خطبه ۹۱ صبحی صالح
۹۱- و من خطبه له ( علیه السلام ) تعرف بخطبه الأشباح
و هی من جلائل خطبه ( علیه السلام )
روى مسعده بن صدقه عن الصادق جعفر بن محمد ( علیهماالسلام ) أنه قال:
خطب أمیر المؤمنین بهذه الخطبه على منبر الکوفه
و ذلک أن رجلا أتاه فقال له یا أمیر المؤمنین صف لنا ربنا مثل ما نراه عیانا لنزداد له حبا و به معرفه
فغضب و نادى الصلاه جامعه
فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله
فصعد المنبر و هو مغضب متغیر اللون
فحمد الله و أثنى علیه
و صلى على النبی ( صلى الله علیه وآله ) ثم قال
وصف اللّه تعالى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا یَفِرُهُ الْمَنْعُ وَ الْجُمُودُ
وَ لَا یُکْدِیهِ الْإِعْطَاءُ وَ الْجُودُ
إِذْ کُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ
وَ کُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلَاهُ
وَ هُوَ الْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ
وَ عَوَائِدِ الْمَزِیدِ وَ الْقِسَمِ
عِیَالُهُ الْخَلَائِقُ
ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ
وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ
وَ نَهَجَ سَبِیلَ الرَّاغِبِینَ إِلَیْهِ
وَ الطَّالِبِینَ مَا لَدَیْهِ
وَ لَیْسَ بِمَا سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَا لَمْ یُسْأَلْ
الْأَوَّلُ الَّذِی لَمْ یَکُنْ لَهُ قَبْلٌ فَیَکُونَ شَیْءٌ قَبْلَهُ
وَ الْآخِرُ الَّذِی لَیْسَ لهُ بَعْدٌ فَیَکُونَ شَیْءٌ بَعْدَهُ
وَ الرَّادِعُ أَنَاسِیَّ الْأَبْصَارِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِکَهُ
مَا اخْتَلَفَ عَلَیْهِ دَهْرٌ فَیَخْتَلِفَ مِنْهُ الْحَالُ
وَ لَا کَانَ فِی مَکَانٍ فَیَجُوزَ عَلَیْهِ الِانْتِقَالُ
وَ لَوْ وَهَبَ مَا تَنَفَّسَتْ عَنْهُ مَعَادِنُ الْجِبَالِ
وَ ضَحِکَتْ عَنْهُ أَصْدَافُ الْبِحَارِ
مِنْ فِلِزِّ اللُّجَیْنِ وَ الْعِقْیَانِ
وَ نُثَارَهِ الدُّرِّ
وَ حَصِیدِ الْمَرْجَانِ
مَا أَثَّرَ ذَلِکَ فِی جُودِهِ
وَ لَا أَنْفَدَ سَعَهَ مَا عِنْدَهُ
وَ لَکَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَخَائِرِ الْأَنْعَامِ
مَا لَا تُنْفِدُهُ
مَطَالِبُ الْأَنَامِ
لِأَنَّهُ الْجَوَادُ الَّذِی لَا یَغِیضُهُ سُؤَالُ السَّائِلِینَ
وَ لَا یُبْخِلُهُ إِلْحَاحُ الْمُلِحِّینَ
صفاته تعالى فی القرآن
فَانْظُرْ أَیُّهَا السَّائِلُ
فَمَا دَلَّکَ الْقُرْآنُ عَلَیْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ
وَ اسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَایَتِهِ
وَ مَا کَلَّفَکَ الشَّیْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَیْسَ فِی الْکِتَابِ عَلَیْکَ فَرْضُهُ
وَ لَا فِی سُنَّهِ النَّبِیِّ ( صلى الله علیه وآله )وَ أَئِمَّهِ الْهُدَى أَثَرُهُ
فَکِلْ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ
فَإِنَّ ذَلِکَ مُنْتَهَى حَقِّ اللَّهِ عَلَیْکَ
وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِینَ فِی الْعِلْمِ
هُمُ الَّذِینَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ
الْمَضْرُوبَهِ دُونَ الْغُیُوبِ
الْإِقْرَارُ بِجُمْلَهِ مَا جَهِلُوا تَفْسِیرَهُ مِنَ الْغَیْبِ الْمَحْجُوبِ
فَمَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ یُحِیطُوا بِهِ عِلْماً
وَ سَمَّى تَرْکَهُمُ التَّعَمُّقَ فِیمَا لَمْ یُکَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ کُنْهِهِ رُسُوخاً
فَاقْتَصِرْ عَلَى ذَلِکَ
وَ لَا تُقَدِّرْ عَظَمَهَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِکَ
فَتَکُونَ مِنَ الْهَالِکِینَ
هُوَ الْقَادِرُ الَّذِی
إِذَا ارْتَمَتِ الْأَوْهَامُ لِتُدْرِکَ مُنْقَطَعَ قُدْرَتِهِ
وَ حَاوَلَ الْفِکْرُ الْمُبَرَّأُ مِنْ خَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ
أَنْ یَقَعَ عَلَیْهِ فِی عَمِیقَاتِ غُیُوبِ مَلَکُوتِهِ
وَ تَوَلَّهَتِ الْقُلُوبُ إِلَیْهِ
لِتَجْرِیَ فِی کَیْفِیَّهِ صِفَاتِهِ
وَ غَمَضَتْ مَدَاخِلُ الْعُقُولِ فِی حَیْثُ لَا تَبْلُغُهُ الصِّفَاتُ لِتَنَاوُلِ عِلْمِ ذَاتِهِ رَدَعَهَا
وَ هِیَ تَجُوبُ مَهَاوِیَ سُدَفِ الْغُیُوبِ
مُتَخَلِّصَهً إِلَیْهِ سُبْحَانَهُ
فَرَجَعَتْ إِذْ جُبِهَتْ
مُعْتَرِفَهً بِأَنَّهُ لَا یُنَالُ بِجَوْرِ الِاعْتِسَافِ کُنْهُ مَعْرِفَتِهِ
وَ لَا تَخْطُرُ بِبَالِ أُولِی الرَّوِیَّاتِ خَاطِرَهٌ مِنْ تَقْدِیرِ جَلَالِ عِزَّتِه
الَّذِی ابْتَدَعَ الْخَلْقَ عَلَى غَیْرِ مِثَالٍ امْتَثَلَهُ
وَ لَا مِقْدَارٍ احْتَذَى عَلَیْهِ مِنْ خَالِقٍ مَعْبُودٍ کَانَ قَبْلَهُ
وَ أَرَانَا مِنْ مَلَکُوتِ قُدْرَتِهِ
وَ عَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثَارُ حِکْمَتِهِ
وَ اعْتِرَافِ الْحَاجَهِ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى أَنْ یُقِیمَهَا بِمِسَاکِ قُوَّتِهِ
مَا دَلَّنَا بِاضْطِرَارِ قِیَامِ الْحُجَّهِ لَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ
فَظَهَرَتِ الْبَدَائِعُ الَّتِی أَحْدَثَتْهَا آثَارُ صَنْعَتِهِ
وَ أَعْلَامُ حِکْمَتِهِ
فَصَارَ کُلُّ مَا خَلَقَ حُجَّهً لَهُ وَ دَلِیلًا عَلَیْهِ
وَ إِنْ کَانَ خَلْقاً صَامِتاً
فَحُجَّتُهُ بِالتَّدْبِیرِ نَاطِقَهٌ
وَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمُبْدِعِ قَائِمَهٌ
فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَکَ بِتَبَایُنِ أَعْضَاءِ خَلْقِکَ
وَ تَلَاحُمِ حِقَاقِ مَفَاصِلِهِمُ الْمُحْتَجِبَهِ لِتَدْبِیرِ حِکْمَتِکَ
لَمْ یَعْقِدْ غَیْبَ ضَمِیرِهِ عَلَى مَعْرِفَتِکَ
وَ لَمْ یُبَاشِرْ قَلْبَهُ الْیَقِینُ بِأَنَّهُ لَا نِدَّ لَکَ
وَ کَأَنَّهُ لَمْ یَسْمَعْ تَبَرُّؤَ التَّابِعِینَ مِنَ الْمَتْبُوعِینَ
إِذْ یَقُولُونَ تَاللَّهِ إِنْ کُنَّا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ
إِذْ نُسَوِّیکُمْ بِرَبِّ الْعالَمِینَ
کَذَبَ الْعَادِلُونَ بِکَ
إِذْ شَبَّهُوکَ بِأَصْنَامِهِمْ
وَ نَحَلُوکَ حِلْیَهَ الْمَخْلُوقِینَ بِأَوْهَامِهِمْ
وَ جَزَّءُوکَ تَجْزِئَهَ الْمُجَسَّمَاتِ بِخَوَاطِرِهِمْ
وَ قَدَّرُوکَ عَلَى الْخِلْقَهِ الْمُخْتَلِفَهِ الْقُوَى بِقَرَائِحِ عُقُولِهِمْ
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاکَ بِشَیْءٍ مِنْ خَلْقِکَ فَقَدْ عَدَلَ بِکَ
وَ الْعَادِلُ بِکَ کَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْکَمَاتُ آیَاتِکَ
وَ نَطَقَتْ عَنْهُ
شَوَاهِدُ حُجَجِ بَیِّنَاتِکَ
وَ إِنَّکَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِی لَمْ تَتَنَاهَ فِی الْعُقُولِ
فَتَکُونَ فِی مَهَبِّ فِکْرِهَا مُکَیَّفاً
وَ لَا فِی رَوِیَّاتِ خَوَاطِرِهَا فَتَکُونَ مَحْدُوداً مُصَرَّفاً
و منهاقَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْکَمَ تَقْدِیرَهُ
وَ دَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِیرَهُ
وَ وَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ
فَلَمْ یَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ
وَ لَمْ یَقْصُرْ دُونَ الِانْتِهَاءِ إِلَى غَایَتِهِ
وَ لَمْ یَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِیِّ عَلَى إِرَادَتِهِ
فَکَیْفَ وَ إِنَّمَا صَدَرَتِ الْأُمُورُ عَنْ مَشِیئَتِهِ
الْمُنْشِئُ أَصْنَافَ الْأَشْیَاءِ بِلَا رَوِیَّهِ فِکْرٍ آلَ إِلَیْهَا
وَ لَا قَرِیحَهِ غَرِیزَهٍ أَضْمَرَ عَلَیْهَا
وَ لَا تَجْرِبَهٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ الدُّهُورِ
وَ لَا شَرِیکٍ أَعَانَهُ عَلَى ابْتِدَاعِ عَجَائِبِ الْأُمُورِ
فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ
وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ
وَ أَجَابَ إِلَى دَعْوَتِهِ
لَمْ یَعْتَرِضْ دُونَهُ رَیْثُ الْمُبْطِئِ
وَ لَا أَنَاهُ الْمُتَلَکِّئِ
فَأَقَامَ مِنَ الْأَشْیَاءِ أَوَدَهَا
وَ نَهَجَ حُدُودَهَا
وَ لَاءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَیْنَ مُتَضَادِّهَا
وَ وَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا
وَ فَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِی الْحُدُودِ وَ الْأَقْدَارِ
وَ الْغَرَائِزِ وَ الْهَیْئَاتِ
بَدَایَا خَلَائِقَ أَحْکَمَ صُنْعَهَا
وَ فَطَرَهَا عَلَى مَا أَرَادَ وَ ابْتَدَعَهَا
و منها فی صفه السماء
وَ نَظَمَ بِلَا تَعْلِیقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا
وَ لَاحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا
وَ وَشَّجَ بَیْنَهَا وَ بَیْنَ أَزْوَاجِهَا
وَ ذَلَّلَ لِلْهَابِطِینَ بِأَمْرِهِ
وَ الصَّاعِدِینَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ حُزُونَهَ مِعْرَاجِهَا
وَ نَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِیَ دُخَانٌ
فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا
وَ فَتَقَ بَعْدَ الِارْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا
وَ أَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ عَلَى نِقَابِهَا
وَ أَمْسَکَهَا مِنْ أَنْ تُمُورَ فِی خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَیْدِهِ
وَ أَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَهً لِأَمْرِهِ
وَ جَعَلَ شَمْسَهَا آیَهً مُبْصِرَهً لِنَهَارِهَا
وَ قَمَرَهَا آیَهً مَمْحُوَّهً مِنْ لَیْلِهَا
وَ أَجْرَاهُمَا فِی مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا
وَ قَدَّرَ سَیْرَهُمَا فِی مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا
لِیُمَیِّزَ بَیْنَ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ بِهِمَا
وَ لِیُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِینَ وَ الْحِسَابُ بِمَقَادِیرِهِمَا
ثُمَّ عَلَّقَ فِی جَوِّهَا فَلَکَهَا
وَ نَاطَ بِهَا زِینَتَهَا مِنْ خَفِیَّاتِ دَرَارِیِّهَا
وَ مَصَابِیحِ کَوَاکِبِهَا
وَ رَمَى مُسْتَرِقِی السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا
وَ أَجْرَاهَا عَلَى أَذْلَالِ تَسْخِیرِهَا
مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا
وَ مَسِیرِ سَائِرِهَا
وَ هُبُوطِهَا وَ صُعُودِهَا
وَ نُحُوسِهَا وَ سُعُودِهَا
و منها فی صفه الملائکه
ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لِإِسْکَانِ سَمَاوَاتِهِ
وَ عِمَارَهِ الصَّفِیحِ الْأَعْلَى مِنْ مَلَکُوتِهِ
خَلْقاً بَدِیعاً مِنْ مَلَائِکَتِهِ
وَ مَلَأَ بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا
وَ حَشَا بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا
وَ بَیْنَ فَجَوَاتِ تِلْکَ الْفُرُوجِ زَجَلُ الْمُسَبِّحِینَ مِنْهُمْ فِی حَظَائِرِ الْقُدُسِ
وَ سُتُرَاتِ الْحُجُبِ
وَ سُرَادِقَاتِ الْمَجْدِ وَ وَرَاءَ ذَلِکَ الرَّجِیجِ
الَّذِی تَسْتَکُّ مِنْهُ الْأَسْمَاعُ
سُبُحَاتُ نُورٍ تَرْدَعُ الْأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا
فَتَقِفُ خَاسِئَهً عَلَى حُدُودِهَا.
وَ أَنْشَأَهُمْ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ
وَ أَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ
أُولِی أَجْنِحَهٍ
تُسَبِّحُ جَلَالَ عِزَّتِهِ
لَا یَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِی الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ
وَ لَا یَدَّعُونَ أَنَّهُمْ یَخْلُقُونَ شَیْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ
بَلْ عِبادٌ مُکْرَمُونَ
لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ
جَعَلَهُمُ اللَّهُ فِیمَا هُنَالِکَ أَهْلَ الْأَمَانَهِ عَلَى وَحْیِهِ
وَ حَمَّلَهُمْ إِلَى الْمُرْسَلِینَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَ نَهْیِهِ
وَ عَصَمَهُمْ مِنْ رَیْبِ الشُّبُهَاتِ
فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِیلِ مَرْضَاتِهِ
وَ أَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ الْمَعُونَهِ
وَ أَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّکِینَهِ
وَ فَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلًا إِلَى تَمَاجِیدِهِ
وَ نَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَهً عَلَى أَعْلَامِ تَوْحِیدِهِ
لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُؤْصِرَاتُ الْآثَامِ
وَ لَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اللَّیَالِی وَ الْأَیَّامِ
وَ لَمْ تَرْمِ الشُّکُوکُ بِنَوَازِعِهَا عَزِیمَهَ إِیمَانِهِمْ
وَ لَمْ تَعْتَرِکِ الظُّنُونُ عَلَى مَعَاقِدِ یَقِینِهِمْ
وَ لَا قَدَحَتْ قَادِحَهُ الْإِحَنِ فِیمَا بَیْنَهُمْ
وَ لَا سَلَبَتْهُمُ الْحَیْرَهُ مَا لَاقَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمَائِرِهِمْ
وَ مَا سَکَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَ هَیْبَهِ جَلَالَتِهِ فِی أَثْنَاءِ صُدُورِهِمْ
وَ لَمْ تَطْمَعْ فِیهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَیْنِهَا عَلَى فِکْرِهِمْ
وَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِی خَلْقِ الْغَمَامِ الدُّلَّحِ
وَ فِی عِظَمِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ
وَ فِی قَتْرَهِ الظَّلَامِ الْأَیْهَمِ
وَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ الْأَرْضِ السُّفْلَى
فَهِیَ کَرَایَاتٍ بِیضٍ
قَدْ نَفَذَتْ فِی مَخَارِقِ الْهَوَاءِ
وَ تَحْتَهَا رِیحٌ هَفَّافَهٌ تَحْبِسُهَا عَلَى حَیْثُ انْتَهَتْ مِنَ الْحُدُودِ الْمُتَنَاهِیَهِ
قَدِ اسْتَفْرَغَتْهُمْ أَشْغَالُ عِبَادَتِهِ
وَ وَصَلَتْ حَقَائِقُ الْإِیمَانِ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَعْرِفَتِهِ
وَ قَطَعَهُمُ الْإِیقَانُ بِهِ إِلَى الْوَلَهِ إِلَیْهِ
وَ لَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلَى مَا عِنْدَ غَیْرِهِ
قَدْ ذَاقُوا حَلَاوَهَ مَعْرِفَتِهِ
وَ شَرِبُوا بِالْکَأْسِ الرَّوِیَّهِ مِنْ مَحَبَّتِهِ
وَ تَمَکَّنَتْ مِنْ سُوَیْدَاءِ
قُلُوبِهِمْ وَشِیجَهُ خِیفَتِهِ
فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَهِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهِمْ
وَ لَمْ یُنْفِدْ طُولُ الرَّغْبَهِ إِلَیْهِ مَادَّهَ تَضَرُّعِهِمْ
وَ لَا أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِیمُ الزُّلْفَهِ رِبَقَ خُشُوعِهِمْ
وَ لَمْ یَتَوَلَّهُمُ الْإِعْجَابُ فَیَسْتَکْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ
وَ لَا تَرَکَتْ لَهُمُ اسْتِکَانَهُ الْإِجْلَالِ نَصِیباً فِی تَعْظِیمِ حَسَنَاتِهِمْ
وَ لَمْ تَجْرِ الْفَتَرَاتُ فِیهِمْ عَلَى طُولِ دُءُوبِهِمْ
وَ لَمْ تَغِضْ رَغَبَاتُهُمْ فَیُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ
وَ لَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاهِ أَسَلَاتُ أَلْسِنَتِهِمْ
وَ لَا مَلَکَتْهُمُ الْأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ الْجُؤَارِ إِلَیْهِ أَصْوَاتُهُمْ
وَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِی مَقَاوِمِ الطَّاعَهِ مَنَاکِبُهُمْ
وَ لَمْ یَثْنُوا إِلَى رَاحَهِ التَّقْصِیرِ فِی أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ.
وَ لَا تَعْدُو عَلَى عَزِیمَهِ جِدِّهِمْ بَلَادَهُ الْغَفَلَاتِ
وَ لَا تَنْتَضِلُ فِی هِمَمِهِمْ خَدَائِعُ الشَّهَوَاتِ
قَدِاتَّخَذُوا ذَا الْعَرْشِ ذَخِیرَهً لِیَوْمِ فَاقَتِهِمْ
وَ یَمَّمُوهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْخَلْقِ إِلَى الْمَخْلُوقِینَ بِرَغْبَتِهِمْ
لَا یَقْطَعُونَ أَمَدَ غَایَهِ عِبَادَتِهِ
وَ لَا یَرْجِعُ بِهِمُ الِاسْتِهْتَارُ بِلُزُومِ طَاعَتِهِ
إِلَّا إِلَى مَوَادَّ مِنْ قُلُوبِهِمْ غَیْرِ مُنْقَطِعَهٍ مِنْ رَجَائِهِ وَ مَخَافَتِهِ
لَمْ تَنْقَطِعْ أَسْبَابُ الشَّفَقَهِ مِنْهُمْ
فَیَنُوا فِی جِدِّهِمْ
وَ لَمْ تَأْسِرْهُمُ الْأَطْمَاعُ فَیُؤْثِرُوا وَشِیکَ السَّعْیِ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ
لَمْ یَسْتَعْظِمُوا مَا مَضَى مِنْ أَعْمَالِهِمْ
وَ لَوِ اسْتَعْظَمُوا ذَلِکَ لَنَسَخَ الرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ
وَ لَمْ یَخْتَلِفُوا فِی رَبِّهِمْ بِاسْتِحْوَاذِ الشَّیْطَانِ عَلَیْهِمْ
وَ لَمْ یُفَرِّقْهُمْ سُوءُ التَّقَاطُعِ
وَ لَا تَوَلَّاهُمْ غِلُّ التَّحَاسُدِ
وَ لَا تَشَعَّبَتْهُمْ مَصَارِفُ الرِّیَبِ
وَ لَا اقْتَسَمَتْهُمْ أَخْیَافُ الْهِمَمِ
فَهُمْ أُسَرَاءُ إِیمَانٍ
لَمْ یَفُکَّهُمْ مِنْ رِبْقَتِهِ زَیْغٌ وَ لَا عُدُولٌ وَ لَا وَنًى وَ لَا فُتُورٌ
وَ لَیْسَ فِی أَطْبَاقِ السَّمَاءِ مَوْضِعُ إِهَابٍ إِلَّا وَ عَلَیْهِ مَلَکٌ سَاجِدٌ
أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ
یَزْدَادُونَ عَلَى طُولِ الطَّاعَهِ بِرَبِّهِمْ عِلْماً
وَ تَزْدَادُ عِزَّهُ رَبِّهِمْ فِی قُلُوبِهِمْ عِظَماً
و منها فی صفه الأرض و دحوها على الماء
کَبَسَ الْأَرْضَ عَلَى مَوْرِ أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَهٍ
وَ لُجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَهٍ
تَلْتَطِمُ أَوَاذِیُّ أَمْوَاجِهَا
وَ تَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِهَا
وَ تَرْغُو زَبَداً کَالْفُحُولِ عِنْدَ هِیَاجِهَا
فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلَاطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا
وَ سَکَنَ هَیْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِکَلْکَلِهَا
وَ ذَلَّ مُسْتَخْذِیاً
إِذْ تَمَعَّکَتْ عَلَیْهِ بِکَوَاهِلِهَا
فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ
سَاجِیاً مَقْهُوراً
وَ فِی حَکَمَهِ الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِیراً
وَ سَکَنَتِ الْأَرْضُ مَدْحُوَّهً فِی لُجَّهِ تَیَّارِهِ
وَ رَدَّتْ مِنْ نَخْوَهِ بَأْوِهِ وَ اعْتِلَائِهِ
وَ شُمُوخِ أَنْفِهِ وَ سُمُوِّ غُلَوَائِهِ
وَ کَعَمَتْهُ عَلَى کِظَّهِ جَرْیَتِهِ
فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ
وَ لَبَدَ بَعْدَ زَیَفَانِ وَثَبَاتِهِ
فَلَمَّا سَکَنَ هَیْجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَکْنَافِهَا
وَ حَمْلِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ الْبُذَّخِ عَلَى أَکْتَافِهَا
فَجَّرَ یَنَابِیعَ الْعُیُونِ مِنْ عَرَانِینِ أُنُوفِهَا
وَ فَرَّقَهَا فِی سُهُوبِ بِیدِهَا وَ أَخَادِیدِهَا
وَ عَدَّلَ حَرَکَاتِهَا بِالرَّاسِیَاتِ مِنْ جَلَامِیدِهَا
وَ ذَوَاتِ الشَّنَاخِیبِ الشُّمِّ مِنْ صَیَاخِیدِهَا
فَسَکَنَتْ مِنَ الْمَیَدَانِ لِرُسُوبِ الْجِبَالِ فِی قِطَعِ أَدِیمِهَا وَ تَغَلْغُلِهَا
مُتَسَرِّبَهً فِی جَوْبَاتِ خَیَاشِیمِهَا
وَ رُکُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ الْأَرَضِینَ وَ جَرَاثِیمِهَا
وَ فَسَحَ بَیْنَ الْجَوِّ وَ بَیْنَهَا
وَ أَعَدَّ الْهَوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاکِنِهَا
وَ أَخْرَجَ إِلَیْهَا أَهْلَهَا عَلَى تَمَامِ مَرَافِقِهَا
ثُمَّ لَمْ یَدَعْ جُرُزَ الْأَرْضِ الَّتِی تَقْصُرُ مِیَاهُ الْعُیُونِ عَنْ رَوَابِیهَا
وَ لَا تَجِدُ جَدَاوِلُ الْأَنْهَارِ ذَرِیعَهً إِلَى بُلُوغِهَا
حَتَّى أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَهَ سَحَابٍ تُحْیِی مَوَاتَهَا
وَ تَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا
أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمَعِهِ
وَ تَبَایُنِ قَزَعِهِ
حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّهُالْمُزْنِ فِیهِ
وَ الْتَمَعَ بَرْقُهُ فِی کُفَفِهِ
وَ لَمْ یَنَمْ وَمِیضُهُ فِی کَنَهْوَرِ رَبَابِهِ
وَ مُتَرَاکِمِ سَحَابِهِ
أَرْسَلَهُ سَحّاً مُتَدَارِکاً
قَدْ أَسَفَّ هَیْدَبُهُ
تَمْرِیهِ الْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِیبِهِ
وَ دُفَعَ شَآبِیبِهِ.
فَلَمَّا أَلْقَتِ السَّحَابُ بَرْکَ بِوَانَیْهَا
وَ بَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ الْمَحْمُولِ عَلَیْهَا
أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الْأَرْضِ النَّبَاتَ
وَ مِنْ زُعْرِ الْجِبَالِ الْأَعْشَابَ
فَهِیَ تَبْهَجُ بِزِینَهِ رِیَاضِهَا
وَ تَزْدَهِی بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَیْطِ أَزَاهِیرِهَا
وَ حِلْیَهِ مَا سُمِطَتْ بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا
وَ جَعَلَ ذَلِکَ بَلَاغاً لِلْأَنَامِ
وَ رِزْقاً لِلْأَنْعَامِ
وَ خَرَقَ الْفِجَاجَ فِی آفَاقِهَا
وَ أَقَامَ الْمَنَارَ لِلسَّالِکِینَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا
فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ
وَ أَنْفَذَ أَمْرَهُ
اخْتَارَ آدَمَ ( علیه السلام )خِیرَهً مِنْ خَلْقِهِ
وَ جَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ
وَ أَسْکَنَهُ جَنَّتَهُ
وَ أَرْغَدَ فِیهَا أُکُلَهُ
وَ أَوْعَزَ إِلَیْهِ فِیمَا نَهَاهُ عَنْهُ
وَ أَعْلَمَهُ أَنَّ فِی الْإِقْدَامِ عَلَیْهِ التَّعَرُّضَ لِمَعْصِیَتِهِ
وَ الْمُخَاطَرَهَ بِمَنْزِلَتِهِ
فَأَقْدَمَ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ
مُوَافَاهً لِسَابِقِ عِلْمِهِ
فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَهِ لِیَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ
وَ لِیُقِیمَ الْحُجَّهَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ
وَ لَمْ یُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ
مِمَّا یُؤَکِّدُ عَلَیْهِمْ حُجَّهَ رُبُوبِیَّتِهِ
وَ یَصِلُ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَعْرِفَتِهِ
بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِیَرَهِ مِنْ أَنْبِیَائِهِ
وَ مُتَحَمِّلِی وَدَائِعِ رِسَالَاتِهِ
قَرْناً فَقَرْناً
حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِیِّنَا مُحَمَّدٍ ( صلى الله علیه وسلم )حُجَّتُهُ
وَ بَلَغَ الْمَقْطَعَ عُذْرُهُ وَ نُذُرُهُ
وَ قَدَّرَ الْأَرْزَاقَ فَکَثَّرَهَا وَ قَلَّلَهَا
وَ قَسَّمَهَا عَلَى الضِّیقِ وَ السَّعَهِ فَعَدَلَ فِیهَا
لِیَبْتَلِیَ مَنْ أَرَادَ بِمَیْسُورِهَا وَ مَعْسُورِهَا
وَ لِیَخْتَبِرَ بِذَلِکَ الشُّکْرَ وَ الصَّبْرَ مِنْ غَنِیِّهَا وَ فَقِیرِهَا
ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِیلَ فَاقَتِهَا
وَ بِسَلَامَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا
وَ بِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا
وَ خَلَقَ الْآجَالَ فَأَطَالَهَا وَ قَصَّرَهَا
وَ قَدَّمَهَا وَ أَخَّرَهَا
وَ وَصَلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا
وَ جَعَلَهُ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا
وَ قَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا
عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِینَ
وَ نَجْوَى الْمُتَخَافِتِینَ
وَ خَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ
وَ عُقَدِ عَزِیمَاتِ الْیَقِینِ
وَ مَسَارِقِ إِیمَاضِ الْجُفُونِ
وَ مَا ضَمِنَتْهُ أَکْنَانُ الْقُلُوبِ
وَ غَیَابَاتُ الْغُیُوبِ
وَ مَا أَصْغَتْ لِاسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ الْأَسْمَاعِ
وَ مَصَایِفُ الذَّرِّ
وَ مَشَاتِی الْهَوَامِّ
وَ رَجْعِ الْحَنِینِ مِنَ الْمُولَهَاتِ
وَ هَمْسِ الْأَقْدَامِ
وَ مُنْفَسَحِ الثَّمَرَهِ مِنْ وَلَائِجِ غُلُفِ الْأَکْمَامِ
وَ مُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غِیرَانِ الْجِبَالِ وَ أَوْدِیَتِهَا
وَ مُخْتَبَإِ الْبَعُوضِ بَیْنَ سُوقِ الْأَشْجَارِ وَ أَلْحِیَتِهَا
وَ مَغْرِزِ الْأَوْرَاقِ مِنَ الْأَفْنَانِ
وَ مَحَطِّ الْأَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ الْأَصْلَابِ
وَ نَاشِئَهِ الْغُیُومِ وَ مُتَلَاحِمِهَا
وَ دُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ فِی مُتَرَاکِمِهَا
وَ مَا تَسْفِی الْأَعَاصِیرُ بِذُیُولِهَا
وَ تَعْفُو الْأَمْطَارُ بِسُیُولِهَا
وَ عَوْمِ بَنَاتِ الْأَرْضِ فِی کُثْبَانِ الرِّمَالِ
وَ مُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الْأَجْنِحَهِ بِذُرَا شَنَاخِیبِ الْجِبَالِ
وَ تَغْرِیدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِی دَیَاجِیرِ الْأَوْکَارِ
وَ مَا أَوْعَبَتْهُ الْأَصْدَافُ
وَ حَضَنَتْ عَلَیْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ
وَ مَا غَشِیَتْهُ سُدْفَهُ لَیْلٍ
أَوْ ذَرَّ عَلَیْهِ شَارِقُ نَهَارٍ
وَ مَا اعْتَقَبَتْ عَلَیْهِ أَطْبَاقُ الدَّیَاجِیرِ
وَ سُبُحَاتُ النُّورِ
وَ أَثَرِ کُلِّ خَطْوَهٍ
وَ حِسِّ کُلِّ حَرَکَهٍ
وَ رَجْعِ کُلِّ کَلِمَهٍ
وَ تَحْرِیکِ کُلِّ شَفَهٍ
وَ مُسْتَقَرِّ کُلِّ نَسَمَهٍ
وَ مِثْقَالِ کُلِّ ذَرَّهٍ وَ هَمَاهِمِ کُلِّ نَفْسٍ هَامَّهٍ
وَ مَا عَلَیْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَهٍ
أَوْ سَاقِطِ وَرَقَهٍ
أَوْ قَرَارَهِ نُطْفَهٍ
أَوْ نُقَاعَهِ دَمٍ وَ مُضْغَهٍ
أَوْ نَاشِئَهِ خَلْقٍ وَ سُلَالَهٍ
لَمْ یَلْحَقْهُ فِی ذَلِکَ کُلْفَهٌ
وَ لَا اعْتَرَضَتْهُ فِی حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَهٌ
وَ لَا اعْتَوَرَتْهُ فِی تَنْفِیذِ الْأُمُورِ وَ تَدَابِیرِ الْمَخْلُوقِینَ مَلَالَهٌ وَ لَا فَتْرَهٌ
بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ
وَ أَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ
وَ وَسِعَهُمْ عَدْلُهُ
وَ غَمَرَهُمْ فَضْلُهُ
مَعَ تَقْصِیرِهِمْ عَنْ کُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ
دعاء
اللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِیلِ
وَ التَّعْدَادِ الْکَثِیرِ
إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَیْرُ مَأْمُولٍ
وَ إِنْ تُرْجَ فَخَیْرُ مَرْجُوٍّ
اللَّهُمَّ وَ قَدْ بَسَطْتَ لِی فِیمَا لَا أَمْدَحُ بِهِ غَیْرَکَ
وَ لَا أُثْنِی بِهِ عَلَى أَحَدٍ سِوَاکَ
وَ لَا أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ الْخَیْبَهِ وَ مَوَاضِعِ الرِّیبَهِ
وَ عَدَلْتَ بِلِسَانِی عَنْ مَدَائِحِ الْآدَمِیِّینَ وَ الثَّنَاءِ عَلَى الْمَرْبُوبِینَ الْمَخْلُوقِینَ
اللَّهُمَّ وَ لِکُلِّ مُثْنٍ عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَیْهِ مَثُوبَهٌ مِنْ جَزَاءٍ
أَوْ عَارِفَهٌ مِنْ عَطَاءٍ
وَ قَدْ رَجَوْتُکَ دَلِیلًا عَلَى ذَخَائِرِ الرَّحْمَهِ وَ کُنُوزِ الْمَغْفِرَهِ
اللَّهُمَّ وَ هَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَکَ بِالتَّوْحِیدِ الَّذِی هُوَ لَکَ
وَ لَمْ یَرَ مُسْتَحِقّاً لِهَذِهِ الْمَحَامِدِ وَ الْمَمَادِحِ غَیْرَکَ
وَ بِی فَاقَهٌ إِلَیْکَ لَا یَجْبُرُ مَسْکَنَتَهَا إِلَّا فَضْلُکَ
وَ لَا یَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلَّا مَنُّکَ وَ جُودُکَ
فَهَبْ لَنَا فِی هَذَا الْمَقَامِ رِضَاکَ
وَ أَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الْأَیْدِی إِلَى سِوَاکَ
إِنَّکَ عَلى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۶
الفصل الخامس
منها فی صفه الملائکه ثمّ خلق سبحانه لإسکان سماواته، و عماره الصّفیح الأعلى من ملکوته، خلقا بدیعا من ملائکته، ملأ بهم فروج فجاجها، و حشابهم فتوق أجوائها، و بین فجوجات تلک الفروج زجل المسبّحین منهم فی حظایر القدس، و سترات الحجب، و سرادقات المجد، و وراء ذلک الرّجیج الّذی تستک منه الأسماع سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها، فتقف خاسئه على حدودها، أنشأهم على صور مختلفات، و أقدار متفاوتات، أولی أجنحه تسبّح جلال عزّته، لا ینتحلون ما ظهر فی الخلق من صنعه، و لا یدّعون أنّهم یخلقون شیئا معه ممّاانفرد به، بل عباد مکرمون، لا یسبقونه بالقول و هم بأمره یعملون. جعلهم فیما هنا لک أهل الأمانه على وحیه، و حمّلهم إلى المرسلین و دائع أمره و نهیه، و عصمهم من ریب الشّبهات، فما منهم زائغ من سبیل مرضاته، و أمدّهم بفوائد المعونه، و أشعر قلوبهم تواضع إخبات السّکینه، و فتح لهم أبوابا ذللا إلى تماجیده، و نصب لهم منارا واضحه على أعلام توحیده، لم تثقلهم موصرات الاثام، و لم ترتحلهم عقب اللّیالی و الأیّام، و لم ترم الشّکوک بنوازعها عزیمه إیمانهم، و لم تعترک الظّنون على معاقد یقینهم، و لا قدحت قادحه الأحن فیما بینهم، و لا سلبتهم الحیره ما لاق من معرفته بضمائرهم، و ما سکن من عظمته و هیبه جلالته فی أثناء صدورهم، و لم تطمع فیهم الوساوس فتقترع برینها على فکرهم منهم من هو فی خلق الغمام الدّلّح، و فی عظم الجبال الشّمّخ، و فی قتره الظّلام الأیهم، و منهم من قد خرقت أقدامهم تخوم الأرض السّفلى، فهی کرایات بیض قد نفذت فی مخارق الهواء، و تحتها ریح هفّافه تحبسها على حیث انتهت من الحدود المتناهیه، قد استفرغتهم أشغال عبادته، و وصلت حقایق الإیمان بینهم و بین معرفته، و قطعهم الإیقان به إلى الوله إلیه، و لم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غیره.
قد ذاقوا حلاوه معرفته، و شربوا بالکأس الرّویّه من محبّته، و تمکّنت من سویداء قلوبهم و شیجه خیفته، فحنوا بطول الطّاعه اعتدال ظهورهم، و لم ینفد طول الرّغبه إلیه مادّه تضرّعهم، و لا أطلق عنهم عظیم الزّلفه ربق خشوعهم، و لم یتولّهم الإعجاب فیستکثروا ما سلف منهم و لا ترکت لهم استکانه الإجلال نصیبا فی تعظیم حسناتهم، و لم تجر الفترات فیهم على طول دؤوبهم، و لم تغض رغباتهم فیخالفوا عن رجاء ربّهم، و لم تجفّ لطول المناجاه أسلات ألسنتهم، و لا ملکتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجؤار إلیه أصواتهم، و لم تختلف فی مقاوم الطّاعه مناکبهم، و لم یثنوا إلى راحه التّقصیر فی أمره رقابهم، و لا تعدوا على عزیمه جدّهم بلاده الغفلات، و لا تنتصل فی هممهم خدائع الشّهوات. قد اتّخذوا ذا العرش ذخیره لیوم فاقتهم، و یمّموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقین برغبتهم، لا یقطعون أمد غایه عبادته، و لا یرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته، إلّا إلى موادّ من قلوبهم غیر منقطعه من رجائه و مخافته، لم تنقطع أسباب الشّفقه منهم فینوا فی جدّهم، و لم تأسرهم الأطماع فیؤثروا و شیک السّعی على اجتهادهم، و لم یستعظموا ما مضى من أعمالهم، و لو استعظموا ذلک لنسخ الرّجآء منهم شفقات وجلهم و لم یختلفوا فی ربّهم باستحواذ الشّیطان علیهم، و لم یفرّقهم سوء التّقاطع، و لا تولّاهم غلّ التّحاسد، و لا شعّبتهم مصارف الرّیب، و لا اقتسمتهم أخیاف الهمم، فهم أسراء إیمان لم یفکّهم من ربقته زیغ و لا عدول، و لا ونا و لا فتور، و لیس فی أطباق السّموات موضع إهاب إلّا و علیه ملک ساجد، أو ساع حافد، یزدادون على طول الطّاعه بربّهم علما، و تزداد عزّه ربّهم فی قلوبهم عظما.
اللغه
(عماره) المنزل جعله أهلا ضدّ الخراب الذى لا أهل له یقال عمره اللَّه منزلک عماره و أعمره جعله أهلا و (الصفیح) السّماء و وجه کلّ شیء عریض قاله فى القاموس، و وصفه بالأعلى بالنسبه إلى الأرض لأنه الصفیح الأسفل، فما فی شرح المعتزلی من تفسیره بسطح الفلک الأعظم لیس بشیء بل مخالف لکلام الامام علیه السّلام مضافا إلى مخالفته لتفسیر أهل اللغه إذ کلامه هنا و فی الخطبه الاولى صریح فی عدم اختصاص مسکن الملائکه بالفلک الأعظم، حیث قال ثمّه: ثمّ فتق ما بین السّماوات العلى فملأهنّ أطوارا من ملائکته، و ذکر هنا أنه تعالى ملأ بهم فروج فجاجها و حشابهم فتوق أجوائها.
و (الملکوت) کرهبوت العزّ و السلطان، قال بعض اللّغویین: إنّ أهل التحقیق یستعملون الملک فی العالم الظاهر و الملکوت فی العالم الباطن، و قال: إنّ الواو و التاء فیه کما فی رهبوت و رغبوت و جبروت و تربوت زیدتا للمبالغه فیکون معنى الملکوت الملک العظیم و (الفجاج) بکسر الفاء جمع فجّ بفتحها قال سبحانه:
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۷۲
مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ و هو الطریق الواسع بین الجبلین و (حشوت) الوساده بالقطن جعلتها مملوّه منه و (الفجوات) جمع فجوه و هی الفرجه و الموضع المتّسع بین الشیئین و (الزجل) محرّکه رفع الصّوت مصدر زجل کفرح و (الحظیره) بالحاء المهمله و الظاء المعجمه الموضع الذى یحاط علیه لتأوى إلیه الابل و الغنم و غیرهما لیقیها من الحرّ و البرد و (القدس) بسکون الدّال و ضمّها الطهر و (السترات) بضمّتین جمع ستره بالضمّ و هو ما یستتر به کالسّتاره و (السرادق) الذى یمدّ فوق صحن البیت و البیت من الکرسف و (المجد) الشرف و العظمه و (الرجیج) الزلزله و الاضطراب و منه رجیج البحر و (استکّت) المسامع ضاقت و صمت قال الشّاعر:
و نبّئت خیر النّاس أنّک لمتنى و تلک التی تستکّ منه المسامع
و (السّبحات) بضمّتین النور و البهاء و الجلال و العظمه و قیل: سبحات الوجه محاسنه لأنّک إذا رأیت الوجه الحسن قلت سبحان اللَّه تعجّبا و (ردعه) کمنعه کفّه وردّه و (خسأ) البصر کلّ من باب منع و الخاسئ من الکلاب و نحوها المبعد الذى لا یترک أن یدنو من النّاس و (تسبّح) من التّسبیح و فی بعض النسخ تسبح من السّباحه و فی هذه النسخه (خلال) بالخاء المعجمه المکسوره و هو وسط الشّیء أو جمع خلل بالتحریک و هو الفرجه بین الشیئین، و فی بعضها جلال بحار عزّته و (انتحل) الشّیء إذا ادّعاه لنفسه و هو لغیره و (حمّلهم) بتشدید المیم و (الزّیغ) العدول عن الحق قال سبحانه: ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى و (استعنت به) فأعاننى و قد یتعدّى بنفسه فیقال استعنته فأعاننى و الاسم منه العون و المعانه و المعونه بفتح المیم و ضمّ الواو على وزن مکرمه و بضمّ العین أیضا و اتباع الواو على وزن مقوله.
قال الفیومى: وزن المعونه مفعله بضمّ العین و بعضهم یجعل المیم أصلیه و یقول
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۷۳
هی مأخوذه من الماعون و یقول هی فعوله و (اشعر) قلوبهم من شعرت بالشّیء شعورا من باب قعد علمت و قیل مأخوذ من الشعار و هو ما یلبس تحت الدّثار أى الزم قلوبهم تشبیها بلزوم الشعار للبدن و (أخبت) الرجل خضع للّه و خشع قلبه و (السکینه) الوقار و الطمأنینه و المهابه و (الذّلل) بضمّتین جمع الذّلول و هو ضدّ الصّعب و (مجدّه) تمجیدا عظّمه و أثنا علیه و الجمع للدّلاله على الأنواع و (الأعلام) جمع علم بالتحریک و هو الجبل الطویل قال الشّاعر:
ربما اوفیت فی علم ترفعن ثوبی شمالات
و (الاصر) الثقل و (العقب) جمع العقبه کغرف و غرفه و هی النوبه و اللّیل و النّهار یتعاقبان أى یتناوبان و یجیء کلّ منهما بعد الآخر و (نوازعها) فی بعض النسخ بالعین المهمله من نزع فی القوس إذا مدّها و فی بعضها بالغین المعجمه من نزغ الشیطان بین القوم أى أفسد و (الاعتراک) الازدحام و (قدح) بالزند من باب منع أى رام الایراء به و هو استخراج النّار و (أحن) الرّجل من باب تعب حقد و أضمر العداوه، و الاحنه اسم منه و الجمع احن کسدره و سدر و (لاق) الشّیء بغیره أى لزق و منه اللیقه للصوق المداد بها و (الاقتراع) الضرب بالقرعه و الاختیار.
و فی شرح المعتزلی هو من الاقتراع بالسهام بأن یتناوب کلّ من الوساوس علیها، و الأنسب أن یجعل المزید بمعنى المجرّد یقال قرعته بالمقرعه ضربته بها، و فی بعض النسخ فتفترع بالفاء من فرعه أى علاه و الأول أنسب بالطبع و (الرّین) بالنون کما فی بعض النسخ و هو الدنس و الطبع و الغطاء و ران ذنبه على قلبه رینا غلب، و فی بعضها بالباء الموحّده بمعنى الشّک.
و (الغمام) جمع الغمامه و (الدلّح) بالحاء المهمله جمع دالح کراکع و رکّع یقاب سحاب دالح أى ثقیل بکثره مائه و (الشمّخ) بالخاء المعجمه جمع الشامخ و هو المرتفع العالى و (القتره) بالضمّ بیت الصاید الذی یستتر به عند تصیده من خصّ و نحوه، و الجمع قتر مثل غرفه و غرف و (الایهم) الذى لا یهتدى فیه و منه فلاه یهماء و (تخوم) الأرض بالضمّ حدودها و معالمها، قال الفیومى: التخم حدّ الأرض
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۷۴
و الجمع تخوم مثل فلس و فلوس، و قال ابن الاعرابى و ابن السّکیت الواحد تخوم و الجمع تخم مثل رسول و رسل.
و (ریح هفافه) طیبه ساکنه و (وصلت) فی بعض النسخ بالسین المهمله المشدّده یقال و سلّ إلى اللَّه توسیلا و توسّل أى عمل عملا یقرب به إلیه و (الوله) محرکه شدّه الوجد أو ذهاب العقل و (شربوا بالکأس) بتثلیث الرّاء و الکأس مؤنثه و (الرّویه) المرویّه التی تزیل العطش و (سویداء) القلب و سوداؤه حبّته و (الوشیجه) فی الأصل عرق الشجره یقال: و شجت العروق و الأغصان أى اشتبکت و (حنیت) العود ثنّیته و حنّیت ضلعی عوّجته و یقال للرّجل إذا انحنى من الکبر: حناه الدّهر.
و (اعجب) زید بنفسه على البناء للمفعول إذا ترفّع و سرّ بفضائله و أعجبنى حسن زید إذا أعجبت منه قال الفیومى: و التعجّب على وجهین أحدهما ما یحمده الفاعل و معناه الاستحسان و الاخبار عن رضاه به، و الثانی ما یکرهه و معناه الانکار و الذّم له ففی الاستحسان یقال أعجبنی بالألف و فی الذّم و الانکار عجبت و زان تعبت و (الفترات) جمع الفتره مصدر بنیت للمرّه من فتر الشیء فتورا سکن بعد حدّه و لان بعد شدّه.
و (دأب) فی عمله من باب منع دأبا و دابا بالتحریک و دؤبا بالضمّ جدّ و تعب.
و (غاض) الماء غیضا من باب سار قلّ و نقص و (اسله) اللسان طرفه و مستدقّه و (الهمس) محرّکه الصّوت الخفىّ و (الجؤار) و زان غراب رفع الصّوت بالدّعاء و التضرّع و (المقاوم) جمع مقام و (ثنا) الشیء یثنى و یثنو من باب رمى و دعا ردّ بعضه على بعض و ثنیته أیضا أى صرفته إلى حاجته و (بلد) الرّجل بالضمّ بلاده فهو بلید أى غیر فطن و لا ذکی و (ناضلته) مناضله رامیته فنضلته نضلا من باب قتل غلبته فی الرّمى و انتضل القوم رموا للسبق و (الهمه) ما همّ به من أمر لیفعل و (یمّمته) قصدته و (الأمد) المنتهى و قد یکون بمعنى امتداد المسافه و (رجع) یکون لازما و متعدّ یا تقول رجع زید و رجعته أنا و (اهتر)
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۷۵
فلان بکذا و استهتر بالبناء للمفعول فهو مهتر و مستهتر بالفتح أولع به لا یتحدّث بغیره و لا یفعل غیره، و الاستهتار الولع بالشىء لا یبالی بما فعل فیه و شتم له.
و (الونی) الضّعف و الفتور من ونی فی الأمر من باب تعب و وعدو (الوشیک) القریب و السّریع و (نسخ) الشیء إزالته و إبطاله و (استحوذ) علیه الشیطان استولى و (التقاطع) التعادی و ترک البرّ و الاحسان و (تولّیت) الأمر قمت به و (الغلّ) الحقد و (الشعبه) من کلّ شیء الطائفه منه و شعّبهم أى فرّقهم و فى بعض النّسخ تشعبّتهم على التفعّل و الأوّل أظهر و (الرّیب) جمع الرّیبه و هو الشّک.
و (أخیاف) الهمم اختلافها و أصله من الخیف بالتحریک مصدر من باب تعب و هو أن یکون إحدى العینین من الفرس زرقاء و الاخرى کحلاء، فالفرس أخیف و النّاس أخیاف أى مختلفون، و منه قیل لاخوه الامّ: أخیاف لاختلافهم من حیث الأب و (الاهاب) ککتاب الجلد و (الحافد) المسرع و الخفیف فی العمل و یجمع على حفد بالتحریک و یطلق على الخدم لاسراعه فی الخدمه و (العظم) وزان عنب خلاف الصّغر مصدر عظم و فى بعض النّسخ بالضّم و زان قفل و هو اسم من تعظّم أى تکبّر.
الاعراب
قوله: و بین فجوات آه الجمله حال من مفعول حشا، و قوله: و وراء ذلک خبر قدّم على مبتدئه و هو سبحات، و الابصار فی بعض النسخ بالنصب على أنّه مفعول تردع و فاعله راجع إلى سبحات، و فی بعضها بالرّفع على بناء تردع للمفعول، و أنشأهم عطف على ملاء بهم، و أولى أجنحه حال من مفعول أنشأ، و جمله تسبح صفه لأولى أجنحه أو لأجنحه، و جمله لا ینتحلون حال، و اللّام فی قوله: بالقول عوض عن المضاف إلیه أى لا یسبقون اللَّه بقولهم.
و قوله إلى المرسلین متعلّق بحملهم على تضمین معنى البعث أو الارسال أو نحوه، و ودائع أمره بالنصب مفعول حمّلهم، و جمله لم تثقلهم استیناف بیانى، و الباء
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۷۶
فی قوله علیه السّلام: و شربوا بالکأس إمّا للاستعانه، أو بمعنى من و ربما یضمن الشّرب معنى الالتذاذ لیتعدّى بالباء و کلمه من فی قوله علیه السّلام: من قلوبهم ابتدائیه أى إلى موادّ ناشئه من قلوبهم، و فی قوله علیه السّلام، من رجائه بیانیّه، فالمراد الخوف و الرجاء الباعثان لهم على لزوم الطاعه، و یحتمل أن یکون الاولى بیانیه أو ابتدائیه و الثانیه صله للانقطاع.
المعنى
اعلم أنّ هذا الفصل من کلامه علیه السّلام متضمّن لبیان صفات الملائکه و کیفیه خلقتهم و حاله عبودیّتهم و خشوعهم و ذلّتهم لمعبودهم، و قد مضى شطر واف من الکلام على هذا العنوان فی شرح الفصل التاسع من فصول الخطبه الأولى، و تقدّم ثمّه ما ینفعک فی هذا المقام و لما کان الغرض من هذه الخطبه الاشاره إلى عظمه اللَّه سبحانه و قدرته و الابانه عن الصّفات الجمالیه و الجلالیه له تعالى، و کان ملائکه السماوات من أفضل الموجودات و أشرف المجعولات و عجائب الخلایق و بدایع الصّنایع و عظم المخلوق کان دالا على عظم الخالق و بدیع صنعه المصنوع کان دلیلا على کمال قدره الصّانع و تدبیره و حکمته، لا جرم ساق علیه السّلام هذا الفصل لبیان حالهم و ضمنه ذکر أوصافهم المختلفه و شئوناتهم المتفاوته بعبارات رائقه و بدائع فائقه.
قال الشّارح المعتزلی و لنعم ما قال: إذا جاء هذا الکلام الرّبانی و اللّفظ القدسی بطلت فصاحه العرب و کانت نسبه الفصیح من کلامها إلیه نسبه التراب إلى النضار الخالص، و لو فرضنا أنّ العرب تقدر على الألفاظ الفصیحه المناسبه أو المقاربه لهذه الألفاظ من أین لهم المادّه التی عبرت هذه الألفاظ عنها و من أین تعرف الجاهلیه بل الصحابه المعاصرون لرسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله هذه المعانی الغامضه السّمائیه لیتهیّأ لها التعبیر عنها.
أما الجاهلیه فانّهم إنما کانت تظهر فصاحتهم فی صفه بعیر أو فرس أو حمار وحش أو ثور فلاه أو صفه جبال أو فلوات و نحو ذلک.
و أما الصّحابه المذکورون منهم بفصاحه إنما کان منتهى فصاحه أحدهم کلمات
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۷۷
لا یتجاوز السطرین أو الثلاثه إما فی موعظه تتضمّن ذکر الموت أو ذمّ الدّنیا و ما یتعلّق بحرب و قتال من ترغیب أو ترهیب.
فأمّا الکلام فی الملائکه و صفاتها و عبادتها و تسبیحها و معرفتها بخالقها و حبّها له و ولهها إلیه و ما جرى مجرى ذلک ممّا تضمّنه هذا الفصل بطوله فانّه لم یکن معروفا عندهم على هذا التّفصیل، نعم ربّما علموه جمله غیر مقسّمه هذا التقسیم و لا مرتّبه هذا الترتیب بما سمعوه من ذکر الملائکه فی القرآن العظیم، فثبت أنّ هذه الامور الدقیقه مثل هذه العباره الفصیحه لم تحصل إلّا لعلیّ علیه السّلام وحده، و اقسم أنّ هذا الکلام إذا تأمّله اللّبیب اقشعرّ جلده و رجف قلبه و استشعر عظمه اللَّه العظیم فی روعه و خلده و هام نحوه و غلب الوجد علیه و کاد أن یخرج من مسکه شوقا و أن یفارق هیکله صبابه و وجدا.
إذا عرفت ذلک فلنعد إلى شرح کلامه علیه السّلام فأقول: قال علیه السّلام (ثمّ خلق سبحانه لإمکان سماواته و عماره الصّفیح الأعلى من ملکوته خلقا بدیعا من ملائکته) ظاهر کلمه ثمّ المفید للترتیب الحقیقی کون خلق الملائکه بعد خلقه السّماوات، و یدلّ علیه أخبار کثیره إلّا أنّ فی بعض الرّوایات سبق خلقه الملائکه على خلقه السّماوات، و یمکن الجمع بالتخصیص ههنا بسکان السّماوات الذین لا یفارقونها، و المراد بالصفیح الأعلى سطح کلّ سماء، و یقابله الصفیح الأسفل الذى هو الأرض، و یظهر من ذلک عدم تلاصق السّماوات على ما ذهبت إلیه الفلاسفه من غیر دلیل یعتمد علیه.
و أمّا ما فی شرح البحرانی من أنّه یحتمل أن یشیر علیه السّلام بالصّفیح الأعلى إلى الفلک التاسع و هو العرش لکونه أعظم الأجرام و أعلاها و سکانه الملائکه المدبّرون له، فمبنىّ على اصول الفلاسفه مخالف للأخبار و کلام أهل اللغه حسبما عرفت آنفا فی ترجمه لفظ الصفیح، و مخالف أیضا لظاهر قوله علیه السّلام (فملأ بهم فروج فجاجها و حشابهم فتوق أجوائها) إذ المستفاد من ذلک أنّ ما بین السّماوات مملوّه بهم فیکون السّطوح المحدّبه منها محلّ إسکان الملائکه و مکان عبادتهم للّه سبحانه
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۷۸
بأنواع العباده و یستفاد منه أیضا تجسم الملائکه و هو المستفاد من الأخبار المتواتره معنى.
و العجب أنّ شارح البحرانی أوّل ذلک أیضا بناء على الاصول الفاسده بأنه علیه السّلام استعار لفظ الفروج و الفجاج و الفتوق لما یتصوّر بین أجزاء الفلک من التباین لولد الملائکه الذین هم أرواح الأفلاک و بها قام وجودها، و بقاء جواهرها محفوظه بها، و وجه المشابهه ظاهر، و رشح تلک الاستعاره بذکر الملاء و الحشو، و أما فجاجها و فروجها فاشاره إلى ما یعقل بین أجزائها و أجوائها المنتظمه على التباس لو لا الناظم لها بوجود الملائکه، فیکون حشو تلک الفرج بالملائکه کنایه عن نظامها بوجودها و جعلها مدبّره لها انتهى.
و قد مضى فساد ذلک و بطلانه فی شرح الفصل التاسع من فصول الخطبه الأولى فتذکّر (و بین فجوات تلک الفروج) و متّسعاتها (زجل المسّبحین منهم) و أصواتهم الرفیعه العالیه بالتضرّع و الابتهال و المسکنه (فی حظایر القدس و سترات الحجب و سرادقات المجد) لعلّ المراد بها المواضع المعدّه لعباده الملائکه بین أطباق السّماوات و وصفها بالقدس من حیث اتصافها بالطهاره و النزاهه من الأدناس و الأرجاس و یمکن أن یکون الاشاره بها إلى ما فوق السماء السّابعه من الحجب و السّرادقات النورانیه.
ففی الخبر أنّ ما فوق السّماء السابعه صحارى من نور، و لا یعلم فوق ذلک إلّا اللَّه.
و عن وهب بن منبه فوق السّماوات حجب فیها ملائکه لا یعرف بعضهم بعضا لکثرتهم یسبّحون اللَّه تعالى بلغات مختلفه و أصوات کالرّعد العاصف، هذا.
و قد أشار علیه السّلام إلى تفصیل الحجب و السرادقات فیما رواه الصّدوق فی التوحید باسناده عن زید بن وهب قال: سئل أمیر المؤمنین علیه السّلام عن الحجب، فقال علیه السّلام: أوّل الحجب سبعه غلظ کلّ حجاب منها مسیره خمسمائه عام و بین کلّ حجابین مسیره خمسمائه عام، و الحجاب الثانی سبعون حجابا بین کلّ حجابین مسیره خمسمائه
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۷۹
عام و طوله خمسمائه عام حجبه کلّ حجاب منها سبعون ألف ملک قوّه کلّ ملک منهم قوّه الثّقلین، منها ظلمه، و منها نور، و منها نار، و منها دخان، و منها سحاب، و منها برق، و منها مطر، و منها رعد، و منها ضوء، و منها رمل، و منها جبل، و منها عجاج، و منها ماء، و منها أنهار، و هی حجب مختلفه غلظ کلّ حجاب مسیره سبعین ألف عام.
ثمّ سرادقات الجلال و هی ستّون «سبعون» سرادقا فی کلّ سرادق سبعون ألف ملک بین کلّ سرادق و سرادق مسیره خمسمائه عام، ثمّ سرادقات العزّ، ثمّ سرادق الکبریاء، ثمّ سرادق العظمه، ثمّ سرادق القدس، ثمّ سرادق الجبروت، ثمّ سرادق الفخر، ثمّ سرادق النور الأبیض، ثمّ سرادق الوحدانیه، و هو مسیره سبعین ألف عام فی سبعین ألف عام، ثمّ الحجاب الأعلى و انقضى کلامه علیه السّلام و سکت، فقال له عمر: لا بقیت لیوم لا أراک فیه یا أبا الحسن.
قال المجلسیُّ (ره) بعد روایه ذلک فی البحار: قوله علیه السّلام: منها ظلمه، لعلّ المراد من مطلق الحجب لا من الحجب المتقدّمه کما یدلّ علیه قوله غلظ کلّ حجاب اه (و وراء ذلک الرجیج الذى تستکّ منه الأسماع) و الزجل الذى تنسدّ منه الآذان (سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها) و تمنع الأعین عن وصولها لشدّه ضیائها و فرط بهائها (فتقف) الأبصار (خاسئه) حسیره (على حدودها) أى حدود تلک السبحات، و یستفاد من شرح المعتزلی رجوع الضمیر إلى الأبصار، قال: أى تقف حیث تنتهى قوّتها، لأنّ قوّتها متناهیه فاذا بلغت حدّها وقفت هذا.
و المراد بسبحات النور إما الأنوار التی تغشی العرش.
و یدلّ علیه ما روى عن میسره قال: لا تستطیع الملائکه الذین یحملون العرش أن ینظروا إلى ما فوقهم من شعاع النور.
و عن زاذان قال: حمله العرش أرجلهم فی التخوم لا یستطیعون أن یرفعوا أبصارهم من شعاع النور.
و فی حدیث المعراج قال: و رأیت فی علّیین بحارا و أنوارا و حجبا و غیرها
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۸۰
لو لا تلک لاحترق کلّ ما تحت العرش من نور العرش، و إمّا حجب النّور التی دون العرش، و یؤیّده ما فی الحدیث أنّ جبرئیل علیه السّلام قال للّه سبحانه: دون العرش سبعون حجابا لو دنونا من أحدها لاحترقتنا سبحات وجه ربّنا، و فی حدیث آخر من طرق المخالفین حجابه النّور و النّار لو کشفه لأحرقت سبحات وجهه کلّ شیء أدرکه بصره.
و قال الشّارح البحرانی (ره) أشار علیه السّلام بسبحات النّور التی وراء ذلک الرّجیج إلى جلال وجه اللَّه و عظمته و تنزیهه أن یصل إلیه أبصار البصایر، و نبّه بکون ذلک وراء رجیجهم على أنّ معارفهم لا تتعلّق به کما هو، بل وراء علومهم و عباداتهم أطوار اخرى من جلاله تقصر معارفهم عنها و تردع أبصار البصایر عن ادراکها فترجع حسیره متحیّره واقفه عند حدودها و غایاتها من الادراک.
أقول: و هو لا ینافی ما ذکرناه إذ ما ذکرته تفسیر للظّاهر و ما ذکره الشّارح تأویل للباطن، و قد تقدّم فی شرح الخطبه التی قبل هذه الخطبه«» ما ینفعک ذکره فی هذا المقام (أنشأهم على صور مختلفات و أقدار متفاوتات اولى أجنحه تسبّح جلال عزّته) قال الشّارح البحرانی اختلاف صورهم کنایه عن اختلافهم بالحقایق و تفاوت أقدارهم تفاوت مراتبهم فی الکمال و القرب منه، و لفظ الاجنحه مستعار لقواهم التی بها حصلوا على المعارف الالهیّه و تفاوتها بالزیاده و النّقصان کما قال تعالى: أُولِی أَجْنِحَهٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ کنایه عن تفاوت ادراکهم لجلال اللَّه و علومهم بما ینبغی له، و لذلک جعل الأجنحه هی التی تسبّح جلال عزّته فانّ علمهم بجلاله منزّه عمّا لا ینبغی لکرم وجهه و لا یناسب جلال عزّته.
أقول: تسلیط ید التّأویل على الظواهر من غیر دلیل هدم لأساس الشّریعه و حمل اللّفظ على المجازات إنّما هو عند تعذّر إراده الحقیقه، و امّا مع إمکانها
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۸۱
و دلاله الدّلیل علیها فهو خلاف السیره المستمره مناف لمقتضى الاصول اللفظیه المتداوله بین أهل اللّسان من العرب و من حذاحذوهم من علماء الاصول و الأدب.
بل المراد انشاءهم على صور مختلفه و أشکال متشتّته فبعضهم على صوره الانسان و بعضهم على صوره الحیوان من الأسد و الثور و الدّیک و غیرها من أصناف الحیوان على ما ورد فی الأخبار، و بعضهم أولى أجنحه مثنى و ثلاث و رباع یزید سبحانه علیها ما یشاء على وفق حکمته و مقتضى تدبیره و إرادته.
و ایجادهم على أقدار متفاوته فی الصغر و الکبر و الطّول و القصر، روى علیّ ابن إبراهیم القمّی (ره) فی تفسیر قوله سبحانه: جاعِلِ الْمَلائِکَهِ رُسُلًا أُولِی أَجْنِحَهٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ عن الصّادق علیه السّلام أنّه قال: خلق اللَّه الملائکه مختلفین، و قد رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم جبرئیل و له ستّمأه جناح على ساقه الدّر مثل القطر على البقل قد ملأ ما بین السّماء و الأرض، و قال: إذا أمر اللَّه میکائیل بالهبوط إلى الدّنیا صارت رجله الیمنى فی السّماء السّابعه و الأخرى فی الأرض السّابعه، و أنّ للَّه ملائکه أنصافهم من برد و أنصافهم من نار یقولون: یا مؤلّفا بین البرد و النّار ثبّت قلوبنا على طاعتک، و قال: إنّ اللَّه ملکا بعد ما بین شحمه اذنه إلى عینه مسیر خمسمائه عام بخفقان الطیر، و قال علیه السّلام: إنّ الملائکه لا یأکلون و لا یشربون و لا ینکحون و إنما یعیشون بنسیم العرش و إنّ للّه ملائکه رکّعا إلى یوم القیامه و إنّ للَّه ملائکه سجّدا إلى یوم القیامه ثمّ قال أبو عبد اللَّه علیه السّلام ما من شیء ممّا خلق اللَّه أکثر من الملائکه و أنّه لیهبط فی کلّ یوم أو فی کلّ لیله سبعون ألف ملک فیأتون البیت الحرام فیطوفون به ثمّ یأتون رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم ثمّ یأتون أمیر المؤمنین علیه السّلام فیسلّمون علیه ثمّ یأتون الحسین علیه السّلام فیقیمون عنده، فاذا کان وقت السّحر وضع لهم معراج إلى السّماء ثمّ لا یعودون أبدا.
و فی التّوحید بإسناده عن زید بن وهب قال: سئل أمیر المؤمنین علیّ بن
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۸۲
أبی طالب علیه السّلام عن قدره اللَّه جلّت عظمته، فقام خطیبا فحمد اللَّه و أثنا علیه ثمّ قال: إنّ اللَّه تبارک و تعالى ملائکه لو أنّ ملکا منهم هبط إلى الأرض ما وسعته لعظمه خلقته و کثره أجنحته، و منهم من لو کلّفت الجنّ و الانس أن یصفوه ما وصفوه لبعد ما بین مفاصله و حسن ترکیب صورته، و کیف یوصف من ملائکته من سبعمائه عام ما بین منکبیه و شحمه اذنیه، و منهم من یسدّ الافق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه، و منهم من السّماوات إلى حجزته«»، و منهم من قدمه على غیر قرار فی جوّ الهواء الأسفل و الأرضون إلى رکبتیه، و منهم من لو ألقى فی نقره ابهامه جمیع المیاه لوسعتها، و منهم من لو القیت السفن فی دموع عینه لجرت دهر الداهرین فتبارک اللَّه أحسن الخالقین.
و فیه بإسناده عن ابن عباس عن النبیّ صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم قال: إنّ للَّه تبارک و تعالى دیکا رجلاه فی تخوم الأرض السّابعه و رأسه عند«» العرش ثانی عنقه تحت العرش «إلى أن قال:» و لذلک الدّیک جناحان إذا نشرهما جاوز المشرق و المغرب، فاذا کان فی آخر اللّیل نشر جناحیه و خفق بهما و صرخ بالتسبیح یقول: سبحان الملک القدّوس الکبیر المتعال لا إله إلّا اللَّه الحیّ القیّوم، فاذا فعل ذلک سبّحت دیکه الأرض کلّها و خفقت بأجنحتها و أخذت فی الصّراخ، فاذا سکن ذلک الدّیک فی السّماء سکنت الدیکه فی الأرض فإذا کان فی بعض السحر نشر جناحیه فجاوز بهما المشرق و المغرب و خفق بهما و صرخ بالتسبیح سبحان اللَّه العظیم «سبحان خ» العزیز القهار سبحان اللَّه ذی العرش المجید سبحان اللَّه ربّ العرش الرّفیع، فاذا فعل ذلک سبّحت دیکه الأرض فاذا هاج هاجت الدّیکه فی الأرض تجاوبه بالتسبیح و التقدیس للّه عزّ و جلّ و لذلک الدّیک ریش أبیض کأشدّ بیاض رأیته قطّ و له زعبا«» خضر تحت ریشه الأبیض کأشدّ خضره رأیتها قطّ فما زلت مشتاقا إلى أن أنظر إلى ریش ذلک الدّیک.
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۸۳
و بهذا الإسناد عن النّبیّ صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم قال: إنّ للَّه تبارک و تعالى ملکا من الملائکه نصف جسده الأعلى نار و نصفه الأسفل ثلج، فلا النّار تذیب الثلج و لا الثلج تطفئ النّار و هو قائم ینادى بصوت رفیع: سبحان اللَّه الذی کفّ حرّ هذه النّار فلا یذیب الثلج و کفّ برد هذا الثلج فلا یطفىء حرّ النّار اللّهمّ یا مؤلّفا بین الثلج و النّار ألّف بین قلوب عبادک المؤمنین على طاعتک هذا.
و بقى الکلام فی قوله علیه السّلام اولى أجنحه تسبح جلال عزّته، فأقول: إن کان تسبح بالتخفیف و الخلال بالخاء المعجمه فالمراد سباحتهم و سیرهم فی اطباق السّماوات و فوقها أو نزولهم و صعودهم لأداء الرّسالات و غیرها أو سیرهم فی مراتب القرب بالعباده و التسبیح.
و أمّا على روایه التشدید و کون الجلال بالجیم فالجمله إما صفه لاولى أجنحه فالتأنیث باعتبار الجماعه و المقصود أنهم یسبّحونه و یقدّسون جلاله و عظمته و عزّته و قوّته سبحانه من النقائص.
و إمّا صفه لأجنحه فالمقصود بالتسبیح إمّا التنزیه و التقدیس بلسان الحال إذ کلّ جناح من اجنحتهم بل کلّ ذرّه من ذرّات وجودهم ناطقه بلسان حالها شارحه لعظمه بارئها و مبدعها، برهان صدق على قدرته و قوّته و کماله، و دلیل متین على تدبیره و حکمته و جلاله، و هذا عام لجمیع الملائکه.
و إمّا التنزیه بلسان المقال و هو مخصوص ببعض الملائکه.
و یشهد به ما رواه فی التوحید باسناده عن ابن عباس عن النبیّ صلّى اللَّه علیه و آله قال: إنّ اللَّه تبارک و تعالى ملائکه لیس شیء من أطباق أجسادهم إلّا و هو یسبّح اللَّه عزّ و جلّ و یحمده من ناحیه بأصوات مختلفه لا یرفعون رؤوسهم إلى السماء و لا یخفضونها إلى أقدامهم من البکاء و الخشیه للَّه عزّ و جل.
و عن جمیل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللَّه علیه السّلام هل فی السماء بحار قال علیه السّلام: نعم أخبرنی أبی عن أبیه عن جدّه علیهم السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم: إنّ فی
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۸۴
السماوات السبع لبحارا عمق أحدها مسیره خمسمائه عام فیها ملائکه قیام منذ خلقهم اللَّه عزّ و جلّ و الماء إلى رکبهم لیس فیهم ملک إلّا و له ألف و أربع مأئه جناح فی کلّ جناح أربعه وجوه فی کلّ وجوه «وجه خ» أربعه ألسن لیس فیها جناح و لا وجه و لا لسان و لا فم إلّا و هو یسبّح اللَّه عزّ و جلّ بتسبیح لا یشبه نوع منه صاحبه، و اللَّه أعلم بحقایق ملکه و ملکوته، و آثار جلاله و جبروته.
ثمّ وصف علیه السّلام الملائکه بأنهم (لا ینتحلون ما ظهر فی الخلق من صنعه و لا یدعون أنهم یخلقون شیئا معه مما انفرد به) أی لا یدّعون الرّبوبیه لأنفسهم کما یدّعیه البشر لهم و لأنفسهم فالفقره الأولى لنفى ادّعاء الاستبداد و الثانیه لنفى ادّعاء المشارکه أو الاولى لنفى ادّعائهم الخالقیه فیما هم و سایط وجوده و لهم مدخل فیه بأمره سبحانه و الثانیه لنفى ذلک فیما خلقه اللَّه سبحانه بمجرّد أمره من دون توسط الوسایل (بل) هم (عباد مکرمون لا یسبقونه بالقول و هم بأمره یعملون) و هو اقتباس من قوله سبحانه فی سوره الأنبیاء.
وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُکْرَمُونَ لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ» الآیه قیل: نزلت فی خزاعه حیث قالت: الملائکه بنات اللَّه، فنزّه اللَّه سبحانه نفسه عن ذلک و قال سبحانه أنفه له: بل هؤلاء الّذین زعموا أنهم ولد اللَّه لیسوا أولاده، بل هم عباد مکرمون أکرمهم اللَّه و اصطفاهم لا یسبقونه بالقول و لا یتکلّمون إلّا بما یأمرهم به ربّهم، فکلّ أقوالهم طاعه لربّهم و یکفى بذلک جلاله قدرهم، و هم بأمره یعملون، و من کان بهذه الصفه لا یوصف بأنه ولد.
(جعلهم) اللَّه (فیما هنالک أهل الأمانه على وحیه، و حملهم إلى المرسلین ودایع أمره و نهیه) لعلّ هذا الوصف مختصّ ببعض الملائکه و یشهد به قوله سبحانه اللَّهُ یَصْطَفِی مِنَ الْمَلائِکَهِ رُسُلًا
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۸۵
و یکفى للنسبه إلى الجمیع کون بعضهم کذلک و ما هنالک عباره عن مراتب الملائکه و یدلّ على الاختصاص بالبعض أیضا قوله علیه السّلام فی الفصل التاسع من الخطبه الأولى: و منهم امناء على وحیه و ألسنه إلى رسله و مختلفون بقضائه و أمره، و قد تقدّم فی شرح ذلک الفصل ما ینفعک ذکره فی المقام و بیّنا ثمّه وجه الحاجه فی أداء الامانه إلى وجود الواسطه من الملائکه و أشرنا إلى جهه وصفهم بالامانه.
و محصّله أنّه لما کان ذو الامانه هو الحافظ لما ائتمن علیه لیؤدّیه إلى مستحقّه و کانت الرّسالات النازله بواسطه الملائکه نازله کما هی محفوظه عن الخلل الصادر عن سهو لعدم أسباب السّهو هناک أو عن عمد لعدم الدّاعی إلیه لقوله تعالى: یَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ یَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُونَ صدق أنهم أهل الامانه على وحیه و رسالاته (و عصمهم من ریب الشبهات فما منهم زائغ عن سبیل مرضاته) هذا الوصف عام لجمیع الملائکه لأنهم معصومون من الشکّ و الاشتباه الناشى من معارضه النفس الأماره للقوّه العاقله إذ لیس لهم هذه النفس فلا یتصوّر فی حقّهم العدول عن سبیل رضوان اللَّه و الانحراف عن القصد لانتفاء سببه الذى هو وجود هذه النفوس.
(و أمدّهم بفوائد المعونه و أشعر قلوبهم تواضع اخبات السّکینه) لعلّ المراد أنّه سبحانه أعطاهم المدد و القوّه و أیّدهم بأسباب الطاعات و القربات و الألطاف و المعارف الصّارفه لهم عن المعصیه و أنه ألزم قلوبهم التواضع و الذلّه و الخضوع و الاستکانه لزوم الشعار للجسد أو أنه أعلمهم ذلک، و محصّله عدم انفکاکهم عن الخوف و الخشوع و قد مرّ بعض الأخبار فیه فی شرح الفصل التاسع من الخطبه الاولى.
(و فتح لهم أبوابا ذللا إلى تماجیده) أى فتح لهم أبوابا سهله إلى تعظیماته و الثناء علیه، و الجمع باعتبار أنواع التحیات و فتح الأبواب کنایه عن إلهامها
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۸۶
علیهم و تسهیلها لهم لعدم معارضه شیطان أو نفس أماره بالسوء، بل خلقهم خلقه یلتذّون بها کما ورد: أنّ شرابهم التّسبیح و طعامهم التقدیس.
(و نصب لهم منارا واضحه على أعلام توحیده) استعار لفظ الأعلام لأدلّه التّوحید و براهین التفرید و وجه المشابهه ایصال کلّ منهما إلى المطلوب، و لعلّه أراد بالمنار الواضحه المنصوبه على تلک الأعلام ما یوجب لهم الاهتداء إلى تلک الأدلّه من الوحى و الالهام.
و ربما قیل فی شرح ذلک: إنه استعار المنار الواضحه للوسائط من الملائکه المقرّبین بینهم و بین الحقّ سبحانه إذ إخباره عن الملائکه السّماویه و لفظ الاعلام لصور المعقولات فی ذواتهم المستلزمه لتوحیده و تنزیهه عن الکثره، و وجه المشابهه أنّ المنار و الأعلام کما یکون وسایط فی حصول العلم بالمطلوب کذلک الملائکه المقرّبون و المعارف الحاصله بواسطتهم یکون وسایط فی الوصول إلى المطلوب الأول محرّک الکلّ عزّ سلطانه، و هو قریب مما قلناه إلّا أنّ ما قلناه أظهروا أشبه هذا.
و أمّا توصیف المنار بوصف الوضوح فمن أجل وفور أسباب الهدایه و کثره الدلائل فی حقهم لقربهم من سیاحه عزّ و ملکوته و مشاهدتهم ما یخفى علینا من آثار ملکه و جبروته.
(لم تثقلهم موصرات الآثام) أى مثقلاتها و أشار علیه السّلام بذلک إلى عصمتهم من المعاصی لعدم خلق الشهوات فیهم و انتفاء النفس الاماره الداعیه إلى المعصیه (و لم ترتحلهم عقب اللّیالى و الأیام) أى لم یزعجهم تعاقبهما و لم یوجب رحیلهم عن دارهم، و المقصود تنزیههم عما یعرض للبشر من ضعف القوى أو القرب من الموت بکرور اللّیالى و مرور الأیام.
(و لم ترم الشّکوک بنوازعها عزیمه ایمانهم) عزیمه ایمانهم ما لزم ذواتهم من التّصدیق بمبدعهم و ما ینبغی له، و المراد أنه لم ترم الشکوک بمحرکاتها و هی شهواتها ما عزموا علیه من الایمان و التّصدیق، هذا على روایه نوازعها بالعین المهمله
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۸۷
و أما على روایتها بالغین المعجمه فالمقصود عدم انبعاث نفوسهم الأمّاره بالشکوکات و الشبهات و القائها الخواطر الفاسده إلى أنفسهم المطمئنه.
(و لم تعترک الظنون على معاقد یقینهم) المراد بالظنّ إمّا الاعتقاد الراجح غیر الجازم أو الشّک أو ما یشملهما، و لعلّ الأخیر أظهر هنا، فالمقصود نفى ازدحام الظنون و الأوهام على قلوبهم التی هی معاقد عقائدهم الیقینیه (و لا قدحت قادحه الاحن فیما بینهم) أى لا تثیر الأحقاد و العداوات بینهم فتنه کما تثیر النّار قادحتها لتنزّهم من القوّه الغضبیّه (و لا سلبتهم الحیره ما لاق من معرفته بضمائرهم و سکن من عظمته و هیبه جلاله فی أثناء صدورهم) لمّا کان الحیره عباره عن عدم الاهتداء إلى وجه الصواب من حیث تردّد العقل فی أنّ أىّ الأمرین أولى بالطلب و الاختیار، و کان منشأ ذلک معارضه الوهم و الخیال للعقل و لم یکن لهم و هم و لا خیال، لا جرم لا حیره تخالط عقایدهم و تزیل هیبه عظمته من صدورهم.
قال المجلسی (ره): و یحتمل أن یکون المراد بالحیره الوله لشدّه الحبّ و کمال المعرفه کما سیأتی، فالمعنى أنّ شدّه و لهم لا یوجب نقصا فی معرفتهم و غفله عن ملاحظه العظمه و الجلال کما فی البشر، و على هذا فالسلب فی کلامه علیه السّلام راجع إلى المحمول کما أنه على ما قلناه راجع إلى الموضوع (و لم تطمع فیهم الوساوس فتقترع برینها على فکرهم) أى لم تطمع فیهم الوساوس الشّیطانیه و النّفسانیه فتتناوب أو تضرب بأدناسها على قلوبهم، و الغرض نفى عروض الوساوس على عقولهم کما تعرض للبشر لانتفاء أسبابها فی حقّهم.
(منهم) أى من مطلق الملائکه (من هو فی خلق الغمام الدّلح) أى السحاب الثقیله بالمطر، و المراد بذلک الصّنف هم الّذین مکانهم السحاب و هم خزّان المطر و زواجر السحاب المشار إلیهم بقوله سبحانه: و الزاجرات زجرا قال ابن عباس: یعنى الملائکه الموکّلین بالسحاب فیشمل لمشیعی الثلج و البرد و الهابطین مع قطر المطر إذا نزل و إن کان السحاب مکانهم قبل النّزول قال سیّد
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۸۸
السّاجدین علیه السّلام فی دعائه فی الصّلاه على حمله العرش و سایر الملائکه من الصحیفه الکامله: و خزّان المطروز واجر السحاب و الّذى بصوت زجره یسمع زجل الرعود و إذا سبحت به حفیفه السحاب التمعت صواعق البروق و مشیعى الثّلج و البرد و الهابطین مع قطر المطر إذا نزل، هذا.
و یحتمل أن یکون المقصود تشبیههم فی لطافه الجسم بالسحاب، فیکون المعنى أنهم فی الخلقه مثل خلق الغمام.
و کذلک قوله علیه السّلام (و فی عظم الجبال الشّمخ) یحتمل أن یراد به الملائکه الموکّلون بالجبال للحفظ و سایر المصالح، و أن یراد به تشبیههم بالجبال فی عظمه الخلقه.
و هکذا قوله (و فی قتره الظلام الایهم) محتمل لأن یراد به الملائکه السّاکنون فی الظلمات لهدایه الخلق و حفظهم أو غیر ذلک، و لأن یراد به تشبیههم فی السّواد بالظلمه.
(و منهم من قد خرقت أقدامهم تخوم الأرض السّفلى، فهى کرایات بیض قد نفذت فی مخارق الهواء و تحتها ریح هفّافه تحبسها على حیث انتهت من الحدود المتناهیه) لعلّ المراد بهم الملائکه الموکّلون بالأرض یقول علیه السّلام: إنهم قد خرقت أقدامهم حدود الأرض السفلى و معالمها و أقدامهم بمنزله أعلام بیض قد نفذت فی مخارق الهواء، و أراد بها المواضع التی تمکنت فیها تلک الأعلام بخرق الهواء، و تحت هذه الأعلام ریح طیّبه ساکنه أى لیست بمضطربه فتموج تلک الرّایات تحسبها حیث انتهت هذا.
و قال الشّارح البحرانی: یشبه أن یکون هذا القسم من الملائکه السّماویه أیضا و استعار لفظ الأقدام لعلومهم المحیطه بأقطار الأرض السفلى و نهایاتها، وجه الشبه کون العلوم قاطعه للمعلوم و ساریه فیه واصله إلى نهایته کما أنّ الأقدام تقطع الطریق و تصل إلى الغایه منها.
و تشبیهها بالرّایات البیض من وجهین احدهما فی البیاض لأنّ البیاض لما استلزم
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۸۹
الصّفاء عن الکدر و السّواد کذلک علومهم صافیه عن کدورات الباطل و ظلمات الشبه، الثانی فی نفوذها فی أجزاء المعلوم کما تنفذ الرّایات فی الهواء، و أشار بالریح التی تحبس الاقدام الى حکمه اللَّه التی اعطت کلّا ما یستحقّه و قصرت کلّ موجود على حدّه و بهفوفها الى لطف تصرّفها و جریانها فی المصنوعات.
أقول: و لا بأس به و إن کان خروجا عن الظاهر.
ثمّ أشار إلى استغراقهم فی العباده و ثباتهم فی المعرفه و المحبّه بقوله: (قد استفرغتهم أشغال عبادته) أى جعلتهم فارغین عن غیرها (و وصلت حقایق الایمان بینهم و بین معرفته) أراد بحقایق الایمان العقائد الیقینیه تحقّ أن تسمّى إیمانا أو البراهین الموجبه له، و کونها وصله بینهم و بین معرفته من حیث إنّ التّصدیق بوجود الشّیء الواجب تحصیله أقوى الأسباب الباعثه على طلبه فصار الایمان و التصدیق الحق بوجوده جامع بینهم و بین معرفته و وسیله لهم إلیه.
(و قطعهم الایقان به الى الوله إلیه) أى صرفهم الیقین بوجوب وجوده عن التوجه و الالتفات إلى غیره إلى و لهم إلیه و تحیّرهم من شدّه الوجد (و لم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غیره) أى رغباتهم مقصوره على ما عنده سبحانه من قربه و ثوابه و کرمه، فانه منتهى رغبه الراغبین و هو غایه قصد الطالبین.
(قد ذاقوا حلاوه معرفته) استعار علیه السّلام لفظ الذّوق لتعقّلاتهم و رشّحه بذکر الحلاوه و کنّى بها عن کمال ما یجدونه من اللذّه بمعرفته کما یلتذّ ذایق الحلاوه بها (و شربوا بالکأس الرّویه من محبّته) استعار لفظ الشرب لما تمکن فی ذواتهم من کمال المحبّه و رشّحه بذکر الکأس الروّیه أى من شانها أن تروى و تزیل العطش (و تمکنت من سویداء قلوبهم وشیجه خیفته) لما کان کمال استقرار العوارض القلبیّه من الحبّ و الخوف و نحوهما عباره عن بلوغها إلى سویداء القلب و تمکنها فیها عبّر علیه السّلام بها مبالغه و أشار علیه السّلام بوشیجه خیفته إلى جهات الخوف المتشعبّه فی ذواتهم الناشئه من زیاده معرفتهم بعزّته و قدرته و مقهوریّتهم تحت قوّته.
(فحنوا بطول الطاعه اعتدال ظهورهم) أى عوّجوا ظهورهم المعتدله المستقیمه بطاعاتهم الطویله، و هو کنایه عن کمال خضوعهم.
منهاجالبراعهفیشرحنهجالبلاغه(الخوئی)، ج ۶ ، صفحهى ۳۹۰
(و لم ینفد طول الرّغبه إلیه مادّه تضرّعهم) أراد به عدم إفناء طول رغبتهم إلیه دواعی تضرّعهم له سبحانه کما فی البشر فانّ أحدنا إذا کان له رغبه فی أمر و أراد الوصول إلیه من عند أحد تضرّع إلیه و ابتهل و إذا طال رغبته و لم ینل إلى مطلوبه حصل له الملال و الکلال انقطع دواعى نفسه و میول قلبه و ینعدم ما کان سببا لتضرّعه و ابتهاله، و لمّا کان الملال و الکلال من عوارض المرکبات العنصریه و کانت الملائکه السماویه منزّهه عنها لا جرم حسن سلبها عنهم.
(و لا اطلق عنهم عظیم الزلفه ربق خشوعهم) لما کان من شأن مقرّبی الملوک و السّلاطین أنهم کلّما ازداد زلفاهم و قرباهم إلیهم انتقص خضوعهم و خشوعهم و تواضعهم من أجل أنه یخفّ هیبتهم و سطوتهم فی نظرهم لکونهم بشرا مثلهم و لم یکن کذلک حال من کان مقرّبی الحضره الرّبوبیّه بل هم کلّما ازدادوا قربا ازدادوا خشوعا من حیث عدم انتهاء السّلطنه الألهیّه و عدم انتهاء مراتب العرفان و الیقین الدّاعیین إلى التضرّع و العباده و عدم وقوفها على حدّ، لا جرم لم یطلق عظم قربهم أعناق ذلّهم عن ربقه الابتهال، فهم بقدر صعودهم فی مدارج الطاعه یزداد قربهم، و کلّما ازداد قربهم تضاعف علمهم بعظمته فیحصل بزیاده العلم بالعظمه کمال الخشوع و الذلّه.
(و لم یتولهم الاعجاب فیستکثروا ما سلف منهم، و لا ترکت لهم استکانه الاجلال نصیبا فی تعظیم حسناتهم) المراد بذلک نفى استیلاء العجب علیهم و الاشاره إلى أنهم لا یستعظمون ما سلف منهم من العبادات، و لا یستکثرون ما تقدّم منهم من الطاعات، و أنهم لم یترک لهم خضوعهم الناشی عن ملاحظه جلال اللَّه و ولههم النّاشی من شدّه المحبّه إلیه نصیبا فی تعظیم الحسنات و حظا فی إعظام القربات، لأنّ منشأ العجب هو النّفس الأماره و هو من أحکام الأوهام و الملائکه السماویه مبرّؤون منها و منزّهون عنها.
(و لم تجر الفترات فیهم على طول دؤوبهم) یعنى أنهم على طول جدّهم فی العباده لا یحصل لهم فتور و لا قصور، و قد مضى بیان ذلک فی شرح الفصل التاسع من الخطبه الاولى قال زین العابدین و سیّد السّاجدین علیه السّلام فی الصلاه على حمله العرش
اللّهمّ و حمله عرشک الذین لا یفترون عن تسبیحک و لا یملّون عن تقدیسک.
و العجب من الشارح البحرانی حیث قال فی شرح هذه الفقره: قد ثبت أنّ الملائکه السّماویه دائمه التّحریک لأجرامها حرکه لا یتخلّلها سکون و لا یکلّها و یفترها إعیاء و تعب، و لبیان ذلک بالبراهین اصول ممهّده فی مواضعها و امّا بالقرآن فلقوله تعالى: یُسَبِّحُونَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ لا یَفْتُرُونَ انتهى أقول: و هو تأویل من غیر دلیل مقبول مبتن على اصول الفلاسفه الجاعلین الملائکه بالنسبه إلى أجرام السّماء بمنزله النفوس الناطقه بالنّسبه إلى أبدان البشر القائلین بکونها مدّبره لأمرها کما أن النّفوس مدبّره للأبدان، و هو مخالف للاصول الشّرعیه موجب لطرح ظواهر الأدلّه من الکتاب و السّنه، فالأولى الاعراض عنه و الرّجوع إلى ما قاله المفسّرون فی تفسیر الآیه الشریفه.
قال الطبرسیُّ: أى ینزّهون اللَّه عن جمیع ما لا یلیق بصفاته على الدّوام فی اللّیل و النهار لا یضعفون عنه، قال کعب جعل لهم التسبیح کما جعل لکم النّفس فی السّهوله، و قیل: معنى لا یفترون لا یتخلل تسبیحهم فتره أصلا بفراغ أو بشغل آخر، و اورد علیه أنهم قد یشتغلون باللّعن کما قال تعالى: أُولئِکَ عَلَیْهِمْ لَعْنَهُ اللَّهِ وَ الْمَلائِکَهِ و اجیب بأنّ التّسبیح لهم کالتنفس لنا لا یمنعهم عنه الاشتغال بشیء آخر.
و اعترض بأنّ آله التّنفس لنا مغایره لآله التکلّم فلهذا صحّ اجتماع التنفس و التّکلّم، و اجیب بأنّه لا یستبعد أن یکون لهم ألسن کثیره أو یکون المراد بعدم الفتره أنهم لا یترکون التسبیح فی أوقاته اللّایقه به.
(و لم تغض رغباتهم فیخالفوا عن رجاء ربّهم) أى لم تنقص رغباتهم إلى ما عنده فیعدلوا عن الرّجاء إلیه، و ذلک لأنّ أشواقهم إلى کمالاتهم دائمه و علمهم بعظمه خالقهم و بحاجتهم إلیه و بأنّه مفیض الکمالات و واهب الخیرات لا یتطرّق إلیه نقص فلا ینقطع رجائهم عنه و لا ییأسون من فضله.
(و لم تجفّ لطول المناجاه أسلات ألسنتهم) أراد علیه السّلام به عدم عروض الفتور و الکلال علیهم فی مناجاتهم کما یعرض علینا و یجفّ ألسنتنا بسبب طول المناجاه (و لا ملکتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجؤار إلیه أصواتهم) أى لیست لهم أشغال خارجه عن العباده حتّى تنقطع لأجلها أصواتهم بسبب خفاء تضرّعهم إلیه، و بعباره اخرى لیست لهم أشغال خارجه فتکون لأجلها أصواتهم المرتفعه خافیه ساکنه.
(و لم یختلف فی مقاوم الطاعه مناکبهم) أى لم ینحرف مناکبهم أو لم یتقدّم بعضهم على بعض فی مقامات الطاعه و صفوف العباده (و لم یثنوا إلى راحه التقصیر فی أمره رقابهم) یعنی لم یصرفوا رقابهم من أجل تعب العبادات و کثرتها إلى الرّاحه الحاصله باقلال العباده أو ترکها بعد التّعب فیقصروا فی أوامره، و المقصود نفى اتصافهم بالتعب و الرّاحه لکونهما من عوارض الأجسام البشریّه و توابع المزاج الحیوانی.
(و لا تعدو على عزیمه جدّهم بلاده الغفلات) المراد أنهم لا تغلب على عزیمتهم و جدّهم فی العباده بلاده و لا غفله لکونهما من عوارض هذا البدن (و لا تنتصل فی هممهم خدایع الشهوات) أى لا ترمى الشهوات بسهام خدایعها هممهم، و المقصود نفى توارد وساوس الشّهوات الصارفه عن العباده و تتابعها عنهم لبرائتهم من القوّه الشهویّه.
(قد اتّخذوا ذا العرش ذخیره لیوم فاقتهم) ذو العرش هو اللَّه سبحانه کما فی غیر واحده من الآیات القرآنیه، و المراد بیوم فاقتهم یوم حاجتهم و هو یوم قبض أرواحهم کما یظهر من بعض الأخبار.
قال المجلسیُّ (ره) و لا یبعد أن یکون لهم نوع من الثّواب على طاعاتهم بازدیاد القرب و افاضه المعارف و ذکره سبحانه لهم و تعظیمه إیّاهم و غیر ذلک، فیکون إشاره إلى یوم جزائهم (و یمّموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقین برغبتهم) أی قصدوه بتضرّعهم إلیه سبحانه عند انصراف الخلق و انقطاعهم منه إلى المخلوقین و یحتمل رجوع ضمیر رغبتهم إلى الخلق و إلیهم و إلى الملائکه على سبیل التنازع.
(لا یقطعون أمد غایه عبادته) أراد أنّه لا یمکنهم الوصول إلى منتهى نهایه عبادته الذی هو عباره عن کمال معرفته، و ذلک لکون مراتب العرفان و درجاته غیر متناهیه فلا یمکنهم قطعها (و لا یرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته إلّا إلى موادّ من قلوبهم غیر منقطعه من رجائه و مخافته) أى لا یرجعهم الولع بلزوم طاعته سبحانه إلّا إلى موادّ ناشئه من قلوبهم غیر منقطعه و هذه الموادّ هو رجائه و مخافته الباعثان لهم على لزوم طاعته، و الغرض إثبات دوام خوفهم و رجائهم الموجبین لعدم انفکاکهم عن الطاعه بل لزیادتها کما یشعر به لفظ الموادّ.
قال الشّارح البحرانی: لما کانوا غرقى فى محبّته عالمین بکمال عظمته و أنّ ما یرجونه من جوده أشرف المطالب و أربح المکاسب و ما یخشى من انقطاع جوده و نزول حرمانه أعظم المهالک و المعاطب، لا جرم دام رجائهم له و خضوعهم فی رقّ الحاجه إلیه و الفزع من حرمانه، و کان ذلک الخوف و الرّجاء هو مادّه استهتارهم بلزوم طاعته التی یرجعون إلیها من قلوبهم فلم ینقطع استهتارهم بلزومها.
(لم تنقطع أسباب الشفقّه منهم فینوا فی جدّهم) أى لم تنقطع أسباب الخوف منهم فیفتروا فی الجدّ فی العباده و أسباب الخوف هی حاجتهم إلیه سبحانه و افتقارهم إلى إفاضته وجوده، فانّ الحاجه الضّروریه إلى الغیر فی مطلوب یستلزم الخوف منه فی عدم قضائه و یوجب الاقبال على الاستعداد بجوده بلزوم طاعته و القیام بوظایف عبادته.
(و لم یأسرهم الأطماع فیؤثروا وشیک السّعى على اجتهادهم) أى لم تجعلهم الأطماع اسراء و لیسوا مأسورین فی ربقه الطمع حتّى یختاروا السّعى القریب فی تحصیل المطموع من الدّنیا الفانیه على اجتهادهم الطویل فی تحصیل السّعاده الباقیه کما هو شأن البشر، و ذلک لکون الملائکه منزّهین عن الشهوات و ما یلزمها من الاطماع الکاذبه.
(و لم یستعظموا ما مضى من ذلک) قد مرّ معناه فی شرح قوله: و لم یتولهم الاعجاب آه و إنّما أعاد ذلک مع إغناء السّابق عنه و کفایته فی الدلاله على نفى العجب للاشاره إلى دلیله و هو قوله (و لو استعظموا ذلک لنسخ الرجاء منهم شفقات و جلهم) یعنی أنهم لو استعظموا سالف أعمالهم لأوجب ذلک اغترارهم و زیاده رجائهم لثواب أعمالهم فیبطل ذلک و یزیل ما دات وجلهم و خوفهم، ألا ترى أن الانسان إذا عمل لبعض الملوک عملا یستعظمه فانه یرى فی نفسه استحقاق أجزل جزاء له و یجد التّطاول به فیهون ذلک ما یجده من خوفه، و کلّما ازداد استعظامه لخدمته ازداد اعتقاده فی قربه من الملک قوّه و بمقدار ذلک ینقص خوفه و یقلّ هیبته فی نظره، لکن الملائکه خائفون دائما لقوله سبحانه: وَ هُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ فینتج أنّهم لا یستعظمون سالف عباداتهم (و لم یختلفوا فی ربّهم باستحواذ الشیطان علیهم) أى لم یختلفوا فیه من حیث الاثبات و النفى أو التعیین أو الصّفات کالتّجرّد و التجسّم و کیفیّه العلم و غیر ذلک، و قیل: أى فی استحقاق کمال العباده، و المقصود نفى الاختلاف عنهم باستیلاء الشّیطان کما هو فی الانسان لأنّه: لَیْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ، إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِینَ هُمْ بِهِ مُشْرِکُونَ«» (و لم یفرقهم سوء التقاطع) و التعادی و ترک البرّ و الاحسان (و لا تولّاهم غلّ التحاسد) الناشی من النفس الاماره بالحقد و العدوان (و لا شعّبتهم مصارف الرّیب) و وجوهات شکوک الأذهان (و لا اقتسمتهم أخیاف الهمم) و اختلافاتها لانحصار همّهم فی طاعه اللَّه الرّحیم الرّحمن (فهم اسراء الایمان لم یفکهم من ربقته زیغ) و جور (و لا عدول و لاونا) و وهن (و لا فتور)ثمّ أشار علیه السّلام إلى کثره الملائکه بقوله: (و لیس فی أطباق السموات موضع اهاب) و جلد (إلّا و علیه ملک ساجد) خاشع لربّه (أوساع) مسرع (حافد) فی طاعه معبوده (یزدادون على طول الطاعه بربّهم علما) و یقینا (و تزداد عزّه ربّهم فی قلوبهم عظما) و کمالا.
قال الشّارح البحرانی: اعلم أنّ للسماء ملائکه مباشره لتحریکها، و ملائکه أعلى رتبه من اولئک هم الآمرون لهم بالتحریک، فیشبه أن یکون الاشاره بالساجدین منهم إلى الآمرین، و السجود کنایه عن کمال عبادتهم کنایه بالمستعار، و یکون الاشاره بالساعین المسرعین إلى المتولّین للتحریک، فأمّا زیادتهم بطول طاعتهم علما بربّهم فلما ثبت أنّ حرکاتهم إنما هو شوقیّه للتشبّه بملائکه أعلى رتبه منهم فی کمالهم بالمعارف الالهیه و ظهور ما فی ذواتهم بالقوّه إلى الفعل، و زیاده عزّه ربّهم عندهم عظما بحسب زیاده معرفتهم له تابعه لها.
أقول: و قد مضى الاشاره منّا إلى أنّ هذا کلّه مبنیّ على الاصول الحکمیّه و عدول عن طریق الشریعه النبویّه على صادعها آلاف الصّلاه و السّلام و التحیّه و قدّمنا الأخبار المناسبه للمقام فی شرح الفصل التّاسع من الخطبه الاولى فتذکّر
و ینبغی تذییل المقام بأمرین مهمّین: أحدهما فى عصمه الملائکه
و هو مذهب أصحابنا الامامیّه رضوان اللَّه علیهم و علیه دلّت الآیات القرآنیّه و الأخبار الکثیره من طرقنا، و لنقتصر على روایه واحده، و هو: ما رواه فی الصّافی قال: قال الرّاوی: قلت لأبی محمّد علیه السّلام: فانّ قوما عندنا یزعمون أنّ هاروت و ماروت ملکان اختارتهما الملائکه لما کثر عصیان بنی آدم، و أنزلهما اللَّه مع ثالث لهما إلى الدّنیا، و أنهما افتتنا بالزّهره و أراد الزنا و شربا الخمر و قتلا النفس المحرّمه و أن اللَّه یعذّبهما ببابل، و أنّ السحره منهما یتعلّمون السّحر و أنّ اللَّه مسخ تلک المرأه هذا الکوکب الذی هو الزّهره.
فقال الامام علیه السّلام: معاذ اللَّه من ذلک إنّ ملائکه اللَّه معصومون محفوظون من الکفر و القبایح بألطاف اللَّه تعالى قال اللَّه فیهم: لا یَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ یَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُونَ و قال: وَ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ یعنی الملائکه لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا یَسْتَحْسِرُونَ یُسَبِّحُونَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ لا یَفْتُرُونَ و قال فی الملائکه أیضا: بَلْ عِبادٌ مُکْرَمُونَ لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ إلى قوله مُشْفِقُونَ و مثله فی البحار عن یوسف بن محمّد بن زیاد و علیّ بن محمّد بن سیّار عن أبویهما أنهما قالا: فقلنا للحسن أبی القائم علیهما السّلام: فانّ قوما إلى آخر الخبر، و رواه أیضا فی الاحتجاج عن أبی محمّد العسکری علیه السّلام مثله.
نعم فی بعض الرّوایات ما یدلّ على خلاف ذلک، و هو ما رواه علیّ بن إبراهیم القمیّ (ره) عن أبیه عن الحسن بن محبوب عن علیّ بن رئاب عن محمّد بن قیس عن أبی جعفر علیه السّلام قال: سأله عطا و نحن بمکّه عن هاروت و ماروت، فقال علیه السّلام: إنّ الملائکه کانوا ینزلون من السّماء إلى الأرض فی کلّ یوم و لیله یحفظون أعمال أوساط أهل الأرض من ولد آدم علیه السّلام و الجنّ و یسطرونها و یعرجون بها إلى السّماء قال: فضجّ أهل السّماء من معاصی أوساط أهل الأرض فتوامروا فیما بینهم ممّا یسمعون و یرون من افترائهم الکذب على اللَّه تبارک و جرأتهم علیه و نزّهوا اللَّه تعالى ممّا یقول فیه خلقه و یصفون، فقال طائفه من الملائکه: یا ربّنا ما تغضب مما یعمل خلقک فی أرضک و ممّا یصفون فیک الکذب و یقولون الزّور و یرتکبون المعاصی، و قد نهیتهم عنها، ثمّ أنت تحلم عنهم و هم فی قبضتک و قدرتک و خلال عافیتک، قال علیه السّلام: فأحبّ اللَّه عزّ و جلّ أن یرى الملائکه سابق علمه فی جمیع خلقه و یعرّفهم ما منّ به علیهم ممّا عدل به عنهم من صنع خلقه و ما طبعهم علیه من الطاعه و عصمهم به من الذّنوب.
قال علیه السّلام: فأوحى اللَّه إلى الملائکه أن انتدبوا منکم ملکین حتّى اهبطهما إلى الأرض ثمّ أجعل فیهما من طبایع المطعم و المشرب و الشّهوه و الحرص و الأمل مثل ما جعلته فی ولد آدم، ثمّ اختبرهما فی الطّاعه، قال علیه السّلام: فندبوا لذلک هاروت و ماروت و کانا أشدّ الملائکه قولا فی العیب لولد آدم و استیثار غضب اللَّه علیهم.
قال علیه السّلام: فأوحى اللَّه إلیهما أن اهبطا إلى الأرض فقد جعلت فیکما من طبایع المطعم و المشرب و الشّهوه و الحرص و الأمل مثل ما جعلت فی ولد آدم قال علیه السّلام ثمّ أوحى اللَّه إلیهما: انظرا أن لا تشرکا بی شیئا و لا تقتلا النّفس الّتی حرّم اللَّه و لا تزنیا و لا تشربا الخمر.
قال علیه السّلام: ثمّ کشط«» عن السّماوات السّبع لیریهما قدرته، ثمّ اهبطا إلى الأرض فی صوره البشر و لباسهم، فهبطا ناحیه بابل فرفع لهما بناء مشرف فأقبلا نحوه فاذا بحضرته امرأه جمیله حسناء مزیّنه معطّره مسفره مقبله.
قال علیه السّلام فلمّا نظرا إلیها و ناطقاها و تأملاها وقعت فی قلوبهما موقعا شدیدا لموضع الشّهوه التی جعلت فیهما، فرجعا إلیها رجوع فتنه و خذلان و راوداها عن نفسها، فقالت لهما: إنّ لی دینا أدین به و لیس أقدر فی دینی على أن اجیبکما إلى ما تریدان إلّا أن تدخلا فی دینی الذی أدین به، فقالا لها: و ما دینک قالت: لی إله من عبده و سجد له کان لى السبیل إلى أن اجیبه إلى کلّ ما سألنی، فقالا لها: و ما إلهک قالت: إلهی هذا الصّنم.
قال علیه السّلام: فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال: هاتان خصلتان مما نهینا عنها الشّرک و الزّنا، لأنّا إن سجدنا لهذا الصّنم و عبدناه أشرکنا باللّه و إنّما نشرک باللّه لنصل إلى الزّنا و هو ذا نحن نطلب الزّنا فلیس نعطى إلّا بالشّرک.
فقال علیه السّلام: فائتمرا بینهما فغلبتهما الشّهوه التی جعلت فیهما، فقالا لها نجیبک إلى ما سألت، فقالت: فدونکما فاشربا هذا الخمر فانّه قربان لکما و به تصلان إلى ما تریدان، فائتمرا بینهما فقالا: هذه ثلاث خصال ممّا نهینا ربّنا عنها: الشرک و الزّنا، و شرب الخمر، و إنّما ندخل فی شرب الخمر و الشّرک حتّى نصل إلى الزّنا، فائتمرا بینهما فقالا: ما أعظم البلیّه بک قد أجبناک الى ما سألت، قالت: فدونکما فاشربا من هذا الخمر، و اعبدا هذا الصّنم، و اسجدا له، فشربا الخمر و عبدا الصّنم ثمّ راوداها عن نفسها.
فلمّا تهیّأت لهما و تهیّآ لها دخل علیها سائل یسأل هذه، فلمّا رآهما و رأیاه ذعرا«» منه، فقال لهما: إنکما لامرء آن ذعران، فدخلتما بهذه المرأه المعطّره الحسناء إنکما لرجلا سوء، و خرج عنهما، فقالت لهما: و إلهى ما تصلان الآن إلىّ و قد اطلع هذا الرجل على حالکما و عرف مکانکما، و یخرج الآن و یخبر بخبر کما و لکن بادرا إلى هذا الرجل فاقتلاه قبل أن یفضحکما و یفضحنی ثمّ دونکما فاقضیا حاجتکما و أنتما مطمئنّان آمنان.
قال علیه السّلام: فقاما إلى الرّجل فأدرکاه فقتلاه ثمّ رجعا إلیها فلم یریاها و بدت لهما سوآتهما و نزع عنهما ریاشهما و اسقطا«» فی أیدیهما، فأوحى اللَّه إلیهما أن اهبطتکما إلى الأرض مع خلقی ساعه من النّهار فعصیتمانی بأربع من معاصی کلّها قد نهیتکما عنها و تقدّمت إلیکما فیها فلم تراقبانی و لم تستحییا منى، و قد کنتما أشدّ من نقم على أهل الأرض بالمعاصی و استجرّ أسفى و غضبی علیهم لما جعلت فیکما من طبع خلقی و عصمتی إیّاکما من المعاصی فکیف رأیتما موضع خذلانی فیکما.
اختارا عذاب الدّنیا أو عذاب الآخره، فقال أحدهما لصاحبه: نتمتّع من شهواتنا فی الدّنیا إذ صرنا إلیها إلى أن نصیر إلى عذاب الآخره، فقال الآخر: إنّ عذاب الدّنیا له مدّه و انقطاع و عذاب الآخره قائم لا انقطاع له فلسنا نختار عذاب الآخره الشدید الدّائم على عذاب الدّنیا المنقطع الفانی.
قال علیه السّلام: فاختارا عذاب الدّنیا فکانا یعلّمان النّاس السّحر فی أرض بابل ثمّ لما علّما النّاس السّحر رفعا من الأرض إلى الهواء، فهما معذّبان منکّسان معلّقان فی الهواء إلى یوم القیامه، و رواه فی البحار عن العیّاشى عن محمّد بن قیس مثله، و بمعناه أخبار اخر، و یمکن حملها على التقیّه، و یشعر به کون السائل فی هذه الرّوایه من علماء العامه.
و ما رواه فی البحار عن العلل عن الصّادق علیه السّلام فی حدیث قال: و أمّا الزّهره فانّها کانت امرئه تسمّى ناهید (ناهیل خ ل) و هی الّتی تقول الناس إنّه افتتن بها هاروت و ماروت، فانّ فی نسبه افتتانهما إلى النّاس إشاره إلى ما ذکرناه کما لا یخفى.
و قال بعض أهل العرفان بعد ما أورد الرّوایات الدّالّه على تکذیب أمر هاروت و ماروت و الرّوایات الدّالّه على صحّه قصّتهما: و الوجه فی الجمع و التوفیق أن یحمل روایات الصّحه على کونها من مرموزات الأوائل و إشاراتهم، و أنّهم علیه السّلام لمّا رأوا أنّ حکاتها کانوا یحملونها على ظاهرها کذّبوها ثمّ قال: و أمّا حلّها فلعلّ المراد بالملکین الرّوح و العقل فانّهما من العالم الرّوحانی اهبطا إلى العالم الجسمانى لاقامه الحقّ فافتتنا بزهره الحیاه الدّنیا، و وقعا فی شبکه الشهوه، فشربا خمر الغفله، و عبدا صنم الهوى، و قتلا عقلهما النّاصح لهما بمنع تغذیته بالعلم و التقوى، و محو أثر نصحه عن أنفسهما، و تهیّئا للزّنا ببغى الدّنیا الدّنیّه التی تلى تربیه النشاط و الطرب فیها الکوکب المسمّى بالزّهره، فهربت الدّنیا منهما و فاتتهما لما کان من عادتهما أن تهرب من طالبیها لأنّها متاع الغرور و بقی اشراق حسنها فی موضع مرتفع بحیث لا تنالها ایدى طالبها ما دامت الزّهره باقیه فی السّماء و حملهما حبّها فی قلبهما إلى أن وضعها طرائق مر السّحر و هو ما لطف مأخذه و دقّ، فخیّرا للتخلّص منها فاختارا بعد التنبّه و عود العقل إلیهما أهون العذابین، ثمّ رفعا إلى البرزخ معذّبین و رأسهما بعد الى أسفل إلى یوم القیامه.
هذا ما خطر بالبال فی حلّ هذا الرّمز و اللّه الهادی.
الثانی
اختلف المسلمون فی أنّ الأنبیاء و الملائکه أیّهم أفضل أى أکثر ثوابا، فذهب أکثر الأشاعره إلى أنّ الأنبیاء أفضل، و قال المعتزله کما فی شرح المعتزلی إنّ نوع الملائکه أفضل من نوع البشر، و الملائکه المقرّبون أفضل من نوع الأنبیاء و لیس کلّ ملک عند الاطلاق أفضل من محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، بل بعض المقرّبین أفضل منه، و هو صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أفضل من ملائکه اخرى غیر الأوّلین.
و لا خلاف بین علماء الامامیّه قدّس اللّه أرواحهم فی أنّ الأنبیاء و الأئمّه صلوات اللّه علیهم أفضل من جمیع الملائکه، و أخبارهم على ذلک مستفیضه، و قد حقّقوا ذلک فی کتب الاصول و لا حاجه لنا الآن إلى بسط الکلام فی ذلک المقام، و إنّما نقتصر على روایه واحده توضیحا للمرام.
و هو ما رواه الصّدوق فی کتاب إکمال الدّین و إتمام النّعمه قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعید الهاشمی، قال: حدّثنا فرات بن إبراهیم بن فرات الکوفی قال: حدّثنا محمّد بن علىّ بن أحمد الهمدانی، قال: حدّثنى أبو الفضیل العبّاس ابن عبد اللّه البخاری، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن إبراهیم بن عبد اللّه بن القاسم بن محمّد بن أبی بکر، قال: حدّثنا عبد السّلام بن صالح الهروی عن علیّ بن موسى الرّضا علیه السّلام عن أبیه موسى بن جعفر عن أبیه جعفر بن محمّد عن أبیه محمّد بن علیّ عن أبیه علیّ بن الحسین عن أبیه الحسین بن علیّ عن أبیه علیّ بن أبی طالب علیهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: ما خلق اللّه خلقا أفضل منّی و لا أکرم علیه منّی قال علیّ علیه السّلام: فقلت: یا رسول اللّه فأنت أفضل أم جبرئیل فقال: إنّ اللّه تبارک و تعالى
فضّل أنبیاءه المرسلین على ملائکته المقزّبین و فضّلنی على جمیع النّبیّین و المرسلین و الفصل بعدی لک یا علیّ و الأئمّه من بعدک، فانّ الملائکه لخدّامنا و خدّام محبّینا یا علیّ الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ… وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا» بولایتنا، یا علیّ لو لا نحن ما خلق اللّه آدم علیه السّلام و لا حوّا و لا الجنّه و لا النّار و لا السّماء و لا الأرض، و کیف لا نکون أفضل من الملائکه و قد سبقناهم إلى التّوحید و معرفه ربّنا عزّ و جلّ و تسبیحه و تقدیسه و تهلیله، لأنّ أوّل ما خلق اللّه عزّ و جلّ أرواحنا، فأنطقنا بتوحیده و تمجیده ثمّ خلق الملائکه فلمّا شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا امورنا فسبّحنا لتعلم الملائکه أنّا خلق مخلوقون و أنّه منزّه عن صفاتنا فسبّحت الملائکه لتسبیحنا و نزهته عن صفاتنا.
فلمّا شاهد و اعظم شأننا هلّلنا لتعلم الملائکه أن لا إله إلّا اللّه فلمّا شاهدوا کبر محلّنا کبّرنا اللّه لتعلم الملائکه أنّ اللّه أکبر من أن تنال و أنّه عظیم المحلّ فلمّا شاهدوا ما جعل اللّه لنا من القدره و القوّه قلنا: لا حول و لا قوّه إلّا باللّه العلیّ العظیم، لتعلم الملائکه أن لا حول و لا قوّه إلّا باللّه.
فلمّا شاهدوا ما أنعم اللّه به علینا و أوجبه من فرض الطاعه قلنا: الحمد للّه، لتعلم الملائکه ما یحقّ اللّه تعالى ذکره علینا من الحمد على نعمه فقالت الملائکه الحمد للّه فبنا اهتدوا إلى معرفه اللّه و تسبیحه و تهلیله و تحمیده، ثمّ إنّ اللّه تبارک و تعالى خلق آدم علیه السّلام و أودعنا صلبه و أمر الملائکه بالسّجود له تعظیما لنا و إکراما، و کان سجودهم للّه عزّ و جلّ عبودیّه و لآدم إکراما و طاعه لکونه فی صلبه فکیف لا نکون أفضل من الملائکه و قد سجدوا لآدم علیه السّلام کلّهم أجمعون.
و أنّه لما عرج بی إلى السّماء أذّن جبرئیل علیه السّلام مثنى مثنى ثمّ قال: تقدّم یا محمّد، فقلت: یا جبرئیل تقدّم علیک فقال: نعم لأنّ اللّه تبارک و تعالى
اسمه فضّل أنبیائه على ملائکته أجمعین و فضّلک خاصّه، فتقدّمت و صلّیت بهم و لا فخر فلمّا انتهینا إلى حجب النّور قال لی جبرئیل علیه السّلام: تقدّم یا محمّد و تخلّف عنی، فقلت: یا جبرئیل فی مثل هذا الموضع تفارقنی فقال: یا محمّد إنّ هذا انتهاء حدّی الّذی وضعه اللَّه لی فی هذا المکان فان تجاوزته احترقت أجنحتی لتعدّى حدود ربّی جلّ جلاله، فزّج بی ربّی زجّه فی النّور حتّى انتهیت إلى حیث ما شاء اللّه عزّ و جلّ من ملکوته.
فنودیت: یا محمّد، فقلت: لبّیک ربّی و سعدیک تبارکت و تعالیت فنودیت یا محمّد أنت عبدی و أنا ربّک فإیّاى فاعبد و علىّ فتوکّل فانّک نوری فی عبادی و رسولی إلى خلقی و حجّتی فى بریّتی، لمن تبعک خلقت جنّتی و لمن عصاک و خالفک خلقت ناری، و لأوصیائک أوجبت کرامتی، و لشیعتک أوجبت ثوابی.
فقلت: یا رب و من أوصیائی فنودیت: یا محمّد إنّ أوصیائک المکتوبون على ساق العرش، فنظرت و أنا بین یدی ربّی إلی ساق العرش فرأیت اثنا عشر نورا فی کلّ نور سطر أخضر مکتوب علیه اسم کلّ وصیّ من أوصیائی أوّلهم علیّ بن أبی طالب و آخرهم مهدیّ أمّتی.
فقلت: یا ربّ هؤلاء أوصیائی من بعدی فنودیت: یا محمّد هؤلاء أولیائی و أحبّائی و أصفیائی حجّتی بعدک على بریّتی، و هم أوصیاؤک و خلفاؤک و خیر خلقی بعدک، و عزّتی و جلالی لاظهرنّ بهم دینی، و لأعلینّ بهم کلمتی و لاطهّرنّ الأرض بآخرهم من أعدائی، و لا ملکنّه مشارق الأرض و مغاربها، و لأسخّرنّ له الرّیاح و لاذللنّ الرّقاب الصّغار، و لا رقبه فی الأسباب، و لأنصرنّه بجندی، و لأمدّنه بملائکتی حتّى یعلو دعوتی و یجمع الخلق على توحیدی، ثمّ لأدیمنّ ملکه و لأداولنّ الأیام بین أولیائی إلى یوم القیامه.
و الحمد للّه ربّ العالمین و الصّلاه على نبیّنا محمّد و آله الطّیبین الطاهرین و سلّم تسلیما و إنّما ذکرت الرّوایه بطولها مع کون ذیلها خارجا عن الغرض لتضمّنه مناقب أهل البیت الأطهار، و کونه نصّا فی خلافه الأئمه الأبرار و لعا منّى بایراد فضایلهم و مناقبهم ما تعاقب على اللّیل و النّار، سلام اللّه علیهم أجمعین، و لعنه اللّه على أعدائهم و منکری فضائلهم إلى یوم الدّین.
الترجمه
بعضی دیگر از این خطبه شریفه در صفه ملائکه است مى فرماید: بعد از خلق آسمان بیافرید حق سبحانه و تعالى از براى ساکن فرمودن در آسمانهاى خود و معمور ساختن صفحه پهن بلند از ملکوت خود خلقی عجیب از ملائکه خود پس پرساخت بایشان فرجهاى کشادگیهاى آسمانرا، و مملوّ نمود بایشان کشادگیهاى فضاهاى آنرا، و میان وسعتهاى این کشادگیها است صوتهاى بلند تسبیح کنندگان از ایشان در حرمهاى قدس و طهارت و پردههاى حجابهاى عظمت و سراپردهاى بزرگی و عزّت و در پس این زلزله و اضطرابى که کر مى شود از آن گوشها، اشراقات نورى است که بازمیدارد دیدها را از رسیدن بآن، پس مىایستد آن دیدها ذلیل و متحیّر بر حدود آن.
آفرید خداوند متعال آن ملائکه را بر صورتهاى مختلفه و اندازهاى متفاوته در حالتى که صاحبان بالها هستند که تسبیح می کنند بزرگى عزّت او را، در حالتى که بخود نمى بندند آنچه که ظاهر شده در مخلوقات از صنع قدر او، و ادّعا نمى کنند این که ایشان مى آفرینند چیزى را با آفریدگار از آن چیزى که یگانه است او سبحانه بآفریدن آن، بلکه ایشان بندگانی هستند گرامى داشته شده در حالتی که پیشى نمىگیرند بخدا در گفتار خودشان، و ایشان بفرمان او سبحانه عمل مى نمایند.
گردانید حق تعالى ایشان را در آنجا که هستند، یعنى در مقامات خودشان که حظایر قدس است أهل أمانت بروحى خود و تحمیل نمود ایشان را در حالتى که ارسال می شوند بسوى پیغمبران أمانتهاى أوامر و نواهی خود را، و معصوم ساخت ایشان را از شک کردن در شبهها، پس نیست از ایشان میل کننده از راه رضاى او، و مدد نمود ایشان را بفایده هاى اعانت بسوى طاعات، و لازم فرمود قلبهاى ایشان را تواضع خضوع وقار را، و گشود بجهت ایشان درهاى سهل و آسان بسوى تمجیدات خود، و بر پا نمود از براى ایشان منارهاى آشکار بر نشانهاى توحید خود.
گران نکرد ایشان را گران سازندههاى گناهها، و ضعیف ننمود ایشان را تعاقب و تناوب شبها و روزها، و نینداخت شکها بمحرّکات فاسده خود محکمى ایمان ایشان را، و عارض نشد ظنّها و وهمها بر مواضع عقد یقین ایشان، و بر نیفروخت بر افروزندگیهاى حقد و حسد در میان ایشان، و سلب نکرد از ایشان حیرت چیزى را که چسبیده از معرفت او بقلب ایشان، و ساکن شده از عظمت و هیبت او در میان سینهاى ایشان، و طمع ننموده در ایشان وسوسه ها تا این که بکوبد با استیلاى خود یا این که تناوب نماید با چرک خود بفکرهاى ایشان.
بعضى از ایشان آنانند که قرار گرفته در أبرهاى مخلوق شده گران بار بباران، و در کوههاى بزرک بلند، و در سیاهى تاریکى که هدایت یافته نمىشود در آن، و بعضى دیگر آنانند که دریده است قدمهاى ایشان حدود زمین پائین را، پس آن قدمها بمنزله علمهاى سفیدند که فرو رفته باشند در مواضع خرق هوا و شکاف آن، و در زیر آن علمها است بادى که ساکن است و پاکیزه که بازداشته است آن علمها را بر مکانی که منتهى شده آن علمها از حدود بنهایت رسیده.
بتحقیق که فارغ نموده ایشان را از ما سوا شغلهاى عبادت او سبحانه، و وصل نموده است حقیقتهاى ایمان میان ایشان و میان معرفت آنرا، و بریده است ایشان را یقین و اذعان بخدا از غیر آن، و مایل ساخته ایشان را بسوى حیرانی او، و در نگذشته است رغبتهاى ایشان از آن چیزى که نزد او است بسوى آن چیزى که نزد غیر او است.
بتحقیق که چشیدهاند شیرینى معرفت او را، و آشامیدهاند با کاسه سیراب کننده از شراب محبّت او، و متمکّن و برقرار شده از ته دلهاى ایشان رگهاى خوف و خشیت او، پس خم کردهاند بدرازى عبادت راستى پشتهاى خودشان را، و تمام نکرده درازى رغبت بسوى او مادّه تضرّع ایشان را، و رها نکرده از گردنهاى ایشان بزرگى قرب و منزلت بحضرت ربّ العزّه ریسمان خشوع و ذلّترا و غالب نشده بر ایشان عجب و خودپسندى تا این که بسیار شمارند آنچه که پیش گذشته از ایشان از طاعات و عبادات، و نگذاشته از براى ایشان خوارى که ناشی شده از ملاحظه جلال پروردگار نصیب و بهره در تعظیم و بزرگ دانستن حسنات خودشان، و جارى نشده سستیها در ایشان با درازى جدّ و جهد ایشان.
و ناقص نگشته رغبتهاى ایشان تا مخالفت کنند و عدول نمایند از امیدوارى پروردگار خودشان، و خشک نگشته بجهه طول راز و نیاز اطراف زبانهاى ایشان و مالک نشده است ایشان را شغلهاى خارج از عبادت تا این که منقطع شود بسبب پنهانی تضرّع ایشان بسوى او آوازهاى بلند ایشان، و مختلف نشده در صفهاى عبادت دوشهاى ایشان، و ملتفت نساختهاند بسوى راحتى که باعث تقصیر در امر او است گردنهاى خودشان را، و غالب نمىشود بر عزم جدّ و جهد ایشان بیخردی غفلتها، و تیر نمىاندازند در همّتهاى ایشان فریب دهندگان شهوتها.
بتحقیق که اخذ نمودهاند صاحب عرش را ذخیره بجهه روز حاجتشان، و قصد کرده اند او را نزد بریده شدن خلق بسوى مخلوقات برغبتشان، قطع نمىتوانند کنند پایان غایه عبادت او را، و باز نمىگرداند ایشان را حرص و محبّت بلزوم طاعت او مگر بسوى مادّهائی که بریده نمىشوند آن مادّها که از دل ایشانست که عبارتاند از خوف و رجا آن، بریده نشده اسباب ترس از ایشان تا سست شوند در جدّ و جهد خودشان: و أسیر ننموده ایشان را طمعهاى دنیوی تا این که اختیار نمایند سعى نزدیک در تحصیل دنیا را بر کوشش خودشان در تحصیل سعادت آخرت، و بزرگ نمى شمارند آنچه که گذشته از اعمال ایشان، و اگر بزرک شمارند أعمال خودشان هر آینه باطل و زایل مىنماید رجاء و امیدواری ایشان ترسهاى ایشان را، و اختلاف نمىنمایند در ذات و صفات پروردگار بسبب غلبه شیطان بر ایشان، و پراکنده نساخته ایشان را بدى بریدن از یکدیگر، و مالک نشده ایشان را خیانت حسد بردن بیکدیگر، و متفرّق نساخته ایشان را مواضع صرف شکّ و کمان، و منقسم نگردانیده ایشان را اختلافهاى همّتها.
پس ایشان أسیران ایمانند که رها ننموده ایشان را از بند ایمان میل نمودن از حق و نه عدول کردن از منهج صدق و نه سستى در عبادت و نه کاهلى در طاعت، و نیست در طبقهاى آسمان جاى پوستى مگر که بر او است ملک سجد، کننده یا سعى نماینده شتابنده که زیاده مىگردانند بر درازى طاعت بپروردگار خودشان علم و یقین را، و افزون مىگرداند عزّت کردگار ایشان در دلهاى ایشان عطم و شأن را.
هذا آخر الجزء السادس من هذه الطبعه النفیسه و قد تمّ تصحیحه و تهذیبه بید العبد «السید ابراهیم المیانجى» عفى عنه و عن والدیه فى الیوم الثانی من شهر ذى الحجه الحرام سنه ۱۳۷۹ و یلیه انشاء اللّه الجزء السابع و اوله: «الفصل السادس» من المختار التسعین و الحمد للَّه أولا و آخرا.
منهاج البراعه فی شرح نهج البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»
بازدیدها: ۱۲۷