
و من کلام له علیه السّلام
أَیُّهَا النَّاسُ- لَا تَسْتَوْحِشُوا فِی طَرِیقِ الْهُدَى لِقِلَّهِ أَهْلِهِ- فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَهٍ شِبَعُهَا قَصِیرٌ- وَ جُوعُهَا طَوِیلٌ- أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا یَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَ السُّخْطُ- وَ إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَهَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ- فَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا- فَقَالَ سُبْحَانَهُ فَعَقَرُوها
فَأَصْبَحُوا نادِمِینَ- فَمَا کَانَ إِلَّا أَنْ خَارَتْ أَرْضُهُمْ بِالْخَسْفَهِ- خُوَارَ السِّکَّهِ الْمُحْمَاهِ فِی الْأَرْضِ الْخَوَّارَهِ- أَیُّهَا النَّاسُ مَنْ سَلَکَ الطَّرِیقَ الْوَاضِحَ وَرَدَ الْمَاءَ- وَ مَنْ خَالَفَ وَقَعَ فِی التِّیهِ
اللغه
أقول: السکّه: الحدیده تکون فی رأس خشبه الفدّان تثار بها الأرض.
و خوارها: صوتها فی الأرض.
و الأرض الخوّاره: الضعیفه.
و حاصل الفصل ترغیب أصحابه السالکین لطریق الهدى فی البقاء على ما هم علیه
بذکر کونه طریق الهدى، و من العاده أن یستوحش الناس من الوحده و قلّه الرفیق فی الطریق الطویل الصعب فنهى عن الاستیحاش فی تلک الطریق، و کنّى به عمّا عساه یعرض لبعضهم من الوسوسه بأنّهم لیسوا على حقّ لقلّتهم و کثره مخالفیهم لأنّ قلّه العدد فی الطریق مظنّه الهلاک و السلامه مع الکثره و نحو ذلک فنبّههم على أنّهم فی طریق الهدى و إن کانوا قلیلین. و قوله: فإنّ الناس اجتمعوا. إلى قوله: طویل. تنبیه على علّه قلّه أهل الهدى و هو اجتماع الناس على الدنیا، و استعار لها لفظ المائده ملاحظه لشبهها بها فی کونها مجتمع اللذّات، و کنّى عن قصر مدّتها بقصر شبعها، و عن استعقاب الانهماک فیها للعذاب الطویل فی الآخره بطول جوعها، و لفظ الجوع مستعار للحاجه الطویله بعد الموت إلى المطاعم الحقیقیّه الباقیه من الکمالات النفسانیّه الفانیه بسبب الغفله فی الدنیا فلذلک نسب الجوع إلیها، و یحتمل أن یکون مستعارا لما تتلهّف علیه النفس و تتأسّف بعد المفارقه من اللذّات الدنیویّه الّتی لا تحصل علیها بعد الموت أبدا فیطول جوعها منها، و راعى المقابله فالجوع بإزاء الشبع و الطول بإزاء القصر.
و قوله: أیّها الناس. إلى قوله: السخط. أى إنّما یجمع الناس فی عذاب اللّه رضاهم بالمنکرات و معاصى اللّه و إن لم یباشرها أکثرهم و سخطهم لمحابّه من الأعمال، و مصداق ذلک قصّه ثمود فی عموم العذاب لهم بفعل عاقر الناقه فإنّهم بأسرهم ما فعلوا ذلک مع نسبه الفعل إلى جمیعهم کما قال تعالى «فَعَقَرُوها» الآیه و عمّتهم العقوبه لمّا عمّوه بالرضى، و الضمیر فی عمّوه یعود إلى الرجل أو إلى العقر الّذی دلّ علیه قوله: عقر: أى لمّا عمّوا فعله برضاهم به، و إلیه الإشاره بقوله تعالى «وَ اتَّقُوا فِتْنَهً لا تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْکُمْ خَاصَّهً»«» و ظاهر أنّ الراضى بفعل شریک فاعله و فی قوّته، و کذلک إنّما یجمع اللّه الناس فی رحمته باجتماعهم على الرضا بمحابّه و السخط لمکارهه.
فقوله: فما کان إلّا أن خارت أرضهم. إلى قوله: الخوّاره. تفسیر للعذاب اللاحق لهم المشار إلیه بقوله: فأصبحوا نادمین فأخذهم العذاب، و قد فسّره القرآن الکریم أیضا فی قوله «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَهُ»«» فبیّن علیه السّلام کیفیّه ذلک و شبّه صوت أرضهم فی خسوفها و ذهابها فی الأرض بصوت السکّه المحماه فی الأرض عند الحرث بها، و إنّما زادها صفه المحماه تنبیها على قوّه تصویتها و سرعه غوصها لأنّ المحماه یکون لها فی الأرض نشیش زائد على ما یقتضیه حرکتها و یعینها الحمى على النفوذ. فأمّا قصّه ثمود فالمنقول أنّهم خلف عاد فی الأرض بعد هلاکهم عنها فکثروا و عمّروا أعمارا طویله حتّى کان الرجل یبنى المسکن المحکم فینهدم فی حیاته فنحتّوا البیوت فی الجبال و کانوا فی سعه و رخاء من العیش فعتوا عن أمر اللّه و أفسدوا فی الأرض و عبدوا الأوثان. فبعث اللّه إلیهم صالحا و کانوا قوما عربا و صالح من أوسطهم نسبا فدعاهم إلى اللّه فلم یتّبعه إلّا قلیل منهم مستضعفون فحذّرهم و أنذرهم فسألوه آیه فقال: أیّه آیه تریدون. فقالوا: تخرج معنا إلى عیدنا فی یوم معلوم من السنه تدعو إلهک و ندعو آلهتنا فإن استجیب لک اتّبعناک و إن استجیب لنا اتّبعتنا. فقال: نعم. فخرج معهم و دعوا أربابهم و سألوها فلم تجب.
فقال کبیرهم و أشار إلى صخره مفرده فی ناحیه الجبل یسمّونها الکاثبه: أخرج لنا من هذه الصخره ناقه جوفاء و براء فإن فعلت صدّقناک و أجبناک. فأخذ علیهم المواثیق بذلک. ثمّ صلّى و دعا ربّه فتمخّضت الصخره کما تمخّض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقه عشراء جوفاء و براء کما یطلبون، و عظماؤهم ینظرون. ثمّ نتجت ولدا مثلها فی العظم. فآمن به رئیسهم و نفر من قومه و منع أعقابهم ناس من رؤسائهم أن یؤمنوا. فمکثت الناقه مع ولدها ترعى الشجر و تشرب الماء و کانت ترد غبّا فإذا کان یوم شربها وضعت رأسها فی البئر فما ترفعه حتّى تشرب کلّ ماء فیها. ثمّ تفجّج فیحلبون ما شاءوا حتّى تمتلى أوانیهم فیشربون و یدّخرون. فإذا وقع الحرّ تصیّفت بظهر الوادی فتهرب منها أنعامهم فتهبط إلى بطنه، و إذا وقع البرد تشتّت ببطن الوادی فتهرب مواشیهم إلى ظهره فشقّ ذلک علیهم، و زیّنت لهم عقرها امرأتان: عنیزه امّ غنم و صدقه بنت المختار کانتا کثیرتى المواشى لمّا أضرّت بمواشیهما.
فعقرها قدار الأحمر و اقتسموا لحمها و طبخوه فانطلق سقبها حتّى رقى جبلا یقال له غاره فرغا ثلاثا و کان صالح قال لهم: أدرکوا الفصیل عسى أن یرفع عنکم العذاب فلم یقدروا علیه و انفجّت الصخره بعد رغائه فدخلها فقال لهم صالح: تصبحون غدا و وجوهکم مصفرّه و بعد غد و هی محمّره و الیوم الثالث و هی مسوّده.
ثمّ یغشاکم العذاب. فلمّا رأوا العلامات همّوا بقتله فأنجاه اللّه إلى أرض فلسطین. فلمّا کان الیوم الرابع و ارتفع الضحى تحنّطوا بالصبر و تکفّنوا بالأنطاع فأتتهم الصیحه و خسف شدید و زلزال فتقطّعت قلوبهم فهلکوا. و باللّه العصمه و التوفیق هذا آخر المجلّد الثالث من هذا الکتاب تمّ ثالث أجزاء الکتاب من الأجزاء الخمسه على ما جزئه الشارح المحقّق- قدّس سرّه- فی أحسن وضع و على أنقى ورق و بأجود طباعه و یلیه الجزءان الآخران- إنشاء اللّه تعالى- و لو تدرى نفس ما یتحمّله المقدم من الصعوبه فی تهذیب طباعه کتاب لعبت به ید الأیّام و حرّفته أقلام الجهله لقبل ذلک عذرا فیما یؤخذ على الناشر، أو لیحثّه أن یغفر ما له من الذنب.
و علیه سبحانه التوکّل و به العصمه.
شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحهى ۴۷۳
بازدیدها: ۳
دیدگاهها