خطبه 128شرح ابن میثم بحرانی

و من كلام له عليه السّلام في ذكر المكائيل و الموازين.

عِبَادَ اللَّهِ إِنَّكُمْ وَ مَا تَأْمُلُونَ- مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا أَثْوِيَاءُ مُؤَجَّلُونَ- وَ مَدِينُونَ مُقْتَضَوْنَ أَجَلٌ مَنْقُوصٌ- وَ عَمَلٌ مَحْفُوظٌ- فَرُبَّ دَائِبٍ مُضَيَّعٌ وَ رُبَّ كَادِحٍ خَاسِرٌ- وَ قَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَنٍ لَا يَزْدَادُ الْخَيْرُ فِيهِ إِلَّا إِدْبَاراً- وَ الشَّرُّ فِيهِ إِلَّا إِقْبَالًا- وَ الشَّيْطَانُ فِي هَلَاكِ النَّاسِ إِلَّا طَمَعاً- فَهَذَا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ- وَ عَمَّتْ مَكِيدَتُهُ وَ أَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ- اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ- فَهَلْ تُبْصِرُ إِلَّا فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً- أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً- أَوْ بَخِيلًا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّهِ وَفْراً- أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً- أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وَ صُلَحَاؤُكُمْ- وَ أَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَ سُمَحَاؤُكُمْ- وَ أَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ- وَ الْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ- أَ لَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً- عَنْ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ- وَ الْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ- وَ هَلْ خُلِقْتُمْ إِلَّا فِي حُثَالَةٍ- لَا تَلْتَقِي بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ- اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ وَ ذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ- فَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ- ظَهَرَ الْفَسَادُ فَلَا مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ- وَ لَا زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ- أَ فَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ- وَ تَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ- هَيْهَاتَ لَا يُخْدَعُ اللَّهُ عَنْ جَنَّتِهِ- وَ لَا تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ- لَعَنَ اللَّهُ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ- وَ النَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ

اللغة

أقول: أثوياء: جمع ثوىّ على فعيل و هو الضيف. و الدائب: المجدّ في العمل.
و الكدح: العمل. و الوقر: الصمم. و الحثالة: الثقل، و كأنّه الرديّ من كلّ شي‏ء.

المعنى

و قد نفّر عليه السّلام عن الدنيا بذكر عدّة من معايبها:

أحدها: كونهم فيها ضيفانا
و استعار لهم لفظ الضيف و كذلك لما يأملون منها و وجه الاستعارة مشابهتهم للضيف في تأجيل الإقامة و انقطاع وقته و قرب رحيله، و مؤجّلون ترشيح للاستعارة.

الثانية: كونهم مدينون فيها
و استعار لفظ المدين باعتبار وجوب الفرائض المطلوبة منهم و عهد اللّه المأخوذ عليهم أن يرجعوا اليه طاهرين عن نجس الملحدين، و رشّح بذكر المقتضين لما أنّ شأن المدين أن يقتضى فيه الدين. ثمّ لمّا ذكر كونهم مؤجّلين و مدينين كرّر ذكر الأجل بوصف النقصان، و لا شكّ في نقصان ما لا يبقى، و ذكر العمل الّذي خالصه و صالحه هو الدين المقتضى منهم بوصف كونهم محفوظا عليهم ليجذب بنقصان الأجل إلى العمل، و بحفظ العمل إلى إصلاحه و الإخلاص فيه.

و أجل و عمل: خبران حذف مبتدئهما: أى أجلكم أجل منقوص، و عملكم عمل محفوظ. و نبّه بقوله: فربّ دائب مضيّع، و ربّ كادح خاسر: أنّ العمل و إن قصد فيه الصلاح أيضا إلّا أنّه قد يقع على وجه الغلط فيحصل بذلك انحراف عن الدين و ضلال عن الحقّ فيضيّع العمل و يخسر الكدح كدأب الخوارج و نحوهم فربما دخل الكادح في قوله تعالى «هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ‏يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»«» و ذلك ككدح أهل الكتاب و نحوهم.

و قوله: و قد أصبحتم: إلى قوله: إقبالا. شكاية للزمان و ذمّ له، و هو كقوله: إنّا قد أصبحنا في زمن كنود، و دهر عنود. و ذلك لأخذ الزمان في البعد عن وقت ظهور الشريعة و طراوتها و جرأة الناس على هتك الدين و ارتكاب مناهى اللّه، و كذلك طمع الشيطان في هلاكهم: أى في هلاك دينهم الّذي يكون غايته هلاكهم في الآخرة، و أشار إلى أنّ ذلك الوقت هو أوان قوّة عدّته و عموم مكيدته و إمكان عمله فما ظنّك بزماننا هذا و ما بعده، و استعار لفظ الفريسة لمطاوعى الشيطان و المنفعلين عنه، و وجه الاستعارة بلوغه منهم مراده و تصريفه لهم لغاية هلاكهم كالأسد مع فريسته. و قوله: اضرب بطرفك. إلى قوله: و قرا. شرح لما أجمله أوّلا من ازدياد إقبال الشرّ و إدبار الخير، و كفر الغنىّ تركه و إعراضه عن شكر نعم اللّه سبحانه عليه. و قوله: بحقّ اللّه متعلّق بالبخل.

أى: أنّ البخيل يقصد ببخله بحقّ اللّه على مستحقّه توفير المال و الزيادة فيه. و قوله: أين خياركم: إلى قوله: مذاهبهم. سؤال من باب تجاهل العارف تنبيها لهم على ما صار و إليه من الفناء و فراق الدنيا، و على أنّه لم يبق فيهم من اولى الأعمال الصالحة أحد لعلّهم يرجعون إلى لزوم الأعمال الصالحة، و أراد بالأحرار الكرماء، و المتورّعون في مكاسبهم الملازمون للأعمال الجميلة فيها من التقوى و المسالمة و إخراج حقوق اللّه تعالى، و المتنزّهون في مذاهبهم الممتنعون عن ولوج أبواب المحارم و الشبهات في مسالكهم و حركاتهم.

و قوله: أليس. إلى قوله: المنغّصة. سؤال على سبيل التقرير لما نبّههم عليه من فراق الدنيا و دناءتها بالنسبة إلى عظيم ثواب الآخرة و تنغيصها بالآلام و نحوها حتّى قال بعض الحكماء: إنّ كلّ لذّة في الدنيا فإنّما هى خلاص من ألم. و قوله: و هل خلقتم. إلى قوله: عن ذكرهم. سؤال على سبيل التقرير لما ذكر أيضا، و استعار لفظ الحثالة لرعاع الناس و همجهم. و قوله: لا تلتقى بذمّهم الشفتان. أى إنّهم أحقر من أن يشتغل الإنسان بذمّهم. و انتصب استصغارا و ذهابا على المفعول له، و حسن اقتباس القرآن هاهنا لما أنّ هذه الحال الّتى الناس عليها من فقد خيارهم و بقاء شرارهم مصيبة لحقتهم، و من آداب اللّه للصابرين على نزول المصائب أن يسلّموا أنفسهم و أحوالهم إليه فيقولوا عندها: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون كما قال سبحانه «وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ» الآية. ثمّ حكم على سبيل التوجّع و الأسف بظهور الفساد و بنفى المنكر المغيّر للفساد المزدجر عنه تنبيها لهم على أنّهم و إن كان فيهم من ينكر و يزجر إلّا أنّه لا يغيّر ما ينكره و لا يزدجر عن مثله، و ذلك من قبايح الأعمال و الرياء فيها. و قوله: أ فبهذا. أى بأعمالكم هذه المدخولة و بتقصيركم. و مجاورة اللّه: الوصول إليه و المقام معه في جنّته الّتى هى مقام الطهارة عن نجاسات الهيئات البدنيّة و مقام تنزيه ذات اللّه تعالى و طهارتها عن اتّخاذ الشركاء و الأنداد، و هو استفهام على سبيل الإنكار و لذلك عقبّه بقوله: هيهات. إلى آخره، و لمّا كان ذلك يجرى مجرى الزهد الظاهر مع النفاق في الباطن أعنى أعمالهم المدخولة من إنكار المنكر و ارتكابهم نبّههم على أنّ فعلهم كخداع اللّه عن جنّته، و صرّح بأنّ اللّه لا يخدع لعلمه بالسرائر و أنّه لا تنال مرضاته إلّا بطاعته: أى الطاعة الحقيقيّة الخالصة دون الظاهرة. ثمّ ختم بلعن الآمرين بالمعروف مع تركهم للعمل به، و الناهين عن المنكر المرتكبين له لأنّهم منافقون مغرون بذلك لمن يقتدى بهم و النفاق مستلزم اللعن و البعد عن رحمة اللّه. و باللّه التوفيق.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 3 ، صفحه‏ى 142

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.