خطبه ۱۶۰ صبحی صالح
۱۶۰- و من خطبه له ( علیه السلام )
عظمه اللّه
أَمْرُهُ قَضَاءٌ وَ حِکْمَهٌ
وَ رِضَاهُ أَمَانٌ وَ رَحْمَهُ
یَقْضِی بِعِلْمٍ
وَ یَعْفُو بِحِلْمٍ
حمد اللّه
اللَّهُمَّ لَکَ الْحَمْدُ عَلَى مَا تَأْخُذُ وَ تُعْطِی
وَ عَلَى مَا تُعَافِی وَ تَبْتَلِی
حَمْداًیَکُونُ أَرْضَى الْحَمْدِ لَکَ
وَ أَحَبَّ الْحَمْدِ إِلَیْکَ
وَ أَفْضَلَ الْحَمْدِ عِنْدَکَ
حَمْداً یَمْلَأُ مَا خَلَقْتَ
وَ یَبْلُغُ مَا أَرَدْتَ
حَمْداً لَا یُحْجَبُ عَنْکَ وَ لَا یُقْصَرُ دُونَکَ
حَمْداً لَا یَنْقَطِعُ عَدَدُهُ وَ لَا یَفْنَى مَدَدُهُ
فَلَسْنَا نَعْلَمُ کُنْهَ عَظَمَتِکَ
إِلَّا أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّکَ حَیٌّ قَیُّومُ لَا تَأْخُذُکَ سِنَهٌ وَ لَا نَوْمٌ
لَمْ یَنْتَهِ إِلَیْکَ نَظَرٌ
وَ لَمْ یُدْرِکْکَ بَصَرٌ
أَدْرَکْتَ الْأَبْصَارَ وَ أَحْصَیْتَ الْأَعْمَالَ
وَ أَخَذْتَ بِالنَّوَاصِی وَ الْأَقْدَامِ
وَ مَا الَّذِی نَرَى مِنْ خَلْقِکَ وَ نَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِکَ
وَ نَصِفُهُ مِنْ عَظِیمِ سُلْطَانِکَ
وَ مَا تَغَیَّبَ عَنَّا مِنْهُ وَ قَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ
وَ انْتَهَتْ عُقُولُنَا دُونَهُ
وَ حَالَتْ سُتُورُ الْغُیُوبِ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُ أَعْظَمُ
فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ وَ أَعْمَلَ فِکْرَهُ لِیَعْلَمَ کَیْفَ أَقَمْتَ عَرْشَکَ
وَ کَیْفَ ذَرَأْتَ خَلْقَکَ
وَ کَیْفَ عَلَّقْتَ فِی الْهَوَاءِ سَمَاوَاتِکَ
وَ کَیْفَ مَدَدْتَ عَلَى مَوْرِ الْمَاءِ أَرْضَکَ
رَجَعَ طَرْفُهُ حَسِیراً
وَ عَقْلُهُ مَبْهُوراً
وَ سَمْعُهُ وَالِهاً
وَ فِکْرُهُ حَائِراً
کیف یکون الرجاء
منهایَدَّعِی بِزَعْمِهِ أَنَّهُ یَرْجُو اللَّهَ کَذَبَ وَ الْعَظِیمِ
مَا بَالُهُ لَا یَتَبَیَّنُ رَجَاؤُهُ فِی عَمَلِهِ
فَکُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِی عَمَلِهِ
وَ کُلُ رَجَاءٍ إِلَّا رَجَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ
وَ کُلُّ خَوْفٍ مُحَقَّقٌ إِلَّا خَوْفَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ
یَرْجُو اللَّهَ فِی الْکَبِیرِ وَ یَرْجُو الْعِبَادَ فِی الصَّغِیرِ
فَیُعْطِی الْعَبْدَ مَا لَا یُعْطِی الرَّبَّ
فَمَا بَالُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ یُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا یُصْنَعُ بِهِ لِعِبَادِهِ
أَ تَخَافُ أَنْ تَکُونَ فِی رَجَائِکَ لَهُ کَاذِباً
أَوْ تَکُونَ لَا تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً
وَ کَذَلِکَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِیدِهِ أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لَا یُعْطِی رَبَّهُ
فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً
وَ خَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِمَاراً وَ وَعْداً
وَ کَذَلِکَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْیَا فِی عَیْنِهِ
وَ کَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ
آثَرَهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى
فَانْقَطَعَ إِلَیْهَا وَ صَارَ عَبْداً لَهَا
رسول اللّه
وَ لَقَدْ کَانَ فِی رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله علیه وآله )کَافٍ لَکَ فِی الْأُسْوَهِ
وَ دَلِیلٌ لَکَ عَلَى ذَمِّ الدُّنْیَا وَ عَیْبِهَا
وَ کَثْرَهِ مَخَازِیهَا وَ مَسَاوِیهَا
إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا
وَ وُطِّئَتْ لِغَیْرِهِ أَکْنَافُهَا
وَ فُطِمَ عَنْ رَضَاعِهَا
وَ زُوِیَ عَنْ زَخَارِفِهَا
موسى
وَ إِنْ شِئْتَ ثَنَّیْتُ بِمُوسَى کَلِیمِ اللَّهِ ( صلى الله علیه وسلم )
حَیْثُ یَقُولُ رَبِّ إِنِّی لِما أَنْزَلْتَ إِلَیَّ مِنْ خَیْرٍ فَقِیرٌ
وَ اللَّهِ مَا سَأَلَهُ إِلَّا خُبْزاً یَأْکُلُهُ
لِأَنَّهُ کَانَ یَأْکُلُ بَقْلَهَ الْأَرْضِ
وَ لَقَدْ کَانَتْ خُضْرَهُ
الْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِیفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ
لِهُزَالِهِ وَ تَشَذُّبِ لَحْمِهِ
داود
وَ إِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ بِدَاوُدَ ( صلى الله علیه وسلم )صَاحِبِ الْمَزَامِیرِ وَ قَارِئِ أَهْلِ الْجَنَّهِ
فَلَقَدْ کَانَ یَعْمَلُ سَفَائِفَ الْخُوصِ بِیَدِهِ
وَ یَقُولُ لِجُلَسَائِهِ أَیُّکُمْ یَکْفِینِی بَیْعَهَا وَ یَأْکُلُ قُرْصَ الشَّعِیرِ مِنْ ثَمَنِهَا
عیسى
وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِی عِیسَى ابْنِ مَرْیَمَ ( علیه السلام )
فَلَقَدْ کَانَ یَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ
وَ یَلْبَسُ الْخَشِنَ وَ یَأْکُلُ الْجَشِبَ
وَ کَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ
وَ سِرَاجُهُ بِاللَّیْلِ الْقَمَرَ
وَ ظِلَالُهُ فِی الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا
وَ فَاکِهَتُهُ وَ رَیْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ
وَ لَمْ تَکُنْ لَهُ زَوْجَهٌ تَفْتِنُهُ وَ لَا وَلَدٌ یَحْزُنُهُ وَ لَا مَالٌ یَلْفِتُهُ
وَ لَا طَمَعٌ یُذِلُّهُ
دَابَّتُهُ رِجْلَاهُ وَ خَادِمُهُ یَدَاهُ
الرسول الأعظم
فَتَأَسَّ بِنَبِیِّکَ الْأَطْیَبِ الْأَطْهَرِ ( صلى الله علیه وآله )
فَإِنَّ فِیهِ أُسْوَهً لِمَنْ تَأَسَّى
وَ عَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى
وَ أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ الْمُتَأَسِّی
بِنَبِیِّهِ وَ الْمُقْتَصُّ لِأَثَرِهِ
قَضَمَ الدُّنْیَا قَضْماً
وَ لَمْ یُعِرْهَا طَرْفاً
أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْیَا کَشْحاً
وَ أَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْیَا بَطْناً
عُرِضَتْ عَلَیْهِ الدُّنْیَا
فَأَبَى أَنْ یَقْبَلَهَا وَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَیْئاً فَأَبْغَضَهُ وَ حَقَّرَ شَیْئاً فَحَقَّرَهُ وَ صَغَّرَ شَیْئاً فَصَغَّرَهُ
وَ لَوْ لَمْ یَکُنْ فِینَا إِلَّا حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ تَعْظِیمُنَا مَا صَغَّرَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ
لَکَفَى بِهِ شِقَاقاً لِلَّهِ وَ مُحَادَّهً عَنْ أَمْرِ اللَّهِ
وَ لَقَدْ کَانَ ( صلى الله علیه وآله وسلم )یَأْکُلُ عَلَى الْأَرْضِ
وَ یَجْلِسُ جِلْسَهَ الْعَبْدِ
وَ یَخْصِفُ بِیَدِهِ نَعْلَهُ
وَ یَرْقَعُ بِیَدِهِ ثَوْبَهُ
وَ یَرْکَبُ الْحِمَارَ الْعَارِیَ
وَ یُرْدِفُ خَلْفَهُ
وَ یَکُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَیْتِهِ فَتَکُونُ فِیهِ التَّصَاوِیرُ فَیَقُولُ یَا فُلَانَهُ لِإِحْدَى أَزْوَاجِهِ غَیِّبِیهِ عَنِّی فَإِنِّی إِذَا نَظَرْتُ إِلَیْهِ ذَکَرْتُ الدُّنْیَا وَ زَخَارِفَهَا
فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْیَا بِقَلْبِهِ
وَ أَمَاتَ ذِکْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ
وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِیبَ زِینَتُهَا عَنْ عَیْنِهِ
لِکَیْلَا یَتَّخِذَ مِنْهَا رِیَاشاً وَ لَا یَعْتَقِدَهَا قَرَاراً
وَ لَا یَرْجُوَ فِیهَا مُقَاماً
فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ وَ أَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ وَ غَیَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ
وَ کَذَلِکَ مَنْ أَبْغَضَ شَیْئاً أَبْغَضَ أَنْ یَنْظُرَ إِلَیْهِ وَ أَنْ یُذْکَرَ عِنْدَهُ
وَ لَقَدْ کَانَ فِی رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله علیه وآله )مَا یَدُلُّکُ عَلَى مَسَاوِئِ الدُّنْیَا وَ عُیُوبِهَا
إِذْ جَاعَ فِیهَا مَعَ خَاصَّتِهِ وَ زُوِیَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِیمِ زُلْفَتِهِ
فَلْیَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ أَکْرَمَ
اللَّهُ مُحَمَّداً بِذَلِکَ أَمْ أَهَانَهُ
فَإِنْ قَالَ أَهَانَهُ فَقَدْ کَذَبَ
وَ اللَّهِ الْعَظِیمِ بِالْإِفْکِ الْعَظِیمِ
وَ إِنْ قَالَ أَکْرَمَهُ فَلْیَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهَانَ غَیْرَهُ حَیْثُ بَسَطَ الدُّنْیَا لَهُ وَ زَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ
فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِیِّهِ
وَ اقْتَصَّ أَثَرَهُ وَ وَلَجَ مَوْلِجَهُ
وَ إِلَّا فَلَا یَأْمَنِ الْهَلَکَهَ
فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ مُحَمَّداً ( صلى الله علیه وآله )عَلَماً لِلسَّاعَهِ
وَ مُبَشِّراً بِالْجَنَّهِ وَ مُنْذِراً بِالْعُقُوبَهِ
خَرَجَ مِنَ الدُّنْیَا خَمِیصاً وَ وَرَدَ الْآخِرَهَ سَلِیماً
لَمْ یَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ حَتَّى مَضَى لِسَبِیلِهِ
وَ أَجَابَ دَاعِیَ رَبِّهِ
فَمَا أَعْظَمَ مِنَّهَ اللَّهِ عِنْدَنَا حِینَ أَنْعَمَ عَلَیْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ وَ قَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ
وَ اللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِی هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْیَیْتُ مِنْ رَاقِعِهَا
وَ لَقَدْ قَالَ لِی قَائِلٌ أَ لَا تَنْبِذُهَا عَنْکَ
فَقُلْتُ اغْرُبْ عَنِّی
فَعِنْدَ الصَّبَاحِ یَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۹
و من خطبه له علیه السّلام
و هى المأه و التاسعه و الخمسون من المختار فى باب الخطب و شرحها فی فصلین:
الفصل الاول
أمره قضاء و حکمه، و رضاه أمان و رحمه، یقضی بعلم، و یعفو بحلم، الّلهُمّ لک الحمد على ما تأخذ و تعطی، و على ما تعافی و تبتلی، حمدا یکون أرضى الحمد لک، و أحبّ الحمد إلیک، و أفضل الحمد عندک، حمدا یملاء ما خلقت، و یبلغ ما أردت، حمدا لا یحجب عنک، و لا یقصر دونک، حمدا لا ینقطع عدده، و لا یفنى مدده، فلسنا نعلم کنه عظمتک إلّا أنّا نعلم أنّک حىّ قیّوم، لا تأخذک سنه و لا نوم، لم ینته إلیک نظر، و لم یدرکک بصر، أدرکت الأبصار، و أحصیت الأعمال، و أخذت بالنّواصی و الأقدام، و ما الّذی نریمن خلقک، و نعجب له من قدرتک، و نصفه من عظیم سلطانک، و ما تغیّب عنّا منه، و قصرت أبصارنا عنه، و انتهت عقولنا دونه، و حالت سواتر الغیوب بیننا و بینه أعظم، فمن فرغ قلبه، و أعمل فکره، لیعلم کیف أقمت عرشک، و کیف ذرأت خلقک، و کیف علّقت فی الهواء سمواتک، و کیف مددت على مور الماء أرضک رجع طرفه حسیرا، و عقله مبهورا، و سمعه والها، و فکره حائرا.
اللغه
قال الفیومى (عافاه) اللّه محى عنه الأسقام و العافیه اسم منه و هى مصدر جاءت على فاعله، و مثله ناشئه اللّیل بمعنى نشوء اللّیل و الخاتمه بمعنى الختم، و العاقبه بمعنى العقب، و لیس لوقعتها کاذبه و (حسر) البصر حسورا من باب قعد کلّ لطول مدى و نحوه فهو حسیر و (بهره) بهرا من باب نفع غلبه و منه قیل للقمر الباهر لظهوره على سایر الکواکب و (اله) تحیّر.
الاعراب
جمله لا تأخذه فی محلّ النّصب على الحال، و ما فی قوله علیه السّلام: و ما الّذی نرى للاستفهام على وجه الاستحقار، و الواو فی قوله علیه السّلام: و ما تغیّب، حالیّه و ما موصول اسمىّ بمعنى الّذی مرفوع المحلّ على الابتداء و خبره أعظم.
المعنى
اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبه متضمّن لتعظیم اللّه سبحانه و تبجیله بجملهمن نعوت کماله و أوصاف جماله قال علیه السّلام (أمره قضاء و حکمه) یجوز أن یراد بأمره الأمر التّکوینی أعنی الاختراع و الاحداث، فیکون القضاء بمعنى الانفاذ و الامضاء، و حمله علیه حینئذ من باب المبالغه أو المصدر بمعنى الفاعل أو المفعول، یعنی أنّ أمره سبحانه نافذ و ممضى لا رادّ له و لا دافع کما قال عزّ من قائل إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ.
اى إذ أراد أن یکوّنه فیکون.
قال الزّمخشری: فان قلت: ما حقیقه قوله: أن یقول له کن فیکون قلت: هو مجاز من الکلام و تمثیل لأنّه لا یمتنع علیه شیء من المکوّنات و أنّه بمنزله من المأمور المطیع إذا ورد علیه أمر الآمر المطاع، و المراد بالحکمه حینئذ العدل و النّظام الأکمل، فمحصّل المعنى أنّ أمره تعالى نافذ فی جمیع الموجودات و المکوّنات، متضمّن للعدل، و مشتمل على النظام الأکمل.
و یجوز أن یراد به الأمر التّکلیفی فیکون القضاء بمعنى الحتم و الالزام یعنى أنّ أمره سبحانه حتم و إلزام مشتمل على الحکمه و المصلحه فی المأمور به کما هو مذهب العدلیّه من کون الأوامر و النّواهی تابعه للمصالح و المفاسد الکامنه الواقعیّه، و قد تکون المصلحه فی نفس الأمر دون المأمور به کما فی الأوامر الابتلائیّه.
و یجوز أن یکون المراد به الشّأن فیکون القضاء بمعنى الحکم، یعنی أنّ شأنه تعالى حکم و حکمه لأنّه القادر القاهر العالم العادل، فبمقتضى قدرته و سلطانه حاکم، و بمقتضى علمه و عدله حکیم.
و کون الأمر بمعنى الشّأن قد صرّح به غیر واحد منهم الزّمخشری فی تفسیر الآیه السّابقه قال: إنّما أمره إنّما شأنه إذا أراد شیئا إذا دعاه داعى حکمه إلى تکوینه و لا صارف أن یقول له کن أن یکوّنه من غیر توقّف، فیکون فیحدث أى فهو کائن موجود لا محاله.
(و رضاه أمان و رحمه) أى أمان من النّار و رحمه للأبرار إذ رضوانه سبحانه مبدء کلّ منحه و نعمه، و منشاء کلّ لذّه و بهجه کما قال تعالى: وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَکْبَرُ.
(یقضى بعلم) أى یحکم بما یحکم به لعلمه بحسن ذلک القضاء و اقتضاء الحکمه و العدل له و هو کالتفسیر لقوله: أمره قضاء و حکمه، کما أنّ قوله (و یعفو بحلم) بمنزله التّفسیر لقوله: و رضاه أمان و رحمه، لأنّ العفو یعود إلى الرّضا بالطّاعه بعد تقدّم الذّنب، و إنّما یتحقّق العفو مع القدره على العقاب إذ العجز عن الانتقام لا یسمّى عفوا فلذلک قال: یعفو بحلم، یعنی أنّ عفوه لکونه حلیما لا یستنفره الغضب.
ثمّ أثنى علیه تعالى بالاعتراف بنعمه فقال (اللّهمّ لک الحمد على ما تأخذ و تعطى و على ما تعافی و تبتلى) أى على السّرّاء و الضّرّاء و الشّده و الرّخاء، و قد تقدّم تحقیق معنى الأخذ و الاعطاء، و وجه استحقاق اللّه سبحانه للحمد بهذین الوصفین فی شرح الخطبه المأه و الثّانیه و الثّلاثین، و وجه استحقاقه للحمد على البلاء و الابتلاء هناک أیضا مضافا إلى شرح الخطبه المأه و الثّالثه عشر.
و أقول هنا زیاده على ما تقدّم: إنّه قد ثبت فی علم الأصول أنّ اللّه عزّ و علا الغنیّ المطلق عمّا سواه و المتعالى عن الحاجه إلى ما عداه، بل غنی کلّ مخلوق بجوده، و قوام کلّ موجود بوجوده، فاذا جمیع ما یصدر عنه سبحانه فی حقّ العباد من الأخذ و الاعطاء و المعافاه و الابتلاء و الافتقار و الاغناء لیس الغرض منها جلب منفعه لذاته أو دفع مضرّه عن نفسه، بل الغرض منها کلّها مصالح کامنه للمکلّفین و منافع عائده إلیهم یعلمها سبحانه و لا نعلمها إلّا بعضا منها ممّا علّمنا اللّه سبحانه بالقوّه العاقله أو بتعلیم حججه، فکم من فقیر لا یصلحه إلّا الفقر و لو استغنى لطغى، و کم من غنیّ لا یصلحه إلّا الغنى و لو افتقر لکفر، و ربّ مریض لو کان معتدل المزاج لا نهمک فی الشّهوات و اقتحم فی الهلکات، و کأیّن من صحیح البنیه لو مرضلم یصبر علیه و أحبّ المنیّه، و هکذا جمیع ما یفعله سبحانه فی حقّ المکلّفین فهو فی الحقیقه نعمه منه تعالى علیهم ظاهره أو باطنه کما قال عزّ من قائل وَ أَسْبَغَ عَلَیْکُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَهً وَ باطِنَهً فاذا ثبت أنّ هذه کلّها إنعام منه سبحانه علیهم، و إحسان الیهم ظهر وجه استحقاقه للحمد و الثّناء علیها کلّها إذ الشّکر على النّعم فرض عقلا و نقلا هذا.
و یدلّ على ما ذکرنا من کون الابتلاء منه تعالى فی الحقیقه نعمه منه على العباد ما رواه فی الکافی عن سلیمان بن خالد عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إنّه لیکون للعبد منزله عند اللّه فما ینالها إلّا باحدى خصلتین: إمّا بذهاب فی ماله أو ببلیّه فی جسده.
و فیه عن یونس بن رباط قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: إنّ أهل الحقّ لم یزالوا منذ کانوا فی شدّه اما إنّ ذلک إلى مدّه قلیله و عافیه طویله.
و فیه عن عبید بن زراره قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول إنّ المؤمن من اللّه عزّ و جلّ لبأفضل مکان ثلاثا إنّه لیبتلیه بالبلاء ثمّ ینزع نفسه عضوا عضوا و هو یحمد اللّه على ذلک.
ثمّ أخذ فی تفخیم شأن حمده علیه و تعظیمه باعتبار کیفیّته فقال (حمدا یکون أرضی الحمد لک) أى أکمل رضاء منک به من غیره (و أحبّ الحمد إلیک و أفضل الحمد عندک) أى أشدّ محبّه منک إلیه و أرفع منزله عندک من سایر المحامد لاتّصافه بالفضل و الکمال و رجحانه على ما سواه.
ثمّ اتبعه بتفخیمه باعتبار کمیّته فقال (حمدا یملاء ما خلقت) من السّماء و العرش و الأرض (و یبلغ ما أردت) من حیث الکثره و الزّیاده.
ثمّ بتفخیمه باعتبار الخلوص فقال (حمدا لا یحجب عنک و لا یقصر) أى لا یحبس (دونک) لخلوصه من شوب العجب و الرّیا و سایر ما یمنعه عن الوصول إلى درجه القبول و الرّضا ثمّ باعتبار مادّته فقال (حمدا لا ینقطع عدده و لا یفنى مدده) هذا و تکرارلفظ الحمد إمّا لقصد التّعظیم کما فی قوله: وَ أَصْحابُ الْیَمِینِ ما أَصْحابُ الْیَمِینِ و فی قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَهِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراکَ ما لَیْلَهُ الْقَدْرِ.
أو للتّلذّذ بذکر المکرّر کما فی قول الشّاعر:
سقى اللّه نجدا و السّلام على نجد
و یا حبّذا نجد على الناى و البعد
نظرت إلى نجد و بغداد دونه
لعلّى أرى نجدا و هیهات من نجد
و فی قوله:
تاللّه یا ظبیات القاع قلن لنا
لیلاى منکنّ أم لیلى من البشر
أو للاهتمام بشأنه، ثمّ إنّه علیه السّلام لمّا بالغ فی حمده سبحانه و الثّناء علیه من حیث الکیف و الکمّ و الخلوص و العدد و المدد، و کان الحمد عباره عن الوصف بالجمیل على وجه التّعظیم و التّبجیل، و کان ذلک موهما لمعرفه عظمه المحمود له حقّ معرفتها، عقّب ذلک بالاعتراف بالعجز عن عرفان کنه عظمته، تنبیها على عدم إمکان القیام بوظایف الثّناء علیه و إن بولغ فیه منتهى المبالغه، تأسیّا بما صدر عن صدر النّبوّه من الاعتراف بالعجز حیث قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: لا احصى ثناء علیک أنت کما أثنیت على نفسک، و لهذا أتى بالفاء المفیده للتّعقیب و الاتّصال فقال (فلسنا نعلم کنه عظمتک) لقصور المشاعر الظّاهره و الباطنه من المتفکّره و المتخیّله و غیرهما و القوّه العقلانیه و إن کانت على غایه الکمال و بلغت إلى منتهى معارجها عن إدراک ذاته و اکتناه عظمته (إلّا أنّا نعلم) أى لکن نعرفک بصفات جمالک و جلالک فنعلم (أنّک حیّ قیّوم).
قال فی الکشّاف: الحىّ الباقی الّذی لا سبیل علیه للفناء و على اصطلاح المتکلّمین الّذی یصحّ أن یعلم و یقدر، و القیّوم الدّائم القیام بتدبیر الخلق و حفظه (لا تأخذک سنه) هى ما یتقدّم النّوم من الفتور یسمّى النّعاس (و لا نوم) بالطّریق الأولى و هو تأکید للنّوم المنفی ضمنا.
قال الزّمخشری: و هو تأکید للقیّوم لأنّ من جاز علیه ذلک استحال أن یکون قیّوما، و منه حدیث موسى علیه السّلام أنه سأل الملائکه و کان ذلک«» من قومه کطلب الرؤیه: أ ینام ربّنا فأوجى اللّه إلیهم أن یوقظوه ثلاثا و لا یترکوه ینام، ثمّ قال: خذ بیدک قارورتین مملوّتین فأخذهما و ألقى اللّه علیه النعاس فضرب إحداهما على الاخرى فانکسرتا، ثمّ أوحى إلیه قل لهؤلاء إنّى امسک السماوات و الأرض بقدرتی فلو أخذنی نوم أو نعاس لزالتا.
و کیف کان فالمقصود بقوله: لا تأخذک سنه و لا نوم تنزیهه تعالى عن صفات البشر و تقدیسه عن لوازم المزاج الحیوانی.
فان قلت: مقتضى المقام أن ینفى النوم أوّلا و السنه ثانیا إذ مقام التقدیس یناسبه نفى الأقوى ثمّ الأضعف کما تقول: زید لا یقدّم على الحرام بل لا یأتی بالمکروه، و فلان لا یفوت عنه الفرائض و لا النوافل، کما أنّ التمجید بالاثبات على عکس ذلک، فیقدّم فیه غیر الأبلغ على الأبلغ تقول: فلان عالم تحریر و جواد فیاض.
قلت: سلّمنا و لکنه قدّم سلب السنه تبعا لکلام اللّه سبحانه و ملاحظه للترتیب الطبیعی، فانّ السنه لما کانت عباره عن الفتور المتقدّم عن النوم فساق الکلام على طبق ما فی نفس الأمر.
(لم ینته إلیک نظر) عقلیّ أو بصری (و لم یدرکک بصر) قد تقدّم تحقیق عدم امکان إدراکه تعالى بالنظر و البصر أی بالمشاعر الباطنه و الظاهره فی شرح الفصل الثانی من الخطبه الاولى و شرح الخطبه التاسعه و الأربعین و الخطبه الرّابعه و السّتین و الفصل الثّانی من الخطبه التّسعین مستوفی و أقول هنا مضافا إلى ما سبق: إنّ قوله علیه السّلام: لم یدرکک بصر، إبطال لزعم المجوّزین للرّؤیه، فانّ الامه قد اختلفوا فی رؤیه اللّه تعالى على أقوال، فذهب الامامیّه و المعتزله إلى امتناعها مطلقا، و ذهبت المشبّهه و الکرامیّه إلى جوازهامنزّها عن المقابله و الجهه و المکان.
قال الاعرابی فی کتاب إکمال الاکمال ناقلا عن بعض علمائهم إنّ رؤیته تعالى جایزه فی الدّنیا عقلا، و اختلف فی وقوعها و فی أنّه هل رآه النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لیله الاسرى أم لا، فأنکرته عایشه و جماعه من الصّحابه و التّابعین و المتکلّمین، و أثبت ذلک ابن عباس، و قال: إنّ اللّه اختصّه بالرّؤیه و موسى بالکلام و إبراهیم بالخلّه، و أخذ به جماعه من السّلف، و الأشعریّ، و جماعه من أصحابه و ابن حنبل و کان الحسن یقسم لقد رآه، و قد توقّف فیه جماعه، هذا حال رؤیته فی الدّنیا.
و أمّا رؤیته فی الآخره فجایزه عقلا، و أجمع على وقوعها أهل السّنه و أحالها المعتزله و المرجئه و الخوارج، و الفرق بین الدّنیا و الآخره أنّ القوى و الادراکات ضعیفه فی الدّنیا حتّى إذا کانوا فی الآخره و خلقهم للبقاء قوى إدراکهم فأطاقوا رؤیته، انتهى کلامه على ما حکى عنه.
و قد عرفت فیما تقدّم أنّ استحاله ذلک مطلقا هو المعلوم من مذهب أهل البیت علیهم السّلام، و علیه إجماع الشّیعه باتّفاق المخالف و المؤالف، و قد دلّت علیه الأدلّه العقلیّه و النقلیّه من الآیات و الأخبار المستفیضه، و من جمله تلک الآیات قوله سبحانه: لا تُدْرِکُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ.
استدلّ بها النّافون للرّؤیه و قرّروها بوجهین: أحدهما أنّ إدراک البصر عباره شایعه عن الادراک بالبصر إسناد للفعل إلى الآله، و الادراک بالبصر هو الرّؤیه بمعنى اتّحاد المفهومین أو تلازمهما، و الجمع المعرّف باللّام عند عدم قرینه العهدیّه و البعضیّه تفید العموم و الاستغراق باجماع أهل العربیّه و الاصول و أئمّه التّفسیر، و بشهاده استعمال الفصحاء، و صحّه الاستثناء فاللّه سبحانه قد أخبر بأنه لا یراه أحد فی المستقبل، فلو رآه المؤمنون فی الجنّه لزم کذبه.
و اعترض علیه بأنّ اللّام فی الجمع لو کان للعموم و الاستغراق کان قوله: تدرکه الابصار موجبه کلیه، و قد دخل علیها النفى فرفعها هو رفع الایجاب الکلّی و رفع الایجاب الکلّى سلب جزئیّ، و لو لم یکن للعموم کان قوله: لا تدرکه الأبصار سالبه مهمله فی قوّه الجزئیه فکان المعنى لا تدرکه بعض الأبصار، و نحن نقول بموجبه حیث لا یراه الکافرون، و لو سلّم فلا نسلّم عمومه فی الأحوال و الأوقات، فیحمل على نفى الرّؤیه فی الدّنیا جمعا بین الأدلّه.
و الجواب أنه قد تقرّر فی موضعه أنّ الجمع المحلّى باللّام عام نفیا و اثباتا فی المنفیّ و المثبت کقوله تعالى: وَ مَا اللَّهُ یُرِیدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ وَ ما عَلَى الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ.
حتّى أنه لم یرد فی سیاق النفى فی شیء من الکتاب الکریم إلّا بمعنى عموم النفى و لم یرد لنفى العموم أصلا، نعم قد اختلف فی النفى الدّاخل على لفظه کلّ لکنّه فی القرآن المجید أیضا بالمعنى الذی ذکرنا کقوله تعالى: وَ اللَّهُ لا یُحِبُّ کُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ.
إلى غیر ذلک، و قد اعترف بما ذکرنا فی شرح المقاصد و بالغ فیه.
و أمّا منع عموم الأحوال و الأوقات فلا یخفى فساده، فانّ النفى المطلق غیر المقیّد لا وجه لتخصیصه ببعض الأوقات إذ لا ترجیح لبعضها على بعض، و هو من الأدلّه على العموم عند علماء الاصول.
و أیضا صحّه الاستثناء دلیل علیه و هل یمنع أحد صحّه قولنا: ما کلّمت زیدا إلّا یوم الجمعه، و لا اکلّمه إلّا یوم العید و قال تعالى وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ، إلى قوله إِلَّا أَنْ یَأْتِینَ و قال لا تُخْرِجُوهُنَّ إلى قوله یا أَیُّهَا الَّذِینَ و أیضا کلّ نفى ورد فی القرآن بالنسبه إلى ذاته تعالى فهو للتأبید و عموم الأوقات لا سیّما ما قبل هذه الآیه.
و أیضا عدم إدراک الأبصار جمیعا لا یختصّ بشیء من الموجودات خصوصا مع اعتبار شمول الأحوال و الأوقات، فلا یختصّ به تعالى فتعیّن أن یکون التمدّح بمعنى عدم إدراک شیء من الأبصار له فی شیء من الأوقات.
و ثانیهما أنّه تعالى تمدّح بکونه لا یرى به فانّه ذکره فی أثناء المدایح و ما کان من الصّفات عدمه مدحا کان وجوده نقصا، فیجب تنزیه اللّه تعالى بنفیه مطلقا.
ثمّ لمّا نفى عنه درک الأبصار له أثبت له درکه للأبصار فقال علیه السّلام (أدرکت الأبصار و أحصیت الأعمال) کما نطق به الکتاب العزیز قال عزّ من قائل: لا تُدْرِکُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ و قال أیضا یَوْمَ یَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِیعاً فَیُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَ نَسُوهُ وَ اللَّهُ عَلى کُلِّ شَیْءٍ شَهِیدٌ.
أى أحاط به عددا لم یغب عنه شیء و نسوه لکثرته أو تهاونهم به، و اللّه على کلّ شیء شهید أى یعلم الأشیاء کلّها من جمیع وجوهها لا یخفى علیه شیء منها، و قال أیضا تلو هذه الآیه: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ ما یَکُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَهٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَهٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ ما کانُوا ثُمَّ یُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا یَوْمَ الْقِیامَهِ إِنَّ اللَّهَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ.
ثمّ وصفه سبحانه بکمال الاقتدار فقال (و أخذت بالنّواصی و الأقدام) أى أحاطت قدرتک بنواصى العباد و أقدامهم، و أخذت بها على وجه القهر و الاذلال، و یجوز أن یکون المراد به خصوص أخذ المجرمین بنواصیهم و أقدامهم یوم القیامه کما قال تعالى: یُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِیماهُمْ فَیُؤْخَذُ بِالنَّواصِی وَ الْأَقْدامِ.
و نسبته علیه السّلام الأخذ إلى اللّه سبحانه مع کونه فعل الملائکه من باب الاسناد إلى السبب الآمر کما أسند اللّه التوفى الى نفسه فی قوله: اللَّهُ یَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها مع کونه فعل ملک الموت بدلیل قوله سبحانه فی سوره السجده: قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ.
قال الفخر الرّازی فی تفسیر الآیه الاولى: و فی کیفیّه الأخذ ظهور نکالهم لأنّ فی نفس الأخذ بالنّاصیه إذلالا و إهانه، و کذلک الأخذ بالقدم.
و فی الأخذ بها و جهان بل قولان لأهل التّفسیر.
أحدهما أن یجمع بین ناصیتهم و قدمهم من جانب ظهورهم فیربط بنواصیهم أقدامهم أو من جانب وجوههم فتکون رؤوسهم على رکبهم و نواصیهم فی أصابع أرجلهم مربوطه.
و الثانی أنّهم یسحبون سحبا، فبعضهم یؤخذ بناصیته، و بعضهم یجرّ برجله ثمّ استفهم على سبیل الاستحقار لما استفهم عنه فقال (و ما الّذی نرى من خلقک) أى من مخلوقاتک على کثرتها و اختلاف أجناسها و أنواعها و هیئاتها و مقادیرها و خواصّها و أشکالها و ألوانها إلى غیر هذه من أوصافها و حالاتها الّتی لا یضبطها عدّ و لا یحیط بها حدّ (و نعجب له من قدرتک) أى من مقدوراتک الغیر المتناهیه عددا و مددا و کیفا و کمّا (و نصفه من عظیم سلطانک) النّافذ فی الأنفس و الآفاق، و الماضی فی أطباق الأرض و أقطار السّماء (و) الحال أنّ (ما تغیّب عنّامنه) أى من مخلوقک و مقدورک و ملکک (و قصرت أبصارنا عنه) من محسوسات الموجودات (و انتهت عقولنا دونه) من معقولات المخلوقات (و حالت سواتر الغیوب بیننا و بینه) أى کانت سرادقات العزّه و أستار القدره عائله بیننا و بینه، و حاجبه لنا من الوصول إلیه من غیابات الغیوب و الغیب المحجوب.
(أعظم) و أفخم یعنی أنّه لو قیس کلّ ما شاهدناه بأبصارنا و أدرکناه بعقولنا و وصفناه بألسنتنا ممّا ذرأه اللّه سبحانه فی عالم الامکان إلى ما غاب عنّا من أسرار القدره و الجلال، و شئونات الکبریاء و الجمال لم یکن إلّا أقلّ قلیل کنسبه الجدول إلى النّهر، بل القطره إلى البحر (فمن فرغ قلبه) للنّظر فی عجائب الملک و الملکوت (و أعمل فکره لیعلم) مشاهد العزّ و السّلطان و القدره و الجبروت و أنّه (کیف أقمت عرشک) فی الجوّ على عظمه (و کیف ذرأت) أى خلقت (خلقک) على کثرته (و کیف علقت فی الهواء سماواتک) بغیر عمد (و کیف مددت على مور الماء) أى موجه و اضطرابه (أرضک) على ثقلها مع عدم رسوبها فیه (رجع طرفه حسیرا) کلیلا (و عقله مبهورا) مغلوبا (و سمعه والها) متحیّرا (و فکره حائرا) قاصرا عن الاهتداء إلیه و عن الوصول إلى معرفته.
و محصّله أنّه لو بالغ أحد فی إعمال فکره و بذل وسعه للوصول إلى معرفه بعض ما أبدعه اللّه سبحانه فی عالم الغیب و الشّهاده من بدایع القدره، و لطایف الحکمه، و عجایب الصّنعه لعجز و حار، و انقطع و استحار، فکیف لو رام معرفه کلّه و یشهد على ما ذکره علیه السّلام ما قدّمنا فی شرح الخطبه الأولى و فی شرح الخطبه التّسعین، فلیراجع ثمّه.
الترجمه
از جمله خطب شریفه آن حضرتست که فصل أوّل آن متضمّن أوصاف کمال حضرت ذوالجلالست مى فرماید که: أمر خداى تعالى حکمیست لازم و موافق است با حکمت و خوشنودى آن امانست از عقوبت و سبب مغفرتست و رحمت حکم مى فرماید بعلم شامل خود، و عفو مى فرماید با حلم کامل، پروردگارا مر تو راست حمد بر آنچه مى گیری و مى دهى، و بر آنچه که سلامت مى دارى از بلیّات و مبتلا مى نمائى بآفات، حمد مى کنم تو را حمد کردنى که باشد خوشنودترین حمدها از براى تو، و دوستترین حمدها بسوى تو و فاضلترین حمدها نزد تو، چنان حمدى که پر سازد آنچه را خلق کرده، و برسد بمقامى که مراد تو است، حمدى که محجوب نباشد از درگاه تو، و ممنوع و محبوس نباشد نزد بارگاه تو، حمدى که منقطع نشود شماره و عدد آن، و فانی نشود مادّه و مدد آن پس نیستیم ما که بدانیم نهایت بزرگى جلال تو را غیر از این که مى دانیم که تو زنده قائم بامور مخلوقان، أخذ نمى کند تو را مقدّمه خواب که خواب خفیف است و نه خواب گران، منتهى نشد بسوى کمال تو نظر و فکرى، و درک ننمود جمال تو را هیچ بصرى، درک کردى تو بصرها را، و در شماره آوردى عملها را، و اخذ کردى به پیشانیها و قدمهاى مردمان.
و چه چیز است آنچه که مى بینیم از خلق تو و تعجّب مى کنیم از براى او از قدرت تو، و وصف مى کنیم آن را از بزرگى پادشاهى تو و حال آنکه آنچه که غایب شده از ما از آن، و قاصر شده بصرهاى ما از درک آن و بنهایت رسیده عقلهاى ما نزد آن، و حایل شده پردههاى غیبها میان ما و میان آن بزرگتر است.
پس هر که فارغ نماید قلب خودش را و إعمال کند فکر خود را تا بداند که چگونه بر پا داشته عرش خود را، و چه سان آفریده مخلوقات خود را، و چه قرار در آویخته در هوا آسمانهاى خود را، و چه نوع گسترانیده بر موج آب زمین خود را بر مىگردد بینائی او در مانده و آواره، و عقل او مغلوب، و قوّه سامعه او حیران، و قوّه متفکّره او متحیّر و سرگردان.
الفصل الثانی (منها)
یدّعی بزعمه أنّه یرجو اللّه، کذب و العظیم ما باله لا یتبیّن رجاؤه فی عمله، و کلّ من رجا عرف رجاؤه فی عمله إلّا رجاء اللّه فإنّه مدخول، و کلّ خوف محقّق إلّا خوف اللّه فإنّه معلول، یرجو اللّه فی الکبیر و یرجو العباد فی الصّغیر، فیعطى العبد ما لا یعطى الرّبّ، فما بال اللّه عزّ و جلّ یقصّر به عمّا یصنع به بعباده، أ تخاف أن تکون فی رجاءک له کاذبا، أو تکون لا تراه للرّجاء موضعا، و کذلک إن هو خاف عبدا من عبیده أعطاه من خوفه ما لا یعطى ربّه، فجعل خوفه من العباد نقدا، و خوفه من خالقه ضمارا و وعدا، و کذلک من عظمت الدّنیا فی عینه، و کبر موقعها فی قلبه، آثرها على اللّه فانقطع إلیها، و صار عبدا لها. و لقد کان فی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کاف لک فی الاسوه، و دلیل لک على ذمّ الدّنیا و عیبها، و کثره مخازیها و مساویها، إذ قبضت عنه أطرافها، و وطّئت لغیره أکنافها، و فطم من رضاعها و زوى عن زخارفها. و إن شئت ثنّیت بموسى کلیم اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إذ یقول «ربّ إنّی لما أنزلت إلیّ من خیر فقیر» و اللّه ما سئله إلّا خبزا یأکله، لأنّه کان یأکل بقله الأرض، و لقد کانت خضره البقل ترى من شفیف صفاق بطنه لهزاله، و تشذّب لحمه. و إن شئت ثلّثت بداود صلّى اللّه علیه صاحب المزامیر، و قاری أهل الجنّه فلقد کان یعمل سفائف الخوص بیده، و یقول لجلسائه: أیّکم یکفینی بیعها، و یأکل قرص الشّعیر من ثمنها.
و إن شئت قلت فی عیسى بن مریم علیه السّلام قد کان یتوسّد الحجر، و یلبس الخشن، و کان إدامه الجوع، و سراجه باللّیل القمر، و ظلاله فی الشّتآء مشارق الأرض و مغاربها، و فاکهته و ریحانه ما تنبت الأرض للبهائم، و لم تکن له زوجه تفتنه، و لا ولد یحزنه، و لا مال یلفته، و لا طمع یذّله، دابّته رجلاه، و خادمه یداه. فتأسّ بنبیّک الأطیب الأطهر صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فإنّ فیه أسوه لمن تأسّى، و عزاء لمن تعزّى، و أحبّ العباد إلى اللّه المتأسّی بنبیّه، و المقتصّ لأثره، قضم الدّنیا قضما، و لم یعرها طرفا، أهضم أهل الدّنیا کشحا، و أخمصهم من الدّنیا بطنا، عرضت علیه الدّنیا فأبى أن یقبلها، و علم أن اللّه سبحانه أبغض شیئا فأبغضه، و حقّر شیئا فحقّره، و صغّر شیئا فصغّره، و لو لم یکن فینا إلّا حبّنا ما أبغض اللّه و رسوله، و تعظیمنا ماصغّر اللّه و رسوله، لکفى به شقاقا للّه، و محادّه عن أمر اللّه. و لقد کان صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یأکل على الأرض، و یجلس جلسه العبد، و یخصف بیده نعله، و یرقع بیده ثوبه، و یرکب الحمار العاری، و یردف خلفه، و یکون السّتر على باب بیته، فتکون فیه التّصاویر، فیقول: یا فلانه- لإحدى أزواجه- غیّبیه عنّی، فإنّی إذا نظرت إلیه ذکرت الدّنیا و زخارفها، فأعرض عن الدّنیا بقلبه، و أمات ذکرها عن نفسه، و أحبّ أن تغیب زینتها عن عینه، لکیلا یتّخذ منها ریاشا، و لا یعتقدها قرارا، و لا یرجو فیها مقاما، فأخرجها من النّفس، و أشخصها عن القلب، و غیّبها عن البصر، و کذلک من أبغض شیئا أبغض أن ینظر إلیه، و أن یذکر عنده.
و لقد کان فی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ما یدلّک على مساوى الدّنیا و عیوبها، إذ جاع فیها مع خاصّته، و زویت عنه زخارفها مع عظیم زلفته، فلینظر ناظر بعقله، أکرم اللّه تعالى محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بذلک أم أهانه فإن قال: أهانه، فقد کذب و العظیم، و إن قال: أکرمه، فلیعلم أنّ اللّه أهان غیره حیث بسط الدّنیا و زویها عن أقرب النّاس منه، فتأسّى متأسّ بنبیّه، و اقتصّ أثره، و ولج مولجه، و إلّا فلا یأمن الهلکه، فإنّ اللّه جعل محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم علما للسّاعه، و مبشّرا بالجنّه، و منذرا بالعقوبه، خرج من الدّنیا خمیصا، و ورد الآخره سلیما، لم یضع حجرا على حجر حتّى مضى لسبیله، و أجاب داعى ربّه، فما أعظم منّه اللّه عندنا حین أنعم علینا به سلفا نتّبعه، و قائدا نطا عقبه، و اللّه لقد رقعت مدرعتی هذه حتّى استحییت من راقعها، و لقد قال لی قائل: ألا تنبذها عنک، فقلت: اعزب عنّی، فعند الصّباح یحمد القوم السّرى.
اللغه
(الزّعم) مثلّثه الزاء قد یطلق على الظنّ و الاعتقاد الفاسد و منه قوله تعالى زَعَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنْ لَنْ یُبْعَثُوا.
و قد یطلق على القول الباطل و الکذب، و ربّما یطلق على القول الحقّ و المراد هنا الأوّل و (مدخول) مفعول من الدّخل بالتسکین و هو المکر و الخدیعه و العیب و مثله الدّخل محرّکه قال تعالى: وَ لا تَتَّخِذُوا أَیْمانَکُمْ دَخَلًا بَیْنَکُمْ.
أی مکرا و خدیعه و (الضّمار) ما لا یرجى من الوعود هکذا قال الشّارح المعتزلی و قال الفیروزآبادی: الضّمار ککتاب من المال الّذی لا یرجى رجوعه، و من العذاب ما کان ذا تسویف و خلاف العیان، و من الدّین ما کان بلا أجل و (الاسوه) بالکسر و الضّم القدوه و (المخازی) جمع مخزاه و هى الأمر یستحى من ذکره لقبحه و (المساوى) العیوب و (الأکناف) الأطراف و (شفّ) الثّوب شفّا و شفیفا رقّ فحکى ما تحته.
و (الصّفاف) ککتاب الجلد الأسفل تحت الجلد الّذی علیه الشّعر و (الهزال) بضمّ الهاء نقیض السّمن و (المزامیر) جمع المزمار و هی الآله الّتی یزمر فیها من زمر یزمر و یزمر من باب نصر و ضرب زمرا و زمیرا غنّى فی القصب و نحوه و مزامیر داود ما کان یتغنّی به من الزّبور و ضروب الدّعاء و (السّفایف) جمع السّفیفه و هی النّسیجه من سففت الخوص و أسففته نسجته، و فی نسخه الشّارح المعتزلی بعد قوله: و یلبس الخشن: و یأکل الجشب، و هو کالجشیب الخشن الغلیظ البشع من کلّ شیء و السّیىء الماکل أو بلا ادم.
(و لا ولد یحزنه) مضارع حزن کنصر قال تعالى «انّی لیحزننی أن تذهبوا به» و یقرأ یحزن مضارع أحزنه الشّیء و (لفته) عن کذا یلفته صرفه و لواه و (القضم) الأکل بأدنى الفم أى بأطراف الأسنان و یروى قصم بالصّاد المهمله من القصم و هو القصر و (الهضم) محرّکه انضمام الجنبین و خمص البطن و (الکشح) الخاصره (و حقر شیئا) یروى بالتّخفیف و التضعیف
الاعراب
الباء فی قوله: بزعمه، للسببیّه إن کان الزّعم بمعنى الظنّ و الاعتقاد، و إلّا فهى صله، و الواو فی قوله: کذب و العظیم، للقسم و إنّما قال: و العظیم و لم یقل: و اللّه العظیم، تأکیدا لعظمه الباری سبحانه، لأنّ الموصوف إذا لغى و ترک و اعتمد على الصّفه حتّى صارت کالاسم کانت أدلّ على تحقّق مفهوم الصّفه کالحارث و العبّاس هکذا قال الشّارح المعتزلی.
و قال البحرانی: و إنّما قال: و العظیم، دون اللّه لأنّ ذکر العظمه هنا أنسب للرّجاء، و الاضافه فی قوله: من خوفه، من اضافه المصدر إلى الفاعل أو المفعول، و اللّام فی قوله تعالى: لما أنزلت إلىّ من خیر فقیر، بمعنى إلى أو للتّعلیل أو ضمن فقیر معنى سائل فعدّى باللّام، و الواو فی قوله: و لقد کانت، للقسم و المقسم به محذوف لمعلومیّته، و سلفا، و قائدا، منصوبان على الحال من ضمیر به.
المعنى
اعلم أنّه علیه السّلام قد نبّه فی هذا الفصل من کلامه علیه السّلام على بطلان دعوى من یدّعى رجاء ثواب اللّه سبحانه و خوف عقابه و یزعم اتّصافه بهذین الوصفین اللّذین هما من أوصاف السّالکین و حالات الطّالبین و مقامات العارفین الرّاغبین، و عقبّه بالتّزهید عن الدّنیا بالأمر بالتّأسّی على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و جمله من السّلف الصّالحین من الأنبیاء و المرسلین حیث زهدوا فی الدّنیا، و آثروا الآخره على الاولى لما رأوا من معایبها و مساویها، و قد تقدّم فی التّنبیه الثّالث من تنبیهات الفصل السّادس من فصول الخطبه الثّانیه و الثّمانین تحقیق معنى الرّجاء و تفصیل الکلام فیه و لا حاجه إلى الاعاده، و إنّما نشیر هنا إلى محصّل ما أوردناه هناک تمهیدا و توضیحا للمتن.
فأقول: خلاصه ما قلناه فیما تقدّم: إنّ الرّجاء عباره عن ارتیاح النّفس لانتظار ما هو محبوب عندها، فهو حاله لها تصدر عن علم و تقتضى عملا، فمن کان یرجو لقاء ربه و یأمل ثوابه فلیعمل عملا صالحا و لا یشرک بعباده ربّه أحدا، کما نطق به الکتاب الکریم و القرآن الحکیم، فاللّازم على الرّاجی للثواب من الملک الوهّاب عزّ و علا أن یبذر المعارف الالهیّه فی قلبه، و یدوم على سقیه بماء الطّاعات و یجتهد فی تطهیر نفسه عن شوک الأخلاق الرّدیه المانعه من نماء العلم و زیاده الایمان، و ینتظر من فضل اللّه سبحانه أن یثبته على ذلک إلى زمان وصوله و حصاد عمله، فذلک الانتظار هو الرّجاء الحقیقی المحمود.
إذا عرفت ذلک فنقول: إنّ من النّاس من یتّبع هواه و یفرّط فی أمر مولاه و یغمر فی المعاصى و یدوم على المناهی و مع ذلک کلّه (یدّعى بزعمه) الفاسد و نظره الکاسد (أنّه یرجو اللّه) و یأمل لقائه فقد (کذب) فی دعواه و خاب فیما یتوقّعه و یتمنّاه (و) الرّبّ (العظیم) لما قد عرفت أنّ الرّجاء بدون إصلاح العمل حمق و جهاله، و من دون تزکیه النّفس سفه و ضلاله (ما باله) استفهام على سبیل التّوبیخ و التّقریع أى ما بال هذا الدّاعی للرّجاء (لا یتبیّن رجاؤه فی عمله) یعنی انّه لو کان رجاؤه صدقا لظهر رجاؤه فی عمله، و ذلک لأنّا نرى أنّ کلّ من رجا شیئا من سلطان أو غیره فانّه یتابعه و یخدمه و یتقرّب إلیه و یتحبّب إلیه و یبالغ فی طلب رضاه و یسارع إلى خدمته و یأتی بقدر طوعه کلّ ما هو مطلوب له و محبوب عنده لیظفر بمراده و ینال إلى ما یرجوه منه، و هذا المدّعی للرّجاء حیث لا یظهر رجاؤه فی عمله یتبیّن أنّه کاذب فی دعواه، غیر خالص فی رجاه.
و هذا معنى قوله (و کلّ من رجا عرف رجاؤه فی عمله إلّا رجاء) من یرجو (اللّه فانّه مدخول) أى معیب (و کلّ خوف محقّق) أى کلّ خائف فخوفه محقّق ثابت له أصل و حقیقه یظهر آثاره على الخائف (إلّا خوف اللّه) تعالى (فانّه معلول) أى مشتمل على المرض و العلّه حیث لا یظهر آثاره و علاماته على من یخافه سبحانه کما ستعرفه تفصیلا.
هذا على تقدیر عود الضّمیر فی قوله: فانّه، إلى خوف اللّه، و یجوز عوده إلى کلّ خوف بأن یجعل محقّق صفه لخوف و إلّا بمعنى غیر و هذه الجمله أعنی جمله فانّه معلول خبرا لکلّ خوف، فیکون محصّل المعنى أنّ کلّ خوف ثابت غیر خوف اللّه سبحانه فانّ هذا الخوف معلول، بخلاف خوفه سبحانه فانّه الخوف الصّریح الحقیقی، و ذلک لأنّ ما یخاف به من غیره تعالى فهو أمر دنیویّ سریع الزّوال و الانقضاء، مع أنّ ذلک الغیر لا یقدر على ایقاع مکروه على الخائف إلّا بمشیّه اللّه سبحانه و إقدار منه له علیه، بخلاف الخوف منه تعالى فانّه خوف من القادر القاهر لارادّ لقضائه و لا دافع لحکمه، و عذابه ألیم لا یفنى، و سخطه عظیم لا ینقطع و لا یتناهى و یؤیّد هذا الاحتمال الثّانی فی هذه الفقره ما فی بعض النّسخ بدل قوله: و کلّ من رجا آه و کلّ رجاء إلّا رجاء اللّه فانه مدخول، وجه التّأیید أنّ الضّمیر حینئذ یعود إلى کلّ رجاء فیکون سوق کلتا الفقرتین على مساق واحد، و یتطابق الکلّیتان کما هو غیر خفیّ على البصیر، هذا.
و أکّد کون رجائه للّه سبحانه معلولا بقوله (یرجو اللّه فی الکبیر) أى یرجو رحمته و مغفرته و نعمته و منّته و جنّته الّتی عرضها السّماء و الأرض (و یرجو العبادفی الصّغیر) أى فی امور دنیویّه زهیده المنفعه قلیله الجدوى سریعه الزّوال و الانقضاء و مع ذلک (فیعطى العبد ما لا یعطى الرّب) الاتیان بلفظ الاعطاء فی یعطى الرّب للمشاکله، و المراد أنّه یکثر عمله لمن یرجوه من العباد و یتقرّب إلیه بکلّ وسیله لیفوز بما یتوقّعه منه، و یتهاون فی طاعه ربّه و یتکاسل فی عبادته و یقصّر فیما یقربه إلیه مع أنّ اللّازم علیه أن یکون عمله بعکس ذلک، فیکون قیامه بوظایف التّقرّب إلى اللّه سبحانه أکثر و آکد من القیام بوظایف التّقرّب إلى غیره، حیث إنّ المرجوّ الکبیر یستدعى ما یناسبه ممّا هو وسیله إلیه کمیّه و کیفیّه.
و حیث إنّه عکس فی القیام بوظایف رجاه و لم یعط ربه ما أعطاه سواه فحقیق بالتّوبیخ و الملام و التّقریع و التّبکیت، و لذلک قال ذمّا و تشنیعا (فما بال اللّه عزّ و جلّ یقصر به عمّا یصنع به بعباده) أى عمّا یعمل به، و یصانع لهم من المصانعه الّتی هى أن تصنع شیئا لغیرک لتصنع لک مثله.
و أکد التّوبیخ و التشنیع بقوله (أ تخاف أن تکون فی رجاءک له کاذبا أو تکون لا تراه للرّجاء موضعا) یعنی أنّ قصورک فی القیام بوظایف الرّجا کاشف من خوفک من أحد أمرین کلاهما باطل: أحدهما أن تکون کاذبا فی رجاءک له سبحانه لزعمک أنّک لا تستعدّ مع العمل بلوازم رجائه تعالى لافاضه الجود منه علیک و لا تنال إلى مرجوّک، و هو خطاء عظیم ناش عن ضعف الاعتقاد بالوعود الّتی وعدها اللّه سبحانه على ألسنه رسله و أنبیائه لمن عمل صالحا و یرجو رحمه ربّه.
و ثانیهما أن تکون لا تراه للرّجاء موضعا، و هو کفر صریح ناش من توهّم عجزه أو بخله، هذا.
و لما نبّه على بطلان دعوى المدّعین للرّجاء و شنّعهم على تلک الدّعوى، عقّبه بالتّشنیع على الخائفین بسبب قصورهم فی لوازم الخوف، و توضیح قصورهم فیها محتاج إلى تحقیق معنى الخوف و بیان حقیقته
فأقول: إنّ الخوف کما فی إحیاء العلوم عباره عن تألّم القلب و احتراقه بسبب توقّع مکروه فی الاستقبال، و قد ظهر هذا فی بیان حقیقه الرّجاء و هو صفه تقتضى علما و عملا.
اما العلم فهو العلم بالسّبب المفضى إلى المکروه، و ذلک کمن جنى على ملک ثمّ وقع فی یده فیخاف القتل مثلا و یجوز العفو و الافلات، و لکن یکون تألّم قلبه بالخوف بحسب قوّه علمه بالأسباب المفضیه إلى قتله، و هو تفاحش جنایته و کون الملک حقودا غضوبا منتقما، و کونه محفوفا بمن یحثّه على الانتقام، خالیا عمّن یتشفّع إلیه فی حقّه، و کان هذا الخائف عاطلا عن کلّ وسیله و حسنه تمحو أثر جنایته عند الملک، فالعلم بتظاهر هذه الأسباب سبب لقوّه الخوف و شدّه تألّم القلب، و بحسب ضعف هذه الأسباب یضعف الخوف.
و قد یکون الخوف لا عن سبب جنایه قارفها الخائف، بل عن صفه المخوف منه کالّذى وقع فی مخالب سبع، فانّه یخاف السّبع لصفه ذات السّبع و هى سطوته و حرصه على الافتراس غالبا و إن کان افتراسه بالاختیار.
و قد یکون من صفه جبلیّه للمخوف منه کخوف من وقع فی مجرى سیل أو جوار حریق من الغرق و الاحتراق، لأنّ طبع الماء مجبول على السّیلان و الاغراق، و کذا النّار على الاحراق، فالعلم بأسباب المکروه هو السّبب الباعث المثیر لاحراق القلب و تألّمه، و ذلک الاحراق هو الخوف.
فکذلک الخوف من اللّه تاره یکون لمعرفه اللّه و معرفه صفاته و أنّه لو أهلک العالمین لم یبال و لم یمنعه مانع، و تاره یکون لکثره الجنایه من العبد بمقارفه المعاصی، و تاره یکون بهما جمیعا، و یحسب معرفته بعیوب نفسه و معرفته بجلال اللّه تعالى و استغنائه و أنّه لا یسئل عمّا یفعل و هم یسئلون تکون قوّه خوفه فأخوف النّاس لربّه أعرفهم بنفسه و بربّه و لذلک قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أنا أخوفکم للّه، و کذلک قال اللّه: إنّما یخشى اللّه من عباده العلماء.
و أما العمل فهو أنّه إذا حصل له الخوف أوجب ذلک الکفّ و التّوقّى عنکلّ ما یؤدّى إلى المکروه المتوقّع الّذی یخاف منه.
و خوف اللّه سبحانه إذا ثبت فی القلب و اشتدّ یظهر أثره على البدن و على الجوارح و الصّفات.
اما البدن فبالنّحول و الصّفار و الغشیه و الزّعقه و البکاء، و قد ننشقّ به المراره فیفضى إلى الموت، أو یصعد إلى الدّماغ فیفسد العقل، أو یقوى فیورث القنوط و الیأس.
و اما الجوارح فبکفّها عن المعاصی و تقییدها بالطّاعات تلافیا لما فرّط و استعدادا للمستقبل.
و اما الصفات فبأن یقمع الشّهوات و یکدّر اللّذات فتصیر المعاصی المحبوبه عنده مکروهه کما یصیر العسل مکروها عند من یشتهیه إذا عرف أنّ فیه سمّا فتحرق الشّهوات بالخوف و تتأدّب الجوارح و یحصل فی القلب الذّبول و الخشوع و الاستکانه و یفارقه الکبر و الحقد و الحسد بل یصیر مستوعب الهمّ بخوفه و النّظر فی خطر عاقبته، فلا یتفرّغ لغیره و لا یکون له شغل إلّا المراقبه و المحاسبه و المجاهده و الضنّه بالأنفاس و اللّحظات، و مؤاخذه النّفس بالخطرات و الخطوات و الکلمات و یکون حاله حال من وقع فی مخالب سبع ضار لا یدرى أنّه یغفل عنه فیفلت أو یهجم علیه فیهلک فیکون ظاهره و باطنه مشغولا بما هو خائف منه لا متّسع فیه لغیره هذا حال من غلبه الخوف و استولى علیه.
و قوّه المراقبه و المحاسبه و المجاهده بحسب قوّه الخوف الّذی هو تألّم القلب و احتراقه و قوّه الخوف بحسب قوّه المعرفه بجلال اللّه تعالى و صفاته و أفعاله و بعیوب النّفس و ما بین یدیها من الأخطار و الأهوال.
و أقلّ درجات الخوف ممّا یظهر أثره فی الأعمال أن یمنع عن المحظورات و یسمّى الکفّ الحاصل عن المحظورات ورعا، فان زادت قوّته کفّ عمّا یتطرق إلیه امکان التّحریم فیکفّ أیضا عن المشتبهات و یسمّى ذلک التّقوى، إذ التّقوى أن یترک ما یریبه إلى ما لا یریبه، و قد یحمله على ترک ما لا بأس به مخافه ما به بأس، و هو الصّدق فی التّقوى، فاذا انضمّ إلیه التّجرّد للخدمه فصار لا یبنى ما لا یسکنه، و لا یجمع مالا یأکله، و لا یلتفت إلى دنیا یعلم أنّها تفارقه، و لا یصرف إلى غیر اللّه تعالى نفسا من أنفاسه، فهو الصّدق و صاحبه جدیر بأن یسمّى صدیقا.
و یدخل فی الصّدق التّقوى، و یدخل فی التّقوى الورع، و یدخل فی الورع العفه فانّها عباره عن الامتناع عن مقتضى الشّهوات خاصّه فاذا الخوف یؤثّر فی الجوارح بالکفّ و الاقدام، و یتجدّد له بسبب الکفّ اسم العفّه، و هو کفّ عن مقتضى الشّهوه و أعلى منه الورع، فانّه أعمّ لأنّه کفّ عن کلّ محظور و أعلى منه التّقوى، فانّه اسم للکفّ عن المحظور و الشّبهه جمیعا و ورائه اسم الصّدیق و المقرّب.
إذا عرفت ذلک ظهر لک معنى قوله (و کذلک إن هو خاف عبدا من عبیده) سبحانه (أعطاه من خوفه) الضمیر راجع إلى الخائف أو العبد أى أعطاه من أجل خوفه إیّاه (ما لا یعطى ربّه) یعنى أنّه یقوم بمقتضیات خوفه إن خاف غیر اللّه تعالى فیفعل ما یأمر و یترک ما ینهى و یأتی بما یرید بخلاف خوفه منه سبحانه فیدّعى الخوف و لا یظهر أثره علیه (فجعل خوفه من العباد نقدا) أی کالنقد المعجّل لوجود آثاره فیه بالفعل (و خوفه من خالقه ضمارا و وعدا) ذا تسویف غیر موجود آثاره فیه بعد هذا.
و لمّا نبّه على بطلان دعوى المدّعین للخوف و الرّجاء و کذّبهم فی تلک الدّعوى معلّلا بکون رجاهم لغیر اللّه تعالى أکثر و آکد، و خوفهم من غیره سبحانه أقوى و أشدّ، و فهم من ذلک ضمنا بدلاله الالتزام أنّ توجّههم و مراقبتهم إلى غیره عزّ و علا أکثر من مراقبتهم و توجّههم إلیه، حیث إنّهم یؤثرون غیره علیه إذا رجوا، و یقدمون خوف الغیر على خوفه إذا خافوا أردف ذلک بالتّنبیه على أنّ حال أبناء الدّنیا کذلک، لایثارهم الدّنیا علیه تعالى و انقطاعهم إلیها و افتتانهم بها و رغبتهم إلیها دونه.
و بهذا ظهر لک حسن الارتباط و المناسبه بین ما مرّ و بین قوله (و کذلک منعظمت الدّنیا فی عینه) و راقه زبرجها (و کبر موقعها من قلبه) و عظم محلّها عنده للذّاتها العاجله و شهواتها الموجوده الحاضره (آثرها على اللّه) و اختارها على ما لدیه ممّا لا عین رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر لکونه آجلا غایبا (فانقطع إلیها و صار عبدا لها) و لمن فی یدیه شیء منها حیثما زالت زال إلیها و حیثما أقبلت أقبل علیها، غافلا عن أنّه ظلّ زائل، و ضوء آفل، و سناد مائل، و غرور حائل.
و لمّا وصف حال أبناء الدّنیا المفتونین بها عقّبه بأمرهم بالتّأسّی برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم المعرض عنها لما رأى من فنائها و زوالها و مخازیها و معایبها تزهیدا لهم عنها، و تنبیها على خطائهم فی الافتتان بها فقال (و لقد کان فی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کاف لک فی الاسوه) أى فی القدوه و الاتّباع (و دلیل لک على ذمّ الدّنیا و کثره مخازیها) أى مهالکها و مقابحها و فضایحها (و مساویها) أى معایبها.
و أشار إلى دلیل الذّم بقوله (إذ قبضت عنه أطرافها و وطئت) أى هیّأت (لغیره أکنافها) و جوانبها و (فطم من رضاعها) و التقم غیره ضرعها (و زوى) أی نحىّ (عن زخارفها) و قرّب إلى غیره زبرجها.
و دلاله هذه الجمله على ذمّها و عیبها أنّه لو کان لها وقع عنده سبحانه و لها کرامه لدیه لم یضن بها على أحبّ خلقه إلیه و أشرفهم و أکرمهم عنده، فحیث زویها عنه و بسطها لغیره دلّ ذلک على خسّتها و حقارتها و هوانها و إلى ذلک یشیر ما فی الحدیث: ما زوى اللّه عن المؤمن فی هذه الدّنیا خیر ممّا عجّل له فیها.
قال بعض شرّاح الحدیث: أى ما نحّى من الخیر و الفضل، و تصدیق ذلک انّ الرّجل منهم یوم القیامه یقول: یا ربّ إنّ أهل الدّنیا تنافسوا فی دنیاهم فنکحوا النّساء و لبسوا الثّیاب اللّینه و أکلوا الطّعام و سکنوا الدّور و رکبوا المشهور من الدّواب فأعطنی مثل ما أعطیتهم، فیقول اللّه تبارک و تعالى: و لکلّ عبد منکم ما أعطیت أهل الدّنیا منذ کانت الدّنیا إلى أن انقضت سبعون ضعفا.
(و إن شئت ثنّیت) إعراض رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عن الدّنیا (ب) اعراض (موسى کلیم اللّه) عنها أو إن شئت ثنّیت الاسوه بالرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بالاسوه بالکلیم (إذ یقول) ما حکى اللّه سبحانه عنه فی سوره القصص بقوله (فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ) أى إنّی محتاج«» إلى ما أنزلت إلیّ أو سائل طالب لما أنزلته، أو إنّی فقیر من الدّنیا لأجل ما أنزلت إلیّ من خیر الدّین و هو النّجاه من الظّالمین أى صرت فقیرا لأجل ذلک لأنّه کان عند فرعون فی ثروه و سعه و ملک، و قال علیه السّلام ذلک رضا بالبدل النبی و فرحا به و شکرا له، و على ذلک فالمراد بما فی قوله لما أنزلت، هو خیر الدّین و النّجاه من الظّالمین و قال فی الکشاف إنّى لأیّ شیء أنزلت إلىّ قلیل أو کثیر غثّ أو سمین لفقیر.
و حمله الأکثرون على الطعام، و یؤیّده ما فی الصّافی عن الکافی و العیاشی عن الصّادق علیه السّلام سأل الطعام، قال: و فی الاکمال روى أنّه قال ذلک و هو محتاج إلى شقّ تمره.
و فی مجمع البیان عن ابن عبّاس قال: سأل نبیّ اللّه فلق خبز یقیم به صلبه و یؤیّده أیضا کما یؤیّد تضمین فقیر معنى سائل و کون اللّام للصّله قول أمیر المؤمنین علیه السّلام (و اللّه ما سأله إلا خبزا یأکله، لأنّه کان یأکل بقله الأرض) إذ خرج من مدینه فرعون خائفا یترقّب بغیر ظهر و لا دابّه و لا خادم و لا زاد تخفضه الأرض مرّه و ترفعه اخرى حتّى انتهى إلى أرض مدین، و کان بینه و بین مدین مسیره ثلاثه أیّام، و قیل: ثمانیه، فخرج منها حافیا و لم یصل إلى مدین حتّى وقع خفّ قدمیه، و کان لا یأکل فی مدّه مسیرها إلّا حشیش الصّحراء و بقل الأرض.
(و لقد کانت خضره البقل ترى من شفیف صفاق بطنه) یعنی أنّ جلد بطنهبسبب رقّته لم یکن حاجبا عن إدراک البصر لما ورائه و ذلک (لهزاله و تشذّب لحمه) أى تفرّقه قال فی عدّه الدّاعی: و یروى أنّه أى موسى علیه السّلام قال یوما یا ربّ إنّی جائع فقال اللّه أنا أعلم بجوعک، قال: یا ربّ أطمعنی قال: إلی أن ارید.
و فیما أوحى إلیه علیه السّلام یا موسى الفقیر من لیس له مثلی کفیل، و المریض من لیس له مثلی طبیب، و الغریب من لیس له مثلی مونس قال: و یروى حبیب، یا موسى ارض بکسره من شعیر تسدّ بها جوعتک، و بخرقه توارى بها عورتک، و اصبر على المصائب، و إذا رأیت الدّنیا مقبله علیک فقل: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ عقوبه قد عجلت فی الدّنیا، و إذا رأیت الدّنیا مدبره عنک فقل: مرحبا بشعار الصّالحین، یا موسى لا تعجبنّ بما اوتى فرعون و ما تمتّع به فانّما هی زهره الحیاه الدّنیا.
(و إن شئت ثلّثت بداود) بن أیش من أولاد یهودا سمّى به لأنّه داوی جرحه بودّ و قد قیل: داوى ودّه بالطّاعه حتّى قیل عبد، رواه فی البحار من معانى الأخبار و غیره (صاحب المزامیر) قال الفیروزآبادی: مزامیره ما کان یتغنّى به من الزّبور و قال الشّارح المعتزلی: یقال: إنّ داود اعطى من طیب النّغم و لذّه ترجیع القراءه ما کان الطّیور لأجله تقع علیه و هو فی محرابه، و الوحش تسمعه فیدخل بین النّاس و لا تنفر منهم لما قد استغرقها من طیب صوته.
و فی البحار من الامالی عن هشام بن سالم عن الصّادق علیه السّلام فی الحدیث الآتی و کان إذا قرء الزّبور لا یبقى جبل و لا حجر و لا طائر و لا سبع إلّا جاذبه (و) لعلّه لطیب صوته کان (قاری أهل الجنّه فلقد کان یعمل سفائف الخوص) أی نسایج ورق النّخل (بیده و یقول لجلسائه أیّکم یکفینی بیعها و یأکل قرص الشّعیر من ثمنها) قال فی البحار: لعلّ هذا کان قبل أن ألان اللّه له الحدید.
و روی فیه من تفسیر علیّ بن إبراهیم فی قوله تعالى «وَ لَقَدْ آتَیْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا یا جِبالُ أَوِّبِی مَعَهُ» أى سبّحى للّه «وَ الطَّیْرَ وَ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِیدَ» قال: کان داود إذا مرّ فی البرارى یقرأ الزّبور یسبّح الجبال و الطّیر معه و الوحوش و ألان اللّه له الحدید مثل الشّمع حتّى کان یتّخذ منه ما أحبّ.
و فیه من الفقیه بسنده عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: أوحى اللّه إلى داود نعم العبد لو لا أنّک تأکل من بیت المال و لا تأکل بیدک شیئا قال: فبکى داود علیه السّلام فأوحى اللّه تعالى إلى الحدید أن لن لعبدى داود فألان اللّه له الحدید، فکان یعمل کلّ یوم درعا فیبیعها بألف درهم فعمل ثلاثمأه و ستّین درعا فباعها بثلاثمأه و ستّین ألفا، و استغنى عن بیت المال.
و عن صاحب الکامل کان داود بن ایشاح (ایش خ ل) من أولاد یهود او کان قصیرا أزرق قلیل الشّعر، فلمّا قتل طالوت أتى بنو إسرائیل داود و أعطوه خزاین طالوت و ملکوه علیهم.
و قیل إنّ داود ملک قبل أن یقتل جالوت، فلمّا ملک جعله اللّه نبیّا ملکا و أنزل علیه الزّبور و علّمه صنعه الدّرع و ألان له الحدید و أمر الجبال و الطّیر أن یسبّحن معه إذا سبّح، و لم یعط اللّه أحدا مثل صوته کان إذا قرء الزّبور تدنو الوحش حتّى یؤخذ بأعناقها، و کان شدید الاجتهاد، کثیر العباده و البکاء، و کان یقوم اللّیل و یصوم نصف الدّهر، و کان یحرسه کلّ یوم و لیله أربعه آلاف، و کان یأکل من کسب یده أربعه آلاف، و کانت مدّه ملکه أربعین و تمام عمره مأئه، هذا.
و قد اتّضح بذلک أنّه علیه السّلام مع ما آتاه اللّه من الملک و النّبوه و البسطه زهد فی الدّنیا و رغب عنها و جعل رزقه فی کدّ یمینه، و العجب أنّه مع زهده ذلک عیّره حزقیل النّبیّ و یعجبنی أن أذکر قصّته معه لمناسبتها بالمقام، و دلالتها على ذمّ الدّنیا المسوق له هذا الفصل من کلام الامام علیه السّلام فأقول: روى فی البحار من أمالی الصّدوق عن أبیه عن علیّ عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن هشام بن سالم عن الصّادق جعفر بن محمّد علیهما السّلام قال: إنّ داود خرج ذات یوم یقرأ الزّبور و کان إذا قرء الزّبور لا یبقى جبل و لا حجر و لا طائر و لا سبع إلّا جاذبه، فما زال یمرّ حتّى انتهى إلى جبل فاذا على ذلک الجبل نبیّ عابد یقال له حزقیل، فلمّا سمع دویّ الجبال و أصوات السّباع و الطّیر علم أنّه داود، فقالداود: یا حزقیل أ تأذن لی فأصعد إلیک قال: لا، فبکى داود علیه السّلام فأوحى اللّه جلّ جلاله إلیه یا حزقیل لا تعیّر داود و سلنى العافیه، فقام حزقیل فأخذ بید داود علیه السّلام فرفعه إلیه فقال: داود علیه السّلام یا حزقیل هل هممت بخطیئه قطّ قال: لا، قال: فهل دخلک العجب ممّا أنت فیه من عباده اللّه تعالى قال: لا، قال: فهل رکنت إلى الدّنیا فأحببت أن تأخذ من شهوتها و لذّتها قال: بلى ربّما عرض بقلبی، قال: فما ذا تصنع إذا کان ذلک قال: أدخل هذا الشّعب فأعتبر بما فیه.
قال: فدخل داود النّبیّ الشعب فاذا سریر من حدید علیه جمجمه بالیه و عظام فانیه، و إذا لوح حدید فیه کتابه، فقرأها داود فاذا هی: أنا أردى شلم ملکت ألف سنه و بنیت ألف مدینه و افتضضت ألف بکر فکان آخر أمری أن صار التّراب فراشى، و الحجاره و سادتى، و الدّیوان و الحیّات جیرانی، فمن رآنی فلا یغترّ بالدّنیا و فی البحار أیضا دخل داود غارا من غیران بیت المقدّس، فوجد حزقیل یعبد ربّه و قد یبس جلده على عظمه فسلّم علیه، فقال: أسمع صوت شبعان ناعم فمن أنت قال: أنا قال: الّذی له کذا و کذا امه قال: نعم و أنت فی هذه الشّده قال: ما أنا فی شدّه و لا أنت فی نعمه حتّى تدخل الجنّه.
(و ان شئت قلت فی عیسى بن مریم علیه السّلام) أى ان شئت أن تذکر حال المسیح فاذکر انّه ل (قد کان یتوسّد الحجر) أى یأخذه و ساده له (و یلبس) اللّباس (الخشن و کان إدامه الجوع) قال العلّامه المجلسیّ: لعلّ المعنى أنّ الانسان إنّما یحتاج إلى الادام لأنّه یعسر على النّفس أکل الخبز یابسا، فأمّا مع الجوع الشّدید فیلتذّ بالخبز و لا یطلب غیره فهو بمنزله الادام، أو أنّه کان یأکل الخبز دون الشّبع فکان الجوع مخلوطا به کالادام.
أقول: و یحتمل أن یکون المراد أنّه کان یلتذّ بالجوع کما یلتذّ بالادام و الطّعام، أو أنّ الجوع کان بدلا عن إدامه فاستعیر لفظ الجوع له من باب استعاره اسم الضدّ للضّد مثل قوله فی الخطبه الثّانیه: نومهم سهود و کحلهم دموع.
(و سراجه باللّیل القمر) یستضیء به کما یستضاء بالسراج (و ظلاله فی الشّتاء) أى مکمنه من البرد (مشارق الأرض) فی الضّحى (و مغاربها) فی المساء (و فاکهته و ریحانه ما تنبت الأرض للبهائم) و استعاره الفاکهه و الرّیحان لما تنبت باعتبار التذاذ ذوقه و شمّه به کالتذاذ غیره بالفواکه و الرّیاحین (و لم تکن له زوجه تفتنه و لا ولد یحزنه و لا مال یلفته) أى یلویه و یصرفه عن ذکر اللّه (و لا طمع یذلّه) أى یوقعه فی الذّلّه و الهوان (دابّته رجلاه و خادمه یداه) أى انتفاعه بهما کما ینتفع غیره بالدّابه و الخادم.
و اعلم أنّ ما وصف علیه السّلام به عیسى فقد روى عنه علیه السّلام نحوه فی عدّه الدّاعی قال: و أمّا عیسى روح اللّه و کلمته فانّه کان یقول: خادمى یدای و دابّتی رجلاى و فراشی الأرض و وسادی الحجر و دفئی فی الشّتاء مشارق الأرض و سراجی باللّیل القمر و ادامی الجوع و شعارى الخوف و لباسی الصّوف و فاکهتی و ریحانی ما أنبتت الأرض للوحوش و الأنعام، أبیت و لیس لی شیء، و أصبح و لیس لی شیء، و لیس على وجه الأرض أحد أغنى منّی و رواه مثله فی البحار من ارشاد القلوب إلّا أنّ فیه بدل مشارق الأرض مشارق الشّمس، و بدل ریحانی ریحانتی.
و فی عدّه الدّاعی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: فی الانجیل إنّ عیسى قال: اللّهمّ ارزقنی غدوه رغیفا من شعیر رعشیّه رغیفا من شعیر و لا ترزقنی فوق ذلک فاطغى.
أقول: و ان شئت فاتّبع ذکر حال هؤلاء الأنبیاء الأکرمین بذکر حال غیرهم من الأنبیاء و المرسلین.
و اذکر نوحا نجیّ اللّه فانّه مع کونه شیخ المرسلین و قد روی أنّه عاش ألفى عام و خمسمائه عام، و عمّر فی الدّنیا مدیدا، مضى منها و لم یبن فیها بیتا، و کان إذا أصبح یقول لا امسى و إذا أمسى یقول لا أصبح.
و انظر إلى أبی الأنبیاء إبراهیم خلیل الرّحمن فقد کان لباسه الصّوف و طعامه الشّعیر.
ثمّ انظر إلى یحیى بن زکریا کان لباسه اللّیف و أکله ورق الشّجر.
ثمّ إلى سلیمان بن داود فقد کان مع ما هو فیه من الملک العظیم یلبس الشّعر و إذا جنّه اللّیل شدّ یدیه إلى عنقه فلا یزال قائما باکیا حتّى یصبح، و کان قوته من سفائف الخوص یعملها بیده، و هکذا کان حال سایر الأنبیاء فی إعراضهم عن الدّنیا.
و أمّا سیّد البشر فوصف حاله إجمالا قد مرّ و قد تقدّم أنّ فیه کافیا لک فی الاتباع به و الاهتداء بهداه، و لذلک عقّبه بالأمر بالتّأسّی به و أردفه بوصف حاله تفصیلا فقال (فتأسّ بنبیّک الأطیب الأطهر صلّى اللّه علیه و آله و سلّم) و اتّبع له (فانّ فیه اسوه لمن تأسّى و عزاء لمن تعزّى) أى نسبه لمن انتسب (و أحبّ العباد إلى اللّه المتأسّى بنبیّه و المقتصّ) المتتبّع (لاثره) و إنّما کان أحبّ العباد إلیه سبحانه لقوله تعالى قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللَّهُ قال الفخر الرّازی: قال المتکلّمون محبّه اللّه للعبد عباره عن إرادته تعالى ایصال الخیرات و المنافع فی الدّین و الدّنیا إلیه، و قال بعض المحقّقین: و من المتکلّمین من أنکر محبّه اللّه لعباده کالزمخشری و أترابه، زعما منهم أنّ ذلک یوجب نقصا فی ذاته و لم یعلموا أنّ محبّه اللّه تعالى لخلقه راجعه إلى محبّه ذاته، هذا.
و قوله (قضم الدّنیا قضما) استیناف بیانیّ، فانّه لمّا ذکر أنّ أحبّ العباد إلى اللّه من اقتصّ أثر النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، و کان ذلک مظنّه لأن یسأل عن الأثر الذی یقتصّ أردف بهذا الکلام و ما یتلوه جوابا لهذا السّؤال المتوهّم، و تفصیلا لما فیه الاسوه، و به یکون الاقتصاص، و أراد بقضمه اقتصاره صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی الدّنیا على قدر الضّروره إذا لقضم یقابل الخضم و الأوّل أکل الشیء الیابس بأطراف الأسنان، و الثانی الأکل بالفم کلّه للأشیاء الرّطبه کما قال علیه السّلام فی وصف حال بنی امیّه فی الخطبه الشقشقیّه: یخضمون مال اللّه خضم الابل نبته الرّبیع، و فی حدیث أبی ذر «رض» یخضمون و نقضم و الموعد للّه (و لم یعرها طرفا) أى لم یعطها نظره على وجه العاریه فکیف بأن یجعلها مطمح نظره، و هو کنایه عن عدم التفاته إلیها (أهضم أهل الدّنیا کشحا و أخمصهم بطنا) أى أخمصهم خاصره و بطنا، و هو کنایه عن کونه أشدّهم جوعا و أقلّهم شبعا کما روى أنّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إذا اشتدّ جوعه کان یربط على بطنه حجرا و یسمیّه المشبع مع کونه مالکا لقطعه واسعه من الدّنیا.
قال الغزالی فی احیاء العلوم: و فی الخبر أنّ النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کان یجوع من غیر غور أى مختارا لذلک.
قال: و کانت عایشه تقول إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لم یمتل قطّ شبعا و ربّما بکیت رحمه له مما أرى به من الجوع فأمسح بطنه بیدى و أقول نفسى لک الفداء لو تبلّغت من الدّنیا بقدر ما یقویک و یمنعک من الجوع، فیقول: یا عایشه اخوانی من اولى العزم من الرّسل قد صبروا على ما هو أشدّ من هذا، فمضوا على حالهم فقدموا على ربّهم فأکرم مآبهم و أجزل ثوابهم، فأجدنی أستحی إن ترفّهت فی معیشتی أن یقصر بی غدا دونهم، فالصّبر أیّاما یسیره أحبّ إلىّ من أن ینقص حظّى غدا فی الآخره، و ما من شیء أحبّ إلىّ من اللّحوق بأصحابی و إخوانی، قالت عایشه: فو اللّه ما استکمل بعد ذلک جمعه حتّى قبضه اللّه إلیه.
و عن أنس قال: جاءت فاطمه صلوات اللّه و سلامه علیها بکسره خبز إلى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال: ما هذه الکسره قالت: قرص خبزته و لم تطب نفسى حتى أتیتک منه بهذه الکسره، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أما أنّه أوّل طعام دخل فم أبیک منذ ثلاثه أیّام، هذا، و سنورد فصلا مشبعا فی فضیله الجوع و فوایده بعد الفراغ من شرح الخطبه إنشاء اللّه.
(عرضت علیه الدّنیا فأبى أن یقبلها) إشاره إلى ما ورد فی غیر واحد من الأحادیث العامیّه و الخاصیّه من أنّه صلّى اللّه علیه و آله عرض علیه مفاتیح کنوز الأرض فامتنع من قبولها.
منها ما فی الکافی عن عدّه من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن القاسم بن یحیى عن جدّه الحسن بن راشد عن عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: خرج النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و هو محزون، فأتاه ملک و معه مفاتیح خزائن الأرض فقال: یا محمّد هذه مفاتیح خزائن الدّنیا یقول لک ربّک: افتح و خذ منها ما شئت من غیر أن تنقص شیئا عندى، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: الدّنیا دار من لا دار له و لها یجمع من لا عقل له، فقال له الملک: و الّذی بعثک بالحقّ لقد سمعت هذا الکلام من ملک یقوله فی السّماء الرّابعه حین اعطیت المفاتیح.
و منها ما فی الوسائل عن الکلینیّ عن محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السّلام فی حدیث طویل و فیه: ثمّ قال علیه السّلام: یا محمّد لعلّک ترى أنّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم شبع من خبز البرّ ثلاثه أیّام منذ بعثه اللّه إلى أن قبض، ثمّ ردّ على نفسه ثمّ قال: لا و اللّه ما شبع من خبز البرّ ثلاثه أیّام متوالیه منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه، أما أنّی لا أقول إنّه کان لا یجد، لقد کان یجیر الرجل الواحد بالمأه من الابل فلو أراد أن یأکل لأکل، و قد أتاه جبرئیل بمفاتیح خزائن الأرض ثلاث مرّات یخیّره من غیر أن ینقص ممّا أعدّ اللّه له یوم القیامه شیئا، فیختار التّواضع للّه، الحدیث.
و قد مرّ فی شرح الکلام التّاسع و السّتین فی التّذنیب الأوّل من شرحه المسوق لکیفیّه شهاده أمیر المؤمنین عند اقتصاص حاله فی لیله تسع عشره من شهر رمضان حدیث عرض المفاتیح بروایه لوط بن یحیى بنحو آخر فتذکّر (و علم صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنّ اللّه سبحانه أبغض شیئا) و لم یرده لأولیاءه (فأبغضه) النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لنفسه لأنّه لا یشاء إلّا أن یشاء اللّه روى فی إحیاء العلوم عن موسى بن یسار قال: قال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّ اللّه عزّ و جلّ لم یخلق خلقا أبغض إلیه من الدّنیا و أنّه منذ خلقها لم ینظر إلیها.
و فیه أیضا قال رسول اللّه: الدّنیا موقوفه بین السّماء و الأرض منذ خلقها اللّه لم ینظر إلیها و تقول یوم القیامه: یا ربّ اجعلنی لأدنى أولیائک الیوم نصیبا، فیقول اسکتی یا لا شیء إنّی لم أرضک لهم فی الدّنیا ارضاک لهم الیوم (و حقّر شیئا فحقّره) أى حقره النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لحقارته عند اللّه سبحانه کما روى فی الکافی عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن جمیل بن درّاج عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: مرّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بجدى اسک ملقى على مزبله میّتا فقال لأصحابه کم یساوى هذا فقالوا: لعلّه لو کان حیّا لم یساو درهما، فقال النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و الّذی نفسی بیده الدّنیا أهون عند اللّه من هذا الجدی على أهله.
(و صغّر شیئا) أراد تصغیره بالنّسبه إلى ما أعدّه لأولیائه فی الآخره (فصغّره) قال فی إحیاء العلوم قال داود بن هلال: مکتوب فی صحف إبراهیم علیه السّلام: یا دنیا ما هونک على الابرار الّذین تمنّعت و تزیّنت لهم إنّی قذفت فی قلوبهم بغضک و الصّدود عنک، و ما خلقت خلقا أهون علىّ منک کلّ شأنک صغیر، و إلى الفناء تصیر قضیت علیک یوم خلقتک أن لا تدومى لأحد، و لا یدوم لک أحد و إن بخل به صاحبک و شحّ علیک، طوبى للأبرار الّذین اطلعونی من قلوبهم على الرضا، و من ضمیرهم على الصّدق و الاستقامه، طوبى لهم مالهم عندی من الجزاء إذا وفدوا إلىّ من قبورهم إلّا النّور یسعى أمامهم، و الملائکه حافّون بهم حتّى ابلغهم ما یرجون من رحمتى، هذا و لمّا ذکر أنّ الدّنیا مبغوضه للّه، حقیره عنده و کذلک عند النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم تبعا لرضائه تعالى، عقّب ذلک بالتنبیه على أنّ اللّازم على المتأسّی له صلّى اللّه علیه و آله و المقتصّ لأثره أن یبغض ما أبغضه اللّه و رسوله و یحقّر ما حقّراه و إلّا لکان موادّا لما حادّ اللّه و رسوله فقال (و لو لم یکن فینا إلّا خبّنا ما أبغض اللّه و رسوله و تعظیمنا ما صغّر اللّه و رسوله لکفى به شقاقا للّه) و مخالفه له (و محادّه عن أمر اللّه) أى معاداه و مجانبه عنه.
و إلى ذلک ینظر ما روى أنّ سلمان رضى اللّه عنه کان متحسّرا عند موته، فقیل له: یا أبا عبد اللّه على ما تأسّفک قال: لیس تأسّفی علی الدّنیا، و لکن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عهد إلینا و قال: لتکن بلغه أحدکم کزاد الراکب، و أخاف أن یکون قد جاوزنا أمره و حولى هذه الأساور، و أشار إلى ما فی بیته و إذا هو دست و سیف و جفنه.
ثمّ أشار إلى تواضعه و تذلّله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی مأکله و مجلسه و مرکبه و غیرها فقال (و لقد کان صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یأکل على الأرض و یجلس جلسه العبد) و قد ورد التصریح بذلک فی روایات کثیره مرویّه فی الوسائل فی کتاب الأطعمه.
ففیه عن محمّد بن یعقوب الکلینیّ باسناده عن هارون بن خارجه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یأکل أکل العبد، و یجلس جلسه العبد و یعلم أنّه عبد.
و عن الکلینی عن الحسن الصّیقل قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول مرّت امرأه بذیّه برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و هو یأکل و هو جالس على الحضیض«» فقالت: یا محمّد إنّک تأکل أکل العبد و تجلس جلوسه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: و أىّ عبد أعبد منّى.
و فیه عن البرقی عن عمرو بن جمیع عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یأکل بالأرض، هذا.
و ظهور التّواضع فی الأکل على الأرض واضح.
و المراد بأکله أکل العبد إمّا ذلک أعنى الأکل على الأرض، أو الأکل بثلاثه أصابع لا بالإصبعین کما یشعر به ما فی الوسائل عن البرقی عن أبی خدیجه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام أنّه کان یجلس جلسه العبد و یضع یده على الأرض و یأکل بثلاثه أصابع، و قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کان یأکل هکذا لیس کما یفعله الجبّارون یأکل أحدهم بإصبعیه، أو الأکل من غیر اتّکاء و یدلّ علیه ما فی الوسائل عن الکلینیّ عن معاویه بن وهب عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: ما أکل رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم متّکئا منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه تواضعا للّه عزّ و جلّ.
و عن زید الشّحام عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: ما أکل رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم متّکئا منذ بعثه اللّه حتّى قبض کان یأکل أکله العبد، و یجلس جلسه العبد، قلت: و لم ذلک قال: تواضعا للّه عزّ و جلّ.
و أما المراد من کون جلوسه جلسه العبد إمّا جلوسه على الأرض، و یدلّ علیه ما مر أو الجلوس من غیر تربّع کما هو جلوس الملوک، و یدلّ علیه ما فی الوسائل عن الکلینیّ عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال قال أمیر المؤمنین علیه السّلام إذا جلس أحدکم على الطّعام فلیجلس جلسه العبد و لا یضعنّ احدى رجلیه على الأخرى و یتربّع، فانّها جلسه یبغضها اللّه و یمقتها.
أو الجلوس دون شرفه، و یفیده ما فی الوسایل أیضا عن الکلینیّ مرسلا عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إذا دخل منزلا قعد فی أدنى المجلس إلیه حین یدخل.
(و یخصف بیده نعله) و تضمّن لبس النّعل المخصوفه للتّواضع ظاهر لا سیّما إذا کان لابسها هو الخاصف، و قد تأسّی به صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أمیر المؤمنین علیه السّلام فی هذا الوصف مضافا إلى سایر الصّفات کما یفصح عنه ما مرّ فی عنوان الخطبه الثّالثه و الثلاثین عن ابن عبّاس أنّه قال: دخلت على أمیر المؤمنین علیه السّلام بذى قار و هو یخصف نعله، فقال لی ما قیمه هذه النّعل فقلت: لا قیمه لها، فقال علیه السّلام: و اللّه لهى أحبّ إلیّ من امرتکم إلّا أن اقیم حقّا أو أدفع باطلا.
(و یرقع بیده ثوبه و یرکب الحمار العارى و یردف خلفه) و معلوم أنّ رکوب الحمار العاری آیه التواضع و هضم النفس، و إرداف غیره خلفه آکد فی الدّلاله علیه.
روى فی الوسائل من العیون عن الرّضا علیه السّلام عن آبائه عن النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال خمس لا أدعهنّ حتى الممات: الأکل على الحضیض مع العبد، و رکوبى الحمار موکفا«» و حلب العنز بیدی، و لبس الصوف، و التسلیم على الصبیان لتکون سنه من بعدی.
و کذلک لبس الثوب المرقع لا سیما إذا کان اللّابس هو الراقع.
ثمّ أشار إلى مبغوضیّه الدّنیا و قیناتها عنده بقوله (و یکون الستر على باب بیته و یکون فیه التصاویر) الظاهر أنّ المراد به تصاویر الشجر و النبات و نحوها لا تصاویر الحیوان و غیره من ذوى الأرواح، إذ بیته صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کان مهبط الوحى و مختلف الملائکه و لا یدخل الملک بیتا فیه صوره مجسّمه کما ورد به الأخبار.
(فیقول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یا فلانه لإحدى أزواجه غیّبی عنّی) الظّاهر أنه أراد بها عایشه کما یؤمى إلیه فی باب الزّهد من احیاء العلوم قال: و رأى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم على باب عایشه سترا فهتکه و قال: کلّما رأیته ذکرت الدّنیا أرسلى به إلى آل فلان.
قال الشارح البحرانی: أمره بتغییب التصاویر محافظه من حرکه الوسواس الخناس، و کما أنّ الأنبیاء علیهم السّلام کانوا کاسرین للنفس الأمّاره بالسوء، و قاهرین لشیاطینهم کانوا أیضا محتاجین إلى مراعاتهم و مراقبتهم و تفقّد أحوال نفوسهم فی کلّ لحظه و طرفه، فانها کاللّصوص المخادعین للنفوس المطمئنّه مهما ترکت و غفل عن قهرها و التحفّظ منها عادت إلى طباغها.
أقول: لا یخفى ما فی هذا التعلیل بعد الغضّ عن کونه خلاف ما یستفاد من کلامه علیه السّلام من الرکاکه و السخافه و السماجه و إسائه الأدب بالنسبه إلى خاتم النبیّین صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بل و سایر أولیاء الدّین و کیف یتصوّر فی حقّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حرکه الوسواس الخناس مع وجود ملکه العصمه و لو لم یغب عنه علیه السّلام التصاویر، بل الظاهر أنّ أمره صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بتغییبها إنما هو لأجل أنّ الدّنیا و زخارفها کانت مبغوضه عنده بالذات و مکروهه لدیه بالطبع، فأمر بتغییبها لکونها موجبه لذکر ما یبغضه و یتنفّر عنه و یعادیه.
کما یومى إلیه قوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم (فانّى إذا نظرت إلیه ذکرت الدّنیا و زخارفها) و یدلّ علیه صریحا قوله علیه السّلام الآتی و کذلک من أبغض شیئا آه (فأعرض صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عن الدنیا بقلبه و أمات ذکرها عن نفسه) و هو الزهد الحقیقی (و أحب أن تغیب زینتها عن عینه لکیلا یتّخذ منها ریاشا) أى لباسا فاخرا، و ذلک لما روى عنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّ اللّه یحب المبتذل الذی لا یبالی ما لبس قال فی إحیاء العلوم: قال أبو برده: اخرجت لنا عایشه کساء ملبدا و إزارا غلیظا فقالت: قبض رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی هذین.
قال: و اشترى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ثوبا بأربعه دراهم و کانت قیمه ثوبیه عشره و کان إزاره أربعه أذرع و نصفا و اشترى سراویل بثلاثه دراهم و کان یلبس شملتین بیضاوین و کانت تسمى حلّه لأنّهما ثوبان من جنس واحد، و ربّما کان یلبس بردین یمانین أو سحولیین من هذه الغلاظ، و کان شراک نعله قد اخلق فابدل بسیر جدید فصلّى فیه فلما سلّم: قال اعیدوا الشراک الخلق و انزعوا هذا الجدید فانى نظرت إلیه فی الصلاه، و کان صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قد احتذى مرّه نعلین جدیدین فأعجبه حسنهما فخرّ ساجدا و قال: أعجبنی حسنهما فتواضعت لربّی خشیه أن یمقتنی فدفعهما إلى أوّل مسکین رآه.
(و لا یعتقدها قرارا و لا یرجو فیها مقاما) لأنها دار مجاز لا دار قرار
أحلام نوم أو کظلّ زائل إنّ اللّبیب بمثلها لا یخدع
و لذلک قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: الدّنیا دار من لا دار له، و لها یجمع من لا عقل له، و علیها یعادی من لا علم له، و علیها یحسد من لا فقه له، و لها یسعى من لا یقین له و لنعم ما قیل:
أرى طالب الدّنیا و إن طال عمره
و نال من الدّنیا سرورا و أنعما
کبان بنى بنیانه فأقامه
فلمّا استوى ما قد بناه تهدّما
(فأخرج) محبّت (ها من النّفس و أشخص) رغبت (ها عن القلب و غیّب) زینت (ها عن البصر) و ذلک لفرط بغضه لها و نفرته عنها و کراهته إیّاها (و کذلک) حال (من أبغض شیئا) فانه إذا أبغضه (أبغض أن ینظر إلیه و أن یذکر عنده) ثمّ أکّد ما قدّم و قال: (و لقد کان فی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ما یدلّک على مساوى الدّنیا و عیوبها إذ جاع فیها مع خاصّته).
أمّا جوعه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقد عرفته فیما تقدّم، و أقول هنا مضافا إلى ما سبق: روى أحمد بن فهد فی عدّه الداعی أنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أصابه یوما الجوع فوضع صخره على بطنه ثمّ قال: ألا ربّ مکرم لنفسه و هولها مهین، ألا ربّ مهین لنفسه و هو لها مکرم ألا ربّ نفس جایعه عاریه فی الدّنیا طاعمه فی الآخره ناعمه یوم القیامه، ألا ربّ نفس کاسیه ناعمه فی الدّنیا جایعه عاریه یوم القیامه، ألا ربّ نفس متخوّض متنعّم فیما أفاء اللّه على رسوله ما له فی الآخره من خلاق، ألا إنّ عمل أهل الجنّه حزنه بربوه ألا إنّ عمل أهل النّار سهله لشهوه، ألا ربّ شهوه ساعه أورثت حزنا طویلا یوم القیامه.
و أما جوع خاصته فقد ورد فی روایات مستفیضه.
منها ما فی إحیاء العلوم قال أبو هریره: ما أشبع النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أهله أعنی أهل بیته و أزواجه و أهل بطانته من أصحابه ثلاثه أیّام تباعا من خبز الحنطه حتّى فارق الدّنیا، و قال إنّ أهل الجوع فی الدّنیاهم أهل الشّبع فی الآخره.
و فیه قال الفضیل ما شبع رسول اللّه منذ قدم المدینه ثلاثه أیّام من خبز البرّ قالت عایشه: کانت تأتی علینا أربعون لیله و ما یوقد فی بیت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم مصباح و لا نار، قیل لها: فیم کنتم تعیشون قال: بالأسودین: التّمر و الماء.
و أما جوع أخصّ خاصّته أعنی أهل بیت العصمه و الطّهاره فهو غنیّ عن البیان، و کتب الخاصّه بل العامّه قد تضمّنت أخبارا کثیرا فی ذلک المعنى، و لنقتصر على ثلاثه أحادیث.
أحدها ما رواه المحدّث الجزایری فی الأنوار النّعمانیّه عن الصدوق طاب ثراه باسناده إلى خالد بن ربعى قال: إنّ أمیر المؤمنین علیه السّلام دخل مکّه فی بعض حوائجه فوجد اعرابیا متعلّقا بأستار الکعبه و هو یقول: یا صاحب البیت البیت بیتک و الضیف ضیفک و لکلّ ضیف من مضیفه قرى فاجعل قراى منک اللّیله المغفره فقال أمیر المؤمنین علیه السّلام لأصحابه: أما تسمعون کلام الأعرابی قالوا: نعم قال علیه السّلام: اللّه اکرم من أن یردّ ضیفه.
قال: فلمّا کان من اللّیله الثانیه وجده متعلّقا بذلک الرکن و هو یقول: یا عزیزا فی عزّک فلا أعزّ منک فی عزّک أعزّنی بعزّ عزّک فی عزّ لا یعلم أحد کیف هو أتوجّه إلیک و أتوسّل إلیک بحقّ محمّد و آل محمّد علیک اعطنى ما لا یعطینی أحد غیرک، و اصرف عنی ما لا یصرفه أحد غیرک.
قال فقال أمیر المؤمنین علیه السّلام لأصحابه: هذا و اللّه الاسم الأکبر بالسریانیه أخبرنی به حبیبی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم سأله الجنّه فأعطاه و سأله صرف النار فصرفها عنه.
قال: فلما کان اللّیله الثالثه وجده و هو متعلّق بذلک الرکن و هو یقول: یا من لا یحویه مکان و لا یخلو منه مکان بلا کیفیه کان ارزق الأعرابی أربعه آلاف درهم.
قال: فتقدّم إلیه أمیر المؤمنین علیه السّلام و قال یا اعرابی سألت ربّک فأقراک، و سألت الجنّه فأعطاک، و سألته أن یصرف عنک النار فصرفها عنک و فی هذه اللّیله تسأله أربعه آلاف درهم قال الاعرابی: من أنت قال علیه السّلام أنا علىّ بن أبی طالب قال الاعرابی: أنت و اللّه بغیتی و بک أنزلت حاجتی، قال علیه السّلام: سل یا اعرابی، قال: ارید ألف درهم للصداق، و ألف درهم اقضى بها (به خ) دینی، و ألف درهم اشترى بها دارا، و ألف درهم أتعیّش بها، قال أنصفت یا اعرابی فاذا خرجت من مکّه فسل عن دارى بمدینه الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.
فأقام الاعرابی بمکّه اسبوعا فخرج فی طلب أمیر المؤمنین علیه السّلام إلى المدینه و نادى من یدلّنی على دار أمیر المؤمنین علیه السّلام فقال الحسین بن علیّ من بین الصبیان أنا أدلّک على دار أمیر المؤمنین و أنا ابنه الحسین بن علیّ، فقال الاعرابى: من أبوک قال: أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السّلام، قال: من امّک قال: فاطمه الزهراء سیّده نساء العالمین، قال: من جدّک قال: محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب، قال من جدّتک قال خدیجه بنت خویلد، قال: من أخوک قال أبو محمّد الحسن بن علیّ علیه السّلام، قال: قد أخذت الدّنیا بطرفیها امش إلى أمیر المؤمنین علیه السّلام و قل له إنّ الاعرابی صاحب الضمان بمکّه على الباب.
قال: فدخل الحسین بن علیّ علیهما السّلام فقال یا أبه اعرابیّ بالباب و یزعم أنه صاحب الضمان بمکّه، قال: فقال: یا فاطمه عندک شیء یأکله الاعرابی قالت: اللّهم لا، فتلبّس أمیر المؤمنین علیه السّلام و خرج و قال: ادعو الی أبا عبد اللّه سلمان الفارسی قال. فدخل سلمان الفارسی (رض) فقال علیه السّلام: یا أبا عبد اللّه اعرض الحدیقه التی غرسها رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم على التجار.
قال: فدخل سلمان إلى السوق و عرض الحدیقه فباعها باثنى عشر ألف درهمو أحضر المال و أحضروا الاعرابی فأعطاه أربعه آلاف درهم و أربعین درهما نفقه، و وقع الخبر إلى سؤّال المدینه فاجتمعوا، و مضى رجل إلى فاطمه فأخبرها بذلک فقالت: آجرک اللّه فی ممشاک، فجلس علیّ علیه السّلام و الدّراهم مصبوبه بین یدیه حتّى اجتمع علیه أصحابه فقبض قبضه قبضه و جعل یعطى رجلا رجلا حتى لم یبق معه درهم واحد فلما أتى المنزل قالت له فاطمه علیه السّلام: یا ابن عم بعت الحائط الذى غرسه لک والدى، قال: نعم بخیر منه عاجلا و آجلا، قالت: فأین الثمن قال دفعته إلى أعین استحییت أن أذلّها بذلّ المسأله اعطیتها قبل أن تسألنى، قالت فاطمه: أنا جایعه و أولادی جایعان و لا شکّ إلّا و أنّک مثلنا فی الجوع لم یکن لنا منه درهم و أخذت بطرف ثوب علیّ، فقال علیّ: خلّینی، فقالت علیها السّلام: لا و اللّه أو یحکم بینی و بینک أبی.
فهبط جبرئیل على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال: یا محمّد ربک یقرءک السّلام و یقول اقرء علیّا منّی السّلام و قل لفاطمه: لیس لک أن تضربی على یدیه و لا تلزمى بثوبه فلمّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم منزل علیّ علیه السّلام وجد فاطمه ملازمه لعلیّ علیه السّلام، فقال لها با بنیّه ما لک ملازمه لعلیّ قالت: یا أبت باع الحائط الّذی غرسته له باثنى عشر ألف درهم لم یحبس لنا منه درهما واحدا نشترى به طعاما، فقال: یا بنیّه إنّ جبرئیل یقرئنی من ربّی السّلام و یقول: اقرء علیّا منّی السّلام و أمرنی أن أقول لک لیس لک أن تضربی على یدیه و لا تلزمی بثوبه، قالت فاطمه: أستغفر اللّه و لا أعود أبدا.
قالت فاطمه علیها السّلام: فخرج أبی فی ناحیه و زوجی فی ناحیه فما لبث أن أتى أبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و معه سبعه دراهم سود هجریه، فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: یا فاطمه أین ابن عمّی فقلت له: خرج، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: هاک هذه الدّراهم فاذا جاء ابن عمّی فقولی له یبتاع لکم بها طعاما، فما لبث إلّا یسیرا حتّى جاء علیّ علیه السّلام فقال: رجع ابن عمّی فانّی أجد رایحه طیّبه، قالت: نعم و قد دفع إلىّ شیئا تبتاع به طعاما قال: فقال علیّ علیه السّلام: هاتیه، فدفعت إلیه سبعه دراهم سود هجریّه فقال: بسم اللّهو الحمد للّه کثیرا طیبا و هذا من رزق اللّه تعالى، ثمّ قال علیه السّلام: یا حسن قم معى فأتیا السّوق فاذا هما برجل واقف و هو یقول: من یقرض الملى الوفی قال: یا بنیّ نعطیه قال: اى و اللّه یا أبه، فأعطاه علىّ الدّراهم کلّها، فقال: یا أبتاه أعطیته الدّراهم کلّها قال: نعم یا بنیّ إنّ الّذی یعطى القلیل قادر على أن یعطى الکثیر.
قال: فمضى علیّ علیه السّلام إلى باب رجل یستقرض منه شیئا، فلقیه اعرابیّ و معه ناقه، فقال: یا علیّ اشتر منّی هذه النّاقه قال: لیس معى ثمنها قال: فانی انظرک به إلى القبض، قال: بکم یا اعرابی قال: بمأه درهم، فقال علیّ علیه السّلام: خذها یا حسن فأخذها.
فمضى علیّ علیه السّلام فلقیه اعرابی آخر المثال واحد و الثیاب مختلفه فقال: یا علی تبیع النّاقه، قال علیّ علیه السّلام: و ما تصنع بها قال: أغزو بها أوّل غزوه یغزوها ابن عمّک قال علیه السّلام: إن قبلتها فهى لک بلا ثمن، قال: معى ثمنها و بالثّمن أشتریها، قال: فبکم اشتریتها قال علیه السّلام: بمأه درهم، قال الاعرابی: فلک سبعون و مأئه درهم، قال علیّ علیه السّلام للحسن علیه السّلام: خذ السّبعین و المأه و سلّم المأه للأعرابی الّذی باعنا الناقه و السبعین لنا نبتاع بها شیئا، فأخذ الحسن علیه السّلام الدّراهم و سلّم الناقه قال علیّ علیه السّلام: فمضیت أطلب الاعرابی الذی ابتعت منه الناقه لأعطیه ثمنه فرأیت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم جالسا لم أر فیه جالسا قبل ذلک الیوم و لا بعده على قارعه الطریق، فلما نظر النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلیّ تبسّم ضاحکا حتّى بدت نواجذه، قال علیّ علیه السّلام أضحک اللّه سنّک و بشرک بیومک، فقال یا أبا الحسن إنک تطلب الاعرابی الذی باعک الناقه لتوفیه الثمن فقلت: إى و اللّه فداک أبی و امّی، فقال: یا أبا الحسن الّذی باعک النّاقه جبرائیل و الّذی اشتریها منک میکائیل و الناقه من نوق الجنه و الدّراهم من عند ربّ العالمین فأنفقها فی خیر و لا تخف إقتارا.
الثانی ما روته العامه و الخاصه بروایات کثیره تنیف على عشرین فی سبب نزول سوره هل أتى، فلنقتصر على روایه واحده.
و هی ما فی غایه المرام عن الصّدوق بسندین مذکوریین فیه أحدهما عن ابن عبّاس، و ثانیهما عن الصّادق جعفر بن محمّد عن أبیه علیهما السّلام فی قول اللّه عزّ و جلّ «یُوفُونَ بِالنَّذْرِ» قال علیه السّلام: مرض الحسن و الحسین و هما صبیّان صغیران فعادهما رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و معه رجلان«» فقال أحدهما لو نذرت فی ابنیک نذرا إن عافاهما اللّه قال علیه السّلام أصوم ثلاثه أیّام للّه شکرا للّه عزّ و جلّ، و کذلک قالت فاطمه، و قال الصّبیان و نحن أیضا نصوم ثلاثه أیّام، و کذلک قالت جاریتهم فضّه فألبسهما اللّه العافیه فأصبحوا صائمین، و لیس عندهم طعام.
فانطلق علیّ علیه السّلام إلى جار له من الیهود یقال له: شمعون یعالج الصّوف، فقال له: هل لک أن تعطینی جزّه من صوف تغزلها ابنه محمّد بثلاثه أصوع من شعیر قال: نعم، فأعطاه، فجاء بالصّوف و الشّعیر و أخبر فاطمه فقبلت و أطاعت، ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصّوف ثمّ أخذت صاعا من الشّعیر فطحنته و عجنته و خبزت منه خمسه أقراص لکلّ واحد منهم قرص، و صلّى علیّ علیه السّلام مع النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم المغرب ثمّ أتى منزله فوضع الخوان و جلسوا خمستهم.
فأوّل لقمه کسرها علیّ علیه السّلام إذا مسکین واقف، فقال: السّلام علیکم یا أهل بیت محمّد أنا مسکین من مساکین المسلمین أطعمونی ممّا تأکلون أطعمکم اللّه من موائد الجنّه، فوضع اللّقمه من یده ثمّ قال علیه السّلام:
فاطم ذات المجد و الیقین
یا بنت خیر النّاس أجمعین
أما ترین البائس المسکین
جاء إلى الباب له حنین
یشکو إلى اللّه و یستکین
یشکو إلینا جائع حزین
کلّ امرء بکسبه رهین
من یفعل الخیر یکن حسین
موعده فی جنّه و مین
حرّمها اللّه على الضّنین
و صاحب البخل یقف حزین
تهوى به النّار إلى سجّین
شرابه الحمیم و الغسلین
فأقبلت فاطمه علیها السّلام تقول.
أمرک سمع یا ابن عم و طاعه
ما بى من لؤم و لا ضراعه
غذیت باللّب و بالبراعه
أرجو إذا أشبعت فی مجاعه
أن الحق الخیار و الجماعه
و أدخل الجنّه فی شفاعه
و عمدت إلى ما کان من الخوان فدفعته إلى المسکین و باتوا جیاعا و أصبحوا صیاما لم یذوقوا إلّا الماء القراح.
ثمّ عمدت إلى الثلث الثّانی من الصّوف فغزلته ثمّ أخذت صاعا من الشّعیر فطحنته و عجنته و خبزت منه خمسه أقراص لکلّ واحد قرص، و صلّى علیّ علیه السّلام المغرب مع النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ثمّ أتا إلى منزله فلمّا وضع الخوان بین یدیه و جلسوا خمستهم.
فأوّل لقمه کسرها علیّ علیه السّلام إذا یتیم من یتامى المسلمین قد وقف فقال: السّلام علیکم یا أهل بیت محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنا یتیم المسلمین أطعمونی ممّا تأکلون أطعمکم اللّه على موائد الجنّه، فوضع علیّ علیه السّلام اللّقمه من یده ثمّ قال علیه السّلام:
فاطم بنت السّید الکریم
بنت نبیّ لیس بالزّنیم
قد جاءنا اللّه بذا الیتیم
من یرحم الیوم فهو رحیم
موعده فی جنّه النّعیم
حرّمها اللّه على اللّئیم
و صاحب البخل یقف ذمیم
تهوى به النّار إلى الجحیم
شرابه الصّدید و الحمیم
فأقبلت فاطمه علیها السلام تقول:
فسوف أعطیه و لا ابالی
و اوثر اللّه على عیالی
أمسوا جیاعا و هم أشبالی
أصغرهما یقتل فی القتال
فی کربلا یقتل باغتیال
لقاتلیه الویل و الوبال
تهوى به النّار إلى سفال
کبوله زادت على الأکبال
ثمّ عمدت فأعطته جمیع ما على الخوان، و باتوا جیاعا لم یذوقوا إلّا الماء القراح فأصبحوا صیاما.
و عمدت فاطمه علیها السّلام فعزلت الثّلث الباقی من الصّوف و طحنت الثّلث الباقی و عجنته و خبزت منه خمسه أقراص لکلّ واحد منهم قرص و صلّى علیّ علیه السّلام مع النّبیّ ثمّ أتى منزله فقرب إلیه الخوان فجلسوا خمستهم.
فأوّل لقمه کسرها علیّ علیه السّلام إذا أسیر من أسیر المشرکین قد وقف بالباب فقال: السّلام علیکم یا أهل بیت محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم تأسرونا و تشدّونا و لا تطعمونا، فوضع علیّ علیه السّلام اللّقمه من یده ثمّ قال:
فاطم یا بنت النّبی أحمد
بنت نبیّ سیّد مسدّد
قد جاءک الأسیر لیس یهتدى
ما یزرع الزارع سوف یحصد
فأعطیه و لا تخطیه بنکد
فأقبلت فاطمه علیها السّلام و هى تقول:
لم یبق ممّا کان غیر صاع
قد دبرت کفّی مع الذّراع
شبلاى و اللّه هما جیاع
یا ربّ لا تترکهما ضیاع
أبوهما للخیر ذو اصطناع
عبل الذّراعین طویل الباع
و ما على رأسی من قناع
إلّا عباء نسجها بصاع
و عمدوا إلى ما کان على الخوان فأعطوه و باتوا جیاعا و أصبحوا مفطرین لیس عندهم شیء.
قال شعیب فی حدیثه: و أقبل علیّ علیه السّلام بالحسن و الحسین علیهما السّلام نحو رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و هما یرتعشان کالفراخ من شدّه الجوع، فلمّا بصر رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال: یا أبا الحسن أشدّ ما یسوءنی ما أرى بکم انطلق إلى بنتی فاطمه علیها السّلام فانطلقوا و هى فی محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدّه الجوع و غارت عیناها،فلمّا رآها رسول اللّه ضمّها إلیه، و قال: وا غوثاه أنتم منذ ثلاث فیما أرى فهبط جبرائیل فقال: یا محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم خذ ما هنالک فی أهل بیتک، قال: و ما آخذ یا جبرئیل قال: « هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ» حتّى بلغ «إنّ هذا کان لکم جزاء و کان سعیکم مشکورا» و قال الحسن بن مهران فی حدیثه: فوثب النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حتّى دخل منزل فاطمه فرأى ما بهم فجمعهم ثمّ انکبّ علیهم یبکى، و قال: أنتم منذ ثلاث فیما أرى و أنا غافل عنکم، فهبط جبرائیل بهذه الآیات إِنَّ الْأَبْرارَ یَشْرَبُونَ مِنْ کَأْسٍ کانَ مِزاجُها کافُوراً عَیْناً یَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ یُفَجِّرُونَها تَفْجِیراً قال: هى عین فی دار النّبیّ یتفجّر إلى دور الأنبیاء و المؤمنین یُوفُونَ بِالنَّذْرِ یعنی علیّا و فاطمه و الحسن و الحسین و جاریتهما فضّه وَ یَخافُونَ یَوْماً کانَ شَرُّهُ مُسْتَطِیراً یقول عابسا کلوحا وَ یُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ یقول على حبّ شهوتهم الطّعام و ایثارهم له مِسْکِیناً من مساکین المسلمین وَ یَتِیماً من یتامى المسلمین وَ أَسِیراً من اسارى المشرکین، و یقولون إذا أطعموهم إِنَّما نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِیدُ مِنْکُمْ جَزاءً وَ لا شُکُوراً قال: و اللّه ما قالوا هذا و لکنّهم أضمروا فی أنفسهم فأخبر اللّه باضمارهم یقول: لا نرید منکم جزاء تکافوننا به، و لا شکورا تثنون علینا به، و لکنّا إنّما نطعمکم لوجه اللّه و طلب ثوابه قال اللّه تعالى ذکره فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِکَ الْیَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَهً وَ سُرُوراً نضره فی الوجوه و سرورا فی القلب وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّهً وَ حَرِیراً جنّه یسکنونها و حریرا یفرشونه و یلبسونه مُتَّکِئِینَ فِیها عَلَى الْأَرائِکِ و الأرائک السّریر علیه الحجلّه لا یَرَوْنَ فِیها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِیراً قال ابن عبّاس: فبینا أنّ أهل الجنّه فی الجنّه إذا رأوا مثل الشّمس اشرقت له الجنان فیقول أهل الجنّه: یا ربّ إنّک قلت فی کتابک لا یرون فیها شمسا، فیرسل اللّه جلّ اسمه إلیهم جبرئیل فیقول: لیس هذه بشمس لکن علیّا و فاطمه ضحکا فأشرقت الجنان من نور ضحکهما، و نزلت هل أتى فیهم إلى قوله: و کان سعیکم مشکورا.
أقول: و قد أثبتّ الرّوایه برمّتها و إن کان خاتمتها خارجه من الغرض الذینحن فیه شعفا منّی بذکر مآثر أمیر المؤمنین و زوجته و الطّیّبین من أولادهما سلام اللّه علیهم، و فیما رویناه من الفضل الّذی تخصّصوا به ما لم یشرکهم فیه أحد و لا ساواهم فی نظیر له مساو.
الثالث ما فی الصافی من الأمالی عن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أنه جاء إلیه رجل فشکى إلیه الجوع، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلى بیوت أزواجه فقال: ما عندنا إلّا ماء، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: من لهذا الرّجل اللّیله فقال علیّ بن أبی طالب: أنا له یا رسول اللّه و أتا فاطمه علیها السلام فقال لها: ما عندک یا ابنه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقالت: ما عندنا إلّا قوت العشیّه لکنا نؤثر ضیفنا، فقال: یا ابنه محمّد صلّى اللّه علیه و آله نومى الصبیّه و أطفى المصباح، فلما أصبح علیّ علیه السّلام غدا على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فأخبره الخبر، فلم یبرح حتى أنزل اللّه عزّ و جلّ «وَ یُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کانَ بِهِمْ خَصاصَهٌ وَ مَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» هذا.
و قد ظهر لک ممّا تضمنّته هذه الرّوایات الثلاث الذی هو أنموذج ممّا تضمّنته سایر الرّوایات کیفیّه عیش رسول اللّه مع خواصّه فی دار الدّنیا و زهدهم فیها و ایثارهم الآخره على الاولى و أنّها قبضت عنه و عن أهل بیته (و زویت) أى صرفت و نحیت (عنه زخارفها) و زینتها (مع عظیم) تقرّبه و (زلفته فلینظر ناظر بعقله) أنه لو یکون فی الدّنیا و الاکثار منها خیر لم یفت هؤلاء الأکیاس الذین هم أقرب الخلق إلى اللّه و خاصّته و حججه على سایر الناس، بل تقرّبوا إلیه سبحانه بالبعد عنها، و تحبّبوا إلیه تعالى بالبغض لها.
و لیتفکّر بفکره سلیمه أنه (أکرم اللّه تعالى محمّدا صلّى اللّه علیه و آله) و سایر أنبیائه و أولیائه (بذلک) الضیق فی الدّنیا و الاعسار فیها (أم أهانه) و أهانهم.
(فان قال أهانه) و إیّاهم (فقد کذب و العظیم) ضروره أنّ أحقر ملک من ملوک الدّنیا لا یقصد بأحد من خاصّته إذا کان مطیعا له منقادا لأمره مخلصا فی طاعته الاهانه فکیف یصدر ذلک عن ملک السلوک و سلطان السلاطین حکیم الحکماء و رحیم الرحماء فی حقّ أخصّ خواصّه و أقربهم إلیه و أشدّهم زلفه عنده و اکثرهم طاعه له.
(و إن قال أکرمه) و أکرمهم کما هو الحقّ و الصدق (فلیعلم أنّ اللّه) قد (أهان غیره) و غیرهم إذ الشیء إن کان عدمه إکراما و کمالا کان وجوده نقصا و إهانه ف (حیث بسط الدّنیا) له أى لذلک الغیر (و زویها عن أقرب الناس منه) کان فی بسطها له إهانه لا محاله.
(فتأسّی متأسّ بنبیّه و اقتصّ أثره و ولح مولجه) الفاء فصیحه و الجملات الثلاث إخبار فی معنى الانشاء أى إذا عرف زهد النّبیّ فی الدّنیا و علم أنّها دار هوان فلیتأسّ المتأسّی به صلّى اللّه علیه و آله، و لیتبّع أثره و لیدخل مدخله و یحذو حذوه و لیرغب عنها.
(و إلّا فلا یأمن الهلکه) لأنّ حبّ الدّنیا و التّنافس فیها رأس کلّ خطیئه جاذبه من درجات النّعیم إلى درکات الجحیم.
و أوضح هذه العلّه بقوله (فانّ اللّه سبحانه جعل محمّدا صلّى اللّه علیه و آله علما للسّاعه و مبشّرا بالجنّه و منذرا بالعقوبه) أى مطلعا بأحوال الآخره جمیعها، فحیث آثر الآخره على الاولى و ترک الرّکون إلیها مع اطلاعه علیهما علم أن لیس ذلک إلّا لکون الدّنیا مظنّه الهلاک، و العقبى محلّه النّجاه و الحیاه، فالرّاکن إلیها متعرّض للهلاک الدائم و الخزی الأبد لا محاله.
و یظهر لک عدم رکونه صلّى اللّه علیه و آله إلیها بأنّه (خرج من الدّنیا خمیصا) أى جائعا إمّا حقیقه أو کنایه عن عدم الاستمتاع بها (و ورد الآخره سلیما) من التبعات و المکاره (لم یضع حجرا على حجر) کنایه عن عدم بنائه فیها (حتّى مضى لسبیله و أجاب داعى ربّه).
قال الحسن: مات رسول اللّه و لم یضع لبنه على لبنه و لا قصبه على قصبه، رواه فی إحیاء العلوم.
و فیه أیضا قال النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله: إذا أراد اللّه بعبد شرّا أهلک ماله فی الماء و الطّین.
و قال عبد اللّه بن عمر: مرّ علینا رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و نحن نعالج خصّا، فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: ما هذا قلنا: خصّ لنا قد وهى، فقال: أرى الأمر أعجل من ذلک.
و قال الغزالی: و قال النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله من بنى فوق ما یکفیه کلّف أن یحمله یوم القیامه، هذا.
و لمّا فرغ من التزهید فی الدّنیا و التّرغیب فی الآخره بالتّنبیه على هوانها و حقارتها بما لا مزید علیه، و بشرح حال أولیاء الدّین من خاتم النّبیّین و سایر الأنبیاء و المرسلین سلام اللّه علیهم أجمعین فی رفضهم لها و ترکهم ایّاها، أردف ذلک بالاشاره إلى زهده و إظهار غایه الامتنان من اللّه سبحانه فی إنعامه عزّ و جلّ علیه علیه السّلام بالتّأسّی بنبیّه فقال: (فما أعظم نعمه اللّه عندنا حین أنعم علینا به) أى برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله (سلفا نتّبعه و قائدا نطا عقبه) و نقفو أثره و نسلک سبیله فی زهده.
و أوضح اتّباعه و تأسّیه به صلّى اللّه علیه و آله بالاشاره إلى بعض مراتب زهده فانّه أنموذج من سایر المراتب، و فیه عبره لمن اعتبر، و کفایه لمن تذکّر، فقال: (و اللّه لقد رقعت مدرعتى هذه) و هو ثوب من صوف یتدرّع به (حتّى استحییت من راقعها) لکثره رقاعها (و لقد قال لی قائل) لمّا رأى أنّها خلق و سمل (ألا تنبذها) و تطرحها (عنک فقلت) له (اعزب) أى غب و تباعد (عنّی فعند الصّباح یحمد القوم السّرى) و هو مثل یضرب لمن احتمل المشقّه عاجلا لینال الرّاحه آجلا.
و أصله أنّ المسافر إذا احتمل المشقّه و حرّم على نفسه لذه الرّقاد و بادر إلى السّرى من أوّل اللّیل و جدّ فی سیره فانّه یبلغ عند الصّباح منزله و یصل إلیه سالما غانما و ینزل أحسن المنازل و أشرفها مقدّما على غیره، و یستریح من تعب اللّیل و یکون محمودا، بخلاف من أخذه نوم الغفله و آثر اللّذه العاجله على الآجله، فانّه إذا سرى فی آخر اللّیل و فی اخریات النّاس فانّه ربما یغیله اللّصوص فلا یسلم أو یضلّ عن الطّریق فیعطب، و مع سلامته یکون مسیره فی حرّ النّهار على و صب و تعب، فیصل إلى المنزل بعد ما سبق غیره إلى أحسنه و أشرفه، فلا یجد له منزلا و مقیلا إلّا أردء المنازل و أدونها، فعند ذلک یلوم نفسه بتفریطه، و یذمّه غیره و یندمعلى ما فرّط و لا ینفعه النّدم.
و بهذا التّقریر انقدح لک وجه المطابقه بین المثال و الممثّل.
بیانه أنّ ذلک النشأه المشوبه بالکدورات و العلایق الظّلمانیه البدنیّه بمنزله اللّیل، و النّشأه الاخرویّه المطابقه لتلک النشأه الّتی هى دار التجرّد الصّافیه عن الکدورات و العلاقات بمنزله الصّباح الواقع عقیب اللّیل، و الوطن الأصلی للانسان هى الدّار الآخره، و هو فی الدّنیا بمنزله المسافر، فمن ترک الدّنیا وجدّ فی السّیر إلى الآخره بالمواظبه على الطّاعات و الرّیاضات الشّاقّه الموصله له إلیها وصل إلى مقصده، و نزل فی غرفات الجنان، و فیهنّ خیرات حسان فعند ذلک یکون محمودا مسرورا عند نفسه و عند الخالق و الخلایق لما صبر على مشاقّ الدّنیا و مقاساه الشّدائد.
و من أخذه نوم الغفله فیها و اغترّ باللّذات الحاضره و الشهوات العاجله، و رد الآخره و لیس له مقام إلّا سجّین، و لا شراب و طعام إلّا من حمیم و غسلین، فعند ذلک یلومه نفسه و غیره و یندم على تقصیره، و یقعد ملوما محسورا و یدعو ثبورا
تذییلان الاول
قد مضى فی مقدّمات شرح الخطبه الشقشقیّه و فی غیرها بعض الکلام فی زهد أمیر المؤمنین علیه السّلام، و أقول هنا مضافا إلى ما سبق: روى فی عدّه الدّاعی عن خبیر بن حبیب قال: نزل بعمر بن خطّاب نازله قام لها و قعد، و تربخ لها و تقطر«» ثمّ قال: یا معشر المهاجرین ما عندکم فیها قالوا: یا أمیر المؤمنین أنت المفزع و المنزل، فغضب و قال: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِیداً، أما و اللّه إنّا و إیّاکم لنعرف ابن بجدتها«» و الخبیربها، قالوا: کأنّک أردت ابن أبی طالب قال: و أنّی یعدل بی عنه و هل طفحت جرّه بمثله قالوا: فلو بعثت إلیه، قال: هیهات هیهات هناک شمخ من هاشم و لحمه من الرّسول و اثره من علم یؤتى لها و لا یأتی، امضوا إلیه فاقصفوا«» نحوه و أفضوا إلیه، و هو فی حایط له علیه تبّان یترکّل على مسحاته«» و هو یقول: «أَ یَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ یُتْرَکَ سُدىً، أَ لَمْ یَکُ نُطْفَهً مِنْ مَنِیٍّ یُمْنى، ثُمَّ کانَ عَلَقَهً فَخَلَقَ فَسَوَّى» و دموعه تهمى على خدّیه، فأجهش«» القوم لبکائه ثمّ سکن و سکنوا، و سأله عمر عن مسأله فأصدر إلیه جوابها فلوى عمر یدیه ثمّ قال: أما و اللّه لقد أرادک الحقّ و لکن أبى قومک، فقال علیه السّلام: یا أبا حفص خفّض علیک من هناک و من هنا إنّ یوم الفصل کان میقاتا، فانصرف و قد أظلم وجهه و کأنّما ینظر إلیه من لیل.
و فى شرح المعتزلی عن أحمد بن حنبل قال: لمّا ارسل عثمان إلى علیّ علیه السّلام وجدوه مؤتزرا بعباه محتجزا بعقال«» و هو یهنأ«» بعیرا له.
و فی کشف الغمه من مناقب الخوارزمی عن عبد اللّه بن أبی الهذیل قال: رأیت على علیّ علیه السّلام قمیصا زریّا إذا مدّه بلغ الظفر، و إذا أرسله کان مع نصف الذراع، و منه عن عدیّ بن ثابت قال: اتی علیّ بن أبی طالب علیه السّلام بفالوذج فأبى أن یأکل منه، و قال: شیء لم یأکل منه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لا أحبّ أن آکل منه.
و منه عن أبی مسطر قال: خرجت من المسجد فاذا رجل ینادی من خلفی: ارفع إزارک فانّه أتقى لثوبک و أبقى لک و خذ من رأسک إن کنت مسلما، فمشیت خلفه و هو مؤتزر بازار و مرتد برداء و معه الدّره کأنّه أعرابیّ بدویّ، فقلت من هذافقال لی رجل أراک غریبا بهذا البلد، قلت: أجل رجل من أهل البصره، قال: هذا علیّ أمیر المؤمنین علیه السّلام حتّى انتهى الى دار بنی أبی معیط و هو سوق الابل فقال: بیعوا و لا تحلفوا فانّ الیمین تنفق السّلعه و تمحق البرکه.
ثمّ أتى أصحاب التمر فاذا خادمه تبکى فقال: ما یبکیک قالت: باعنى هذا الرّجل تمرا بدرهم فردّوه موالىّ فأبى أن یقبله، فقال: خذ تمرک و أعطها درهمها فانّها خادم لیس لها أمر، فدفعه، فقلت أ تدرى من هذا قال: لا قلت: علیّ بن أبی طالب أمیر المؤمنین علیه السّلام فصبّ تمره و أعطاها درهمها و قال: احبّ أن ترضى عنّى، فقال: ما أرضانی عنک إذا وفیتهم حقوقهم.
ثمّ مرّ مجتازا بأصحاب التّمر فقال: یا أصحاب التمر أطعموا المساکین یربو کسبکم.
ثمّ مرّ مجتازا و معه المسلمون حتّى أتى أصحاب السّمک فقال: لا یباع فى سوقنا طاف.
ثمّ أتى دار فرات و هو سوق الکرابیس فقال: یا شیخ أحسن بیعی فی قمیصی بثلاثه دراهم، فلمّا عرفه لم یشتر منه شیئا، فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قمیصا بثلاثه دراهم و لبسه ما بین الرّسغین إلى الکعبین، و قال حین لبسه: الحمد للّه الّذی رزقنی من الرّیاش ما أتجمّل به فی النّاس و اوارى به عورتی.
فقیل له: یا أمیر المؤمنین هذا شیء ترویه عن نفسک أو شیء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال: بل شیء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یقوله عند الکسوه: فجاء أبو الغلام صاحب الثّوب فقیل یا فلان قد باع ابنک الیوم من أمیر المؤمنین علیه السّلام قمیصا بثلاثه دراهم قال: أفلا أخذت منه درهمین.
فأخذ أبوه درهما و جاء به إلى أمیر المؤمنین علیه السّلام و هو جالس على باب الرّحبه و معه المسلمون، فقال: امسک هذا الدّرهم یا أمیر المؤمنین، قال علیه السّلام: ما شأن هذا الدّرهم قال: کان ثمن قمیصک درهمین، فقال: باعنی رضاى و أخذ رضاه.
و منه قال ابن الأعرابی: إنّ علیّا علیه السّلام دخل السّوق و هو أمیر المؤمنین فاشترى قمیصا بثلاثه دراهم و نصف فلبسه فی السّوق فطال أصابعه، فقال علیه السّلام
للخیّاط: قصّه، قال: فقصّه و قال الخیّاط: أحوصه«» یا أمیر المؤمنین قال: لا و مشى و الدّره على کتفه و هو علیه السّلام یقول: شرعک ما بلغک المحلّ شرعک«» ما بلغک المحل.
و فی کشف الغمه أیضا قال هارون بن عنتره: قال حدّثنی أبی قال: دخلت على علیّ بن أبی طالب علیه السّلام بالخورنق و هو یرعد تحت سمل«» قطیفه، فقلت: یا أمیر المؤمنین إنّ اللّه تعالى قد جعل لک و لأهل بیتک فی هذا المال ما یعمّ و أنت تصنع بنفسک ما تصنع فقال: و اللّه ما أرزاکم من أموالکم شیئا و انّ هذه لقطیفتی الّتی خرجت بها من منزلی من المدینه ما عندی غیرها.
و فیه و خرج علیه السّلام یوما و علیه ازار مرقوع فعوتب علیه فقال: یخشع القلب بلبسه و یقتدى بی المؤمنین إذا رآه علیّ.
و اشترى علیه السّلام یوما ثوبین غلیظین فخیّر قنبرا فیهما، فأخذ واحدا و لبس هو الآخر، و رأى فی کمّه طولا عن أصابعه فقطعه.
و کان علیه السّلام قد ولیّ على عکبرا رجلا من ثقیف قال: قال لی علیّ علیه السّلام إذا صلّیت الظّهر غدا فعد إلیّ، فعدت إلیه فی الوقت المعیّن فلم أجد عنده حاجبا یحبسنی دونه فوجدته جالسا و عنده قدح و کوز ماء، فدعا بوعاء مشدود مختوم، فقلت: قد أمننى حتّى یخرج إلىّ جوهرا، فکسر الختم فاذا فیه سویق فأخرج منه فصبّه فی القدح و صبّ علیه ماء فشرب و سقانی فلم أصبر فقلت له: یا أمیر المؤمنین أتصنع هذا فی العراق و طعامه کما ترى فی کثرته فقال علیه السّلام: أما و اللّه ما أختم علیه بخلا به و لکنّى أبتاع قدر ما یکفینی فأخاف أن ینقص فیوضع فیه من غیره و أنا أکره أن أدخل بطنی إلّا طیّبا، فلذلک أحترز علیه کما ترى، فایّاک و تناول ما لا تعلم حلّه.
قال کاشف الغمّه بعد روایته لهذه الأخبار و غیرها ممّا ترکنا روایتها خوف الاطاله: و کم له صلّى اللّه علیه من الآثار و الأخبار و المناقب الّتی لا تستر أو یستروجه النّهار، و السّیره الّتی هى عنوان السّیر، و المفاخر الّتی یتعلّم منها من فخر، و المآثر الّتی تعجز من بقى کما أعجزت من غبر، فأعجب بهذه المکارم و الأفعال الّتی هی غرر فی جهات الأیّام، و الزّهاده الّتی فاق بها جمیع الأنام، و الورع الّذی حمله على ترک الحلال فضلا عن الحرام، و العباده الّتی أوصلته إلى مقام وقف دونه کلّ الأقوام.
و لمّا ألزم نفسه الشّریف تحمّل هذه المتاعب، و قادها إلى اتّباعه فانقادت انقیاد الجنائب، و ملکها حتّى صاحب منها أکرم عشیر و خیر مصاحب، و استشارها لیختبرها فلم تنه إلّا عن منکر و لا أمرت إلّا بواجب صار له ذلک طبعا و سجیّه، و انضمّ علیه ظاهرا و نیه، و اعمل فیه عزیمه بهمّه قویّه، و استوى فی السّعى لبلوغ غایاته علانیه و طویّه، فما تحرّک حرکه إلّا بفکر و فی تحصیل أجر، و فی تخلید ذکر لا لطلب فخر و إعلاء قدر، بل لامتثال أمر و طاعه فی سرّ و جهر، فلذلک شکر اللّه سعیه حین سعى، و عمّه بألطافه العمیمه و رعى، و أجاب دعائه لما دعى، و جعل اذنه السّمیعه الواعیه فسمع و وعى، فاسأل اللّه بکرمه أن یحشرنی و محبّیه و إیّاه معا.
قال کاشف الغمّه: أنشدنی بعض الأصحاب لبعض العلویّین.
عتبت على الدّنیا و قلت إلى متى
أکابد عسرا ضرّه لیس ینجلی
أکلّ شریف من على جدوده
حرام علیه الرّزق غیر محلّل
فقالت نعم یا ابن الحسین رمیتکم
بسهمى عنادا حین طلّقنی على
التذییل الثانی
لمّا کان هذا الفصل من خطبته علیه السّلام متضمّنا للتحریض على الجوع و الترغیب فیه تأسّیا بالنّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و سایر السّلف الصّالحین أحببت أن أعرّفک فواید الجوعو آفات الشّبع على ما یستفاد من الأخبار و یدلّ علیه الوجدان و التجربه فأقول: قال الغزالی فی إحیاء العلوم ما ملخّصه ببعض تصرّف و تغییر منّا: إنّ فی الجوع عشر فواید.
الفائده الاولى صفاء القلب و إیقاد القریحه و إنفاذ البصیره، فانّ الشّبع یورث البلاده و یعمى القلب و یکثر البخار فی الدّماغ شبه السّکر حتّى یحتوی على معادن الفکر، فیثقل القلب بسببه عن الجریان فی الأفکار و عن سرعه الادراک قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أحیوا قلوبکم بقلّه الضّحک و قلّه الشّبع، و طهّروها بالجوع تصفو و ترق.
و قال لقمان لابنه: یا بنىّ إذا امتلائت المعده نامت الفکره و خرست الحکمه و قعدت الأعضاء عن العباده.
الثانیه رقّه القلب و صفائه الّذی به یتهیّأ لادراک لذّه المناجاه و التّأثر بالذّکر، فکم من ذکر یجرى على اللّسان و لکنّ القلب لا یلتذّ به و لا یتأثّر حتّى کأنّ بینه و بینه حجابا من قسوه القلب، و إنّما یحصل التّلذّذ و التّأثّر بخلوّ المعده کما هو معلوم بالتّجربه.
الثالثه الانکسار و الذّل و زوال البطر و الأشر و الفرح الّذی هو مبدء الطغیان و الغفله عن اللّه کما قال تعالى «إِنَّ الْإِنْسانَ لَیَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى» فلا تنکسر النّفس و لا تذلّ بشیء کما تذلّ بالجوع، فعنده تسکن لربّها و تخشع و تذعن بعجزها و ذلّها لما ذاقت حیلتها بلقمه طعام و أظلمت الدّنیا علیها بشربه ماء، و ما لم یشاهد الانسان ذلّ نفسه و عجزه لا یرى عزّه مولاه و لا قهره.
و لذلک إنّ النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله لمّا جاءه جبرئیل و عرض علیه خزائن الدّنیا و أبی من قبولها قال لجبرئیل: دعنى أجوع یوما و أشبع یوما، فالیوم الّذی أجوع فیه أتضرّع إلى ربّی و أسأله، و الیوم الّذی أشبع فیه أشکر ربّی و أحمده، فقال له جبرئیل: وفّقت لکلّ خیر.
الرابعه التّذکّر بجوعه جوع الفقراء و المساکین و المحتاجین، لأنّ الانسان إنّما یقیس غیره على نفسه فیلاحظ حال الغیر بملاحظه حاله، فاذا شاهد فی نفسه ألم الجوع یعرف بذلک ما فی المحتاجین من الألم، فیوجب ذلک مواساتهم، و یدعو إلى الاطعام و الشّفقه و الرّحمه على خلق اللّه، و الشّبعان بمعزل عن ذلک و غفله منه.و لذلک قیل لیوسف علیه السّلام: لم تجوع و فی یدیک خزائن الأرض فقال: أخاف أن اشبع فانسى الجایع.
الخامسه التّذکّر به جوع یوم القیامه و عطشه، فانّ العبد لا ینبغی أن یغفل أهوال یوم القیامه و آلامها.
قال فی عدّه الدّاعی: قال النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أکثر النّاس شبعا أکثرهم جوعا یوم القیامه، لأنّ تذکّرها یهیج الخوف و الخشیه من اللّه و هو زمام النّفس الأمّاره العاطف لها عن الفحشاء و المنکر.
السادسه و هی أعظم الفواید کسره شهوات المعاصی کلّها و الاستیلاء على النّفس فانّ منشأ المعاصى الشّهوات و القوى، و مادّه القوى و الشّهوات هى الأطعمه البتّه، فتقلیلها یضعف کلّ شهوه و قوّه، و إنّما السّعاده کلّها فی أن یملک الرّجل نفسه و لا یملکه نفسه و کما أنّک لا تملک الدّابه الجموح إلّا بضعف الجوع و الهزال فاذا شبعت قویت و شردت و جمحت، فکذلک النّفس.
و لذلک قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: إنّ الشّیطان یجرى من ابن آدم مجرى الدّم فی العروق، فضیّقوا مجاریه بالجوع.
السابعه دفع النوم و دوام السّهر، فانّ من شبع شرب کثیرا، و من کثر شربه کثر نومه، و فی کثره النّوم ضیاع العمر و فوات التهجّد و العمر أنفس الجواهر و هو رأس مال الانسان به یتّجر و یتزوّد لآخرته، و فضیله التّهجّد غیر خفیّه.
الثامنه تیسیر المواظبه على العبادات، فانّ کثره الأکل مانعه منها، لأنّها محتاجه إلى زمان یشتغل فیه بالأکل و مضغ الطّعام و ازدراده فی الفم، و ربّما یحتاج إلى شراء الطّعام و طبخه و غسل الید و نحوها، و فی ذلک تفویت العمر و تضییع الوقت فلو صرف زمانه المصروف إلى ذلک فی الطّاعات و المناجاه لعظم أجره و کثر ربحه
التاسعه صحّه البدن و السّلامه من الأمراض، فانّ سببها کثره الأکل و حصول فضله الأخلاط فی المعده و العروق.
روى إنّ سقراط الحکیم کان قلیل الأکل فقیل له فی ذلک: فأجاب إنّ الأکل للحیاه و لیس الحیاه للأکل.
قال المحدّث الجزائری فی زهر الرّبیع: ورد فی الحدیث أنّ حکیما نصرانیّا دخل على الصّادق علیه السّلام فقال: أفی کتاب ربّکم أم فی سنّه نبیّکم شیء من الطّب فقال: أمّا فی کتاب ربّنا فقوله تعالى «کُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا» و أمّا فی سنّه نبیّنا: الاسراف فی الأکل رأس کلّ داء و الحمیه منه رأس کلّ دواء، فقام النّصرانی و قال: و اللّه ما ترک کتاب ربّکم و لا سنّه نبیّکم شیئا من الطبّ لجالینوس قال: روی عنه علیه السّلام أنه لو سئل أهل القبور عن السّبب و العلّه فی موتهم لقال أکثرهم التّخمه، فعلم من ذلک أنّ عمده السبب للمرض هو کثره الأکل و ممانعه المرض من العبادات و تشویشه للقلب و منعه من الذّکر و الفکر و تنغیصه للعیش معلوم.
العاشره خفّه المؤنه، فانّ من اعتاد قلّه الأکل کفاه القلیل من الطعام و الیسیر من المال، بخلاف من تعوّد البطنه، فانّ بطنه صار غریما له آخذا بخناقه فی کلّ یوم و لیله، فیلجاه إلى أن یمدّ عین الطمع إلى الناس، و یدخل المداخل فیکتسب إما من الحرام فیعصى، أو من الحلال فیحاسب.
هذا کله مضافا إلى ما فی قلّه الأکل من التمکّن من الایثار و التصدّق بفاضل قوته على الفقراء و المساکین، فیکون یوم القیامه فی ظلّ صدقته، و قد تقدّم فی شرح الخطبه المأه و التاسعه فی فضایل الصوم و الصدقه ما یوجب زیاده البصیره فی هذا المقام فلیتذکّر.
ثم انه بقى الکلام فی مقدار قلّه الأکل، و قد عیّنه النبیّ صلّى اللّه علیه و آله فیما رواه عنه فی عدّه الدّاعی قال: و یروى عنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنه قال: حسب ابن آدم لقیمات یقمن به صلبه، فان کان و لا بدّ فلیکن الثّلث للطعام و الثّلث للشراب و الثّلث للنّفس.
قال القرطبی لو سمع بقراط بهذه القسمه لتعجّب فی هذه الحکمه.
قیل: لا شکّ إنّ أثر الحکمه فی هذا الحدیث واضح و إنّما خصّ الثلاثه«» بالذّکر، لأنّها أسباب حیاه الحیوان، لأنّه لا یدخل البطن سواها.
و مراتب الأکل على ما قاله بعضهم سبع: الاولى ما به تقوم الحیاه الثانیه أن یزید حتّى أن یصوم و یصلّى عن قیام، و هذان واجبان الثالثه أن یزید حتّى یقوى على أداء النوافل الرابعه أن یزید حتّى یقدر على التکسّب للتّوسعه، و هذان مستحبّان الخامسه أن یملاء الثّلث و هذا جایز السادسه أن یزید على ذلک فیثقل البدن و یکثر النوم، و هذا مکروه السابعه أن یزید حتّى یتضرّر و هى البطنه المنهىّ عنها و هذا حرام، و یمکن إدخال الأولى إلى الثّانیه و الثالثه إلى الرّابعه.
الترجمه
فصل دویم از این خطبه متضمّن است ابطال دعوى بعض أهل زمان رجا بثواب خداوند را و خوف از عقاب آن مىفرماید: ادّعا مىکند بزعم فاسد خود که امیدوار است بخداى تعالى دروغ مى گوید بحقّ خداى بزرگ، چیست حال او که ظاهر نمى شود رجا و امیدوارى در عمل او و هر که امید داشته باشد شناخته مى شود امیدواری در عمل و کردار او مگر امید بخداوند متعال که بدرستی آن مغشوش است و معیوب، و هر ترس محقّق است مگر ترس از حق تعالى پس بدرستى که آن معلولست و مریض، امید مىدارد آن شخص بخدا در چیز بزرگ و امید مىدارد به بندگان در چیز حقیر پس مىدهد به بنده چیزى را که نمىدهد بپروردگار، پس چیست شأن خداى عزّ و جل که تقصیر کرده مىشود بأو از آن چیزى که رفتار مىشود با آن بر بندگان او، آیا مىترسى که باشى در امیدوارى تو بأو دروغ گوى، یا باشى که نه بینى او را از براى امیدوارى محل قابل.
و همچنین است اگر او بترسد از بنده از بندگان خدا عطا مىکند بأو از جهه خوف خود چیزى را که عطا نمىکند بپروردگار خود، پس مىگرداند ترس خود را از بندگان نقد و ترس خود را از خالق خود وعده غیر امیدوار، و همین قرار است کسى که عظم و شأن داشته باشد دنیا در چشم او، و بزرگ باشد وقع دنیا از قلب او ترجیح مىدهد آن دنیا را بر خدا پس بالکلّیه رجوع نماید بآن دنیا و برگردد بنده از براى آن.
و بتحقیق که هست در رفتار و کردار حضرت رسالتمآب صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کفایت کننده مر تو را در تأسّى و پیروى نمودن بآن بزرگوار و راه نماینده از براى تو بر مذمت دنیاى فانى و کثرت مهالک و معایب آن، از جهه این که بسته شد از او اطراف آن، و مهیا شد از براى غیر او جوانب او، و باز گرفته شد از شیرخوارى دنیا، و دور کرده شد از زینتهاى آن.
و اگر بخواهى دو تا گردانى اعراض حضرت رسالتمآب را از دنیا با اعراض و زهد حضرت موسى کلیم اللّه وقتى که گفت بخداوند تعالى: بار پروردگارا بدرستى من محتاجم به آن چه که فرو مىفرستى بمن از طعام، قسم بخدا که سؤال نمىکرد از خداوند مگر نانى که بخورد آنرا، بجهه این که بود آن حضرت مىخورد سبزی زمین را، و بتحقیق که بود سبزى تره دیده مىشد از پوست درون شکم او بجهه لاغری او و کمى گوشت او.
و اگر مىخواهى سه تا گردانى آنرا با زهد حضرت داود علیه السّلام صاحب مزمارهاى زبور و قرائت کننده أهل بهشت، پس بتحقیق که بود عمل مىکرد ببافتهشدههاى برگ درخت خرما یعنى زنبیل مىبافت بدست خود مىگفت بهمنشینان خود کدام یک از شما کفایت مىکند مرا بفروختن این، و مىخورد نان جوى از قیمت آن.
و اگر بخواهى بگوئى در عیسى بن مریم علیه السّلام پس بتحقیق که بود بالش اخذ مىنمود سنگ را، و مىپوشید جامه درشت را، و بود نان خورش او گرسنگى و چراغ او در شب روشنائى ماه، و سایه بانهاى او در فصل زمستان مشرقهاى آفتاب و مغربهاى آن، و میوه او و ریحان او آنچه که مىرویانید آن را زمین از براى حیوانات و نبود او را زنى که مفتون نماید او را، و نه فرزندى که محزون کند او را، و نه مالى که برگرداند او را از حق، و نه طمعى که ذلیل بگرداند او را، مرکب او پایهاى او بود، و خدمتکار او دستهایش بود.
پس تأسّى کن به پیغمبر پاک پاکیزه خودت صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، پس بتحقیق که در اوست قابلیّت متبوعیّت از براى کسى که اقتدا و تبعیّت نماید، و لیاقت انتساب از براى کسى که نسبت خود را باو بدهد، و دوسترین بندگان بسوى خدا کسى است که تأسّى نماید به پیغمبر خود و متابعت کند أثر او را، خورد دنیا را خوردنى اندک بأطراف دندان و پر نکرد از آن دهان خود را، و نظر التفات بسوى او نگماشت، لاغرترین أهل دنیا بود از حیثیّت تهىگاه، و گرسنهترین ایشان بوده از حیثیّت شکم، عرض کرده شد بر او خزاین دنیا پس امتناع فرمود از قبول آن و دانست که خداى تعالى دشمن داشته چیزى را پس دشمن گرفت آن حضرت نیز آنرا، و حقیر گرفته چیزى را پس حقیر گرفت آن حضرت نیز آن را، و کوچک و بىمقدار شمرده چیزى را پس کوچک شمرد آن هم او را.
و اگر نشود در ما هیچ چیز مگر محبّت ما بچیزى که دشمن داشته خدا و رسول او، و تعظیم ما چیزى را که خوار و خرد شمرده خدا و رسول او هر آینه کفایت مىکند آن از حیثیّت مخالفت مر خدا را، و از حیثیّت معاداه و مجانبت از فرمان آن.
و بتحقیق که بود حضرت رسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم مىخورد طعام را بر روى زمین، و مىنشست مانند نشستن غلام، و مى دوخت با دست خود کفش خودش را، و پینه مىزد با دست خود رخت خود را، و سوار مىشد بر دراز گوش برهنه و ردیف میکرد در پس خود دیگرى را، و مىبود پرده بر در خانه آن حضرت پس مىشد در آن پرده نقش نگارها، پس مى فرمود بر یکى از زوجات خود: أى فلانه پنهان کن این را از نظر من، پس بدرستى که من زمانى که نظر مىکنم بسوى آن یاد مىکنم دنیا و زینتهاى آنرا.
پس اعراض فرمود از دنیا بقلب مبارک خود، و معدوم ساخت ذکر دنیا را از نفس نفیس خود، و دوست گرفت که غایب شود زینت آن از چشم جهان بین خود تا این که اخذ ننماید از دنیا لباس فاخرى، و اعتقاد نکند آنرا آرامگاهى، و امید نگیرد در آن اقامت را، پس بیرون نمود دنیا را از نفس نفیس، و کوچانید حبّ دنیا را از خواطر أنور، و غایب گردانید آن را از نظر آفتاب منظر، و همچنین است هر کس که دشمن مىگیرد چیزى را دشمن مىگیرد آنکه نگاه کند بسوى آن و آنکه ذکر بشود نام و نشان آن در نزد او.
و بتحقیق که هست در رسول خدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم چیزى که دلالت کند ترا بر بدیهاى دنیا و عیبهاى آن از جهت این که گرسنه ماند در دنیا با خواصّ خودش، و دور کرده شد از او زینتهاى آن با وجود بزرگى قرب و منزلت او.
پس باید که نظر کند نظر کننده بعقل خود که آیا گرامى داشته خداى تعالى محمّد مصطفى صلّى اللّه علیه و آله را به سبب این، یا خوار نموده آن را پس اگر گوید خوار فرموده او را پس بتحقیق که دروغ گفته قسم بخداى بزرگوار، و اگر گوید گرامى داشته او را پس باید که بداند آنکه خداى متعال بتحقیق که خوار کرده غیر او را از جهه این که بسط فرموده دنیا را از براى آن غیر، و صرف نموده دنیا را از أقرب خلق بسوى او.
پس باید که تأسّى نماید تأسّى کننده به پیغمبر برگزیده خود، و پیروى نماید أثر او را، و داخل شود بمحلّ دخول آن، و إلّا پس أیمن نشود از هلاکت.
پس بدرستى که خداى تعالى گردانید محمّد مصطفى صلّى اللّه علیه و آله را نشانه از براى قیامت، و بشارت دهنده به بهشت، و ترساننده با عقوبت، بیرون رفت آن حضرت از دنیا در حالتى که شکم تهى بود، و وارد شد بآخرت در حالتى که سالم بود از مکاره و معایب، ننهاد سنگ بالاى سنگى تا این که در گذشت براه خود و اجابت فرمود دعوت کننده پروردگار خود را.
پس چه قدر بزرگست منّت و نعمت خدا در نزد ما وقتى که انعام فرمود با آن حضرت بر ما پیش روى که متابعت کنیم او را، و پیشوائى که کام مىنهیم در پى او، قسم بخدا بتحقیق که پینه دوزاندم این درّاعه خود را تا بمرتبه که خجالت کشیدم از پینه دوزنده آن، و بتحقیق که گفت مرا گوینده: آیا نمىاندازى آن را از خودت پس گفتم که دور شو از من که در نزد صبح ستایش کرده مى شوند مردمان شب رونده.
منهاج البراعه فی شرح نهج البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»
بازدیدها: ۵۱۴