
۱۰۲ و من خطبه له ع
انْظُرُوا إِلَى الدُّنْیَا نَظَرَ الزَّاهِدِینَ فِیهَا- الصَّادِفِینَ عَنْهَا- فَإِنَّهَا وَ اللَّهِ عَمَّا قَلِیلٍ تُزِیلُ الثَّاوِیَ السَّاکِنَ- وَ تَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الآْمِنَ- لَا یَرْجِعُ مَا تَوَلَّى مِنْهَا فَأَدْبَرَ- وَ لَا یُدْرَى مَا هُوَ آتٍ مِنْهَا فَیُنْتَظَرُ- سُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ- وَ جَلَدُ الرِّجَالِ فِیهَا إِلَى الضَّعْفِ وَ الْوَهْنِ- فَلَا یَغُرَّنَّکُمْ کَثْرَهُ مَا یُعْجِبُکُمْ فِیهَا- لِقِلَّهِ مَا یَصْحَبُکُمْ مِنْهَا- رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً تَفَکَّرَ فَاعْتَبَرَ- وَ اعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ- فَکَأَنَّ مَا هُوَ کَائِنٌ مِنَ الدُّنْیَا عَنْ قَلِیلٍ لَمْ یَکُنْ- وَ کَأَنَّ مَا هُوَ کَائِنٌ مِنَ الآْخِرَهِ- عَمَّا قَلِیلٍ لَمْ یَزَلْ- وَ کُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ- وَ کُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ- وَ کُلُّ آتٍ قَرِیبٌ دَانٍ الصادفین عنها أی المعرضین- و امرأه صدوف التی تعرض وجهها علیک- ثم تصدف عنک- . و عما قلیل عن قلیل و ما زائده- . و الثاوی المقیم ثوى یثوی ثواء و ثویا- مثل مضى یمضی مضاء و مضیا- و یجوز ثویت بالبصره و ثویت البصره- و جاء أثویت بالمکان- لغه فی ثویت قال الأعشى-
أثوى و قصر لیله لیزودا
فمضت و أخلف من قتیله موعدا
و المترف الذی قد أترفته النعمه أی أطغته- یقول ع- لا یعود على الناس ما أدبر- و تولى عنهم من أحوالهم الماضیه- کالشباب و القوه- و لا یعلم حال المستقبل من صحه أو مرض- أو حیاه أو موت لینتظر- و ینظر إلى هذا المعنى قول الشاعر-
و أضیع العمر لا الماضی انتفعت به
و لا حصلت على علم من الباقی
و مشوب مخلوط شبته أشوبه فهو مشوب- و جاء مشیب فی قول الشاعر-و ماء قدور فی القصاع مشیب فبناه على شیب لم یسم فاعله- و فی المثل هو یشوب و یروب- یضرب لمن یخلط فی القول أو العمل- . و الجلد الصلابه و القوه- و الوهن الضعف نفسه و إنما عطف للتأکید- کقوله تعالى لِکُلٍّ جَعَلْنا مِنْکُمْ شِرْعَهً وَ مِنْهاجاً- و قوله لا یَمَسُّنا فِیها نَصَبٌ وَ لا یَمَسُّنا فِیها لُغُوبٌ- . ثم نهى عن الاغترار بکثره العجب من الدنیا- و علل حسن هذا النهی- و قبح الاغترار بما نشاهده عیانا- من قله ما یصحب مفارقیها منها- و قال الشاعر
فما تزود مما کان یجمعه
إلا حنوطا غداه البین فی خرق
و غیر نفحه أعواد شببن له
و قل ذلک من زاد لمنطلق
ثم جعل التفکر عله الاعتبار- و جعل الاعتبار عله الأبصار- و هذا حق لأن الفکر یوجب الاتعاظ- و الاتعاظ یوجب الکشف- و المشاهده بالبصیره التی نورها الاتعاظ- .ثم ذکر أن ما هو کائن و موجود- من الدنیا سیصیر عن قلیل- أی بعد زمان قصیر معدوما- و الزمان القصیر هاهنا انقضاء الأجل و حضور الموت- .
ثم قال إن الذی هو کائن- و موجود من الآخره سیصیر عن قلیل- أی بعد زمان قصیر أیضا- کأنه لم یزل- و الزمان القصیر هاهنا هو حضور القیامه- و هی و إن کانت تأتی بعد زمان طویل- إلا أن المیت لا یحس بطوله- و لا فرق بین ألف ألف سنه عنده إذا عاد حیا- و بین یوم واحد- لأن الشعور بالبطء فی الزمان مشروط بالعلم بالحرکه- و یدل على ذلک حال النائم- ثم قال کل معدود منقض- و هذا تنبیه بطریق الاستدلال النظری- على أن الدنیا زائله و منصرفه- و قد استدل المتکلمون بهذا- على أن حرکات الفلک یستحیل ألا یکون لها أول- فقالوا لأنها داخله تحت العدد- و کل معدود یستحیل أن یکون غیر متناه- و الکلام فی هذا مذکور فی کتبنا العقلیه- .
ثم ذکر أن کل ما یتوقع لا بد أن یأتی
و کل ما سیأتی فهو قریب و کأنه قد أتى
– و هذا مثل قول قس بن ساعده الإیادی- ما لی أرى الناس یذهبون ثم لا یرجعون- أ رضوا بالمقام فأقاموا- أم ترکوا هناک فناموا أقسم قس قسما- إن فی السماء لخبرا و إن فی الأرض لعبرا- سقف مرفوع و مهاد موضوع- و نجوم تمور و بحار لا تغور- اسمعوا أیها الناس و عوا- من عاش مات و من مات فات- و کل ما هو آت آت: وَ مِنْهَا الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ- وَ کَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا یَعْرِفَ قَدْرَهُ- وَ إِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَعَبْداً- وَکَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ- جَائِراً عَنْ قَصْدِ السَّبِیلِ- سَائِراً بِغَیْرِدَلِیلٍ- إِنْ دُعِیَ إِلَى حَرْثِ الدُّنْیَا عَمِلَ- وَ إِنْ دُعِیَ إِلَى حَرْثِ الآْخِرَهِ کَسِلَ- کَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَیْهِ- وَ کَأَنَّ مَا وَنَى فِیهِ سَاقِطٌ عَنْهُ قوله ع العالم من عرف قدره- من الأمثال المشهوره عنه ع- و قد قال الناس بعده فی ذلک فأکثروا- نحو قولهم إذا جهلت قدر نفسک- فأنت لقدر غیرک أجهل- و نحو قولهم من لم یعرف قدر نفسه- فالناس أعذر منه إذا لم یعرفوه- و نحو قول الشاعر أبی الطیب-
و من جهلت نفسه قدره
رأى غیره منه ما لا یرى
ثم عبر عن هذا المعنى بعباره أخرى- فصارت مثلا أیضا- و هی قوله کفى بالمرء جهلا ألا یعرف قدره- و من الکلامالمروی عن أبی عبد الله الصادق ع مرفوعا ما هلک امرؤ عرف قدرهرواه أبو العباس المبرد عنه فی الکاملقال ثم قال أبو عبد الله ع و ما إخال رجلا یرفع نفسه فوق قدرها- إلا من خلل فی عقله- .
وروى صاحب الکامل أیضا عن أبی جعفر الباقر ع قال لما حضرت الوفاه علی بن الحسین ع أبی ضمنی إلى صدره- ثم قال یا بنی أوصیک بما أوصانی به أبی یوم قتل- و بما ذکر لی أن أباه علیا ع أوصاه به- یا بنی علیک ببذل نفسک- فإنه لا یسر أباک بذل نفسه حمر النعم
و کان یقال من عرف قدره استراح- .وفی الحدیث المرفوع ما رفع امرؤ نفسه فی الدنیا درجه- إلا حطه الله تعالى فی الآخره درجات- . و کان یقال من رضی عن نفسه کثر الساخطون علیه- ثم ذکر ع- أن من أبغض البشر إلى الله عبدا- وکله الله إلى نفسه- أی لم یمده بمعونته و ألطافه- لعلمه أنه لا ینجع ذلک فیه- و أنه لا ینجذب إلى الخیر و الطاعه- و لا یؤثر شیء ما فی تحریک دواعیه إلیها- فیکله الله حینئذ إلى نفسه- . و الجائر العادل عن السمت- و لما کان هذا الشقی خابطا- فیما یعتقده و یذهب إلیه مستندا إلى الجهل و فساد النظر- جعله کالسائر بغیر دلیل- .
و الحرث هاهنا کل ما یفعل لیثمر فائده- فحرث الدنیا کالتجاره و الزراعه- و حرث الآخره فعل الطاعات و اجتناب المقبحات و المعاصی- و سمی حرثا على جهه المجاز- تشبیها بحرث الأرض و هو من الألفاظ القرآنیه- . و کسل الرجل بکسر السین یکسل- أی یتثاقل عن الأمور فهو کسلان- و قوم کسالى و کسالى بالفتح و الضم- .
قال ع- حتى کان ما عمله من أمور الدنیا- هو الواجب علیه لحرصه و جده فیه- و کان ما ونى عنه- أی فتر فیه من أمور الآخره ساقط عنه- و غیر واجب علیه لإهماله و تقصیره فیه: وَ مِنْهَا وَ ذَلِکَ زَمَانٌ لَا یَنْجُو فِیهِ إِلَّا کُلُّ مُؤْمِنٍ نُوَمَهٍ- إِنْ شَهِدَ لَمْ یُعْرَفْ وَ إِنْ غَابَلَمْ یُفْتَقَدْ- أُولَئِکَ مَصَابِیحُ الْهُدَى وَ أَعْلَامُ السُّرَى- لَیْسُوا بِالْمَسَایِیحِ وَ لَا الْمَذَایِیعِ الْبُذُرِ- أُولَئِکَ یَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ- وَ یَکْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ- أَیُّهَا النَّاسُ سَیَأْتِی عَلَیْکُمْ زَمَانٌ- یُکْفَأُ فِیهِ الْإِسْلَامُ کَمَا یُکْفَأُ الْإِنَاءُ بِمَا فِیهِ- أَیُّهَا النَّاسُ- إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَاذَکُمْ مِنْ أَنْ یَجُورَ عَلَیْکُمْ- وَ لَمْ یُعِذْکُمْ مِنْ أَنْ یَبْتَلِیَکُمْ- وَ قَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ- إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ وَ إِنْ کُنَّا لَمُبْتَلِینَ قال الرضی رحمه الله تعالى- أما قوله ع- کل مؤمن نومه- فإنما أراد به الخامل الذکر القلیل الشر- و المساییح جمع مسیاح- و هو الذی یسیح بین الناس بالفساد و النمائم- و المذاییع جمع مذیاع- و هو الذی إذا سمع لغیره بفاحشه أذاعها- و نوه بها- و البذر جمع بذور- و هو الذی یکثر سفهه و یلغو منطقه شهد حضر- و کفأت الإناء أی قلبته و کببته- و قال ابن الأعرابی یجوز أکفأته أیضا- و البذر جمع بذور مثل صبور و صبر- و هو الذی یذیع الأسرار- و لیس کما قال الرضی رحمه الله تعالى- فقد یکون الإنسان بذورا- و إن لم یکثر سفهه و لم یلغ منطقه- بأن یکون علنه مذیاعا من غیر سفه و لا لغو- و الضراء الشده و مثلها البأساء- و هما اسمان مؤنثان من غیر تذکیر- و أجاز الفراء أن یجمع على آضر و أبؤس- کما یجمع النعماء على أنعم- .
و اعلم أنه قد جاء فی التواضع و هضم النفس شیء کثیر- و من ذلکالحدیث المرفوع من تواضع لله رفعه الله و من تکبر على الله وضعه
ویقال إن الله تعالى قال لموسى- إنما کلمتک- لأن فی أخلاقک خلقا- أحبه الله و هو التواضع- . و رأى محمد بن واسع ابنه یمشی الخیلاء- فناداه فقال ویلک أ تمشی هذه المشیه- و أبوک أبوک و أمک أمک- أما أمک فأمه ابتعتها بمائتی درهم- و أما أبوک فلا کثر الله فی الناس مثله- . و مثلقوله ع کل مؤمن نومه- إن شهد لم یعرف و إن غاب لم یفتقد- قول رسول الله ص رب أشعث أغبر ذی طمرین لا یؤبه له- لو أقسم على الله لأبر قسمه- .
و قال عمر لابنه عبد الله- التمس الرفعه بالتواضع و الشرف بالدین- و العفو من الله بالعفو عن الناس- و إیاک و الخیلاء فتضع من نفسک- و لا تحقرن أحدا فإنک لا تدری- لعل من تزدریه عیناک أقرب إلى الله وسیله منک- . و قال الأحنف- عجبت لمن جرى فی مجرى البول مرتین- من فرجین کیف یتکبر- و قد جاء فی کلام رسول الله ص- ما یناسب کلام أمیر المؤمنین ع هذا-إن الله یحب الأخفیاء الأتقیاء الأبریاء- الذین إذا غابوا لم یفتقدوا- و إذا حضروا لم یعرفوا- قلوبهم مصابیح الهدى- یخرجون من کل غبراء مظلمه- .
و أما إفشاء السر و أذاعته- فقد ورد فیه أیضا ما یکثر- و لو لم یرد فیه إلا قوله سبحانه- وَ لا تُطِعْ کُلَّ حَلَّافٍ مَهِینٍ- هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِیمٍ لکفى- .وفی الحدیث المرفوع من أکل بأخیه أکله- أطعمه الله مثلها من نار جهنم- قیل فی تفسیره- هو أن یسعى بأخیه و یجر نفعا بسعایته- . الجنید ستر ما عاینت أحسن من إشاعه ما ظننت- . عبد الرحمن بن عوف- من سمع بفاحشه فأفشاها فهو کالذی أتاها- . قال رجل لعمرو بن عبید- إن علیا الأسواری لم یزل- منذ الیوم یذکرک بسوء-
و یقول الضال فقال عمرو یا هذا- ما رعیت حق مجالسه الرجل- حین نقلت إلینا حدیثه- و لا وفیتنی حقی حین أبلغتنی عن أخی ما أکرهه- اعلم أن الموت یعمنا و البعث یحشرنا- و القیامه تجمعنا و الله یحکم بیننا- . و کان یقال من نم إلیک نم علیک- . و قالوا فی السعاه یکفیک أن الصدق محمود إلا منهم- و إن أصدقهم أخبثهم- . وشی واش برجل إلى الإسکندر- فقال له أ تحب أن أقبل منک ما قلت فیه- على أن أقبل منه ما قال فیک قال لا- قال فکف عن الشر یکف عنک- .
قال رجل لفیلسوف عابک فلان بکذا- قال لقیتنی لقحتک بما لم یلقنی به لحیائه- . عاب مصعب بن الزبیر الأحنف عن شیء بلغه عنه- فأنکره فقال أخبرنی بذلک الثقه- فقال کلا أیها الأمیر إن الثقه لا ینم- . عرض بعض عمال الفضل بن سهل علیه رقعه- ساع فی طی کتاب کتبه إلیه- فوقع الفضل- قبول السعایه شر من السعایه- لأن السعایه دلاله و القبول إجازه- و لیس من دل على قبیح کمن أجازه و عمل به- فاطرد هذا الساعی عن عملک- و أقصه عن بابک- فإنه لو لم یکن فی سعایته کاذبا- لکان فی صدقه لئیما- إذ لم یرع الحرمه- و لم یستر العوره و السلام- .صالح بن عبد القدوس-
من یخبرک بشتم عن أخ
فهو الشاتم لا من شتمک
ذاک شیء لم یواجهک به
إنما اللوم على من أعلمک
کیف لم ینصرک إن کان أخا
ذا حفاظ عند من قد ظلمک
طریح بن إسماعیل الثقفی-
إن یعلموا الخیر یخفوه و إن علموا
شرا أذاعوا و إن لم یعلموا کذبوا
و معنى قوله ع- و إن غاب لم یفتقد أی لا یقال ما صنع فلان و لا أین هو- أی هو خامل لا یعرف- . و قوله أولئک یفتح الله بهم أبواب الرحمه- و یکشف بهم ضراء النقمه- و روی أولئک یفتح الله بهم أبواب رحمته- و یکشف بهم ضراء نقمته- أی ببرکاتهم یکون الخیر و یندفع الشر- .
ثم ذکر ع أنه سیأتی على الناس زمان- تنقلب فیه الأمور الدینیه إلى أضدادها و نقائضها- و قد شهدنا ذلک عیانا- . ثم أخبر ع أن الله لا یجور على العباد- لأنه تعالى عادل و لا یظلم- و لکنه یبتلی عباده أی یختبرهم- ثم تلا قوله تعالى- إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ- وَ إِنْ کُنَّا لَمُبْتَلِینَ- و المراد أنه تعالى- إذا فسد الناس لا یلجئهم إلى الصلاح- لکن یترکهم و اختیارهم امتحانا لهم- فمن أحسن أثیب- و من أساء عوقب
شرح نهج البلاغه(ابن أبی الحدید) ج ۷
بازدیدها: ۴۴
دیدگاهها