خطبه 142 شرح ابن میثم بحرانی

و من كلام له عليه السّلام في الاستسقاء.

أَلَا وَ إِنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تُقِلُّكُمْ- وَ السَّمَاءَ الَّتِي تُظِلُّكُمْ مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكُمْ- وَ مَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَكُمْ بِبَرَكَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَكُمْ- وَ لَا زُلْفَةً إِلَيْكُمْ وَ لَا لِخَيْرٍ تَرْجُوَانِهِ مِنْكُمْ- وَ لَكِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِكُمْ فَأَطَاعَتَا- وَ أُقِيمَتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِكُمْ فَقَامَتَا- إِنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ- بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ وَ حَبْسِ الْبَرَكَاتِ- وَ إِغْلَاقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ لِيَتُوبَ تَائِبٌ- وَ يُقْلِعَ مُقْلِعٌ وَ يَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ وَ يَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ- وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الِاسْتِغْفَارَ سَبَباً- لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَ رَحْمَةِ الْخَلْقِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ- اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً- يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً- وَ يُمْدِدْكُمْ‏ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ- وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً- فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ- وَ اسْتَقَالَ خَطِيئَتَهُ وَ بَادَرَ مَنِيَّتَهُ- اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ مِنْ تَحْتِ الْأَسْتَارِ وَ الْأَكْنَانِ- وَ بَعْدَ عَجِيجِ الْبَهَائِمِ وَ الْوِلْدَانِ- رَاغِبِينَ فِي رَحْمَتِكَ وَ رَاجِينَ فَضْلَ نِعْمَتِكَ- وَ خَائِفِينَ مِنْ عَذَابِكَ وَ نِقْمَتِكَ اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَيْثَكَ وَ لَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ- وَ لَا تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ- وَ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ- اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ- نَشْكُو إِلَيْكَ مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ- حِينَ أَلْجَأَتْنَا الْمَضَايِقُ الْوَعْرَةُ وَ أَجَاءَتْنَا الْمَقَاحِطُ الْمُجْدِبَةُ- وَ أَعْيَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ- وَ تَلَاحَمَتْ عَلَيْنَا الْفِتَنُ الْمُسْتَصْعِبَةُ- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَلَّا تَرُدَّنَا خَائِبِينَ- وَ لَا تَقْلِبَنَا وَاجِمِينَ وَ لَا تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا- وَ لَا تُقَايِسَنَا بِأَعْمَالِنَا- اللَّهُمَّ انْشُرْ عَلَيْنَا غَيْثَكَ وَ بَرَكَتَكَ- وَ رِزْقَكَ وَ رَحْمَتَكَ وَ اسْقِنَا سُقْيَا نَاقِعَةً مُرْوِيَةً مُعْشِبَةً- تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ وَ تُحْيِي بِهَا مَا قَدْ مَاتَ- نَافِعَةَ الْحَيَا كَثِيرَةَ الْمُجْتَنَى تُرْوِي بِهَا الْقِيعَانَ- وَ تُسِيلُ الْبُطْنَانَ وَ تَسْتَوْرِقُ الْأَشْجَارَ- وَ تُرْخِصُ الْأَسْعَارَ إِنَّكَ عَلَى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ

 

اللغة

أقول: أقلع عن خطيئته: إذا رجع عنها و تاب. و المثاور: المواثب. و الزلفة: القربى و المنزلة. و الواجم: الّذي اشتدّ حزنه حتّى سكت من الكلام. و النافعة: المروية. و القيعان: جمع قاع: و هو المستوى من الأرض. و البطنان: جمع البطن: و هو ما انخفض من الأرض.

المعنى

و اعلم أنّا بيّنا فيما سبق أنّ الجود الإلهىّ لا بخل فيه و لا منع من جهته، و إنّما يكون منع الكمالات في هذه الحياة بعدم الاستعدادات لها فكلّ مستعدّ لأمر ملاق له و فايض عليه. إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه عليه السّلام صدّر هذا الفصل بتنبيه العباد على وجوب الاستعداد لرحمة اللّه الّتي ارتفعت عنهم بحبس المطر، و ذلك في قوله: ألا و إنّ الأرض. إلى قوله: و بادر منيّته. فنبّههم أوّلا في ذلك الصدر على أنّ الأرض الّتي هي كالأمّ للنبات و الزرع، و السماء الّتي هى كالأب مطيعتان لربّهم، و أشار بالسماء إلى السحاب أو إلى السماوات لكونها بحركاتها أسبابا معدّة لكلّ ما في هذا العالم من الحوادث، و أشار بطاعتهما إلى دخولهما تحت حكم القدرة الإلهيّة، و أشار بقوله: و ما أصبحنا. إلى قوله: ترجوا أنّه منكم. إلى لطيفة: و هي أنّ الحوادث الحادثة في هذا العالم من العاليات ليست مقصودة بالذات لها فيكون ذلك منها لأجل توجّع للناس أو لأجل قرابة و منزلة بينهم و بينها، و لا لخير ترجو أنّه منهم كما هو المتعارف من منافع الناس بعضهم لبعض لأنّ السماوات و الأرض غنيّة عنها لكنّ لمّا كانت السماوات متحرّكه دائما طلبا لكمالاتها اللائقة بها من واهبها- جلّ و علا- و مسخّرة بأمره عرض عن هذه الحركات و الاتصالات إعداد الأرض لقبول النبات و الزرع و وجود الحيوانات الّتي هي أرزاق لها و بها قوام وجودها فكانت مصالح هذه الحيوانات إذن منوطة بتلك الحركات و جارية على وفقها بإذن المدبّر العزيز الحكيم سبحانه، و إلى ذلك أشار بقوله: و لكن. إلى قوله: فأقامتا، و غرضه ممّا سبق إلى هاهنا أن يقرّر في النفوس عظمة اللّه سبحانه و أنّ الأرزاق و أسبابها منسوبة إليه و منه حتّى تتوجّه النفوس إليه بالإقلاع عن الذنوب الّتي هى حجب لها عن إفاضة الرحمة عليها منه.

ثمّ بيّن بعده أنّ اللّه سبحانه إنّما يفعل ما يفعل من نقص الثمرات و حبس البركات و إغلاق خزائن الخيرات عن الخلق عند أعمالهم السيّئة ابتلاء لهم كقوله تعالى «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ»«» و قد علمت معنى ابتلائه لهم. ثمّ بيّن أنّ غاية العناية الإلهيّة من ذلك الابتلاء رفع حجب النفوس الّتي هى الذنوب و المعاصى و استعدادها بذلك لقبول رحمة اللّه بالتوبة و الإقلاع منها و الازدجار عنها و التذكّر للمبدأ الأوّل- جلّت عظمته- و ما أعدّ لأوليائه الأبرار في دار القرار و لأعدائه الأشرار في دار البوار. ثمّ بيّن لهم أنّ اللّه سبحانه جعل الاستغفار سببا لدرور الرزق و الرحمة، و لمّا كان الاستغفار هو طلب غفر الذنوب و سترها على العبد أن يفتضح بها و ذلك إنّما يكون بمحوها من لوح نفسه لا جرم كان المستغفر المخلص ماحيا لخطيئته باستغفاره عن لوح نفسه و بذلك يكمل استعداده لإفاضة رحمة اللّه عليه في الدنيا بإنزال البركات و في الآخرة برفع الدرجات، و إلى ذلك الإشارة بالشاهد العدل قوله تعالى «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً»«» الآيات، و قوله تعالى «وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ»«» الآية، و قوله «وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ»«» و قوله: «وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً»«» ثمّ دعا لمن استقبل توبته و شرع في الاستعداد بها، و لمن استقال خطيئته: أى طلب الإقالة من الإلزام بعاقبتها و ثمرتها و هو العقاب عليها و المؤاخذة بها، و لمن واثب منيّته و عاجلها قبل إدراكها له بالتوبة. كلّ ذلك تنبيه على الاستعداد و طلب له منهم. إذ كان لا يتمّ المطلوب بدونه، و لفظ الإقالة استعارة، و وجهها أنّ المخطئ كالمعاهد و الملتزم لعقاب اخروىّ بلذّة عاجلة لما علم استلزام تلك اللذّة المنهىّ عنها للعقاب فهو يطلب للإقالة من هذه المعاهدة [المعاصى- خ- ] كما يطلب المشترى الإقالة من البيع.

و قوله: اللّهم. إلى آخره. لمّا قدّم الأمر بالاستعداد لرحمة اللّه رجع إليه في استنزالها عليهم فقدّم في الدعاء ما عادته أن يقدّم بين يدي الملوك من الكلام المرفق للطباع و الموجب للعفو و الرحمة.

فذكر الخروج من تحت الأستار و الأكنان الّتي ليس من شأنها أن يفارق إلّا لضرورة شديدة، و كذلك عجيج البهائم و الولدان و أصواتها المرتفعة بالبكاء، و ذكر الغاية من ذلك و هي الرغبة في رحمته و الرجاء لفضل نعمته و الخوف من عذابه و نقمته. و هذه جهات المساعى البشريّة. ثمّ سأل بعد ذلك المطالب: و هي السقيا و عدم الهلاك بالجدب، و أن لا يؤاخذهم بأفعال السفها ء من المعاصى المبعّدة عن رحمته كقوله تعالى حكاية عن موسى عليه السّلام «أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا»«» ثمّ عاد إلى تكرير شكوى الجدب بذكر أسبابها الحاملة عليها ليكون أقوم للعذر. و المقاحط: أماكن القحط أو سنى القحط، و ظاهر كون الجوع و العرى و ساير المسبّبات عن القحط فتنة: أى صارفة للقلوب عمّا يراد بها. ثمّ عاد إلى طلب إجابة دعائه.

و قوله: و لا تخاطبنا بذنوبنا: أى لا تجعل جوابنا الاحتجاج علينا بذنوبنا، و لا تقايسنا بأعمالنا: أى لا تجعل فعلك بنا مقايسا لأعمالنا السيّئة و مشابها لها و سيّئة مثلها. ثمّ عاد إلى طلب أنواع ما يطلب منه سبحانه بأتمّ ما ينبغي على الوجه الّذي ينبغي. إلى آخر ه. و هو ظاهر. و باللّه التوفيق.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 3 ، صفحه‏ى 183

 

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.