ابن هشام في السيرة النبوية (ص 215 ج 2)، و كاتب الواقدي محمد ابن سعد في الطبقات الكبرى (ص 66 ج 2 من طبع مصر) حيث قال: فكان جميع القوم الذين وافوا الخندق ممن ذكر من القبائل عشرة آلاف و هم الأحزاب و كانوا ثلاثة عساكر و عناج الأمر إلى أبي سفيان بن حرب- إلى آخر ما قال.

و المعوقون هم الذين يعوقون أى يمنعون غيرهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه و آله و غزوة الأحزاب أى غزوة الخندق مذكورة في كتب التفاسير في سورة الأحزاب، و في كتب المغازي و السير فراجع إلى مغازي رسول الله صلى الله عليه و آله للواقدي (ص 290 من طبع مصر) و إلى السيرة النبوية لابن هشام (ص 214 ج 2 من طبع مصر) و إلى تاريخ الطبري، و الطبقات الكبرى لابن سعد، حتى يتبين لك ما فعلت الشجرة الملعونة بنو امية بالإسلام و المسلمين.

قوله عليه السلام: (و ذكرت أنه ليس لي و لا لأصحابى إلا السيف‏- إلخ) هذا الفصل جواب عن قول معاوية: و ليس لك و لأصحابك عندي إلا السيف- إلخ.

و قد مضى نحوه في الكتاب التاسع، فأجابه بقوله‏ (فلقد أضحكت بعد استعبار) و ذلك أن تهديد معاوية لما كان في غير محله لأن مثل تخويفه أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف كصبي يخوف بطلا محاميا قال عليه السلام: لقد أضحكت‏، أى‏ أضحكت‏ غيرك من المؤمنين بتخويفك، و لما كان تصرفه في امور الدين مما يبكي المؤمنين قال عليه السلام: بعد استعبار، أى‏ بعد استعبارك‏ أهل الدين بما يرون منك في دين الله.

اقتباس و قوله عليه السلام: (من المهاجرين و الأنصار و التابعين باحسان) اقتباس من قول الله عز و جل: و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه و أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم‏ (التوبة: 100).

و ذرية بدرية أي الذين هم من ذراري أهل بدر، و أخو معاوية، هو حنظلة ابن أبي سفيان و خاله وليد بن عتبة و جده عتبة بن ربيعة و أهله أتباعه، و مضى نحو كلامه هذا في الكتاب العاشر: فأنا أبو حسن قاتل جدك و خالك و أخيك شدخا يوم بدر و ذلك السيف معي و بذلك القلب ألقى عدوي، و سيأتي نحوه في الكتاب الرابع و الستين: و عندي السيف الذي أعضضته بجدك و خالك و أخيك في مقام واحد.

قوله عليه السلام: (و ما هي من الظالمين ببعيد) أراد بالظالمين‏ معاوية و أتباعه، و هو بعض آية من قوله تعالى في قصة قوم لوط: فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها و أمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك و ما هي من الظالمين ببعيد (هود: 84) و هو عليه السلام ذكر في هذا الكتاب عدة آيات لا يخفى مناسبة كل واحدة منها لموردها.

و معنى سائر الجمل واضح إلا أنه عليه السلام أخبر عن نفسه و عن الجحفل‏ من المهاجرين و الأنصار و التابعين‏ بأن‏ أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم‏ و إنما يليق في المقام أن نبحث عن لقاء الله تعالى، و لنا بفضله سبحانه رسالة منفردة في لقاء الله أرى الاتيان بها ههنا و درجها في هذا الشرح أولى من أن تطبع و تنشر على حدة فاطلبها بعد الترجمة.

الترجمة

اين يكى از نامه‏ هاى بسيار خوب أمير عليه السلام است كه بمعاويه نوشت:

أما بعد: نامه ‏ات بمن رسيده در آن گفتى: خداى تعالى پيمبر را براى دينش برگزيد و ياورانش را يارى كرد، روزگار أمر شگفتى از تو بر ما پوشيده داشت كه آزمون خدا را و نعمت وجود پيمبر را بما گزارش مى‏ دهى، در اين كار برنده خرما به هجرى، يا آنكه استاد تيراندازيش را به كارزار بخواند مانى.

پنداشتى كه برترين مردم در اسلام فلانى و فلانى است، اگر راست است بتو چه، و اگر نه عيب آن دامن‏گيرت نشود، تو را با فراتر و فروتر، و با تدبير و بى ‏تدبير چه كار، آزادشدگان و فرزندانشان را چه رسد به تميز ميان مهاجرين أول، و ترتيب درجات و تعريف طبقاتشان، تيرى رها شد كه از جنس تيرهاى ديگر نبود، حرف بيجائى از دهن نا أهل در آمد، و در آن امور كسى دارد زبان‏ درازى مي كند كه دستور او فرمان بردن است.

آيا بر لنگى خود ايست نمى‏ كنى، و آرام نمى ‏گيرى، و كوتاه دستيت را نمى ‏دانى كه در حد خود باشى و تجاوز نكنى، شكست و پيروزى اين و آن بتو چه تو در گمراهى بسر مى ‏برى و از راستى بدرى.

نمى ‏خواهم كه بتو خبر دهم و با تو سخن بگويم ولى نعمت خداى تعالى را بازگو مى ‏كنم كه مى ‏گويم: مگر نمى ‏بينى كه چون از مهاجرين كسى شهيد مى ‏شد- و البته براى هر يك فضلى است- يكى سيد الشهداء بود كه پيغمبر صلى الله عليه و آله بر جنازه‏اش هفتاد تكبير بگفت؟ و ديگرى كه دستهايش بريده شد او را طيار گفتند كه با دو بال در بهشت پرواز مى ‏كرد، و اگر خداى تعالى از خودستائى باز نمى ‏داشت هر آينه فضائل كسى را مى‏ شنيدى كه دلهاى با إيمان بدانها آشنايند و شنونده ‏اى انكار آنها نتواند كرد.

دست بردار از كسانى كه گول دنيا خورده‏ اند و از راه راست بدر رفتند ما برگزيدگان خداى خوديم و مردم برگزيدگان ما، آميزش در زندگى با شما ما را از عزت ديرين باز نداشته و شما را بزرگ نكرده، چه پيمبر از ما است، و أبو سفيان مكذب از شما، حمزه أسد الله از ما است، و أسد الأحلاف- كسانى كه هم پيمان شدند براى كشتن پيمبر در جنگ بدر- از شما، حسن و حسين بزرگان جوانان أهل بهشت از ما، و عقبة بن أبي معيط پدر فرزندان دوزخى از شما، بهترين زنان روزگار فاطمه از ما است، و حمالة الحطب زن أبو لهب از شما، و ديگر خوبيها و نكوئى‏ها كه ما را است، و بديها و زشتيها كه شما را.

از اسلام ما كه شنيديد و آگاهيد، در زمان جاهليت هم روزگار ما را نيالود، و مهتر و بهتر همه بوديم، و كتاب خدا اين پايه را بما داده كه با پيمبرش به كريمه اولو الأرحام وابسته، و به آيت إن أولى الناس نزديكيم، پس ما بحكم آيه نخستين بقرابت به پيمبر سزاواريم، و بايه دوم بطاعت.

چون مهاجرين در روز سقيفه به رسول الله صلى الله عليه و آله بر أنصار احتجاج كردند بر آن پيروز شدند، پس اگر به پيمبر پيروز شدند حق با ما است نه با شما، و اگر نه كه‏ أنصار بر دعواى خود باقيند.

پنداشتى كه من بر خلفا حسد بردم، و بر آنان ستم كردم، اگر اين طور است به تو چه، دخل و ربطى به تو ندارد كه از آنان بيگانه‏اى.

و گفتى: مرا چون شتر مهار كرده براى بيعت بردند، خواستى از اين گفتارت مرا نكوهش كنى ستودى، و خواستى رسوايم كنى رسوا شدى، خوارى براى مسلمانى كه مظلوم گردد ولى در دينش و در يقينش دو دل نباشد نيست.

اين سخنانم حجت بر ديگرانست، روى سخنم با تو نيست، پاره از آنها پيش آمد و گفتم.

سپس در كار من و عثمان حرف بميان آوردى تو بايد از جانب او در اين باره پاسخ گوئى، پس بنگر كه كدام يك از من و تو به كشتن او اقدام و راهنمائى كرديم آيا آن كسى كه دستش را مى ‏گرفت و ياريش مى ‏كرد، و از بدعتها و بديهايش بازش مى ‏داشت؟ يا آنكه عثمان چون وى را بياريش خواست سر باز زد، و ديگران را بر او بشورانيد؟ نه بخدا كه خداى متعال از خوددارى كنندگان شما و كسانى كه به برادرانشان گفتند بيائيد بسوى ما و به كارزار نرفتند مگر اندكى، دانا است.

عذرخواهى نمي كنم از اين كه عثمان را از بدعتهايش باز مى ‏داشتم و كارهاى ناروايش را تقبيح مى‏كردم، حال اگر هدايت و إرشاد گناه است و موجب سرزنش مى‏ شود چه بسا سرزنش شده بيگناه است، و آنكه نخواهد نپذيرد از گفتار ناصح گمان بد مى ‏برد، و من تا آنجا كه در قدرتم بود جز اصلاح نخواستم و توفيق از خدا خواهم و بس، و توكلم با او است.

ديگر اين كه از شمشير بيم داده ‏اى، از اين سخنت گريان را بخنده آوردى كى فرزندان عبد المطلب از دشمن روى‏گردان بودند و از شمشير ترسان، اندكى درنگ كن تا حمل شير نر بكارزار در آيد، كه آن گاه كسى بگيردت كه تو او را مى ‏خواستى، و بتو نزديك مى‏ شود مرگى كه از آن دورى مى ‏جستى.

و من با لشكرى بزرگ از مهاجر و أنصار و تابعين باحسان شتابان بسوى تو رهسپاريم، لشكر سخت أنبوهى كه گرد سوارانش فضا را فرا گرفت و خود لباس مرگ در بر كرده‏ اند بهترين ديدارشان ديدار خدايشان است، با آنان فرزندان و دودمان سربازان سلحشور و جنگاور روز بدرند، در دست آن پهلوانان شمشير بني هاشم است همان شمشيرهائى كه در جنگ بدر بر سر برادر و دائى و جد و دودمانت فرود آمد، كه آماده ‏اند بر سر ستمكاران ديگر فرود آيند.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.