
و من کلام له علیه السّلام یؤمى به إلى وصف الأتراک
کَأَنِّی أَرَاهُمْ قَوْماً- کَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَهُ- یَلْبَسُونَ السَّرَقَ وَ الدِّیبَاجَ- وَ یَعْتَقِبُونَ الْخَیْلَ الْعِتَاقَ- وَ یَکُونُ هُنَاکَ اسْتِحْرَارُ قَتْلٍ- حَتَّى یَمْشِیَ الْمَجْرُوحُ عَلَى الْمَقْتُولِ- وَ یَکُونَ الْمُفْلِتُ أَقَلَّ مِنَ الْمَأْسُورِ- فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ- لَقَدْ أُعْطِیتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عِلْمَ الْغَیْبِ- فَضَحِکَ ع وَ قَالَ لِلرَّجُلِ وَ کَانَ کَلْبِیّاً یَا أَخَا کَلْبٍ لَیْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَیْبٍ- وَ إِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِی عِلْمٍ- وَ إِنَّمَا عِلْمُ الْغَیْبِ عِلْمُ السَّاعَهِ- وَ مَا عَدَّدَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ- إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَهِ- الْآیَهَ- فَیَعْلَمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا فِی الْأَرْحَامِ- مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثَى وَ قَبِیحٍ أَوْ جَمِیلٍ- وَ سَخِیٍّ أَوْ بَخِیلٍ- وَ شَقِیٍّ أَوْ سَعِیدٍ- وَ مَنْ یَکُونُ فِی النَّارِ حَطَباً- أَوْ فِی الْجِنَانِ لِلنَّبِیِّینَ مُرَافِقاً- فَهَذَا عِلْمُ الْغَیْبِ الَّذِی لَا یَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ- وَ مَا سِوَى ذَلِکَ فَعِلْمٌ- عَلَّمَهُ اللَّهُ نَبِیَّهُ ص فَعَلَّمَنِیهِ- وَ دَعَا لِی بِأَنْ یَعِیَهُ صَدْرِی- وَ تَضْطَمَّ عَلَیْهِ جَوَانِحِی
اللغه
أقول: المجانّ بالفتح: جمع مجنّ بکسر المیم و هو الترس. و المطرقه بفتح الراء و التخفیف: الّتى تطبق و تخصف کطبقات النعل. یقال: أطرقت بالجلد إذا ألبست. و السرق بفتح السین و الراء: شقق الحریر واحدتها سرقه. قال أبو عبیده: هى البیض منها، و هو فارسىّ معرّب أصله سره: أى جیّد کالاستبرق الغلیظ من الدیباج. و یعتقبون الخیل: یحتبسونها و یرتبطونها. و استحرّ القتل و حرّ: أى اشتدّ.
المعنى
و اعلم أنّه علیه السّلام من عادته إذا أراد الإخبار عن أمر سیکون فإنّه یصدّره بقوله: کأنّى کما سبق من إخباره علیه السّلام عن الکوفه کأنّى بک یا کوفه، و کقوله:
کأنّى به و قد نعق بالشام. و وجه ذلک أنّ مشاهدته بعین بصیرته لمّا افیض على نفسه القدسیّه من أنوار الغیب على سبیل الإلهام بواسطه الاستاد المرشد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم تشبّه المشاهده بعین البصر فی الجلاء و الظهور الخالى عن الشکّ فلذلک حسن حرف التشبیه صدرا، و ضمایر الجمع فی الفصل تعود إلى الأتراک، و شبّه وجوههم بالتروس المطبقه، و وجه الشبه فی تشبیهها بالتروس الاستداره و العظم و الانبساط، و فی کونها مطرقه الخشونه و الغلظه و هو تشبیه للمحسوس بالمحسوس، و أمّا وصفه لهم بمراعاه لبس السرق و الدیباج، و اعتقاب الخیل فاعتبار أحوال الترک تشهد بصدقه، و أمّا إخباره عن استحرار القتل إلى الغایه المذکوره حین ظهورهم فممّا یشهد بصدقه التواریخ بالوقایع المشهوره بینهم و بین العرب و غیرهم من المسلمین فی أیّام عبد اللّه بن الزبیر، و فی أیّام قتیبه بن مسلم، و یکفى فی صدق ذلک إلى الغایه المذکوره ما شهدناه من وقایع التتار مع المسلمین و قتلهم إیّاهم بالعراقین و خراسان و غیرها من البلاد فأمّا جوابه علیه السّلام للکلبىّ إنّ ذلک لیس بعلم غیب، و إنّما هو تعلّم من ذى علم، و تعدیده للمعلومات بعلم الغیب الّذی لا یعلمها إلّا اللّه سبحانه فحقّ و صدق، و قد نبّهنا على الفرق بین علم الغیب و الإخبار عن المغیبات فی المقدّمات لکن ینبغی أن یعلم أنّ التعلّم الحاصل له من قبل الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلم لیس على سبیل أنّ کلّ ما القى إلیه صور جزئیّه و وقایع جزئیّه بل معناه هو إعداد نفسه القدسیّه على طول الصحبه من حیث کان طفلا إلى أن توفّى الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لهذه العلوم بالریاضه التامّه، و تعلیم کیفیّه السلوک و أسباب تطویع النفس الأمّاره بالسوء للنفس المطمئنّه حتّى استعدّت نفسه الشریفه للانتقاش بالامور الغیبیّه، و انتقشت فیها الصور الکلّیّه فأمکنه الإخبار عنها و بها، و لذلک قال: و دعا لى بأن یعیه صدرى و تضطمّ علیه جوانحى: أى یضبطه قلبى و یشتمل علیه، و کنّى بالجوانح عن القلب لاشتمالها علیه و لو کانت تلک العلوم صورا جزئیّه لم یحتج إلى مثل هذا الدعاء فإنّ فهم الصور الجزئیّه و ضبطها و الإخبار عنها ممکن لکلّ الصحابه من العوامّ و غیرهم، و إنّما الصعب المحتاج إلى الدعاء بأن یعیه الصدر و یستعدّ الأذهان لقبوله هو القوانین الکلّیّه، و کیفیّه انشعابها و تفصیلها و أسباب تلک الامور المعدّه لإدراکها حتّى إذا استعدّت النفس بها أمکن أن ینتقش بالصور الجزئیّه من مفیضها کما سبقت الاشاره إلیه.
شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحهى ۱۳۹
بازدیدها: ۲
دیدگاهها