نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۵۹ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۶۰ صبحی صالح

۱۶۰- و من خطبه له ( علیه ‏السلام  )

عظمه اللّه‏

أَمْرُهُ قَضَاءٌ وَ حِکْمَهٌ

وَ رِضَاهُ أَمَانٌ وَ رَحْمَهُ

یَقْضِی بِعِلْمٍ

وَ یَعْفُو بِحِلْمٍ

حمد اللّه‏

اللَّهُمَّ لَکَ الْحَمْدُ عَلَى مَا تَأْخُذُ وَ تُعْطِی

وَ عَلَى مَا تُعَافِی وَ تَبْتَلِی

حَمْداًیَکُونُ أَرْضَى الْحَمْدِ لَکَ

وَ أَحَبَّ الْحَمْدِ إِلَیْکَ

وَ أَفْضَلَ الْحَمْدِ عِنْدَکَ

حَمْداً یَمْلَأُ مَا خَلَقْتَ

وَ یَبْلُغُ مَا أَرَدْتَ

حَمْداً لَا یُحْجَبُ عَنْکَ وَ لَا یُقْصَرُ دُونَکَ

حَمْداً لَا یَنْقَطِعُ عَدَدُهُ وَ لَا یَفْنَى مَدَدُهُ

فَلَسْنَا نَعْلَمُ کُنْهَ عَظَمَتِکَ

إِلَّا أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّکَ حَیٌّ قَیُّومُ لَا تَأْخُذُکَ سِنَهٌ وَ لَا نَوْمٌ

لَمْ یَنْتَهِ إِلَیْکَ نَظَرٌ

وَ لَمْ یُدْرِکْکَ بَصَرٌ

أَدْرَکْتَ الْأَبْصَارَ وَ أَحْصَیْتَ الْأَعْمَالَ

وَ أَخَذْتَ بِالنَّوَاصِی وَ الْأَقْدَامِ‏

وَ مَا الَّذِی نَرَى مِنْ خَلْقِکَ وَ نَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِکَ

وَ نَصِفُهُ مِنْ عَظِیمِ سُلْطَانِکَ

وَ مَا تَغَیَّبَ عَنَّا مِنْهُ وَ قَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ

وَ انْتَهَتْ عُقُولُنَا دُونَهُ

وَ حَالَتْ سُتُورُ الْغُیُوبِ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُ أَعْظَمُ

فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ وَ أَعْمَلَ فِکْرَهُ لِیَعْلَمَ کَیْفَ أَقَمْتَ عَرْشَکَ

وَ کَیْفَ ذَرَأْتَ خَلْقَکَ

وَ کَیْفَ عَلَّقْتَ فِی الْهَوَاءِ سَمَاوَاتِکَ

وَ کَیْفَ مَدَدْتَ عَلَى مَوْرِ الْمَاءِ أَرْضَکَ

رَجَعَ طَرْفُهُ حَسِیراً

وَ عَقْلُهُ مَبْهُوراً

وَ سَمْعُهُ وَالِهاً

وَ فِکْرُهُ حَائِراً

کیف یکون الرجاء

منهایَدَّعِی بِزَعْمِهِ أَنَّهُ یَرْجُو اللَّهَ کَذَبَ وَ الْعَظِیمِ

مَا بَالُهُ لَا یَتَبَیَّنُ رَجَاؤُهُ فِی عَمَلِهِ

فَکُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِی عَمَلِهِ

وَ کُلُ‏ رَجَاءٍ إِلَّا رَجَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ

وَ کُلُّ خَوْفٍ مُحَقَّقٌ إِلَّا خَوْفَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ

یَرْجُو اللَّهَ فِی الْکَبِیرِ وَ یَرْجُو الْعِبَادَ فِی الصَّغِیرِ

فَیُعْطِی الْعَبْدَ مَا لَا یُعْطِی الرَّبَّ

فَمَا بَالُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ یُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا یُصْنَعُ بِهِ لِعِبَادِهِ

أَ تَخَافُ أَنْ تَکُونَ فِی رَجَائِکَ لَهُ کَاذِباً

أَوْ تَکُونَ لَا تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً

وَ کَذَلِکَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِیدِهِ أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لَا یُعْطِی رَبَّهُ

فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً

وَ خَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِمَاراً وَ وَعْداً

وَ کَذَلِکَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْیَا فِی عَیْنِهِ

وَ کَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ

آثَرَهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى

فَانْقَطَعَ إِلَیْهَا وَ صَارَ عَبْداً لَهَا

رسول اللّه‏

وَ لَقَدْ کَانَ فِی رَسُولِ اللَّهِ ( صلى‏ الله ‏علیه ‏وآله  )کَافٍ لَکَ فِی الْأُسْوَهِ

وَ دَلِیلٌ لَکَ عَلَى ذَمِّ الدُّنْیَا وَ عَیْبِهَا

وَ کَثْرَهِ مَخَازِیهَا وَ مَسَاوِیهَا

إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا

وَ وُطِّئَتْ لِغَیْرِهِ أَکْنَافُهَا

وَ فُطِمَ عَنْ رَضَاعِهَا

وَ زُوِیَ عَنْ زَخَارِفِهَا

موسى‏

وَ إِنْ شِئْتَ ثَنَّیْتُ بِمُوسَى کَلِیمِ اللَّهِ ( صلى ‏الله ‏علیه ‏وسلم  )

حَیْثُ یَقُولُ رَبِّ إِنِّی لِما أَنْزَلْتَ إِلَیَّ مِنْ خَیْرٍ فَقِیرٌ

وَ اللَّهِ مَا سَأَلَهُ إِلَّا خُبْزاً یَأْکُلُهُ

لِأَنَّهُ کَانَ یَأْکُلُ بَقْلَهَ الْأَرْضِ

وَ لَقَدْ کَانَتْ خُضْرَهُ

الْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِیفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ

لِهُزَالِهِ وَ تَشَذُّبِ لَحْمِهِ

داود

وَ إِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ بِدَاوُدَ ( صلى ‏الله ‏علیه‏ وسلم  )صَاحِبِ الْمَزَامِیرِ وَ قَارِئِ أَهْلِ الْجَنَّهِ

فَلَقَدْ کَانَ یَعْمَلُ سَفَائِفَ الْخُوصِ بِیَدِهِ

وَ یَقُولُ لِجُلَسَائِهِ أَیُّکُمْ یَکْفِینِی بَیْعَهَا وَ یَأْکُلُ قُرْصَ الشَّعِیرِ مِنْ ثَمَنِهَا

عیسى‏

وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِی عِیسَى ابْنِ مَرْیَمَ ( علیه ‏السلام  )

فَلَقَدْ کَانَ یَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ

وَ یَلْبَسُ الْخَشِنَ وَ یَأْکُلُ الْجَشِبَ

وَ کَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ

وَ سِرَاجُهُ بِاللَّیْلِ الْقَمَرَ

وَ ظِلَالُهُ فِی الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا

وَ فَاکِهَتُهُ وَ رَیْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ

وَ لَمْ تَکُنْ لَهُ زَوْجَهٌ تَفْتِنُهُ وَ لَا وَلَدٌ یَحْزُنُهُ وَ لَا مَالٌ یَلْفِتُهُ

وَ لَا طَمَعٌ یُذِلُّهُ

دَابَّتُهُ رِجْلَاهُ وَ خَادِمُهُ یَدَاهُ

الرسول الأعظم

فَتَأَسَّ بِنَبِیِّکَ الْأَطْیَبِ الْأَطْهَرِ ( صلى ‏الله ‏علیه‏ وآله  )

فَإِنَّ فِیهِ أُسْوَهً لِمَنْ تَأَسَّى

وَ عَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى

وَ أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ الْمُتَأَسِّی‏

بِنَبِیِّهِ وَ الْمُقْتَصُّ لِأَثَرِهِ

قَضَمَ الدُّنْیَا قَضْماً

وَ لَمْ یُعِرْهَا طَرْفاً

أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْیَا کَشْحاً

وَ أَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْیَا بَطْناً

عُرِضَتْ عَلَیْهِ الدُّنْیَا

فَأَبَى أَنْ یَقْبَلَهَا وَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَیْئاً فَأَبْغَضَهُ وَ حَقَّرَ شَیْئاً فَحَقَّرَهُ وَ صَغَّرَ شَیْئاً فَصَغَّرَهُ

وَ لَوْ لَمْ یَکُنْ فِینَا إِلَّا حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ تَعْظِیمُنَا مَا صَغَّرَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ

لَکَفَى بِهِ شِقَاقاً لِلَّهِ وَ مُحَادَّهً عَنْ أَمْرِ اللَّهِ

وَ لَقَدْ کَانَ ( صلى‏ الله‏ علیه‏ وآله‏ وسلم  )یَأْکُلُ عَلَى الْأَرْضِ

وَ یَجْلِسُ جِلْسَهَ الْعَبْدِ

وَ یَخْصِفُ بِیَدِهِ نَعْلَهُ

وَ یَرْقَعُ بِیَدِهِ ثَوْبَهُ

وَ یَرْکَبُ الْحِمَارَ الْعَارِیَ

وَ یُرْدِفُ خَلْفَهُ

وَ یَکُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَیْتِهِ فَتَکُونُ فِیهِ التَّصَاوِیرُ فَیَقُولُ یَا فُلَانَهُ لِإِحْدَى أَزْوَاجِهِ غَیِّبِیهِ عَنِّی فَإِنِّی إِذَا نَظَرْتُ إِلَیْهِ ذَکَرْتُ الدُّنْیَا وَ زَخَارِفَهَا

فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْیَا بِقَلْبِهِ

وَ أَمَاتَ ذِکْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ

وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِیبَ زِینَتُهَا عَنْ عَیْنِهِ

لِکَیْلَا یَتَّخِذَ مِنْهَا رِیَاشاً وَ لَا یَعْتَقِدَهَا قَرَاراً

وَ لَا یَرْجُوَ فِیهَا مُقَاماً

فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ وَ أَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ وَ غَیَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ

وَ کَذَلِکَ مَنْ أَبْغَضَ شَیْئاً أَبْغَضَ أَنْ یَنْظُرَ إِلَیْهِ وَ أَنْ یُذْکَرَ عِنْدَهُ

وَ لَقَدْ کَانَ فِی رَسُولِ اللَّهِ ( صلى‏ الله ‏علیه‏ وآله  )مَا یَدُلُّکُ عَلَى مَسَاوِئِ الدُّنْیَا وَ عُیُوبِهَا

إِذْ جَاعَ فِیهَا مَعَ خَاصَّتِهِ وَ زُوِیَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِیمِ زُلْفَتِهِ

فَلْیَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ أَکْرَمَ‏

اللَّهُ مُحَمَّداً بِذَلِکَ أَمْ أَهَانَهُ

فَإِنْ قَالَ أَهَانَهُ فَقَدْ کَذَبَ

وَ اللَّهِ الْعَظِیمِ بِالْإِفْکِ الْعَظِیمِ

وَ إِنْ قَالَ أَکْرَمَهُ فَلْیَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهَانَ غَیْرَهُ حَیْثُ بَسَطَ الدُّنْیَا لَهُ وَ زَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ

فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِیِّهِ

وَ اقْتَصَّ أَثَرَهُ وَ وَلَجَ مَوْلِجَهُ

وَ إِلَّا فَلَا یَأْمَنِ الْهَلَکَهَ

فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ مُحَمَّداً ( صلى ‏الله ‏علیه ‏وآله  )عَلَماً لِلسَّاعَهِ

وَ مُبَشِّراً بِالْجَنَّهِ وَ مُنْذِراً بِالْعُقُوبَهِ

خَرَجَ مِنَ الدُّنْیَا خَمِیصاً وَ وَرَدَ الْآخِرَهَ سَلِیماً

لَمْ یَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ حَتَّى مَضَى لِسَبِیلِهِ

وَ أَجَابَ دَاعِیَ رَبِّهِ

فَمَا أَعْظَمَ مِنَّهَ اللَّهِ عِنْدَنَا حِینَ أَنْعَمَ عَلَیْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ وَ قَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ

وَ اللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِی هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْیَیْتُ مِنْ رَاقِعِهَا

وَ لَقَدْ قَالَ لِی قَائِلٌ أَ لَا تَنْبِذُهَا عَنْکَ

فَقُلْتُ اغْرُبْ عَنِّی

فَعِنْدَ الصَّبَاحِ یَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۹  

و من خطبه له علیه السّلام

و هى المأه و التاسعه و الخمسون من المختار فى باب الخطب و شرحها فی فصلین:

الفصل الاول

أمره قضاء و حکمه، و رضاه أمان و رحمه، یقضی بعلم، و یعفو بحلم، الّلهُمّ لک الحمد على ما تأخذ و تعطی، و على ما تعافی و تبتلی، حمدا یکون أرضى الحمد لک، و أحبّ الحمد إلیک، و أفضل الحمد عندک، حمدا یملاء ما خلقت، و یبلغ ما أردت، حمدا لا یحجب عنک، و لا یقصر دونک، حمدا لا ینقطع عدده، و لا یفنى مدده، فلسنا نعلم کنه عظمتک إلّا أنّا نعلم أنّک حىّ قیّوم، لا تأخذک سنه و لا نوم، لم ینته إلیک نظر، و لم یدرکک بصر، أدرکت الأبصار، و أحصیت الأعمال، و أخذت بالنّواصی و الأقدام، و ما الّذی نری‏من خلقک، و نعجب له من قدرتک، و نصفه من عظیم سلطانک، و ما تغیّب عنّا منه، و قصرت أبصارنا عنه، و انتهت عقولنا دونه، و حالت سواتر الغیوب بیننا و بینه أعظم، فمن فرغ قلبه، و أعمل فکره، لیعلم کیف أقمت عرشک، و کیف ذرأت خلقک، و کیف علّقت فی الهواء سمواتک، و کیف مددت على مور الماء أرضک رجع طرفه حسیرا، و عقله مبهورا، و سمعه والها، و فکره حائرا.

اللغه

قال الفیومى (عافاه) اللّه محى عنه الأسقام و العافیه اسم منه و هى مصدر جاءت على فاعله، و مثله ناشئه اللّیل بمعنى نشوء اللّیل و الخاتمه بمعنى الختم، و العاقبه بمعنى العقب، و لیس لوقعتها کاذبه و (حسر) البصر حسورا من باب قعد کلّ لطول مدى و نحوه فهو حسیر و (بهره) بهرا من باب نفع غلبه و منه قیل للقمر الباهر لظهوره على سایر الکواکب و (اله) تحیّر.

الاعراب

جمله لا تأخذه فی محلّ النّصب على الحال، و ما فی قوله علیه السّلام: و ما الّذی نرى للاستفهام على وجه الاستحقار، و الواو فی قوله علیه السّلام: و ما تغیّب، حالیّه و ما موصول اسمىّ بمعنى الّذی مرفوع المحلّ على الابتداء و خبره أعظم.

المعنى

اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبه متضمّن لتعظیم اللّه سبحانه و تبجیله بجملهمن نعوت کماله و أوصاف جماله قال علیه السّلام (أمره قضاء و حکمه) یجوز أن یراد بأمره الأمر التّکوینی أعنی الاختراع و الاحداث، فیکون القضاء بمعنى الانفاذ و الامضاء، و حمله علیه حینئذ من باب المبالغه أو المصدر بمعنى الفاعل أو المفعول، یعنی أنّ أمره سبحانه نافذ و ممضى لا رادّ له و لا دافع کما قال عزّ من قائل إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ.
اى إذ أراد أن یکوّنه فیکون.

قال الزّمخشری: فان قلت: ما حقیقه قوله: أن یقول له کن فیکون قلت: هو مجاز من الکلام و تمثیل لأنّه لا یمتنع علیه شی‏ء من المکوّنات و أنّه بمنزله من المأمور المطیع إذا ورد علیه أمر الآمر المطاع، و المراد بالحکمه حینئذ العدل و النّظام الأکمل، فمحصّل المعنى أنّ أمره تعالى نافذ فی جمیع الموجودات و المکوّنات، متضمّن للعدل، و مشتمل على النظام الأکمل.

و یجوز أن یراد به الأمر التّکلیفی فیکون القضاء بمعنى الحتم و الالزام یعنى أنّ أمره سبحانه حتم و إلزام مشتمل على الحکمه و المصلحه فی المأمور به کما هو مذهب العدلیّه من کون الأوامر و النّواهی تابعه للمصالح و المفاسد الکامنه الواقعیّه، و قد تکون المصلحه فی نفس الأمر دون المأمور به کما فی الأوامر الابتلائیّه.
و یجوز أن یکون المراد به الشّأن فیکون القضاء بمعنى الحکم، یعنی أنّ شأنه تعالى حکم و حکمه لأنّه القادر القاهر العالم العادل، فبمقتضى قدرته و سلطانه حاکم، و بمقتضى علمه و عدله حکیم.

و کون الأمر بمعنى الشّأن قد صرّح به غیر واحد منهم الزّمخشری فی تفسیر الآیه السّابقه قال: إنّما أمره إنّما شأنه إذا أراد شیئا إذا دعاه داعى حکمه إلى تکوینه و لا صارف أن یقول له کن أن یکوّنه من غیر توقّف، فیکون فیحدث أى فهو کائن موجود لا محاله.

(و رضاه أمان و رحمه) أى أمان من النّار و رحمه للأبرار إذ رضوانه سبحانه مبدء کلّ منحه و نعمه، و منشاء کلّ لذّه و بهجه کما قال تعالى: وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَکْبَرُ.
(یقضى بعلم) أى یحکم بما یحکم به لعلمه بحسن ذلک القضاء و اقتضاء الحکمه و العدل له و هو کالتفسیر لقوله: أمره قضاء و حکمه، کما أنّ قوله (و یعفو بحلم) بمنزله التّفسیر لقوله: و رضاه أمان و رحمه، لأنّ العفو یعود إلى الرّضا بالطّاعه بعد تقدّم الذّنب، و إنّما یتحقّق العفو مع القدره على العقاب إذ العجز عن الانتقام لا یسمّى عفوا فلذلک قال: یعفو بحلم، یعنی أنّ عفوه لکونه حلیما لا یستنفره الغضب.

ثمّ أثنى علیه تعالى بالاعتراف بنعمه فقال (اللّهمّ لک الحمد على ما تأخذ و تعطى و على ما تعافی و تبتلى) أى على السّرّاء و الضّرّاء و الشّده و الرّخاء، و قد تقدّم تحقیق معنى الأخذ و الاعطاء، و وجه استحقاق اللّه سبحانه للحمد بهذین الوصفین فی شرح الخطبه المأه و الثّانیه و الثّلاثین، و وجه استحقاقه للحمد على البلاء و الابتلاء هناک أیضا مضافا إلى شرح الخطبه المأه و الثّالثه عشر.

و أقول هنا زیاده على ما تقدّم: إنّه قد ثبت فی علم الأصول أنّ اللّه عزّ و علا الغنیّ المطلق عمّا سواه و المتعالى عن الحاجه إلى ما عداه، بل غنی کلّ مخلوق بجوده، و قوام کلّ موجود بوجوده، فاذا جمیع ما یصدر عنه سبحانه فی حقّ العباد من الأخذ و الاعطاء و المعافاه و الابتلاء و الافتقار و الاغناء لیس الغرض منها جلب منفعه لذاته أو دفع مضرّه عن نفسه، بل الغرض منها کلّها مصالح کامنه للمکلّفین و منافع عائده إلیهم یعلمها سبحانه و لا نعلمها إلّا بعضا منها ممّا علّمنا اللّه سبحانه بالقوّه العاقله أو بتعلیم حججه، فکم من فقیر لا یصلحه إلّا الفقر و لو استغنى لطغى، و کم من غنیّ لا یصلحه إلّا الغنى و لو افتقر لکفر، و ربّ مریض لو کان معتدل المزاج لا نهمک فی الشّهوات و اقتحم فی الهلکات، و کأیّن من صحیح البنیه لو مرض‏لم یصبر علیه و أحبّ المنیّه، و هکذا جمیع ما یفعله سبحانه فی حقّ المکلّفین فهو فی الحقیقه نعمه منه تعالى علیهم ظاهره أو باطنه کما قال عزّ من قائل وَ أَسْبَغَ عَلَیْکُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَهً وَ باطِنَهً فاذا ثبت أنّ هذه کلّها إنعام منه سبحانه علیهم، و إحسان الیهم ظهر وجه استحقاقه للحمد و الثّناء علیها کلّها إذ الشّکر على النّعم فرض عقلا و نقلا هذا.

و یدلّ على ما ذکرنا من کون الابتلاء منه تعالى فی الحقیقه نعمه منه على العباد ما رواه فی الکافی عن سلیمان بن خالد عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إنّه لیکون للعبد منزله عند اللّه فما ینالها إلّا باحدى خصلتین: إمّا بذهاب فی ماله أو ببلیّه فی جسده.
و فیه عن یونس بن رباط قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: إنّ أهل الحقّ لم یزالوا منذ کانوا فی شدّه اما إنّ ذلک إلى مدّه قلیله و عافیه طویله.

و فیه عن عبید بن زراره قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول إنّ المؤمن من اللّه عزّ و جلّ لبأفضل مکان ثلاثا إنّه لیبتلیه بالبلاء ثمّ ینزع نفسه عضوا عضوا و هو یحمد اللّه على ذلک.
ثمّ أخذ فی تفخیم شأن حمده علیه و تعظیمه باعتبار کیفیّته فقال (حمدا یکون أرضی الحمد لک) أى أکمل رضاء منک به من غیره (و أحبّ الحمد إلیک و أفضل الحمد عندک) أى أشدّ محبّه منک إلیه و أرفع منزله عندک من سایر المحامد لاتّصافه بالفضل و الکمال و رجحانه على ما سواه.
ثمّ اتبعه بتفخیمه باعتبار کمیّته فقال (حمدا یملاء ما خلقت) من السّماء و العرش و الأرض (و یبلغ ما أردت) من حیث الکثره و الزّیاده.

ثمّ بتفخیمه باعتبار الخلوص فقال (حمدا لا یحجب عنک و لا یقصر) أى لا یحبس (دونک) لخلوصه من شوب العجب و الرّیا و سایر ما یمنعه عن الوصول إلى درجه القبول و الرّضا ثمّ باعتبار مادّته فقال (حمدا لا ینقطع عدده و لا یفنى مدده) هذا و تکرارلفظ الحمد إمّا لقصد التّعظیم کما فی قوله: وَ أَصْحابُ الْیَمِینِ ما أَصْحابُ الْیَمِینِ و فی قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَهِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراکَ ما لَیْلَهُ الْقَدْرِ.

أو للتّلذّذ بذکر المکرّر کما فی قول الشّاعر:

سقى اللّه نجدا و السّلام على نجد
و یا حبّذا نجد على الناى و البعد

نظرت إلى نجد و بغداد دونه‏
لعلّى أرى نجدا و هیهات من نجد

و فی قوله:

تاللّه یا ظبیات القاع قلن لنا
لیلاى منکنّ أم لیلى من البشر

أو للاهتمام بشأنه، ثمّ إنّه علیه السّلام لمّا بالغ فی حمده سبحانه و الثّناء علیه من حیث الکیف و الکمّ و الخلوص و العدد و المدد، و کان الحمد عباره عن الوصف بالجمیل على وجه التّعظیم و التّبجیل، و کان ذلک موهما لمعرفه عظمه المحمود له حقّ معرفتها، عقّب ذلک بالاعتراف بالعجز عن عرفان کنه عظمته، تنبیها على عدم إمکان القیام بوظایف الثّناء علیه و إن بولغ فیه منتهى المبالغه، تأسیّا بما صدر عن صدر النّبوّه من الاعتراف بالعجز حیث قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: لا احصى ثناء علیک أنت کما أثنیت على نفسک، و لهذا أتى بالفاء المفیده للتّعقیب و الاتّصال فقال (فلسنا نعلم کنه عظمتک) لقصور المشاعر الظّاهره و الباطنه من المتفکّره و المتخیّله و غیرهما و القوّه العقلانیه و إن کانت على غایه الکمال و بلغت إلى منتهى معارجها عن إدراک ذاته و اکتناه عظمته (إلّا أنّا نعلم) أى لکن نعرفک بصفات جمالک و جلالک فنعلم (أنّک حیّ قیّوم).

قال فی الکشّاف: الحىّ الباقی الّذی لا سبیل علیه للفناء و على اصطلاح المتکلّمین الّذی یصحّ أن یعلم و یقدر، و القیّوم الدّائم القیام بتدبیر الخلق و حفظه (لا تأخذک سنه) هى ما یتقدّم النّوم من الفتور یسمّى النّعاس (و لا نوم) بالطّریق الأولى و هو تأکید للنّوم المنفی ضمنا.

قال الزّمخشری: و هو تأکید للقیّوم لأنّ من جاز علیه ذلک استحال أن یکون قیّوما، و منه حدیث موسى علیه السّلام أنه سأل الملائکه و کان ذلک«» من قومه کطلب الرؤیه: أ ینام ربّنا فأوجى اللّه إلیهم أن یوقظوه ثلاثا و لا یترکوه ینام، ثمّ قال: خذ بیدک قارورتین مملوّتین فأخذهما و ألقى اللّه علیه النعاس فضرب إحداهما على الاخرى فانکسرتا، ثمّ أوحى إلیه قل لهؤلاء إنّى امسک السماوات و الأرض بقدرتی فلو أخذنی نوم أو نعاس لزالتا.
و کیف کان فالمقصود بقوله: لا تأخذک سنه و لا نوم تنزیهه تعالى عن صفات البشر و تقدیسه عن لوازم المزاج الحیوانی.

فان قلت: مقتضى المقام أن ینفى النوم أوّلا و السنه ثانیا إذ مقام التقدیس یناسبه نفى الأقوى ثمّ الأضعف کما تقول: زید لا یقدّم على الحرام بل لا یأتی بالمکروه، و فلان لا یفوت عنه الفرائض و لا النوافل، کما أنّ التمجید بالاثبات على عکس ذلک، فیقدّم فیه غیر الأبلغ على الأبلغ تقول: فلان عالم تحریر و جواد فیاض.
قلت: سلّمنا و لکنه قدّم سلب السنه تبعا لکلام اللّه سبحانه و ملاحظه للترتیب الطبیعی، فانّ السنه لما کانت عباره عن الفتور المتقدّم عن النوم فساق الکلام على طبق ما فی نفس الأمر.

(لم ینته إلیک نظر) عقلیّ أو بصری (و لم یدرکک بصر) قد تقدّم تحقیق عدم امکان إدراکه تعالى بالنظر و البصر أی بالمشاعر الباطنه و الظاهره فی شرح الفصل الثانی من الخطبه الاولى و شرح الخطبه التاسعه و الأربعین و الخطبه الرّابعه و السّتین و الفصل الثّانی من الخطبه التّسعین مستوفی و أقول هنا مضافا إلى ما سبق: إنّ قوله علیه السّلام: لم یدرکک بصر، إبطال لزعم المجوّزین للرّؤیه، فانّ الامه قد اختلفوا فی رؤیه اللّه تعالى على أقوال، فذهب الامامیّه و المعتزله إلى امتناعها مطلقا، و ذهبت المشبّهه و الکرامیّه إلى جوازهامنزّها عن المقابله و الجهه و المکان.

قال الاعرابی فی کتاب إکمال الاکمال ناقلا عن بعض علمائهم إنّ رؤیته تعالى جایزه فی الدّنیا عقلا، و اختلف فی وقوعها و فی أنّه هل رآه النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لیله الاسرى أم لا، فأنکرته عایشه و جماعه من الصّحابه و التّابعین و المتکلّمین، و أثبت ذلک ابن عباس، و قال: إنّ اللّه اختصّه بالرّؤیه و موسى بالکلام و إبراهیم بالخلّه، و أخذ به جماعه من السّلف، و الأشعریّ، و جماعه من أصحابه و ابن حنبل و کان الحسن یقسم لقد رآه، و قد توقّف فیه جماعه، هذا حال رؤیته فی الدّنیا.

و أمّا رؤیته فی الآخره فجایزه عقلا، و أجمع على وقوعها أهل السّنه و أحالها المعتزله و المرجئه و الخوارج، و الفرق بین الدّنیا و الآخره أنّ القوى و الادراکات ضعیفه فی الدّنیا حتّى إذا کانوا فی الآخره و خلقهم للبقاء قوى إدراکهم فأطاقوا رؤیته، انتهى کلامه على ما حکى عنه.

و قد عرفت فیما تقدّم أنّ استحاله ذلک مطلقا هو المعلوم من مذهب أهل البیت علیهم السّلام، و علیه إجماع الشّیعه باتّفاق المخالف و المؤالف، و قد دلّت علیه الأدلّه العقلیّه و النقلیّه من الآیات و الأخبار المستفیضه، و من جمله تلک الآیات قوله سبحانه: لا تُدْرِکُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ.

استدلّ بها النّافون للرّؤیه و قرّروها بوجهین: أحدهما أنّ إدراک البصر عباره شایعه عن الادراک بالبصر إسناد للفعل إلى الآله، و الادراک بالبصر هو الرّؤیه بمعنى اتّحاد المفهومین أو تلازمهما، و الجمع المعرّف باللّام عند عدم قرینه العهدیّه و البعضیّه تفید العموم و الاستغراق باجماع أهل العربیّه و الاصول و أئمّه التّفسیر، و بشهاده استعمال الفصحاء، و صحّه الاستثناء فاللّه سبحانه قد أخبر بأنه لا یراه أحد فی المستقبل، فلو رآه المؤمنون فی الجنّه لزم کذبه.

و اعترض علیه بأنّ اللّام فی الجمع لو کان للعموم و الاستغراق کان قوله: تدرکه الابصار موجبه کلیه، و قد دخل علیها النفى فرفعها هو رفع الایجاب الکلّی و رفع الایجاب الکلّى سلب جزئیّ، و لو لم یکن للعموم کان قوله: لا تدرکه الأبصار سالبه مهمله فی قوّه الجزئیه فکان المعنى لا تدرکه بعض الأبصار، و نحن نقول بموجبه حیث لا یراه الکافرون، و لو سلّم فلا نسلّم عمومه فی الأحوال و الأوقات، فیحمل على نفى الرّؤیه فی الدّنیا جمعا بین الأدلّه.

و الجواب أنه قد تقرّر فی موضعه أنّ الجمع المحلّى باللّام عام نفیا و اثباتا فی المنفیّ و المثبت کقوله تعالى: وَ مَا اللَّهُ یُرِیدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ وَ ما عَلَى الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ.
حتّى أنه لم یرد فی سیاق النفى فی شی‏ء من الکتاب الکریم إلّا بمعنى عموم النفى و لم یرد لنفى العموم أصلا، نعم قد اختلف فی النفى الدّاخل على لفظه کلّ لکنّه فی القرآن المجید أیضا بالمعنى الذی ذکرنا کقوله تعالى: وَ اللَّهُ لا یُحِبُّ کُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ.
إلى غیر ذلک، و قد اعترف بما ذکرنا فی شرح المقاصد و بالغ فیه.
و أمّا منع عموم الأحوال و الأوقات فلا یخفى فساده، فانّ النفى المطلق غیر المقیّد لا وجه لتخصیصه ببعض الأوقات إذ لا ترجیح لبعضها على بعض، و هو من الأدلّه على العموم عند علماء الاصول.

و أیضا صحّه الاستثناء دلیل علیه و هل یمنع أحد صحّه قولنا: ما کلّمت زیدا إلّا یوم الجمعه، و لا اکلّمه إلّا یوم العید و قال تعالى وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ، إلى قوله إِلَّا أَنْ یَأْتِینَ و قال لا تُخْرِجُوهُنَّ إلى قوله یا أَیُّهَا الَّذِینَ و أیضا کلّ نفى ورد فی القرآن بالنسبه إلى ذاته تعالى فهو للتأبید و عموم الأوقات لا سیّما ما قبل هذه الآیه.

و أیضا عدم إدراک الأبصار جمیعا لا یختصّ بشی‏ء من الموجودات خصوصا مع اعتبار شمول الأحوال و الأوقات، فلا یختصّ به تعالى فتعیّن أن یکون التمدّح بمعنى عدم إدراک شی‏ء من الأبصار له فی شی‏ء من الأوقات.
و ثانیهما أنّه تعالى تمدّح بکونه لا یرى به فانّه ذکره فی أثناء المدایح و ما کان من الصّفات عدمه مدحا کان وجوده نقصا، فیجب تنزیه اللّه تعالى بنفیه مطلقا.

ثمّ لمّا نفى عنه درک الأبصار له أثبت له درکه للأبصار فقال علیه السّلام (أدرکت الأبصار و أحصیت الأعمال) کما نطق به الکتاب العزیز قال عزّ من قائل: لا تُدْرِکُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ و قال أیضا یَوْمَ یَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِیعاً فَیُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَ نَسُوهُ وَ اللَّهُ عَلى‏ کُلِّ شَیْ‏ءٍ شَهِیدٌ.

أى أحاط به عددا لم یغب عنه شی‏ء و نسوه لکثرته أو تهاونهم به، و اللّه على کلّ شی‏ء شهید أى یعلم الأشیاء کلّها من جمیع وجوهها لا یخفى علیه شی‏ء منها، و قال أیضا تلو هذه الآیه: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ ما یَکُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَهٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَهٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى‏ مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ ما کانُوا ثُمَّ یُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا یَوْمَ الْقِیامَهِ إِنَّ اللَّهَ بِکُلِّ شَیْ‏ءٍ عَلِیمٌ.

ثمّ وصفه سبحانه بکمال الاقتدار فقال (و أخذت بالنّواصی و الأقدام) أى أحاطت قدرتک بنواصى العباد و أقدامهم، و أخذت بها على وجه القهر و الاذلال، و یجوز أن یکون المراد به خصوص أخذ المجرمین بنواصیهم و أقدامهم یوم القیامه کما قال تعالى: یُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِیماهُمْ فَیُؤْخَذُ بِالنَّواصِی وَ الْأَقْدامِ.

و نسبته علیه السّلام الأخذ إلى اللّه سبحانه مع کونه فعل الملائکه من باب الاسناد إلى السبب الآمر کما أسند اللّه التوفى الى نفسه فی قوله: اللَّهُ یَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها مع کونه فعل ملک الموت بدلیل قوله سبحانه فی سوره السجده: قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ.
قال الفخر الرّازی فی تفسیر الآیه الاولى: و فی کیفیّه الأخذ ظهور نکالهم لأنّ فی نفس الأخذ بالنّاصیه إذلالا و إهانه، و کذلک الأخذ بالقدم.

و فی الأخذ بها و جهان بل قولان لأهل التّفسیر.
أحدهما أن یجمع بین ناصیتهم و قدمهم من جانب ظهورهم فیربط بنواصیهم أقدامهم أو من جانب وجوههم فتکون رؤوسهم على رکبهم و نواصیهم فی أصابع أرجلهم مربوطه.

و الثانی أنّهم یسحبون سحبا، فبعضهم یؤخذ بناصیته، و بعضهم یجرّ برجله ثمّ استفهم على سبیل الاستحقار لما استفهم عنه فقال (و ما الّذی نرى من خلقک) أى من مخلوقاتک على کثرتها و اختلاف أجناسها و أنواعها و هیئاتها و مقادیرها و خواصّها و أشکالها و ألوانها إلى غیر هذه من أوصافها و حالاتها الّتی لا یضبطها عدّ و لا یحیط بها حدّ (و نعجب له من قدرتک) أى من مقدوراتک الغیر المتناهیه عددا و مددا و کیفا و کمّا (و نصفه من عظیم سلطانک) النّافذ فی الأنفس و الآفاق، و الماضی فی أطباق الأرض و أقطار السّماء (و) الحال أنّ (ما تغیّب عنّامنه) أى من مخلوقک و مقدورک و ملکک (و قصرت أبصارنا عنه) من محسوسات الموجودات (و انتهت عقولنا دونه) من معقولات المخلوقات (و حالت سواتر الغیوب بیننا و بینه) أى کانت سرادقات العزّه و أستار القدره عائله بیننا و بینه، و حاجبه لنا من الوصول إلیه من غیابات الغیوب و الغیب المحجوب.

(أعظم) و أفخم یعنی أنّه لو قیس کلّ ما شاهدناه بأبصارنا و أدرکناه بعقولنا و وصفناه بألسنتنا ممّا ذرأه اللّه سبحانه فی عالم الامکان إلى ما غاب عنّا من أسرار القدره و الجلال، و شئونات الکبریاء و الجمال لم یکن إلّا أقلّ قلیل کنسبه الجدول إلى النّهر، بل القطره إلى البحر (فمن فرغ قلبه) للنّظر فی عجائب الملک و الملکوت (و أعمل فکره لیعلم) مشاهد العزّ و السّلطان و القدره و الجبروت و أنّه (کیف أقمت عرشک) فی الجوّ على عظمه (و کیف ذرأت) أى خلقت (خلقک) على کثرته (و کیف علقت فی الهواء سماواتک) بغیر عمد (و کیف مددت على مور الماء) أى موجه و اضطرابه (أرضک) على ثقلها مع عدم رسوبها فیه (رجع طرفه حسیرا) کلیلا (و عقله مبهورا) مغلوبا (و سمعه والها) متحیّرا (و فکره حائرا) قاصرا عن الاهتداء إلیه و عن الوصول إلى معرفته.

و محصّله أنّه لو بالغ أحد فی إعمال فکره و بذل وسعه للوصول إلى معرفه بعض ما أبدعه اللّه سبحانه فی عالم الغیب و الشّهاده من بدایع القدره، و لطایف الحکمه، و عجایب الصّنعه لعجز و حار، و انقطع و استحار، فکیف لو رام معرفه کلّه و یشهد على ما ذکره علیه السّلام ما قدّمنا فی شرح الخطبه الأولى و فی شرح الخطبه التّسعین، فلیراجع ثمّه.

الترجمه

از جمله خطب شریفه آن حضرتست که فصل أوّل آن متضمّن أوصاف کمال حضرت ذوالجلالست مى‏ فرماید که: أمر خداى تعالى حکمیست لازم و موافق است با حکمت و خوشنودى آن امانست‏ از عقوبت و سبب مغفرتست و رحمت حکم مى‏ فرماید بعلم شامل خود، و عفو مى‏ فرماید با حلم کامل، پروردگارا مر تو راست حمد بر آنچه مى‏ گیری و مى ‏دهى، و بر آنچه که سلامت مى‏ دارى از بلیّات و مبتلا مى ‏نمائى بآفات، حمد مى ‏کنم تو را حمد کردنى که باشد خوشنودترین حمدها از براى تو، و دوست‏ترین حمدها بسوى تو و فاضل‏ترین حمدها نزد تو، چنان حمدى که پر سازد آنچه را خلق کرده، و برسد بمقامى که مراد تو است، حمدى که محجوب نباشد از درگاه تو، و ممنوع و محبوس نباشد نزد بارگاه تو، حمدى که منقطع نشود شماره و عدد آن، و فانی نشود مادّه و مدد آن پس نیستیم ما که بدانیم نهایت بزرگى جلال تو را غیر از این که مى ‏دانیم که تو زنده قائم بامور مخلوقان، أخذ نمى ‏کند تو را مقدّمه خواب که خواب خفیف است و نه خواب گران، منتهى نشد بسوى کمال تو نظر و فکرى، و درک ننمود جمال تو را هیچ بصرى، درک کردى تو بصرها را، و در شماره آوردى عملها را، و اخذ کردى به پیشانیها و قدمهاى مردمان.

و چه چیز است آنچه که مى‏ بینیم از خلق تو و تعجّب مى ‏کنیم از براى او از قدرت تو، و وصف مى ‏کنیم آن را از بزرگى پادشاهى تو و حال آنکه آنچه که غایب شده از ما از آن، و قاصر شده بصرهاى ما از درک آن و بنهایت رسیده عقلهاى ما نزد آن، و حایل شده پرده‏هاى غیبها میان ما و میان آن بزرگتر است.

پس هر که فارغ نماید قلب خودش را و إعمال کند فکر خود را تا بداند که چگونه بر پا داشته عرش خود را، و چه سان آفریده مخلوقات خود را، و چه قرار در آویخته در هوا آسمانهاى خود را، و چه نوع گسترانیده بر موج آب زمین خود را بر مى‏گردد بینائی او در مانده و آواره، و عقل او مغلوب، و قوّه سامعه او حیران، و قوّه متفکّره او متحیّر و سرگردان.

الفصل الثانی (منها)

یدّعی بزعمه أنّه یرجو اللّه، کذب و العظیم ما باله لا یتبیّن رجاؤه فی عمله، و کلّ من رجا عرف رجاؤه فی عمله إلّا رجاء اللّه فإنّه مدخول، و کلّ خوف محقّق إلّا خوف اللّه فإنّه معلول، یرجو اللّه فی الکبیر و یرجو العباد فی الصّغیر، فیعطى العبد ما لا یعطى الرّبّ، فما بال اللّه عزّ و جلّ یقصّر به عمّا یصنع به بعباده، أ تخاف أن تکون فی رجاءک له کاذبا، أو تکون لا تراه للرّجاء موضعا، و کذلک إن هو خاف عبدا من عبیده أعطاه من خوفه ما لا یعطى ربّه، فجعل خوفه من العباد نقدا، و خوفه من خالقه ضمارا و وعدا، و کذلک من عظمت الدّنیا فی عینه، و کبر موقعها فی قلبه، آثرها على اللّه فانقطع إلیها، و صار عبدا لها. و لقد کان فی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کاف لک فی الاسوه، و دلیل لک على ذمّ الدّنیا و عیبها، و کثره مخازیها و مساویها، إذ قبضت عنه أطرافها، و وطّئت لغیره أکنافها، و فطم من رضاعها و زوى عن زخارفها. و إن شئت ثنّیت بموسى کلیم اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إذ یقول «ربّ إنّی لما أنزلت إلیّ من خیر فقیر» و اللّه ما سئله إلّا خبزا یأکله، لأنّه کان‏ یأکل بقله الأرض، و لقد کانت خضره البقل ترى من شفیف صفاق بطنه لهزاله، و تشذّب لحمه. و إن شئت ثلّثت بداود صلّى اللّه علیه صاحب المزامیر، و قاری أهل الجنّه فلقد کان یعمل سفائف الخوص بیده، و یقول لجلسائه: أیّکم یکفینی بیعها، و یأکل قرص الشّعیر من ثمنها.

و إن شئت قلت فی عیسى بن مریم علیه السّلام قد کان یتوسّد الحجر، و یلبس الخشن، و کان إدامه الجوع، و سراجه باللّیل القمر، و ظلاله فی الشّتآء مشارق الأرض و مغاربها، و فاکهته و ریحانه ما تنبت الأرض للبهائم، و لم تکن له زوجه تفتنه، و لا ولد یحزنه، و لا مال یلفته، و لا طمع یذّله، دابّته رجلاه، و خادمه یداه. فتأسّ بنبیّک الأطیب الأطهر صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فإنّ فیه أسوه لمن تأسّى، و عزاء لمن تعزّى، و أحبّ العباد إلى اللّه المتأسّی بنبیّه، و المقتصّ لأثره، قضم الدّنیا قضما، و لم یعرها طرفا، أهضم أهل الدّنیا کشحا، و أخمصهم من الدّنیا بطنا، عرضت علیه الدّنیا فأبى أن یقبلها، و علم أن اللّه سبحانه أبغض شیئا فأبغضه، و حقّر شیئا فحقّره، و صغّر شیئا فصغّره، و لو لم یکن فینا إلّا حبّنا ما أبغض اللّه و رسوله، و تعظیمنا ماصغّر اللّه و رسوله، لکفى به شقاقا للّه، و محادّه عن أمر اللّه. و لقد کان صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یأکل على الأرض، و یجلس جلسه العبد، و یخصف بیده نعله، و یرقع بیده ثوبه، و یرکب الحمار العاری، و یردف خلفه، و یکون السّتر على باب بیته، فتکون فیه التّصاویر، فیقول: یا فلانه- لإحدى أزواجه- غیّبیه عنّی، فإنّی إذا نظرت إلیه ذکرت الدّنیا و زخارفها، فأعرض عن الدّنیا بقلبه، و أمات ذکرها عن نفسه، و أحبّ أن تغیب زینتها عن عینه، لکیلا یتّخذ منها ریاشا، و لا یعتقدها قرارا، و لا یرجو فیها مقاما، فأخرجها من النّفس، و أشخصها عن القلب، و غیّبها عن البصر، و کذلک من أبغض شیئا أبغض أن ینظر إلیه، و أن یذکر عنده.

و لقد کان فی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ما یدلّک على مساوى الدّنیا و عیوبها، إذ جاع فیها مع خاصّته، و زویت عنه زخارفها مع عظیم زلفته، فلینظر ناظر بعقله، أکرم اللّه تعالى محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بذلک أم أهانه فإن قال: أهانه، فقد کذب و العظیم، و إن قال: أکرمه، فلیعلم أنّ اللّه أهان غیره حیث بسط الدّنیا و زویها عن أقرب النّاس منه، فتأسّى متأسّ بنبیّه، و اقتصّ أثره، و ولج مولجه، و إلّا فلا یأمن‏ الهلکه، فإنّ اللّه جعل محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم علما للسّاعه، و مبشّرا بالجنّه، و منذرا بالعقوبه، خرج من الدّنیا خمیصا، و ورد الآخره سلیما، لم یضع حجرا على حجر حتّى مضى لسبیله، و أجاب داعى ربّه، فما أعظم منّه اللّه عندنا حین أنعم علینا به سلفا نتّبعه، و قائدا نطا عقبه، و اللّه لقد رقعت مدرعتی هذه حتّى استحییت من راقعها، و لقد قال لی قائل: ألا تنبذها عنک، فقلت: اعزب عنّی، فعند الصّباح یحمد القوم السّرى.

اللغه

(الزّعم) مثلّثه الزاء قد یطلق على الظنّ و الاعتقاد الفاسد و منه قوله تعالى زَعَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنْ لَنْ یُبْعَثُوا.
و قد یطلق على القول الباطل و الکذب، و ربّما یطلق على القول الحقّ و المراد هنا الأوّل و (مدخول) مفعول من الدّخل بالتسکین و هو المکر و الخدیعه و العیب و مثله الدّخل محرّکه قال تعالى: وَ لا تَتَّخِذُوا أَیْمانَکُمْ دَخَلًا بَیْنَکُمْ.
أی مکرا و خدیعه و (الضّمار) ما لا یرجى من الوعود هکذا قال الشّارح المعتزلی و قال الفیروزآبادی: الضّمار ککتاب من المال الّذی لا یرجى رجوعه، و من العذاب ما کان ذا تسویف و خلاف العیان، و من الدّین ما کان بلا أجل و (الاسوه) بالکسر و الضّم القدوه و (المخازی) جمع مخزاه و هى الأمر یستحى من ذکره لقبحه و (المساوى) العیوب و (الأکناف) الأطراف و (شفّ) الثّوب شفّا و شفیفا رقّ فحکى ما تحته.

و (الصّفاف) ککتاب الجلد الأسفل تحت الجلد الّذی علیه الشّعر و (الهزال) بضمّ الهاء نقیض السّمن و (المزامیر) جمع المزمار و هی الآله الّتی یزمر فیها من زمر یزمر و یزمر من باب نصر و ضرب زمرا و زمیرا غنّى فی القصب و نحوه و مزامیر داود ما کان یتغنّی به من الزّبور و ضروب الدّعاء و (السّفایف) جمع السّفیفه و هی النّسیجه من سففت الخوص و أسففته نسجته، و فی نسخه الشّارح المعتزلی بعد قوله: و یلبس الخشن: و یأکل الجشب، و هو کالجشیب الخشن الغلیظ البشع من کلّ شی‏ء و السّیى‏ء الماکل أو بلا ادم.

(و لا ولد یحزنه) مضارع حزن کنصر قال تعالى «انّی لیحزننی أن تذهبوا به» و یقرأ یحزن مضارع أحزنه الشّی‏ء و (لفته) عن کذا یلفته صرفه و لواه و (القضم) الأکل بأدنى الفم أى بأطراف الأسنان و یروى قصم بالصّاد المهمله من القصم و هو القصر و (الهضم) محرّکه انضمام الجنبین و خمص البطن و (الکشح) الخاصره (و حقر شیئا) یروى بالتّخفیف و التضعیف

الاعراب

الباء فی قوله: بزعمه، للسببیّه إن کان الزّعم بمعنى الظنّ و الاعتقاد، و إلّا فهى صله، و الواو فی قوله: کذب و العظیم، للقسم و إنّما قال: و العظیم و لم یقل: و اللّه العظیم، تأکیدا لعظمه الباری سبحانه، لأنّ الموصوف إذا لغى و ترک و اعتمد على الصّفه حتّى صارت کالاسم کانت أدلّ على تحقّق مفهوم الصّفه کالحارث و العبّاس هکذا قال الشّارح المعتزلی.

و قال البحرانی: و إنّما قال: و العظیم، دون اللّه لأنّ ذکر العظمه هنا أنسب للرّجاء، و الاضافه فی قوله: من خوفه، من اضافه المصدر إلى الفاعل أو المفعول، و اللّام فی قوله تعالى: لما أنزلت إلىّ من خیر فقیر، بمعنى إلى أو للتّعلیل أو ضمن فقیر معنى سائل فعدّى باللّام، و الواو فی قوله: و لقد کانت، للقسم و المقسم به محذوف لمعلومیّته، و سلفا، و قائدا، منصوبان على الحال من ضمیر به.

المعنى

اعلم أنّه علیه السّلام قد نبّه فی هذا الفصل من کلامه علیه السّلام على بطلان دعوى من یدّعى رجاء ثواب اللّه سبحانه و خوف عقابه و یزعم اتّصافه بهذین الوصفین اللّذین هما من أوصاف السّالکین و حالات الطّالبین و مقامات العارفین الرّاغبین، و عقبّه بالتّزهید عن الدّنیا بالأمر بالتّأسّی على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و جمله من السّلف الصّالحین من الأنبیاء و المرسلین حیث زهدوا فی الدّنیا، و آثروا الآخره على الاولى لما رأوا من معایبها و مساویها، و قد تقدّم فی التّنبیه الثّالث من تنبیهات الفصل السّادس من فصول الخطبه الثّانیه و الثّمانین تحقیق معنى الرّجاء و تفصیل الکلام فیه و لا حاجه إلى الاعاده، و إنّما نشیر هنا إلى محصّل ما أوردناه هناک تمهیدا و توضیحا للمتن.

فأقول: خلاصه ما قلناه فیما تقدّم: إنّ الرّجاء عباره عن ارتیاح النّفس لانتظار ما هو محبوب عندها، فهو حاله لها تصدر عن علم و تقتضى عملا، فمن کان یرجو لقاء ربه و یأمل ثوابه فلیعمل عملا صالحا و لا یشرک بعباده ربّه أحدا، کما نطق به الکتاب الکریم و القرآن الحکیم، فاللّازم على الرّاجی للثواب من الملک الوهّاب عزّ و علا أن یبذر المعارف الالهیّه فی قلبه، و یدوم على سقیه بماء الطّاعات و یجتهد فی تطهیر نفسه عن شوک الأخلاق الرّدیه المانعه من نماء العلم و زیاده الایمان، و ینتظر من فضل اللّه سبحانه أن یثبته على ذلک إلى زمان وصوله و حصاد عمله، فذلک الانتظار هو الرّجاء الحقیقی المحمود.

إذا عرفت ذلک فنقول: إنّ من النّاس من یتّبع هواه و یفرّط فی أمر مولاه و یغمر فی المعاصى و یدوم على المناهی و مع ذلک کلّه (یدّعى بزعمه) الفاسد و نظره الکاسد (أنّه یرجو اللّه) و یأمل لقائه فقد (کذب) فی دعواه و خاب فیما یتوقّعه و یتمنّاه (و) الرّبّ (العظیم) لما قد عرفت أنّ الرّجاء بدون إصلاح العمل حمق و جهاله، و من دون تزکیه النّفس سفه و ضلاله (ما باله) استفهام على سبیل التّوبیخ و التّقریع أى ما بال هذا الدّاعی للرّجاء (لا یتبیّن رجاؤه فی عمله) یعنی انّه لو کان‏ رجاؤه صدقا لظهر رجاؤه فی عمله، و ذلک لأنّا نرى أنّ کلّ من رجا شیئا من سلطان أو غیره فانّه یتابعه و یخدمه و یتقرّب إلیه و یتحبّب إلیه و یبالغ فی طلب رضاه و یسارع إلى خدمته و یأتی بقدر طوعه کلّ ما هو مطلوب له و محبوب عنده لیظفر بمراده و ینال إلى ما یرجوه منه، و هذا المدّعی للرّجاء حیث لا یظهر رجاؤه فی عمله یتبیّن أنّه کاذب فی دعواه، غیر خالص فی رجاه.

و هذا معنى قوله (و کلّ من رجا عرف رجاؤه فی عمله إلّا رجاء) من یرجو (اللّه فانّه مدخول) أى معیب (و کلّ خوف محقّق) أى کلّ خائف فخوفه محقّق ثابت له أصل و حقیقه یظهر آثاره على الخائف (إلّا خوف اللّه) تعالى (فانّه معلول) أى مشتمل على المرض و العلّه حیث لا یظهر آثاره و علاماته على من یخافه سبحانه کما ستعرفه تفصیلا.
هذا على تقدیر عود الضّمیر فی قوله: فانّه، إلى خوف اللّه، و یجوز عوده إلى کلّ خوف بأن یجعل محقّق صفه لخوف و إلّا بمعنى غیر و هذه الجمله أعنی جمله فانّه معلول خبرا لکلّ خوف، فیکون محصّل المعنى أنّ کلّ خوف ثابت غیر خوف اللّه سبحانه فانّ هذا الخوف معلول، بخلاف خوفه سبحانه فانّه الخوف الصّریح الحقیقی، و ذلک لأنّ ما یخاف به من غیره تعالى فهو أمر دنیویّ سریع الزّوال و الانقضاء، مع أنّ ذلک الغیر لا یقدر على ایقاع مکروه على الخائف إلّا بمشیّه اللّه سبحانه و إقدار منه له علیه، بخلاف الخوف منه تعالى فانّه خوف من القادر القاهر لارادّ لقضائه و لا دافع لحکمه، و عذابه ألیم لا یفنى، و سخطه عظیم لا ینقطع و لا یتناهى و یؤیّد هذا الاحتمال الثّانی فی هذه الفقره ما فی بعض النّسخ بدل قوله: و کلّ من رجا آه و کلّ رجاء إلّا رجاء اللّه فانه مدخول، وجه التّأیید أنّ الضّمیر حینئذ یعود إلى کلّ رجاء فیکون سوق کلتا الفقرتین على مساق واحد، و یتطابق الکلّیتان کما هو غیر خفیّ على البصیر، هذا.
و أکّد کون رجائه للّه سبحانه معلولا بقوله (یرجو اللّه فی الکبیر) أى یرجو رحمته و مغفرته و نعمته و منّته و جنّته الّتی عرضها السّماء و الأرض (و یرجو العبادفی الصّغیر) أى فی امور دنیویّه زهیده المنفعه قلیله الجدوى سریعه الزّوال و الانقضاء و مع ذلک (فیعطى العبد ما لا یعطى الرّب) الاتیان بلفظ الاعطاء فی یعطى الرّب للمشاکله، و المراد أنّه یکثر عمله لمن یرجوه من العباد و یتقرّب إلیه بکلّ وسیله لیفوز بما یتوقّعه منه، و یتهاون فی طاعه ربّه و یتکاسل فی عبادته و یقصّر فیما یقربه إلیه مع أنّ اللّازم علیه أن یکون عمله بعکس ذلک، فیکون قیامه بوظایف التّقرّب إلى اللّه سبحانه أکثر و آکد من القیام بوظایف التّقرّب إلى غیره، حیث إنّ المرجوّ الکبیر یستدعى ما یناسبه ممّا هو وسیله إلیه کمیّه و کیفیّه.

و حیث إنّه عکس فی القیام بوظایف رجاه و لم یعط ربه ما أعطاه سواه فحقیق بالتّوبیخ و الملام و التّقریع و التّبکیت، و لذلک قال ذمّا و تشنیعا (فما بال اللّه عزّ و جلّ یقصر به عمّا یصنع به بعباده) أى عمّا یعمل به، و یصانع لهم من المصانعه الّتی هى أن تصنع شیئا لغیرک لتصنع لک مثله.

و أکد التّوبیخ و التشنیع بقوله (أ تخاف أن تکون فی رجاءک له کاذبا أو تکون لا تراه للرّجاء موضعا) یعنی أنّ قصورک فی القیام بوظایف الرّجا کاشف من خوفک من أحد أمرین کلاهما باطل: أحدهما أن تکون کاذبا فی رجاءک له سبحانه لزعمک أنّک لا تستعدّ مع العمل بلوازم رجائه تعالى لافاضه الجود منه علیک و لا تنال إلى مرجوّک، و هو خطاء عظیم ناش عن ضعف الاعتقاد بالوعود الّتی وعدها اللّه سبحانه على ألسنه رسله و أنبیائه لمن عمل صالحا و یرجو رحمه ربّه.

و ثانیهما أن تکون لا تراه للرّجاء موضعا، و هو کفر صریح ناش من توهّم عجزه أو بخله، هذا.
و لما نبّه على بطلان دعوى المدّعین للرّجاء و شنّعهم على تلک الدّعوى، عقّبه بالتّشنیع على الخائفین بسبب قصورهم فی لوازم الخوف، و توضیح قصورهم فیها محتاج إلى تحقیق معنى الخوف و بیان حقیقته‏

فأقول: إنّ الخوف کما فی إحیاء العلوم عباره عن تألّم القلب و احتراقه بسبب توقّع مکروه فی الاستقبال، و قد ظهر هذا فی بیان حقیقه الرّجاء و هو صفه تقتضى علما و عملا.

اما العلم فهو العلم بالسّبب المفضى إلى المکروه، و ذلک کمن جنى على ملک ثمّ وقع فی یده فیخاف القتل مثلا و یجوز العفو و الافلات، و لکن یکون تألّم قلبه بالخوف بحسب قوّه علمه بالأسباب المفضیه إلى قتله، و هو تفاحش جنایته و کون الملک حقودا غضوبا منتقما، و کونه محفوفا بمن یحثّه على الانتقام، خالیا عمّن یتشفّع إلیه فی حقّه، و کان هذا الخائف عاطلا عن کلّ وسیله و حسنه تمحو أثر جنایته عند الملک، فالعلم بتظاهر هذه الأسباب سبب لقوّه الخوف و شدّه تألّم القلب، و بحسب ضعف هذه الأسباب یضعف الخوف.

و قد یکون الخوف لا عن سبب جنایه قارفها الخائف، بل عن صفه المخوف منه کالّذى وقع فی مخالب سبع، فانّه یخاف السّبع لصفه ذات السّبع و هى سطوته و حرصه على الافتراس غالبا و إن کان افتراسه بالاختیار.
و قد یکون من صفه جبلیّه للمخوف منه کخوف من وقع فی مجرى سیل أو جوار حریق من الغرق و الاحتراق، لأنّ طبع الماء مجبول على السّیلان و الاغراق، و کذا النّار على الاحراق، فالعلم بأسباب المکروه هو السّبب الباعث المثیر لاحراق القلب و تألّمه، و ذلک الاحراق هو الخوف.

فکذلک الخوف من اللّه تاره یکون لمعرفه اللّه و معرفه صفاته و أنّه لو أهلک العالمین لم یبال و لم یمنعه مانع، و تاره یکون لکثره الجنایه من العبد بمقارفه المعاصی، و تاره یکون بهما جمیعا، و یحسب معرفته بعیوب نفسه و معرفته بجلال اللّه تعالى و استغنائه و أنّه لا یسئل عمّا یفعل و هم یسئلون تکون قوّه خوفه فأخوف النّاس لربّه أعرفهم بنفسه و بربّه و لذلک قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أنا أخوفکم للّه، و کذلک قال اللّه: إنّما یخشى اللّه من عباده العلماء.

و أما العمل فهو أنّه إذا حصل له الخوف أوجب ذلک الکفّ و التّوقّى عن‏کلّ ما یؤدّى إلى المکروه المتوقّع الّذی یخاف منه.
و خوف اللّه سبحانه إذا ثبت فی القلب و اشتدّ یظهر أثره على البدن و على الجوارح و الصّفات.
اما البدن فبالنّحول و الصّفار و الغشیه و الزّعقه و البکاء، و قد ننشقّ به المراره فیفضى إلى الموت، أو یصعد إلى الدّماغ فیفسد العقل، أو یقوى فیورث القنوط و الیأس.
و اما الجوارح فبکفّها عن المعاصی و تقییدها بالطّاعات تلافیا لما فرّط و استعدادا للمستقبل.
و اما الصفات فبأن یقمع الشّهوات و یکدّر اللّذات فتصیر المعاصی المحبوبه عنده مکروهه کما یصیر العسل مکروها عند من یشتهیه إذا عرف أنّ فیه سمّا فتحرق الشّهوات بالخوف و تتأدّب الجوارح و یحصل فی القلب الذّبول و الخشوع و الاستکانه و یفارقه الکبر و الحقد و الحسد بل یصیر مستوعب الهمّ بخوفه و النّظر فی خطر عاقبته، فلا یتفرّغ لغیره و لا یکون له شغل إلّا المراقبه و المحاسبه و المجاهده و الضنّه بالأنفاس و اللّحظات، و مؤاخذه النّفس بالخطرات و الخطوات و الکلمات و یکون حاله حال من وقع فی مخالب سبع ضار لا یدرى أنّه یغفل عنه فیفلت أو یهجم علیه فیهلک فیکون ظاهره و باطنه مشغولا بما هو خائف منه لا متّسع فیه لغیره هذا حال من غلبه الخوف و استولى علیه.

و قوّه المراقبه و المحاسبه و المجاهده بحسب قوّه الخوف الّذی هو تألّم القلب و احتراقه و قوّه الخوف بحسب قوّه المعرفه بجلال اللّه تعالى و صفاته و أفعاله و بعیوب النّفس و ما بین یدیها من الأخطار و الأهوال.
و أقلّ درجات الخوف ممّا یظهر أثره فی الأعمال أن یمنع عن المحظورات و یسمّى الکفّ الحاصل عن المحظورات ورعا، فان زادت قوّته کفّ عمّا یتطرق إلیه امکان التّحریم فیکفّ أیضا عن المشتبهات و یسمّى ذلک التّقوى، إذ التّقوى أن یترک ما یریبه إلى ما لا یریبه، و قد یحمله على ترک ما لا بأس به مخافه ما به‏ بأس، و هو الصّدق فی التّقوى، فاذا انضمّ إلیه التّجرّد للخدمه فصار لا یبنى ما لا یسکنه، و لا یجمع مالا یأکله، و لا یلتفت إلى دنیا یعلم أنّها تفارقه، و لا یصرف إلى غیر اللّه تعالى نفسا من أنفاسه، فهو الصّدق و صاحبه جدیر بأن یسمّى صدیقا.

و یدخل فی الصّدق التّقوى، و یدخل فی التّقوى الورع، و یدخل فی الورع العفه فانّها عباره عن الامتناع عن مقتضى الشّهوات خاصّه فاذا الخوف یؤثّر فی الجوارح بالکفّ و الاقدام، و یتجدّد له بسبب الکفّ اسم العفّه، و هو کفّ عن مقتضى الشّهوه و أعلى منه الورع، فانّه أعمّ لأنّه کفّ عن کلّ محظور و أعلى منه التّقوى، فانّه اسم للکفّ عن المحظور و الشّبهه جمیعا و ورائه اسم الصّدیق و المقرّب.

إذا عرفت ذلک ظهر لک معنى قوله (و کذلک إن هو خاف عبدا من عبیده) سبحانه (أعطاه من خوفه) الضمیر راجع إلى الخائف أو العبد أى أعطاه من أجل خوفه إیّاه (ما لا یعطى ربّه) یعنى أنّه یقوم بمقتضیات خوفه إن خاف غیر اللّه تعالى فیفعل ما یأمر و یترک ما ینهى و یأتی بما یرید بخلاف خوفه منه سبحانه فیدّعى الخوف و لا یظهر أثره علیه (فجعل خوفه من العباد نقدا) أی کالنقد المعجّل لوجود آثاره فیه بالفعل (و خوفه من خالقه ضمارا و وعدا) ذا تسویف غیر موجود آثاره فیه بعد هذا.

و لمّا نبّه على بطلان دعوى المدّعین للخوف و الرّجاء و کذّبهم فی تلک الدّعوى معلّلا بکون رجاهم لغیر اللّه تعالى أکثر و آکد، و خوفهم من غیره سبحانه أقوى و أشدّ، و فهم من ذلک ضمنا بدلاله الالتزام أنّ توجّههم و مراقبتهم إلى غیره عزّ و علا أکثر من مراقبتهم و توجّههم إلیه، حیث إنّهم یؤثرون غیره علیه إذا رجوا، و یقدمون خوف الغیر على خوفه إذا خافوا أردف ذلک بالتّنبیه على أنّ حال أبناء الدّنیا کذلک، لایثارهم الدّنیا علیه تعالى و انقطاعهم إلیها و افتتانهم بها و رغبتهم إلیها دونه.

و بهذا ظهر لک حسن الارتباط و المناسبه بین ما مرّ و بین قوله (و کذلک من‏عظمت الدّنیا فی عینه) و راقه زبرجها (و کبر موقعها من قلبه) و عظم محلّها عنده للذّاتها العاجله و شهواتها الموجوده الحاضره (آثرها على اللّه) و اختارها على ما لدیه ممّا لا عین رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر لکونه آجلا غایبا (فانقطع إلیها و صار عبدا لها) و لمن فی یدیه شی‏ء منها حیثما زالت زال إلیها و حیثما أقبلت أقبل علیها، غافلا عن أنّه ظلّ زائل، و ضوء آفل، و سناد مائل، و غرور حائل.

و لمّا وصف حال أبناء الدّنیا المفتونین بها عقّبه بأمرهم بالتّأسّی برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم المعرض عنها لما رأى من فنائها و زوالها و مخازیها و معایبها تزهیدا لهم عنها، و تنبیها على خطائهم فی الافتتان بها فقال (و لقد کان فی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کاف لک فی الاسوه) أى فی القدوه و الاتّباع (و دلیل لک على ذمّ الدّنیا و کثره مخازیها) أى مهالکها و مقابحها و فضایحها (و مساویها) أى معایبها.

و أشار إلى دلیل الذّم بقوله (إذ قبضت عنه أطرافها و وطئت) أى هیّأت (لغیره أکنافها) و جوانبها و (فطم من رضاعها) و التقم غیره ضرعها (و زوى) أی نحىّ (عن زخارفها) و قرّب إلى غیره زبرجها.
و دلاله هذه الجمله على ذمّها و عیبها أنّه لو کان لها وقع عنده سبحانه و لها کرامه لدیه لم یضن بها على أحبّ خلقه إلیه و أشرفهم و أکرمهم عنده، فحیث زویها عنه و بسطها لغیره دلّ ذلک على خسّتها و حقارتها و هوانها و إلى ذلک یشیر ما فی الحدیث: ما زوى اللّه عن المؤمن فی هذه الدّنیا خیر ممّا عجّل له فیها.

قال بعض شرّاح الحدیث: أى ما نحّى من الخیر و الفضل، و تصدیق ذلک انّ الرّجل منهم یوم القیامه یقول: یا ربّ إنّ أهل الدّنیا تنافسوا فی دنیاهم فنکحوا النّساء و لبسوا الثّیاب اللّینه و أکلوا الطّعام و سکنوا الدّور و رکبوا المشهور من الدّواب فأعطنی مثل ما أعطیتهم، فیقول اللّه تبارک و تعالى: و لکلّ عبد منکم ما أعطیت أهل الدّنیا منذ کانت الدّنیا إلى أن انقضت سبعون ضعفا.

(و إن شئت ثنّیت) إعراض رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عن الدّنیا (ب) اعراض (موسى کلیم اللّه) عنها أو إن شئت ثنّیت الاسوه بالرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بالاسوه بالکلیم (إذ یقول) ما حکى اللّه سبحانه عنه فی سوره القصص بقوله (فَسَقى‏ لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ) أى إنّی محتاج«» إلى ما أنزلت إلیّ أو سائل طالب لما أنزلته، أو إنّی فقیر من الدّنیا لأجل ما أنزلت إلیّ من خیر الدّین و هو النّجاه من الظّالمین أى صرت فقیرا لأجل ذلک لأنّه کان عند فرعون فی ثروه و سعه و ملک، و قال علیه السّلام ذلک رضا بالبدل النبی و فرحا به و شکرا له، و على ذلک فالمراد بما فی قوله لما أنزلت، هو خیر الدّین و النّجاه من الظّالمین و قال فی الکشاف إنّى لأیّ شی‏ء أنزلت إلىّ قلیل أو کثیر غثّ أو سمین لفقیر.

و حمله الأکثرون على الطعام، و یؤیّده ما فی الصّافی عن الکافی و العیاشی عن الصّادق علیه السّلام سأل الطعام، قال: و فی الاکمال روى أنّه قال ذلک و هو محتاج إلى شقّ تمره.
و فی مجمع البیان عن ابن عبّاس قال: سأل نبیّ اللّه فلق خبز یقیم به صلبه و یؤیّده أیضا کما یؤیّد تضمین فقیر معنى سائل و کون اللّام للصّله قول أمیر المؤمنین علیه السّلام (و اللّه ما سأله إلا خبزا یأکله، لأنّه کان یأکل بقله الأرض) إذ خرج من مدینه فرعون خائفا یترقّب بغیر ظهر و لا دابّه و لا خادم و لا زاد تخفضه الأرض مرّه و ترفعه اخرى حتّى انتهى إلى أرض مدین، و کان بینه و بین مدین مسیره ثلاثه أیّام، و قیل: ثمانیه، فخرج منها حافیا و لم یصل إلى مدین حتّى وقع خفّ قدمیه، و کان لا یأکل فی مدّه مسیرها إلّا حشیش الصّحراء و بقل الأرض.

(و لقد کانت خضره البقل ترى من شفیف صفاق بطنه) یعنی أنّ جلد بطنه‏بسبب رقّته لم یکن حاجبا عن إدراک البصر لما ورائه و ذلک (لهزاله و تشذّب لحمه) أى تفرّقه قال فی عدّه الدّاعی: و یروى أنّه أى موسى علیه السّلام قال یوما یا ربّ إنّی جائع فقال اللّه أنا أعلم بجوعک، قال: یا ربّ أطمعنی قال: إلی أن ارید.

و فیما أوحى إلیه علیه السّلام یا موسى الفقیر من لیس له مثلی کفیل، و المریض من لیس له مثلی طبیب، و الغریب من لیس له مثلی مونس قال: و یروى حبیب، یا موسى ارض بکسره من شعیر تسدّ بها جوعتک، و بخرقه توارى بها عورتک، و اصبر على المصائب، و إذا رأیت الدّنیا مقبله علیک فقل: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ عقوبه قد عجلت فی الدّنیا، و إذا رأیت الدّنیا مدبره عنک فقل: مرحبا بشعار الصّالحین، یا موسى لا تعجبنّ بما اوتى فرعون و ما تمتّع به فانّما هی زهره الحیاه الدّنیا.

(و إن شئت ثلّثت بداود) بن أیش من أولاد یهودا سمّى به لأنّه داوی جرحه بودّ و قد قیل: داوى ودّه بالطّاعه حتّى قیل عبد، رواه فی البحار من معانى الأخبار و غیره (صاحب المزامیر) قال الفیروزآبادی: مزامیره ما کان یتغنّى به من الزّبور و قال الشّارح المعتزلی: یقال: إنّ داود اعطى من طیب النّغم و لذّه ترجیع القراءه ما کان الطّیور لأجله تقع علیه و هو فی محرابه، و الوحش تسمعه فیدخل بین النّاس و لا تنفر منهم لما قد استغرقها من طیب صوته.

و فی البحار من الامالی عن هشام بن سالم عن الصّادق علیه السّلام فی الحدیث الآتی و کان إذا قرء الزّبور لا یبقى جبل و لا حجر و لا طائر و لا سبع إلّا جاذبه (و) لعلّه لطیب صوته کان (قاری أهل الجنّه فلقد کان یعمل سفائف الخوص) أی نسایج ورق النّخل (بیده و یقول لجلسائه أیّکم یکفینی بیعها و یأکل قرص الشّعیر من ثمنها) قال فی البحار: لعلّ هذا کان قبل أن ألان اللّه له الحدید.

و روی فیه من تفسیر علیّ بن إبراهیم فی قوله تعالى «وَ لَقَدْ آتَیْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا یا جِبالُ أَوِّبِی مَعَهُ» أى سبّحى للّه «وَ الطَّیْرَ وَ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِیدَ» قال: کان داود إذا مرّ فی البرارى یقرأ الزّبور یسبّح الجبال و الطّیر معه و الوحوش و ألان اللّه‏ له الحدید مثل الشّمع حتّى کان یتّخذ منه ما أحبّ.

و فیه من الفقیه بسنده عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: أوحى اللّه إلى داود نعم العبد لو لا أنّک تأکل من بیت المال و لا تأکل بیدک شیئا قال: فبکى داود علیه السّلام فأوحى اللّه تعالى إلى الحدید أن لن لعبدى داود فألان اللّه له الحدید، فکان یعمل کلّ یوم درعا فیبیعها بألف درهم فعمل ثلاثمأه و ستّین درعا فباعها بثلاثمأه و ستّین ألفا، و استغنى عن بیت المال.
و عن صاحب الکامل کان داود بن ایشاح (ایش خ ل) من أولاد یهود او کان قصیرا أزرق قلیل الشّعر، فلمّا قتل طالوت أتى بنو إسرائیل داود و أعطوه خزاین طالوت و ملکوه علیهم.

و قیل إنّ داود ملک قبل أن یقتل جالوت، فلمّا ملک جعله اللّه نبیّا ملکا و أنزل علیه الزّبور و علّمه صنعه الدّرع و ألان له الحدید و أمر الجبال و الطّیر أن یسبّحن معه إذا سبّح، و لم یعط اللّه أحدا مثل صوته کان إذا قرء الزّبور تدنو الوحش حتّى یؤخذ بأعناقها، و کان شدید الاجتهاد، کثیر العباده و البکاء، و کان یقوم اللّیل و یصوم نصف الدّهر، و کان یحرسه کلّ یوم و لیله أربعه آلاف، و کان یأکل من کسب یده أربعه آلاف، و کانت مدّه ملکه أربعین و تمام عمره مأئه، هذا.

و قد اتّضح بذلک أنّه علیه السّلام مع ما آتاه اللّه من الملک و النّبوه و البسطه زهد فی الدّنیا و رغب عنها و جعل رزقه فی کدّ یمینه، و العجب أنّه مع زهده ذلک عیّره حزقیل النّبیّ و یعجبنی أن أذکر قصّته معه لمناسبتها بالمقام، و دلالتها على ذمّ الدّنیا المسوق له هذا الفصل من کلام الامام علیه السّلام فأقول: روى فی البحار من أمالی الصّدوق عن أبیه عن علیّ عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن هشام بن سالم عن الصّادق جعفر بن محمّد علیهما السّلام قال: إنّ داود خرج ذات یوم یقرأ الزّبور و کان إذا قرء الزّبور لا یبقى جبل و لا حجر و لا طائر و لا سبع إلّا جاذبه، فما زال یمرّ حتّى انتهى إلى جبل فاذا على ذلک الجبل نبیّ عابد یقال له حزقیل، فلمّا سمع دویّ الجبال و أصوات السّباع و الطّیر علم أنّه داود، فقال‏داود: یا حزقیل أ تأذن لی فأصعد إلیک قال: لا، فبکى داود علیه السّلام فأوحى اللّه جلّ جلاله إلیه یا حزقیل لا تعیّر داود و سلنى العافیه، فقام حزقیل فأخذ بید داود علیه السّلام فرفعه إلیه فقال: داود علیه السّلام یا حزقیل هل هممت بخطیئه قطّ قال: لا، قال: فهل دخلک العجب ممّا أنت فیه من عباده اللّه تعالى قال: لا، قال: فهل رکنت إلى الدّنیا فأحببت أن تأخذ من شهوتها و لذّتها قال: بلى ربّما عرض بقلبی، قال: فما ذا تصنع إذا کان ذلک قال: أدخل هذا الشّعب فأعتبر بما فیه.

قال: فدخل داود النّبیّ الشعب فاذا سریر من حدید علیه جمجمه بالیه و عظام فانیه، و إذا لوح حدید فیه کتابه، فقرأها داود فاذا هی: أنا أردى شلم ملکت ألف سنه و بنیت ألف مدینه و افتضضت ألف بکر فکان آخر أمری أن صار التّراب فراشى، و الحجاره و سادتى، و الدّیوان و الحیّات جیرانی، فمن رآنی فلا یغترّ بالدّنیا و فی البحار أیضا دخل داود غارا من غیران بیت المقدّس، فوجد حزقیل یعبد ربّه و قد یبس جلده على عظمه فسلّم علیه، فقال: أسمع صوت شبعان ناعم فمن أنت قال: أنا قال: الّذی له کذا و کذا امه قال: نعم و أنت فی هذه الشّده قال: ما أنا فی شدّه و لا أنت فی نعمه حتّى تدخل الجنّه.

(و ان شئت قلت فی عیسى بن مریم علیه السّلام) أى ان شئت أن تذکر حال المسیح فاذکر انّه ل (قد کان یتوسّد الحجر) أى یأخذه و ساده له (و یلبس) اللّباس (الخشن و کان إدامه الجوع) قال العلّامه المجلسیّ: لعلّ المعنى أنّ الانسان إنّما یحتاج إلى الادام لأنّه یعسر على النّفس أکل الخبز یابسا، فأمّا مع الجوع الشّدید فیلتذّ بالخبز و لا یطلب غیره فهو بمنزله الادام، أو أنّه کان یأکل الخبز دون الشّبع فکان الجوع مخلوطا به کالادام.

أقول: و یحتمل أن یکون المراد أنّه کان یلتذّ بالجوع کما یلتذّ بالادام و الطّعام، أو أنّ الجوع کان بدلا عن إدامه فاستعیر لفظ الجوع له من باب استعاره اسم الضدّ للضّد مثل قوله فی الخطبه الثّانیه: نومهم سهود و کحلهم دموع.
(و سراجه باللّیل القمر) یستضی‏ء به کما یستضاء بالسراج (و ظلاله فی‏ الشّتاء) أى مکمنه من البرد (مشارق الأرض) فی الضّحى (و مغاربها) فی المساء (و فاکهته و ریحانه ما تنبت الأرض للبهائم) و استعاره الفاکهه و الرّیحان لما تنبت باعتبار التذاذ ذوقه و شمّه به کالتذاذ غیره بالفواکه و الرّیاحین (و لم تکن له زوجه تفتنه و لا ولد یحزنه و لا مال یلفته) أى یلویه و یصرفه عن ذکر اللّه (و لا طمع یذلّه) أى یوقعه فی الذّلّه و الهوان (دابّته رجلاه و خادمه یداه) أى انتفاعه بهما کما ینتفع غیره بالدّابه و الخادم.

و اعلم أنّ ما وصف علیه السّلام به عیسى فقد روى عنه علیه السّلام نحوه فی عدّه الدّاعی قال: و أمّا عیسى روح اللّه و کلمته فانّه کان یقول: خادمى یدای و دابّتی رجلاى و فراشی الأرض و وسادی الحجر و دفئی فی الشّتاء مشارق الأرض و سراجی باللّیل القمر و ادامی الجوع و شعارى الخوف و لباسی الصّوف و فاکهتی و ریحانی ما أنبتت الأرض للوحوش و الأنعام، أبیت و لیس لی شی‏ء، و أصبح و لیس لی شی‏ء، و لیس على وجه الأرض أحد أغنى منّی و رواه مثله فی البحار من ارشاد القلوب إلّا أنّ فیه بدل مشارق الأرض مشارق الشّمس، و بدل ریحانی ریحانتی.
و فی عدّه الدّاعی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: فی الانجیل إنّ عیسى قال: اللّهمّ ارزقنی غدوه رغیفا من شعیر رعشیّه رغیفا من شعیر و لا ترزقنی فوق ذلک فاطغى.

أقول: و ان شئت فاتّبع ذکر حال هؤلاء الأنبیاء الأکرمین بذکر حال غیرهم من الأنبیاء و المرسلین.
و اذکر نوحا نجیّ اللّه فانّه مع کونه شیخ المرسلین و قد روی أنّه عاش ألفى عام و خمسمائه عام، و عمّر فی الدّنیا مدیدا، مضى منها و لم یبن فیها بیتا، و کان إذا أصبح یقول لا امسى و إذا أمسى یقول لا أصبح.
و انظر إلى أبی الأنبیاء إبراهیم خلیل الرّحمن فقد کان لباسه الصّوف و طعامه الشّعیر.
ثمّ انظر إلى یحیى بن زکریا کان لباسه اللّیف و أکله ورق الشّجر.

ثمّ إلى سلیمان بن داود فقد کان مع ما هو فیه من الملک العظیم یلبس الشّعر و إذا جنّه اللّیل شدّ یدیه إلى عنقه فلا یزال قائما باکیا حتّى یصبح، و کان قوته من سفائف الخوص یعملها بیده، و هکذا کان حال سایر الأنبیاء فی إعراضهم عن الدّنیا.

و أمّا سیّد البشر فوصف حاله إجمالا قد مرّ و قد تقدّم أنّ فیه کافیا لک فی الاتباع به و الاهتداء بهداه، و لذلک عقّبه بالأمر بالتّأسّی به و أردفه بوصف حاله تفصیلا فقال (فتأسّ بنبیّک الأطیب الأطهر صلّى اللّه علیه و آله و سلّم) و اتّبع له (فانّ فیه اسوه لمن تأسّى و عزاء لمن تعزّى) أى نسبه لمن انتسب (و أحبّ العباد إلى اللّه المتأسّى بنبیّه و المقتصّ) المتتبّع (لاثره) و إنّما کان أحبّ العباد إلیه سبحانه لقوله تعالى قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللَّهُ قال الفخر الرّازی: قال المتکلّمون محبّه اللّه للعبد عباره عن إرادته تعالى ایصال الخیرات و المنافع فی الدّین و الدّنیا إلیه، و قال بعض المحقّقین: و من المتکلّمین من أنکر محبّه اللّه لعباده کالزمخشری و أترابه، زعما منهم أنّ ذلک یوجب نقصا فی ذاته و لم یعلموا أنّ محبّه اللّه تعالى لخلقه راجعه إلى محبّه ذاته، هذا.

و قوله (قضم الدّنیا قضما) استیناف بیانیّ، فانّه لمّا ذکر أنّ أحبّ العباد إلى اللّه من اقتصّ أثر النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، و کان ذلک مظنّه لأن یسأل عن الأثر الذی یقتصّ أردف بهذا الکلام و ما یتلوه جوابا لهذا السّؤال المتوهّم، و تفصیلا لما فیه الاسوه، و به یکون الاقتصاص، و أراد بقضمه اقتصاره صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی الدّنیا على قدر الضّروره إذا لقضم یقابل الخضم و الأوّل أکل الشی‏ء الیابس بأطراف الأسنان، و الثانی الأکل بالفم کلّه للأشیاء الرّطبه کما قال علیه السّلام فی وصف حال بنی امیّه فی الخطبه الشقشقیّه: یخضمون مال اللّه خضم الابل نبته الرّبیع، و فی حدیث أبی ذر «رض» یخضمون و نقضم و الموعد للّه (و لم یعرها طرفا) أى لم یعطها نظره على وجه العاریه فکیف بأن یجعلها مطمح نظره، و هو کنایه عن عدم التفاته إلیها (أهضم أهل الدّنیا کشحا و أخمصهم‏ بطنا) أى أخمصهم خاصره و بطنا، و هو کنایه عن کونه أشدّهم جوعا و أقلّهم شبعا کما روى أنّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إذا اشتدّ جوعه کان یربط على بطنه حجرا و یسمیّه المشبع مع کونه مالکا لقطعه واسعه من الدّنیا.

قال الغزالی فی احیاء العلوم: و فی الخبر أنّ النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کان یجوع من غیر غور أى مختارا لذلک.
قال: و کانت عایشه تقول إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لم یمتل قطّ شبعا و ربّما بکیت رحمه له مما أرى به من الجوع فأمسح بطنه بیدى و أقول نفسى لک الفداء لو تبلّغت من الدّنیا بقدر ما یقویک و یمنعک من الجوع، فیقول: یا عایشه اخوانی من اولى العزم من الرّسل قد صبروا على ما هو أشدّ من هذا، فمضوا على حالهم فقدموا على ربّهم فأکرم مآبهم و أجزل ثوابهم، فأجدنی أستحی إن ترفّهت فی معیشتی أن یقصر بی غدا دونهم، فالصّبر أیّاما یسیره أحبّ إلىّ من أن ینقص حظّى غدا فی الآخره، و ما من شی‏ء أحبّ إلىّ من اللّحوق بأصحابی و إخوانی، قالت عایشه: فو اللّه ما استکمل بعد ذلک جمعه حتّى قبضه اللّه إلیه.

و عن أنس قال: جاءت فاطمه صلوات اللّه و سلامه علیها بکسره خبز إلى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال: ما هذه الکسره قالت: قرص خبزته و لم تطب نفسى حتى أتیتک منه بهذه الکسره، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أما أنّه أوّل طعام دخل فم أبیک منذ ثلاثه أیّام، هذا، و سنورد فصلا مشبعا فی فضیله الجوع و فوایده بعد الفراغ من شرح الخطبه إنشاء اللّه.
(عرضت علیه الدّنیا فأبى أن یقبلها) إشاره إلى ما ورد فی غیر واحد من الأحادیث العامیّه و الخاصیّه من أنّه صلّى اللّه علیه و آله عرض علیه مفاتیح کنوز الأرض فامتنع من قبولها.

منها ما فی الکافی عن عدّه من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن القاسم بن یحیى عن جدّه الحسن بن راشد عن عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: خرج النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و هو محزون، فأتاه ملک و معه مفاتیح خزائن الأرض فقال: یا محمّد هذه مفاتیح خزائن الدّنیا یقول لک ربّک: افتح و خذ منها ما شئت من غیر أن تنقص شیئا عندى، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: الدّنیا دار من لا دار له و لها یجمع من لا عقل له، فقال له الملک: و الّذی بعثک بالحقّ لقد سمعت هذا الکلام من ملک یقوله فی السّماء الرّابعه حین اعطیت المفاتیح.

و منها ما فی الوسائل عن الکلینیّ عن محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السّلام فی حدیث طویل و فیه: ثمّ قال علیه السّلام: یا محمّد لعلّک ترى أنّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم شبع من خبز البرّ ثلاثه أیّام منذ بعثه اللّه إلى أن قبض، ثمّ ردّ على نفسه ثمّ قال: لا و اللّه ما شبع من خبز البرّ ثلاثه أیّام متوالیه منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه، أما أنّی لا أقول إنّه کان لا یجد، لقد کان یجیر الرجل الواحد بالمأه من الابل فلو أراد أن یأکل لأکل، و قد أتاه جبرئیل بمفاتیح خزائن الأرض ثلاث مرّات یخیّره من غیر أن ینقص ممّا أعدّ اللّه له یوم القیامه شیئا، فیختار التّواضع للّه، الحدیث.
و قد مرّ فی شرح الکلام التّاسع و السّتین فی التّذنیب الأوّل من شرحه المسوق لکیفیّه شهاده أمیر المؤمنین عند اقتصاص حاله فی لیله تسع عشره من شهر رمضان حدیث عرض المفاتیح بروایه لوط بن یحیى بنحو آخر فتذکّر (و علم صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنّ اللّه سبحانه أبغض شیئا) و لم یرده لأولیاءه (فأبغضه) النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لنفسه لأنّه لا یشاء إلّا أن یشاء اللّه روى فی إحیاء العلوم عن موسى بن یسار قال: قال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّ اللّه عزّ و جلّ لم یخلق خلقا أبغض إلیه من الدّنیا و أنّه منذ خلقها لم ینظر إلیها.

و فیه أیضا قال رسول اللّه: الدّنیا موقوفه بین السّماء و الأرض منذ خلقها اللّه لم ینظر إلیها و تقول یوم القیامه: یا ربّ اجعلنی لأدنى أولیائک الیوم نصیبا، فیقول اسکتی یا لا شی‏ء إنّی لم أرضک لهم فی الدّنیا ارضاک لهم الیوم (و حقّر شیئا فحقّره) أى حقره النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لحقارته عند اللّه سبحانه کما روى فی الکافی عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن جمیل بن درّاج عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: مرّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بجدى اسک ملقى على مزبله میّتا فقال‏ لأصحابه کم یساوى هذا فقالوا: لعلّه لو کان حیّا لم یساو درهما، فقال النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و الّذی نفسی بیده الدّنیا أهون عند اللّه من هذا الجدی على أهله.

(و صغّر شیئا) أراد تصغیره بالنّسبه إلى ما أعدّه لأولیائه فی الآخره (فصغّره) قال فی إحیاء العلوم قال داود بن هلال: مکتوب فی صحف إبراهیم علیه السّلام: یا دنیا ما هونک على الابرار الّذین تمنّعت و تزیّنت لهم إنّی قذفت فی قلوبهم بغضک و الصّدود عنک، و ما خلقت خلقا أهون علىّ منک کلّ شأنک صغیر، و إلى الفناء تصیر قضیت علیک یوم خلقتک أن لا تدومى لأحد، و لا یدوم لک أحد و إن بخل به صاحبک و شحّ علیک، طوبى للأبرار الّذین اطلعونی من قلوبهم على الرضا، و من ضمیرهم على الصّدق و الاستقامه، طوبى لهم مالهم عندی من الجزاء إذا وفدوا إلىّ من قبورهم إلّا النّور یسعى أمامهم، و الملائکه حافّون بهم حتّى ابلغهم ما یرجون من رحمتى، هذا و لمّا ذکر أنّ الدّنیا مبغوضه للّه، حقیره عنده و کذلک عند النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم تبعا لرضائه تعالى، عقّب ذلک بالتنبیه على أنّ اللّازم على المتأسّی له صلّى اللّه علیه و آله و المقتصّ لأثره أن یبغض ما أبغضه اللّه و رسوله و یحقّر ما حقّراه و إلّا لکان موادّا لما حادّ اللّه و رسوله فقال (و لو لم یکن فینا إلّا خبّنا ما أبغض اللّه و رسوله و تعظیمنا ما صغّر اللّه و رسوله لکفى به شقاقا للّه) و مخالفه له (و محادّه عن أمر اللّه) أى معاداه و مجانبه عنه.

و إلى ذلک ینظر ما روى أنّ سلمان رضى اللّه عنه کان متحسّرا عند موته، فقیل له: یا أبا عبد اللّه على ما تأسّفک قال: لیس تأسّفی علی الدّنیا، و لکن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عهد إلینا و قال: لتکن بلغه أحدکم کزاد الراکب، و أخاف أن یکون قد جاوزنا أمره و حولى هذه الأساور، و أشار إلى ما فی بیته و إذا هو دست و سیف و جفنه.

ثمّ أشار إلى تواضعه و تذلّله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی مأکله و مجلسه و مرکبه و غیرها فقال (و لقد کان صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یأکل على الأرض و یجلس جلسه العبد) و قد ورد التصریح بذلک‏ فی روایات کثیره مرویّه فی الوسائل فی کتاب الأطعمه.

ففیه عن محمّد بن یعقوب الکلینیّ باسناده عن هارون بن خارجه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یأکل أکل العبد، و یجلس جلسه العبد و یعلم أنّه عبد.
و عن الکلینی عن الحسن الصّیقل قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول مرّت امرأه بذیّه برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و هو یأکل و هو جالس على الحضیض«» فقالت: یا محمّد إنّک تأکل أکل العبد و تجلس جلوسه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: و أىّ عبد أعبد منّى.

و فیه عن البرقی عن عمرو بن جمیع عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یأکل بالأرض، هذا.
و ظهور التّواضع فی الأکل على الأرض واضح.
و المراد بأکله أکل العبد إمّا ذلک أعنى الأکل على الأرض، أو الأکل بثلاثه أصابع لا بالإصبعین کما یشعر به ما فی الوسائل عن البرقی عن أبی خدیجه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام أنّه کان یجلس جلسه العبد و یضع یده على الأرض و یأکل بثلاثه أصابع، و قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کان یأکل هکذا لیس کما یفعله الجبّارون یأکل أحدهم بإصبعیه، أو الأکل من غیر اتّکاء و یدلّ علیه ما فی الوسائل عن الکلینیّ عن معاویه بن وهب عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: ما أکل رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم متّکئا منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه تواضعا للّه عزّ و جلّ.
و عن زید الشّحام عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: ما أکل رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم متّکئا منذ بعثه اللّه حتّى قبض کان یأکل أکله العبد، و یجلس جلسه العبد، قلت: و لم ذلک قال: تواضعا للّه عزّ و جلّ.

و أما المراد من کون جلوسه جلسه العبد إمّا جلوسه على الأرض، و یدلّ علیه ما مر أو الجلوس من غیر تربّع کما هو جلوس الملوک، و یدلّ علیه ما فی الوسائل‏ عن الکلینیّ عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال قال أمیر المؤمنین علیه السّلام إذا جلس أحدکم على الطّعام فلیجلس جلسه العبد و لا یضعنّ احدى رجلیه على الأخرى و یتربّع، فانّها جلسه یبغضها اللّه و یمقتها.

أو الجلوس دون شرفه، و یفیده ما فی الوسایل أیضا عن الکلینیّ مرسلا عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إذا دخل منزلا قعد فی أدنى المجلس إلیه حین یدخل.
(و یخصف بیده نعله) و تضمّن لبس النّعل المخصوفه للتّواضع ظاهر لا سیّما إذا کان لابسها هو الخاصف، و قد تأسّی به صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أمیر المؤمنین علیه السّلام فی هذا الوصف مضافا إلى سایر الصّفات کما یفصح عنه ما مرّ فی عنوان الخطبه الثّالثه و الثلاثین عن ابن عبّاس أنّه قال: دخلت على أمیر المؤمنین علیه السّلام بذى قار و هو یخصف نعله، فقال لی ما قیمه هذه النّعل فقلت: لا قیمه لها، فقال علیه السّلام: و اللّه لهى أحبّ إلیّ من امرتکم إلّا أن اقیم حقّا أو أدفع باطلا.

(و یرقع بیده ثوبه و یرکب الحمار العارى و یردف خلفه) و معلوم أنّ رکوب الحمار العاری آیه التواضع و هضم النفس، و إرداف غیره خلفه آکد فی الدّلاله علیه.
روى فی الوسائل من العیون عن الرّضا علیه السّلام عن آبائه عن النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال خمس لا أدعهنّ حتى الممات: الأکل على الحضیض مع العبد، و رکوبى الحمار موکفا«» و حلب العنز بیدی، و لبس الصوف، و التسلیم على الصبیان لتکون سنه من بعدی.
و کذلک لبس الثوب المرقع لا سیما إذا کان اللّابس هو الراقع.
ثمّ أشار إلى مبغوضیّه الدّنیا و قیناتها عنده بقوله (و یکون الستر على باب بیته و یکون فیه التصاویر) الظاهر أنّ المراد به تصاویر الشجر و النبات و نحوها لا تصاویر الحیوان و غیره من ذوى الأرواح، إذ بیته صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کان مهبط الوحى‏ و مختلف الملائکه و لا یدخل الملک بیتا فیه صوره مجسّمه کما ورد به الأخبار.

(فیقول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یا فلانه لإحدى أزواجه غیّبی عنّی) الظّاهر أنه أراد بها عایشه کما یؤمى إلیه فی باب الزّهد من احیاء العلوم قال: و رأى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم على باب عایشه سترا فهتکه و قال: کلّما رأیته ذکرت الدّنیا أرسلى به إلى آل فلان.
قال الشارح البحرانی: أمره بتغییب التصاویر محافظه من حرکه الوسواس الخناس، و کما أنّ الأنبیاء علیهم السّلام کانوا کاسرین للنفس الأمّاره بالسوء، و قاهرین لشیاطینهم کانوا أیضا محتاجین إلى مراعاتهم و مراقبتهم و تفقّد أحوال نفوسهم فی کلّ لحظه و طرفه، فانها کاللّصوص المخادعین للنفوس المطمئنّه مهما ترکت و غفل عن قهرها و التحفّظ منها عادت إلى طباغها.

أقول: لا یخفى ما فی هذا التعلیل بعد الغضّ عن کونه خلاف ما یستفاد من کلامه علیه السّلام من الرکاکه و السخافه و السماجه و إسائه الأدب بالنسبه إلى خاتم النبیّین صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بل و سایر أولیاء الدّین و کیف یتصوّر فی حقّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حرکه الوسواس الخناس مع وجود ملکه العصمه و لو لم یغب عنه علیه السّلام التصاویر، بل الظاهر أنّ أمره صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بتغییبها إنما هو لأجل أنّ الدّنیا و زخارفها کانت مبغوضه عنده بالذات و مکروهه لدیه بالطبع، فأمر بتغییبها لکونها موجبه لذکر ما یبغضه و یتنفّر عنه و یعادیه.

کما یومى إلیه قوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم (فانّى إذا نظرت إلیه ذکرت الدّنیا و زخارفها) و یدلّ علیه صریحا قوله علیه السّلام الآتی و کذلک من أبغض شیئا آه (فأعرض صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عن الدنیا بقلبه و أمات ذکرها عن نفسه) و هو الزهد الحقیقی (و أحب أن تغیب زینتها عن عینه لکیلا یتّخذ منها ریاشا) أى لباسا فاخرا، و ذلک لما روى عنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّ اللّه یحب المبتذل الذی لا یبالی ما لبس قال فی إحیاء العلوم: قال أبو برده: اخرجت لنا عایشه کساء ملبدا و إزارا غلیظا فقالت: قبض رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی هذین.

قال: و اشترى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ثوبا بأربعه دراهم و کانت قیمه ثوبیه عشره و کان إزاره أربعه أذرع و نصفا و اشترى سراویل بثلاثه دراهم و کان یلبس شملتین بیضاوین و کانت تسمى حلّه لأنّهما ثوبان من جنس واحد، و ربّما کان یلبس بردین یمانین أو سحولیین من هذه الغلاظ، و کان شراک نعله قد اخلق فابدل بسیر جدید فصلّى فیه فلما سلّم: قال اعیدوا الشراک الخلق و انزعوا هذا الجدید فانى نظرت إلیه فی الصلاه، و کان صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قد احتذى مرّه نعلین جدیدین فأعجبه حسنهما فخرّ ساجدا و قال: أعجبنی حسنهما فتواضعت لربّی خشیه أن یمقتنی فدفعهما إلى أوّل مسکین رآه.

(و لا یعتقدها قرارا و لا یرجو فیها مقاما) لأنها دار مجاز لا دار قرار
أحلام نوم أو کظلّ زائل إنّ اللّبیب بمثلها لا یخدع‏

و لذلک قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: الدّنیا دار من لا دار له، و لها یجمع من لا عقل له، و علیها یعادی من لا علم له، و علیها یحسد من لا فقه له، و لها یسعى من لا یقین له و لنعم ما قیل:

أرى طالب الدّنیا و إن طال عمره
و نال من الدّنیا سرورا و أنعما

کبان بنى بنیانه فأقامه‏
فلمّا استوى ما قد بناه تهدّما

(فأخرج) محبّت (ها من النّفس و أشخص) رغبت (ها عن القلب و غیّب) زینت (ها عن البصر) و ذلک لفرط بغضه لها و نفرته عنها و کراهته إیّاها (و کذلک) حال (من أبغض شیئا) فانه إذا أبغضه (أبغض أن ینظر إلیه و أن یذکر عنده) ثمّ أکّد ما قدّم و قال: (و لقد کان فی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ما یدلّک على مساوى الدّنیا و عیوبها إذ جاع فیها مع خاصّته).

أمّا جوعه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقد عرفته فیما تقدّم، و أقول هنا مضافا إلى ما سبق: روى أحمد بن فهد فی عدّه الداعی أنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أصابه یوما الجوع فوضع صخره على بطنه ثمّ قال: ألا ربّ مکرم لنفسه و هولها مهین، ألا ربّ مهین لنفسه و هو لها مکرم ألا ربّ نفس جایعه عاریه فی الدّنیا طاعمه فی الآخره ناعمه یوم القیامه، ألا ربّ نفس کاسیه ناعمه فی الدّنیا جایعه عاریه یوم القیامه، ألا ربّ نفس متخوّض متنعّم فیما أفاء اللّه على رسوله ما له فی الآخره من خلاق، ألا إنّ عمل أهل الجنّه حزنه بربوه ألا إنّ عمل أهل النّار سهله لشهوه، ألا ربّ شهوه ساعه أورثت حزنا طویلا یوم القیامه.
و أما جوع خاصته فقد ورد فی روایات مستفیضه.
منها ما فی إحیاء العلوم قال أبو هریره: ما أشبع النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أهله أعنی أهل بیته و أزواجه و أهل بطانته من أصحابه ثلاثه أیّام تباعا من خبز الحنطه حتّى فارق الدّنیا، و قال إنّ أهل الجوع فی الدّنیاهم أهل الشّبع فی الآخره.

و فیه قال الفضیل ما شبع رسول اللّه منذ قدم المدینه ثلاثه أیّام من خبز البرّ قالت عایشه: کانت تأتی علینا أربعون لیله و ما یوقد فی بیت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم مصباح و لا نار، قیل لها: فیم کنتم تعیشون قال: بالأسودین: التّمر و الماء.

و أما جوع أخصّ خاصّته أعنی أهل بیت العصمه و الطّهاره فهو غنیّ عن البیان، و کتب الخاصّه بل العامّه قد تضمّنت أخبارا کثیرا فی ذلک المعنى، و لنقتصر على ثلاثه أحادیث.
أحدها ما رواه المحدّث الجزایری فی الأنوار النّعمانیّه عن الصدوق طاب ثراه باسناده إلى خالد بن ربعى قال: إنّ أمیر المؤمنین علیه السّلام دخل مکّه فی بعض حوائجه فوجد اعرابیا متعلّقا بأستار الکعبه و هو یقول: یا صاحب البیت البیت بیتک و الضیف ضیفک و لکلّ ضیف من مضیفه قرى فاجعل قراى منک اللّیله المغفره فقال أمیر المؤمنین علیه السّلام لأصحابه: أما تسمعون کلام الأعرابی قالوا: نعم قال علیه السّلام: اللّه اکرم من أن یردّ ضیفه.
قال: فلمّا کان من اللّیله الثانیه وجده متعلّقا بذلک الرکن و هو یقول: یا عزیزا فی عزّک فلا أعزّ منک فی عزّک أعزّنی بعزّ عزّک فی عزّ لا یعلم أحد کیف هو أتوجّه إلیک و أتوسّل إلیک بحقّ محمّد و آل محمّد علیک اعطنى ما لا یعطینی أحد غیرک، و اصرف عنی ما لا یصرفه أحد غیرک.

قال فقال أمیر المؤمنین علیه السّلام لأصحابه: هذا و اللّه الاسم الأکبر بالسریانیه أخبرنی به حبیبی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم سأله الجنّه فأعطاه و سأله صرف النار فصرفها عنه.

قال: فلما کان اللّیله الثالثه وجده و هو متعلّق بذلک الرکن و هو یقول: یا من لا یحویه مکان و لا یخلو منه مکان بلا کیفیه کان ارزق الأعرابی أربعه آلاف درهم.
قال: فتقدّم إلیه أمیر المؤمنین علیه السّلام و قال یا اعرابی سألت ربّک فأقراک، و سألت الجنّه فأعطاک، و سألته أن یصرف عنک النار فصرفها عنک و فی هذه اللّیله تسأله أربعه آلاف درهم قال الاعرابی: من أنت قال علیه السّلام أنا علىّ بن أبی طالب قال الاعرابی: أنت و اللّه بغیتی و بک أنزلت حاجتی، قال علیه السّلام: سل یا اعرابی، قال: ارید ألف درهم للصداق، و ألف درهم اقضى بها (به خ) دینی، و ألف درهم اشترى بها دارا، و ألف درهم أتعیّش بها، قال أنصفت یا اعرابی فاذا خرجت من مکّه فسل عن دارى بمدینه الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

فأقام الاعرابی بمکّه اسبوعا فخرج فی طلب أمیر المؤمنین علیه السّلام إلى المدینه و نادى من یدلّنی على دار أمیر المؤمنین علیه السّلام فقال الحسین بن علیّ من بین الصبیان أنا أدلّک على دار أمیر المؤمنین و أنا ابنه الحسین بن علیّ، فقال الاعرابى: من أبوک قال: أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السّلام، قال: من امّک قال: فاطمه الزهراء سیّده نساء العالمین، قال: من جدّک قال: محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب، قال من جدّتک قال خدیجه بنت خویلد، قال: من أخوک قال أبو محمّد الحسن بن علیّ علیه السّلام، قال: قد أخذت الدّنیا بطرفیها امش إلى أمیر المؤمنین علیه السّلام و قل له إنّ الاعرابی صاحب الضمان بمکّه على الباب.

قال: فدخل الحسین بن علیّ علیهما السّلام فقال یا أبه اعرابیّ بالباب و یزعم أنه صاحب الضمان بمکّه، قال: فقال: یا فاطمه عندک شی‏ء یأکله الاعرابی قالت: اللّهم لا، فتلبّس أمیر المؤمنین علیه السّلام و خرج و قال: ادعو الی أبا عبد اللّه سلمان الفارسی قال. فدخل سلمان الفارسی (رض) فقال علیه السّلام: یا أبا عبد اللّه اعرض الحدیقه التی غرسها رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم على التجار.

قال: فدخل سلمان إلى السوق و عرض الحدیقه فباعها باثنى عشر ألف درهم‏و أحضر المال و أحضروا الاعرابی فأعطاه أربعه آلاف درهم و أربعین درهما نفقه، و وقع الخبر إلى سؤّال المدینه فاجتمعوا، و مضى رجل إلى فاطمه فأخبرها بذلک فقالت: آجرک اللّه فی ممشاک، فجلس علیّ علیه السّلام و الدّراهم مصبوبه بین یدیه حتّى اجتمع علیه أصحابه فقبض قبضه قبضه و جعل یعطى رجلا رجلا حتى لم یبق معه درهم واحد فلما أتى المنزل قالت له فاطمه علیه السّلام: یا ابن عم بعت الحائط الذى غرسه لک والدى، قال: نعم بخیر منه عاجلا و آجلا، قالت: فأین الثمن قال دفعته إلى أعین استحییت أن أذلّها بذلّ المسأله اعطیتها قبل أن تسألنى، قالت فاطمه: أنا جایعه و أولادی جایعان و لا شکّ إلّا و أنّک مثلنا فی الجوع لم یکن لنا منه درهم و أخذت بطرف ثوب علیّ، فقال علیّ: خلّینی، فقالت علیها السّلام: لا و اللّه أو یحکم بینی و بینک أبی.

فهبط جبرئیل على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال: یا محمّد ربک یقرءک السّلام و یقول اقرء علیّا منّی السّلام و قل لفاطمه: لیس لک أن تضربی على یدیه و لا تلزمى بثوبه فلمّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم منزل علیّ علیه السّلام وجد فاطمه ملازمه لعلیّ علیه السّلام، فقال لها با بنیّه ما لک ملازمه لعلیّ قالت: یا أبت باع الحائط الّذی غرسته له باثنى عشر ألف درهم لم یحبس لنا منه درهما واحدا نشترى به طعاما، فقال: یا بنیّه إنّ جبرئیل یقرئنی من ربّی السّلام و یقول: اقرء علیّا منّی السّلام و أمرنی أن أقول لک لیس لک أن تضربی على یدیه و لا تلزمی بثوبه، قالت فاطمه: أستغفر اللّه و لا أعود أبدا.

قالت فاطمه علیها السّلام: فخرج أبی فی ناحیه و زوجی فی ناحیه فما لبث أن أتى أبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و معه سبعه دراهم سود هجریه، فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: یا فاطمه أین ابن عمّی فقلت له: خرج، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: هاک هذه الدّراهم فاذا جاء ابن عمّی فقولی له یبتاع لکم بها طعاما، فما لبث إلّا یسیرا حتّى جاء علیّ علیه السّلام فقال: رجع ابن عمّی فانّی أجد رایحه طیّبه، قالت: نعم و قد دفع إلىّ شیئا تبتاع به طعاما قال: فقال علیّ علیه السّلام: هاتیه، فدفعت إلیه سبعه دراهم سود هجریّه فقال: بسم اللّه‏و الحمد للّه کثیرا طیبا و هذا من رزق اللّه تعالى، ثمّ قال علیه السّلام: یا حسن قم معى فأتیا السّوق فاذا هما برجل واقف و هو یقول: من یقرض الملى الوفی قال: یا بنیّ نعطیه قال: اى و اللّه یا أبه، فأعطاه علىّ الدّراهم کلّها، فقال: یا أبتاه أعطیته الدّراهم کلّها قال: نعم یا بنیّ إنّ الّذی یعطى القلیل قادر على أن یعطى الکثیر.

قال: فمضى علیّ علیه السّلام إلى باب رجل یستقرض منه شیئا، فلقیه اعرابیّ و معه ناقه، فقال: یا علیّ اشتر منّی هذه النّاقه قال: لیس معى ثمنها قال: فانی انظرک به إلى القبض، قال: بکم یا اعرابی قال: بمأه درهم، فقال علیّ علیه السّلام: خذها یا حسن فأخذها.

فمضى علیّ علیه السّلام فلقیه اعرابی آخر المثال واحد و الثیاب مختلفه فقال: یا علی تبیع النّاقه، قال علیّ علیه السّلام: و ما تصنع بها قال: أغزو بها أوّل غزوه یغزوها ابن عمّک قال علیه السّلام: إن قبلتها فهى لک بلا ثمن، قال: معى ثمنها و بالثّمن أشتریها، قال: فبکم اشتریتها قال علیه السّلام: بمأه درهم، قال الاعرابی: فلک سبعون و مأئه درهم، قال علیّ علیه السّلام للحسن علیه السّلام: خذ السّبعین و المأه و سلّم المأه للأعرابی الّذی باعنا الناقه و السبعین لنا نبتاع بها شیئا، فأخذ الحسن علیه السّلام الدّراهم و سلّم الناقه قال علیّ علیه السّلام: فمضیت أطلب الاعرابی الذی ابتعت منه الناقه لأعطیه ثمنه فرأیت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم جالسا لم أر فیه جالسا قبل ذلک الیوم و لا بعده على قارعه الطریق، فلما نظر النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلیّ تبسّم ضاحکا حتّى بدت نواجذه، قال علیّ علیه السّلام أضحک اللّه سنّک و بشرک بیومک، فقال یا أبا الحسن إنک تطلب الاعرابی الذی باعک الناقه لتوفیه الثمن فقلت: إى و اللّه فداک أبی و امّی، فقال: یا أبا الحسن الّذی باعک النّاقه جبرائیل و الّذی اشتریها منک میکائیل و الناقه من نوق الجنه و الدّراهم من عند ربّ العالمین فأنفقها فی خیر و لا تخف إقتارا.
الثانی ما روته العامه و الخاصه بروایات کثیره تنیف على عشرین فی سبب نزول سوره هل أتى، فلنقتصر على روایه واحده.

و هی ما فی غایه المرام عن الصّدوق بسندین مذکوریین فیه أحدهما عن ابن عبّاس، و ثانیهما عن الصّادق جعفر بن محمّد عن أبیه علیهما السّلام فی قول اللّه عزّ و جلّ «یُوفُونَ بِالنَّذْرِ» قال علیه السّلام: مرض الحسن و الحسین و هما صبیّان صغیران فعادهما رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و معه رجلان«» فقال أحدهما لو نذرت فی ابنیک نذرا إن عافاهما اللّه قال علیه السّلام أصوم ثلاثه أیّام للّه شکرا للّه عزّ و جلّ، و کذلک قالت فاطمه، و قال الصّبیان و نحن أیضا نصوم ثلاثه أیّام، و کذلک قالت جاریتهم فضّه فألبسهما اللّه العافیه فأصبحوا صائمین، و لیس عندهم طعام.
فانطلق علیّ علیه السّلام إلى جار له من الیهود یقال له: شمعون یعالج الصّوف، فقال له: هل لک أن تعطینی جزّه من صوف تغزلها ابنه محمّد بثلاثه أصوع من شعیر قال: نعم، فأعطاه، فجاء بالصّوف و الشّعیر و أخبر فاطمه فقبلت و أطاعت، ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصّوف ثمّ أخذت صاعا من الشّعیر فطحنته و عجنته و خبزت منه خمسه أقراص لکلّ واحد منهم قرص، و صلّى علیّ علیه السّلام مع النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم المغرب ثمّ أتى منزله فوضع الخوان و جلسوا خمستهم.

فأوّل لقمه کسرها علیّ علیه السّلام إذا مسکین واقف، فقال: السّلام علیکم یا أهل بیت محمّد أنا مسکین من مساکین المسلمین أطعمونی ممّا تأکلون أطعمکم اللّه من موائد الجنّه، فوضع اللّقمه من یده ثمّ قال علیه السّلام:

فاطم ذات المجد و الیقین
یا بنت خیر النّاس أجمعین‏

أما ترین البائس المسکین‏
جاء إلى الباب له حنین‏

یشکو إلى اللّه و یستکین
یشکو إلینا جائع حزین‏

کلّ امرء بکسبه رهین‏
من یفعل الخیر یکن حسین‏

موعده فی جنّه و مین
حرّمها اللّه على الضّنین‏

و صاحب البخل یقف حزین‏
تهوى به النّار إلى سجّین‏
شرابه الحمیم و الغسلین‏

فأقبلت فاطمه علیها السّلام تقول.

أمرک سمع یا ابن عم و طاعه
ما بى من لؤم و لا ضراعه

غذیت باللّب و بالبراعه
أرجو إذا أشبعت فی مجاعه

أن الحق الخیار و الجماعه
و أدخل الجنّه فی شفاعه

و عمدت إلى ما کان من الخوان فدفعته إلى المسکین و باتوا جیاعا و أصبحوا صیاما لم یذوقوا إلّا الماء القراح.
ثمّ عمدت إلى الثلث الثّانی من الصّوف فغزلته ثمّ أخذت صاعا من الشّعیر فطحنته و عجنته و خبزت منه خمسه أقراص لکلّ واحد قرص، و صلّى علیّ علیه السّلام المغرب مع النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ثمّ أتا إلى منزله فلمّا وضع الخوان بین یدیه و جلسوا خمستهم.

فأوّل لقمه کسرها علیّ علیه السّلام إذا یتیم من یتامى المسلمین قد وقف فقال: السّلام علیکم یا أهل بیت محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنا یتیم المسلمین أطعمونی ممّا تأکلون أطعمکم اللّه على موائد الجنّه، فوضع علیّ علیه السّلام اللّقمه من یده ثمّ قال علیه السّلام:

فاطم بنت السّید الکریم
بنت نبیّ لیس بالزّنیم‏

قد جاءنا اللّه بذا الیتیم‏
من یرحم الیوم فهو رحیم‏

موعده فی جنّه النّعیم
حرّمها اللّه على اللّئیم‏

و صاحب البخل یقف ذمیم‏
تهوى به النّار إلى الجحیم‏
شرابه الصّدید و الحمیم‏

فأقبلت فاطمه علیها السلام تقول:

فسوف أعطیه و لا ابالی
و اوثر اللّه على عیالی‏

أمسوا جیاعا و هم أشبالی‏
أصغرهما یقتل فی القتال‏

فی کربلا یقتل باغتیال
لقاتلیه الویل و الوبال‏

تهوى به النّار إلى سفال‏
کبوله زادت على الأکبال‏

ثمّ عمدت فأعطته جمیع ما على الخوان، و باتوا جیاعا لم یذوقوا إلّا الماء القراح‏ فأصبحوا صیاما.
و عمدت فاطمه علیها السّلام فعزلت الثّلث الباقی من الصّوف و طحنت الثّلث الباقی و عجنته و خبزت منه خمسه أقراص لکلّ واحد منهم قرص و صلّى علیّ علیه السّلام مع النّبیّ ثمّ أتى منزله فقرب إلیه الخوان فجلسوا خمستهم.
فأوّل لقمه کسرها علیّ علیه السّلام إذا أسیر من أسیر المشرکین قد وقف بالباب فقال: السّلام علیکم یا أهل بیت محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم تأسرونا و تشدّونا و لا تطعمونا، فوضع علیّ علیه السّلام اللّقمه من یده ثمّ قال:

فاطم یا بنت النّبی أحمد
بنت نبیّ سیّد مسدّد

قد جاءک الأسیر لیس یهتدى‏
ما یزرع الزارع سوف یحصد
فأعطیه و لا تخطیه بنکد

فأقبلت فاطمه علیها السّلام و هى تقول:

لم یبق ممّا کان غیر صاع
قد دبرت کفّی مع الذّراع‏

شبلاى و اللّه هما جیاع‏
یا ربّ لا تترکهما ضیاع‏

أبوهما للخیر ذو اصطناع
عبل الذّراعین طویل الباع‏

و ما على رأسی من قناع‏
إلّا عباء نسجها بصاع‏

و عمدوا إلى ما کان على الخوان فأعطوه و باتوا جیاعا و أصبحوا مفطرین لیس عندهم شی‏ء.
قال شعیب فی حدیثه: و أقبل علیّ علیه السّلام بالحسن و الحسین علیهما السّلام نحو رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و هما یرتعشان کالفراخ من شدّه الجوع، فلمّا بصر رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال: یا أبا الحسن أشدّ ما یسوءنی ما أرى بکم انطلق إلى بنتی فاطمه علیها السّلام فانطلقوا و هى فی محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدّه الجوع و غارت عیناها،فلمّا رآها رسول اللّه ضمّها إلیه، و قال: وا غوثاه أنتم منذ ثلاث فیما أرى فهبط جبرائیل فقال: یا محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم خذ ما هنالک فی أهل بیتک، قال: و ما آخذ یا جبرئیل قال: « هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ» حتّى بلغ «إنّ هذا کان لکم جزاء و کان سعیکم مشکورا» و قال الحسن بن مهران فی حدیثه: فوثب النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حتّى دخل منزل فاطمه فرأى ما بهم فجمعهم ثمّ انکبّ علیهم یبکى، و قال: أنتم منذ ثلاث فیما أرى و أنا غافل عنکم، فهبط جبرائیل بهذه الآیات إِنَّ الْأَبْرارَ یَشْرَبُونَ مِنْ کَأْسٍ کانَ مِزاجُها کافُوراً عَیْناً یَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ یُفَجِّرُونَها تَفْجِیراً قال: هى عین فی دار النّبیّ یتفجّر إلى دور الأنبیاء و المؤمنین یُوفُونَ بِالنَّذْرِ یعنی علیّا و فاطمه و الحسن و الحسین و جاریتهما فضّه وَ یَخافُونَ یَوْماً کانَ شَرُّهُ مُسْتَطِیراً یقول عابسا کلوحا وَ یُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ یقول على حبّ شهوتهم الطّعام و ایثارهم له مِسْکِیناً من مساکین المسلمین وَ یَتِیماً من یتامى المسلمین وَ أَسِیراً من اسارى المشرکین، و یقولون إذا أطعموهم إِنَّما نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِیدُ مِنْکُمْ جَزاءً وَ لا شُکُوراً قال: و اللّه ما قالوا هذا و لکنّهم أضمروا فی أنفسهم فأخبر اللّه باضمارهم یقول: لا نرید منکم جزاء تکافوننا به، و لا شکورا تثنون علینا به، و لکنّا إنّما نطعمکم لوجه اللّه و طلب ثوابه قال اللّه تعالى ذکره فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِکَ الْیَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَهً وَ سُرُوراً نضره فی الوجوه و سرورا فی القلب وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّهً وَ حَرِیراً جنّه یسکنونها و حریرا یفرشونه و یلبسونه مُتَّکِئِینَ فِیها عَلَى الْأَرائِکِ و الأرائک السّریر علیه الحجلّه لا یَرَوْنَ فِیها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِیراً قال ابن عبّاس: فبینا أنّ أهل الجنّه فی الجنّه إذا رأوا مثل الشّمس اشرقت له الجنان فیقول أهل الجنّه: یا ربّ إنّک قلت فی کتابک لا یرون فیها شمسا، فیرسل اللّه جلّ اسمه إلیهم جبرئیل فیقول: لیس هذه بشمس لکن علیّا و فاطمه ضحکا فأشرقت الجنان من نور ضحکهما، و نزلت هل أتى فیهم إلى قوله: و کان سعیکم مشکورا.

أقول: و قد أثبتّ الرّوایه برمّتها و إن کان خاتمتها خارجه من الغرض الذی‏نحن فیه شعفا منّی بذکر مآثر أمیر المؤمنین و زوجته و الطّیّبین من أولادهما سلام اللّه علیهم، و فیما رویناه من الفضل الّذی تخصّصوا به ما لم یشرکهم فیه أحد و لا ساواهم فی نظیر له مساو.

الثالث ما فی الصافی من الأمالی عن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أنه جاء إلیه رجل فشکى إلیه الجوع، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلى بیوت أزواجه فقال: ما عندنا إلّا ماء، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: من لهذا الرّجل اللّیله فقال علیّ بن أبی طالب: أنا له یا رسول اللّه و أتا فاطمه علیها السلام فقال لها: ما عندک یا ابنه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقالت: ما عندنا إلّا قوت العشیّه لکنا نؤثر ضیفنا، فقال: یا ابنه محمّد صلّى اللّه علیه و آله نومى الصبیّه و أطفى المصباح، فلما أصبح علیّ علیه السّلام غدا على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فأخبره الخبر، فلم یبرح حتى أنزل اللّه عزّ و جلّ «وَ یُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کانَ بِهِمْ خَصاصَهٌ وَ مَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» هذا.

و قد ظهر لک ممّا تضمنّته هذه الرّوایات الثلاث الذی هو أنموذج ممّا تضمّنته سایر الرّوایات کیفیّه عیش رسول اللّه مع خواصّه فی دار الدّنیا و زهدهم فیها و ایثارهم الآخره على الاولى و أنّها قبضت عنه و عن أهل بیته (و زویت) أى صرفت و نحیت (عنه زخارفها) و زینتها (مع عظیم) تقرّبه و (زلفته فلینظر ناظر بعقله) أنه لو یکون فی الدّنیا و الاکثار منها خیر لم یفت هؤلاء الأکیاس الذین هم أقرب الخلق إلى اللّه و خاصّته و حججه على سایر الناس، بل تقرّبوا إلیه سبحانه بالبعد عنها، و تحبّبوا إلیه تعالى بالبغض لها.
و لیتفکّر بفکره سلیمه أنه (أکرم اللّه تعالى محمّدا صلّى اللّه علیه و آله) و سایر أنبیائه و أولیائه (بذلک) الضیق فی الدّنیا و الاعسار فیها (أم أهانه) و أهانهم.

(فان قال أهانه) و إیّاهم (فقد کذب و العظیم) ضروره أنّ أحقر ملک من ملوک الدّنیا لا یقصد بأحد من خاصّته إذا کان مطیعا له منقادا لأمره مخلصا فی طاعته الاهانه فکیف یصدر ذلک عن ملک السلوک و سلطان السلاطین حکیم الحکماء و رحیم الرحماء فی حقّ أخصّ خواصّه و أقربهم إلیه و أشدّهم زلفه عنده و اکثرهم‏ طاعه له.

(و إن قال أکرمه) و أکرمهم کما هو الحقّ و الصدق (فلیعلم أنّ اللّه) قد (أهان غیره) و غیرهم إذ الشی‏ء إن کان عدمه إکراما و کمالا کان وجوده نقصا و إهانه ف (حیث بسط الدّنیا) له أى لذلک الغیر (و زویها عن أقرب الناس منه) کان فی بسطها له إهانه لا محاله.

(فتأسّی متأسّ بنبیّه و اقتصّ أثره و ولح مولجه) الفاء فصیحه و الجملات الثلاث إخبار فی معنى الانشاء أى إذا عرف زهد النّبیّ فی الدّنیا و علم أنّها دار هوان فلیتأسّ المتأسّی به صلّى اللّه علیه و آله، و لیتبّع أثره و لیدخل مدخله و یحذو حذوه و لیرغب عنها.

(و إلّا فلا یأمن الهلکه) لأنّ حبّ الدّنیا و التّنافس فیها رأس کلّ خطیئه جاذبه من درجات النّعیم إلى درکات الجحیم.
و أوضح هذه العلّه بقوله (فانّ اللّه سبحانه جعل محمّدا صلّى اللّه علیه و آله علما للسّاعه و مبشّرا بالجنّه و منذرا بالعقوبه) أى مطلعا بأحوال الآخره جمیعها، فحیث آثر الآخره على الاولى و ترک الرّکون إلیها مع اطلاعه علیهما علم أن لیس ذلک إلّا لکون الدّنیا مظنّه الهلاک، و العقبى محلّه النّجاه و الحیاه، فالرّاکن إلیها متعرّض للهلاک الدائم و الخزی الأبد لا محاله.

و یظهر لک عدم رکونه صلّى اللّه علیه و آله إلیها بأنّه (خرج من الدّنیا خمیصا) أى جائعا إمّا حقیقه أو کنایه عن عدم الاستمتاع بها (و ورد الآخره سلیما) من التبعات و المکاره (لم یضع حجرا على حجر) کنایه عن عدم بنائه فیها (حتّى مضى لسبیله و أجاب داعى ربّه).
قال الحسن: مات رسول اللّه و لم یضع لبنه على لبنه و لا قصبه على قصبه، رواه فی إحیاء العلوم.
و فیه أیضا قال النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله: إذا أراد اللّه بعبد شرّا أهلک ماله فی الماء و الطّین.

و قال عبد اللّه بن عمر: مرّ علینا رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و نحن نعالج خصّا، فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: ما هذا قلنا: خصّ لنا قد وهى، فقال: أرى الأمر أعجل من ذلک.
و قال الغزالی: و قال النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله من بنى فوق ما یکفیه کلّف أن یحمله یوم القیامه، هذا.
و لمّا فرغ من التزهید فی الدّنیا و التّرغیب فی الآخره بالتّنبیه على هوانها و حقارتها بما لا مزید علیه، و بشرح حال أولیاء الدّین من خاتم النّبیّین و سایر الأنبیاء و المرسلین سلام اللّه علیهم أجمعین فی رفضهم لها و ترکهم ایّاها، أردف ذلک بالاشاره إلى زهده و إظهار غایه الامتنان من اللّه سبحانه فی إنعامه عزّ و جلّ علیه علیه السّلام بالتّأسّی بنبیّه فقال: (فما أعظم نعمه اللّه عندنا حین أنعم علینا به) أى برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله (سلفا نتّبعه و قائدا نطا عقبه) و نقفو أثره و نسلک سبیله فی زهده.

و أوضح اتّباعه و تأسّیه به صلّى اللّه علیه و آله بالاشاره إلى بعض مراتب زهده فانّه أنموذج من سایر المراتب، و فیه عبره لمن اعتبر، و کفایه لمن تذکّر، فقال: (و اللّه لقد رقعت مدرعتى هذه) و هو ثوب من صوف یتدرّع به (حتّى استحییت من راقعها) لکثره رقاعها (و لقد قال لی قائل) لمّا رأى أنّها خلق و سمل (ألا تنبذها) و تطرحها (عنک فقلت) له (اعزب) أى غب و تباعد (عنّی فعند الصّباح یحمد القوم السّرى) و هو مثل یضرب لمن احتمل المشقّه عاجلا لینال الرّاحه آجلا.

و أصله أنّ المسافر إذا احتمل المشقّه و حرّم على نفسه لذه الرّقاد و بادر إلى السّرى من أوّل اللّیل و جدّ فی سیره فانّه یبلغ عند الصّباح منزله و یصل إلیه سالما غانما و ینزل أحسن المنازل و أشرفها مقدّما على غیره، و یستریح من تعب اللّیل و یکون محمودا، بخلاف من أخذه نوم الغفله و آثر اللّذه العاجله على الآجله، فانّه إذا سرى فی آخر اللّیل و فی اخریات النّاس فانّه ربما یغیله اللّصوص فلا یسلم أو یضلّ عن الطّریق فیعطب، و مع سلامته یکون مسیره فی حرّ النّهار على و صب و تعب، فیصل إلى المنزل بعد ما سبق غیره إلى أحسنه و أشرفه، فلا یجد له منزلا و مقیلا إلّا أردء المنازل و أدونها، فعند ذلک یلوم نفسه بتفریطه، و یذمّه غیره و یندم‏على ما فرّط و لا ینفعه النّدم.

و بهذا التّقریر انقدح لک وجه المطابقه بین المثال و الممثّل.
بیانه أنّ ذلک النشأه المشوبه بالکدورات و العلایق الظّلمانیه البدنیّه بمنزله اللّیل، و النّشأه الاخرویّه المطابقه لتلک النشأه الّتی هى دار التجرّد الصّافیه عن الکدورات و العلاقات بمنزله الصّباح الواقع عقیب اللّیل، و الوطن الأصلی للانسان هى الدّار الآخره، و هو فی الدّنیا بمنزله المسافر، فمن ترک الدّنیا وجدّ فی السّیر إلى الآخره بالمواظبه على الطّاعات و الرّیاضات الشّاقّه الموصله له إلیها وصل إلى مقصده، و نزل فی غرفات الجنان، و فیهنّ خیرات حسان فعند ذلک یکون محمودا مسرورا عند نفسه و عند الخالق و الخلایق لما صبر على مشاقّ الدّنیا و مقاساه الشّدائد.
و من أخذه نوم الغفله فیها و اغترّ باللّذات الحاضره و الشهوات العاجله، و رد الآخره و لیس له مقام إلّا سجّین، و لا شراب و طعام إلّا من حمیم و غسلین، فعند ذلک یلومه نفسه و غیره و یندم على تقصیره، و یقعد ملوما محسورا و یدعو ثبورا

تذییلان الاول

قد مضى فی مقدّمات شرح الخطبه الشقشقیّه و فی غیرها بعض الکلام فی زهد أمیر المؤمنین علیه السّلام، و أقول هنا مضافا إلى ما سبق: روى فی عدّه الدّاعی عن خبیر بن حبیب قال: نزل بعمر بن خطّاب نازله قام لها و قعد، و تربخ لها و تقطر«» ثمّ قال: یا معشر المهاجرین ما عندکم فیها قالوا: یا أمیر المؤمنین أنت المفزع و المنزل، فغضب و قال: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِیداً، أما و اللّه إنّا و إیّاکم لنعرف ابن بجدتها«» و الخبیربها، قالوا: کأنّک أردت ابن أبی طالب قال: و أنّی یعدل بی عنه و هل طفحت جرّه بمثله قالوا: فلو بعثت إلیه، قال: هیهات هیهات هناک شمخ من هاشم و لحمه من الرّسول و اثره من علم یؤتى لها و لا یأتی، امضوا إلیه فاقصفوا«» نحوه و أفضوا إلیه، و هو فی حایط له علیه تبّان یترکّل على مسحاته«» و هو یقول: «أَ یَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ یُتْرَکَ سُدىً، أَ لَمْ یَکُ نُطْفَهً مِنْ مَنِیٍّ یُمْنى‏، ثُمَّ کانَ عَلَقَهً فَخَلَقَ فَسَوَّى» و دموعه تهمى على خدّیه، فأجهش«» القوم لبکائه ثمّ سکن و سکنوا، و سأله عمر عن مسأله فأصدر إلیه جوابها فلوى عمر یدیه ثمّ قال: أما و اللّه لقد أرادک الحقّ و لکن أبى قومک، فقال علیه السّلام: یا أبا حفص خفّض علیک من هناک و من هنا إنّ یوم الفصل کان میقاتا، فانصرف و قد أظلم وجهه و کأنّما ینظر إلیه من لیل.

و فى شرح المعتزلی عن أحمد بن حنبل قال: لمّا ارسل عثمان إلى علیّ علیه السّلام وجدوه مؤتزرا بعباه محتجزا بعقال«» و هو یهنأ«» بعیرا له.
و فی کشف الغمه من مناقب الخوارزمی عن عبد اللّه بن أبی الهذیل قال: رأیت على علیّ علیه السّلام قمیصا زریّا إذا مدّه بلغ الظفر، و إذا أرسله کان مع نصف الذراع، و منه عن عدیّ بن ثابت قال: اتی علیّ بن أبی طالب علیه السّلام بفالوذج فأبى أن یأکل منه، و قال: شی‏ء لم یأکل منه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لا أحبّ أن آکل منه.
و منه عن أبی مسطر قال: خرجت من المسجد فاذا رجل ینادی من خلفی: ارفع إزارک فانّه أتقى لثوبک و أبقى لک و خذ من رأسک إن کنت مسلما، فمشیت خلفه و هو مؤتزر بازار و مرتد برداء و معه الدّره کأنّه أعرابیّ بدویّ، فقلت من هذافقال لی رجل أراک غریبا بهذا البلد، قلت: أجل رجل من أهل البصره، قال: هذا علیّ أمیر المؤمنین علیه السّلام حتّى انتهى الى دار بنی أبی معیط و هو سوق الابل فقال: بیعوا و لا تحلفوا فانّ الیمین تنفق السّلعه و تمحق البرکه.

ثمّ أتى أصحاب التمر فاذا خادمه تبکى فقال: ما یبکیک قالت: باعنى هذا الرّجل تمرا بدرهم فردّوه موالىّ فأبى أن یقبله، فقال: خذ تمرک و أعطها درهمها فانّها خادم لیس لها أمر، فدفعه، فقلت أ تدرى من هذا قال: لا قلت: علیّ بن أبی طالب أمیر المؤمنین علیه السّلام فصبّ تمره و أعطاها درهمها و قال: احبّ أن ترضى عنّى، فقال: ما أرضانی عنک إذا وفیتهم حقوقهم.

ثمّ مرّ مجتازا بأصحاب التّمر فقال: یا أصحاب التمر أطعموا المساکین یربو کسبکم.
ثمّ مرّ مجتازا و معه المسلمون حتّى أتى أصحاب السّمک فقال: لا یباع فى سوقنا طاف.
ثمّ أتى دار فرات و هو سوق الکرابیس فقال: یا شیخ أحسن بیعی فی قمیصی بثلاثه دراهم، فلمّا عرفه لم یشتر منه شیئا، فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قمیصا بثلاثه دراهم و لبسه ما بین الرّسغین إلى الکعبین، و قال حین لبسه: الحمد للّه الّذی رزقنی من الرّیاش ما أتجمّل به فی النّاس و اوارى به عورتی.

فقیل له: یا أمیر المؤمنین هذا شی‏ء ترویه عن نفسک أو شی‏ء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال: بل شی‏ء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یقوله عند الکسوه: فجاء أبو الغلام صاحب الثّوب فقیل یا فلان قد باع ابنک الیوم من أمیر المؤمنین علیه السّلام قمیصا بثلاثه دراهم قال: أفلا أخذت منه درهمین.

فأخذ أبوه درهما و جاء به إلى أمیر المؤمنین علیه السّلام و هو جالس على باب الرّحبه و معه المسلمون، فقال: امسک هذا الدّرهم یا أمیر المؤمنین، قال علیه السّلام: ما شأن هذا الدّرهم قال: کان ثمن قمیصک درهمین، فقال: باعنی رضاى و أخذ رضاه.
و منه قال ابن الأعرابی: إنّ علیّا علیه السّلام دخل السّوق و هو أمیر المؤمنین فاشترى قمیصا بثلاثه دراهم و نصف فلبسه فی السّوق فطال أصابعه، فقال علیه السّلام‏

للخیّاط: قصّه، قال: فقصّه و قال الخیّاط: أحوصه«» یا أمیر المؤمنین قال: لا و مشى و الدّره على کتفه و هو علیه السّلام یقول: شرعک ما بلغک المحلّ شرعک«» ما بلغک المحل.
و فی کشف الغمه أیضا قال هارون بن عنتره: قال حدّثنی أبی قال: دخلت على علیّ بن أبی طالب علیه السّلام بالخورنق و هو یرعد تحت سمل«» قطیفه، فقلت: یا أمیر المؤمنین إنّ اللّه تعالى قد جعل لک و لأهل بیتک فی هذا المال ما یعمّ و أنت تصنع بنفسک ما تصنع فقال: و اللّه ما أرزاکم من أموالکم شیئا و انّ هذه لقطیفتی الّتی خرجت بها من منزلی من المدینه ما عندی غیرها.

و فیه و خرج علیه السّلام یوما و علیه ازار مرقوع فعوتب علیه فقال: یخشع القلب بلبسه و یقتدى بی المؤمنین إذا رآه علیّ.
و اشترى علیه السّلام یوما ثوبین غلیظین فخیّر قنبرا فیهما، فأخذ واحدا و لبس هو الآخر، و رأى فی کمّه طولا عن أصابعه فقطعه.

و کان علیه السّلام قد ولیّ على عکبرا رجلا من ثقیف قال: قال لی علیّ علیه السّلام إذا صلّیت الظّهر غدا فعد إلیّ، فعدت إلیه فی الوقت المعیّن فلم أجد عنده حاجبا یحبسنی دونه فوجدته جالسا و عنده قدح و کوز ماء، فدعا بوعاء مشدود مختوم، فقلت: قد أمننى حتّى یخرج إلىّ جوهرا، فکسر الختم فاذا فیه سویق فأخرج منه فصبّه فی القدح و صبّ علیه ماء فشرب و سقانی فلم أصبر فقلت له: یا أمیر المؤمنین أتصنع هذا فی العراق و طعامه کما ترى فی کثرته فقال علیه السّلام: أما و اللّه ما أختم علیه بخلا به و لکنّى أبتاع قدر ما یکفینی فأخاف أن ینقص فیوضع فیه من غیره و أنا أکره أن أدخل بطنی إلّا طیّبا، فلذلک أحترز علیه کما ترى، فایّاک و تناول ما لا تعلم حلّه.

قال کاشف الغمّه بعد روایته لهذه الأخبار و غیرها ممّا ترکنا روایتها خوف الاطاله: و کم له صلّى اللّه علیه من الآثار و الأخبار و المناقب الّتی لا تستر أو یستروجه النّهار، و السّیره الّتی هى عنوان السّیر، و المفاخر الّتی یتعلّم منها من فخر، و المآثر الّتی تعجز من بقى کما أعجزت من غبر، فأعجب بهذه المکارم و الأفعال الّتی هی غرر فی جهات الأیّام، و الزّهاده الّتی فاق بها جمیع الأنام، و الورع الّذی حمله على ترک الحلال فضلا عن الحرام، و العباده الّتی أوصلته إلى مقام وقف دونه کلّ الأقوام.

و لمّا ألزم نفسه الشّریف تحمّل هذه المتاعب، و قادها إلى اتّباعه فانقادت انقیاد الجنائب، و ملکها حتّى صاحب منها أکرم عشیر و خیر مصاحب، و استشارها لیختبرها فلم تنه إلّا عن منکر و لا أمرت إلّا بواجب صار له ذلک طبعا و سجیّه، و انضمّ علیه ظاهرا و نیه، و اعمل فیه عزیمه بهمّه قویّه، و استوى فی السّعى لبلوغ غایاته علانیه و طویّه، فما تحرّک حرکه إلّا بفکر و فی تحصیل أجر، و فی تخلید ذکر لا لطلب فخر و إعلاء قدر، بل لامتثال أمر و طاعه فی سرّ و جهر، فلذلک شکر اللّه سعیه حین سعى، و عمّه بألطافه العمیمه و رعى، و أجاب دعائه لما دعى، و جعل اذنه السّمیعه الواعیه فسمع و وعى، فاسأل اللّه بکرمه أن یحشرنی و محبّیه و إیّاه معا.
قال کاشف الغمّه: أنشدنی بعض الأصحاب لبعض العلویّین.

عتبت على الدّنیا و قلت إلى متى
أکابد عسرا ضرّه لیس ینجلی‏

أکلّ شریف من على جدوده‏
حرام علیه الرّزق غیر محلّل‏

فقالت نعم یا ابن الحسین رمیتکم
بسهمى عنادا حین طلّقنی على

التذییل الثانی

لمّا کان هذا الفصل من خطبته علیه السّلام متضمّنا للتحریض على الجوع و الترغیب فیه تأسّیا بالنّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و سایر السّلف الصّالحین أحببت أن أعرّفک فواید الجوع‏و آفات الشّبع على ما یستفاد من الأخبار و یدلّ علیه الوجدان و التجربه فأقول: قال الغزالی فی إحیاء العلوم ما ملخّصه ببعض تصرّف و تغییر منّا: إنّ فی الجوع عشر فواید.

الفائده الاولى صفاء القلب و إیقاد القریحه و إنفاذ البصیره، فانّ الشّبع یورث البلاده و یعمى القلب و یکثر البخار فی الدّماغ شبه السّکر حتّى یحتوی على معادن الفکر، فیثقل القلب بسببه عن الجریان فی الأفکار و عن سرعه الادراک قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أحیوا قلوبکم بقلّه الضّحک و قلّه الشّبع، و طهّروها بالجوع تصفو و ترق.
و قال لقمان لابنه: یا بنىّ إذا امتلائت المعده نامت الفکره و خرست الحکمه و قعدت الأعضاء عن العباده.
الثانیه رقّه القلب و صفائه الّذی به یتهیّأ لادراک لذّه المناجاه و التّأثر بالذّکر، فکم من ذکر یجرى على اللّسان و لکنّ القلب لا یلتذّ به و لا یتأثّر حتّى کأنّ بینه و بینه حجابا من قسوه القلب، و إنّما یحصل التّلذّذ و التّأثّر بخلوّ المعده کما هو معلوم بالتّجربه.

الثالثه الانکسار و الذّل و زوال البطر و الأشر و الفرح الّذی هو مبدء الطغیان و الغفله عن اللّه کما قال تعالى «إِنَّ الْإِنْسانَ لَیَطْغى‏ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى‏» فلا تنکسر النّفس و لا تذلّ بشی‏ء کما تذلّ بالجوع، فعنده تسکن لربّها و تخشع و تذعن بعجزها و ذلّها لما ذاقت حیلتها بلقمه طعام و أظلمت الدّنیا علیها بشربه ماء، و ما لم یشاهد الانسان ذلّ نفسه و عجزه لا یرى عزّه مولاه و لا قهره.

و لذلک إنّ النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله لمّا جاءه جبرئیل و عرض علیه خزائن الدّنیا و أبی من قبولها قال لجبرئیل: دعنى أجوع یوما و أشبع یوما، فالیوم الّذی أجوع فیه أتضرّع إلى ربّی و أسأله، و الیوم الّذی أشبع فیه أشکر ربّی و أحمده، فقال له جبرئیل: وفّقت لکلّ خیر.

الرابعه التّذکّر بجوعه جوع الفقراء و المساکین و المحتاجین، لأنّ الانسان إنّما یقیس غیره على نفسه فیلاحظ حال الغیر بملاحظه حاله، فاذا شاهد فی نفسه ألم الجوع یعرف بذلک ما فی المحتاجین من الألم، فیوجب ذلک مواساتهم، و یدعو إلى الاطعام و الشّفقه و الرّحمه على خلق اللّه، و الشّبعان بمعزل عن ذلک و غفله منه.و لذلک قیل لیوسف علیه السّلام: لم تجوع و فی یدیک خزائن الأرض فقال: أخاف أن اشبع فانسى الجایع.

الخامسه التّذکّر به جوع یوم القیامه و عطشه، فانّ العبد لا ینبغی أن یغفل أهوال یوم القیامه و آلامها.
قال فی عدّه الدّاعی: قال النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أکثر النّاس شبعا أکثرهم جوعا یوم القیامه، لأنّ تذکّرها یهیج الخوف و الخشیه من اللّه و هو زمام النّفس الأمّاره العاطف لها عن الفحشاء و المنکر.

السادسه و هی أعظم الفواید کسره شهوات المعاصی کلّها و الاستیلاء على النّفس فانّ منشأ المعاصى الشّهوات و القوى، و مادّه القوى و الشّهوات هى الأطعمه البتّه، فتقلیلها یضعف کلّ شهوه و قوّه، و إنّما السّعاده کلّها فی أن یملک الرّجل نفسه و لا یملکه نفسه و کما أنّک لا تملک الدّابه الجموح إلّا بضعف الجوع و الهزال فاذا شبعت قویت و شردت و جمحت، فکذلک النّفس.
و لذلک قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: إنّ الشّیطان یجرى من ابن آدم مجرى الدّم فی العروق، فضیّقوا مجاریه بالجوع.

السابعه دفع النوم و دوام السّهر، فانّ من شبع شرب کثیرا، و من کثر شربه کثر نومه، و فی کثره النّوم ضیاع العمر و فوات التهجّد و العمر أنفس الجواهر و هو رأس مال الانسان به یتّجر و یتزوّد لآخرته، و فضیله التّهجّد غیر خفیّه.

الثامنه تیسیر المواظبه على العبادات، فانّ کثره الأکل مانعه منها، لأنّها محتاجه إلى زمان یشتغل فیه بالأکل و مضغ الطّعام و ازدراده فی الفم، و ربّما یحتاج إلى شراء الطّعام و طبخه و غسل الید و نحوها، و فی ذلک تفویت العمر و تضییع الوقت‏ فلو صرف زمانه المصروف إلى ذلک فی الطّاعات و المناجاه لعظم أجره و کثر ربحه

التاسعه صحّه البدن و السّلامه من الأمراض، فانّ سببها کثره الأکل و حصول فضله الأخلاط فی المعده و العروق.
روى إنّ سقراط الحکیم کان قلیل الأکل فقیل له فی ذلک: فأجاب إنّ الأکل للحیاه و لیس الحیاه للأکل.

قال المحدّث الجزائری فی زهر الرّبیع: ورد فی الحدیث أنّ حکیما نصرانیّا دخل على الصّادق علیه السّلام فقال: أفی کتاب ربّکم أم فی سنّه نبیّکم شی‏ء من الطّب فقال: أمّا فی کتاب ربّنا فقوله تعالى «کُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا» و أمّا فی سنّه نبیّنا: الاسراف فی الأکل رأس کلّ داء و الحمیه منه رأس کلّ دواء، فقام النّصرانی و قال: و اللّه ما ترک کتاب ربّکم و لا سنّه نبیّکم شیئا من الطبّ لجالینوس قال: روی عنه علیه السّلام أنه لو سئل أهل القبور عن السّبب و العلّه فی موتهم لقال أکثرهم التّخمه، فعلم من ذلک أنّ عمده السبب للمرض هو کثره الأکل و ممانعه المرض من العبادات و تشویشه للقلب و منعه من الذّکر و الفکر و تنغیصه للعیش معلوم.

العاشره خفّه المؤنه، فانّ من اعتاد قلّه الأکل کفاه القلیل من الطعام و الیسیر من المال، بخلاف من تعوّد البطنه، فانّ بطنه صار غریما له آخذا بخناقه فی کلّ یوم و لیله، فیلجاه إلى أن یمدّ عین الطمع إلى الناس، و یدخل المداخل فیکتسب إما من الحرام فیعصى، أو من الحلال فیحاسب.

هذا کله مضافا إلى ما فی قلّه الأکل من التمکّن من الایثار و التصدّق بفاضل قوته على الفقراء و المساکین، فیکون یوم القیامه فی ظلّ صدقته، و قد تقدّم فی شرح الخطبه المأه و التاسعه فی فضایل الصوم و الصدقه ما یوجب زیاده البصیره فی هذا المقام فلیتذکّر.

ثم انه بقى الکلام فی مقدار قلّه الأکل، و قد عیّنه النبیّ صلّى اللّه علیه و آله فیما رواه عنه فی عدّه الدّاعی قال: و یروى عنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنه قال: حسب ابن آدم لقیمات یقمن‏ به صلبه، فان کان و لا بدّ فلیکن الثّلث للطعام و الثّلث للشراب و الثّلث للنّفس.
قال القرطبی لو سمع بقراط بهذه القسمه لتعجّب فی هذه الحکمه.
قیل: لا شکّ إنّ أثر الحکمه فی هذا الحدیث واضح و إنّما خصّ الثلاثه«» بالذّکر، لأنّها أسباب حیاه الحیوان، لأنّه لا یدخل البطن سواها.

و مراتب الأکل على ما قاله بعضهم سبع: الاولى ما به تقوم الحیاه الثانیه أن یزید حتّى أن یصوم و یصلّى عن قیام، و هذان واجبان الثالثه أن یزید حتّى یقوى على أداء النوافل الرابعه أن یزید حتّى یقدر على التکسّب للتّوسعه، و هذان مستحبّان الخامسه أن یملاء الثّلث و هذا جایز السادسه أن یزید على ذلک فیثقل البدن و یکثر النوم، و هذا مکروه السابعه أن یزید حتّى یتضرّر و هى البطنه المنهىّ عنها و هذا حرام، و یمکن إدخال الأولى إلى الثّانیه و الثالثه إلى الرّابعه.

الترجمه

فصل دویم از این خطبه متضمّن است ابطال دعوى بعض أهل زمان رجا بثواب خداوند را و خوف از عقاب آن مى‏فرماید: ادّعا مى‏کند بزعم فاسد خود که امیدوار است بخداى تعالى دروغ مى ‏گوید بحقّ خداى بزرگ، چیست حال او که ظاهر نمى‏ شود رجا و امیدوارى در عمل او و هر که امید داشته باشد شناخته مى‏ شود امیدواری در عمل و کردار او مگر امید بخداوند متعال که بدرستی آن مغشوش است و معیوب، و هر ترس محقّق است مگر ترس از حق تعالى پس بدرستى که آن معلولست و مریض، امید مى‏دارد آن شخص بخدا در چیز بزرگ و امید مى‏دارد به بندگان در چیز حقیر پس مى‏دهد به بنده چیزى را که نمى‏دهد بپروردگار، پس چیست شأن خداى عزّ و جل که تقصیر کرده مى‏شود بأو از آن چیزى که رفتار مى‏شود با آن بر بندگان او، آیا مى‏ترسى که‏ باشى در امیدوارى تو بأو دروغ گوى، یا باشى که نه بینى او را از براى امیدوارى محل قابل.

و همچنین است اگر او بترسد از بنده از بندگان خدا عطا مى‏کند بأو از جهه خوف خود چیزى را که عطا نمى‏کند بپروردگار خود، پس مى‏گرداند ترس خود را از بندگان نقد و ترس خود را از خالق خود وعده غیر امیدوار، و همین قرار است کسى که عظم و شأن داشته باشد دنیا در چشم او، و بزرگ باشد وقع دنیا از قلب او ترجیح مى‏دهد آن دنیا را بر خدا پس بالکلّیه رجوع نماید بآن دنیا و برگردد بنده از براى آن.

و بتحقیق که هست در رفتار و کردار حضرت رسالتمآب صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کفایت کننده مر تو را در تأسّى و پیروى نمودن بآن بزرگوار و راه نماینده از براى تو بر مذمت دنیاى فانى و کثرت مهالک و معایب آن، از جهه این که بسته شد از او اطراف آن، و مهیا شد از براى غیر او جوانب او، و باز گرفته شد از شیرخوارى دنیا، و دور کرده شد از زینتهاى آن.
و اگر بخواهى دو تا گردانى اعراض حضرت رسالتمآب را از دنیا با اعراض و زهد حضرت موسى کلیم اللّه وقتى که گفت بخداوند تعالى: بار پروردگارا بدرستى من محتاجم به آن چه که فرو مى‏فرستى بمن از طعام، قسم بخدا که سؤال نمى‏کرد از خداوند مگر نانى که بخورد آنرا، بجهه این که بود آن حضرت مى‏خورد سبزی زمین را، و بتحقیق که بود سبزى تره دیده مى‏شد از پوست درون شکم او بجهه لاغری او و کمى گوشت او.

و اگر مى‏خواهى سه تا گردانى آنرا با زهد حضرت داود علیه السّلام صاحب مزمارهاى زبور و قرائت کننده أهل بهشت، پس بتحقیق که بود عمل مى‏کرد ببافته‏شده‏هاى برگ درخت خرما یعنى زنبیل مى‏بافت بدست خود مى‏گفت بهمنشینان خود کدام یک از شما کفایت مى‏کند مرا بفروختن این، و مى‏خورد نان جوى از قیمت آن.

و اگر بخواهى بگوئى در عیسى بن مریم علیه السّلام پس بتحقیق که بود بالش اخذ مى‏نمود سنگ را، و مى‏پوشید جامه درشت را، و بود نان خورش او گرسنگى و چراغ او در شب روشنائى ماه، و سایه بانهاى او در فصل زمستان مشرقهاى آفتاب و مغربهاى آن، و میوه او و ریحان او آنچه که مى‏رویانید آن را زمین از براى حیوانات و نبود او را زنى که مفتون نماید او را، و نه فرزندى که محزون کند او را، و نه مالى که برگرداند او را از حق، و نه طمعى که ذلیل بگرداند او را، مرکب او پایهاى او بود، و خدمتکار او دستهایش بود.

پس تأسّى کن به پیغمبر پاک پاکیزه خودت صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، پس بتحقیق که در اوست قابلیّت متبوعیّت از براى کسى که اقتدا و تبعیّت نماید، و لیاقت انتساب از براى کسى که نسبت خود را باو بدهد، و دوسترین بندگان بسوى خدا کسى است که تأسّى نماید به پیغمبر خود و متابعت کند أثر او را، خورد دنیا را خوردنى اندک بأطراف دندان و پر نکرد از آن دهان خود را، و نظر التفات بسوى او نگماشت، لاغرترین أهل دنیا بود از حیثیّت تهى‏گاه، و گرسنه‏ترین ایشان بوده از حیثیّت شکم، عرض کرده شد بر او خزاین دنیا پس امتناع فرمود از قبول آن و دانست که خداى تعالى دشمن داشته چیزى را پس دشمن گرفت آن حضرت نیز آنرا، و حقیر گرفته چیزى را پس حقیر گرفت آن حضرت نیز آن را، و کوچک و بى‏مقدار شمرده چیزى را پس کوچک شمرد آن هم او را.

و اگر نشود در ما هیچ چیز مگر محبّت ما بچیزى که دشمن داشته خدا و رسول او، و تعظیم ما چیزى را که خوار و خرد شمرده خدا و رسول او هر آینه کفایت مى‏کند آن از حیثیّت مخالفت مر خدا را، و از حیثیّت معاداه و مجانبت از فرمان آن.

و بتحقیق که بود حضرت رسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم مى‏خورد طعام را بر روى زمین، و مى‏نشست مانند نشستن غلام، و مى‏ دوخت با دست خود کفش خودش را، و پینه مى‏زد با دست خود رخت خود را، و سوار مى‏شد بر دراز گوش برهنه و ردیف میکرد در پس خود دیگرى را، و مى‏بود پرده بر در خانه آن حضرت پس مى‏شد در آن پرده نقش نگارها، پس مى‏ فرمود بر یکى از زوجات خود: أى فلانه پنهان کن این را از نظر من، پس بدرستى که من زمانى که نظر مى‏کنم بسوى آن یاد مى‏کنم دنیا و زینتهاى آنرا.

پس اعراض فرمود از دنیا بقلب مبارک خود، و معدوم ساخت ذکر دنیا را از نفس نفیس خود، و دوست گرفت که غایب شود زینت آن از چشم جهان بین خود تا این که اخذ ننماید از دنیا لباس فاخرى، و اعتقاد نکند آنرا آرامگاهى، و امید نگیرد در آن اقامت را، پس بیرون نمود دنیا را از نفس نفیس، و کوچانید حبّ دنیا را از خواطر أنور، و غایب گردانید آن را از نظر آفتاب منظر، و همچنین است هر کس که دشمن مى‏گیرد چیزى را دشمن مى‏گیرد آنکه نگاه کند بسوى آن و آنکه ذکر بشود نام و نشان آن در نزد او.

و بتحقیق که هست در رسول خدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم چیزى که دلالت کند ترا بر بدیهاى دنیا و عیبهاى آن از جهت این که گرسنه ماند در دنیا با خواصّ خودش، و دور کرده شد از او زینتهاى آن با وجود بزرگى قرب و منزلت او.
پس باید که نظر کند نظر کننده بعقل خود که آیا گرامى داشته خداى تعالى محمّد مصطفى صلّى اللّه علیه و آله را به سبب این، یا خوار نموده آن را پس اگر گوید خوار فرموده او را پس بتحقیق که دروغ گفته قسم بخداى بزرگوار، و اگر گوید گرامى داشته او را پس باید که بداند آنکه خداى متعال بتحقیق که خوار کرده غیر او را از جهه این که بسط فرموده دنیا را از براى آن غیر، و صرف نموده دنیا را از أقرب خلق بسوى او.
پس باید که تأسّى نماید تأسّى کننده به پیغمبر برگزیده خود، و پیروى نماید أثر او را، و داخل شود بمحلّ دخول آن، و إلّا پس أیمن نشود از هلاکت.

پس بدرستى که خداى تعالى گردانید محمّد مصطفى صلّى اللّه علیه و آله را نشانه از براى قیامت، و بشارت دهنده به بهشت، و ترساننده با عقوبت، بیرون رفت آن حضرت از دنیا در حالتى که شکم تهى بود، و وارد شد بآخرت در حالتى که سالم بود از مکاره‏ و معایب، ننهاد سنگ بالاى سنگى تا این که در گذشت براه خود و اجابت فرمود دعوت کننده پروردگار خود را.

پس چه قدر بزرگست منّت و نعمت خدا در نزد ما وقتى که انعام فرمود با آن حضرت بر ما پیش روى که متابعت کنیم او را، و پیشوائى که کام مى‏نهیم در پى او، قسم بخدا بتحقیق که پینه دوزاندم این درّاعه خود را تا بمرتبه که خجالت کشیدم از پینه دوزنده آن، و بتحقیق که گفت مرا گوینده: آیا نمى‏اندازى آن را از خودت پس گفتم که دور شو از من که در نزد صبح ستایش کرده مى ‏شوند مردمان شب رونده.

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۵۱۴

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۵۸ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۵۹ صبحی صالح

۱۵۹- و من خطبه له ( علیه‏ السلام  ) یبین فیها حسن معاملته لرعیته‏

وَ لَقَدْ أَحْسَنْتُ جِوَارَکُمْ

وَ أَحَطْتُ بِجُهْدِی مِنْ وَرَائِکُمْ

وَ أَعْتَقْتُکُمْ مِنْ رِبَقِ الذُّلِّ وَ حَلَقِ الضَّیْمِ

شُکْراً مِنِّی لِلْبِرِّ الْقَلِیلِ

وَ إِطْرَاقاً عَمَّا أَدْرَکَهُ الْبَصَرُ

وَ شَهِدَهُ الْبَدَنُ مِنَ الْمُنْکَرِ الْکَثِیرِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۹  

و من خطبه له علیه السّلام
و هى المأه و الثامنه و الخمسون من المختار فى باب الخطب

و لقد أحسنت جوارکم، و أحطت بجهدی من ورائکم، و أعتقتکم من ربق الذّلّ، و حلق الضّیم، شکرا منّی للبرّ القلیل، و إطراقا عمّا أدرکه البصر، و شهده البدن من المنکر الکثیر.

اللغه

(الجوار) بالضمّ و قد یکسر المجاوره و (الرّبق) بالکسر وزان حمل حبل فیه عدّه عرى یشدّ به البهم و کلّ عروه ربقه بالکسر و الفتح و یجمع على ربق کعنب و أرباق کأصحاب و رباق کجبال و (الحلق) بالتحریک جمع الحلقه بسکون اللّام علی غیر القیاس و ربّما یجمع على حلق بالسّکون کبدره و بدر و على حلّق کقصعه و قصع، و حکى یونس عن أبی عمرو بن العلا أنّ الحلقه بالفتح، و على هذا فالجمع بحذف الهاء قیاس کقصبه و قصب، قاله الفیومى فی مصباح اللّغه.

الاعراب

الواو فی قوله: و لقد، للقسم و المقسم به محذوف لکونه معلوما، و شکرا مفعول له للأفعال المتقدّمه على سبیل التنازع، و من فی قوله: من المنکر، بیان لما أدرکه.

المعنى

الظّاهر أنّه خاطب به أهل الکوفه، و الغرض منه المنّ على المخاطبین‏و التّنبیه على حسن مداراته علیه السّلام معهم و صفحه عنهم و الغض عن خطیئاتهم على کثرتها کما قال (و لقد أحسنت جوارکم) أی مجاورتکم أى کنت لکم جار حسن و قد وقع نظیر التعبیر بهذه اللّفظه فی کلامه علیه السّلام المأه و التّاسع و العشرین حیث قال هناک: و إنّما کنت جارا جاورکم بدنى أیّاما، و أراد بمجاورته لهم مطلق المصاحبه و المعاشره على سبیل الکنایه.
و یجوز أن یراد به معناه الحقیقى، لأنّه علیه السّلام ارتحل من المدینه إلى البصره لجهاد النّاکثین، و احتاج إلى الاستنصار بأهل الکوفه إذ لم یکن جیش الحجاز وافیا بمقابلتهم، ثمّ اتّصلت تلک الفتنه بفتنه أهل الشّام فاضطرّ إلى المقام بینهم و صار جارا لهم کما تقدّم الاشاره إلى ذلک فی الکلام السّبعین و شرحه.
(و أحطت بجهدى من ورائکم) قیل: أراد بالاحاطه من الوراء دفع من یریدهم بشرّ لأنّ العدوّ غالبا یکون من وراء الهارب.

أقول: بل الظّاهر أنّه أراد أنّه کان به علیه السّلام قوّه ظهرهم و شدّ ازرهم (و أعتقتکم من ربق الذّل و حلق الضّیم) و الظلم أراد به أنّه دفع عنهم ذلّ الاسر و ظلم الأعداء، و المقصود حمایته علیه السّلام لهم و اعتزازهم به (شکرا منّی للبرّ القلیل) أى ثناء منّى و محمده لأفعالکم الحسنه على قلّتها (و إطراقا) أى سکوتا و غضّا (عمّا أدرکه البصر و شهده البدن من المنکر الکثیر) و إطراقه عنهم مع مشاهدتهم على المنکرات على کثرتها إمّا لعدم تمکّنه من الانکار و الرّدع بالعنف و القهر، أولا نجراره إلى ما هو أعظم فسادا و مفسده ممّاهم علیه.
قال الشّارح البحرانی: و ظاهر أنّهم کانوا غیر معصومین، و محال أن یستقیم دوله أو یتمّ ملک بدون الاحسان إلى المحسنین من الرّعیّه و التّجاوز عن بعض المسیئین.

الترجمه

از جمله خطب فصاحت نظام و بلاغت فرجام آن امام أنام است در اظهار حسن رفتار و کردار خود نسبت بأصحاب و أتباع مى ‏فرماید:قسم بخدا هر آینه بتحقیق نیکو کردم همسایگى شما را و حقّ جوار را خوب بجا آوردم، و احاطه نمودم بقدر طاقت خود از پس شما، و آزاد کردم شما را از ریسمانهاى ذلّت و از حلقه‏ هاى ظلم و ستم بجهت تشکّر از من مر نیکوئى اندک شما را که آن طاعت قلیل شما است نسبت بمن، و بجهه سکوت و چشم در پیش افکندن از آنچه که درک نمود آن را چشم من و مشاهده کرد آن را بدن من از منکرات و أعمال قبیحه کثیره، بجهت این که دفع آن مؤدّى بر فساد عظیم مى‏ شد.

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۱۲۹

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۵۷ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۵۸ صبحی صالح

۱۵۸- و من خطبه له ( علیه‏ السلام  ) ینبه فیها على فضل الرسول الأعظم، و فضل القرآن، ثم حال دوله بنی أمیه

النبی و القرآن‏

أَرْسَلَهُ عَلَى حِینِ فَتْرَهٍ مِنَ الرُّسُلِ

وَ طُولِ هَجْعَهٍ مِنَ الْأُمَمِ

وَ انْتِقَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ

فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِیقِ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ

وَ النُّورِ الْمُقْتَدَى بِهِ

ذَلِکَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَ لَنْ یَنْطِقَ

وَ لَکِنْ أُخْبِرُکُمْ عَنْهُ

أَلَا إِنَّ فِیهِ عِلْمَ مَا یَأْتِی

وَ الْحَدِیثَ عَنِ الْمَاضِی وَ دَوَاءَ دَائِکُمْ

وَ نَظْمَ مَا بَیْنَکُمْ

دوله بنی أمیه

و منهافَعِنْدَ ذَلِکَ لَا یَبْقَى بَیْتُ مَدَرٍ وَ لَا وَبَرٍ إِلَّا وَ أَدْخَلَهُ الظَّلَمَهُ تَرْحَهً

وَ أَوْلَجُوا فِیهِ نِقْمَهً

فَیَوْمَئِذٍ لَا یَبْقَى لَهُمْ فِی السَّمَاءِ عَاذِرٌ

وَ لَا فِی الْأَرْضِ نَاصِرٌ

أَصْفَیْتُمْ بِالْأَمْرِ غَیْرَ أَهْلِهِ

وَ أَوْرَدْتُمُوهُ غَیْرَ مَوْرِدِهِ

وَ سَیَنْتَقِمُ اللَّهُ مِمَّنْ ظَلَمَ

مَأْکَلًا بِمَأْکَلٍ وَ مَشْرَباً بِمَشْرَبٍ

مِنْ مَطَاعِمِ الْعَلْقَمِ

وَ مَشَارِبِ الصَّبِرِ وَ الْمَقِرِ

وَ لِبَاسِ شِعَارِ الْخَوْفِ وَ دِثَارِ السَّیْفِ

وَ إِنَّمَا هُمْ مَطَایَا الْخَطِیئَاتِ وَ زَوَامِلُ الْآثَامِ

فَأُقْسِمُ ثُمَّ أُقْسِمُ لَتَنْخَمَنَّهَا أُمَیَّهُ مِنْ بَعْدِی کَمَا تُلْفَظُ النُّخَامَهُ

ثُمَّ لَا تَذُوقُهَا وَ لَا تَطْعَمُ بِطَعْمِهَا أَبَداً مَا کَرَّ الْجَدِیدَانِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۹  

و من خطبه له علیه السّلام
و هى المأه و السابعه و الخمسون من المختار فى باب الخطب

و الظاهر أنّها مع الخطبه الثّامنه و الثّمانین متّحدتان ملتقطتان من خطبه طویله قدّمنا روایتها من الکافی فی شرح الخطبه التی أشرنا الیها أرسله على حین فتره من الرّسل، و طول هجعه من الامم، و انتقاض من المبرم، فجاءهم بتصدیق الّذی بین یدیه، و النّور المقتدى به، ذلک القرآن فاستنطقوه و لن ینطق، و لکن أخبرکم عنه، ألا إنّ فیه علم ما یأتی و الحدیث عن الماضی، و دواء دائکم، و نظم ما بینکم. منها- فعند ذلک لا یبقى بیت مدر و لا وبر إلّا و أدخله الظّلمه ترحه، و أولجوا فیه نقمه، فیومئذ لا یبقى لهم فی السّماء عاذر، و لا فی الأرض ناصر، أصفیتم بالأمر غیر أهله، و أوردتموه غیر ورده، و سینتقم اللّه ممّن ظلم مأکلا بمأکل، و مشربا بمشرب، من مطاعم العلقم، و مشارب الصّبر و المقر، و لباس شعار الخوف، و دثار السّیف، و إنّما هم مطایا الخطیئات، و زوامل الآثام، فاقسم ثمّ أقسم لتنخمنّها أمیّه من بعدی کما تلفظ النّخامه، ثمّ لا تذوقها و لا تتطعّم بطعمها أبدا ما کرّ الجدیدان.

اللغه

(الفتره) بین الرّسل انقطاع الوحى و الرّساله و (الهجعه) النّومه من اللّیل أو من أوّله و (أبرم) الحبل جعله طاقین ثمّ فتله و أبرم الأمر أحکمه و (الترحه) المرّه من التّرح بالتحریک الهمّ و الحزن و (أصفیت) فلانا بکذا خصّصته به و (المأکل) و (المشرب) مصدران بمعنى الأکل و الشّرب و یجوز هنا أن یجعلا بمعنى المفعول و (المقر) ککتف الصّبر أو شبیه به أو السمّ کالمقروزان‏ فلس و (الشعار) ما یلی الجسد من الثّیاب و (الدّثار) ما فوقه و (المطایا) جمع مطیّه و هى الدّابه تمطو أى تجدّ فی سیرها و (الزّوامل) جمع الزّامله و هی الّتی یحمل علیها من الابل و غیرها و (تنخم) دفع بشی‏ء من أنفه أو صدره و (النّخامه) بالضمّ النّخاعه.

الاعراب

على فی قوله علیه السّلام: على فتره بمعنى فی کما فی قوله تعالى: عَلى‏ حِینِ غَفْلَهٍ مِنْ أَهْلِها عَلى‏ مُلْکِ سُلَیْمانَ.
و من فی قوله: من الرّسل نشویه و کذا فی قوله: من الامم و من المبرم، و الباء فی قوله فجاءهم بتصدیق آه یحتمل المصاحبه و التّعدیه.

قال الشّارح المعتزلی: مأکلا منصوب بفعل مقدّر أى یأکلون مأکلا، و الباء هنا للمجازاه الدّالّه على الصّله کقوله تعالى: فَبِما نَقْضِهِمْ مِیثاقَهُمْ و قال سبحانه قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَیَّ فَلَنْ أَکُونَ ظَهِیراً لِلْمُجْرِمِینَ و قال البحرانی: و مأکلا و مشربا منصوبان بفعل مضمر و التّقدیر و یبدلهم مأکلا بمأکل.

أقول: الظّاهر أنّ الباء على ما قرّره الشّارح المعتزلی من الفعل سببیّه لا للمجازاه، و إن کان مراده بالمجازاه هى السّببیّه فلا مشاحه، و على تقریر البحرانی فهى للمقابله، و على قول الأوّل فمن فی قوله: من مطاعم العلقم و مشارب الصبر، بیان لمأکلا و مشربا، و على قول الثّانی فهى بیان لقوله: بمأکل و مشرب فافهم جیّدا.
و الانصاف أنّه لا حاجه إلى تقدیر الفعل، بل یجعل مأکلا و مشربا مفعولین لظلم بواسطه الحرف المقدّر، و یجعل قوله: بمأکل متعلّقا بینتقم، و على ذلک‏ فیکون من مطاعم بیانا لقوله: لمأکل کما قدّمناه فی قول البحرانی، و تقدیر الکلام و سینتقم اللّه ممن ظلم أحدا فی أکل أو شرب بأکل من مطاعم العلقم و بشرب من مشارب الصّبر، و على ذلک فیستقیم الکلام على أحسن نظام کما هو غیر خفیّ على اولى الأفهام.

المعنى

اعلم أنّ مدار هذه الخطبه على فصلین:

الفصل الاول

فی الاشاره إلى بعثه الرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و فضیلته علیه السّلام و فضیله ما جاء به من کتاب اللّه سبحانه و هو قوله (أرسله على حین فتره من الرّسل و طول هجعه من الامم) قد تقدّم شرح هاتین القرینتین فی شرح الخطبه الثّامنه و الثّمانین، فلیراجع ثمّه (و انتقاض من المبرم) أى انتقاض ما أبرمه الأنبیاء و الرّسل من أحکام الدّین و أحکموه من قوانین الشرع المبین (فجاءهم بتصدیق الّذی بین یدیه) أى جاءهم الرّسول مصاحبا بالتّصدیق أى مصدّقا لما قبله فیکون التّصدیق وصفا لنفس الرسول کما قال تعالى: وَ لَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِیقٌ.

و على کون الباء للتّعدیه فالمعنى أنّه أتاهم بکتاب فیه تصدیق الّذی بین یدیه، فیکون المصدّق هو الکتاب کما قال تعالى: نَزَّلَ عَلَیْکَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ.
قال فی مجمع البیان: أى لما قبله من کتاب و رسول عن مجاهد و قتاده و الرّبیع و جمیع المفسّرین و إنّما قیل لما بین یدیه لما قبله لأنّه ظاهر له کظهور الّذی بین یدیه.

و قال الفخر الرّازی فی تفسیر هذه الآیه: الوصف الثّانی لهذا الکتاب قوله: مصدّقا لما بین یدیه، و المعنى أنّه مصدّق لکتب الأنبیاء علیهم السّلام و لما أخبروا به عن اللّه عزّ و جلّ.
ثمّ فی الآیه وجهان: الأوّل أنّه تعالى دلّ بذلک على صحّه القرآن لأنّه لو کان من عند غیر اللّه لم یکن موافقا لسایر الکتب، لأنّه کان امّیا لم یختلط بأحد من العلما و لا تلمّذ لأحد و لا قرء على أحد شیئا، و المفترى إذا کان هکذا امتنع أن یسلم عن الکذب و التّحریف، فلمّا لم یکن کذلک ثبت أنّه عرف هذه القصص بوحى اللّه الثّانی قال أبو مسلم: المراد منه أنّه تعالى لم یبعث نبیّا قطّ إلّا بالدّعاء إلى توحیده و الایمان به و تنزیهه عمّا لا یلیق به، و الأمر بالعدل و الاحسان و الشّرایع الّتی هی صلاح کلّ زمان، فالقرآن مصدّق لتلک الکتب فی کلّ ذلک بقی فی الآیه سؤالان: الأوّل کیف سمّى ما مضى بأنّه بین یدیه و الجواب أنّ تلک الأخبار لغایه ظهورها سماها بهذا الاسم.

الثانی کیف یکون مصدّقا لما تقدّمه من الکتب مع أنّ القرآن ناسخ لأکثر تلک الأحکام و الجواب إذا کانت الکتب مبشّره بالقرآن و بالرّسول و دالّه على أنّ أحکامها تثبت إلى حین بعثته و أنّها تصیر منسوخه عند نزول القرآن کانت موافقه للقرآن، فکان القرآن مصدّقا لها، و أمّا فیما عدا الأحکام فلا شبهه فی أنّ القرآن مصدّق لها، لأنّ دلائل المباحث الالهیّه لا تختلف فی ذلک، فهو مصدّق لها فی الأخبار الوارده فی التوراه و الانجیل، هذا.

و الأظهر کون التّصدیق فی قوله علیه السّلام: وصفا للقرآن و الباء فیه للتّعدیه بقرینه قوله (و النّور المقتدى به) فانّه وصف له أیضا و کونه نورا یهتدى به فی ظلمات الجهل، و یقتدى بأحکامه ظاهر، قال سبحانه:قَدْ جاءَکُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ کِتابٌ مُبِینٌ.

(ذلک) الموصوف بما تقدّم هو (القرآن) المنزل من عند اللّه إعجازا لرسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم (فاستنطقوه) یحتمل أن یکون المراد به الأمر باستفهام مضامینه و تفهم ما تضمّته من الحقائق و الدقایق و الحلال و الحرام و الحدود و الأحکام.

و لمّا کان التّفهّم عنه بنفسه غیر ممکن لاشتماله على المحکم و المتشابه و النّاسخ و المنسوخ و الظّاهر و الباطن و التنزیل و التأویل و غیرها عقّبه بقوله (و لن ینطق) أى لا یمکن تفهیمه بنفسه أبدا بل لا بدّ له من مترجم فأردفه بقوله (و لکن أخبرکم عنه) تنبیها على أنّه علیه السّلام مترجمه و قیّمه و مفهم معانیه و ظواهره و بواطنه.

و یجوز أن یکون استفعل بمعنى أفعل فیکون المراد باستنطاقهم له إنطاقهم إیاه و لمّا کان ذلک موهما لکونه ذا نطق بنفسه أتى بقوله: و لن ینطق، من باب الاحتراس الّذی عرفت فی دیباجه الشّرح من المحسنات البدیعیه ثمّ عقّبه بقوله: و لکن اخبرکم عنه تنبیها على أنّه خطّ مسطور بین الدّفتین لیس له لسان بل لا بدّ له من ترجمان و هو علیه السّلام لسانه و ترجمانه و إلى ذلک یشیر علیه السّلام فی الخطبه المأه و الثانیه و الثّمانین بقوله: فالقرآن آمر زاجر و صامت ناطق، أى صامت بنفسه و ناطق بترجمانه، و لعلّنا نذکر لهذا الکلام معنى آخر فی مقامه إنشاء اللّه حیثما بلغ الشّرح إلیه هذا.

و قد تقدّم فی التّذییل الثّالث من تذییلات الفصل السّابع عشر من الخطبه الاولى الأدلّه العقلیّه و النقلیّه على أنّ دلیل القرآن و قیّمه و ترجمانه و العالم بمعانیه و مبانیه و بأسراره و بواطنه و ظواهره هو أمیر المؤمنین علیه السّلام و الطیّبون من أولاده سلام اللّه علیهم جمیعا.

و قد علمت هناک أیضا أنّ القرآن مشتمل على علم ما کان و ما یکون و ما هو کائن و إلیه أشار هنا بقوله (ألا إنّ فیه علم ما یأتی) أى أخبار اللّاحقین کلیّاتها و جزئیاتها و أحوال الموت و البرزخ و البعث و النّشور و القیامه و الجنّه و النّار و درجات الجنان و درکات الجحیم و أحوال السّابقون إلى الاولى و السّائرون إلى الأخرى، و تفاوت مراتب المثابین و المعاقبین فی الثواب و العقاب شدّه و ضعفا و قلّه و کثره و غیر ذلک ممّا یحدث فی المستقبل.

(و الحدیث عن الماضی) أى أخبار السّابقین و کیفیّه بدء الخلق من السّماء و الأرض و الشّجر و الحجر و النّبات و الانسان و الحیوان و قصص الأنبیاء السّلف و اممهم و معاصریهم من ملوک الأرض و السّلاطین و غیر ذلک ممّا مضى.
(و دواء دائکم) لاشتماله على الفضایل العلمیّه و العملیّه بها یحصل اصلاح النّفوس و الشّفاء من الأمراض النّفسانیّه و البرء من داء الغفله و الجهاله (و نظم ما بینکم) لتضمّنه القوانین الشّرعیه و الحکمه السّیاسیّه الّتی بها نظام العالم و استقامه الأمور.

الفصل الثانی (منها)

فی وصف حال بنی امیّه و الاخبار عن ملکهم و ظلمهم و زوال دولتهم بعد فسادهم فی الأرض و هو قوله (فعند ذلک لا یبقى بیت مدر و لا وبر) أى أهل الحضر و البدو (إلّا و أدخله الظلمه) من بنی أمیّه و من أعوانهم (ترحه) أى همّا و حزنا (و اولجوا) أى ادخلوا (فیه نقمه) و عقوبه (فیومئذ) یحیق بهم العذاب و (لا یبقى لهم فی السّماء عاذر) أى ناصر (و لا فی الأرض ناصر) فیزول دولتهم و یکسر صولتهم.

و أردف ذلک بتوبیخ المخاطبین الرّاضین بفعل الظّلمه و المتقاعدین عن ردعهم عن ظلمهم فقال (أصفیتم بالأمر) أى آثرتم بأمر الخلافه (غیر أهله) الّذی هو حقّ له (و أوردتموه غیر ورده) أى أنزلتموه عند من لا یستحقّه من الأوّل و الثانی و الثّالث و من یحذ و حذوهم من معاویه و سایر بنی امیّه، إذ الخطاب فی أصفیتم‏  إن کان متوجّها إلى المخاطبین الحاضرین إلّا أنّ المراد به العموم کسایر الخطابات الشّفاهیّه.

(و سینتقم اللّه ممّن ظلم مأکلا بمأکل و مشربا بمشرب من مطاعم العلقم و مشارب الصّبر و المقر) أى یبدل نعمتهم بالنّقمه و مطاعمهم اللّذیذه الشّهیه بالمریره.
قال الشّارح البحرانی: و استعار لفظ العلقم و الصّبر و المقر لما یتجرّعونه من شداید القتل و أحوال العدوّ و مرارات زوال الدّوله (و) ینتقم أیضا ب (لباس شعار الخوف و دثار السّیف) أى بالخوف اللّازم لهم لزوم الشّعار و بالسّیف اللّازم علیهم لزوم الدّثار، و تخصیص الشّعار بالخوف و الدّثار بالسیف لأنّ الخوف باطن فی القلوب و السّیف ظاهر فی البدن کما أنّ الشّعار ما کان یلی الجسد من الثّیاب و الدّثار ما فوقه فناسب الأوّل بالأوّل و الثّانی بالثّانی (و انّما هم مطایا الخطیئات و زوامل الآثام) یعنى أنّهم حمّال المعاصی و السّیئات لکون حرکاتهم و سکناتهم کلّها على خلاف القانون الشّرعی.

ثمّ أخبر عن زوال ملکهم و أتى بالقسم البارّ المؤکّد تنبیها على أنّ المخبر به واقع لا محاله فقال (فاقسم) باللّه العلیم (ثمّ اقسم) به و إنّه لقسم لو تعلمون عظیم (لتنخمنّها امیّه) أى لتلفظنّ الخلافه بنو أمیّه (من بعدى کما تلفظ النخامه) أى تدفع من الصدر و الأنف (ثمّ لا تذوق) لذّت (ها و لا تتطعم بطعمها أبدا ما کرّ الجدیدان) أى اللّیل و النهار یعنی أنّهم لا یجدون حلاوتها و لا یستلذّون بها و لا ینالون إلیها أبدا الدّهر، لأنه تعالى قد أخبر نبیّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّ مدّه ملکهم ألف شهر بقوله: لَیْلَهُ الْقَدْرِ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.

و أخبره رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أمیر المؤمنین علیه السّلام و أولاده الطاهرین.
روى فی الصافی عن علیّ بن إبراهیم القمّی (ره) قال: رأى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کان قرودا تصعد منبره فغمّه ذلک، فأنزل اللّه سوره القدر:إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَهِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراکَ ما لَیْلَهُ الْقَدْرِ لَیْلَهُ الْقَدْرِ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.
تملک بنو أمیّه لیس فیها لیله القدر.

و فیه عن الکافی عن الصادق علیه السّلام أری رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی منامه أنّ بنی أمیّه یصعدون على منبره من بعده و یضلّون الناس عن الصراط القهقرى، فأصبح کئیبا حزینا قال علیه السّلام: فهبط علیه جبرئیل علیه السّلام فقال: یا رسول اللّه مالى أراک کئیبا حزینا قال: یا جبرئیل إنّی رأیت بنی أمیّه فی لیلتی هذه یصعدون منبری من بعدی یضلّون النّاس عن الصراط القهقرى، فقال: و الذی بعثک بالحقّ نبیا إنّی ما اطّلعت علیه، فعرج إلى السماء فلم یلبث أن نزل علیه بآى من القرآن یونسه بها قال: أَ فَرَأَیْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِینَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما کانُوا یُوعَدُونَ ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما کانُوا یُمَتَّعُونَ و أنزل علیه إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَهِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراکَ ما لَیْلَهُ الْقَدْرِ لَیْلَهُ الْقَدْرِ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.

جعل اللّه لیله القدر لنبیّه خیرا من ألف شهر ملک بنی أمیّه، و فی معناه اخبار أخر هذا و قد تقدّم تفصیل زوال الدّوله الأمویّه و انقراضهم بید السّفاح فی شرح الخطبه المأه و الرّابعه، فلیراجع هناک.

الترجمه

از جمله خطب آن بزرگوار و ولیّ پروردگار است در بعثت پیغمبر آخر الزمان و فضیلت قرآن و وصف حال بنی امیّه و ظلم ایشان و زوال دولت آنها بعد از فساد و طغیان مى‏ فرماید: فرستاد خداى تبارک و تعالى پیغمبر مختار را در زمان منقطع شدن وحى و خالى ‏بودن آن از پیغمبران، و بر درازى خواب غفلت از أمّتان، و هنگام شکسته شدن ریسمان پرتاب شریعت پیشینان، پس آورد بایشان تصدیق آن چیزى را که پیش از او بود از توراه و انجیل و زبور، و آورد نورى را که اقتدا و تبعیّت مى‏ شود بآن، آن نور عبارتست از قرآن پس طلب کنید نطق و گفتار او را و حال آنکه أبدا گویا نخواهد شد، و لکن من خبر دهم شما را به مضمون آن از جهه این که منم ترجمان قرآن آگاه باشید بدرستى در قرآن است علم آنچه که خواهد آمد و خبر از گذشته یعنى متضمّن علم أوّلین و آخرین است، و در اوست دواء درد شما و نظام ما بین شما.

از جمله آن خطبه است مى‏ فرماید: پس نزد دولت بنى أمیّه باقى نمى‏ماند هیچ خانه که ساخته شده باشد از گل و خشت و نه خانه که بنا شده باشد از پشم یعنى نمى‏ماند عمارتى در شهر و نه خرگاهى در بیابان مگر این که داخل مى‏کنند ظلام در آن خانه همّ و حزن را، و در آورند در آن عقوبت و نقمت را، پس در آن روز باقى نماند از براى ظلام در آسمان عذر آورنده، و نه در زمین یارى کننده، اختیار کردید شما بأمر خلافت غیر أهل آن را، و وارد کردید أمر خلافت را در غیر محلّ او، و زود باشد که انتقام بکشد خداوند قهّار از کسى که ظلم کرده باشد کسى را در مأکول و مشروبى با مأکول و مشروبى که از مأکولات تلخ است و از مشروبات تلخ و بد مزه، و با لباس باطنی خوف و ترس و با لباس ظاهرى شمشیر، و بدرستى که ایشان شتران بار کش گناهانند و شتران توشه معاصى، پس قسم مى‏خورم بخدا باز قسم مى‏خورم البته مى‏اندازد خلافت را بنى امیه بعد از من چنانچه انداخته شود آب دهن از دهن پس از آن نچشند هرگز چاشنى خلافت را، و نمى‏خورند طعام آن را هیچ مادامى که باز گردد شب و روز.

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۶۵

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۵۶ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۵۷ صبحی صالح

۱۵۷- و من خطبه له ( علیه‏ السلام ) یحث الناس على التقوى‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی جَعَلَ الْحَمْدَ مِفْتَاحاً لِذِکْرِهِ
وَ سَبَباً لِلْمَزِیدِ مِنْ فَضْلِهِ
وَ دَلِیلًا عَلَى آلَائِهِ وَ عَظَمَتِهِ
عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ الدَّهْرَ یَجْرِی بِالْبَاقِینَ کَجَرْیِهِ بِالْمَاضِینَ
لَا یَعُودُ مَا قَدْ وَلَّى مِنْهُ
وَ لَا یَبْقَى سَرْمَداً مَا فِیهِ
آخِرُ فَعَالِهِ کَأَوَّلِهِ
مُتَشَابِهَهٌ أُمُورُهُ
مُتَظَاهِرَهٌ أَعْلَامُهُ
فَکَأَنَّکُمْ بِالسَّاعَهِ تَحْدُوکُمْ حَدْوَ الزَّاجِرِ بِشَوْلِهِ
فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَیْرِ نَفْسِهِ تَحَیَّرَ فِی الظُّلُمَاتِ
وَ ارْتَبَکَ فِی الْهَلَکَاتِ
وَ مَدَّتْ بِهِ شَیَاطِینُهُ فِی طُغْیَانِهِ
وَ زَیَّنَتْ لَهُ سَیِّئَ أَعْمَالِهِ
فَالْجَنَّهُ غَایَهُ السَّابِقِینَ
وَ النَّارُ غَایَهُ الْمُفَرِّطِینَ
اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ التَّقْوَى دَارُ حِصْنٍ عَزِیزٍ
وَ الْفُجُورَ دَارُ حِصْنٍ ذَلِیلٍ
لَا یَمْنَعُ أَهْلَهُ
وَ لَا یُحْرِزُ مَنْ لَجَأَ إِلَیْهِ
أَلَا وَ بِالتَّقْوَى تُقْطَعُ حُمَهُ الْخَطَایَا
وَ بِالْیَقِینِ تُدْرَکُ الْغَایَهُ الْقُصْوَى
عِبَادَ اللَّهِ اللَّهَ اللَّهَ فِی أَعَزِّ الْأَنْفُسِ عَلَیْکُمْ
وَ أَحَبِّهَا إِلَیْکُمْ
فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ لَکُمْ سَبِیلَ الْحَقِّ وَ أَنَارَ طُرُقَهُ
فَشِقْوَهٌ لَازِمَهٌ أَوْ سَعَادَهٌ دَائِمَهٌ
فَتَزَوَّدُوا فِی أَیَّامِ الْفَنَاءِ لِأَیَّامِ الْبَقَاءِ
قَدْ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ
وَ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ
وَ حُثِثْتُمْ عَلَى الْمَسِیرِ
فَإِنَّمَا أَنْتُمْ کَرَکْبٍ‏وُقُوفٍ
لَا یَدْرُونَ مَتَى یُؤْمَرُونَ بِالسَّیْرِ
أَلَا فَمَا یَصْنَعُ بِالدُّنْیَا مَنْ خُلِقَ لِلْآخِرَهِ
وَ مَا یَصْنَعُ بِالْمَالِ مَنْ عَمَّا قَلِیلٍ یُسْلَبُهُ
وَ تَبْقَى عَلَیْهِ تَبِعَتُهُ وَ حِسَابُهُ
عِبَادَ اللَّهِ
إِنَّهُ لَیْسَ لِمَا وَعَدَ اللَّهُ مِنَ الْخَیْرِ مَتْرَکٌ
وَ لَا فِیمَا نَهَى عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مَرْغَبٌ
عِبَادَ اللَّهِ احْذَرُوا یَوْماً تُفْحَصُ فِیهِ الْأَعْمَالُ
وَ یَکْثُرُ فِیهِ الزِّلْزَالُ
وَ تَشِیبُ فِیهِ الْأَطْفَالُ
اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ عَلَیْکُمْ رَصَداً مِنْ أَنْفُسِکُمْ
وَ عُیُوناً مِنْ جَوَارِحِکُمْ
وَ حُفَّاظَ صِدْقٍ یَحْفَظُونَ أَعْمَالَکُمْ
وَ عَدَدَ أَنْفَاسِکُمْ
لَا تَسْتُرُکُمْ مِنْهُمْ ظُلْمَهُ لَیْلٍ دَاجٍ
وَ لَا یُکِنُّکُمْ مِنْهُمْ بَابٌ ذُو رِتَاجٍ
وَ إِنَّ غَداً مِنَ الْیَوْمِ قَرِیبٌ
یَذْهَبُ الْیَوْمُ بِمَا فِیهِ
وَ یَجِی‏ءُ الْغَدُ لَاحِقاً بِهِ
فَکَأَنَّ کُلَّ امْرِئٍ مِنْکُمْ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْأَرْضِ مَنْزِلَ وَحْدَتِهِ
وَ مَخَطَّ حُفْرَتِهِ
فَیَا لَهُ مِنْ بَیْتِ وَحْدَهٍ
وَ مَنْزِلِ وَحْشَهٍ وَ مُفْرَدِ غُرْبَهٍ
وَ کَأَنَّ الصَّیْحَهَ قَدْ أَتَتْکُمْ
وَ السَّاعَهَ قَدْ غَشِیَتْکُمْ
وَ بَرَزْتُمْ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ
قَدْ زَاحَتْ عَنْکُمُ الْأَبَاطِیلُ
وَ اضْمَحَلَّتْ عَنْکُمُ الْعِلَلُ
وَ اسْتَحَقَّتْ‏بِکُمُ الْحَقَائِقُ
وَ صَدَرَتْ بِکُمُ الْأُمُورُ مَصَادِرَهَا
فَاتَّعِظُوا بِالْعِبَرِ وَ اعْتَبِرُوا بِالْغِیَرِ
وَ انْتَفِعُوا بِالنُّذُرِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۹  

و من خطبه له علیه السّلام و هى المأه و السادسه و الخمسون من المختار فی باب الخطب

الحمد للّه الّذی جعل الحمد مفتاحا لذکره، و سببا للمزید من فضله، و دلیلا على آلاءه و عظمته، عباد اللّه إنّ الدّهر یجری بالباقین کجریه بالماضین، لا یعود ما قد ولّى منه، و لا یبقى سرمدا ما فیه، آخر فعاله کأوّله، متشابهه أموره، متظاهره أعلامه، فکأنّکم‏بالسّاعه تحدوکم حدو الزّاجر بشوله، فمن شغل نفسه بغیر نفسه تحیّر فی الظّلمات، و ارتبک فی الهلکات، و مدّت به شیاطینه فی طغیانه، و زیّنت له سىّ‏ء أعماله، فالجنّه غایه السّابقین، و النّار غایه المفرطین، اعلموا عباد اللّه أنّ التّقوى دار حصن عزیز، و الفجور دار حصن ذلیل، لا یمنع أهله، و لا یحرز من لجأ إلیه، ألا و بالتّقوى تقطع حمه الخطایا، و بالیقین تدرک الغایه القصوى، عباد اللّه اللّه اللّه فی أعزّ الأنفس علیکم، و أحبّها إلیکم، فإنّ اللّه قد أوضح لکم سبیل الحقّ، و أنار طرقه، فشقوه لازمه، أو سعاده دائمه، فتزوّدوا فی أیّام الفناء لأیّام البقاء، قد دللتم على الزّاد، و أمرتم بالظّعن، و حثثتم على المسیر، فإنّما أنتم کرکب وقوف لا تدرون متى تؤمرون بالسّیر، ألا فما یصنع بالدّنیا من خلق للآخره، و ما یصنع بالمال من عمّا قلیل یسلبه، و یبقى علیه تبعته و حسابه، عباد اللّه إنّه لیس لما وعد اللّه من الخیر مترک و لا فیما نهى عنه من الشّرّ مرغب، عباد اللّه احذروا یوما تفحص فیه الأعمال، و یکثر فیه الزّلزال، و تشیب فیه الأطفال، اعلموا عباد اللّه أنّ علیکم رصدا من أنفسکم، و عیونا من جوارحکم، و حفّاظ صدق یحفظون أعمالکم، و عدد أنفاسکم، لاتسترکم منهم ظلمه لیل داج، و لا یکنّکم منهم باب ذور تاج، و إنّ غدا من الیوم قریب، یذهب الیوم بما فیه، و یجی‏ء الغد لاحقا به، فکأنّ کلّ امرء منکم قد بلغ من الأرض منزل وحدته، و مخطّ حفرته، فیا له من بیت وحده، و منزل وحشه، و مفرد غربه، و کأنّ الصّیحه قد أتتکم، و السّاعه قد غشیتکم، و برزتم لفصل القضاء، قد زاحت عنکم الأباطیل، و اضمحلّت عنکم العلل، و استحقّت بکم الحقائق، و صدرت بکم الامور مصادرها، فاتّعظوا بالعبر، و اعتبروا بالغیر، و انتفعوا بالنّذر.

اللغه

(زجر) البعیر من باب نصر ساقه و (شول) جمع شائله على غیر قیاس و هى من الابل ما أتى علیها من حملها أو وضعها سبعه أشهر فجفّ لبنها و جمع الجمع أشوال، و أمّا الشّائل بغیر هاء فهى النّاقه تشول و ترفع ذنبها للقاح و الجمع شوّل مثل راکع و رکّع و (الحمه) بضمّ الحاء و فتح المیم ابره العقرب و هى محلّ سمّها، و ربّما یطلق على نفس السمّ، و یروى حمّه بالتّشدید من حمه الحرّ و هو معظمه و (رتج) الباب أغلقه کارتجه و (مخطّ حفرته) فی بعض النّسخ بالخاء المعجمه لأنّ القبر یخطّ أوّلا ثمّ یحفر، و فی بعضها بالحاء المهمله من حطّ القوم إذا نزلوا.

الاعراب

قوله: اللّه اللّه فی أعزّ الأنفس، منصوبان على التّحذیر، و حذف العامل وجوبا ای احذروا اللّه أو اتّقوا اللّه قال نجم الأئمه: و حکمه اختصاص وجوب الحذف‏بالمحذر منه المکرّر کون تکریره دالّا على مقارنه المحذر منه للمحذر بحیث یضیق الوقت إلّا عن ذکر المحذر منه على أبلغ ما یمکن، و ذلک بتکریره و لا یتّسع لذکر العامل مع هذا المکرّر، و إذا لم یکرّر الاسم جاز إظهار العامل اتّفاقا و قوله: فشقوه لازمه أو سعاده دائمه، مرفوعان على الخبریّه أى فعاقبتکم شقوه أو سعاده، أو مبتدءان محذوفا الخبر، و لا یضرّ نکارتهما لکونهما نکره موصوفه و التّقدیر فشقوه لازمه لمن نکب عنها أو سعاده دائمه لمن سلکها، أى سلک هذه الطرق، و یجوز أن یکونا فاعلین لفعل محذوف.

و قوله: فما یصنع، استفهام انکارى على سبیل التّقریع و التّوبیخ، و عن فی قوله. عمّا قلیل، بمعنى بعد، و الضّمیر فی قوله: انّه لیس آه للشّأن، و إضافه المخطّ إلى حفرته من باب الاضافه فی سعید کرز إذ المراد بهما القبر، و قوله: فیا له من بیت وحده، النّداء للتّفخیم و التّهویل، و اللّام للاستغاثه، و الضّمیر فی له، راجع إلى مخطّ حفرته، و من بیت وحده تمیز.

قال الرّضیّ: و قد یکون الاسم فی نفسه تامّا لا لشی‏ء آخر أعنى لا یجوز اضافته فینصب عنه التمیز و ذلک فی شیئین: أحدهما الضّمیر و هو الأکثر و ذلک فیما فیه معنى المبالغه و التّفخیم کمواضع التّعجب نحویا له رجلا و یا لها قصّه و یا لک لیلا و یا لها خطّه «إلى أن قال» فان کان الضّمیر فیها«» لا یعرف المقصود منه فالتّمیز عن المفرد کقول امرء القیس:

فیا لک من لیل کأنّ نجومه
بکلّ مغار القتل شدّت بیذبل‏

و إن عرف المقصود من الضّمیر برجوعه إلى سابق معیّن کقولک: جائنی زید فیا له رجلا و ویله فارسا و یا ویحه رجلا و لقیت زیدا فللّه درّه رجلا، أو بالخطاب لشخص معیّن نحو قلت لزید یا لک من شجاع و للّه درّک من رجل و نحو ذلک، فلیس التمیز عن المفرد، لأنّه لا إبهام إذا فی الضّمیر بل عن النّسبه الحاصله بالاضافه، کما یکون کذلک إذا کان المضاف إلیه فیها ظاهرا، نحو یا لزید رجلاو للّه درّ زید رجلا إلى آخر ما ذکره.

المعنى

اعلم أنّ هذه الخطبه الشّریفه قد خطب بها للنّصح و الموعظه و تنبیه المخاطبین من نوم الغفله و الجهاله، و افتتحها بما هو حقیق أن یفتتح به کلّ کلام ذى بال أعنی حمد اللّه سبحانه و الثناء علیه تعالى بجمله من نعوت کماله فقال (الحمد للّه الّذی جعل الحمد مفتاحا لذکره) قال الشّارح المعتزلی: لأنّ أوّل الکتاب العزیز الحمد للّه ربّ العالمین، و القرآن هو الذکر قال سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.

أقول: هذا إنّما یتمّ لو کان سوره الفاتحه أوّل ما نزل من القرآن أو یکون هذا الجمع و الترتیب و وقوع الفاتحه فی البداء بجعل من اللّه سبحانه.
أمّا الثّانی فباطل قطعا إذ نظم السّور و تألیفها و ترتیبها على ما هى علیه الآن إنّما کان فی زمن عثمان و من فعله حسبما عرفته فی تذییلات شرح الفصل السّابع عشر من الخطبه الاولى.

و أمّا الأوّل فهو أیضا غیر معلوم بعد، بل المشهور بین المفسّرین أنّ أوّل سوره نزلت بمکّه هو سوره اقرء باسم ربک، و قد رواه فی مجمع البیان فی تفسیر سوره هل أتى عن ابن عباس و غیره، نعم قد روى هناک عن سعید بن المسیّب عن علیّ علیه السّلام أنّ اوّل ما نزل بمکّه فاتحه الکتاب، ثمّ اقرء باسم ربّک.

فالأولى أن یقال إنّ المراد أنه سبحانه جعل الحمد مفتاحا لذکره فی عدّه سور، و اطلاق الذکر على السوره لا غبار علیه کما أنّ القرآن یطلق على المجموع و على البعض من سوره و آیه و نحوها (و سببا للمزید من فضله) بمقتضى وعده الصادق فی کتابه العزیز أعنی قوله: لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ.(و دلیلا على آلائه و عظمته) أمّا کونه دلیلا على آلائه فیحتمل معنیین.

أحدهما أنه دلیل للحامد على آلائه سبحانه أى على الفوز بها إذ الحمد و الشّکر سببان للوصول إلى النّعم موجبان لزیادتها حسبما عرفت آنفا، و أنّها منه دون غیره، فمن حمد له تعالى فقد اهتدى بحمده إلى نیل نعمه.
و ثانیهما أنّ الحمد للّه تعالى دلیل على أنّه صاحب الآلاء و النّعم إذ الحمد لا یلیق إلّا بولیّ النّعمه، و لعلّ الثانی أظهر.
و أمّا کونه دلیلا على عظمته فلدلالته على عدم تناهی قدرته و عدم نفاد ملکه و خزائنه إذ کلّما ازداد الحمد ازدادت النّعمه لا یزیده کثره العطاء إلّا کرما وجودا فسبحان من لا تفنى خزائنه المسائل، و لا تبدل حکمته الوسائل.
و لمّا فرغ من حمد اللّه سبحانه شرع فی التّذکیر و الموعظه فقال (عباد اللّه إنّ الدّهر یجری بالباقین کجریه بالماضین) یعنی أنّ جریانه بالأخلاف کجریانه بالأسلاف قال الشّاعر:

فما الدّهر إلّا کالزمان الّذی مضى
و لا نحن إلّا کالقرون الأوائل‏‏

و هو من تشبیه المعقول بالمعقول، إذ الجرى أمر عقلانی غیر مدرک باحدى الحواس الخمس، و من باب التّشبیه المفصل للتّصریح بوجه الشّبه و کونه مذکورا فی الکلام و هو قوله (لا یعود ما قد ولّی منه و لا یبقى سرمدا ما فیه) یعنی أنّ ما ولّی منه و أدبر فقد فات و مضى لا عود له أبدا، و ما هو موجود فیه فهو فی معرض الزّوال و الفناء لیس له ثبات و لا بقاء، إذ وجود الزّمانی إنّما هو بوجود زمانه، فیکون منقضیا بانقضائه، و فی هذا المعنى

قال الشّاعر:

ما أحسن الأیّام إلّا أنّها
یا صاحبیّ إذا مضت لم ترجع‏

(آخر فعاله کأوّله) و عن بعض النّسخ کأوّلها فالضّمیر راجع إلى فعاله، و على ما فی المتن فالضّمیر راجع إلى الدّهر فیحتاج إلى تقدیر مضاف کأوّل فعاله، و المراد واحد و انّ هو أجزاء الزّمان أوّلا و آخرا سابقا و لا حقا على وتیره واحده و نسق واحد أی (متشابهه اموره) فانّه کما کان أوّلا یعدّ قوما للفقر و آخرین للغنى و طائفه للصحّه و اخرى للمرض، و فرقه للضّعه و اخرى للرّفعه، و جمعا للوجود

و آخر للعدم، و هکذا کذلک هو آخرا، و بالجمله فانّ حدیثه یخبر عن قدیمه، و جدیده ینبى‏ء عن عتیقه قال الشّارح المعتزلی: و روى متسابقه اموره، أى شی‏ء منها قبل کلّ شی‏ء کأنّها خیل تتسابق فی مضمار (متظاهره أعلامه) أى دلالاته على سجیّته و شیمته و أفعاله الّتی یعامل بها النّاس قدیما و حدیثا تظاهر بعضها بعضا و تعاضده هذا.
و نسبه هذه الأمور إلى الدّهر و إن کان الفاعل فی الحقیقه هو الرّب تعالى باعتبار کونه من الأسباب المعدّه لحصول ما یحصل فی عالم الکون و الفساد من الخیر و الشّر و السّعه و الضّیق حسبما عرفت فی شرح الخطبه الثّانیه و الثلاثین.

و قوله (فکأنّکم بالساعه تحدوکم حد و الزّاجر بشوله) قد مرّ تحقیق الکلام فی شرح نظیر هذا الکلام له علیه السّلام فی شرح الخطبه الحادیه و العشرین و استظهرنا هناک أنّ المراد بالسّاعه ساعات اللّیل و النّهار، لأنّها تسوق النّار إلى الدّار الآخره و یسعى النّاس بها إلیها، و یجوز أن یراد بها هنا القیامه و إن لم نجوّزه فیما تقدّم لاباء لفظه ورائکم هناک عنه، و لعلّ إراده هذه هنا أظهر بملاحظه لفظه فکأنّکم فتأمّل.

و تسمیتها بالسّاعه باعتبار أنّ النّاس یسعى إلیها، فیکون المقصود به الاشاره إلى قرب القیامه و کونها حادیه للمخاطبین باعتبار أنّها لا بدّ للنّاس من الحشر الیها و الاجتماع فیها للسّؤال و الجواب و الحساب و الکتاب و الثواب و العقاب لا مناص لهم عن وقوفها فکأنّها تسوقهم إلیها لیجتمعوا فیها و ینظر إلى أعمالهم و إنّما شبّه حدوهم بحدو الزّاجر بشوله لأنّ سائق الشّول إنّما یسوقها بعنف و سرعه لخلوّها من الضّرع و اللّبن بخلاف سائق العشار فانّه یرفق بها و لا یزجرها کما هو ظاهر.

و لمّا نبّه على قرب السّاعه و أنّها تحدو المخاطبین أردفه بالتّنبیه على وجوب الاشتغال بالنّفس أى بصرف الهمّه إلى محاسبتها و إصلاحها و تزکیتها و ترغیبها إلى ما ارید منها (ف) انّ (من شغل نفسه بغیر نفسه) لا یتحصّل له نور یهتدی به فی ظلمات طریق الآخره بل إنّما یحصل على أغطیه من الهیئات البدنیّه و أغشیه متحصّله من الاشتغال بزخارف الدّنیا حاجبه له عن نور البصیره فلأجل ذلک یکون قد (تحیّر فی الظّلمات) و تاه فیها (و ارتبک) أى اختلط (فی الهلکات) لا یکاد یتخلّص منها (و مدّت به شیاطینه فی طغیانه و زینت له سىّ‏ء أعماله) کما قال عزّ من قائل: إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ تَذَکَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ وَ إِخْوانُهُمْ یَمُدُّونَهُمْ فِی الغَیِّ ثُمَّ لا یُقْصِرُونَ.

یعنی أنّ الّذین اتّقوا اللّه باجتناب معاصیه إذا طاف علیهم الشّیطان بوساوسه تذکّروا ما علیهم من العقاب بذلک فیجتنبوه و یترکونه فاذاهم مبصرون للرّشد، و إخوان المشرکین من شیاطین الجنّ و الانس یمدّونهم فی الضّلال و المعاصى و یزیدونهم فیه و یزینون ما هم فیه ثمّ لا یقصرون لا یکفّون الشّیاطین عن استغوائهم و لا یرحمونهم و قیل: معناه و إخوان الشّیاطین من الکفّار یمدّهم الشّیاطین فی الغىّ ثمّ لا یقصرون هؤلاء مع ذلک کما یقصر الّذین اتّقوا، هکذا فی مجمع البیان.

ثمّ ذکر غایه وجود الانسان و قال: (فالجنّه غایه السّابقین و النّار غایه المفرطین) و کفى بالجنّه نعمه لمن طلب، و کفى بالنّار نقمه لمن هرب، و تخصیص الجنّه بالسّابقین و النّار بالمفرطین تنبیها على فضیله السّبق و رذیله التّفریط بتقوى الباعث على طلب أشرف الغایتین و الهرب من أخسّهما.

و لمّا کان السّبق إلى الجنّه و النّجاه من النّار لا یحصل إلّا بالتّقوى و بالکفّ عن الفجور أردفه بذکر ثمرات هذین الوصفین و شرح ما یترتّب علیهما من الفضایل و الرّذائل فقال: (اعلموا عباد اللّه أنّ التّقوى دار حصن عزیز و الفجور دار حصن ذلیل) قال الشّارح المعتزلی: أى دار حصانه، فأقیم الاسم مقام المصدر هذا و نسبه العزّه و الذّلّه إلى الدّار من التّوسّع باعتبار عزّه من تحصّن بالأوّل و ذلّه من تحصّن بالآخر

أمّا الأوّل فلأنّ التقوى تحرز من اتّقى فی الدّنیا من الرّذایل المنقصه و القبایح الموقعه له فی الهلکات و المخازى، و فی الآخره من النار و غضب الجبّار کالحصن الحصین الذی یحرز متحصّنه من المضارّ و المکاره.
و أما الثانی فلأنّ الفجور یوقع الفاجر فی الدّنیا فی المعاطب و المهالک و لا ینجیه فی الآخره من العذاب الألیم و السخط العظیم، فهو بمنزله دار غیر وثیق البنیان منهدم الحیطان و الجدران (لا یمنع أهله و لا یحرز من لجأ إلیه) و من تحصّن بدار کذلک لیکوننّ ذلیلا مهانا لا محاله.

(ألا و بالتّقوى تقطع حمه الخطایا) التشبیه المضمر فی النفس للخطایا بالعقارب أو بذوات السموم من الحیوان استعاره بالکنایه و ذکر الحمه تخییل و القطع ترشیح و المراد أنّ بالتقوى یتدارک و ینجبر سریان سمّ الخطایا و الآثام فی النفوس الموجب لهلاکها الأبد کما یقطع سریان سموم العقارب و الأفاعی فی الأبدان بالباد زهر و التریاق و یمنع من نفوذها فی أعماق البدن بقطع العضو الملدوغ من موضع اللّدغ، و على روایه حمه بالتشدید فالمقصود أنّ بها تدفع شدّتها و ترفع.

و لمّا نبّه على کون التقوى حاسمه لمادّه الخطایا، و کان بذلک إصلاح القوّه العملیّه نبّه على ما به یحصل إصلاح القوّه النّظریه أعنی الیقین فقال: (و بالیقین تدرک الغایه القصوى) و إدراکها به لأنّ الانسان إذا کملت قوّته النّظریّه بالیقین و قوّته العملیّه بالتّقوى، بلغ الغایه القصوى من الکمال الانسانی البتّه.

ثمّ عاد علیه السّلام إلى تحذیر العباد تأکیدا للمراد فقال: (عباد اللّه اللّه اللّه) أى راقبوه سبحانه و اتّقوه تعالى (فی أعزّ الأنفس علیکم و أحبّها إلیکم) الظّاهر أنّ المراد بأعزّ الأنفس علیهم نفسهم، إذ کلّ أحد یحبّ نفسه بالذّات و لغیره بالعرض و التّبع، و لذلک قال سبحانه: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَ أَهْلِیکُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ‏وَ الْحِجارَهُ قدّم الأمر بوقایه النّفس على الأهل لکونها أولى بها من الغیر هذا.

و قال الشّارح البحرانی: و فی الکلام إشاره إلى أنّ للانسان نفوسا متعدّده و هى باعتبار مطمئنه و أمّاره بالسّوء و لوّامه و باعتبار عاقله و شهویّه و غضبیّه، و الاشاره إلى الثّلاث الأخیره و أعزّها النّفس العاقله إذ هى الباقیه بعد الموت و علیها العقاب و فیها العصبیّه.

أقول: کون کلامه علیه السّلام إشاره إلى ما ذکره بعید غایته (فانّ اللّه قد أوضح لکم سبیل الحقّ و أنار طرقه) و یروى فأبان طرقه، فالعطف للتّفسیر یعنی أنّه سبحانه أتمّ الحجّه علیکم، و أزال العذر عنه بما بعثه من الأنبیاء و الرّسل و أنزله من الزّبر و الکتب، و أبلج لکم نهج الحقّ على لسانهم (ف) لم یبق بعد ذلک إلّا (شقوه لازمه) لمن نکب عنه (أو سعاده دائمه) لمن سلکه کما قال عزّ من قائل إِنَّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمَّا شاکِراً وَ إِمَّا کَفُوراً.
ثمّ عاد على الحثّ على أخذ الزّاد لیوم المعاد و قال: (فتزوّدوا فی أیّام الفناء لأیّام البقاء قد دللتم على الزّاد) أى دلّکم اللّه سبحانه علیه بقوله: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَیْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏.

(و أمرتم بالظعنّ) و الرحیل (و حثثتم على المسیر) یحتمل أن یکون الظّعن و المسیر کنایتین عن ترک الدّنیا و الرّغبه فی الآخره و السّیر إلیها بالقلوب و النّفوس، فیکون المراد بالأمر و الحثّ ما ورد فی الکتاب و السّنه من الآیات و الأخبار المنفّره من الاولى و المرغبه فی الاخرى، و یجوز أن یراد بهما معناهما الحقیقی أعنی السّیر و الرّحله إلى الآخره بالأبدان فیکون الأمر و الحثّ کنایه عمّا أو جد اللّه من الأسباب المعدّه لفساد المزاج المقربه إلى الموت، و عن اللّیل و النّهار الحادیین‏ للانسان بتعاقبها إلى وطنه الأصلی على ما مرّ تحقیقا و تفصیلا فی شرح الخطبه الثّالثه و السّتین.

(فانّما أنتم کرکب وقوف لا تدرون متى تؤمرون بالسّیر) لمّا أمرهم بالتّزوّد فی الدّنیا علّله بذلک تنبیها على وجوب المبادره إلى أخذ الزّاد لأنّ المسافر إذا کان زمام أمره بید غیره و لا یعلم متى یسار به لزم علیه أن یبادر إلى زاده کیلا یفجاه السّفر و یسیر بغیر زاد فیعطب.

قال الشّارح البحرانی: قوله: فانّما أنتم کرکب إلى آخره فوجه التّشبیه ظاهر، فالانسان هو النّفس، و المطایا هى الأبدان و القوى النّفسانیّه و الطریق هى العالم الحسیّ و العقلی، و السّیر الّذی ذکر ما قبل الموت هو تصرّف النّفس فی العالمین لتحصیل الکمالات المعدّه و هى الزّاد لغایه السّعاده الباقیه، و أمّا السّیر الثّانی الّذی هم وقوف ینتظرون و لا یدرون متى یؤمرون به فهو الرّحیل إلى الآخره من دار الدّنیا و طرح البدن و قطع عقبات الموت و القبر إذ الانسان لا یعرف وقت ذلک.

(ألا فما یصنع بالدّنیا من خلق للآخره) الاستفهام فی معرض التّنفیر عن الدّنیا و التّوبیخ لطالبیها إذ الانسان لمّا کان مخلوقا للآخره فمقتضى العقل أن یصرف همّته إلیها لا إلى الدّنیا الزّائله عنه عن قلیل (و ما یصنع بالمال عمّا قلیل یسلبه) و هو فی معرض التّنفیر عن المال بالتّنبیه على أنّه مسلوب عنه بعد زمان قلیل فیزول سریعا لذّته (و یبقى علیه تبعته) أى اثمه (و حسابه) و ما کان هذا وصفه فحرىّ بأن یرفض و یترک لا أن یقتنى و یجمع.
ثمّ رغّب فی الخیر بقوله (عباد اللّه أنّه لیس لما وعد اللّه من الخیر مترک) أى لیس للخیرات و المثوبات الّتی وعدها اللّه سبحانه فی کتابه و على لسان نبیّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم محلّ لأن تترک رغبه عنها إلى غیرها إذ کلّ خیر دونها زهید، و کلّ نفع عندها قلیل کما قال عزّ من قائل:

الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِینَهُ الْحَیاهِ الدُّنْیا وَ الْباقِیاتُ الصَّالِحاتُ خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّکَ ثَواباً وَ خَیْرٌ أَمَلًا و فی سوره آل عمران: زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِینَ وَ الْقَناطِیرِ الْمُقَنْطَرَهِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّهِ وَ الْخَیْلِ الْمُسَوَّمَهِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِکَ مَتاعُ الْحَیاهِ الدُّنْیا وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَ أُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرٍ مِنْ ذلِکُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَهٌ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ بَصِیرٌ بِالْعِبادِ. هذا و مقصوده علیه السّلام بذلک الکلام التّرغیب فی الطّاعات المحصّله للخیرات الاخرویّه و التّحضیض علیها و على القیام بوظائفها.

ثمّ نفرّ عن الشّر بقوله (و لا فیما نهى عنه من الشّر مرغب) أى لیس فی المحرّمات و المعاصى التّی نهى اللّه سبحانه عنها محلّ لأن یرغب فیها مع وجود نهیه و کونها مبغوضه عنده محصّله للآثام و العقوبات الدّائمه (عباد اللّه احذروا یوما تفحص فیه الأعمال) أى تکشف و تجد کلّ نفس ما عملت من خیر محضرا و ما عملت من سوء تودّلو أنّ بینها و بینه أمدا بعیدا (و یکثر فیه الزّلزال) و نظیر التّحذیر عنه بکثره الزّلزال التّحذیر فی قوله تعالى: یا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ إِنَّ زَلْزَلَهَ السَّاعَهِ شَیْ‏ءٌ عَظِیمٌ یَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَهٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ کُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَى النَّاسَ سُکارى‏ وَ ما هُمْ بِسُکارى‏ وَ لکِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِیدٌ.

قال فی مجمع البیان معناه یا أیّها العقلاء المکلّفون اتّقوا عذاب ربّکم و اخشوا معصیه ربّکم إنّ زلزله الأرض یوم القیامه أمر عظیم هایل لا یطاق، یوم ترون الزّلزله أو السّاعه تشغل کلّ مرضعه عن ولدها و تنساه، و تضع الحبالی ما فی بطونها و هو تهویل لأمر القیامه و تعظیم لما یکون فیه من الشّداید أى لو کان ثمّ مرضعه لذهلت أو حامل لوضعت و إن لم یکن هناک حامل و لا مرضعه، و ترى النّاس سکارى من شدّه الخوف و الفزع، و ما هم بسکارى من الشّراب و قیل: معناه کأنّهم سکارى من ذهول عقولهم لشدّه ما یمرّ بهم لأنّهم یضطربون اضطراب السّکران هذا (و) لشدّه ذلک الیوم أیضا (یشیب فیه الأطفال) کما قال تعالى: یَوْماً یَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِیباً.
قال الطّبرسیّ: و هذا وصف لذلک الیوم و شدّته کما یقال هذا أمر یشیب منه الولید و تشیب منه النّواصی إذا کان عظیما شدیدا.

و قال الشّارح المعتزلی: قوله علیه السّلام و یشیب فیه الأطفال کلام جار مجرى المثل و لیس ذلک على حقیقته لأنّ الامّه مجتمعه على أنّ الأطفال لا یتغیّر حالهم فی الآخره إلى الشّیب، و الأصل فی هذا أنّ الهموم و الأحزان إذا توالت على الانسان شاب سریعا قال أبو الطّبیب:

و الهمّ یخترم الجسیم مخافه
و یشیب ناصیه الصّبیّ و یهرم‏

ثمّ عقّب بالتّحذیر من المعاصی بقوله (اعلموا عباد اللّه أنّ علیکم رصدا من أنفسکم) أى حرسا و حفظه ملازمین لکم غیر منفکّین عنکم، و أراد به الجوارح و الأعضاء، و لذا فسّره بقوله (و عیونا من جوارحکم) مراقبین لکم شهداء علیکم یوم القیامه کما قال تعالى فی سوره السّجده: وَ یَوْمَ یُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ یُوزَعُونَ حَتَّى إِذا ما جاؤُهاشَهِدَ عَلَیْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما کانُوا یَعْمَلُونَ وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِی أَنْطَقَ کُلَّ شَیْ‏ءٍ وَ هُوَ خَلَقَکُمْ أَوَّلَ مَرَّهٍ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ.

روى فی الصّافی عن القمّی نزلت فی قوم تعرض علیهم أعمالهم فینکرونها فیقولون ما عملنا شیئا منها، فیشهد علیهم الملائکه الّذین کتبوا علیهم أعمالهم قال الصّادق علیه السّلام فیقولون للّه: یا ربّ هولاء ملائکتک یشهدون لک، ثمّ یحلفون باللّه ما فعلوا من ذلک شیئا و هو قول اللّه عزّ و جلّ «یوم یبعثهم اللّه جمیعا فیحلفون له کما یحلفون لکم» و هم الّذین غصبوا أمیر المؤمنین علیه السّلام فعند ذلک یختم اللّه عزّ و جلّ على ألسنتهم و ینطق جوارحهم فیشهد السّمع بما سمع ممّا حرّم اللّه، و یشهد البصر بما نظر به إلى ما حرّم اللّه عزّ و جلّ، و یشهد الیدان بما أخذتا، و تشهد الرّجلان بما سعتا فیما حرّم اللّه، و یشهد الفرج بما ارتکب ممّا حرّم اللّه، ثمّ أنطق اللّه عزّ و جلّ ألسنتهم، فیقولون هم لجلودهم: لم شهدتم علینا الآیه قال: و الجلود الفروج.

و فی الصّافی عن القمّی أیضا فی تفسیر قوله تعالى فی سوره یس: الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ وَ تُکَلِّمُنا أَیْدِیهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ.
قال: إذا جمع اللّه عزّ و جلّ الخلق یوم القیامه دفع إلى کلّ إنسان کتابه فینظرون فیه فینکرون أنّهم عملوا من ذلک شیئا، فتشهد علیهم الملائکه، فیقولون، یا ربّ ملائکتک یشهدون لک، ثمّ یحلفون أنّهم لم یعملوا من ذلک شیئا و هو قول اللّه عزّ و جلّ: یَوْمَ یَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِیعاً فَیَحْلِفُونَ لَهُ کَما یَحْلِفُونَ لَکُمْ فاذا فعلوا ذلک ختم اللّه على ألسنتهم و تنطق جوارحهم بما کانوا یکسبون، هذاو بما ذکرنا ظهر لک ضعف ما ذکره الشّارح البحرانی بل فساده من أنّ شهاده الجلود و غیرها بلسان الحال و النّطق به، فانّ کلّ عضو لما کان مباشرا لفعل من الأفعال کان حضور ذلک العضو و ما صدر عنه فی علم اللّه تعالى بمنزله الشّهاده القولیّه بین یدیه، فانّ ذلک مخالف لظاهر الآیه و نصّ الرّوایه لدلالتهما على کون الشّهاده بلسان القال لا بلسان الحال کما زعمه الشّارح و توهّم.

و قوله (و حفّاظ صدق یحفظون أعمالکم و عدد أنفاسکم) أراد بهم الکرام الکاتبین قال تعالى: إِذْ یَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّیانِ عَنِ الْیَمِینِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِیدٌ ما یَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَیْهِ رَقِیبٌ عَتِیدٌ.
قال فی مجمع البیان: ذکر سبحانه أنّه مع علمه به وکّل به ملکین یحفظان علیه عمله الزاما للحجّه، فقال: إذ یتلقّى المتلقّیان، و هما الملکان یأخذان منه عمله فیکتبانه کما یکتب المملى علیه، عن الیمین و عن الشّمال قعید، المراد بالقعید هو الملازم الّذی لا یبرح لا القاعد الّذی هو ضدّ القائم، و قیل: عن الیمین کاتب الحسنات و عن الشّمال کاتب السّیئات عن الحسن و مجاهد، و قیل: الحفظه أربعه: ملکان باللّیل، و ملکان بالنّهار عن الحسن، ما یلفظ من قول إلّا لدیه رقیب عتید أى ما یتکلّم بکلام فیلفظه أى یرمیه من فیه إلّا لدیه حافظ حاضر معه یعنی الملک الموکّل به إمّا صاحب الیمین و إمّا صاحب الشّمال، یحفظ عمله لا یغیب عنه، و عن أبی أمامه عن النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال: إنّ صاحب الشّمال لیرفع القلم ستّ ساعات عن العبد المسلم المخطى أو المسى‏ء، فان ندم و استغفر اللّه منها ألقاها و إلّا کتب واحده، و فی روایه اخرى قال: صاحب الیمین أمیر على صاحب الشّمال، فاذا عمل حسنه کتبها له صاحب الیمین بعشر أمثالها و إذا عمل سیئه فأراد صاحب الشّمال أن یکتبها قال له صاحب الیمین: امسک، فیمسک عنه سبع ساعات، فان استغفر اللّه منها لم یکتب علیه شی‏ء، و إن لم یستغفر اللّه کتب له سیّئه واحده، هذاو قد علم بذلک أنّه سبحانه مع علمه بحال العبد و کونه أقرب إلیه من حبل الورید وکّل علیه لحکمه اقتضته من تشدید فی تثبط العبد من المعصیه و تأکید فی اعتبار الأعمال و ضبطها للجزاء و إلزام الحجّه یوم یقوم الأشهاد حفظه صدق یحفظون عمله و یضبطونه و هم ملازمون له غیر غائبین عنه أبدا.

کما أشار إلیه بقوله (لا تسترکم منهم ظلمه لیل داج) أى شدیده الظلمه (و لا یکنّکم) أى لا یسترکم (منهم باب ذور تاج) أى باب عظیم مغلق.
ثمّ حذّر بقرب الموت فقال: (و انّ غدا من الیوم قریب) کنّى بالغد عن وقت الموت (یذهب الیوم بما فیه) من الخیر و الشّر و الطّاعه و المعصیه (و یجی‏ء الغد لاحقا به) ثمّ حذّر ببلوغ القبر و کنّى عنه بقوله (فکان کلّ امرء منکم قد بلغ من الأرض منزل وحدته و مخطّ حفرته) و أشار إلى هول ذلک المنزل و وصفه بالأوصاف الموحشه المنفّره فقال (فیا له من بیت وحده و منزل وحشه و مفرد غربه) ثمّ حذّر بالصّیحه و نفخ الصّور و قیام السّاعه فقال: (و کان الصّیحه قد أتتکم و السّاعه قد غشیتکم) و الظّاهر أنّ المراد بالصّیحه الصّیحه و النّفخه الثانیه و قد اشیر الیهما أعنى الصّیحتین فی سوره یس قال تعالى: ما یَنْظُرُونَ إِلَّا صَیْحَهً واحِدَهً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ یَخِصِّمُونَ فَلا یَسْتَطِیعُونَ تَوْصِیَهً وَ لا إِلى‏ أَهْلِهِمْ یَرْجِعُونَ وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى‏ رَبِّهِمْ یَنْسِلُونَ قالُوا یا وَیْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ إِنْ کانَتْ إِلَّا صَیْحَهً واحِدَهً فَإِذا هُمْ جَمِیعٌ لَدَیْنا مُحْضَرُونَ.

قال فی مجمع البیان: أى ما ینتظرون إلّا صیحه واحده یرید النّفخه الاولى عن ابن عبّاس، یعنی أنّ القیامه تأتیهم بغته تأخذهم الصّیحه وَ هُمْ یَخِصِّمُونَ أى‏یختصمون فی امورهم و یتبایعون فی الأسواق، ثمّ أخبر عن النفخه الثّانیه و ما یلقونه فیها إذا بعثوا بعد الموت فقال: و نفخ فی الصّور فاذاهم من الأجداث، و هى القبور، إلى ربّهم أى إلى الموضع الّذی یحکم اللّه فیه لا حکم لغیره هناک، ینسلون، أى یخرجون سراعا ثمّ أخبر عن سرعه بعثهم فقال: إن کانت إلّا صیحه واحده، أى لم تکن المدّه إلّا مدّه صیحه واحده، فاذا هم جمیع لدینا محضرون، أی فاذا الأوّلون و الآخرون مجموعون فی عرصات القیامه محضرون فی موقف الحساب و فی سوره الزّمر: وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخْرى‏ فَإِذا هُمْ قِیامٌ یَنْظُرُونَ.

قال فی مجمع البیان: فصعق من فی السّموات آه أى یموت من شدّه تلک الصّیحه الّتی تخرج من الصّور جمیع من فی السّماوات و الأرض، و قوله: ثمّ نفخ فیه أخرى، یعنی نفخه البعث و هی النّفخه الثّانیه.
(و برزتم لفصل القضاء) أى لحکم العدل الفاصل بین الحقّ و الباطل لیتمیّز المصیب من المخطى، و المسلم من الکافر، و المؤمن من المنافق لیجزى کلّ ما عمل کما قال عزّ من قائل: وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَ وُضِعَ الْکِتابُ وَ جِی‏ءَ بِالنَّبِیِّینَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ وَ وُفِّیَتْ کُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِما یَفْعَلُونَ.

(قد زاحت عنکم الأباطیل) أى بعدت و تنحت عنکم الهیآت الباطله الممکنه الزّوال (و اضمحلّت عنکم العلل) أى ذهبت و انحلّت عنکم العلل و الأمراض النّفسانیّه (و استحقّت بکم الحقائق) قال الشّارح المعتزلی: أى حقّت و وقعت‏ فاستفعل بمعنى فعل (و صدرت بکم الأمور مصادرها) أراد به رجوع کلّ امرء إلى ثمره ما قدّم، قاله البحرانی (فاتّعظوا بالعبر) أى بکلّ ما یفید اعتبارا و تنبّها على أحوال الآخره و بما فیه تذکره للموت و ما بعده من الشّداید و الأهوال، ألا ترى إلى الآباء و الاخوان و الأبناء و الولدان و الأقرباء و الجیران کیف طحنتهم المنون، و توالت علیهم السّنون، و فقدتهم العیون، اندرست عن وجه الأرض آثارهم و انقطعت عن الأفواه أخبارهم.

إذا کان هذا حال من کان قبلنا
فانّا على آثارهم نتلاحق‏

(و اعتبروا بالغیر) أى بتغیّرات الدّهر و انقلاباته على أهله، لا یدوم سروره، و لا تتمّ اموره، لا یقیم على حال، و لا یمتنع بوصال، و عوده کاذبه. و آماله خائبه.

تحدّثک الأطماع أنّک للبقاء
خلقت و أنّ الدّهر خلّ موافق‏

کأنّک لم تبصر اناسا ترادفت‏
علیهم بأسباب المنون اللّواحق‏

(و انتفعوا بالنّذر) أى بکلّ ما أفاد تخویفا بالآخره و ما فیها من المفزعات و الدّواهى فیا من عدم رشده، و ضلّ قصده إنّ أوقاتک محدوده، و أنفاسک معدوده، و أفعالک مشهوره، و أنت مقیم على الاصرار، غافل عن یوم تشخص فیه الأبصار.

إذا نصب المیزان للفصل و القضا
و ابلس محجاج و اخرس ناطق‏

و اجّجت النّیران و اشتدّ غیظها
إذا فتحت أبوابها و المغالق‏

فانّک مأخوذ بما قد جنیته
و إنّک مطلوب بما أنت سارق‏

فقارب و سدّد و اتّق اللّه وحده‏
و لا تستقلّ الزّاد فالموت طارق‏

الترجمه

از جمله خطب بلیغه آن امام مبین و ولیّ ربّ العالمین است در نصیحت و موعظه و تنفیر از دنیا و ترغیب بعقبى مى‏ فرماید: حمد و ثنا مر خداى راست که گردانید حمد را کلید از براى ذکر خود، و سبب زیادتى فضل و انعام خود، و دلیل بر نعمتهاى خود و عظمت بى نهایت خود،اى بندگان خدا بدرستى روزگار جارى مى‏ شود بباقی ماندگان مثل جارى شدن او بر گذشتگان در حالتى که باز نمى‏ گردد آنچه که پشت گردانیده از آن، و باقى نمى ‏ماند همیشه آنچه که در او است، آخر کارهاى او مثل أوّل کارهاى اوست شبیه است بهم دیگر کارهاى او، هم پشت یکدیگرند علامتهاى او، پس گویا که شما مى‏ بینید قیامت را می راند شما را بسوى خود مثل راندن کسى که بعنف و زجر شتر ماده بی شیر و بچه خود را براند، پس کسى که مشغول نماید نفس خود را بغیر اصلاح نفس خود متحیّر مى ‏ماند در ظلمتهاى جهالت، و آمیخته شود در تباهی هلاکات، و بکشند او را شیطانها در طغیان او، و زینت مى‏دهند از براى او عملهاى بد او را پس بهشت پایان کار سبقت کنندگانست، و جهنم نهایت کار تفریط نمایندگان بدانید اى بندگان خدا که تقوى حصن حصینى است با عزّت، و فسق و فجور خانه حصنى است با ذلّت که منع نمى ‏کند أهل خود را از بلا و مکاره، و حفظ نمى‏ کند کسى را که پناه برد بسوى او، آگاه باشید که با تقوى بریده مى‏شود نیش پر زهر گناها، و با یقین درک مى‏ شود غایه قصوى.

اى بندگان بپرهیزید از خدا در عزیزترین نفسها بر شما و دوست ‏ترین آنها بسوى شما، پس بدرستى که حق تعالى واضح گردانیده از براى شما راه حق را، و ظاهر نموده راههاى آن را، پس نهایت کار یا شقاوتیست لازم، یا سعادتیست دائم پس توشه بردارید در روزهاى فنا از براى روزهاى بقا، پس بتحقیق که راه نموده شدید بر توشه آخرت و مامور شدید برحلت و حثّ و ترغیب شدید بسیر کردن بسوى وطن اصلى، پس بدرستى که شما مانند سوارانید منتظر ایستاده که نمى‏ دانید چه وقت مأمور خواهید شد بحرکت.

آگاه باشید چه مى‏ کند دنیا را کسى که خلق شده است از براى آخرت، و چه کار دارد با مال کسى که بعد از زمان قلیل سلب مى‏ شود از آن و باقى مى ‏ماند بر او و بال و حساب آن، اى بندگان خدا بدرستى که نیست مر چیزى را که وعده فرموده است خدا از نیکوئى جاى ترکى، و نیست در آنچه نهى فرموده از آن ازبدى جاى رغبتى، اى بندگان خدا حذر نمائید از روزى که جستجو مى‏ شود در آن عملها، و بسیار مى ‏شود در آن زلزله، و پیر مى‏شوند در آن بچه‏گان.

بدانید اى بندگان خدا که بر شما است نگهبانان از نفسهاى خودتان، و جاسوسان از أعضاء و جوارح شما، و نگهدارندگان راست و درست یعنى کرام الکاتبین که نگه مى ‏دارند عملهاى شما را و شماره نفسهاى شما را در حالتى که نمى ‏پوشاند شما را از ایشان تاریکى شب تار، و پنهان نمى ‏سازد شما را از آنها در محکم بسته شده، و بدرستى که فردا نزدیکست از امروز مى‏ رود امروز با آنچه که در اوست از خیر و شر، و مى ‏آید فردا در حالتى که لاحق است بآن.

پس گویا هر مردى از شما بتحقیق رسیده است از زمین بمنزل تنهائى خود، و بمحلّ خطّ گودال خود که عبارتست از قبر او، پس أى بسا تعجّب أ یقوم مرا بمنزل و مکان از خانه تنهائى و منزل بیمناک و محلّ تفرّد غریبى، و گویا صداى نفخه صور اسرافیل آمده است بشما، و قیامت احاطه نموده بر شما، و بیرون آمده ‏اید از قبر بجهه حکم عدل پروردگار که تمیز دهنده است میان حق و باطل در حالتى که بعید شده است از شما باطلها، و زایل شده از شما علّتها، و مستحق شده است بشما حقیقتها و بازگشته بشما امورات بمواضع بازگشتن خودشان.
پس پند گیرید با عبرتها، و عبرت نمائید با تغیّرات روزگار، و منتفع باشید با چیزهائى که مى‏ترساند شما را از عذاب نار، و از سخط خداوند قهار.

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۱۷۱

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۵۵ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۵۶ صبحی صالح

۱۵۶- و من کلام له ( علیه ‏السلام )

خاطب به أهل البصره على جهه اقتصاص الملاحم‏

فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِکَ أَنْ یَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَلْیَفْعَلْ
فَإِنْ أَطَعْتُمُونِی فَإِنِّی حَامِلُکُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى سَبِیلِ الْجَنَّهِ
وَ إِنْ کَانَ ذَا مَشَقَّهٍ شَدِیدَهٍ وَ مَذَاقَهٍ مَرِیرَهٍ
وَ أَمَّا فُلَانَهُ فَأَدْرَکَهَا رَأْیُ النِّسَاءِ
وَ ضِغْنٌ غَلَا فِی صَدْرِهَا کَمِرْجَلِ الْقَیْنِ
وَ لَوْ دُعِیَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَیْرِی مَا أَتَتْ إِلَیَّ لَمْ تَفْعَلْ
وَ لَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الْأُولَى
وَ الْحِسَابُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى

وصف الإیمان‏

منه‏سَبِیلٌ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ أَنْوَرُ السِّرَاجِ
فَبِالْإِیمَانِ یُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ
وَ بِالصَّالِحَاتِ یُسْتَدَلُّ عَلَى الْإِیمَانِ
وَ بِالْإِیمَانِ یُعْمَرُ الْعِلْمُ
وَ بِالْعِلْمِ یُرْهَبُ الْمَوْتُ
وَ بِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْیَا
وَ بِالدُّنْیَا تُحْرَزُ الْآخِرَهُ
وَ بِالْقِیَامَهِ تُزْلَفُ الْجَنَّهُ
وَ تُبَرَّزُ الْجَحِیمُ لِلْغَاوِینَ
وَ إِنَّ الْخَلْقَ لَا مَقْصَرَ لَهُمْ عَنِ الْقِیَامَهِ
مُرْقِلِینَ فِی مِضْمَارِهَا إِلَى الْغَایَهِ الْقُصْوَى
حال أهل القبور فی القیامه
منه‏قَدْ شَخَصُوا مِنْ مُسْتَقَرِّ الْأَجْدَاثِ
وَ صَارُوا إِلَى مَصَایِرِ الْغَایَاتِ
لِکُلِّ دَارٍ أَهْلُهَا لَا یَسْتَبْدِلُونَ بِهَا وَ لَا یُنْقَلُونَ عَنْهَا
وَ إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْیَ عَنِ الْمُنْکَرِ لَخُلُقَانِ مِنْ خُلُقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ
وَ إِنَّهُمَا لَا یُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ
وَ لَا یَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ
وَ عَلَیْکُمْ بِکِتَابِ اللَّهِ
فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِینُ وَ النُّورُ الْمُبِینُ
وَ الشِّفَاءُ النَّافِعُ
وَ الرِّیُّ النَّاقِعُ
وَ الْعِصْمَهُ لِلْمُتَمَسِّکِ
وَ النَّجَاهُ لِلْمُتَعَلِّقِ
لَا یَعْوَجُّ فَیُقَامَ
وَ لَا یَزِیغُ فَیُسْتَعْتَبَ
وَ لَا تُخْلِقُهُ کَثْرَهُ الرَّدِّ
وَ وُلُوجُ السَّمْعِ
مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَ مَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ

و قام إلیه رجل فقال یا أمیر المؤمنین، أخبرنا عن الفتنه،

و هل سألت رسول اللّه ( صلى‏ الله‏ علیه ‏وآله ) عنها فقال ( علیه ‏السلام ):
إِنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ‏
عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَهَ لَا تَنْزِلُ بِنَا وَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى ‏الله ‏علیه ‏وآله )بَیْنَ أَظْهُرِنَا
فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْفِتْنَهُ الَّتِی أَخْبَرَکَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا
فَقَالَ یَا عَلِیُّ إِنَّ أُمَّتِی سَیُفْتَنُونَ بَعْدِی
فَقُلْتُ یَا رَسُولُ اللَّهِ أَ وَ لَیْسَ قَدْ قُلْتَ لِی یَوْمَ أُحُدٍ حَیْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ وَ حِیزَتْ عَنِّی الشَّهَادَهُ
فَشَقَّ ذَلِکَ عَلَیَّ فَقُلْتَ لِی أَبْشِرْ فَإِنَّ الشَّهَادَهَ مِنْ وَرَائِکَ
فَقَالَ لِی إِنَّ ذَلِکَ لَکَذَلِکَ فَکَیْفَ صَبْرُکَ إِذاً
فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَیْسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ
وَ لَکِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى وَ الشُّکْرِ
وَ قَالَ یَا عَلِیُّ إِنَّ الْقَوْمَ سَیُفْتَنُونَ بِأَمْوَالِهِمْ
وَ یَمُنُّونَ بِدِینِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ
وَ یَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ
وَ یَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ
وَ یَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ الْکَاذِبَهِ وَ الْأَهْوَاءِ السَّاهِیَهِ
فَیَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِالنَّبِیذِ
وَ السُّحْتَ بِالْهَدِیَّهِ
وَ الرِّبَا بِالْبَیْعِ
قُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِأَیِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذَلِکَ
أَ بِمَنْزِلَهِ رِدَّهٍ أَمْ بِمَنْزِلَهِ فِتْنَهٍ
فَقَالَ بِمَنْزِلَهِ فِتْنَهٍ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۹  

و من کلام له علیه السّلام خاطب به أهل البصره على جهه اقتصاص الملاحم
و هو المأه و الخامس و الخمسون من المختار فى باب الخطب و شرحها فی فصلین:

الفصل الأول منه

فمن استطاع عند ذلک أن یعتقل نفسه على اللَّه فلیفعل، فإن أطعتمونی فإنّی حاملکم إنشاء اللَّه على سبیل الجنّه و إن کان ذا مشقّه شدیده، و مذاقه مریره، و أمّا فلانه فأدرکها رأى النّساء و ضغن غلا فی صدرها کمرجل القین، و لو دعیت لتنال من غیری ما أتت إلیّ لم تفعل و لها بعد حرمتها الاولى و الحساب على اللَّه.

اللغه

(المرجل) وزان منبر القدر و (القین) الحدّاد.

الاعراب

على فی قوله: على اللَّه، فی الموضعین للاستعلاء المجازی و جمله لم تفعل جواب لو، و الباقی واضح.

المعنى

قال الشّارح البحرانی «قدّه» إنّ قوله علیه السّلام (فمن استطاع عند ذلک) یقتضى أنّه سبق منه علیه السّلام قبل هذا الفصل ذکر فتن و حروب یقع بین المسلمین وجب على من أدرکها (أن یعتقل نفسه على اللَّه) أى یحبسها على طاعته من دون أن یخالطها و یدخل فیها (فلیفعل) لوجوب طاعته سبحانه عقلا و نقلا (فان أطعتمونی فانّی حاملکم انشاء اللَّه على سبیل الجنّه) و سبیلها هو الدّین القویم و الصراط المستقیم و إنّما شرط علیه السّلام حملهم علیها باطاعته إذ لا رأى لمن لا یطاع (و إن کان) هذه السّبیل و سلوکها (ذا مشقّه شدیده و مذاقه مریره) لظهور أنّ النّفوس مایله إلى اللّهو و الباطل، و المواظبه على الطّاعات و الوقوف عند المحرّمات أمر شاقّ شدید المشقّه مرّ المذاق بعید عن المساغ البتّه.

(و أمّا فلانه) کنّى بها عن عایشه و لعلّه من السیّد «ره» تقیّه کما کنّى فی الخطبه الشّقشقیّه عن أبی بکر بفلان (فأدرکها رأى النّساء) أى ضعف الرّأى فانّ رأیهنّ إلى الأفن و عزمهنّ إلى الوهن، و قد تقدّم ما ما یدلّ على نقصان حظوظهنّ و عقولهنّ و میراثهنّ و سایر خصالهنّ المذمومه فی الکلام التّاسع و السّبعین و شرحه (و ضغن) أى حقد (غلافی صدرها کمرجل القین) أى کغلیان قدر الحدّاد، و هو من تشبیه المعقول بالمحسوس، و وجه الشّبه الشّده و الدّوام و أسباب ضغنها کثیره ستطّلع علیها بعید ذلک.

(و لو دعیت لتنال غیری ما أتت إلىّ لم تفعل) قال الشّارح المعتزلیّ: یقول لو أنّ عمر ولیّ الخلافه بعد قتل عثمان على الوجه الّذی قتل علیه و الوجه الّذی أنا ولّیت الخلافه علیه و نسب عمر إلى أنّه کان یؤثر قتله أو یحرض علیه، و دعیت إلى أن تخرج علیه فی عصابه من المسلمین إلى بعض بلاد الاسلام تثیر فتنه و تنقض البیعه لم تفعل، و هذا حقّ لأنّها لم تکن تجد على عمر ما تجده على علیّ علیه السّلام و لا الحال الحال، انتهى.

و محصّله أنّه علیه السّلام أراد بقوله من غیری عمر قال العلّامه المجلسیّ:و الأظهر الأعمّ، أى لو کان عمر أو أحد من أضرابه ولیّ الخلافه بعد قتل عثمان و دعیت إلى أن تخرج إلیه لم تفعل (و لها بعد حرمتها الأولى) أى کونها من امّهات المؤمنین (و الحساب على اللَّه) هذا من باب الاحتراس الّذی تقدّم فی دیباجه الشّرح أنّه من جمله المحسّنات البدیعیّه، فانّه علیه السّلام لما أثبت لها حرمتها الاولى عقّبه بذلک لئلا یتوهّم منه أنّها محترمه فی الدّنیا و العقبى، و نبّه به على أنّ حرمتها ملحوظه فی الدّنیا فقط لرعایه احترام الرّسول صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم و أمّا فی الأخرى فجزاء ضغنها و خروجها عن طاعه الامام المفترض الطّاعه و إثارتها الفتنه المؤدّیه إلى إراقه دماء المسلمین على اللَّه سبحانه إذ من یعمل مثقال ذرّه خیرا یره و من یعمل مثقال ذرّه شرا یره و قد قال تعالى: «یا نِساءَ النَّبِیِّ مَنْ یَأْتِ مِنْکُنَّ بِفاحِشَهٍ مُبَیِّنَهٍ یُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَیْنِ وَ کانَ ذلِکَ عَلَى اللَّهِ یَسِیراً»

تذییل فی ذکر عایشه و ذکر أسباب ضغنها

أورد الشّارح المعتزلی فی شرح هذا الکلام له علیه السّلام فصلا طویلا کم فیه من التّصریح و التعریض و التلویح إلى مثالب عایشه و مطاعنها و إن لم یرفع الشّارح یده مع ذلک کلّه عن ذیل الاعتساف و التّعصّب أحببت ایراد ذلک الکلام على طوله لأنّه من لسان أبنائها أحلى و نعقّبه إنشاء اللَّه بما عندنا من القول الفصل الّذی لیس هو بالهزل، و من الحقّ الذی هو أحقّ أن یتّبع، فأقول: قال الشارح: کانت عایشه فقیهه راویه للشّعر ذات حظّ من رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم و کانت لها علیه جرأه و إدلال لم یزل ینمى و یستسرى حتّى کان منها فی أمره فی قصّه ماریه ما کانت من الحدیث الذّی أسرّه إلى الزّوجه الأخرى و أدّى إلى تظاهرهما علیه و أنزل فیهما قرآن یتلى فی المحاریب یتضمّن وعیدا غلیظا عقیب تصریح بوقوع الذّنب و صغو القلب و أعقبتها تلک الجرأه و ذلک الانبساط أن حدث منها فی أیّام الخلافه العلویّه ما حدث، و لقد عفى اللَّه تعالى عنها و هى من أهل الجنّه عندنا بسابق الوعد و ما صحّ من أمر التّوبه إلى أن قال:

فأمّا قوله علیه السّلام: أدرکها رأى النّساء، أى ضعف آرائهنّ و قد جاء فی الخبر لا یفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأه، و جاء أنّهنّ قلیلات عقل و دین، أو قال ضعیفات و لذلک جعل شهاده المرأتین بشهاده الرّجل الواحد، و المرأه فی أصل الخلقه سریعه الانخداع سریعه الغضب سیّئه الظنّ فاسده التّدبیر، و الشجاعه فیهنّ مفقوده أو قلیله و کذلک السّخاء.

قال الشّارح: و أمّا الضغن فاعلم أنّ هذا الکلام یحتاج إلى شرح، و قد کنت قرأته على الشّیخ أبی یعقوب یوسف بن إسماعیل اللّمعانی (ره) أیّام اشتغالى علیه بعلم الکلام، و سألته عمّا عنده فأجابنی بجواب طویل أنا أذکر محصوله بعضه بلفظه و بعضه بلفظی فقد شذّ عنّی الآن لفظه کلّه بعینه قال: أوّل بداء الضغن کان بینها و بین فاطمه علیها السلام، و ذلک لأنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله تزوّجها عقیب موت خدیجه فأقامها مقامها، و فاطمه علیها السّلام هى ابنه خدیجه، و من المعلوم أنّ ابنه الرّجل إذا ماتت أمّها و تزوّج أبوها أخرى کان بین الابنه و بین المرأه کدروشنان، و هذا لا بدّ منه لأنّ الزّوجه تنفس علیها میل الأب، و البنت تکره میل أبیها إلى امرأه غریبه کالضّره لامّها، بل هى ضرّه على الحقیقه و إن کانت الامّ میته و لأنا لو قدّرنا الامّ حیّه لکانت العداوه مضطرمه متسعّره فاذا کانت قد ماتت ورثتها بنتها تلک العداوه.

ثمّ اتّفق أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم مال إلیها و أحبّها فازداد ما عند فاطمه بحسب زیاده میله، و أکرم رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم فاطمه إکراما عظیما أکثر ممّا کان النّاس یظنّونه و أکثر من إکرام الرّجال لبناتهم حتّى خرج بها عن حدّ حبّ الآباء للأولاد فقال صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم بمحضر الخاصّ و العامّ مرارا لا مرّه واحده، و فی مقامات مختلفه لا فی مقام واحد: إنّها سیّده نساء العالمین، و إنّها عدیله مریم بنت عمران، و إنّها إذا مرّت فی الموقف نادى مناد من جهه العرش یا أهل الموقف غضّوا أبصارکم لتعبر فاطمه بنت محمّد صلّى اللَّه علیه و آله، و هذا من الأحادیث الصحیحه و لیس من الأخبار المستضعفه و أنّ انکاحه علیا إیّاها ما کان إلّا بعد أن أنکحه اللَّه إیّاها فی السّماء بشهاده الملائکهو کم قال لا مرّه: یؤذینی ما یؤذیها و یغضبنی ما یغضبها، و إنها بضعه یریبنی ما رابها.

فکان هذا و أمثاله یوجب زیاده الضغن عند الزّوجه حسب زیاده هذا التعظیم و التبجیل، و النفوس البشریّه تغیظ على ما هو دون هذا فکیف هذا ثمّ حصل عند بعلها علیهما السّلام ما هو حاصل عندها أعنی علیّا علیه السّلام، فانّ النساء کثیرا ما یحصلن الأحقاد فی قلوب الرّجال لا سیّما و هنّ محدّثات اللّیل کما قیل فی المثل، و کانت تکثر الشکوى من عایشه و یغشیها نساء المدینه و جیران بیتها فینقلن إلیها کلمات عن عایشه ثمّ یذهبن إلى بیت عایشه فینقلن إلیها کلمات عن فاطمه، و کما کانت فاطمه تشکو إلى بعلها کانت عایشه تشکو إلی أبیها لعلمها أنّ بعلها لا یشکیها على ابنته فحصل فی نفس أبی بکر من ذلک أثر ما.

ثمّ تزاید تقریظ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لعلیّ و تقریبه و اختصاصه، فأحدث ذلک حسدا له و غیظه فی نفس أبی بکر عنه و هو أبوها و فی نفس طلحه و هو ابن عمّها و هی تجلس إلیهما و تسمع کلامهما و هما یجلسان إلیها و یحادثانها فأعدى إلیها منهما کما أعدى إلیهما منها.

قال: و لست ابرّى‏ء علیّا من مثل ذلک، فانه کان ینفس على أبی بکر سکون النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلیه و ثنائه علیه، و یحبّ أن ینفرد هو بهذه المزایا و الخصائص دونه و دون الناس أجمعین، و من انحرف عن إنسان انحرف عن أهله و أولاده فتأکّدت البغضه بین هذین الفریقین.

ثمّ کان من أمر القذف ما کان و لم یکن علیّ علیه السّلام من القاذفین و لکنه کان من المشیرین على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بطلاقها تنزیّها لعرضه عن أقوال الشناه و المنافقین قال له لما استشاره: إن هى إلّا شسع نعلک و قال له: سل الخادم و خوّفها و إن أقامت على الجحود فاضربها و بلغ عایشه هذا الکلام کلّه و سمعت أضعافه ممّا جرت عاده الناس أن یتداولوه فی مثل هذه الواقعه، و نقل النساء إلیها کلاما کثیرا عن علیّ و فاطمه فاشتدّت‏و غلظت و طوى کلّ من الفریقین قلبه على الشنآن لصاحبه ثمّ کان بینها و بین علیّ علیه السّلام فی حیاه رسول اللَّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أحوال و أقوال کلّها تقتضى تهیّج ما فی النفوس، نحو قولها له و قد استدناه رسول اللّه فجاء حتّى قعد بینه و بینها و هما متلاصقان: أما وجدت مقعدا لکذا- لا تکنى عنه- إلّا فخذى، و نحو ما روی أنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم سایره یوما و أطال مناجاته فجاءت و هى سایره خلفهما حتّى دخلت بینهما و قالت: فیم أنتما فقد أطلتما، فیقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم غضب ذلک الیوم و ما روى فی حدیث الجفنه من الثرید التی أمرت الخادم فوقفت لها فاکفأتها و نحوها ممّا یکون بین الأهل و بین المرأه و أحماتها.

ثمّ اتّفق أنّ فاطمه ولدت أولادا کثیرا بنین و بنات و لم تلد هى ولدا، و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کان یقیم بنی فاطمه مقام بنیه و یسمّى الواحد منهما و یقول: دعوا لى ابنی، و لا تزرموا على ابنی، و ما فعل ابنی، فما ظنّک بالزّوجه إذا حرمت الولد من البعل ثمّ رأت البعل یتبنّى بنی ابنته من غیرها و یحنو علیهم حنو الولد المشفق هل تکون محبّه لأولئک البنین و لامّهم و لأبیهم أم مبغضه و هل تودّ دوام ذلک و استمراره أم زواله و انقضائه ثمّ اتّفق أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم سدّ باب أبیها إلى المسجد و فتح باب صهره ثمّ بعث أباها ببراءه إلى مکّه ثمّ عزله عنها بصهره، فقدح ذلک أیضا فی نفسها.

و ولد لرسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إبراهیم من ماریه فأظهر علیّ علیه السّلام بذلک سرورا کثیرا و کان یتعصّب لماریه و یقوم بأمرها عند رسول اللّه میلا على غیرها، و جرت لماریه نکبه مناسبه لنکبه عایشه فبرّها علیّ علیه السّلام منه و کشف بطلانها و کشفه اللّه تعالى على یده و کان ذلک کشفا محسّا بالبصر لا یتهیّأ للمنافقین أن یقولوا فیه ما قالوا فی القرآن المنزل ببراءه عایشه، و کلّ ذلک مما کان یوعر صدر عایشه علیه و یؤکّد ما فی نفسها منه.

ثمّ مات إبراهیم فأبطنت شماته و إن أظهرت کأبه، و وجم علیّ علیه السّلام من ذلک و کذلک فاطمه و کانا یؤثران و یریدان أن تتمیّز ماریه علیها بالولد فلم یقدّر لهما و لا لماریه ذلک.
و بقیت الأمور على ما هى علیه و فی النّفوس ما فیها، حتّى مرض رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم المرض الّذی توفّى فیه، فکانت فاطمه و علیّ یریدان أن یمرّضاه فی بیتهما و کذلک کانت أزواجه فمال إلى بیت عایشه بمقتضى المحبّه القلبیّه الّتی کانت لها دون نسائه، و کره أن یزاحم فاطمه و بعلها فی بیتهما فلا یکون عنده من الانبساط بوجودهما ما یکون إذا خلا بنفسه فی بیت من یمیل إلیه بطبعه و علم أنّ المریض یحتاج إلى فضل مداراه و نوم و یقظه و انکشاف و خروج حدث فکانت نفسه إلى بیته أسکن منها إلى بیت صهره و بنته فانّه إذا تصوّر حیائهما منه استحیى هو أیضا منهما و کلّ أحد یحبّ أن یخلو بنفسه و یحتشم الصّهر و البنت و لم یکن له صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلى غیرها من الزّوجات مثل ذلک المیل الیها فتمرّض فی بیتها فغبطت على ذلک، و لم یمرض رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم منذ قدم المدینه مثل ذلک المرض و إنّما کان مرضه الشقیقه یوما أو بعض یوم ثمّ تبرء فتطاول هذا المرض.

و کان علیّ علیه السّلام لا یشکّ أنّ الأمر له و أنّه لا ینازعه فیه أحد من النّاس و لهذا قال له عمّه و قد مات رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: امدد یدک أبایعک، فیقول النّاس عمّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بایع ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فلا یختلف علیک اثنان، قال: یا عمّ و هل یطمع فیها طامع غیری قال: ستعلم، قال: فانّى لا أحبّ هذا الأمر من وراء رتاج و أحبّ أن اصهر «اصحر» به فسکت عنه.

فلما ثقل رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی مرضه أنفذ جیش اسامه و جعل فیه أبا بکر و غیره من أعلام المهاجرین و الأنصار، فکان علیّ علیه السّلام حینئذ بوصوله إلى الأمر إن حدث برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أوثق، و تغلب على ظنّه أنّ المدینه لو مات صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لخلت من منازع ینازعه الأمر بالکلیّه، فیأخذه صفوا عفوا، و یتمّ له البیعه فلا یتهیّأ فسخها لو رام ضدّ منازعه علیها.

فکان من عود أبی بکر من جیش اسامه بارسالها إلیه و إعلامه بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یموت ما کان، و من حدیث الصّلاه ما عرفت، فنسب علیّ علیه السّلام عایشه إلى أنّها أمرت بلالا مولى أبیها أن یأمره فلیصلّ بالنّاس، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کما روى قال: لیصلّ بهم أحدهم و لم یعیّن و کانت صلاه الصّبح.
فخرج رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و هو فی آخر رمق یتهادى بین علیّ علیه السّلام و الفضل ابن العبّاس حتّى قام فی المحراب کما ورد فی الخبر، ثمّ دخل فمات ارتفاع الضّحى فجعل یوم صلاته حجّه فی صرف الأمر إلیه، و قال: أیّکم أطیب نفسا أن یتقدّم قدمین قدّمهما رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی الصّلاه و لم یحملوا خروج رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلى الصلاه لصرفه عنها بل لمحافظته على الصّلاه مهما أمکن.

فبویع على هذه النّکته الّتی اتّهمها علیّ علیه السّلام أنّها ابتدأت منها و کان علیّ علیه السّلام یذکر هذا لأصحابه فی خلواته کثیرا و یقول: إنّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لم یقل إنّکنّ لصویحبات یوسف إلّا إنکارا لهذه الحال و غضبا منها لأنّها و حفصه تبادرتا إلى تعیین أبویهما و أنّه استدرکها بخروجه و صرفه عن المحراب فلم یجد ذلک و لا أثر مع قوّه الدّاعی الّذی یدعو الى أبی بکر و یمهد له قاعده الأمر و تقرّر حاله فی نفوس النّاس و من اتّبعه على ذلک من أعیان المهاجرین و الأنصار و لما ساعد على ذلک من الحظ الفلکى الأمر السّمائی الّذی جمع علیه القلوب و الأهواء فکانت هذه الحال عند علیّ علیه السّلام أعظم من کلّ عظیم و هى الطّامه الکبرى و المصیبه العظمى و لم ینسبها إلّا إلى عایشه وحدها، و لا علّق الأمر الواقع إلّا بها، فدعا علیها فی خلواته و بین خواصّه و تظلّم إلى اللّه منها، و جرى له فی تخلّفه عن البیعه ما هو مشهور حتّى بایع.

و کان تبلغه و فاطمه عنها کلّ ما یکرهانه منذ مات رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلى أن توفّیت فاطمه علیها السلام و هما صابران على مضض و رمض، و استظهرت بولایه أبیها و استطالت و عظم شأنها و انخذل علیّ علیه السّلام و فاطمه و قهرا، و أخذت فدک و خرجت فاطمه تجادل فی ذلک مرارا فلم تظفر بشی‏ء.

و فی کلّ ذلک تبلّغها النّساء الداخلات و الخارجات عن عایشه کلّ کلام یسوؤها و یبلغن عایشه عنها و عن بعلها مثل ذلک، إلّا أنّه شتّان ما بین الحالین و بعد ما بین الفریقین، هذه غالبه و هذه مغلوبه، هذه آمره و هذه مأموره و ظهر التّشفى و الشّماته و لا شی‏ء أعظم مراره و مشقّه من شماته العدوّ.

قال الشارح: فقلت له: أ فتقول أنت إنّ عایشه عیّنت أباها للصّلاه و رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لم یعیّنه فقال: أما أنا فلا أقول ذلک، و لکن علیّا علیه السّلام کان یقوله، و تکلیفی غیر تکلیفه کان حاضرا و لم أکن حاضرا، فأنا محجوج بالأخبار الّتی اتّصلت بی و هى تتضمّن تعیین النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لأبی بکر فی الصلاه و هو محجوج بما کان قد علمه أو یغلب على ظنّه من الحال الّتی کان حضرها.

قال: ثمّ ماتت فاطمه علیها السلام فجاء نساء رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کلّهنّ إلى بنی هاشم فی العزاء إلّا عایشه، فانها لم تأت أظهرت مرضا، و نقل إلى علیّ علیه السّلام عنها کلام یدلّ على السرور.
ثمّ بایع علیّ علیه السّلام أباها فسّرت بذلک و أظهرت من الاستبشار بتمام البیعه و استقرار الخلافه و بطلان منازعه الخصم ما قد نقله الناقلون فأکثروا.

و استمرّت الامور على هذه مدّه خلافه أبیها و خلافه عمر و عثمان، و القلوب تغلى و الأحقاد تذیب الحجاره، و کلّما طال الزّمان على علیّ علیه السّلام تضاعفت همومه و غمومه، و باح بما فی نفسه إلى أن قتل عثمان و قد کانت عایشه أشدّ الناس علیه تألیبا و تحریضا، فقالت: أبعده اللّه لما سمعت قتله و أمّلت أن یکون الخلافه فی طلحه فیعود الأمر تیمیّه کما کانت أوّلا، فعدل الناس عنه إلى علیّ بن أبی طالب علیه السّلام، فلما سمعت ذلک صرخت وا عثماناه قتل عثمان مظلوما و ثارما فی الأنفس حتى تولد من ذلک یوم الجمل و ما بعده.
قال الشّارح: هذه خلاصه کلام الشیخ أبی یعقوب و لم یکن یتشیّع، و کان شدیدا فی الاعتزال إلّا أنّه کان فی التفضیل بغدادیّا.

ثم قال الشارح فی شرح قوله علیه السّلام و الحساب على اللّه:فان قلت: هذا الکلام یدلّ على توقّفه فی أمرها و أنتم تقولون إنّها من أهل الجنّه فکیف تجمعون بین مذاهبکم و هذا الکلام قلت: یجوز أن یکون علیه السّلام قال هذا الکلام قبل أن یتواتر الخبر عنده بتوبتها فانّ أصحابنا یقولون: إنّها تابت بعد قتل أمیر المؤمنین علیه السّلام و ندمت و قالت: لوددت أنّ لی من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عشره بنین کلّهم ماتوا و لم یکن یوم الجمل، و أنّها کانت بعد قتله تثنى علیه و تنشر مناقبه.

مع أنّهم رووا أیضا أنّها عقیب الجمل کانت تبکى حتّى تبلّ خمارها، و أنّها استغفرت اللّه و ندمت و لکن لم تبلغ أمیر المؤمنین علیه السّلام حدیث توبتها عقیب الجمل بلاغا یقطع العذر و یثبت الحجّه و الّذی شاع عنها من أمر النّدم و التّوبه شیاعا مستفیضا إنّما کان بعد قتله علیه السّلام إلى أن ماتت و هى على ذلک، و التّائب مغفور له و یجب قبول التوبه عندنا فی العدل و قد أکّد وقوع التّوبه منها ما روى فی الأخبار المشهوره أنّها زوجه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی الآخره کما کانت زوجته فی الدّنیا، و مثل هذا الخبر إذا شاع أوجب علینا أن نتکلّف إثبات توبتها لو لم ینقل فکیف و النّقل لها یکاد أن یبلغ حدّ التّواتر، انتهى کلام الشّارح المعتزلی.

و ینبغی لنا أن نعقبه بما عندنا فی هذا المقام فأقول و باللّه التکلان: اماما اشار الیه الشّارح من أنّه کان من عایشه فی أمره صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی قصّه ماریه ما کان من الحدیث الّذی أسرّه إلى الزوجه الاخرى و أدّى إلى تظاهرهما علیه و أنزل فیهما قرآن یتلى فی المحاریب آه فشرحه ما ذکره المفسّرون من العامّه و الخاصّه فی تفسیر قوله تعالى: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَکَ تَبْتَغِی مَرْضاتَ أَزْواجِکَ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ» قال فی الکشّاف: روى أنّه علیه الصّلاه و السّلام خلا بماریه فی یوم عایشه و علمت بذلک حفصه فقال لها: اکتمى علیّ و قد حرمت ماریه على نفسى و ابشرک أنّ أبا بکر و عمر یملکان بعدى أمر امّتی فأخبرت به و کانتا متصادقتین، و فی التّفسیر الکبیر فی تفسیر قوله تعالى: وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِیُّ إِلى‏ بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِیثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَیْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ‏ وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِیُّ إِلى‏ بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِیثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ» قال الفخر الرّازی یعنی ما أسرّ إلى حفصه من تحریم الجاریه على نفسه و استکتمها ذلک، و قیل: لمّا رأى النّبی الغیره فی وجه حفصه أراد أن یرضاها فأسرّ إلیها بشیئین: تحریم الأمه على نفسه، و البشاره بأنّ الخلافه بعده فی أبی بکر و أبیها عمر، قاله ابن عباس و قوله: فلمّا نبأت به أى أخبرت به عایشه و أظهره اللّه علیه اطلع نبیّه على قول حفصه لعایشه فأخبر النّبیّ حفصه عند ذلک ببعض ما قالت و هو قوله تعالى: عرّف بعضه حفصه و أعرض عن بعض لم یخبرها انّک أخبرت عایشه على وجه التّکریم و الإغضاء، و الذی أعرض عنه ذکر خلافه أبی بکر و عمر و قال القمّی: سبب نزولها أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کان فی بعض بیوت نسائه، و کانت ماریه القبطیّه تکون معه تخدمه، و کان ذات یوم فی بیت حفصه، فذهبت حفصه فی حاجه لها فتناول رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ماریه فعلمت حفصه بذلک فغضبت و أقبلت على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقالت: یا رسول اللّه فی یومی و فی دارى و على فراشی، فاستحى رسول اللّه منها فقال: کفى فقد حرّمت ماریه على نفسی و لا أطاها بعد هذا أبدا، و أنا أقضى الیک سرّا إن أنت أخبرت به فعلیک لعنه اللّه و الملائکه و النّاس أجمعین فقالت: نعم ما هو فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّ أبا بکر یلی الخلافه بعدی، ثمّ بعده أبوک فقالت من أنباک فقال نبّأنی العلیم الخبیر، فأخبرت حفصه به عایشه من یومها ذلک و أخبرت عایشه أبا بکر فجاء أبو بکر إلى عمر فقال له: إنّ عایشه أخبرتنی عن حفصه بشی‏ء و لا أثق بقولها، فاسأل أنت حفصه، فجاء عمر إلى حفصه فقال لها: ما هذا الّذی أخبرت عنک عایشه فأنکرت ذلک و قالت: ما قلت لها من ذلک شیئا، فقال عمر: إنّ هذا حقّ فأخبرینا حتّى نتقدّم فیه، فقالت: نعم قد قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فاجتمعوا أربعه على أن یسمّوا رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فنزل جبرئیل على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بهذه السّوره قال: و أظهره اللّه علیه یعنی و أظهره اللّه على ما أخبرت به و ما همّوا به من قتله عرف بعضه أى خبرها و قال: لم أخبرت بما خبرتک به و أعرض عن بعض قال: لم یخبرهم بما یعلم بما همّوا به من قتله، و قال تعالى فی هذه السّوره:

«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِینَ کَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ کانَتا تَحْتَ عَبْدَیْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَیْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ یُغْنِیا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَیْئاً وَ قِیلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِینَ» قال فی تفسیر الصّافی: مثل اللّه حال الکفّار و المنافقین فی أنّهم یعاقبون بکفرهم و نفاقهم و لا یحابون بما بینهم و بین النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و المؤمنین من النّسبه و الوصله بحال امرأه نوح و امرأه لوط، و فیه تعریض بعایشه و حفصه فی خیانتهما رسول اللّه بافشاء سرّه و نفاقهما إیّاه و تظاهرهما علیه کما فعلت امرئتا الرّسولین فلم یغن الرّسولان عنهما بحقّ الزّواج إغناء ما و قیل لهما بعد موتهما أو یوم القیامه: ادخلا النّار مع الدّاخلین الّذین لا وصله بینهم و بین الأنبیاء.

و اما اسباب الضّغن التی بین عایشه و فاطمه علیها السّلام على ما فصّلها و حکاها عن الشّیخ أبى یعقوب اللّمعانی فهى کما ذکره إلّا أنّ اللّائمه فیها کلّها راجعه إلى عایشه و أبیها، و تشریکه بینهما و بین فاطمه و بعلها سلام اللّه علیهما فی ذلک أى فی الاتّصاف بالضغن و الحقد و الحسد غلط فاحش بعد شهاده آیه التطهیر و غیرها بعصمتهما و برائه ساحتهما عن دنس المعاصی و الذّنوب و طهاره ذیلهما عن وسخ الآثام و العیوب.

و من ذلک یعلم ما فی قوله: و لست أبرّء علیّا من مثل ذلک فانّه کان ینفس على أبی بکر سکون النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلیه و ثنائه علیه و یحبّ أن ینفرد هو بهذه المزایا و الخصائص دونه و دون النّاس أجمعین مضافا إلى ما فیه من أنّا لم نسمع إلى الآن لأبى بکر مزیّه و خاصّه و مکرمه اختصّ بها، و لم نظفر بأنّ النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یوما أثنا علیه و سکن الیه، و الأخبار المفصحه عن شقاقه و نفاقه و إزراء الرّسول علیه فی غیر موطن فوق حدّ الاحصاء، و لو لم یکن شاهد على عدم سکونه إلیه غیر بعثه بسوره برائه إلى مکّه ثمّ عزله عنها لکفى.

و أمّا الحدیث الذی رواه عن النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أعنی قوله: و کم قال لا مرّه یؤذینی ما یؤذیها و یغضبنی ما یغضبها، فهو حدیث صحیح رواه العامّه و الخاصّه، و ما أدرى ما یجیب متعصّبى أبی بکر و عمر عن ذلک، فانّ غصبهما فدک منها و أمرهماباحراق باب بیتها و إخراج بعلها ملبّبا إلى المسجد للبیعه کان بالضّروره موجبا لغضبها و اذیها، فاذا انضمّ إلى ذلک الحدیث الّذی رووه و أضیف إلیهما قوله سبحانه وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ ینتج أنّهما فی العذاب الألیم و السّخط العظیم کما مرّ تفصیله فی التّنبیه الثّانی فی شرح الکلام السّادس و السّتین، و قد تقدّم هناک قول الشّارح أنّ الصحیح عندى أنها ماتت و هی واجده على أبی بکر و عمر، و أنها أوصت أن لا یصلّیا علیها، فانظر ما ذا ترى.

و أما ما تکلّفه الشارح فی آخر کلامه فی اثبات توبه الخاطئه فدعوى لا تفى باثباتها بیّنه و هو یرید اصلاح أمرها- و لن یصلح العطّار ما أفسد الدّهر- و کیف تتوب عن خطائها و تندم على تفریطها بعد رسوخ الضغن فی هذه السنین المتطاوله فی قلبها و تزاید أسباب الحقد و الحسد و تراکمها یوما فیوما على ما فصّلها الشارح عن اللّمعانی، و قد تقدّم ما یرشدک إلى بطلان هذه الدعوى فی شرح الکلام التاسع و السبعین و اورد هنا مضافا إلى ما سبق ما حققه شیخ الطایفه قدّس اللّه روحه فی تلخیص الشافی فی إبطال تلک الدّعوى.

قال فی محکىّ کلامه فی البحار: و أمّا الکلام فی توبه عایشه فما بیناه من الطرق الثلاث فی توبه طلحه و الزّبیر هى معتمده فیما یدّعونه من توبه عایشه.
أوّلها أنّ جمیع ما یروونه من الأخبار لا یمکن ادّعاء العلم فیها و لا القطع على صحّتها، و أحسن الأحوال فیها أن یوجب الظنّ و قد بیّنا أنّ المعلوم لا یرجع عنه بالمظنون.

و الثانی أنها معارضه بأخبار تزید ما رووه فی القوّه أو تساویه، فمن ذلک ما رواه الواقدى باسناده عن مسعبه عن ابن عباس قال: أرسلنى علىّ إلى عایشه بعد الهزیمه و هى فى دار الخزاعییّن یأمرها أن ترجع إلى بلادها و ساق الحدیث إلى قوله فبکت مرّه أخرى أشدّ من بکائها الأوّل ثمّ قالت: و اللّه لئن لم یغفر اللّه لنا لنهلکنّ ثمّ ساق الحدیث إلى آخره ثمّ قال: فان قیل: ففى هذا الخبر دلیل على التوبه و هى قولها عقیب بکائها لئن لم یغفراللّه لنا لنهلکنّ.

قلنا: قد کشف الأمر ما عقبت هذا الکلام به من اعترافها ببغض أمیر المؤمنین و بغض أصحابه المؤمنین، و قد أوجب اللّه علیها محبّتهم و تعظیمهم، و هذا دلیل على الاصرار و أنّ بکائها إنّما کان للخیبه لا للتّوبه، و ما کان فی قولها لئن لم یغفر اللّه لنا لنهلکنّ من دلیل على التّوبه و قد یقول المصرّ مثل ذلک إذا کان عارفا بخطائه فیما ارتکبه، و لیس کلّ من ارتکب ذنبا یعتقد أنّه حسن حتّى لا یکون خائفا من العقاب علیه، و أکثر مرتکبى الذّنوب یخافون العقاب مع الاصرار، و یظهر منهم مثل ما حکى من عایشه و لا یکون توبه و روى الواقدی باسناده أنّ عمّارا رحمه اللّه علیه استأذن على عایشه بالبصره بعد الفتح فأذنت له فدخل فقال: یا امه کیف رأیت اللّه صنع حین جمع بین الحقّ و الباطل ألم یظهر اللّه الحقّ على الباطل و یزهق الباطل فقالت: إنّ الحرب دول و سجال و قد ادیل على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و لکن انظر یا عمّار کیف تکون فی عاقبه أمرک.
و روى الطبرىّ فی تاریخه أنّه لمّا انتهى إلى عایشه قتل أمیر المؤمنین قالت:

فألقت عصاها و استقرّ بها النّوى
کما قرّ عینا بالأیاب المسافر

من قتله فقیل: رجل من مراد، فقالت:

فان یک تائبا فلقد نعاه
بنعى لیس فی فیه التراب‏

فقالت زینب بنت سلمه بن أبی سلمه: أ لعلىّ تقولین هذا فقالت: إنّى أنسى فاذا نسیت فذکّرونی، و هذه سخریّه منها بزینب و تمویه خوفا من شناعتها، و معلوم أنّ النّاسی و السّاهى لا یتمثّل بالشّعر فی الأغراض المطابقه، و لم یکن ذلک منها إلّا عن قصد و معرفه.

و روى عن ابن عبّاس أنّه قال لأمیر المؤمنین لمّا أبت عایشه الرّجوع إلى المدینه: أرى أن تدعها یا أمیر المؤمنین بالبصره و لا ترحلها، فقال له أمیر المؤمنین علیه السّلام: إنّها لا تالو شرّا و لکنّی أردّها إلى بیتها الّذی ترکها فیه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم‏فانّ اللّه بالغ أمره.

و روى محمّد بن إسحاق عن جناده أنّ عایشه لمّا وصلت إلى المدینه راجعه من البصره لم تزل تحرّض النّاس على أمیر المؤمنین، و کتبت إلى معاویه و إلى أهل الشّام مع الأسود بن أبی البختری تحرّضهم علیه صلوات اللّه علیه.
و روى عن مسروق أنّه قال: دخلت على عایشه فجلست إلیها فحدّثتنی و استدعت غلاما أسود یقال له: عبد الرّحمن، فجاء حتّى وقف فقالت: یا مسروق أ تدرى لم سمّیته عبد الرّحمن فقلت: لا، فقالت: حبّا منّى لعبد الرّحمن بن ملجم فأمّا قصّتها فی دفن الحسن فمشهوره حتّى قال لها عبد اللّه بن عباس: یوما على بغل و یوما على جمل، فقالت: أو ما نسیتم یوم الجمل یا ابن عبّاس إنّکم لذوو أحقاد.

و لو ذهبنا إلى تقصّى ما روى عنها من الکلام الغلیظ الشّدید الدّالّ على بقاء العداوه و استمرار الحقد و الضغینه لأطلنا و أکثرنا، و ما روى عنها من التّلهف و التّحسّر على ما صدر عنها فلا یدلّ على التّوبه إذ یجوز أن یکون ذلک من حیث خابت عن طلبتها و لم تظفر ببغیتها مع الذّلّ الّذی لحقها و ألحقها العار فی الدّنیا و الاثم فی الآخره، انتهى کلامه رفع مقامه.

أقول: و یدلّ على استمرار حقدها و بقاء عداوتها أیضا ما فی الارشاد للمفید (ره) قال: روى عکرمه عن عایشه فی حدیثها له بمرض رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و وفاته فقالت فی جمله ذلک: فخرج رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم متوکّئا على رجلین أحدهما الفضل بن العبّاس، فلما حکى عنها ذلک لعبد اللّه بن العبّاس قال له: أ تعرف الرّجل الآخر قال: لا لم تسمّه لی، قال: ذاک علیّ بن أبی طالب و ما کانت امّنا تذکره بخیر و هى تستطیع.

الترجمه

از جمله کلام آن بزرگوار است که خطاب فرمود با آن اهل بصره را بر سبیل قصّه گوئى از واقعهاى عظیمه مى ‏فرماید:

پس کسى که استطاعت داشته باشد نزد آن حادثها این که حبس نماید نفس خود را بر طاعت خدا پس باید که بکند آنرا پس اگر اطاعت نمائید مرا پس بدرستى که من حمل کننده شما هستم إنشاء اللّه بر راه بهشت و اگر چه مى‏باشد آن راه صاحب مشقّت سخت و چشیدنی تلخ، و أمّا فلانه یعنى عایشه خاطئه پس دریافت او را رأى سست زنان و کینه دیرینه که جوش زد در سینه او مثل دیک جوشنده آهنگران، و اگر خوانده شدى که فرا گیرد از غیر من آنچه که آورد بسوى من نمى‏کرد، یعنی اگر دعوت مى‏نمودند او را که اقدام نماید در حق غیر من بمثل آنچه اقدام کرد در حقّ من از مخالفت و عداوت و خصومت البته اقدام نمى‏نمود، و با همه این مر او راست بعد از این همه قبایح که از او صادر شد حرمت قدیمه او که در زمان حضرت رسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم داشت و حساب بر پروردگار است.
ما کارهاى او بخداوند کار ساز بگذاشتیم تا غضب او چه مى‏ کند

الفصل الثانی منه

– سبیل أبلج المنهاج، أنور السّراج، فبالإیمان یستدلّ على الصّالحات، و بالصّالحات یستدلّ على الإیمان، و بالإیمان یعمر العلم، و بالعلم یرهب الموت، و بالموت تختم الدّنیا، و بالدّنیا تحرز الآخره، و بالقیامه تزلف الجنّه للمتّقین، و تبرز الجحیم للغاوین، و إنّ الخلق لا مقصر لهم عن القیامه، مرقلین فی مضمارها إلى الغایه القصوى. منه- قد شخصوا من مستقرّ الأجداث، و صاروا إلى مصائر الغایات، لکلّ دار أهلها، لا یستبدلون بها، و لا ینقلون عنها، و إنّ الأمر بالمعروف و النّهی عن المنکر لخلقان من خلق اللّه سبحانه، و إنّهما لا یقرّبان من أجل، و لا ینقصان من رزق، و علیکم بکتاب اللّه فإنّه الحبل المتین، و النّور المبین، و الشّفآء النّافع، و الرّیّ النّاقع، و العصمه للمتمسّک، و النّجاه للمتعلّق، لا یعوج فیقام، و لا یزیغ فیستعتب، و لا تخلقه کثره الرّدّ، و ولوج السّمع، من قال به صدق، و من عمل به سبق. و قام إلیه رجل فقال أخبرنا عن الفتنه و هل سألت عنها رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال علیه السّلام: لمّا أنزل اللّه سبحانه قوله:- الم أ حسب النّاس أن یترکوا أن یقولوا آمنّا و هم لا یفتنون- علمت أنّ الفتنه لا تنزل بنا و رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بین أظهرنا، فقلت: یا رسول اللّه ما هذه الفتنه الّتی أخبرک اللّه بها فقال: یا علیّ إنّ أمّتی سیفتنون من بعدی، فقلت: یا رسول اللّه أو لیس قد قلت لی یوم أحد حیث استشهد من استشهد من المسلمین و حیزت عنّی الشّهاده فشقّ ذلک علیّ فقلت لی: أبشر فإنّ الشّهاده من ورائک، فقال لی: إنّ ذلک لکذلک فکیف صبرک إذا فقلت:

یا رسول اللّه لیس هذا من مواطن الصّبر و لکن من مواطن البشرى و الشکر، و قال یا علیّ: إنّ الأمّه سیفتنون بعدی بأموالهم، و یمنّون بدینهم على ربّهم، و یتمنّون رحمته، و یأمنون سطوته، و یستحلوّن حرامه بالشّبهات الکاذبه، و الأهواء السّاهیه، فیستحلوّن الخمر بالنّبیذ، و السّحت بالهدیّه، و الرّبا بالبیع، فقلت: یا رسول اللّه فبأیّ المنازل أنزلهم عند ذلک أ بمنزله ردّه أم بمنزله فتنه فقال: بمنزله فتنه.

اللغه

(بلج) الصّبح بلوجا من باب قعد أسفر و أنار و (أرقل) أسرع و (شخص) من بلد کذا رحل و خرج منه و (الأجداث) القبور جمع جدث بالتّحریک کأسباب و سبب و (الشّفاء النّافع) بالفاء و (الرّى النّاقع) بالقاف یقال: ماء ناقع أى ینقع الغله أى یقطعها و یروى منها.

الاعراب

قال فی الکشّاف: الحسبان لا یصحّ تعلّقه بمعانى المفرد و لکن بمضامین الجمل، ألا ترى أنّک لو قلت حسبت زیدا و ظننت الفرس لم یکن شیئا حتّى تقول حسبت زیدا عالما و ظننت الفرس جوادا، لأنّ قولک زید عالم أو الفرس جواد کلام دالّ على مضمون فأردت الأخبار عن ذلک المضمون ثابتا عندک على وجه الظنّ لا الیقین، فلم تجد بدّا فی العباره عن ثباته عندک على ذلک الوجه من ذکر شطرى الجمله مدخلا علیهما فعل الحسبان حتّى یتمّ لک غرضک.

فان قلت: فأین الکلام الدّالّ على المضمون الذی یقتضیه الحسبان فی الآیه قلت: هو قوله: أن یترکوا أن یقولوا آمنّا و هم لا یفتنون، و ذلک لأنّ تقدیره أحسبوا ترکهم غیر مفتونین لقولهم آمنّا فالتّرک أوّل مفعولی حسب، و لقولهم آمنّا هو الخبر، و انا غیر مفتونین فتتمّه التّرک لأنّه من التّرک الّذی هو بمعنى التّصییر کقوله: فترکته جزر السّباع ینشنه، ألا ترى أنّک قبل المجی‏ء بالحسبان تقدر أن تقول ترکهم غیر مفتونین لقولهم آمنّا على تقدیر حاصل و مستقرّ قبل اللّام فان قلت: أن یقولوا هو علّه قولهم غیر مفتونین فکیف یصحّ أن یکون خبر مبتدأ قلت کما تقول: خروجه لمخافه الشرّ و ضربه للتّأدیب، و قد کان التأدیب و المخافه فی قولک خرجت مخافه الشّر و ضربته تأدیبا تعلیلین و تقول أیضا: حسبت خروجه لمخافه الشرّ و ظننت ضربه للتأدیب، فتجعلهما مفعولین کما جعلتهما مبتدأ و خبرا.
و الهمزه فی قوله علیه السّلام: أو لیس قد قلت، للاستفهام التّقریرى کما فی قوله تعالى: أَ لَیْسَ اللَّهُ بِکافٍ عَبْدَهُ و المقصود به حمل المخاطب على الاقرار بما دخله النّفى

المعنى

اعلم أنّ هذا الفصل من کلامه مشتمل على فصلین:

الفصل الاول (منه)
فی وصف الدّین و الایمان و هو قوله (سبیل أبلج المنهاج) استعاره مرشّحه فانّ الایمان لمّا کان موصلا لصاحبه الى الجنّه و إلى حظایر القدس صحّ استعاره لفظ السّبیل له کما صحّ التعبیر عنه بلفظ الصراط بذلک الاعتبار أیضا فی قوله تعالى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ صِراطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ.

فهو طریق أوضح المسلک إلى الجنّه (و أنور السّراج) لا یضلّ سالکها البتّه لوضوحها و إضاءتها (فبالایمان یستدلّ على الصّالحات و بالصّالحات یستدلّ على الایمان) قال الشارح البحرانی: و الصّالحات هى الأعمال الصّالحات من سایر العبادات و مکارم الأخلاق الّتی وردت بها الشریعه و ظاهر کونها معلولات للایمان و ثمرات له یستدلّ بوجوده فی قلب العبد على ملازمته لها استدلالا بالعلّه على المعلول، و یستدلّ بصدورها من العبد على وجود الایمان فی قلبه استدلالا بالمعلول على العلّه (و بالایمان یعمر العلم) إذ من المعلوم أنّ فضل العلم و کماله إنّما هو العمل بالأرکان و العمل بالأرکان إمّا شرط للایمان أو شطر منه حسبما عرفته فی شرح الخطبه المأه و التاسعه فیکون فضله و کماله بالایمان، و هو معنى کونه معمورا به.

و یؤمى إلیه قول الصّادق علیه السّلام: لا یقبل اللّه عملا إلّا بمعرفه و لا معرفه إلّا بعمل فمن عرف دلّته المعرفه على العمل و من لم یعمل فلا معرفه له الا أنّ الایمان بعضه من بعض.
و قال علیّ بن الحسین علیه السّلام: مکتوب فی الانجیل: لا تطلبوا علم ما لا تعلمون و لمّا تعملوا بما علمتم، فانّ العلم إذا لم یعمل به لم یزدد صاحبه إلّا کفرا و لم یزدد من اللّه إلّا بعدا.

(و بالعلم یرهب الموت) لأنّ العلم بالمبدإ و المعاد مستلزم لذکر الموت و التّوجه الیه و إلى ما یتلوه من الشدائد و الأهوال، و ذلک موجب للرّهبه منه لا محاله و أمّا الجاهل فهو غافل عن ذلک لکون همّته مقصوره على الدنیا مصروفه الیها (و بالموت تختم الدّنیا) و هو ظاهر إذ الموت آخر منازل الدّنیا کما هو أوّل منازل الآخره (و بالدّنیا تحرز الآخره) لأنّها دار التکلیف و فیها یقام العبادات و یقتنى الحسنات فیفاز بالجنّات و ینال السّعادات فهى محلّ الاستعداد لتحصیل الزاد لیوم المعاد (و بالقیامه تزلف الجنّه للمتّقین و تبرز الجحیم للغاوین) اقتباس من الآیه الشّریفه فی سوره الشّعرا قال سبحانه: یَوْمَ لا یَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ وَ أُزْلِفَتِ‏الْجَنَّهُ لِلْمُتَّقِینَ وَ بُرِّزَتِ الْجَحِیمُ لِلْغاوِینَ.

أى قربت الجنّه و قدّمت للسّعداء بحیث یرونها من الموقف فیبجحون بأنّهم المحشورون إلیها، و تظهر الجحیم للأشقیاء فیرونها مکشوفه بارزه فیتحسّرون على أنهم المسوقون الیها (و أنّ الخلق لا مقصر لهم عن القیامه) أى لا محبس و لا غایه لهم دونها و لا مانع من ورودهم علیها (مرقلین) أى مسرعین (فی مضمارها) و هو مدّه الحیاه الدّنیا (إلى الغایه القصوى) قال الشّارح البحرانی قوله: و إنّ الخلق لا مقصر لهم الى آخره کلام فی غایه الحسن مع غزاره الفایده، و هو إشاره إلى أنّه لا بدّ لهم من ورود القیامه و مضمارها مدّه الحیاه الدّنیا، و هو لفظ مستعار، و وجه المشابهه کون تلک المدّه محلّ استعداد النّفوس للسباق إلى حضره اللّه کما أنّ المضمار محلّ استعداد الخیل للسباق، و ارقالهم کنایه عن سیرهم المتوهّم فی مدّه أعمارهم إلى الآخره، و سرعه حثیث الزّمان بهم فی اعداد أبدانهم للخراب و الغایه القصوى هى السّعاده و الشّقاوه الاخرویه

الفصل الثانی (منه)

فی وصف حال أهل القبور و الحثّ على الأمر بالمعروف و النّهى عن المنکر و على لزوم کتاب اللّه و بیان معنى الفتنه و هو قوله علیه السّلام (قد شخصوا من مستقرّ الأجداث) أى ارتحل الموتى من محلّ استقرارهم و هى القبور (و صاروا إلى مصائر الغایات) أى انتقلوا إلى محال هى غایه منازل السّالکین و منتهى سیر السّائرین، یعنی درجات و درکات الجحیم (و لکلّ دار) من هاتین الدّارین (أهل) من السّعداء و الأشقیاء (لا یستبدلون بها) غیرها (و لا ینقلون عنها) إلى غیرها یعنی أنّ أهل الجنّه لا یطلبون إبدالها لما هم علیه من عظیم النّعماء و ألذّ الآلاء، و أهل النّار لا ینقلون عنها و لو طلبوا النّقل و الأبدال لکونهم مخلّدین فیها، و هذه قرینه على أن یکون‏ مراده علیه السّلام بأهل النّار الکفار و المنافقین، إذ غیرهم من أصحاب الجرائر من المسلمین المذعنین بالولایه لا یخلّدون فی النّار لو دخلوها، بل یخرجون بعد تمحیص الذّنوب إمّا بفضل من اللّه سبحانه، أو بشفاعه أولیاء اللّه تعالى کما دلّت علیه الاصول المحکمه.

ثمّ حثّ على الأمر بالمعروف و النّهى عن المنکر بالتنبیه على فضلهما بقوله (و إنّ الأمر بالمعروف و النّهى عن المنکر لخلقان من خلق اللّه) قال الشّارح البحرانی «ره» إطلاق لفظ الخلق على اللّه استعاره، لأنّ حقیقه الخلق ملکه نفسانیه تصدر عن الانسان بها أفعال خیریّه أو شریّه، و إذ قد تنزّه قدسه تعالى عن الکیفیّات و الهیئات لم یصدق هذا اللّفظ علیه حقیقه، لکن لمّا کان الأمر بالمعروف و النّهى عن المنکر و الأفعال الخیریّه الّتی بها نظام العالم و بقاؤه کحکمته و قدرته وجوده و عنایته و عدم حاجته بما یتعارف من الأخلاق الفاضله الّتی تصدر عنها الأفعال الخیریّه البشریّه، فاستعیر بها لفظ الاخلاق و اطلق علیه، انتهى.

أقول: هذا کلّه مبنیّ على التجوّز فی لفظ الخلق حسبما صرّح به، و یجوز ابقائه على حقیقته و البناء على التجوّز فی الاضافه، یعنی أنّهما خلقان نسبتهما إلیه سبحانه باعتبار کونهما مرضیّین عند اللّه و محبوبین له تعالى، فصحّ بذلک الاعتبار کونهما من خلقه تعالى أى من خلق هو محبوبه و مطلوبه کما نقول: بیت اللّه تشریفا، و روح اللّه تعظیما و تکریما و نحو ذلک، هذا.

و لمّا کان أکثر النّاس یکفون عن الأمر بالمعروف و النّهى عن المنکر، و یمسکون عن ردع الظلمه بتوهّم أن یبطش به فیقتل أو یقطع رزقه و یحرم فأشار علیه السّلام إلى دفع هذا التّوهم بقوله (و انّهما لا یقربان من أجل و لا ینقصان من رزق) و قد روى هذا المعنى عنه علیه السّلام فی حدیث آخر.
و هو ما رواه فی الوسایل من الکافی عن یحیى بن عقیل عن حسن علیه السّلام قال خطب أمیر المؤمنین علیه السّلام فحمد اللّه و أثنى علیه ثمّ قال: أمّا بعد فانّه إنّما هلک من‏ کان قبلکم حیثما عملوا من المعاصی و لم ینههم الرّبانیون و الأحبار عن ذلک، و إنّهم لمّا تمادوا فی المعاصی و لم ینههم الرّبانیّون و الأحبار عن ذلک نزلت بهم العقوبات فأمروا بالمعروف و انهوا عن المنکر و اعلموا أنّ الأمر بالمعروف و النّهى عن المنکر لن یقربا أجلا و لن یقطعا رزقا.

و فیه عن الحسن بن علیّ بن شعبه فی تحف العقول عن الحسین علیه السّلام قال: و یروى عن علیّ علیه السّلام اعتبروا أیها الناس بما وعظ اللّه به أولیائه من سوء ثنائه عن الأحبار إذ یقول: «لَوْ لا یَنْهاهُمُ الرَّبَّانِیُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ» و قال: لُعِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ بَنِی إِسْرائِیلَ إلى قوله لَبِئْسَ ما کانُوا یَفْعَلُونَ و إنّما عاب اللّه ذلک علیهم لأنهم کانوا یرون من الظلمه المنکر و الفساد فلا ینهونهم عن ذلک رغبه فیما کانوا ینالون منهم و رهبه ممّا یحذرون و اللّه یقول: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ و قال الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ» فبدء اللّه بالأمر بالمعروف و النّهى عن المنکر فریضه منه لعلمه بأنّها إذا ادّیت و اقیمت استقامت الفرائض کلّها هیّنها و صعبها، و ذلک إنّ الأمر بالمعروف و النّهى عن المنکر دعاء إلى الاسلام مع ردّ المظالم و مخالفه الظّالم و قسمه الفى‏ء و الغنایم و أخذ الصدّقات من مواضعها و وضعها فی حقّها، هذا و ینبغی القیام بوظایف الأمر بالمعروف و النّهى عن المنکر بالشروط المقرّره فی الکتب الفقهیّه، و من جملتها الأمن من الضّرر على المباشر أو على بعض المؤمنین نفسا أو مالا أو عرضا، فلو غلب على ظنّه أو قطع بأن یصیبه أو یصیبهم ضرر بهما سقط وجوبهما، بل یحرمان کما صرّح به علماؤنا الأخیار و دلّت علیه أخبار أئمّتنا الأطهار.

روى فی الوسایل عن الکلینی عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن یحیى الطّویل صاحب المقری قال قال أبو عبد اللّه علیه السّلام: إنّما یؤمر بالمعروف و ینهى عن المنکر مؤمن فیتّعظ أو جاهل فیتعلّم فأمّا صاحب سوط أو سیف فلا.
و عنه عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن مفضّل بن یزید عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:

قال لی: یا مفضّل من تعرّض لسلطان جائر فأصابته بلیّه لم یوجر علیها و لم یرزق الصّبر علیها.
فظهر لک بما ذکرنا أنّ قوله علیه السّلام فی المتن: و إنّهما لا یقربان من أجل و لا ینقصان من رزق، لا بدّ أن یحمل على صوره عدم الظنّ بالضّرر فضلا عن القطع به ثمّ أمر بلزوم اتّباع الکتاب المجید معلّلا وجوب متابعته بأوصاف کمال نبّه علیها فقال (و علیکم بکتاب اللّه فانّه الحبل المتین) استعاره لفظ الحبل له باعتبار حصول النّجاه للمتمسّک به کما یحمل النّجاه للمتمسّک بالحبل و ذکر المتانه ترشیح.

و قد وقع نظیر تلک الاستعاره فی النّبوی المعروف المروىّ بطرق عدیده منها ما رواه أبو سعید الخدرى قال: قال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّی تارک فیکم الثقلین أحدهما أکبر من الآخر کتاب اللّه حبل ممدود من السّماء إلى الأرض و عترتی أهل بیتی لن یفترقا حتّى یردا علىّ الحوض.

(و النّور المبین) و هو أیضا استعاره لأنّه نور عقلیّ ینکشف به أحوال المبدأ و المعاد و یهتدى به فی ظلمات برّ الأجسام و بحر النّفوس کما یهتدى بالنّور المحسوس فی الغیاهب و الظّلمات و نظیر هذه الاستعاره قوله سبحانه: قَدْ جاءَکُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ کِتابٌ مُبِینٌ (و الشّفاء النّافع) إذ به یحصل البرء من الأسقام الباطنیّه و الأمراض النّفسانیّه کما قال تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ و قال فی موضع آخر: وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَهٌ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ لا یَزِیدُ الظَّالِمِینَ إِلَّا خَساراً (و الرّى النّاقع) أى القاطع لغلیل العطشان بماء الحیاه الأبدیّه أعنی ما تضمّنه من المعارف الحقّه و العلوم الالهیّه (و عصمه للمتمسّک و نجاه للمتعلّق) یعنی من تمسّک و تعلّق به و أخذ بأحکامه و عمل بها فهو یعصمه من غضب الجبّار و ینجیه من دخول النّار (لا یعوجّ فیقام) لأنه کلام الحقّ یصدّق بعضه بعضا «وَ لَوْ کانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلافاً کَثِیراً» و احتاج إلى إصلاح اختلافه و إقامه اعوجاجه و خلله‏ (و لا یزیغ فیستعتب) أى لا یمیل و لا یعدل عن الحقّ حتّى یطلب عتباه و رجوعه إلیه (و لا یخلقه کثره الرّد و ولوج السّمع) یعنی أنّ کلّ کلام نثرا کان أو نظما لو تکرّر تردّده على الألسنه و ولوجه فی الأسماع مجّه الأسماع و ملّ عنه الطّباع و اشمأزّ منه القلوب و یکون خلقا مبتذلا مرذولا، و أمّا القرآن الکریم فلا یزال غضّا طریّا یزداد على کثره التّکرار و طول التّلاوه فی کرور الأعصار و مرور الدّهور حسنا و بهاء و رونقا و ضیاء هو المسک ما کرّرته یتضوّع و ذلک من جمله خصائصها الّتی امتاز بها عن کلام المخلوق.

(من قال به صدق) لأنّه کلام مطابق للواقع فالقول بما أفاده البتّه یکون صدقا و القائل به صادقا (و من عمل به سبق) إلى درجات الجنان و فاز أعظم الرّضوان قال السّیّد (ره) (و قام إلیه رجل فقال أخبرنا عن الفتنه) الظّاهر أنّ الّلام فیها للعهد و تکون الاشاره بها إلى فتنه معهوده سبق ذکرها فی کلام رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و فی الکتاب العزیز فی الآیه الآتیه وَ اتَّقُوا فِتْنَهً لا تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْکُمْ خَاصَّهً» و غیرهما، و الفتنه تکون لمعان شتّى من الابتلاء و الامتحان و الاضلال و العذاب و الفضیحه و الکفر و الاثم و اختلاف النّاس فی الآراء و نحوها.
و لمّا کان خطابه علیه السّلام بذلک الکلام لأهل البصره حسبما نبّه السّیّد فی عنوانه فبقرینه مساق الکلام یحتمل أن یکون استخبار السّائل عن موضوع الفتنه لیفهم أنّ فتنه أهل البصره هل هى داخله فی الفتنه الّتی أخبر اللّه بها و رسوله، و أن یکون عن حکمها.

و یشعر بالأوّل جوابه للسّائل بما ینقله عن رسول اللّه من قوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: یا علیّ إنّ امّتی صیفتنون من بعدی، و قوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أیضا: یا علیّ إنّ القوم سیفتنون بعدی.
و یشعر بالثّانی آخر کلامه علیه السّلام أعنی قوله: فقلت یا رسول اللّه فبأیّ المنازل انزلهم عند ذلک أ بمنزله ردّه أم بمنزله فتنه فقال: بمنزله فتنه.
فعلى الاحتمال الأوّل یکون معنى قوله (و هل سألت عنها رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم)هل سألت عن معنیها لیتبیّن المراد بها.

و على الاحتمال الثّانی فالمعنى هل سألت عن حکمها عنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لیعلم أنّ المفتونین مرتدّون أم لا (فقال علیه السّلام) فی جواب المستخبر.
(لمّا أنزل اللّه سبحانه قوله الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ قال فی الکشّاف فی تفسیر الآیه: الفتنه الامتحان بشداید التّکالیف من مفارقه الأوطان و مجاهده الأعداء و سایر الطّاعات الشّاقّه و هجر الشّهوات و الملاذّ، و بالفقر و القحط و أنواع المصائب فی الأنفس و الأموال، و بمصابره الکفار على اذاهم و کیدهم و ضرارهم، و المعنى أحسب الّذین أجروا کلمه الشّهاده على ألسنتهم و أظهروا القول بالایمان أنّهم یترکون لذلک غیر ممتحنین، بل یمتحنهم اللّه بأنواع المحن و ضروب البلا حتّى یبلو صبرهم و ثبات أقدامهم و صحّه عقایدهم و خلوص نیّاتهم لیتمیّز المخلص من غیر المخلص و الرّاسخ فی الدّین من المضطرب و المتمکّن من العابد على حرف، انتهى.

أقول: و بنحو ذلک فسّره غیر واحد من علماء التّفسیر، و محصّله أنّ المراد بالفتنه الامتحان و الابتلاء فی النّفس و المال.
و رواه الطبرسی فی مجمع البیان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: معنى یفتنون یبتلون فی أنفسهم و أموالهم، و المستفاد من غیر واحد من الأخبار الآتیه أنّ المراد بها خصوص الامتحان بالولایه، و الیه یرجع ما أجاب به أمیر المؤمنین علیه السّلام هنا للسائل المستخبر، و لا تنافی بین المعنیین إذ الأوّل تنزیله و الثانی تأویله و لا غبار علیه و إنّما الاشکال فی قوله (علمت أنّ الفتنه لا تنزل بنا و رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بین أظهرنا) لظهور أنّ الآیه لا دلاله فیها على عدم نزول الفتنه بهم مع کون الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بینهم فمن أین علم أمیر المؤمنین علیه السّلام ذلک، و قد تنبّه لذلک الشّارح المعتزلی و أجاب عنه بما لا یعبأ به حیث قال: فان قلت: فلم قال علیه السّلام علمت أنّ الفتنه لا تنزل بنا و رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بین أظهرنا.

قلت: لقوله تعالى: وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ» آه و أنت خبیر بما فیه.
أمّا أوّلا فلأنّ هذا الجواب کما ترى مبنیّ على جعل الفتنه فی الآیه بمعنى العذاب، و قد علمت أنّ کلام أمیر المؤمنین فی هذا المقام ناظر إلى کونها بمعنى الامتحان بالولایه و التنافی بین المعنیین ظاهر.
و أمّا ثانیا فلأنّا بعد الغضّ عمّا ذکرنا نقول إنّ قوله: علمت، جواب لما و هو یفید أنّ منشأ علمه بعدم نزول الفتنه هو قوله: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ الآیه، لا قوله: وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ، و العلم بعدم نزول العذاب من الآیه الثّانیه لا یلازم حصول العلم من الآیه الأولى على ما هو مقتضى ظاهر کلامه علیه السّلام.

و الّذی عندی فی رفع ذلک الاشکال أنّه علیه السّلام علم ذلک حین نزول الآیه باعلام النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فقد روى فی الصّافی عنه علیه السّلام أنّه لما نزلت هذه الآیه قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: لا بدّ من فتنه تبتلى به الأمّه بعد نبیّها لیتعیّن الصّادق من الکاذب، لأنّ الوحى قد انقطع و بقى السّیف و افتراق الکلمه إلى یوم القیامه.
فانّ هذه الرّوایه ککثیر من الرّوایات الآتیه صریحه فی أنّ نزول الفتنه إنّما یکون بعد النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فحصل بذلک العلم له علیه السّلام بأنّها لا تنزل مع کونه بین أظهرهم.

و لمّا کان ذلک الاخبار من النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حین نزول الآیه صحّ بذلک الاعتبار قوله علیه السّلام: لمّا أنزل اللّه قوله الم آه علمت إلى قوله (فقلت یا رسول اللّه ما هذه الفتنه التیّ أخبرک اللّه بها فقال یا علیّ انّ امّتى سیفتنون من بعدى) و هذا الجواب من النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم له علیه السّلام و إن کان مجملا لم یصرّح فیه بانّ افتتان الامّه بعده صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بما ذا إلّا أنّه علیه السّلام قد فهم منه أنّ مراده صلّى اللّه علیه و آله و سلّم منه الافتتان به علیه السّلام و امتحانهم بولایته.
و فهمه علیه السّلام ذلک منه إمّا من باب سرّ الحبیب مع الحبیب أو بقرینه تصریحه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم به فی غیره، فقد روى فی غایه المرام عن ابن شهر اشوب عن أبی طالب الهروی‏باسناده عن علقمه و أبی أیّوب أنّه لمّا نزل ألم أحسب النّاس الآیات، قال النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لعمّار: إنّه سیکون من بعدى هناه حتّى یختلف السّیف فیما بینهم و حتّى یقتل بعضهم بعضا و حتّى یتبرّء بعضهم من بعض، فاذا رأیت ذلک فعلیک بهذا الأصلع عن یمینی علیّ بن أبی طالب، فان سلک النّاس کلّهم وادیا فاسلک وادى علىّ و خلّ عن النّاس، یا عمّار إنّ علیّا لا یردّک عن هدى و لا یردّک إلى ردى، یا عمّار طاعه علىّ طاعتی و طاعتی طاعه اللّه.

و فیه عنه من طریق العامّه أیضا فی قوله الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ قال علیّ علیه السّلام یا رسول اللّه ما هذه الفتنه قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: یا علیّ بک و أنک المخاصم فأعدّ للخصومه.
و فیه عن محمّد بن العباس مسندا عن الحسین بن علیّ عن أبیه صلوات اللّه علیهم أجمعین قال: لما نزلت: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ الآیه قال: قلت یا رسول اللّه ما هذه قال: یا على إنّک مبتلى بک و أنت مخاصم فأعدّ للخصومه.

و عن محمّد بن العباس قال: حدّثنا أحمد بن هوده عن إبراهیم بن إسحاق عن عبد اللّه بن حماد عن سماعه بن مهران قال: کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ذات لیله فی المسجد، فلمّا کان قرب الصّبح دخل أمیر المؤمنین علیه السّلام فناداه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال یا علیّ، فقال: لبیّک قال: هلمّ إلیّ، فلمّا دنى منه قال: یا علیّ بت اللّیله حیث ترانی و قد سألت ربّی ألف حاجه فقضیها لی و سألت لک ربّی أن یجمع لک امّتى من بعدی فأبى علیّ ربّی فقال: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ. و هذه الرّوایات و ما بمعناها«» ممّا لم نوردها خوف الاطاله کما ترى‏ صریحه فی الدلاله على أنّ الافتتان بعده صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّما هو بولایه أمیر المؤمنین علیه السّلام فهى رافعه للاجمال فی الجواب المرویّ فی المتن مبنیّه لکون مراد النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بقوله: إنّ امّتی سیفتنون من بعدی افتتانهم بها و امتحانهم به علیه السّلام.

و لمّا کان ذلک مبعدا لما کان ینتظره علیه السّلام و یرجوه من شهادته الّتی بشرّ بها النبیّ و موهما لعدم تنجّز ما بشّر به و مفیدا لعدم حصوله فی زمان النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و حال حیاته و کان فیه خوف فوت المطلوب لا جرم أعاد علیه السّلام السّؤال تحصیلا لاطمینان القلب کما سأل إبراهیم ربّه بقوله: کیف تحیى الموتى فقال علیه السّلام (فقلت أ و لیس قد قلت لی یوم أحد حیث استشهد من استشهد من المسلمین و حیزت) أى منعت (عنّی الشهاده فشقّ ذلک علىّ فقلت لی: ابشر فانّ الشّهاده من ورائک فقال لی: إنّ ذلک کذلک) یعنی أنّ الشهاده واقعه لا محاله و إن لم تکن فی زمانی و فی مجاهداتک الّتی بین یدیّ، هذا.

و یجوز أن تکون الهمزه فی قوله: أو لیس قد قلت، لم یرد بها الاستفهام و التقریر، بل المراد بها الاستبطاء نظیر ما قاله علماء البیان فی مثل: کم دعوتک من أنّ الغرض به لیس السؤال و الاستفهام، بل المراد الاستبطاء و هو الوصف بالبطوء أى عدّ المتکلم المخاطب بطیئا فی اجابه الدّعوه، و الغرض من الکلام الشّکایه عن بطوء الاجابه و الحثّ علیها.

و معنى الاستبطاء فیما نحن فیه وصف ما قاله النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و ما بشّر به من الشهاده بالبطوء و الشّکایه من تأخیره فانّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لما أخبر بأنّ الامه سیفتنون بعده أحبّ علیه السّلام أن لا یبقى إلى زمان تلک الفتنه فقال ذلک الکلام استبطاء للشهاده فافهم جیدا.

ثمّ أراد النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم الابانه عن علوّ همّته علیه السّلام و الافصاح عن ثبات قدمه فی جنب اللّه فقال (فکیف صبرک إذا) یعنی إذا ظفرت بالشهاده (فقلت یا رسول اللّه لیس هذا من مواطن الصّبر و لکن من مواطن البشرى و الشّکر) یعنی أنّ الصبر عباره عن تحمل المشاقّ و المکروه و هو إنّما یتصوّر فی حقّ المحجوبین عن اللّه المنهمکین فی لذّات الدّنیا و الغافلین عن لذّات الآخره، فانهم یکرهون الموت و یفرّون منه و یحذرون من الشّهاده، و أمّا أولیاء الدّین و أهل الحقّ و الیقین فغایه غرضهم الخروج من هذه القریه الظّالم أهلها و الفوز بلقاء الحقّ و النّیل إلى رضوانه فالموت لمّا کان وسیله للوصول إلیه فهو أحبّ إلیهم من کلّ شی‏ء، و لذلک کان علیه السّلام یقول غیر مرّه: و اللّه لابن أبی طالب آنس بالموت من الطّفل بثدى امّه، و لمّا کان حصول الموت بالقتل و الشّهاده من أعظم القربات و أفضل الطّاعات کانوا مستبشرین به و شاکرین على وصول تلک النعمه العظیمه، و إلیه ینظر قوله علیه السّلام فی الکلام المأه و الثّانیه و العشرین، إنّ أکرم الموت القتل و الّذی نفس ابن أبی طالب بیده لألف ضربه بالسّیف أهون علىّ من میته على فراش.

ثمّ عاد النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بعد الاشاره إجمالا إلى افتتان الامه من بعده إلى شرح حال المفتونین و بیان أوصافهم تفصیلا (و قال یا علیّ إنّ الامّه سیفتنون بعدی بأموالهم) أى بقلّتها و کثرتها و باکتسابها من حلال أو حرام و بصرفها فی مصارف الخیر أو الشّر و باخراج الحقوق الواجبه منها و البخل بها و غیر ذلک من طرق الامتحان (و یمنّون بدینهم على ربهم) کما منّ من قبلهم بذلک على ما حکى اللّه عنهم بقوله: یَمُنُّونَ عَلَیْکَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَیَّ إِسْلامَکُمْ بَلِ اللَّهُ یَمُنُّ عَلَیْکُمْ أَنْ هَداکُمْ لِلْإِیمانِ (و یتمنّون رحمته و یأمنون سطوته) الأمن من سخط اللّه سبحانه کالإیاس من رحمته من الکبایر الموبقه، و أمّا تمنّى الرّحمه مع عدم المبالاه فی الدّین فهو من صفه الجاهلین و قد روى عنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال: أحمق الحمقاء من اتبع نفسه هویها و تمنّی على اللّه.

(و یستحلّون حرامه بالشّبهات الکاذبه و الأهواء السّاهیه) أى الغافله و وصف‏الأهواء بها للمبالغه کما فی قولهم: شعر شاعر، فانّ اتّباع الهوى لما کان موجبا للغفله عن الحقّ صحّ اتّصافه به، و المراد أنّ استحلالهم للحرام بسبب متابعتهم لهوى أنفسهم الصّاد لهم عن الحقّ و الشّاغل بهم إلى الدّنیا.

روى أبو حمزه عن أبی جعفر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: یقول اللّه عزّ و جلّ: و عزّتی و جلالی و کبریائی و نورى و علوّی و ارتفاع مکانی لا یؤثر عبد هواه على هواى إلّا شتّت علیه أمره و لبّست علیه دنیاه و شغلت قلبه بها و لم اوته منها إلّا ما قدرت له و عزّتی و جلالی و عظمتی و نوری و علوّی و ارتفاع مکانی لا یؤثر عبد هواى على هواه إلّا استحفظته ملائکتى، و کفّلت السّماوات و الأرضین رزقه و کنت له من وراء تجاره کلّ تاجر، و أتته الدّنیا و هى راغمه.

و أشار إلى تفصیل ما یستحلّونه من المحرّمات بقوله (فیستحلّون الخمر بالنّبیذ) الغالب فی الخمر إطلاقه على الشّراب المتّخذ من العنب، و فی النّبیذ استعمله فی الشّراب المتّخذ من التّمر، و من ذلک نشأت شبهتهم حیث زعموا أنّ النّبیذ لیس بخمر فحکموا بحلّیته أى حلّیه النّبیذ بتوهّم اختصاص الحرمه بالخمر فأوجب ذلک استحلالهم للخمر من حیث لا یشعرون.

و قد ذمهم علیه السّلام على ذلک تنبیها على فساد ما زعموه و هو کذلک.«» أما اولا فلمنع خروج النّبیذ من موضع الخمر، لأنّ الخمر عباره عن کلّ ما یخمر العقل أى یستره و یغطّیه، فیشمل النّبیذ و غیره و إن کان استعماله فی العصیر العنبى اکثر.

و یدلّ علیه ما رواه فی الوسایل عن الکلینی بسنده عن عبد الرّحمن بن الحجّاج عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله الخمر من خمسه: العصیر من الکرم و النّقیع من الزّبیب و البتع من العسل، و المرز من الشّعیر، و النّبیذ من التّمر.

و عن الکلینی عن عامر بن السمط عن علیّ بن الحسین علیهما السّلام قال: الخمر من خمسه أشیاء: من التمر، و الزبیب، و الحنطه، و الشّعیر، و العسل.

و فیه أیضا عن ابن الشّیخ فی أمالیه باسناده عن النّعمان بن بشیر قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: أیّها النّاس إنّ من العنب خمرا، و إنّ من الزبیب خمرا و إنّ من التّمر خمرا، و إنّ من الشّعیر خمرا، ألا أیّها النّاس أنهاکم عن کلّ مسکر.

و أما ثانیا فلمنع اختصاص حکم الحرمه بخصوص الخمر بعد تسلیم عدم شموله للنّبیذ حقیقه، و ذلک لتعلّق الحکم بکلّ مسکر کما مرّ فی الرّوایه آنفا.
و مثله ما رواه فی الوسایل عن الکلینیّ عن عطاء بن یسار عن أبی جعفر علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: کلّ مسکر حرام و کلّ مسکر خمر.

و فیه عن علیّ بن إبراهیم القمّی فی تفسیره عن أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السّلام فی قوله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ الآیه، أمّا الخمر فکلّ مسکر من الشّراب إذا أخمر فهو خمر و ما أسکر کثیره فقلیله حرام و ذلک إنّ أبا بکر شرب قبل أن یحرم الخمر فسکر إلى أن قال فأنزل اللّه تحریمها بعد ذلک و إنّما کانت الخمر یوم حرمت بالمدینه فضیخ البسر و التّمر، فلمّا نزل تحریمها خرج رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقعد فی المسجد ثمّ دعا بآنیتهم الّتى کانوا ینبذون فیها فأکفاها کلّها، و قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: هذه کلّها خمر حرّمها اللّه فکان أکثر شی‏ء أکفى فی ذلک الیوم الفضیخ و لم أعلم اکفى یومئذ من خمر العنب شی‏ء إلّا إناء واحد کان فیه زبیب و تمر جمیعا، فأمّا عصیر العنب فلم یکن منه یومئذ بالمدینه شی‏ء، و حرّم اللّه الخمر قلیلها و کثیرها و بیعها و شرائها و الانتفاع بها، هذا.
و یدلّ على حرمه النّبیذ بخصوصه ما رواه فی الوسایل عن الکلینیّ باسناده عن خضر الصّیرفی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: من شرب النّبیذ على أنّه حلال خلد فی النّار، و من شربه على أنّه حرام عذّب فی النّار.

و عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن الحسن بن علیّ عن أبیه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام لو أنّ رجلا کحل عینیه بمیل من نبیذ کان حقّا على اللّه عزّ و جلّ أن یکحله بمیل من نار.

و فیه عن الشّیخ باسناده عن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام عن الرّجل یکون مسلما عارفا إلّا أنّه یشرب العسکر هذا النّبیذ، فقال لی: یا عمّار إن مات فلا تصلّ علیه.

و الأخبار فی هذا المعنى کثیره و فیما أوردناها کفایه.

(و) یستحلّون (السّحت بالهدیه) السّحت الحرام و کلّ ما لا یحلّ کسبه، و فی مجمع البحرین عن علیّ علیه السّلام هو الرّشوه فی الحکم و مهر البغى و کسب الحجام و عسب الفحل و ثمن الکلب و ثمن الخمر و ثمن المیته.
و الظّاهر أنّ المراد به هنا خصوص الرّشوه کما فسّره بها الصّادق علیه السّلام فیما رواه فی الوسایل عن الشّیخ باسناده عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان عن ابن مسکان عن یزید بن فرقد قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام عن السّحت فقال: هو الرّشاء فی الحکم.

و المقصود أنّهم یأخذون الرّشوه إذا اهدیت إلیهم و یستحلّونها بزعم أنّها هدیّه قال الفاضل النّراقی: الفرق بین الرّشوه و الهدیّه أنّ الأولى هى المال المبذول للقاضی للتوسّل به إلى الحکم ابتداء أو إرشادا، و الثّانیه هى العطیّه المطلقه أو لغرض آخر نحو التّودّد و التّقرّب إلیه أو إلى اللّه، و الحاصل أنّ کلّ مال مبذول للشّخص للتّوسّل به إلى فعل صادر منه و لو مجرّد الکفّ عن شرّه لسانا أو یدا أو نحوهما فهو الرّشوه، و لا فرق فی الفعل الذی هو غایه البذل أن یکون فعلا حاضرا أو متوقّعا کان یبذل للقاضی لأجل أنّه لو حصل له خصم یحکم للباذل و ان لم یکن له بالفعل خصم حاضر و لا خصومه حاضره، و کلّ مبذول لا لغرض یفعله المبذول له بل لمجرّد التقرّب أو التودّد إلیه أو یصفه محموده أو کمال فیه فهو هدیه و إن کان الغرض من التودّد و التقرّب الاحتفاظ من شرّ شخص آخر أو التّوسل إلى فعل شخص آخر یوجبه التقرّب و التودّد إلیه.

و قد یستعمل لفظ أحدهما فی معنى الآخر تجوّزا فما کان من الأوّل فان کان الفعل المقصود الحکم فهو حرام مطلقا سواء کان الحکم لخصومه حاضره أو فرضیّه، و لذا حکموا بحرمه الهدیّه الغیر المعهوده قبل القضاء، لأنه‏قرینه على أنّ المقصود منه الحکم و لو فرضا و هو کذلک لصدق اسم الرّشوه عرفا فیشمله إطلاقاتها و علیه یحمل إطلاق ما ورد من طریق العامّه و الخاصّه کما فی أمالی الشیخ أنّ هدایا العمّال کما فی بعضها أو هدیّه الامراء کما فی بعض آخر غلول أو سحت و یدلّ علیه أیضا روایه أبی حمید الساعدی قال: استعمل النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم رجلا یقال له اللّثه على الصدقه، فلما قدم قال: هذا لکم و هذا اهدى لى، فقام النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم على المنبر فقال: ما بال العامل نبعثه على أعمالنا یقول: هذا لکم و هذا اهدى لی فهلّا جلس فی قعب بیته أو فی بیت اللّه ینظر لیهدى أم لا، و الّذی نفسی بیده لا یأخذ أحد منها شیئا إلّا جاء یوم القیامه یحمل على رقبته، الحدیث.

و إن کان غیر الحکم فان کان أمرا محرّما فهو أیضا کرشوه الحکم محرّم لکونه إعانه على الاثم و اتّباعا للهوى، و ان لم یکن محرّما فلا یحرم للأصل و اختصاص الأخبار المتقدّمه برشوه الحکم، و ما کان من الثانی لا یحرم.

(و) یستحلّون (الرّبا بالبیع) الرّبا لغه هو الزّیاده و شرعا هو الزّیاده على رأس المال من أحد المتساویین جنسا ممّا یکال أو یوزن، و المراد أنهم یأخذون الزّیاده بواسطه البیع أى یجعلون المبایعه وسیله إلى أخذ تلک الزیاده و یزعمون حلیّتها لأجل أنّها معامله بتراضى الطرفین أو أنهم یستحلّون الرّبا بقیاسه على البیع کما کان علیه بناء أهل الجاهلیّه على ما أخبر اللّه سبحانه عنهم بقوله: ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا.

قال الشیخ الطبرسیّ أى ذلک العقاب لهم بسبب قولهم إنّما البیع الّذی لا ربا فیه مثل البیع الّذی فیه الرّبا.
قال ابن عباس: کان الرّجل منهم إذا حلّ دینه على غریمه فطالبه به قال المطلوب منه له: زدنی فی الأجل و أزیدک فی المال، فیتراضیان علیه و یعملان به، فاذا قیل لهم هذا ربا قالوا: هما سواء، یعنون بذلک أنّ الزّیاده فی الثمن حال البیع و الزّیاده فیه بسبب الأجل عند حلّ الدّین سواء، فذمّهم اللّه به و الحق الوعید بهم و خطاهم فی ذلک لقوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا

و قال الفخر الرازی: اعلم أنّ الرّبا قسمان: ربا النسیئه و ربا الفضل أمّا ربا النّسیئه فهو الأمر الّذی کان متعارفا مشهورا فی الجاهلیّه، و ذلک أنّهم کانوا یدفعون المال على أن یأخذوا کلّ شهر قدرا معیّنا و یکون رأس المال باقیا، ثمّ إذا حلّ الدّین طالبوا المدیون برأس المال، فاذا تعذر علیه الأداء زادوا فی الحقّ و الأجل، فهذا هو الرّبا الّذی کانوا فی الجاهلیّه یتعاملون به، و أمّا ربا النّقد فهو أن یباع منّ من الحنطه بمنوین منها و ما أشبه ذلک.

أما قوله تعالى ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبا ففیه مسائل: المسأله الاولى القوم کانوا فی تحلیل الرّبا على هذه الشّبهه، و هى أنّ من اشترى ثوبا بعشره ثمّ باعه بأحد عشر فهذا حلال فکذا إذا باع العشره بأحد عشر یجب أن یکون حلالا، لأنّه لا فرق فی العقل بین الأمرین فهذا فی ربا النقد و أمّا فی ربا النّسیئه فکذلک أیضا لأنّه لو باع الثوب الّذی یساوی عشره فی الحال بأحد عشر إلى شهر جاز، فکذا إذا أعطى العشره بأحد عشر إلى شهر وجب أن یجوز، لأنّه لا فرق فی العقل بین الصّورتین، و ذلک لأنّه إنّما جاز هنا لأنّه حصل التّراضى فیه من الجانبین فکذا ههنا لمّا حصل التّراضی من الجانبین وجب أن یجوز أیضا، فالبیاعات إنّما شرعت لدفع الحاجات و لعلّ الانسان أن یکون صفر الید فی الحال شدید الحاجه و یکون له فی المستقبل من الزّمان أموال کثیره فاذا لم یجز الرّبا لم یعطه ربّ المال شیئا فیبقى الانسان فی الشّده و الحاجه أمّا بتقدیر جواز الرّبا فیعطیه ربّ المال طمعا فی الزّیاده و المدیون یردّه عند وجدان المال مع الزّیاده و إعطاء تلک الزیاده عند وجدان المال أسهل علیه من البقاء فی الحاجه قبل وجدان المال، فهذا یقتضى حلّ الرّبا کما حکمنا بحلّ سایر البیاعات لأجل دفع الحاجه فهذا هو شبهه القوم و اللّه تعالى أجاب عنه بحرف واحد و هو قوله: وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا.

و وجه الجواب أنّ ما ذکرتم معارضه للنّص بالقیاس و هو من عمل إبلیس فانّه تعالى لمّا أمره بالسّجود لآدم علیه السّلام عارض النّص بالقیاس فقال: أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ‏خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ، و ذکر الفرق بین البابین فقال: من باع ثوبا یساوى العشره بالعشرین فقد جعل ذات الثوب مقابلا بالعشرین، فلمّا حصل التّراضی على هذا التّقابل صار کلّ واحد منهما مقابلا للآخر فی المالیّه عندهما فلم یکن أخذ من صاحبه شیئا بغیر عوض، أمّا إذا باع العشره بالعشرین فقد أخذ العشره الزّایده من غیر عوض.

و لا یمکن أن یقال إنّ عوضه هو الامهال فی المدّه، لأنّ الامهال لیس مالا أو شیئا یشار إلیه حتّى یجعله عوضا من العشره الزّایده، فظهر الفرق بین الصّورتین إلى أن قال: المسأله الثالثه فی الآیه سؤال، و هو أنّه لم لم یقل إنّما الرّبا مثل البیع و ذلک لأنّ حلّ البیع متّفق علیه فهم أرادوا أن یقیسوا علیه الرّبا، و من حقّ القیاس أن یشبه محلّ الخلاف بمحلّ الوفاق، فکان نظم الآیه أن یقال إنّما الرّبا مثل البیع فی الحکمه فی قلب هذه القضیّه فقال إنّما البیع مثل الرّبا و الجواب أنّه لم یکن مقصود القوم أن یتمسّکوا بنظم القیاس، بل کان غرضهم أنّ الرّبا و البیع متماثلان من جمیع الوجوه المطلوبه فکیف یجوز تخصیص أحد المثلین بالحلّ و الثّانی بالحرمه، و على هذا التّقدیر فایّهما قدّم أو أخّر جاز، هذا.

و قال الرازى و ذکروا فی سبب تحریم الرّبا وجوها: أحدها الرّبا یقتضى أخذ مال الانسان من غیر عوض لأنّ من یبیع الدّرهم بالدّرهمین نقدا أو نسیه فیحصل له زیاده درهم من غیر عوض، و مال الانسان متعلّق حاجته و له حرمه عظیمه.

فان قیل: لم لا یجوز أن یکون إبقاء رأس المال فی یده مدّه مدیده عوضا عن الدّرهم الزّاید، و ذلک لأنّ رأس المال لو بقى فی یده هذه المدّه لکان یمکن المالک أن یتّجر فیه و یستفید بسبب تلک التّجاره ربحا، فلمّا ترکه فی ید المدیون و انتفع به المدیون لم یبعد أن یدفع إلى ربّ المال ذلک الدّرهم الزّاید عوضا عن انتفاعه بماله.

قلنا: إنّ هذا الانتفاع الّذی ذکرتم أمر موهوم لا ینفکّ عن نوع ضرر موهوم قد یحصل و قد لا یحصل، و اخذ الدراهم الزائده أمر متیقّن فتفویت المتیقّن لأجل الأمر الموهوم لا ینفکّ عن نوع ضرر و ثانیها قال بعضهم: اللّه تعالى إنّما حرّم الرّبا من حیث إنّه یمنع النّاس عن الاشتغال بالمکاسب، و ذلک لأنّ صاحب الدّرهم إذا تمکّن بواسطه عقد الرّبا من تحصیل الدّرهم الزائد نقدا کان أو نسیه خفّ علیه اکتساب وجه المعیشه، فلا یکاد یتحمّل مشقّه الکسب و التّجاره و الصّناعات الشّاقه، و ذلک یفضى إلى انقطاع منافع الخلق و من المعلوم أنّ مصالح العالم لا تنتظم إلّا بالتجارات و الحرف و الصّناعات و العمارات و ثالثها قیل: السّبب فی تحریم عقد الرّبا إنّه یفضى إلى انقطاع المعروف بین النّاس من القرض، لأنّ الرّبا إذا حرم طابت النّفوس بقرض الدّرهم و استرجاع مثله، و لو حلّ الرّبا لکانت حاجه المحتاج تحمله على أخذ الدّرهم بدرهمین، فیفضى ذلک إلى انقطاع المواساه و المعروف و الاحسان.

أقول: و هذا الوجه الأخیر هو المروىّ عن الصّادق علیه السّلام قال: إنّما شدّد اللّه فی تحریم الرّبا لئلّا یمتنع النّاس من اصطناع المعروف قرضا و رفدا.
قال بعض العارفین: آکل الرّبا أسوء حالا من جمیع مرتکبى الکبائر، فانّ کل مکتسب له توکّل ما فی کسبه قلیلا کان أو کثیرا کالتّاجر و الزارع و المحترف لم یعینوا أرزاقهم بعقولهم و لم یتعیّن لهم قبل الاکتساب، فهم على غیر معلوم فی الحقیقه کما قال رسول اللّه: أبی اللّه أن یرزق المؤمن إلّا من حیث لا یعلم، و أمّا آکل الربا فقد عیّن مکسبه و رزقه و هو محجوب عن ربّه بنفسه و عن رزقه بتعیّنه لا توکل له أصلا، فوکّله اللّه إلى نفسه و عقله و أخرجه من حفظه و کلائته فاحتفظته الجنّ و خبلته فیقوم یوم القیامه و لا رابطه بینه و بین اللّه عزّ و جلّ کسایر النّاس المرتبطین به بالتّوکل، فیکون کالمصروع الّذی مسّه الشّیطان فتخبّطه لا یهتدى إلى مقصد، هذا.

و الأخبار فی عقاب الرّبا کثیره جدّا منها ما فی الصّافی عن الکافی عن الصّادق علیه السّلام درهم ربا أشدّ من سبعین‏ زنیه کلّها بذات محرم، و زاد فی الفقیه و التّهذیب مثل خاله و عمّه، و زاد القمّی فی بیت اللّه الحرام، و قال: الرّبا سبعون جزء أیسره مثل أن ینکح الرّجل امّه فی بیت اللّه الحرام.

و عن الفقیه و التهذیب عن أمیر المؤمنین علیه السّلام لعن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم الرّبا و آکله و بایعه و مشتریه و کاتبه و شاهدیه.
ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لما بیّن لأمیر المؤمنین علیه السّلام أوصاف المفتونین فأعاد علیه السّلام السؤال و قال (فقلت یا رسول اللّه فبأىّ المنازل أنزلهم عند ذلک أ بمنزله ردّه أم بمنزله فتنه فقال بمنزله فتنه) و ذلک لبقائهم على الاقرار بالشهادتین و ان ارتکبوا من المحارم ما ارتکبوا لشبه غطت على أعین أبصارهم، فلا یجرى علیهم فی الظاهر أحکام الکفر و إن کانوا باطنا من أخبث الکفار.

تنبیهات

– الاول

قال الشارحان المعتزلی و البحرانی: إنّ هذا الخبر الذی رواه أمیر المؤمنین علیه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قد رواه کثیر من المحدّثین عنه علیه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إنّ اللّه قد کتب علیک جهاد المفتونین کما کتب علىّ جهاد المشرکین قال علیه السّلام فقلت: یا رسول اللّه ما هذه الفتنه التی کتب علىّ فیها الجهاد قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فتنه قوم یشهدون أن لا إله إلّا اللّه، و أنّی رسول اللّه و هم مخالفون للسنّه، فقلت: یا رسول اللّه فعلى م أقاتلهم و هم یشهدون کما أشهد قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: على الاحداث فی الدّین و مخالفه الأمر، فقلت: یا رسول اللّه إنّک کنت وعدتنى بالشهاده فاسأل اللّه أن یعجّلها لی بین یدیک، قال: فمن یقاتل الناکثین و القاسطین و المارقین أما أنّى وعدتک بالشهاده و ستشهد تضرب على هذا فتخضب هذه فکیف صبرک إذا فقلت یا رسول اللّه لیس ذا بموطن صبر هذا موطن شکر، قال: أجل أصبت فأعدّ للخصومه فانک مخاصم، فقلت: یا رسول اللّه لو بیّنت لی قلیلا، فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّ امّتی ستفتن‏من بعدى فتتأوّل القرآن، و تعمل بالرّأى، و تستحلّ الخمر بالنبیذ، و السحت بالهدیّه و الرّبا بالبیع، و تحرّف الکلم عن مواضعه، و تغلب کلمه الضّلال فکن جلیس بیتک حتّى تقلّدها، فاذا قلّدتها، جاشت علیک الصّدور، و قلبت لک الامور، فقاتل حینئذ على تأویل القرآن کما قاتلت على تنزیله، فلیست حالهم الثّانیه دون حالهم الاولى، فقلت: یا رسول اللّه فبأىّ المنازل انزل هؤلاء المفتونین أ بمنزله فتنه أم بمنزله ردّه فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: بمنزله فتنه یعمهون فیها إلى أن یدرکهم العدل، فقلت یا رسول اللّه أ یدرکهم العدل منّا أم من غیرنا قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: بل منّا، بنا فتح اللّه و بنا یختم، و بنا ألّف اللّه بین القلوب بعد الشّرک، فقلت: الحمد للّه على ما وهب لنا من فضله.

بیان

قوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: کن جلیس بیتک هکذا فی نسخه الشّارح المعتزلی فعیل بمعنى فاعل أى کن من یجالس بیتک، و فی نسخه البحرانی حلس بیتک بالحاء المهمله وزان حبر قال فی مجمع البحرین: فی الخبر کونوا أحلاس بیوتکم، الحلس بالکسر کساء یوضع على ظهر البعیر تحت البرذعه، و هذا هو الأصل، و المعنى الزموا بیوتکم لزوم الاحلاس و لا تخرجوا منها فتقعوا فی الفتنه، و الضّمیر فی تقلّدها و قلّدتها على البناء للمفعول فیهما راجع إلى الخلافه، و التّقلید مأخوذ من عقد القلاده على الاستعاره و تقلیدهم اطاعتهم و ترک الفساد، و جاش القدر بالهمز و غیره غلا، و قلبت لک الامور أى دبّروا أنواع المکائد و الحیل.

الثانی

قال الشّارح المعتزلی: فی قوله علیه السّلام: بل بمنزله فتنه، تصدیق لمذهبنا فی أهل البغى و أنّهم لم یدخلوا فی الکفر بالکلّیه، بل هم فسّاق، و الفاسق عندنا فی منزله بین المنزلتین خرج من الایمان و لم یدخل فی الکفر، انتهى.
اقول: قد علمت تحقیق الکلام فی حکم البغاه و الخوارج فی شرح الخطبه

الثّالثه و الثّلاثین و ظهر لک هناک أنّهم محکومون بکفرهم باطنا و إن یجرى علیهم فی الظّاهر أحکام الاسلام، و لقد ظفرت حیثما بلغ بنا الشّرح إلى هذا المقام على تحقیق أنیق للعلّامه المجلسی قدّس سرّه العزیز فی هذا المرام، فأحببت أن أورده هنا لکونه معاضدا لما قدّمنا، فأقول: قال قدّس اللّه روحه فی المجلّد الثّامن من البحار فی باب حکم من حارب أمیر المؤمنین علیه الصّلاه و السّلام:
تذییل فی أحکام البغاه

اعلم أنّه قد اختلف فی أحکام البغاه فی مقامین:
الاول فی کفرهم

فذهب أصحابنا إلى کفرهم قال المحقّق الطّوسی رحمه اللّه علیه فی التجرید: محاربوا علیّ علیه السّلام کفره، و مخالفوه فسقه.
أقول: و لعلّ مراده إنّ مخالفیه فی الحرب و الذین لم ینصروه فسقه کما یؤمى إلیه بعض کلماته فیما بعد.
و ذهب الشّافعی إلى أنّ الباغی لیس باسم ذمّ، بل هو اسم من اجتهد فأخطأ بمنزله من خالف الفقهاء فی بعض المسائل.

و قال شارح المقاصد: و المخالفون لعلیّ علیه السّلام بغاه، لخروجهم على امام الحقّ بشبهه من ترک القصاص من قتله عثمان، و لقوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لعمّار رضی اللّه عنه تقتلک الفئه الباغیه، و قد قتل یوم صفّین على ید أهل الشّام، و لقول علیّ علیه الصّلاه و السّلام: إخواننا بغوا علینا و لیسوا کفّارا و لا فسقه و ظلمه، لمالهم من التأویل و إن کان باطلا، فغایه الأمر أنّهم أخطئوا فی الاجتهاد، و ذلک لا یوجب التّفسیق فضلا عن التّکفیر.
و ذهبت المعتزله إلى أنّه اسم ذمّ و یسمّونهم فسّاقا.

و الدّلائل على ما ذهب إلیه أصحابنا أکثر من أن تحصى، و قد مضت الأخبار الدّاله علیه و سیأتی فی أبواب حبّ أمیر المؤمنین و إمّام المتّقین علیّ بن أبی طالب‏ علیه صلوات اللّه الملک الغالب و بغضه علیه الصّلاه و السّلام و أبواب مناقبه و ایرادها هنا یوجب التّکرار، فبعضها صریح فی کفر مبغض أهل بیت العصمه و الطّهاره علیهم الصّلاه و السّلام، و لا ریب فی أنّ الباغی مبغض، و بعضها یدلّ على کفر من أنکر إمامه أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه الصّلاه و السّلام، و بعضها على أنّ الجاحد له من أهل النّار، و بعضها یدلّ على کفر من لم یعرف امام زمانه، و ذلک ممّا اتّفقت علیه کلمه الفریقین، و البغى لا یجامع فی الغالب معرفه الامام، و لو فرض باغ على الامام لأمر دنیویّ من غیر بغض و لا انکار لامامته فهو کافر أیضا، لعدم القائل بالفرق.

ثمّ إنّ الظّاهر«» أنّ قوله تعالى: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‏ فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّى تَفِی‏ءَ إِلى‏ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ.
لا یتعلّق بقتال البغاه بالمعنى المعروف، لما عرفت من کفرهم، و إطلاق المؤمن علیهم باعتبار ما کانوا علیه بعید، و ظاهر الآیه التّالیه و هى قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَهٌ فَأَصْلِحُوا بَیْنَ أَخَوَیْکُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ.
بقاء المذکورین فی الآیه السّابقه على الایمان، و لعلّه السّرّ فی خلوّ أکثر الأخبار عن الاحتجاج بهذه الآیه فی هذا المقام، فتکون الآیه مسوقه لبیان حکم طائفتین من المؤمنین تعدّت و بغت احداهما على الاخرى لأمر دنیویّ أو غیرها ممّا لایؤدّى إلى الکفر.

الثانی فیما اغتنمه المسلمون من أموال البغاه
فذهب بعض الأصحاب إلى أنّه لا یقسم أموالهم مطلقا، و ذهب بعضهم إلى قسمه ما حواه العسکر دون غیره من أموالهم و تمسّک الفریقان بسیرته علیه السّلام فی أهل البصره.
قال الأوّلون: لو جاز الاغتنام لم یردّ علیه السّلام علیهم أموالهم و قد روى أنّه علیه السّلام نادى من وجد ماله فله أخذه فکان الرّجل منهم یمرّ بمسلم یطبخ فی قدر فیسأله أن یصبر حتّى ینضج فلا یصبر فیکفاها و یأخذها، و أنّه علیه السّلام کان یعطى من القوم من له بیّنه و من لم یکن له بیّنه فیحلفه و یعطیه.

و قال الآخرون لو لا جوازه لما قسم علیه السّلام أموالهم أوّلا بین المقاتله و قد کان ردّها علیهم بعد ذلک على سبیل المنّ لا الاستحقاق کما منّ النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم على کثیر من المشرکین، و قد رووا عنه علیه السّلام أنّه قال: مننت على أهل البصره کما منّ النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم على أهل مکّه، و لذا ذهب بعض أصحابنا على جواز استرقاقهم کما جاز للرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی أهل مکّه، و المشهور عدمه.

و الّذی نفهم من الأخبار أنّهم واقعا فی حکم المشرکین و غنایمهم و سبیهم فی حکم غنایم المشرکین و سبیهم، و القائم علیه السّلام یجرى علیهم تلک الأحکام، و لمّا علم أمیر المؤمنین علیه السّلام استیلاء المخالفین على شیعته لم یجر هذه الأحکام علیهم لئلّا یجروها على شیعته، و کذا الحکم بطهارتهم و جواز مناکحتهم و حلّ ذبیحتهم لاضطرار معاشره الشّیعه معهم فی دوله المخالفین.

و یدلّ علیه ما رواه الکلینیّ باسناده عن أبی بکر الحضرمی قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: لسیره علىّ یوم البصره کانت خیرا للشّیعه ممّا طلعت علیه الشّمس لأنّه علم أنّ للقوم دوله فلو سباهم لسبیت شیعته، قلت فأخبرنی عن القائم أ یسیر بسیرته علیه السّلام قال: لا إنّ علیّا سار فیهم بالمنّ، للعلم من دولتهم، و إنّ القائم علیه السّلام یسیر فیهم بخلاف تلک السّیره، لأنّه لا دوله لهم.

و أمّا ما لم یحوها العسکر من أموالهم فنقلوا الاجماع على عدم جوازتملّکها، و کذلک ما حواه العسکر إذا رجعوا إلى طاعه الامام علیه السّلام و إنّما الخلاف فیما حواه العسکر مع إصرارهم، و أمّا مدبرهم و جریحهم و أسیرهم فذو الفئه منهم یتبع و یجهز علیه و یقتل، بخلاف غیره، و قد مضت الأخبار فی ذلک و ستأتی فی باب سیرته علیه السّلام فی حروبه.

تکمله

قال الشّیخ قدّس اللّه روحه فی تلخیص الشّافی عندنا أنّ من حارب أمیر المؤمنین و ضرب وجهه و وجه أصحابه بالسّیف کافر، و الدّلیل المعتمد فی ذلک إجماع الفرقه المحقّه الامامیّه على ذلک، فانّهم لا یختلفون فی هذه المسأله على حال من الأحوال و تدلّلنا على أنّ إجماعهم حجّه فیما تقدّم، و أیضا فنحن نعلم أنّ من حاربه علیه السّلام کان منکرا لامامته و دافعا لها، و دفع الامامه کفر کما أنّ دفع النّبوّه کفر، لأنّ الجهل بهما على حدّ واحد.
و قد روى عن النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنّه قال: من مات و هو لم یعرف إمام زمانه مات میته جاهلیّه، و میته الجاهلیّه لا تکون إلّا على کفر.

و أیضا روى عنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنّه قال: حربک یا علیّ حربی و سلمک یا علیّ سلمی، و معلوم أنّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّما أراد أحکام حربک تماثل أحکام حربی، و لم یرد أنّ إحدى الحربین هى الاخرى، لأنّ المعلوم ضروره خلاف ذلک و ان کان حرب النّبی کفرا أوجب مثل ذلک فی حرب أمیر المؤمنین علیه السّلام لأنّه جعله مثل حربه.
و یدلّ على ذلک أیضا قوله صلّى اللّه علیه و آله: اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه، و نحن نعلم أنّه لا یجب عداوه أحد بالاطلاق إلّا عداوه الکفّار.
و أیضا فنحن نعلم أنّ من کان یقاتله یستحلّ دمه و یتقرّب إلى اللّه بذلک، و استحلال دم مؤمن مسلم کفر بالاجماع، و هو أعظم من استحلال جرعه من الخمر الّذی هو کفر بالاتّفاق.

فان قیل: لو کانوا کفّارا لوجب أن یسیر فیهم بسیره الکفّار، فیتبع مولّیهم و یجهز على جریحهم، و یسبى ذراریهم، فلمّا لم یفعل ذلک دلّ على أنّهم لم‏یکونوا کفّارا.
قلنا: لا یجب بالتّساوی فی الکفر التّساوى فی جمیع أحکامه، لأنّ أحکام الکفر مختلفه، فحکم الحربی خلاف حکم الذّمی، و حکم أهل الکتاب خلاف حکم من لا کتاب له من عباد الأصنام، فانّ أهل الکتاب یؤخذ منهم الجزیه و یقرّون على أدیانهم، و لا یفعل ذلک بعبّاد الأصنام، و عند من خالفنا من الفقهاء یجوز التّزوّج بأهل الذّمه و إن لم یجز ذلک فی غیرهم، و حکم المرتدّ بخلاف حکم الجمیع، و إذا کان أحکام الکفر مختلفه مع الاتّفاق فی کونه کفرا لا یمتنع أن یکون من حاربه کافرا و إن سار فیهم بخلاف أحکام الکفّار.

و أمّا المعتزله و کثیر من المنصفین من غیرهم فیقولون بفسق من حاربه و نکث بیعته و مرق عن طاعته، و إنّما یدعون أنّهم تابوا بعد ذلک، و یرجعون فی اثبات توبتهم إلى امور غیر مقطوع بها و لا معلومه من أخبار الآحاد، و المعصیه معلومه مقطوع علیها، و لیس یجوز الرّجوع عن المعلوم إلّا بمعلوم مثله.

الترجمه

فصل ثانی از کلام آن امام انام است مى ‏فرماید: راه ایمان راهى است روشن‏تر از همه راهها، و نورانى‏ تر از جمیع چراغها، پس با ایمان استدلال کرده مى‏ شود بأعمال صالحه، و با أعمال صالحه استدلال کرده مى‏ شود بایمان، و با ایمان آباد شده مى‏ شود علم، و با علم ترس حاصل مى ‏شود از مرگ و با مرگ ختم مى‏ شود دنیا، و با دنیا محکم مى‏ شود کار آخرت، و با قیامت نزدیک شده مى‏ شود بهشت عنبر سرشت از براى متّقین، و اظهار مى ‏شود دوزخ از براى معصیتکاران و بدرستى که مخلوقان هیچ مکان نگاهدارنده نیست ایشان را از ورود قیامت در حالتى که سرعت کننده‏ اند در میدان آن بسوى غایت نهایت که عبارتست از سعادت و شقاوت.

بعض دیگر از این کلام در بیان حال أهل قبور است مى‏ فرماید:

بتحقیق که کوچ کردند ایشان از قرارگاه قبرها، و منتقل شدند بمحل انتقال غایتها که عبارتست از بهشت و جهنّم، و از براى هر خانه از این دو خانه اهلیست که طلب نمى‏ کنند عوض نمودن آن را بخانه دیگر، و نقل کرده نمى‏ شوند از آن خانه بسوى غیر آن، و بدرستى که أمر بمعروف و نهى از منکر دو خلق پسندیده هستند از اخلاق خدا، و بدرستى که این دو خلق نزدیک نمى‏گردانند از مرگ و کم نمى‏کنند از روزى، و لازم نمائید بخودتان عمل کردن کتاب خدا را، پس بدرستى که اوست ریسمان محکم، و نور آشکار و شفا دهنده با منفعت، و سیراب کننده که رفع عطش مى‏نماید، و نگاه دارنده از براى کسى که تمسّک بآن نماید، و نجاه دهنده مر کسى که تعلّق بآن داشته باشد، کج نمى‏شود تا راست کرده شود، و عدول نمى‏کند از حق تا طلب کرده شود بازگشت آن بسوى حق، و کهنه نمى‏کند آن را کثرت ورد آن بزبانها و دخول آن بگوشها، هر کس قایل شد بآن کتاب صادق شد، و هر کس عمل نمود بآن سبقت کرد بدرجات جنان و روضه رضوان.

و بر خواست بسوى آن حضرت در أثناى این کلام مردى، پس عرض نمود أى أمیر مؤمنان خبر ده ما را از فتنه و بلیّه و آیا پرسیدى آنرا از حضرت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم پس فرمود: زمانى که نازل نمود حق سبحانه و تعالى آیه الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ.

یعنى منم خداى لطیف مجید آیا گمان کردند مردمان که ایشان ترک کرده می شوند بحال خودشان بمحض این که مى‏گویند ایمان آوردیم ما و حال آنکه ایشان امتحان کرده نشوند، آن حضرت فرمود زمانى که نازل شد این آیه دانستم من که فتنه نازل نمى‏ شود بما و حال آنکه حضرت رسالت مآب صلّى اللّه علیه و آله و سلّم در میان ما است، پس گفتم یا رسول اللّه چیست این فتنه و امتحان که خبر داده تو را خداوند متعال بآن پس فرمود آن حضرت که: أى علیّ بدرستى که امّت من زود باشد که بفتنه افتند بعد از من‏پس گفتم أى رسول خدا آیا نبود که گفتى مرا در روز جنگ احد هنگامى که بدرجه شهادت رسیدند کسانى که شهید شدند از مسلمانان و منع شد از من شهادت پس دشوار آمد این شهید نشدن بمن، پس فرمودى تو بمن که: شاد باش که شهادت از پس تو است، پس فرمود حضرت رسول بمن که: یا علیّ کار بهمین قرار است یعنى البتّه شهید خواهى شد پس چگونه است صبر تو آن هنگام عرض کردم: یا رسول اللّه نیست این مقام از مقامهاى صبر و شکیبائى و لکن از مواضع بشارت و شکر است، پس فرمود آن حضرت: أى علیّ بدرستى این قوم زود باشد که مفتون باشند بعد از من بمالهاى خودشان و منّت گذارى کنند بدین خود بپروردگار خودشان، و آرزو نمایند رحمت او را و ایمن شوند از سخط او، و حلال شمارند حرام او را با شبهه‏ هاى دروغ و با خواهشات غفلت کننده، پس حلال شمارند شراب را به نبیذ، و رشوت را باسم هدیه، و ربا را بسبب مبایعه، پس گفتم: یا رسول اللّه بکدام منزلها نازل کنم ایشان را در آن حال آیا بمنزله فتنه یا بمنزله مرتد شدن پس فرمود که بمنزله فتنه از جهت این که ظاهرا اقرار بشهادتین دارند اگر چه باطنا کافرند.

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۱۷۰

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۵۴ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۵۵ صبحی صالح

۱۵۵- و من خطبه له ( علیه ‏السلام ) یذکر فیها بدیع خلقه الخفاش‏

حمد اللّه و تنزیهه‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی انْحَسَرَتِ الْأَوْصَافُ عَنْ کُنْهِ مَعْرِفَتِهِ
وَ رَدَعَتْ‏عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ
فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَایَهِ مَلَکُوتِهِ
هُوَ اللَّهُ الْحَقُّ الْمُبِینُ‏أَحَقُّ وَ أَبْیَنُ مِمَّا تَرَى الْعُیُونُ
لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحْدِیدٍ فَیَکُونَ مُشَبَّهاً
وَ لَمْ تَقَعْ عَلَیْهِ الْأَوْهَامُ بِتَقْدِیرٍ فَیَکُونَ مُمَثَّلًا
خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى غَیْرِ تَمْثِیلٍ
وَ لَا مَشُورَهِ مُشِیرٍ وَ لَا مَعُونَهِ مُعِینٍ
فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ
فَأَجَابَ وَ لَمْ یُدَافِعْ وَ انْقَادَ وَ لَمْ یُنَازِعْ

خلقه الخفاش‏

وَ مِنْ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ وَ عَجَائِبِ خِلْقَتِهِ
مَا أَرَانَا مِنْ غَوَامِضِ الْحِکْمَهِ فِی هَذِهِ الْخَفَافِیشِ الَّتِی یَقْبِضُهَا الضِّیَاءُ الْبَاسِطُ لِکُلِّ شَیْ‏ءٍ وَ یَبْسُطُهَا الظَّلَامُ الْقَابِضُ لِکُلِّ حَیٍّ
وَ کَیْفَ عَشِیَتْ أَعْیُنُهَا عَنْ أَنْ تَسْتَمِدَّ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِیئَهِ نُوراً
تَهْتَدِی بِهِ فِی مَذَاهِبِهَا وَ تَتَّصِلُ بِعَلَانِیَهِ بُرْهَانِ الشَّمْسِ إِلَى مَعَارِفِهَا
وَ رَدَعَهَا بِتَلَأْلُؤِ ضِیَائِهَا عَنِ الْمُضِیِّ فِی سُبُحَاتِ إِشْرَاقِهَا
وَ أَکَنَّهَا فِی مَکَامِنِهَا عَنِ الذَّهَابِ فِی بُلَجِ ائْتِلَاقِهَا
فَهِیَ مُسْدَلَهُ الْجُفُونِ بِالنَّهَارِ عَلَى حِدَاقِهَا
وَ جَاعِلَهُ اللَّیْلِ سِرَاجاً تَسْتَدِلُّ بِهِ فِی الْتِمَاسِ أَرْزَاقِهَا
فَلَا یَرُدُّ أَبْصَارَهَا إِسْدَافُ ظُلْمَتِهِ
وَ لَا تَمْتَنِعُ مِنَ الْمُضِیِّ فِیهِ لِغَسَقِ دُجُنَّتِهِ
فَإِذَا أَلْقَتِ الشَّمْسُ قِنَاعَهَا وَ بَدَتْ أَوْضَاحُ نَهَارِهَا
وَ دَخَلَ مِنْ إِشْرَاقِ نُورِهَا عَلَى الضِّبَابِ فِی وِجَارِهَا
أَطْبَقَتِ الْأَجْفَانَ عَلَى مَآقِیهَا
وَ تَبَلَّغَتْ بِمَا اکْتَسَبَتْهُ مِنَ الْمَعَاشِ فِی ظُلَمِ لَیَالِیهَا
فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اللَّیْلَ لَهَا نَهَاراً وَ مَعَاشاً
وَ النَّهَارَ سَکَناً وَ قَرَاراً
وَ جَعَلَ لَهَا أَجْنِحَهً مِنْ لَحْمِهَا تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَهِ إِلَى الطَّیَرَانِ
کَأَنَّهَا شَظَایَا الْآذَانِ
غَیْرَ ذَوَاتِ رِیشٍ وَ لَا قَصَبٍ
إِلَّا أَنَّکَ تَرَى مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَیِّنَهً أَعْلَاماً
لَهَا جَنَاحَانِ لَمَّا یَرِقَّا فَیَنْشَقَّا وَ لَمْ یَغْلُظَا فَیَثْقُلَا
تَطِیرُ وَ وَلَدُهَا لَاصِقٌ بِهَا لَاجِئٌ إِلَیْهَا
یَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ وَ یَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ
لَا یُفَارِقُهَا حَتَّى تَشْتَدَّ أَرْکَانُهُ
وَ یَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ
وَ یَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَیْشِهِ وَ مَصَالِحَ نَفْسِهِ
فَسُبْحَانَ الْبَارِئِ لِکُلِّ شَیْ‏ءٍ عَلَى غَیْرِ مِثَالٍ خَلَا مِنْ غَیْرِهِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۹  

و من خطبه له علیه السّلام یذکر فیها بدیع خلقه الخفاش
و هى المأه و الرابع و الخمسون من المختار فی باب الخطب

الحمد للَّه الّذی انحسرت الأوصاف عن کنه معرفته، و ردعت عظمته العقول فلم تجد مساغا إلى بلوغ غایه ملکوته، و هو اللَّه الملک الحقّ المبین، و أحقّ و أبین ممّا ترى العیون، لم تبلغه العقول بتحدید فیکون مشبّها، و لم تقع علیه الأوهام بتقدیر فیکون ممثّلا، خلق الخلق على غیر تمثیل، و لا مشوره مشیر، و لا معونه معین، فتمّ خلقه بأمره، و أذعن لطاعته، فأجاب و لم یدافع، و انقاد و لم ینازع. و من لطایف صنعته و عجائب خلقته ما أرانا من غوامض الحکمه فی هذه الخفافیش الّتی یقبضها الضّیآء الباسط لکلّ شی‏ء، و یبسطها الظّلام القابض لکلّ حىّ، و کیف عشیت أعینها عن أن تستمدّ من الشّمس المضیئه نورا تهتدى به فی مذاهبها، و تتّصل بعلانیه برهان الشّمس إلى معارفها، و ردعها بتلالؤ ضیائها عن المضىّ فی سبحات إشراقها، و أکنّها فی مکامنها عن الذّهاب فی بلج ایتلاقها، فهى مسدله الجفون بالنّهار على حذاقها، و جاعله اللّیل سراجا تستدلّ به فی التماس أرزاقها، فلا یردّ أبصارها إسداف ظلمته، و لا تمتنع من المضیّ فیه لغسق دجنّته، فإذا ألقت الشّمس قناعها، و بدت أوضاح نهارها، و دخل من إشراق نورها على الضّباب فی و جارها، أطبقت الأجفان على مآقیها، و تبلّغت بما اکتسبته من المعاش فی ظلم لیالیها، فسبحان من جعل اللّیل لها نهارا و معاشا، و النّهار سکنا و قرارا، و جعل لها أجنحه من لحمها تغرج بها عند الحاجه إلى الطّیران کأنّها شظایا الآذان، غیر ذوات ریش و لا قصب إلّا أنّک ترى مواضع العروق بیّنه أعلاما، و لها جناحان لمّا یرّقا فینشقّا، و لم یغلظا فیثقلا، تطیر و ولدها لاصق بها، لاجى‏ء إلیها، یقع إذا وقعت، و یرتفع إذا ارتفعت، لا یفارقها حتّى تشتدّ أرکانه، و تحمله للنّهوض جناحه، و یعرف مذاهب عیشه، و مصالح نفسه، فسبحان البارى لکلّ شی‏ء على غیر مثال خلا من غیره.

اللغه

(الخفّاش) و زان رمّان طایر معروف جمعه خفافیش مأخوذ من الخفش و هو ضعف فی البصر خلقه أو لعلّه، و الرّجل أخفش و هو الذی یبصر باللّیل لا بالنّهار أو فی یوم غیم لا فی یوم صحو و (حسر) حسورا من باب قعد کلّ لطول مدى و نحوه، و حسرته أنا یتعدّی و لا یتعدّی و (ساغ) الشّراب سوغا سهل مدخله و المساغ المسلک و (الحدّ) المنع و الحاجز بین الشّیئین و نهایه الشّی‏ء و طرفه، و فی عرف المنطقیین التّعریف بالذّاتی.

و (المشوره) مفعله من أشار إلیه بکذا أى أمره به، و فی بعض النسخ بضمّ الشّین بمعنى الشّورى و (المعونه) اسم من أعانه و عوّنه و (اللّطایف) جمع لطیفه و هى ما صغر و دقّ و (الغامض) خلاف الواضح و کلّ شی‏ء خفى مأخذه و (العشا) بالفتح و القصر سوء البصر بالنّهار أو باللّیل و النّهار أو العمى و (الاتّصال) إلى الشی‏ء الوصول إلیه، و فی بعض النّسخ متّصل بدل تتّصل و (السّبحات) بضمّتین جمع سبحه و هی النّور و قیل: سبحات الوجه محاسنه لأنّک إذا رأیت الوجه الحسن قلت: سبحان اللَّه.

و (البلج) مصدر بلج کتعب تعبا أى ظهر و وضح، و صبح أبلج بیّن البلج أى مشرق و مضی‏ء، و قیل: البلج جمع بلجه بالضمّ و هى أوّل ضوء الصّبح و (الایتلاق) اللّمعان یقال: ائتلق و تألّق إذا التمع و (سدل) الثّوب أسد له أرخاه و أرسله و (الجفن) بالفتح غطاء العین من أعلاها و أسفلها، و الجمع جفان و جفون و أجفن و (الحدقه) محرّکه سواد العین و یجمع على حداق کما فی بعض النّسخ و على أحداق کما فی البعض الآخر و (أسدف) اللّیل اسدافا أى أظلمت، و فی بعض النسخ أسداف بفتح الهمزه جمع سدف کأسباب و سبب و هو الظّلمه و (الدّجنه) بضمّ الدّال و تشدید النّون و الدّجن و زان عتلّ الظّلمه و (الضّباب) بالکسر جمع الضبّ الدّابّه المعروفه و (و جارها) بالکسر جحرها الّذی تأوى إلیه.

و (ماقیها) بفتح المیم و سکون الهمزه و کسر القاف و سکون الیاء کما فی أکثر النّسخ لغه فی المؤق بضمّ المیم و سکون الهمزه أى طرف عینها ممّا یلی الأنف و هو مجرى الدّمع من العین و قیل: مؤخّرهما و عن الأزهرى أجمع أهل اللّغه على أنّ المؤق و الماق بالضمّ و الفتح طرف العین الّذی یلی الأنف، و أنّ الّذی یلی الصّدغ یقال له: اللّحاظ و الماقی لغه فیه، و قال ابن القطاع ما فی العین فعلى و قد غلط فیه جماعه من العلماء فقالوا: هو مفعل و لیس کذلک بل الیاء فی آخره للالحاق، و قال الجوهرى و لیس هو مفعل لأنّ المیم أصلیّه و إنّما زیدت فی آخره الیاء للالحاق و لمّا کان فعلى بکسر اللام نادرا لا أخت لها الحق بمفعل، و لهذا جمع على ماقى على التّوهّم و فی بعض النّسخ ماقیها على صیغه الجمع.

و (المعاش) ما یعاش به و ما یعاش فیه و بمعنى العیش و هو الحیاه، و فی بعض النّسخ لیلها بدل لیالیها و (الشّظایا) جمع الشّظیه و هى القطعه من الشی‏ء و (الأعلام) جمع علم بالتحریک و هو طراز الثوب و رسم الشّی‏ء.

الاعراب

أحقّ و أبین بالرّفع بدلان من الحقّ المبین أو عطفا بیان، و على الأوّل ففائدتهما التّقریر، و على الثّانی فالایضاح و قوله: و من لطایف صنعته تقدیمه على المسند إلیه أعنى قوله: ما أرانا، للتّشویق إلى ذکر المسند إلیه و هو من فنون البلاغه کما فی قوله:
ثلاثه تشرق الدّنیا ببهجتها شمس الضّحى و أبو إسحاق و القمر

و تتّصل فی بعض النّسخ بالنصب عطفا على تستمدّ و فی بعضها بالرّفع عطفا على تهتدى، و فی بعضها و تصل بدله، و ردعها عطف على جمله أرانا، و من فی قوله من اشراق نورها زایده فی الفاعل کما زیدت فی المفعول فی قوله: «ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَیْنِ فِی جَوْفِهِ» و قوله: غیر ذوات ریش، بالنّصب صفه لأجنحه، و قوله: أعلاما بدل من بیّنه أو عطف بیان، و کلمه لها غیر موجوده فی بعض النّسخ فیکون ‏قوله: جناحان، خبر مبتدأ محذوف أى جناحاه جناحان، و لمّا فی قوله: لمّا یرقا بمعنى لم الجازمه.

المعنى

اعلم أنّ هذه الخطبه الشریفه یذکر فیها بدیع خلقه الخفّاش، و الغرض منه التنبیه على عظمه قدره خالقها، و على کمال صنعه سبحانه فی إبداعها، و الدّلاله على عظیم برهانه فی ملکه و ملکوته و لمّا کان الغرض ذلک افتتح علیه السّلام کلامه بالحمد و الثناء علیه تعالى بجمله من صفات الکمال و نعوت الجلال و الجمال بمقتضى براعه الاستهلال فقال: (الحمد للَّه الذی انحسرت الأوصاف عن کنه معرفته) أى عجز الواصفون عن صفته و أعیت الألسن عن وصفه بحقیقته، لأنّ ذاته سبحانه بریئه عن أنحاء الترکیب، منزّهه عن الأجزاء و النّهایات، فلا حدّ له و لا صوره تساویه، فلا یمکن للعقول الوصول إلى حقیقه معرفته، و لا للألسن الحکایه و البیان عن هویّته، و قد مرّ تحقیق ذلک فی شرح الفصل الثّانی من الخطبه الاولى و غیره أیضا غیر مرّه (و ردعت) أى منعت (عظمته العقول فلم تجد مساغا) و مسلکا (إلى بلوغ غایه ملکوته) أى منتهى عزّه و سلطانه (هو اللَّه الملک الحقّ) الثّابت المتحقّق وجوده و إلهیّته أو الموجود حقیقه (المبین) أى الظّاهر البیّن وجوده بل هو أظهر وجودا من کلّ شی‏ء فان خفى مع ظهوره فلشدّه ظهوره، و ظهوره سبب بطونه و نوره هو حجاب نوره إذ کلّ ذرّه من ذرّات مبدعاته و مکوّناته فلها عدّه ألسنه تشهد بوجوده، و بالحاجه إلى تدبیره و قدرته کما مرّ تفصیلا و تحقیقا فی شرح الخطبه التّاسعه و الأربعین.

(أحقّ و أبین) أى أثبت و أوضح (ممّا ترى العیون) لأنّ العلم بوجوده تعالى عقلیّ یقینیّ لا یتطرّق إلیه ما یتطرّق إلى المحسوسات من الغلط و الاشتباه ألا ترى أنّ العین قد یرى الصّغیر کبیرا کالعنبه فی الزّجاجه المملوّه ماء، و الکبیر صغیرا کالبعید، و السّاکن متحرّکا کحرف الشّط إذا رآه راکب السّفینه متصاعداو المتحرّک ساکنا کالظلّ بخلاف المعقولات الصّرفه.

(لم تبلغه العقول بتحدید فیکون مشبّها) المراد بالتّحدید إمّا إثبات الحدّ و النّهایه، أو التّعریف بالذّاتی کما هو عرف المنطقیّین، و ظاهر أنّ اللَّه سبحانه منزّه عن الحدود و النّهایات التّی هى من عوارض الأجسام و الجسمانیّات، مقدّس عن الأجزاء و التّرکب مطلقا من الذّاتیات أو العرضیّات، فذاته سبحانه لیس له حدّ و ترکیب حتّى یمکن للعقول البلوغ إلیه بتحدید کما لسایر الأجسام (و لم تقع علیه الأوهام بتقدیر فیکون ممثّلا) قال الشّارح البحرانی: إذ الوهم لا یدرک إلّا المعانی الجزئیّه المتعلّقه بالمحسوسات. و لا بدّ له فی إدراک ذلک المدرک من بعث المتخیّله على تشبیهه بمثال من الصّور الجسمانیّه، فلو وقع علیه و هم لمثّله فی صوره حسیّه حتّى أنّ الوهم إنّما یدرک نفسه فی مثال من صوره و حجم و مقدر (خلق الخلق على غیر تمثیل) الظّاهر أنّ المراد بالتمثیل ایجاد الخلق على حذوما خلقه غیره، و لمّا لم یکن الباری سبحانه مسبوقا بغیره فلیس خلقه إلّا على وجه الابداع و الاختراع، أو أنّ المراد أنّه لم یجعل لخلقه مثالا قبل الایجاد کما یفعله البنّاء تصویرا لما یرید بنائه، و معلوم أنّ کیفیّه صنعه للعالم منزّهه عن هذا الوجه أیضا کما سبق فی شرح الفصل السّابع من الخطبه الاولى (و لا مشوره مشیر و لا معونه معین) لأنّ الحاجه إلى المشیر و المعین من صفات النّاقص المحتاج و هو سبحانه الغنیّ المطلق فی ذاته و أفعاله فلا یحتاج فی إیجاده إلى مشاوره و لا إعانه (فتمّ خلقه) أى بلغ کلّ مخلوق إلى مرتبه کماله و تمامه الّذی أراده اللَّه سبحانه منه أو خرج جمیع ما أراده من العدم إلى الوجود (بأمره) أى بمجرّد أمره التکوینی و محض مشیّته التّامه النّافذه کما قال عزّ من قائل: «إنّما أمره إذا أراد شیئا أن یقول له کن فیکون» (و أذعن) أی خضع و أقرّ و أسرع و انقاد کلّ (لطاعته فأجاب و لم یدافع، و انقاد و لم ینازع) و هاتان الجملتان مفسّرتان للاذعان، و المراد دخول الخلق تحت القدره الالهیّه و عدم الاستطاعه للامتناع کما قال سبحانه «ثمّ استوى إلى السّماء و هى دخان فقال لها و للأرض ائتیا طوعا أو کرها قالتا أتینا طائعین» و لمّا فرغ من التّحمید و التّمجید شرع فی المقصود فقال علیه السّلام (و من لطایف صنعته و عجایب خلقته) أى من جمله صنایعه الّتی هى ألطف و أدقّ و أحقّ أن یتعجّب منها (ما أرانا من غوامض الحکمه فی هذه الخفافیش) حیث خالف بینها و بین جمیع الحیوانات.

و أشار إلى جهه المخالفه بقوله (الّتی یقبضها الضّیاء الباسط لکلّ شی‏ء، و یبسطها الظّلام القابض لکلّ حىّ) لا یخفى ما فی هاتین القرینتین من بدیع النظم و حسن التّطبیق، و التّقابل بین القبض و البسط فی القرینه الاولى و البسط و القبض فی الثانیّه ثمّ المقابله بین مجموع القرینتین بالاعتبار الذی ذکرنا مضافا إلى تقابل الضیاء للظّلام، ثمّ ردّ العجز إلى الصّدر، فقد تضمّن هذه الجمله على و جازتها وجوها من محاسن البدیع مع عظم خطر معناها.

و الضمیر فی یقبضها و یبسطها إمّا عاید إلى الخفافیش بتقدیر مضاف، أو على سبیل الاستخدام، و المراد انقباض أعینها فی الضّوء، و ذلک لافراط التحلّل فی الرّوح النّوری لحرّ النّهار، ثمّ یستدرک ذلک برد اللّیل فیعود الابصار، و قیل: الأظهر إنّه لیس لمجرّد الحرّ و إلّا لزم أن لا یعرضها الانقباض فی الشّتاء إلّا إذا ظهرت الحراره فی الهواء، و فی الصیّف أیضا فی أوائل النّهار، بل ذلک لضعف فی قوّتها الباصره و نوع من التّضاد و التّنافر بینها و بین النّور کالعجز العارض لسایر القوى المبصره عن النظر إلى جرم الشّمس، و أمّا أنّ عله التنافر ما ذا ففیه خفاء و هو منشاء لتعجّب الّذی یشیر إلیه الکلام.

و إمّا عائد إلیها نفسها فیکون المراد بانقباضها ما هو منشأ اختفائها نهارا و إن کان ذلک ناشیا من جهه الابصار.
(و کیف عشیت أعینها) أى عجزت و عمیت (عن أن تستمدّ) و تستعین (من الشّمس المضیئه نورا تهتدى به فی مذاهبها) أى طرق معاشها و مسالکها فی سیرها و انتفاعها (و) عن أن (تتّصل بعلانیه برهان الشّمس) أى دلیلها الواضح‏ (إلى معارفها) یعنی ما تعرفه من طرق انتفاعها و وجوه تصرّفاتها (و ردعها) أى ردّها و منعها (بتلاءلؤ ضیائها عن المضىّ فی سبحات إشراقها) أى جلاله و بهائه (و أکنّها) أى سترها و أخفاها (فی مکامنها) و محال خفائها عن الذّهاب (فی بلج ائتلاقها) و وضوح لمعانها.

(فهى مسدله الجفون بالنّهار على حداقتها) لانقباضها و تأثّر حاسّتها، و قال البحرانی: لأنّ تحلّل الرّوح الحامل للقوّه الباصره سبب للنّوم أیضا فیکون ذلک الاسدال ضربا من النّوم (و جاعله اللّیل سراجا تستدلّ به فی التماس أرزاقها) أى فی طلب الرّزق لها، و اسناد الجاعله إلیها من المجاز العقلیّ (فلا یردّ ابصارها إسداف ظلمته) الاضافه للمبالغه و الضّمیر عاید إلى اللّیل (و لا تمتنع من المضیّ) و الذّهاب (فیه لغسق دجنّته) الاضافه فیه أیضا للمبالغه (فاذا ألقت الشّمس قناعها) استعاره بالکنایه تشبیها للشّمس بالمرأه ذات القناع، و اثبات القناع تخییل و ذکر الالقاء ترشیح، و المراد طلوع الشّمس و بروزها من حجاب الأرض و الآفاق (و بدت أوضاح نهارها) أى ظهر بیاضه (و دخل من إشراق نورها على الضّباب فی وجارها) و إنّما خصّها بالذّکر إذ من عادتها الخروج من و جارها عند طلوع الشّمس لمواجهه النّور على عکس الخفافیش (أطبقت الأجفان) جواب إذا (على مآقیها و تبلّغت) أى اکتفت و قنعت (بما اکتسبته من المعاش فی ظلم لیالیها) فتعیش به و تقنع علیه (فسبحان من جعل اللّیل لها نهارا و معاشا) تعیش فیها (و النّهار سکنا و قرارا) لتسکن و تقرّ فیه ثمّ أشار علیه السّلام إلى جهه ثانیه لاختلافها لسایر الحیوانات بقوله (و جعل لها أجنحه من لحمها تعرج بها عند الحاجه إلى الطیران کأنّها شظایا الآذان) لا یخفى ما فی هذا التّشبیه من اللّطف و الغرابه (غیر ذوات ریش و لا قصب) کما لأجنحه سایر الطیّور (إلّا أنّک ترى مواضع العروق بیّنه أعلاما) أى واضحه ظاهره مثل طراز الثّوب (و لها جناحان لمّا یرقّا فینشقّا و لم یغلظا فیثقلا) یعنی أنّ جناحیه لم یجعلا دقیقین بالغین فی الرّقه و لا غلیظین بالغین فی الغلظ حذرا من الانشقاق‏و الثّقل المانع من الطیران.

ثمّ أشار علیه السّلام إلى جهه ثالثه للاختلاف بقوله: (تطیر و ولدها لاصق بها لا جی‏ء إلیها) أى لائذ و معتصم بها (یقع إذا وقعت و یرتفع إذا ارتفعت لا یفارقها) فی حالتی الوقوع و الطیران (حتّى تشتدّ أرکانه) و جوانبه الّتی یستند إلیها و یقوم بها (و یحمله للنهوض جناحه) و یمکنه الطیران و التصرّف بنفسه (و یعرف مذاهب عیشه و مصالح نفسه) و لما افتتح کلامه بالتحمید ختمه بالتسبیح لیکمل حسن الافتتاح بحسن الاختتام و یتمّ براعه الفاتحه ببراعه الخاتمه فقال (فسبحان البارى‏ء) الخالق (لکلّ شی‏ء على غیر مثال خلا) أى مضى و سبق (من غیره) یعنی أنه لم یخلق الأشیاء على حدّ و خالق سبقه بل ابتدعها على وفق الحکمه و مقتضى المصلحه

ظریفه فی نوادر الخفاش

قال تعالى: «إِذْ قالَ اللَّهُ یا عِیسَى ابْنَ مَرْیَمَ اذْکُرْ نِعْمَتِی عَلَیْکَ وَ عَلى‏ والِدَتِکَ» قال فی التفسیر: إنّه وضع من الطّین کهیئه الخفّاش و نفخ فیه فصار طائرا.
قال الشّارح فی الأحادیث العامیّه قیل للخفّاش: لما ذا الاجناح لک قال: لأنّی تصویر مخلوق، قیل: فلما ذا لا تخرج نهارا قال: حیاء من الطّیور، یعنون أنّ المسیح صوّره.

و فی البحار فی تفسیر قوله: «وَ رَسُولًا إِلى‏ بَنِی إِسْرائِیلَ أَنِّی قَدْ جِئْتُکُمْ بِآیَهٍ مِنْ رَبِّکُمْ أَنِّی أَخْلُقُ» قال: المشهور بین الخاصّه و العامّه من المفسّرین أنّ الطّیر کان هو الخفّاش قال أبو اللّیث فی تفسیره: إنّ النّاس سألوا عیسى علیه السّلام على وجه التعنّت فقالوا له: اخلق لنا خفّاشا و اجعل فیه روحا إن کنت من الصادقین، فأخذ طینا و جعل خفاشا و نفخ فیه فاذا هو یطیر بین السماء و الأرض، و کان تسویه الطین و النفخ من عیسى علیه السّلام، و الخلق من اللَّه تعالى و یقال: إنّما طلبوا منه خلق خفّاش لأنّه‏ أعجب من سایر الخلق، و من عجائبه أنه دم و لحم، یطیر بغیر ریش، و یلد کما یلد الحیوان و لا یبیض کما یبیض سایر الطیور، و یکون له الضرع و یخرج اللّبن، و لا یبصر فی ضوء النهار و لا فی ظلمه اللّیل، و انما یرى فی ساعتین بعد غروب الشمس ساعه و بعد طلوع الفجر ساعه قبل أن یسفر جدّا، و یضحک کما یضحک الانسان و تحیض کما تحیض المرأه، فلمّا رأوا ذلک منه ضحکوا و قالوا: هذا سحر مبین فذهبوا إلى جالینوس فأخبروه بذلک فقال: آمنوا به و قال الدّمیرى فی حیوه الحیوان: و الحقّ أنه صنفان و قال قوم: الخفّاش الصغیر، و الوطواط الکبیر، و هو لا یبصر فی ضوء القمر و لا فی ضوء النهار، و لما کان لا یبصر نهارا التمس الوقت الذی لا یکون فیه ظلمه و لا ضوء و هو قریب غروب الشمس لأنّه وقت هیجان البعوض، فانّ البعوض، یخرج ذلک الوقت یطلب قوته و هو دماء الحیوان و الخفاش یطلب الطعام فیقع طالب رزق على طالب رزق، و الخفّاش لیس هو من الطیر فی شی‏ء لأنّه ذو اذنین و أسنان و خصیتین، و یحیض، و یطهر، و یضحک کما یضحک الانسان، و یبول کما تبول ذوات الأربع، و یرضع ولده و لا ریش له.

قال بعض المفسّرین: لمّا کان الخفّاش هو الذی خلقه عیسى بن مریم باذن اللَّه کان مباینا لصنعه اللَّه و لهذا جمیع الطّیر تقهره و تبغضه فما کان منها یأکل اللّحم أکله و ما لا یاکل اللّحم قتله، فلذلک لا یطیر إلّا لیلا.
و قیل: لم یخلق عیسى غیره، لأنّه أکمل الطّیر خلقا و هو أبلغ فی القدره، لأنّ له ثدیا و أسنانا و اذنا و قیل: إنّما طلبوا الخفّاش لأنّه من أعجب الطیر، إذ هو لحم و دم، یطیر بغیر ریش، و هو شدید الطیران، سریع التّقلّب، یقتات بالبعوض و الذّباب و بعض الفواکه، و هو مع ذلک موصوف بطول العمر فیقال: إنّه أطول عمرا من النّسر و من حمار الوحش، و تلد انثاه ما بین ثلاثه أفراخ و سبعه، و کثیرا ما یفسد و هو طایر فی الهواء، و لیس فی الحیوان ما یحمل ولده غیره و القرد و الانسان، و یحمله‏ تحت جناحه، و ربّما قبض علیه بفیه و هو من حنوه و اشفاقه علیه، و ربّما أرضعت الانثى ولدها و هى طائره، و فی طبعه أنّه متى أصابه ورق الدّلب حذر و لم یطر، و یوصف بالحمق، و من ذلک أنّه إذا قیل له: اطرق کرى، لصق بالأرض.

الترجمه

از جمله خطب شریفه آن امام مبین و ولیّ مؤمنین است که ذکر مى‏ فرماید در آن عجیب خلقت شب‏پره را.
حمد و ستایش معبود بحقیّ را سزاست که عجز بهم رساند و صفها از کنه معرفت او، و منع نمود عظمت او عقلها را، پس نیافتند گذرگاهی بسوى رسیدن بنهایت پادشاهی او، و اوست معبود بحق پادشاه مطلق که محقّق است وجود او ظاهر است و آشکارا ثابت ‏تر و آشکارتر است از آنچه که مى ‏بیند آن را چشمها نمى ‏رسد بکنه ذات او عقلها تا باشد تشبیه کرده شده بمخلوقى از مخلوقات، و واقع نمى‏ شود بر او وهمها باندازه و تقدیرى تا باشد تمثیل کرده شده بغیر خود، خلق فرمود مخلوقات را بدون این که مثال آنها را از دیگرى برداشته باشد و بدون مشورت مشیر و بى یارى معین، پس تمام شد مخلوق او بمجرّد أمر و إراده او، و گردن نهادند بطاعت او پس اجابت کردند، و مدافعه ننمودند و انقیاد کردند و منازعه ننمودند و از لطیفه‏ هاى صنعت او و عجیبه‏ هاى خلقت اوست آنچه نمود بما از پوشیدگى‏ هاى حکمت خود در این شب پره‏ها که قبض می کند چشمهاى آنها را روشنی که گستراننده هر چیز است، و بسط مى‏ کند چشمان ایشان را تاریکى که فراگیرنده هر زنده است، و چگونه ضعیف شد چشمهاى آنها از آنکه مدد خواهند از آفتاب روشن نورى را که هدایت بیابد بسبب آن نور در مواضع رفتار خود، و برسد بواسطه دلیل آشکار آفتاب بسوى راههاى معرفت خود، و منع فرمود حق سبحانه و تعالى آن خفّاشها را بسبب درخشیدن روشنائى خورشید تابان از رفتن ایشان در رونق روشنى آن، و پنهان نمود آنها را در مکانهاى مخفى آنها از راه‏ رفتن در درخشیدن آشکار آفتاب.

پس آن شب پره‏ها فرو گذاشته شده پلکهاى چشمهاى ایشان در روز بر حدقهاى ایشان، و گرداننده‏اند شب را چراغ که راه مى‏جویند بآن در طلب کردن روزیهاى خود، پس باز نمى‏ دارد دیدهاى ایشان را تاریکى ظلمت شب، و باز نمى‏ایستند از گذشتن در شب بجهه تاریکى ظلمت آن، پس زمانى که انداخت آفتاب عالمتاب نقاب خود را، و ظاهر شد روشنائیهاى روز آن و داخل شد تافتن نور آن بر سوسمارها در خانهاى ایشان، برهم نهند خفّاشها پلکهاى چشم خود را بر گوشهاى چشم خود، و اکتفا مى‏ نمایند به آن چیزى که کسب کرده ‏اند آن را از معاش در ظلمتهاى شبهاى خودشان.

پس پاکا پروردگارى که گردانیده است شب را از براى ایشان روز و سبب معاش، و روز را بجهه ایشان هنگام آسایش و قرارگاه، و گردانیده است از براى ایشان بالها از گوشت آنها که عروج مى‏ کنند بآن بالها در وقت حاجت بپریدن گویا که آن بالها پارچه ‏هاى گوشهاى مردمانست، نه صاحب پرند و نه عروق لیکن تو مى‏ بینى جایهاى رگهاى ایشان را ظاهر و نمایان و خط خط، و مر ایشان راست دو بال که آن قدر رقیق و لطیف نیستند تا شکافته شود، و آن قدر غلیظ و کثیف نیستند تا سنگین باشد، طیران مى‏ کنند در حالتى که بچه ایشان چسبنده است بایشان پناه آورنده است بسوى ایشان، مى‏ افتد آن وقتى که مادرشان مى ‏افتد، و بلند مى ‏شود زمانى که مادرشان بلند می باشد، جدا نمى ‏شود بچه‏ ها از آنها تا آنکه اعضاى آنها محکم شود، و تا آنکه بردارد آنها را بجهت برخواستن بال آنها، و تا بشناسند راههاى معاش و زندگانى خود را.

پس منزّه است پروردگار آفریننده هر چیز بدون نمونه که گذشته باشد صدور آن از غیر او، از جهه این که اوست مخترع أشیا که ایجاد آن بر سبیل ابداعست و اختراع.

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۸۶

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۵۳ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)فضائل أهل البیت‏

خطبه ۱۵۴ صبحی صالح

۱۵۴- و من خطبه له ( علیه‏ السلام ) یذکر فیها فضائل أهل البیت‏

وَ نَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِیبِ بِهِ یُبْصِرُ أَمَدَهُ
وَ یَعْرِفُ غَوْرَهُ وَ نَجْدَهُ
دَاعٍ دَعَا وَ رَاعٍ رَعَى
فَاسْتَجِیبُوا لِلدَّاعِی وَ اتَّبِعُوا الرَّاعِیَ
قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ
وَ أَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ
وَ أَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ
وَ نَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُکَذِّبُونَ
نَحْنُ الشِّعَارُ وَ الْأَصْحَابُ وَ الْخَزَنَهُ وَ الْأَبْوَابُ
وَ لَا تُؤْتَى الْبُیُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَیْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّیَ سَارِقاً
منهافِیهِمْ کَرَائِمُ الْقُرْآنِ
وَ هُمْ کُنُوزُ الرَّحْمَنِ
إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا وَ إِنْ صَمَتُوا لَمْ یُسْبَقُوا
فَلْیَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ وَ لْیُحْضِرْ عَقْلَهُ
وَ لْیَکُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَهِ
فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ وَ إِلَیْهَا یَنْقَلِبُ
فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ
یَکُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ یَعْلَمَ أَ عَمَلُهُ عَلَیْهِ أَمْ لَهُ
فَإِنْ کَانَ لَهُ مَضَى فِیهِ وَ إِنْ کَانَ عَلَیْهِ وَقَفَ عَنْهُ
فَإِنَّ الْعَامِلَ بِغَیْرِ عِلْمٍ کَالسَّائِرِ عَلَى غَیْرِ طَرِیقٍ
فَلَا یَزِیدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِیقِ الْوَاضِحِ إِلَّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ
وَ الْعَامِلُ بِالْعِلْمِ کَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِیقِ الْوَاضِحِ
فَلْیَنْظُرْ نَاظِرٌ أَ سَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ
وَ اعْلَمْ أَنَّ لِکُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَى مِثَالِهِ
فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ
وَ مَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ
وَ قَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ ( صلى ‏الله‏ علیه ‏و آله )إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْعَبْدَ وَ یُبْغِضُ عَمَلَهُ وَ یُحِبُّ الْعَمَلَ وَ یُبْغِضُ بَدَنَهُ
وَ اعْلَمْ أَنَّ لِکُلِّ عَمَلٍ نَبَاتاً
وَ کُلُّ نَبَاتٍ لَا غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ
وَ الْمِیَاهُ مُخْتَلِفَهٌ فَمَا طَابَ سَقْیُهُ طَابَ غَرْسُهُ وَ حَلَتْ ثَمَرَتُهُ وَ مَا خَبُثَ سَقْیُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وَ أَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۹  

و من خطبه له علیه السّلام
و هى المأه و الثالث و الخمسون من المختار فی باب الخطب و فیه فصلان

الفصل الاول

و ناظر قلب اللّبیب، به یبصر أمده، و یعرف غوره و نجده،داع دعا، و راع رعا، فاستجیبوا للدّاعی، و اتّبعوا الرّاعى، قد خاضوا بحار الفتن، و أخذوا بالبدع دون السّنن، و أرز المؤمنون، و نطق الضّالّون المکذّبون، نحن الشّعار و الأصحاب، و الخزنه و الأبواب، و لا تؤتى البیوت إلّا من أبوابها، فمن أتاها من غیر أبوابها سمّی سارقا.

الفصل الثانی (منها)

فیهم کرائم القرآن، و هم کنوز الرّحمن، إن نطقوا صدقوا، و إن صمتوا لم یسبقوا، فلیصدق رائد أهله، و لیحضر عقله، و لیکن من أبناء الآخره فانّه منها قدم، و إلیها ینقلب، فالنّاظر بالقلب العامل بالبصر یکون مبتدأ عمله أن یعلم أعمله علیه أم له، فإن کان له مضى فیه، و إن کان علیه وقف عنه، فإنّ العامل بغیر علم کالسّائر على غیر طریق، فلا یزیده بعده عن الطّریق إلّا بعدا من حاجته، و العامل بالعلم کالسّائر على الطّریق الواضح، فلینظر ناظر أسائر هو أم راجع، و اعلم أنّ لکلّ ظاهر باطنا علی مثاله، فما طاب ظاهره طاب باطنه، و ما خبث ظاهره خبث باطنه، و قد قال الرّسول الصّادق صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم: «إنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْعَبْدَ وَ یُبْغِضُ عَمَلَهُ، وَ یُحِبُّ الْعَمَل وَ یُبْغِضُ بَدَنُهُ» و اعلم أنّ کلّ‏ عمل نبات، و کلّ نبات لا غنى به عن الماء، و المیاه مختلفه، فما طاب سقیه طاب غرسه، و حلت ثمرته، و ما خبث سقیه خبث غرسه، و أمرّت ثمرته.

اللغه

(الناظر) من المقلّه السّواد الأصغر الذی فیه انسان العین و (الغور) بالفتح قعر کلّ شی‏ء و المنخفض من الأرض و (النّجد) المرتفع منها و الجمع نجود مثل فلس و فلوس و (رعت) الماشیه رعیا إذا سرحت بنفسها و رعیتها و أرعاها یستعمل لازما و متعدّیا فانا راع، و فی القاموس الرّاعى کلّ من ولى أمر قوم و الجمع رعاه و رعاء بالکسر و رعیان و القوم رعیه و (ارز) من باب علم و ضرب انقبض و انجمع و (الشّعار) بالکسر ما ولى الجسد من الثیاب و (الرّائد) المرسل فی طلب الماء و الکلاء و (لیحضر عقله) مضارع حضر من باب نصر أو أحضر من باب الأفعال

الاعراب

داع مرفوع تقدیرا خبر ناظر و قال الشّارح المعتزلیّ: إنّه مبتداء محذوف الخبر تقدیره فی الوجود داع دعا، قوله: و اعلم أنّ کلّ عمل نبات هکذا فی بعض النسخ فیکون کلّ اسم إنّ و نبات خبرها و فی بعضها أنّ لکلّ عمل نباتا فیکون نباتا اسما لها

المعنى

اعلم أنّه لمّا کان من دأب الرّحمه الرحمانیه أن یصدر عنه أقسام الموجودات على أکمل ما یتصوّر فی حقّها، و أن یعطى لکلّ نوع بعد إعطاء الوجود ما یحفظ به کماله الأوّل و یستدعى کماله الثّانی کما قال تعالى «هو الّذى أعطى کلّ شی‏ء خلقه ثمّ هدى» أشار إلى أنّه أعطى أصل وجوده، ثمّ أفاد له ما یتهیّأ و یهتدى به إلى فضیله زایده من القوى و الآلات، لا جرم کان کلّ نوع من أنواع المکونات‏

اعطى له من خزائن رحمه اللَّه ما یستعدّ به للوصول إلى ما هو خیر له و سعاده بالنسبه إلیه و یحترز عمّا هو شرّ له و شقاوه، و لا شکّ أنّ الانسان أشرف هذه الأنواع فاعطاء ما یستطیع به لطلب ما هو الخیر و السّعاده له أولى و أوجب، لکن لمّا کان کماله الخاصّ به أمرا متمیّزا عن کمالات سایر الأنواع الحیوانیّه من جلب مأکول أو مشروب أو منکوح و نحوها من کمالات البهایم، فلیس خیره و سعادته ممّا یوجد فی هذا العالم، بل کماله و خیره فی العلم و التّجرد عن الدّنیا و ما فیها و التّقرّب إلیه تعالى و ملکوته الأعلى فیجب فی العنایه الرّبانیّه أن یعطیه ما یهتدى به إلى سبیل سعادته و طریق نجاته، و یتجنّب عن طریق شقاوته و شقائه بأن یعرف أوّلا و لو بوجه من الوجوه ما الاله و ما الملکوت و ما الآخره و ما الاولى، و ما السعاده و الشقاء، ثمّ إن کان ممّن لا یهتدى إلى ذلک إلّا بواسطه معلّم من خارج من نبیّ أو امام أو کتاب وجب علیه تعالى أن یعرّفه ذلک و وجب علیه أن یتعلّم منه و یطیع له و یقبل منه روى یزید بن معاویه عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: لیس للَّه على خلقه أن یعرفوا و للخلق على اللَّه أن یعرّفهم، و للَّه على الخلق إذا عرفهم أن یقبلوا إذا عرفت ذلک فأقول: إنّ الانسان قد أعطاه اللَّه سبحانه بمقتضا عنایته العقل یهتدى به إلى مصالحه و مفاسده، و جعل عقول بعض أفراد هذا النوع کامله فاضله غیر محتاجه فی کسب کمالاتها إلى الغیر و هى عقول الأنبیاء و الرّسل و الأئمّه علیهم السّلام، و جعل عقول غیرهم ناقصه، فهؤلاء لا یکمل معرفتهم إلّا بمعلّم خارجی، لعدم استقلال عقلهم بمعرفه کثیر من المصالح و المفاسد و المنافع و المضارّ، و ذلک المعلّم هو النبیّ صلّى اللَّه علیه و آله و الامام.

و إلى هذا المعنى أشار أبو عبد اللَّه علیه السّلام فی روایه الکافی حیث قال: أبی اللَّه أن یجرى الأشیاء إلّا بأسباب، فجعل لکلّ شی‏ء سببا و لکلّ سبب شرحا، و جعل لکلّ شرح علما، و جعل لکلّ علم بابا ناطقا عرفه من عرفه و جهله من جهله ذاک رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و نحن.

فظهر لک بتلک المقدّمه معنى قوله علیه السّلام (و ناظر قلب اللّبیب به یبصر أمده و یعرف غوره و نجده داع دعا و راع رعا) أى عین بصیره العاقل التی بها یبصر غایته التی یتوجه إلیها أى معاده و بها یعرف ما انخفض و انحطّ من حالاته الموجبه لشقاوته المتردّیه له إلى درکات الجحیم، و ما ارتفع و استعلی من خصاله الموجبه لسعادته الموصله له إلى نضره النعیم هى أى هذه العین داع دعا و راع رعا، أراد بالدّاعی رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم لدعائه إلى طرف الحقّ قال اللَّه تعالى: «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَرْسَلْناکَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِیراً وَ داعِیاً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ».

و أراد بالرّاعى نفسه علیه السّلام لأنّه ولىّ الخلق و القائم بأمرهم کالرّاعی الذی یرعى غنمه و یحفظها و یربّیها، و قد مرّ تشبیه الامام بالرّاعی و الرعیّه بالغنم و تشبیه من لم یعرف امامه بغنم ضلّت عن راعیها فی الحدیث الّذی رویناه من الکافی فی التّذنیب الثالث من تذنیبات شرح الفصل الرّابع من فصول الخطبه الأولى و ورد فی وصف الأئمه علیهم السّلام فی الزّیاره الجامعه: و استرعاکم أمر خلقه، قال شارح الزّیاره، یعنى به: أنّه تعالى استرعاهم أمر خلقه جعلهم قائمین برعایه الخلق فیما یتعلّق بأمر الوجود الکونی و شرعه، و فیما یتعلّق بأمر الکون الشّرعی و وجوده، و فیما یتعلّق بامر الغیب و الشّهاده، و فیما یتعلّق بأمر الدّنیا و الآخره، و فیما یتعلّق بامر الجنّه و النّار، طلب تعالى منهم علیهم السّلام رعایه جمیع خلقه فی هذه الامور الخمسه فهم علیهم السّلام المربّون لرعیّتهم الرّاعون الّذین استرعاهم اللَّه أمر غنمه فان شاءوا فانّما شاء، هذا.

و انّما جعل الدّاعی و الرّاعى ناظر القلب اللّبیب لأنّ النّاظر من الانسان هو آله الابصار، و بها یدرک الأشیاء على ما هى علیها، و یفرّق بین الألوان و الأضواء و الأشکال و المقادیر و نحوها، و بناظره القلبی أى عین بصیرته یفرّق بین الحقّ و الباطل، و الصّلاح و الفساد، فاستعار لفظه للرّسول و الامام علیهما السّلام إذ بهما یحصل له المعرفه بالمبدإ و المعاد، و بدلالتهما و إرشادهما یکمل له الحکمه النّظریه و العملیه، فالنبیّ و الامام عقل من خارج کما أنّ العقل رسول من باطن و إلیه یشیر قول موسى بن جعفر علیه السّلام لهشام بن الحکم فی الحدیث الطویل المروىّ فی الکافی: یا هشام إنّ للَّه على النّاس حجّتین حجّه ظاهره و حجّه باطنه فأمّا الظّاهره فالرّسل و الأنبیاء و الأئمه علیهم السّلام، و أمّا الباطنه فالعقل إلى أن قال: یا هشام نصب الحقّ لطاعه اللَّه و لا نجاه إلّا بالطاعه، و الطاعه بالعلم، و العلم بالتّعلّم و التّعلّم بالعقل یعتقل و لا علم إلّا من عالم ربّانی و معرفه العلم بالعقل و انّما خصّ علیه السّلام ناظر قلب اللّبیب بالبیان لأنّ الجاهل بمعزل عن الالتفات غافل عمّا له و علیه کما قال علیه السّلام فی روایه الکافی عن علیّ بن محمّد عن سهل بن زیاد عن النوفلیّ عن السّکونی عن جعفر عن أبیه علیهما السّلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السّلام إنّ قلوب الجهّال تستفزّها الأطماع و ترتهنها المنى، و تستعلقها الخدائع یعنی یستخفّها الأطماع لأنّهم کثیرا ما ینزعجون من مکانهم بطمع فاسد لا أصل له و لا طائل تحته، و أنّها مقیّده مرتهنه بالأمانی و الآمال الکاذبه، و هم ینخدعون سریعا فیستسخر قلوبهم خدایع الخادعین، و یستعبدها مکر الماکرین، و لهذا یعدهم الشّیطان و یمنّیهم بالأمانی الباطله، و یغرّهم و یستفزّهم و یستعبدهم بالخدایع و ما یعدهم الشّیطان إلّا غرورا قال تعالى: «أَ وَ مَنْ کانَ مَیْتاً فَأَحْیَیْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النَّاسِ کَمَنْ مَثَلُهُ فِی الظُّلُماتِ لَیْسَ بِخارِجٍ مِنْها».

قال أبو جعفر علیه السّلام فی هذه الآیه: میّت لا یعرف شیئا و نورا یمشی به فی النّاس اماما یأتمّ به کمن مثله فی الظلمات لیس بخارج منها، قال: الذی لا یعرف الامام، هذا و لمّا کان همّه العاقل مصروفه لتحصیل کمالاته و الترقى من حدّ النّقص و الوبال إلى ذروه الفضل و الکمال، و من هبوط الجهل و الدّنائه إلى شرف العزّ و السّعاده، و کان ذلک الاستکمال و التّرقّی موقوفا على طاعه الرّسول و الإمام علیهما السّلام‏ حسبما عرفت أمر بطاعتهما بقوله (فاستجیبوا للدّاعی و اتّبعوا الرّاعی) لأنّهما قوّاد النّاس و هداتهم إلى المحجّه البیضاء و الصّراط المستقیم، و بالاستجابه و المتابعه لهما ینال حسن العاقبه و سعاده الخاتمه، و لذلک قرن اللَّه طاعتهما بطاعته فقال: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ».

و قوله علیه السّلام (قد خاضوا بحار الفتن) قال الشارح البحرانی: یحتمل أن یکون التفاتا إلى قوم معهودین للسّامعین کمعاویه و أصحاب الجمل و الخوارج، و یحتمل أن یکون منقطعا عمّا قبله متّصلا بکلام لم یحکه الرّضی (ره) و إلیه ذهب الشّارح المعتزلیّ، و قال: هذا کلام متّصل بکلام لم یحکه الرّضی، و هو ذکر قوم من أهل الضّلال قد کان أخذ فی ذمّهم و نعا علیهم عیوبهم أقول: و الأظهر عندی أنّه متّصل بالکلام السّابق، و وجه نظمه أنّه لمّا أمر بوجوب متابعته و فرض طاعته و طاعه الرّسول صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم التفت إلى حکایه حال المخالفین لرسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم و المغیّرین لوصیّته، و الغاصبین لخلافته من الخلفاء الثلاث و متابعتهم، و کیف کان فتشبیه الفتن بالبحار لاهلاکها و استیصالها فمن دخل فیها یغرق کما یغرق البحر الخائض فیه، و ذکر الخوض ترشیح للتّشبیه.

(و أخذوا بالبدع دون السّنن) یعنی أنّهم عدلوا عن سنّه سیّد المرسلین، و ترکوا منهج الشّرع المبین، و أبدعوا فی الدّین، و أخذوا بالرّأى و المقائیس عن هوى الأنفس، فلم یزالوا دهرهم فی الالتباس و الارتماس فی بحر الظلمات و الانغماس فی مهوى الشّهوات، و ذلک کلّه لاعراضهم عن أئمّه الحقّ و أولیاء الصّدق.

قال یونس بن عبد الرّحمن: قلت: لأبی الحسن الأوّل علیه السّلام بما أوحّد اللَّه عزّ و جلّ قال: لا تکوننّ مبتدعا، من نظر برأیه هلک، و من ترک أهل بیت نبیّه ضلّ، و من ترک کتاب اللَّه و قول نبیّه کفر قال الشّارح البحرانی: البدعه قد یراد بها ترک السنّه و قد یراد بها أمرآخر یفعل مع ترک السنّه و هو أظهر فی العرف.

أقول: و البدعه ملازمه لترک السّنه کما یفصح عنه ما رواه فی الکافی عن علیّ بن إبراهیم عن محمّد بن عیسى بن عبید عن یونس عن حریز عن زراره قال: سألت أبا عبد اللَّه علیه السّلام عن الحلال و الحرام فقال: حلال محمّد حلال أبدا إلى یوم القیامه و حرامه حرام أبدا إلى یوم القیامه لا یکون غیره و لا یجی‏ء غیره.
و قال علیه السّلام قال علیّ علیه السّلام: ما أحد ابتدع بدعه إلّا ترک بها سنّه.
وجه دلالته على الملازمه أنّ حلاله و حرامه إذا کانا مستمرّین إلى یوم القیامه فمن أتى بشی‏ء إمّا أن یکون حکمه ثابتا فی الکتاب و السنّه فلا یکون بدعه، و إلّا ففیه ترکهما، و بعباره اخرى لو لم یکن مخالفا للسّنه لم یکن بدعه، و حیث کان مخالفا مناقضا لها یلزم من إتیانها ترک سنّه هی فی مقابلها البته، و هو معنى قول أمیر المؤمنین علیه السّلام الذی استشهد به الامام علیه السّلام (و أرز المؤمنون) أى انقبضوا و سکتوا لشمول التّقیه و غلبه الباطل (و نطق الضّالّون المکذّبون) لاختفاء الحقّ و استیلاء أهل الضّلال.

ثمّ عاد علیه السّلام إلی ذکر مناقبه و مفاخره المقتضیه لوجوب طاعته حثّا للمخاطبین على الرّجوع إلیه و تأکیدا للتّعریض و التقریع على المنحرفین العادلین عنه إلى غیره و الغاصبین لحقّه فقال (نحن) أراد به نفسه و الطّیبین من أولاده (الشّعار و الأصحاب) أى شعار رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم و أصحابه، و استعار لفظ الشّعار لهم باعتبار ملازمتهم له علیه السّلام و مزید اختصاصهم به ملازمه الشّعار للجسد و اختصاصه به، و هم أیضا أدرکوا صحبته بالایمان و صدقوه فی جمیع ما جاء به بالاذعان و الایقان، و عرف المسند بلام التّعریف للعهد قصدا للحصر، یعنی أنّ الشّعار و الأصحاب المعهودین نحن لا غیرنا.

قال العلامه التفتازانی: إذا کان للشّی‏ء صفتان من صفات التعریف عرف السّامع اتّصافه باحداهما دون الأخرى حتّى یجوز أن تکونا وصفین لشیئین متعدّدین فی الخارج فأیّهما کان بحیث یعرف السامع اتّصاف الذّات به و هو کالطالب بحسب زعمک أن‏یحکم علیه بالاخرى یجب أن تقدّم اللّفظ الدّالّ علیه و تجعله مبتداء، و أیّهما کان بحیث یجعل اتصاف الذّات به و هو کالطالب أن تحکم بثبوته للذات أو بنفیه عنها یجب أن تؤخّر اللّفظ الدّالّ علیه و تجعله خبرا، فاذا عرف السامع زیدا بعینه و اسمه و لا یعرف اتّصافه بأنه أخوه و أردت أن تعرفه ذلک قلت: زید أخوک، و کذلک إذا عرف زیدا و علم أنّه کان من انسان انطلاق و لم یعرف اتّصاف زید بأنه المنطلق المعهود و أردت أن تعرفه ذلک قلت: زید المنطلق، و لا یصحّ المنطلق زید، انتهى (و الخزنه و الأبواب) أى خزّان خزینه علم اللَّه و علم رسوله و إنّما استعار لهم ذلک اللّفظ لأنّ الخازن إنّما یتولّى ما فی الخزانه و یحفظه و یتصرّف فیه و یصرفه فی مصارفه و هم علیهم السّلام کذلک لأنّهم حفّاظ علم اللَّه تعالى، و المتصرّفین فیه و الباذلین له لمن یشاءون، و المانعین له عمّن یشاءون قال تعالى: «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِکْ بِغَیْرِ حِسابٍ».

فانّ ظاهرها فی حقّ سلیمان بن داود علیهما السّلام و باطنها فی أهل البیت علیهم السّلام حسبما عرفته فی شرح الکلام التّاسع و الخمسین.
و یدلّ على کونهم خزّان اللَّه تعالى ما فی البحار من بصایر الدّرجات للصّفار بسنده عن سوره بن کلیب قال: قال لی أبو جعفر علیه السّلام: و اللَّه إنّا لخزّان اللَّه فی سمائه و أرضه لا على ذهب و لا على فضّه إلّا على علمه، قال العلّامه المجلسیّ ره أى خزّان علم السّماء و الأرض.
أقول: و الأولى جعل ضمیر علمه راجعا إلى اللَّه کما یفصح عنه إضافه العلم إلى لفظ الجلاله فی الأخبار الآتیه و ستعرف تحقیق ذلک.

و فیه منه عن أبی حمزه الثمالی عن أبی جعفر علیه السّلام قال سمعته یقول: و اللَّه إنّا لخزّان اللَّه فی سمائه و خزّانه فی أرضه، لسنا بخزّان على ذهب و لا على فضّه و إن منّا لحمله العرش إلى یوم القیامه.
و عن سدیر عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: قلت له: جعلت فداک ما أنتم قال:
نحن خزّان اللَّه على علم اللَّه نحن تراجمه وحى اللَّه نحن الحجّه البالغه على ما دون السّماء و فوق الأرض.
و عن سدیر عن أبی جعفر علیه السّلام قال: سمعته یقول: نحن خزّان اللَّه فی الدّنیا و الآخره و شیعتنا خزّاننا.
و عن عبد الرّحمن بن کثیر قال: سمعت أبا عبد اللَّه علیه السّلام یقول: نحن ولاه أمر اللَّه و خزنه علم اللَّه و عیبه وحى اللَّه.
و عن حمران عن أبی جعفر علیه السّلام قال: انّ اللَّه تبارک و تعالى أخذ المیثاق على اولى العزم أنّی ربّکم و محمّد صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم رسولی و علیّ أمیر المؤمنین و أوصیاؤه من بعده ولاه أمری و خزّان علمی، و أنّ المهدیّ انتصر به ادینی.
فظهر بهذه الرّوایات کونهم ولاه خزانه علمه تعالى، و یدلّ علیه أیضا ما عن احتجاج الطّبرسی عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام فی حدیث طویل و فیه: قال لصاحبکم أمیر المؤمنین: «قُلْ کَفى‏ بِاللَّهِ شَهِیداً بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ» و قال اللَّه عزّ و جلّ: «وَ لا رَطْبٍ وَ لا یابِسٍ إِلَّا فِی کِتابٍ مُبِینٍ».
و علم هذا الکتاب عنده.
و بهذا المضمون أیضا أخبار اخر قدّمنا روایتها فی التّذییل الثالث من شرح الفصل السّابع عشر من الخطبه الاولى فلیتذکّر.
قال بعض الأفاضل: و العلم الذی هم خزائنه هو علم الموجودات بالمعنی المتعارف و هو قوله تعالى: «وَ لا یُحِیطُونَ بِشَیْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ» یعنی أنّ ما لم یشأ من علمه أن یعلموه لا یحیطون به، و لیس المرادبهذا العلم الذی لا یحیطون بشی‏ء هو القدیم الذی هو الذات لیکون المعنى و لا یحیطون بشی‏ء من ذاته إلّا بما شاء أن یحیطوا به منها، و هذا معنى باطل، بل المراد به أنّ العلم الحادث الذی هو غیر الذات منه ممکن مقدّر غیر مکوّن، و منه تکوین و منه مکوّن، فالممکن المقدور غیر المکوّن هو الممکنات قبل أن تکسى حلّه الوجود فی جمیع مراتب الوجود، فهذه لم تکن مشائه إلّا فی أماکنها، فهذا لا یحیطون بشی‏ء منه إحاطه وجود، و یحیطون به إحاطه إمکان إذ ذاک مشائه مشیه إمکان، و التکوین الممکن، و هذا یحیطون به لأنّه مشاء بنفسه و هم محالّ ذلک، و المکوّن قسمان مکوّن مشروط، و مکوّن منجّز، و المکوّن المشروط یحیطون به لأنّه مشاء و لا یحیطون بالشّرط إلّا بعد أن یکون مشاء، و المکوّن المنجّز یحیطون به، ثمّ ما کانوا یحیطون به قسمان: قسم کان و هم یحیطون به أنّه کان و لا یحیطون به انه مستمرّ أو منقطع إلّا إحاطه اخبار لا إحاطه عیان، و قسم لم یکن فهم یحیطون به إحاطه اخبار أیضا لا إحاطه عیان، فظهر لمن نظر و أبصر من هذا التّفصیل أنّهم علیهم السّلام لا یحیطون بشی‏ء من علمه الذی هو غیر ذاته إلّا بما شاء أن یحیطوا به، و الّذی شاء أن یحیطوا به هو ما سمعته فی هذا التفصیل، هذا تمام الکلام فی کونهم علیهم السّلام خزّان اللَّه.

و أمّا کونهم الأبواب فالمراد به أنّهم علیهم السّلام أبواب الایمان و المعرفه باللَّه، و أبواب علم اللَّه و علم رسوله صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم کما ورد فی الأخبار المستفیضه العامیّه و الخاصیّه بل لا یبعد تواترها أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم قال: أنا مدینه العلم و علیّ بابها فمن أراد المدینه فلیأت الباب و قال أیضا: أنا مدینه الحکمه و فی بعضها: دار الحکمه و علیّ بابها فمن أراد الحکمه فلیأتها من بابها و إلى هذا أشار علیه السّلام بقوله: (و لا تؤتى البیوت إلّا من أبوابها فمن أتاها من غیر بابها سمّى سارقا) و هو کنایه عن أنّ من أخذ العلم من غیر أهله و أراد المعرفه عن غیر الجهه التی امر بالتوجّه إلیها فهو منتحل له کالسّارق الذی یتسوّر البیوت من غیر أبوابها و یأخذ ما فیها غصبا و عدوانا قال تعالى:«یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَهِلَّهِ قُلْ هِیَ مَواقِیتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ وَ لَیْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ ظُهُورِها».

روى فی البحار من الاحتجاج للطبرسی عن الأصبغ بن نباته قال: کنت جالسا عند أمیر المؤمنین علیه السّلام فجائه ابن الکوا فقال: یا أمیر المؤمنین قول اللَّه عزّ و جلّ «لَیْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُیُوتَ» الآیه فقال علیه السّلام: نحن البیوت الّتی أمر اللَّه أن یؤتى أبوابها، نحن باب اللَّه و بیوته التی یؤتی منها، فمن تابعنا و أقرّ بولایتنا فقد أتى البیوت من أبوابها، و من خالفنا و فضّل علینا غیرنا فقد أتى البیوت من ظهورها «إلى أن قال» إنّ اللَّه عزّ و جلّ لو شاء عرّف النّاس نفسه حتّى یعرفوه و یأتوه من بابه، و لکن جعلنا أبوابه و صراطه و سبیله و بابه الذی یؤتى منه، قال: فمن عدل عن ولایتنا و فضّل علینا غیرنا فانّهم عن الصّراط لناکبون، و قد تقدّمت هذه الرّوایه فی شرح الفصل الرّابع من الخطبه الاولى من الصّافی عن أمیر المؤمنین علیه السّلام مثله.

(منها) ما هو أیضا فی فضایل أهل البیت علیهم السّلام و هو قوله علیه السّلام (فیهم کرایم القرآن) یحتمل أن یکون المراد بالکرایم الآیات الکریمه قال: «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ کَرِیمٌ».
أى حسن مرضىّ فی جنسه، و قیل: کثیر النّفع لاشتماله على اصول العلوم المهمّه فی المعاش و المعاد و الکریم صفه لکلّ ما یرضى و یحمد، و منه وجه کریم أى مرضیّ فی حسنه و بهائه، و کتاب کریم مرضىّ فی معانیه.

و أن یکون المراد بها الآیات الدّاله على کرامتهم أى على جمعهم لأنواع الشّرف و الفضایل، إذ الکریم هو الجامع لأنواع الخیر و الشّرف، و قد مضى بعض تلک الآیات فی شرح الفصل الثالث من الخطبه السّادسه و الثّمانین، و تقدّم کثیر منها فی تضاعیف الشّرح و تأتی أیضا انشاء اللَّه فی مواضعها اللّایقه، و فی بعض النّسخ: فیهم‏ کرایم الایمان، أی الخصال الکریمه الّتی هى من لوازم الایمان و خواصّه (و هم کنوز الرّحمن) لأنّ الکنز ما یدّخر فیه نفایس الأموال و هم علیهم السّلام قد أودع اللَّه فیهم نفایس جمیع ما فی الکون و خیار الفضایل و الفواضل من العلم و الحلم و السّخاء و الجود و الکرم و الخلافه و الولایه و الشّجاعه و الفصاحه و العصمه و القدس و الطهاره إلى غیر تلک ممّا لا یضبطها عدّ و لا یحیط بها حدّ.

«وَ لَوْ أَنَّ ما فِی الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَهٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ یَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَهُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ کَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ».
(إن نطقوا صدقوا) لأنّهم أزمّه الحقّ و ألسنه الصّدق المستجاب بهم دعوه إبراهیم علیه السّلام فی قوله: «وَ اجْعَلْ لِی لِسانَ صِدْقٍ فِی الْآخِرِینَ».
و المفروض متابعتهم بقوله: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ کُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ».
على ما قدّمنا فی شرح الفصل الثالث من الخطبه السّادسه و الثّمانین.
(و إن سکتوا لم یسبقوا) لأنّ سکوتهم إنّما هو بمقتضى المصلحه و اقتضاء الحکمه لا عن عیّ و عجز حتّى یسبقهم الغیر و یتکلّم و لا یتمکّنوا و یتمکّن بل یعلمون ما کان و ما هو کائن و یتکوّن و لذلک شاع المثل السائر: قضیّه و لیس لها أبو الحسن ثمّ إنّه علیه السّلام لمّا نبّه على جمله من مناقبهم الباهره و مفاخرهم الزاهره عقّب ذلک بالمثل المشهور و فرّعه على ما سبق فقال (فلیصدق رائد أهله) یعنی أنّ المرسل من الحىّ لطلب الماء و الکلایر تادلهم المرعى ینبغی له أن یصدق أهله و لا یکذب لمن أرسله و یبشّر له بها، و أراد بذلک أنّ من یحضر الأئمه علیهم السّلام من النّاس طلبا لاخبارهم و اقتباس أنوارهم و أخذ معالم الدّین عنهم فلیصدق من یکل‏ إلیه أمره انّنا أهل الحقّ و ینابیع العلم و الحکمه و الأدلّاء (و لیحضر عقله) لاستماع کلامنا حتّى یعرف صحّه ما ادّعینا قال تعالى: «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَهٍ مِنْهُمْ طائِفَهٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ».

روى فی الکافی عن علیّ بن إبراهیم عن محمّد بن عیسى عن یونس بن عبد الرحمن قال: حدّثنا حماد عن عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد اللَّه علیه السّلام عن قول العامه أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم قال: من مات و لیس له إمام مات میته جاهلیّه، فقال علیه السّلام: الحق و اللَّه، قلت: فان إماما هلک و رجل بخراسان لا یعلم من وصیّه لم یسعه ذلک، قال علیه السّلام: لا یسعه انّ الامام إذا هلک وقعت حجّه وصیّه على من هو معه فی البلد و حقّ النّفر على من لیس بحضرته إذا بلغهم إنّ اللَّه عزّ و جلّ یقول «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَهٍ مِنْهُمْ طائِفَهٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ» قلت: فنفر قوم فهلک بعضهم قبل أن یصل فیعلم قال: إنّ اللَّه عزّ و جلّ یقول: «وَ مَنْ یَخْرُجْ مِنْ بَیْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ یُدْرِکْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ».

قلت: فبلغ البلد بعضهم فوجدک مغلقا علیک بابک و مرخى علیک سترک لا تدعوهم إلى نفسک و لا یکون من یدلّهم علیک فبما یعرفون ذلک قال: بکتاب اللَّه المنزل، قلت: فیقول اللَّه عزّ و جلّ کیف قال: أراک قد تکلّمت فی هذا قبل الیوم، قلت: أجل، قال علیه السّلام: فذکّر ما أنزل اللَّه فی علیّ علیه السّلام و ما قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله فی حسن و حسین علیهما السّلام و ما خصّ اللَّه به علیا علیه السّلام و ما قال فیه رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم من وصیّته إلیه و نصبه إیّاه و ما یصیبهم و إقرار الحسن و الحسین بذلک و وصیّته إلى الحسن و تسلیم الحسین له یقول اللَّه:«النَّبِیُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللَّهِ».

قلت: فان النّاس تکلّموا فی أبی جعفر علیه السّلام و یقولون کیف تخطّت من ولد أبیه من له مثل قرابته و من هو أسنّ منه و قصرت عمّن هو أصغر منه فقال علیه السّلام: یعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تکون فی غیره: هو أولى النّاس بالذی قبله، و هو وصیّه، و عنده سلاح رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم و وصیّته و ذلک عندى لا انازع فیه، قلت: إنّ ذلک مستور مخافه السّلطان قال: لا یکون فی ستر إلّا و له حجّه ظاهره إنّ أبی استودعنی ما هناک فلما حضرته الوفاه قال: ادع لی شهودا فدعوت أربعه من قریش فیهم نافع مولى عبد اللَّه بن عمر قال: اکتب: هذا ما أوصى به یعقوب بنیه «وَ وَصَّى بِها إِبْراهِیمُ بَنِیهِ وَ یَعْقُوبُ یا بَنِیَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ لَکُمُ» و أوصى محمّد بن علیّ إلى جعفر بن محمّد و أمره أن یکفنّه فی برده الّذى کان یصلّى فیه الجمع، و أن یعمّمه بعمامته، و أن یربع قبره و یرفعه أربع أصابع ثمّ یخلى عنه، فقال علیه السّلام اطووه ثمّ قال للشّهود: انصرفوا رحمکم اللَّه، فقلت بعد ما انصرفوا ما کان فی هذا یا ابه أن تشهد علیه فقال علیه السّلام: إنّی کرهت أن تغلب و أن یقال إنّه لم یوص فأردت أن تکون لک حجّه فهو الذی إذا قدم الرّجل البلد قال إلى من وصىّ فلان، قیل: فلان، قلت: فان کان أشرک فی الوصیّه قال: تسألونه فانّه سیبیّن لکم.

و قد رویت هذه الرّوایه لاشتماله على فواید عظیمه جمّه، و ایضاحه کیفیه تکلیف من ینفر لطلب الامام و وظیفه الامام و ما یعرف به المحقّ من المبطل، و أنّ اللّازم على النافرین إنذار قومهم بعد تفقّههم فی الدّین و معرفتهم بالامام بالبیّنات التی هى من دلالات الامامه، فعلم بذلک أنّ النّافر لطلب الامام بمنزله الرّائد السّابق ذکره فی کلام أمیر المؤمنین علیه السّلام فافهم ذلک و تبصّرثمّ أمر علیه السّلام الرّائد أمر إرشاد فقال (و لیکن من أبناء الآخره) و رغبته الیها (فانّه منها قدم و إلیها ینقلب) لأنّ الانسان مبدؤه الحضره الالهیّه و هو سبحانه المبدأ و إلیه المنتهى و هو غایه مراد المریدین و منتهى سیر السائرین.

ثمّ أشار علیه السّلام إلى فضیله العلم فقال علیه السّلام (فالناظر بالقلب العامل بالبصر) أى ینبغی لصاحب العقل البصیر فی عمله أن (یکون مبتدأ عمله أن یعلم أعمله علیه أم له) أى یعرف قبل أن یعمل أنّ عمله نافع له مقرّب إلى الحضره الرّبوبیه أم مضرّ مبعّد له (فان کان له مضى فیه) و أتى به (و إن کان علیه وقف عنه) و ترکه و إنما کان اللّازم على العاقل تحصیل العلم قبل العمل (فانّ العامل بغیر علم کالسائر على غیر طریق فلا یزیده بعده عن الطریق إلّا بعدا من حاجته) إذ کان بعده عن مطلوبه بقدر بعده عن طریق ذلک المطلوب.

قال طلحه بن زید: سمعت أبا عبد اللَّه علیه السّلام یقول: العامل على غیر بصیره کالسائر على غیر الطریق لا یزیده سرعه السیر إلّا بعدا، رواه فی الکافی.
و فیه عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم من عمل على غیر علم کان ما یفسد أکثر ممّا یصلح.
(و) هذا بخلاف العامل العالم فانّ (العامل بالعلم کالسائر على الطریق الواضح) فلا یزیده سرعه سیره إلّا نجاحا بحاجته (فلینظر ناظر) أى النّاظر بالقلب المسبوق ذکره (أسائر هو أم راجع) أقول: و ما ذکرناه فی شرح هذه الفقرات أعنى قوله: فالنّاظر بالقلب إلى قوله: أم راجع، إنّما هو مفاد ظاهر کلامه علیه السّلام، و الأشبه عندی أن تکون تلویحا و إشاره إلى وجوب اتباع الأئمّه و الایتمام بهم، فانّه لمّا ذکر أوصاف الأئمه و نعوتهم الکمالیّه، عقّب ذلک بما یلزم على الرائد الطّالب للامام، ثمّ فرّع علیه قوله: فالنّاظر بالقلب آه یعنى أنّ صاحب العقل و البصیره لا بدّ له قبل أن یشرع فی عمل أن یعلم أنّ عمله له أم علیه، و العلم موقوف على التّعلّم من الامام العالم و الاقتباس من نوره و الاهتداء به، إذ المتلقّى من غیره:«کَسَرابٍ بِقِیعَهٍ یَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ یَجِدْهُ شَیْئاً».

و یؤمى إلى ما ذکرناه تمثیل العامل العالم بالسّائر على الطریق و تمثیل الجاهل بالسایر على غیر طریق قال تعالى: «قُلْ هذِهِ سَبِیلِی أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى‏ بَصِیرَهٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِی».
قال زید بن علیّ: قال النّبیّ صلّى اللَّه علیه و آله فی هذه الآیه: أنا و من اتّبعنی من أهل بیتی لا یزال الرّجل بعد الرجل یدعو إلى ما أدعوا الیه، و قال تعالى أیضا: «أَ فَمَنْ یَمْشِی مُکِبًّا عَلى‏ وَجْهِهِ أَهْدى‏ أَمَّنْ یَمْشِی سَوِیًّا عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ».

قال البیضاوی و معنى مکبّا أنّه یعثر کلّ ساعه و یخرّ على وجهه لو عوره طریقه و اختلاف أجزائه، و لذلک قابله بقوله: أمّن یمشى سویّا قائما سالما من العثار، على صراط مستقیم مستوى الأجزاء و الجهه، و المراد تمثیل المشرک و الموحّد بالسالکین و الدئیین بالمسلکین، و قیل: المراد بالمکبّ الأعمى فانّه یعتسف فیکبّ و بالسوىّ البصیر، انتهى و أما تأویله فالمراد بالمکبّ أعداء آل محمّد صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم، و بمن یمشى سویّا أولیاؤهم علیهم السّلام کما ورد فی تفسیر أهل البیت ثمّ قال علیه السّلام (و اعلم أنّ لکلّ ظاهر باطنا على مثاله، فما طاب ظاهره طاب باطنه، و ما خبث ظاهره خبث باطنه) المراد بهما إمّا کلّ ما یصدق علیه أنّه ظاهر و باطن فیشمل الأفعال الظاهره و الأقوال الصّادره عن الانسان خیرا أو شرّا و الملکات و الأخلاق النّفسانیّه الباطنیّه له حسنه أو قبیحه فالجود و الکرم و الانعام و الاحسان و نحوها ممّا هو حسن ظاهرا کاشف عن حسن الباطن أعنى ملکه السّخاء و الجود، و القبض و الامساک و المنع و نحوها ممّا هو قبیح ظاهرا دالّ على قبح الباطن و خبثه أعنى ملکه البخل و هکذا، و کذلک فی الأقوال ما هو الطیّب ظاهرا کاشف عن طیب الباطن و ما هو الخبیث کاشف عن خبث الباطن‏

قال علیه السّلام فی الخطبه الشقشقیّه فی وصف حال الثانی: فصیّرها فی حوزه خشناء یغلظ کلمها و یخشن مسّها، و قال تعالى: «مَثَلُ کَلِمَهٍ طَیِّبَهٍ کَشَجَرَهٍ طَیِّبَهٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِی السَّماءِ»… «وَ مَثَلُ کَلِمَهٍ خَبِیثَهٍ کَشَجَرَهٍ خَبِیثَهٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ» و یشمل أیضا لمثل حسن الصّوره الموافق لحسن الباطن أعنی اعتدال المزاج، و قبحها الموافق لقبح الباطن أعنی عدم اعتداله أو الأعمّ من الاعتدال و عدم الاعتدال.

و یشهد بذلک ما رواه فی البحار من الأمالى عن أنس بن مالک قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم: علیکم بالوجوه الملاح و الحدق السّود فانّ اللَّه یستحیى أن یعذّب الوجه الملیح بالنّار و فیه من ثواب الأعمال عن موسى بن إبراهیم عن أبی الحسن الأوّل علیه السّلام قال: سمعته یقول: ما حسّن اللَّه خلق عبد و لا خلقه إلّا استحیى أن یطعم لحمه یوم القیامه النّار و فیه من العیون عن الرّضا عن آبائه علیهم السّلام عن أمیر المؤمنین علیه السّلام قال: لا تجد فی أربعین أصلع رجل سوء و لا تجد فی أربعین کوسجا رجلا صالحا و أصلع سوء أحبّ إلیّ من کوسج صالح و من ذلک ما روى أنّ أبا محمّد الحسن بن علیّ علیهما السّلام دخل یوما على معاویه فسأله علیه السّلام تعنّتا و قال: قال اللَّه تعالى: «وَ لا رَطْبٍ وَ لا یابِسٍ إِلَّا فِی کِتابٍ مُبِینٍ».
فأین ذکر لحیتک و لحیتی من الکتاب و کان أبو محمّد وفر المحاسن«» و معاویه بخلافه فقرأ علیه السّلام:«وَ الْبَلَدُ الطَّیِّبُ یَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِی خَبُثَ لا یَخْرُجُ إِلَّا نَکِداً».

و نحوه ما عن المناقب قال عمرو بن العاص للحسین علیه السّلام: ما بال لحاکم أوفر من لحانا فقرأ علیه السّلام هذه الآیه و من هذا الباب کلّ ما فی الکتاب العزیز من التّعبیر عن الأئمه علیهم السّلام بأعزّ الأسماء و أحسن الأفعال و أفضل الخصال و التّعبیر عن أعدائهم بأخبثها و أخسّها و أنزلها.

و یدلّ علیه ما فی الصّافی من الکافی عن الصّادق علیه السّلام فی تفسیر قوله تعالى: «إِنَّما حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ».
قال علیه السّلام: إنّ القرآن له ظهر و بطن فجمیع ما حرّم اللَّه فی القرآن هو الظاهر و الباطن من ذلک أئمّه الجور، و جمیع ما أحلّ اللَّه فی الکتاب هو الظاهر و الباطن من ذلک أئمه الحقّ.
و فی البحار من البصایر بسنده عن الهیثم التمیمی قال: قال أبو عبد اللَّه علیه السّلام: یا هیثم إنّ قوما آمنوا بالظاهر و کفروا بالباطن فلم ینفعهم شی‏ء، و جاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن و کفروا بالظاهر فلم ینفعهم ذلک شیئا، و لا ایمان بظاهر إلّا بباطن و لا بباطن إلّا بظاهر.

و من کنز جامع الفواید قال: روى الشّیخ أبو جعفر الطوسی باسناده إلى الفضل ابن شاذان عن داود بن کثیر قال: قلت لأبی عبد اللَّه علیه السّلام: أنتم الصّلاه فی کتاب اللَّه عزّ و جلّ و أنتم الزّکاه و أنتم الحجّ، فقال: یا داود نحن الصّلاه فی کتاب اللَّه عزّ و جلّ، و نحن الزّکاه، و نحن الصّیام، و نحن الحجّ، و نحن الشّهر الحرام، و نحن البلد الحرام، و نحن کعبه اللَّه، و نحن قبله اللَّه، و نحن وجه اللَّه قال اللَّه تعالى: «فَأَیْنَما تُوَلُّوا- وجوهکم- فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ».

و نحن الآیات و نحن البیّنات، و عدوّنا فی کتاب اللَّه عزّ و جلّ الفحشاء و المنکر و البغى و الخمر و المیسر و الأنصاب و الأزلام و الأصنام و الأوثان و الجبت و الطّاغوت و المیته و الدّم و لحم الخنزیر، یا داود إنّ اللَّه خلقنا فأکرم خلقنا، و فضّلنا و جعلنا امنائه و حفظته و خزّانه على ما فی السّماوات و ما فی الأرض، و جعل لنا أندادا أضدادا و أعداء فسمّانا فی کتابه و کنّى عن أسمائنا بأحسن الأسماء و أحبّها إلیه، و سمّى أضدادنا و أعدائنا فی کتابه و کنّى عن أسمائهم، و ضرب لهم الأمثال فی کتابه فی أبغض الأسماء إلیه و إلى عباده المتّقین هذا کلّه مبنیّ على أن یراد بالظّاهر و الباطن المعنى الأعمّ، و یجوز أن یراد بهما الخصوص أعنى العلم المأخوذ من معدنه، فیکون قوله، فما طاب ظاهره طاب باطنه إشاره إلى العلوم الحقّه المتلقّاه من الأئمه علیهم السّلام الخارجه من مهبط الوحى و معدن الرّساله،

و قوله: و ما خبث ظاهره خبث باطنه، إشاره إلى العلوم الباطله المأخوذه من أهل الضّلال عن طریق الرأی و القیاس و الاستحسانات العقلیّه الفاسده، و الوجه الأوّل أعنی إراده العموم هو الأوفق بنفس الأمر، و الوجه الثّانی أنسب بالنّسبه إلى ما حقّقناه سابقا، فانّه علیه السّلام حسبما ذکرنا لمّا أشار إلى أنّ السّالک لا بدّ أن یکون سلوکه على علم و بصیره حتّى لا یکون کالسّائر على غیر الطّریق أردفه بهذه الجمله تنبیها على أنّ کلّ علم لیس ممّا ینتفع به فی مقام السّلوک بل خصوص العلم الموصل إلى الحقّ المتلقّى من أهل الحقّ أعنی أئمّه الدّین و هو الطیّب ظاهرا و باطنا، و امّا غیره أعنی العلم المأخوذ من أهل الضّلال فهو جهل فی صوره العلم لا یوجب إلّا بعدا من الحقّ خبیث ظاهره و باطنه و قد یفسّر به قوله تعالى: «وَ الْبَلَدُ الطَّیِّبُ یَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ».
قال القمّی: إنّه مثل للأئمّه یخرج علمهم باذن ربّهم و لأعدائهم لا یخرج علمهم إلّا کدرا فاسدا.

(و قد قال الرّسول الصّادق صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم إنّ اللَّه یحبّ العبد و یبغض عمله و یحبّ العمل و یبغض بدنه) یعنی أنّ اللَّه یحبّ العبد المؤمن بما فیه من وصف الایمان لکنّه یبغض عمله لکونه سیّئه و حراما، و یبغض الکافر بما له من الکفر لکنّه یحبّ عمله لکونه حسنا و صالحا، و هذا لا غبار علیه و إنّما الاشکال فی ارتباط هذا الکلام لسابقه و فی استشهاد الامام علیه السّلام به مع أنّه لا مناسبه بینهما ظاهرا، و لیس للاستشهاد به وجه ظاهر، بل منافاته لما مرّ أظهر من المناسبه کما هو غیر خفیّ إذ لازم محبّه اللَّه للعبد کون العبد طیّبا، و لازم بغضه لعمله کون العمل خبیثا فلم یکن الظّاهر موافقا للباطن، فینا فی قوله علیه السّلام: فما خبث ظاهره خبث باطنه، و کذلک مقتضی بغض اللَّه سبحانه لبدن الکافر کونه خبیثا، و حبّه لعمله کون عمله طیّبا ففیه أیضا مخالفه الظّاهر للباطن، فینا فی قوله: فما طاب ظاهره طاب باطنه و الذی سنح لی فی وجه الارتباط و حلّ الاشکال بعد التّروى و صرف الهمّه إلى حلّه أیّاما و الاستمداد من جدّى أمیر المؤمنین علیه و آله سلام اللَّه ربّ العالمین هو أنّه لمّا ذکر أنّ ما هو طیّب الظّاهر طیّب الباطن و ما هو خبیث الظّاهر خبیث الباطن، عقّبه بهذا الحدیث النّبوی صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم تنبیها و ایقاظا للسّامعین بأنّ العبد قد یکون نفسه محبوبا و عمله مبغوضا، و قد یکون بالعکس کما أفصح عنه الرّسول الصّادق المصدّق فاللّازم له إذا کان محبوب الذّات للَّه سبحانه و مبغوض العمل أن یجدّ فی تحبیب عمله إلیه تعالى حتّى یوافق نفسه عمله فی المحبوبیّه، و إذا کان محبوب العمل و مبغوض البدن أى الذّات أن یجدّ فی تحبیب ذاته إلیه کى یوافق عمله نفسه و الغرض بذلک الحثّ على تطبیق الظّاهر للباطن فی الأوّل و تطبیق الباطن للظّاهر فی الثّانی فی المحبوبیّه حتى یکونا طیّبین، و یفاز إلى النّعیم الدّائم و الفوز الأبد، و لا یعکس حتّى یکونا خبیثین مبغوضین له تعالى فیقع فی العذاب الألیم و الخزى العظیم، و قد زلّت فی هذا المقام أقدام الشّراح و المحشّین،و کلّت فیه أفهامهم طوینا عن ذکر کلامهم، من أراد الاطلاع فلیراجع الشّروح، و اللَّه ولیّ التّوفیق ثمّ حثّ على تزکیه الأعمال و تصفیتها بمثل ضربه بقوله (و اعلم أنّ کلّ عمل نبات) و فی بعض النّسخ أنّ لکلّ عمل نباتا، قال الشّارح البحرانی: استعار لفظ النّبات لزیاده الأعمال و نموّها و رشّح الاستعاره بذکر الماء آه، و على ما روینا فهو من التّشبیه البلیغ أعنى التّشبیه المحذوف الأداه أى کلّ عمل بمنزله نبات، و وجه الشّبه أنّ النّباتات کما أنّها مختلفه من حیث طیبها و نضارتها و خضرتها و حسنها و ثبات أصلها فی الأرض و رسوخ عروقها و ارتفاع فروعها و حلاوه ثمراتها و من حیث کونها على خلاف ذلک، فکذلک الأعمال و إلى ذلک أشار بقوله (و کلّ نبات لا غنى به عن الماء) و هو مادّه حیاته کما قال سبحانه: «أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّ» و قال «وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً».

و کذلک کلّ عمل لا غنى به عن النیّه و عن توجّه القلب الیه و هو مادّه حصوله (و المیاه مختلفه) هذا عذب فرات سائغ شرابه و هذا ملح اجاج، و النیّات أیضا مختلفه بعضها صادره عن وجه الخلوص و التقرّب إلى الحضره الرّبوبیّه، و بعضها عن وجه الشّرک و الرّیاء و السّمعه (فما طاب سقیه) أى نصیبه من الماء لکونه عذبا صافیا (طاب غرسه) و ثبت أصله و ارتفع فرعه و کان له خضره و نضره (و حلت ثمرته) و کذلک العمل الصّادر عن وجه الخلوص و التقرّب إلى الحقّ یعلو و یزکو و یثمر ثمرات طیبه و هى ثمرات الجنان اکلها دائم و ظلّها قال تعالى: «فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا یُشْرِکْ بِعِبادَهِ رَبِّهِ أَحَداً».

(و ما خبث سقیه) لکون مائه ملحا اجاجا أو کدرا فاسدا (خبث غرسه) لا یکون له رونق و بهاء و لا لأصله ثبات و لفرعه ارتفاع (و أمرّت ثمرته) و هکذا العمل المشوب بالشّرک و الرّیا یثمر ثمرات خبیثه أعنى ثمرات الجحیم و هى الضّریع و الرّقوم قال تعالى: «طَلْعُها کَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّیاطِینِ فَإِنَّهُمْ لَآکِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ».

و أقول: قد وقع مثل هذا التّشبیه الواقع فی کلام أمیر المؤمنین أعنی تشبیه العمل بالنّبات فی کلام اللَّه ربّ العالمین قال سبحانه فی سوره إبراهیم: «أَ لَمْ تَرَ کَیْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا کَلِمَهً طَیِّبَهً کَشَجَرَهٍ طَیِّبَهٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِی السَّماءِ تُؤْتِی أُکُلَها کُلَّ حِینٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ، وَ مَثَلُ کَلِمَهٍ خَبِیثَهٍ کَشَجَرَهٍ خَبِیثَهٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ».

قال فی مجمع البیان «ألم تر» أى ألم تعلم یا محمّد «کیف ضرب اللَّه مثلا» أى بین اللَّه شبها ثمّ فسّر ذلک المثل فقال «کلمه طیّبه» و هى کلمه التّوحید شهاده أن لا إله إلّا اللَّه عن ابن عباس، و قیل هى کلّ کلام أمر اللَّه به من الطاعات عن أبی علی قال: و إنّما سمّاها طیّبه لأنّها زاکیه نامیه لصاحبها بالخیرات و البرکات «کشجره طیبه أصلها ثابت و فرعها فی السّماء» أى شجره زاکیه نامیه راسخه اصولها فی الأرض عالیه أغصانها و ثمارها فی السّماء و أراد به المبالغه فی الرّفعه و الأصل سافل و الفرع عال إلّا أنّه یتوصّل من الأصل إلى الفرع «تؤتى اکلها» أى تخرج هذه الشّجره ما یؤکل منها «کلّ حین» أى کلّ غدوه و عشیّه «باذن ربّها» و قیل: إنّه سبحانه شبّه الایمان بالنّخله لثبات الایمان فی قلب المؤمن کثبات النخلهفی منبتها، و شبّه ارتفاع عمله إلى السّماء بارتفاع فروع النّخله، و شبّه ما یکسبه المؤمن من برکه الایمان و ثوابه فی کلّ وقت و حین بما ینال من ثمره النخله فی أوقات السّنه کلها من الرّطب و التمر «و یضرب اللَّه الأمثال للنّاس لعلّهم یتذکّرون» أى لکى یتدبّروا فیعرفوا الغرض بالمثل «و مثل کلمه خبیثه» و هى کلمه الکفر و الشّرک، عن ابن عبّاس و غیره، و قیل: هو کلّ کلام فی معصیه اللَّه عن أبی علیّ «کشجره خبیثه» غیر زاکیه و هى شجره الحنظل عن ابن عبّاس و أنس و مجاهد «اجتثّت من فوق الأرض» أى اقتطعت و استوصلت و اقتلعت جثّته من الأرض «ما لها من قرار» أى ما لتلک الشّجره من ثبات فانّ الرّیح تنسفها و تذهب بها، فکما أنّ هذه الشّجره لا ثبات لها و لا بقاء و لا ینتفع بها أحد، فکذلک الکلمه الخبیثه لا ینتفع بها صاحبها و لا یثبت له منها نفع و لا ثواب.

تبصره

قال الشّارح المعتزلی عند شرح قوله علیه السّلام من هذه الخطبه: نحن الشّعار و الأصحاب و الخزنه و الأبواب: و اعلم أنّ أمیر المؤمنین علیه السّلام لو فخر بنفسه و بالغ فی تعدید مناقبه و فضایله بفصاحته التی أتاه اللَّه إیّاها و اختصّه بها و ساعده على ذلک فصحاء العرب کافّه لم یبلغوا إلى معشار ما نطق به الصّادق صلوات اللَّه علیه و آله فی أمره، و لست أعنی بذلک أخبار العامّه الشّایعه التّی یحتجّ بها الامامیّه على إمامته، کخبر الغدیر، و المنزله، و قصّه برائه، و خبر المناجاه، و قصّه خیبر، و خبر الدار بمکّه فی ابتداء الدّعوه و نحو ذلک، بل الأخبار الخاصّه الّتی رواها فیه أئمّه الحدیث الّتی لم یحصل أقلّ القلیل منها لغیره، و أنا أذکر من ذلک شیئا یسیرا ممّا رواه علماء الحدیث الذین لا یتّهمون فیه و جلّهم قائلون بتفضیل غیره علیه، فروایتهم فضائله توجب سکون النّفس ما لا یوجبه روایه غیرهم ثمّ أورد أربعه و عشرین حدیثا نبویّا فی فضائله، و الحدیث الرّابع و العشرون‏

قوله: لمّا نزل إذا جاء نصر اللَّه و الفتح بعد انصرافه من غزاه حنین جعل یکثر سبحان اللَّه استغفر اللَّه ثمّ قال: یا علیّ إنّه قد جاء ما وعدت به جاء الفتح و دخل النّاس فی دین اللَّه أفواجا و لیس أحد أحقّ منک بمقامی لقدمک فی الاسلام و قربک منّی و صهرک و عندک سیده نساء العالمین، و قبل ذلک ما کان من بلاء أبی طالب عندى حین نزل القرآن فأنا حریص أن اراعى ذلک لولده، رواه أبو إسحاق الثّعلبیّ فی تفسیر القرآن.

ثمّ قال الشّارح: و اعلم أنّا إنّما ذکرنا ههنا هذه الأخبار لأنّ کثیرا من المنحرفین عنه علیه السّلام إذا مرّوا على کلامه فی نهج البلاغه و غیره المتضمّن للتّحدّث بنعمه اللَّه علیه من اختصاص الرّسول صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم و تمیزه إیّاه عن غیره ینسبونه فیه إلى التّیه و الزّهو و الفخر، و لقد سبقهم بذلک قوم من الصّحابه قیل لعمر ولّ علیّا أمر الجیش و الحرب فقال: هو أتیه من ذلک، و قال زید بن ثابت: ما رأینا أزهى من علیّ و اسامه فاردنا ایراد هذه الأخبار أن تنبّه على عظیم منزلته علیه السّلام عند الرّسول صلّى اللَّه علیه و آله و أنّ من قیل فی حقّه ما قیل لو رقى إلى السّماء و عرج فی الهواء و فخر على الملائکه و الأنبیاء تعظما و تبجحا لم یکن ملوما بل کان بذلک جدیرا فکیف و هو علیه السّلام لم یسلک قطّ مسلک التعظّم و التکبّر فی شی‏ء من أقواله و لا من أفعاله، و کان ألطف البشر خلقا، و أکرمهم طبعا، و أشدّهم تواضعا، و أکثرهم احتمالا، و أحسنهم بشرا، و أطلقهم وجها حتّى نسبه من نسبه إلى الدّعابه و المزاح و هما خلقان یتنافیان التکبّر و الاستطاله،

و إنما کان یذکر احیانا ما یذکره نفثه مصدور و شکوى مکروب و تنفّس مهموم و لا یقصد به إذا ذکره إلّا شکر النعمه و تنبیه الغافل على ما خصّه اللَّه به من الفضیله، فانّ ذلک من باب الأمر بالمعروف و الحضّ على اعتقاد الحقّ و الصواب فی أمره و النهى عن المنکر الذی هو تقدیم غیره علیه فی الفضل، فقد نهى اللَّه سبحانه عن ذلک فقال: أ فمن یهدی إلى الحقّ أحقّ أن یتّبع أمّن لا یهدّى إلّا أن یهدى فما لکم کیف تحکمون، انتهى أقول: و لقد أجاد الشارح فیما أفاد و لا یخفى ما فی کلامه من وجوه التعریض‏إلى عمر من حیث نسبته أمیر المؤمنین علیه السّلام تاره إلى التیه و التکبّر، و اخرى إلى المزاح و الدّعابه، و قد نبّه الشّارح على أنّ هذه النّسبه افتراء منه علیه علیه السّلام لأنّ التکبّر و الدّعابه على طرفى الافراط و التفریط و هما مع تضادّهما و عدم امکان اجتماعهما فی محلّ واحد لا یجوز أن یوصف الامام علیه السّلام الّذی هو على حدّ الاعتدال فی الأوصاف و الأخلاق بشی‏ء منهما فضلا عن کلیهما، و قد مرّ فساد نسبه الدّعابه إلیه فی شرح الکلام الثالث و الثّمانین بما لا مزید علیه.

ثمّ العجب من الشّارح أنّه مع نقله هذه الرّوایات کیف ضلّ عن الهدى و أعمى عن الحقّ و أنکر وجود النّص على خلافه أمیر المؤمنین علیه السّلام مع ظهور دلالتها على خلافته لو لم تکن نصا فیها لا سیّما الرّوایه الأخیره أعنی الحدیث الرّابع و العشرین.

و أعجب من ذلک أنّه قد صرّح هنا بأنّ تقدیم غیره علیه علیه السّلام من المنکر، و أنّ غرض أمیر المؤمنین علیه السّلام من تعدید مناقبه و فضایله کان النّهی عن ذلک المنکر و ردع النّاس عن الاعتقاد الباطل إلى الحقّ و الصّواب و هو مناف لمذهبه الّذی اختاره وفاقا لأصحابه المعتزله من أنّ تقدیم غیره علیه إنّما هو من فعل اللَّه سبحانه و تعالى عمّا یقول الجاهلون الضّالّون علوّا کبیرا کما هو صریح کلامه فی خطبه الشّرح حیث قال هناک: و قدّم المفضول على الأفضل لمصلحه اقتضاها التّکلیف، و إذا کان تقدیم غیره علیه منکرا و قبیحا کیف نسبه إلى اللَّه تعالى هنالک، و قد أجرى اللَّه الحقّ على لسانه هنا حتّى صرّح بنفسه على فساد مذهبه، و اللَّه الهادى إلى سواء السّبیل

الترجمه

از جمله خطب شریفه آن بزرگوار و وصىّ محمّد مختار است در موعظه و نصیحت و ذکر فضایل أهل بیت عصمت و طهارت مى ‏فرماید: آلت نظر عاقل که بوساطت آن مى‏ بیند غایت خود را و مى‏ شناسد پستى و بلندى خود را دعوت کننده ‏ایست که دعوت نمود و رعایت کننده ایست که رعایت فرمود،و مراد از دعوت کننده حضرت خاتم رسالت و از رعایت کننده جناب شاه ولایت علیهما السّلام است، پس استجابت نمائید دعوت کننده را، و متابعت کنید رعایت نماینده را، پس بتحقیق که غوطه‏ ور شدند مخالفان آن داعى و راعى در دریاى فتنها، و أخذ نمودند بدعتها نه سنّتها را، و منقبض شدند مؤمنان، و ناطق شدند گمراهان و تکذیب کنندگان.

ما أهل بیت لباس مخصوص پیغمبر خدائیم و أصحاب پسندیده حضرت مصطفى و خزینه داران علم ربّ العزّه و درهاى مدینه علم و حکمت، و داخل نمى‏ توان شد بخانها مگر از درهاى آنها، پس هر که بیاید بخانها از غیر درهاى آن نامیده شود دزد و سارق.

بعض دیگر از این خطبه باز در فضایل آل رسول علیه و علیهم السّلام است مى‏ فرماید در حق ایشانست آیات کریمه قرآن، و ایشانست خزینهاى رحمان، اگر گویا بشوند راست مى ‏گویند، و اگر ساکت شوند کسى نمى‏ تواند سبقت نماید بر ایشان، پس باید راست بگوید طالب آب و گیاه بأهل خود، و باید که حاضر سازد عقل خود را، و باید که بشود از ابناى آخرت، پس بدرستى که او از آخرت که عالم لاهوتست آمده بسوى عالم ناسوت، و بسوى آخرت برگشت او خواهد شد.

پس کسى که نظر کند بقلب خود و عمل کننده باشد به بصیرت خود می باشد ابتداء عمل او این که بداند آیا عمل او ضرر دارد بر او یا منفعت دارد مر او را، پس اگر نافع باشد او را اقدام مى‏ کند در او، و اگر مضر باشد خوددارى مى‏ نماید از او پس بدرستی که عمل کننده بغیر علم مثل سیر کننده است بر غیر راه راست پس زیاده نمى ‏کند دورى او از راه مگر دورى از مقصود او را، و عمل کننده بعلم مثل سیر کننده است بر راه روشن، پس باید که نظر کند نظر کننده آیا سیر کننده است او یا رجوع نماینده است و بدانکه بدرستى هر ظاهری را باطنى است بر طبق او پس آنچه که پاکیزه است ظاهر او پاکیزه است باطن او، و آنچه که خبیث است ظاهر او خبیث‏ است باطن او، و بتحقیق که فرموده است پیغمبر صادق القول صلّى اللَّه علیه و آله این که بدرستى خداى تعالى دوست مى ‏دارد بنده را و دشمن مى‏ دارد عمل او را، و دوست مى ‏دارد عمل خوب را و دشمن مى‏ دارد بدن او را، و بدانکه بدرستى که هر عمل بمنزله گیاهیست، و هر گیاه استغنا نیست او را از آب، و آبها مختلفند پس آنچه که پاکیزه باشد سیرابى او پاکیزه شود کاشتن او و شیرین شود میوه او، و آنچه که زشت باشد آب خوردن آن زشت باشد کاشتن آن و تلخ و بد مزه باشد میوه آن.

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۱۲۷

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۵۲ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۵۲ صبحی صالح

۱۵۲- و من خطبه له ( علیه‏ السلام )

فی صفات اللّه جل جلاله، و صفات أئمه الدین‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ
وَ بِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِیَّتِهِ
وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ
لَا تَسْتَلِمُهُ الْمَشَاعِرُ وَ لَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ
لِافْتِرَاقِ الصَّانِعِ وَ الْمَصْنُوعِ
وَ الْحَادِّ وَ الْمَحْدُودِ وَ الرَّبِّ وَ الْمَرْبُوبِ
الْأَحَدِ بِلَا تَأْوِیلِ عَدَدٍ
وَ الْخَالِقِ لَا بِمَعْنَى حَرَکَهٍ وَ نَصَبٍ
وَ السَّمِیعِ لَا بِأَدَاهٍ
وَ الْبَصِیرِ لَا بِتَفْرِیقِ آلَهٍ
وَ الشَّاهِدِ لَا بِمُمَاسَّهٍ
وَ الْبَائِنِ لَا بِتَرَاخِی مَسَافَهٍ
وَ الظَّاهِرِ لَا بِرُؤْیَهٍ وَ الْبَاطِنِ لَا بِلَطَافَهٍ
بَانَ مِنَ الْأَشْیَاءِ بِالْقَهْرِ لَهَا وَ الْقُدْرَهِ عَلَیْهَا
وَ بَانَتِ الْأَشْیَاءُ مِنْهُ بِالْخُضُوعِ لَهُ وَ الرُّجُوعِ إِلَیْهِ
مَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ حَدَّهُ
وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ
وَ مَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ
وَ مَنْ قَالَ کَیْفَ فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ
وَ مَنْ قَالَ أَیْنَ فَقَدْ حَیَّزَهُ
عَالِمٌ إِذْ لَا مَعْلُومٌ
وَ رَبٌّ إِذْ لَا مَرْبُوبٌ
وَ قَادِرٌ إِذْ لَا مَقْدُورٌ

أئمه الدین‏

منهاقَدْ طَلَعَ طَالِعٌ
وَ لَمَعَ لَامِعٌ وَ لَاحَ لَائِحٌ وَ اعْتَدَلَ مَائِلٌ
وَ اسْتَبْدَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ قَوْماً
وَ بِیَوْمٍ یَوْماً
وَ انْتَظَرْنَا الْغِیَرَ انْتِظَارَ الْمُجْدِبِ الْمَطَرَ
وَ إِنَّمَا الْأَئِمَّهُ قُوَّامُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ
وَ عُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ
وَ لَا یَدْخُلُ الْجَنَّهَ إِلَّا مَنْ عَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوهُ
وَ لَا یَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْکَرَهُمْ وَ أَنْکَرُوهُ
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّکُمْ بِالْإِسْلَامِ وَ اسْتَخْلَصَکُمْ لَهُ
وَ ذَلِکَ لِأَنَّهُ اسْمُ سَلَامَهٍ وَ جِمَاعُ کَرَامَهٍ
اصْطَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَنْهَجَهُ وَ بَیَّنَ حُجَجَهُ
مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وَ بَاطِنِ حُکْمٍ
لَا تَفْنَى غَرَائِبُهُ
وَ لَا تَنْقَضِی عَجَائِبُهُ
فِیهِ مَرَابِیعُ النِّعَمِ
وَ مَصَابِیحُ الظُّلَمِ
لَا تُفْتَحُ الْخَیْرَاتُ إِلَّا بِمَفَاتِیحِهِ
وَ لَا تُکْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِمَصَابِیحِهِ
قَدْ أَحْمَى حِمَاهُ وَ أَرْعَى مَرْعَاهُ
فِیهِ شِفَاءُ الْمُسْتَشْفِی
وَ کِفَایَهُ الْمُکْتَفِی

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۹  

و من خطبه له علیه السّلام
و هى المأه و الثانی و الخمسون من المختار فی باب الخطب و شرحها فی فصول

الفصل الاول

الحمد للَّه الدّال على وجوده بخلقه، و بمحدث خلقه على أزلیّته، و باشتباههم على أن لا شبه له، لا تستلمه المشاعر، و لا تحجبه المساتر، لافتراق الصّانع و المصنوع، و الحادّ و المحدود، و الرّبّ و المربوب، الأحد بلا تأویل عدد، و الخالق لا بمعنى حرکه و نصب، و السّمیع لا بأداه، و البصیر لا بتفریق آله، و المشاهد لا بمماسّه، و البائن لا بتراخی مسافه، و الظّاهر لا برؤیه، و الباطن لا بلطافه، بان من الأشیاء بالقهر لها، و القدره علیها، و بانت الأشیاء منه بالخضوع له، و الرّجوع ألیه، من وصفه فقد حدّه، و من حدّه فقد عدّه، و من عدّه فقد أبطل أزله، و من قال کیف‏فقد استوصفه، و من قال أین فقد حیّزه، عالم إذ لا معلوم، و ربّ إذ لا مربوب، و قادر إذ لا مقدور.

اللغه

قال الشّارح المعتزلی (الاستلام) فی اللّغه لمس الحجر بالید و تقبیله و لا یهمر لأنّ أصله من السّلام و هى الحجاره کما یقال استنوق الجمل و بعضهم یهمزه انتهى، و قال الفیومى فی المصباح: استلأمت الحجر قال ابن السّکیت: همزته العرب على غیر قیاس و الأصل استلمت لأنّه من السّلام و هى الحجاره، و قال ابن الاعرابی: الاستلام أصله مهموز من الملائمه و هى الاجتماع، و حکى الجوهرى القولین و مثله الفیروز آبادی، و فی بعض النّسخ بدل لا تستلمه لا تلمسه و (النّصب) محرّکه التّعب.

الاعراب

جمله لا تستلمه المشاعر استیناف بیانیّ، و لفظ الأحد، و الخالق، و السّمیع و البصیر، و ما یتلوها من الصّفات یروى بالرّفع و الجرّ معا الأوّل على أنّه خبر لمبتدأ محذوف، و الثّانی على أنّه صفه للَّه.

المعنى

اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبه متضمّن لمباحث شریفه إلهیّه، و معارف نفیسه ربّانیه، و مسائل عویصه حکمیّه، و مطالب علیّه عقلیّه لم یوجد مثلها فی زبر الأوّلین و الآخرین، و لم یسمح بنظیرها عقول الحکماء السّابقین و اللّاحقین و صدّره بتحمید اللَّه سبحانه و تمجیده فقال: (الحمد للَّه) و قد مضى شرح هذه الجمله و تحقیق معنى الحمد و بیان وجه اختصاصه باللَّه سبحانه فی شرح الفصل الأوّل من الخطبه الأولی، و نقول هنا مضافاإلى ما سبق: إنّ الحمد سواء کان عباره عن التعظیم و الثّناء المطلق، أو عن الشکر المستلزم لتقدّم النّعمه و الاعتراف بها، فالمستحقّ له فی الحقیقه لیس إلّا اللَّه سبحانه، و لذا أتى بتعریف الجنس و لام الاختصاص الدّالین على أنّ طبیعه الحمد مختصّه به تعالى.

أمّا على أنّه عباره عن مطلق الثّناء و التّعظیم فلظهور أنّ استحقا قیّتهما إنّما یتحقّق لأجل حصول کمال أو برائه نقص، و کلّ کمال و جمال یوجد فی العالم فانما هو رشح و تبع لجماله و کماله، و أما البراءه عن النقائص و العیوب فممّا یختص به تعالى، لأنّه وجود محض لا یخالطه عدم و نور صرف لا یشوبه ظلمه.

و أما على أنه عباره عن الشکر المسبوق بالنعمه فلأنّ کلّ منعم دونه فانما ینعم بشی‏ء ممّا أنعم اللَّه، و مع ذلک فانما ینعم لأجل غرض من جلب منفعه أو دفع مضرّه أو طلب محمّده، فهذا الجود و الانعام فی الحقیقه معامله و تجاره و إن عدّ فی العرف جودا و انعاما، و أما الحقّ تعالى فلما لم یکن إنعامه لغرض و لا جوده لعوض إذ لیس لفعله المطلق غایه إلّا ذاته کما مرّ تحقیقه فی شرح الخطبه الخامسه و الستین، فلا یستحقّ لأقسام الحمد و الشکر بالحقیقه إلّا هو، هذا و أردف الحمد بجمله من أوصاف الکمال و نعوت العظمه و الجلال.

الاول أنه (الدّالّ على وجوده بخلقه) و قد مرّ کیفیّه هذه الدّلاله فی شرح الخطبه الخمسین و بیّنا هناک أنّ الاستدلال بهذه الطریقه من باب الاستدلال بالفعل على الفاعل، و مرجعه الى البرهان اللمّى.

(و) الثانی أنه الدّال (بمحدث خلقه على أزلیّته) لما قد مرّ ثمه أیضا من أنّ الأجسام کلّها حادثه لأنّها غیر خالیه عن الحرکه و السّکون، و کلّ حادث مفتقر إلى محدّث فان کان ذلک المحدث محدثا عاد القول فیه کالأوّل و یلزم التّسلسل أو کونه محدثا لنفسه و کلاهما باطل، فلا بدّ من محدث قدیم لا بدایه لوجوده و هو اللَّه تعالى و سبحانه.

(و) الثالث أنّه الدّالّ (باشتباههم على أن لا شبه له) یعنی أنّه سبحانه بابداء المشابهه بین المخلوقات دلّ على أنّه لا مثل و لا شبیه.

و جهه المشابهه بینها إمّا الافتقار إلى المؤثّر کما ذهب إلیه الشّارح البحرانی حیث قال: أراد اشتباههم فی الحاجه إلى المؤثّر و المدّبر، و تقریر هذا الطّریق أن نقول: إن کان تعالى غنیّا عن المؤثّر فلا شبیه له فی الحاجه إلیه لکن المقدّم حقّ فالتّالی مثله.

و اعترض علیه بأنّ فیه قصورا من وجهین: أحدهما أنّ المطلوب فی تنزیه الحقّ تعالى عن الشّبیه هو نفى الشّبه عنه على الاطلاق لا نفى وجه من وجوه الشبّه فقط کالحاجه.
و ثانیهما أنّ نفى الحاجه عنه تعالى ممّا لا یحتاج إلى إثباته له من جهه تشابه الخلق فیها، بل مجرّد کونه واجب الوجود یلزمه نفى الحاجه عنه إلى غیره لزوما بیّنا، فالاستدلال علیه لغو من الکلام مستدرک، هذا.

و قال بعضهم: المراد بمشابهتهم الاشتباه فی الجسمیّه و الجنس و النّوع و الأشکال و المقادیر و الألوان و نحو ذلک، و إذ لیس داخلا تحت جنس لبرائته عن التّرکیب المستلزم للامکان، و لا تحت النّوع لافتقاره فی التّخصیص بالعوارض إلى غیره، و لا بذى مادّه لاستلزامه التّرکیب أیضا، فلیس بذی شبیه فی الامور المذکوره و هو قریب ممّا قاله البحرانی لکنّ الأوّل أعمّ فی نفى الشّبیه، و الأحسن منها ما فی الحدیث الأوّل من باب جوامع التوحید من الکافی عن أمیر المؤمنین علیه السّلام عند استنهاضه النّاس لحرب معاویه فی المرّه الثّانیه و هو قوله علیه السّلام: و حدّ الأشیاء کلّها عند خلقه إبانه لها من شبهه و إبانه له من شبهها.

قال العلامه المجلسی فی شرحه: أى جعل للأشیاء حدودا و نهایات، أو أجزاء و ذاتیّات لیعلم بها أنّها من صفات المخلوقین و الخالق منزّه عن صفاتهم، أو خلق الممکنات الّتی من شأنها المحدودیّه لیعلم بذلک أنّه لیس کذلک کما قال تعالى: فخلقت الخلق لاعرف، إذ خلقها محدوده لأنّها لم تکن تمکن أن تکون غیرمحدوده لامتناع مشابهه الممکن الواجب فی تلک الصّفات الّتی هی من لوازم وجوب الوجود، و لعلّ الأوسط أظهر.

الرابع أنّه (لا تستلمه المشاعر) أى لا تلمسه لأنّ مدرکات المشاعر مقصوره على الأجسام و الأعراض القائمه بها، و هو سبحانه لیس بجسم و لا جسمانیّ، فامتنع إدراک المشاعر و لمسها له، و یحتمل أن یزاد بالمشاعر المدارک مطلقا سواء کانت قوّه مادیّه مدرکه للحسیّات و الوهمیات أو قوّه عقلیّه مدرکه للعقلیّات و الفکریات اذ لیس للمدارک مطلقا إلى معرفه کنه ذاته سبیل، و لا على الوصول الى حقیقه صفاته دلیل، کما مرّ فی شرح الفصل الثانی من الخطبه الاولى.

(و) الخامس (لا تحجبه المساتر) أى الحجابات الّتی یستر بها، و فی أکثر النّسخ: السواتر بدلها و معناهما واحد، و المراد أنه لا یحجبه حجاب و لا یستتر بشی‏ء من السواتر لأنّ الستر و الحجاب من لوازم ذى الجهه و الجسمیه، و هو تعالى منزّه عن ذلک.

فان قلت: قد ورد فی الحدیث إنّ اللَّه احتجب عن العقول کما احتجب عن الأبصار و أنّ الملاء الأعلى یطلبونه کما أنتم تطلبونه، فکیف التوفیق بینه و بین قول الامام علیه السّلام قلت: لیس المراد من احتجابه عن العقول و الأبصار أن یکون بینه و بین خلقه حجاب جسمانیّ مانع عن إدراکه و الوصول الیه تعالى، بل المراد بذلک احتجابه عنهم لقصور ذواتهم و نقصان عقولهم و قواهم، و کمال ذاته و شدّه نوره و قوّه ظهوره، فغایه ظهوره أوجب بطونه، و شدّه نوره أوجب احتجابه کنور الشمس و بصر الخفاش، و قد حقّقنا ذلک بما لا مزید علیه فی شرح الخطبه الرّابعه و الستین و شرح الفصل الثانی من الخطبه التسعین، و بما ذکرنا أیضا ظهر فساد ما ربما یتوهّم من أنه إذا لم یکن محجوبا بالسواتر لا بدّ و أن یعرفه کلّ أحد و یراه، هذا.

و قوله (لافتراق الصانع و المصنوع و الحادّ و المحدود و الربّ و المربوب)التعلیل راجع الى الجملات المتقدّمه بأسرها، و المقصود أنّ لکلّ من الصانع و المصنوع صفات تخصّه و تلیق به و یمتاز بها و بها یفارق الآخر فالمخلوقیه و الحدوث و الاشتباه و الملموسیّه و المحجوبیّه بالسواتر من لواحق المصنوعات و الممکنات و أوصافها اللّایقه لها، و الخالقیّه و الأزلیّه و التنزّه عن المشابهه و عن استلام المشاعر و احتجاب السّواتر من صفات الصّانع الأوّل و ممّا ینبغی له و یلیق به، و یضادّ ما سبق من أوصاف الممکنات، فلو جرى فیه صفات المصنوعات أو فی المصنوعات صفاته لارتفع الافتراق و وقع المساواه و المشابهه بینه و بینها، فیکون مشارکا لها فی الحدوث المستلزم للامکان المستلزم للحاجه إلى الصّانع، فلم یکن بینه و بینها فصل و لا له علیها فضل، و کلّ ذلک أعنی المساوات و المشابهه و عدم الفصل و الفضل ظاهر البطلان، هذا و المراد بالحادّ خالق الحدود و النّهایات، و الصّانع و الربّ بینهما تغایر بحسب الاعتبار و هو دخول المالکیّه فی مفهوم الرّبوبیّه دون الصّنع.

السادس (الأحد لا بتأویل عدد) یعنی أنّه أحدىّ الذّات لیس کمثله شی‏ء و أحدىّ الوجود لا جزء له ذهنا و لا عقلا و لا خارجا، و لیست وحدانیّته وحدانیّه عددیّه بمعنى أن یکون مبدء لکثره تعدّ به کما یقال فی أوّل العدد واحد، و قد مرّ تحقیق ذلک فی شرح الخطبه الرّابعه و السّتین.

(و) السابع (الخالق لا بمعنى حرکه و نصب) یعنی أنّه سبحانه موجد للأشیاء بنفس قدرته التّامه الکامله و خلقه الابداع و الافاضه من دون حاجه إلى حرکه ذهنیّه أو بدنیّه کما لسایر الصّانعین، لأنّ الحرکه من عوارض الأجسام، و هو منزّه عن الجسمیّه کما لا حاجه فی ایجاده إلى المباشره و التعمّل حتّى یلحقه نصب و تعب، و إنّما أمره إذا أراد شیئا أن یقول له کن فیکون.

(و) الثامن (السّمیع لا بأداه) و هى الأذنان و الصّماخان و القوّه الکائنه تحتهما، لتعالیه عن الآلات الجسمانیّه، بل سمعه عباره عن علمه بالمسموعات، فهو نوع مخصوص من العلم باعتبار تعلّقه بنوع من المعلوم، و قد تقدّم فی شرح الفصل‏ السّادس من الخطبه الاولى أنّ السّمع و البصر من الصّفات الذّاتیّه له تعالى، و الاحتیاج فیهما إلى الأداه و الآله یوجب النّقص فی الذّات و الاستکمال و الاستعانه بالآلات المنافی للوجوب الذّاتی.

(و) التاسع (البصیر لا بتفریق آله) أى بفتح العین أو بعث القوّه الباصره و توزیعها على المبصرات قال الشّارح البحرانی: و هذا المعنى على قول من جعل الابصار بآله الشّعاع الخارج من العین المتّصل بسطح المرئی أظهر، فانّ توزیعه أظهر من توزیع الآله على قول من یقول إنّ الادراک یحصل بانطباع صوره المرئی فی العین، و معنى التّفریق على القول الثّانی هو تقلیب الحدقه و توجیهها مرّه إلى هذا المبصر و مرّه إلى ذاک کما یقال فلان مفرّق الهمّه و الخاطر إذا وزّع فکره على حفظ أشیاء متباینه و مراعاتها کالعلم و تحصیل المال و ظاهر تنزیهه تعالى عن الابصار بآله الحسّ لکونها من توابع الجسمیّه و لواحقها

(و) العاشر (المشاهد لا بمماسّه) و فی بعض النّسخ الشّاهد بدل المشاهد، و المعنى واحد قال صدر المتألّهین فی شرح الکافی فی تحقیق ذلک: لأنّ التماس من خواصّ الأجسام، و المشاهده بالمماسّه للمشهود نفسه کما فی الذّائقه و اللّامسه، و للمتوسّط بین الشّاهد و المشهود کما فی الشّامّه و السّامعه و الباصره، و الحاصل أنّ إدراکات الحواسّ الظّاهره الخمسه و مشاهداتها کلّها لا تتمّ إلّا بالمماسّه لجسم من الأجسام و إن کان المشهود له و الحاضر بالذّات عند النّفس شیئا آخر غیر المموس بالذّات أو بالواسطه

(و) الحادى عشر (البائن لا بتراخى مسافه) یعنی أنه مباین للأشیاء و مغایر لها بنفس ذاته و صفاته، لأنّه فی غایه التمام و الکمال، و ما سواه فی نهایه الافتقار و النقصان، و لیس تباینه تباین أین و تباعد مکان بتراخى مسافه بینه و بین غیره، لأنّ ذلک من خواصّ الأینیّات، و هو الذى أیّن الأین بلا أین، و قد تقدّم نظیر هذه الفقره

فی الفصل السادس من الخطبه الاولى، و شرحناه بما یوجب الانتفاع به فی المقام فلیراجع ثمه (و)

الثانی عشر (الظّاهر لا برؤیه و)

الثالث عشر (الباطن لا بلطافه) یعنی أنّ ظهوره سبحانه لیس کظهور ظاهر الأشیاء بأن یکون مرئیا بحاسّه البصر، و لا بطونه کبطونها بأن یکون لطیفا لصغر حجمه أو لطافه قوامه کالهواء، بل نحو آخر من الظّهور و البطون على ما مرّ تحقیقه فی شرح الخطبه التّاسعه و الأربعین و شرح الخطبه الرّابعه و السّتین فلیتذکّر.

و الرابع عشر أنّه (بان من الأشیاء بالقهر لها و القدره علیها، و بانت الأشیاء منه بالخضوع له و الرّجوع إلیه) و هذه الفقره فی الحقیقه تفسیر و توضیح للوصف الحادى عشر، فانّه علیه السّلام لمّا ذکر هناک أنّ بینونیّته لیست بتراخى مسافه أوضح هنا جهه البینونه بأنّه إنّما بان من الأشیاء بغلبته و استیلائه علیها و قدرته على ایجادها و إعدامها کما هو اللّایق بشأن الواجب المتعال، و أنّ الأشیاء إنّما بانت منه لخضوعها و ذلّها فی قید الامکان و رجوعها فی وجودها و کمالاتها إلى وجوده کما هو مقتضى حال الممکن المفتقر.

الخامس عشر أنّه تعالى منزّه عن الصّفات الزّایده على الذّات، و إلیه أشار بقوله (من وصفه فقد حدّه و من حدّه فقد عدّه و من عدّه فقد أبطل أزله) قال العلامه المجلسی فی مرآت العقول فی شرح هذه الفقره من حدیث الکافی: إنّ من وصف اللَّه بالصّوره و الکیف فقد جعله جسما ذا حدود، و من جعله ذا حدود فقد جعله ذا أجزاء، و کلّ ذى أجزاء محتاج حادث، أو أنّ من وصف اللَّه و حاول تحدید کنهه فقد جعله ذا حد مرکّب من جنس و فصل، فقد صار حقیقه مرکّبه محتاجه إلى الأجزاء حادثه أو أنّ من وصف اللَّه بالصّفات الزّایده فقد جعل ذاته محدوده بها، و من حدّه کذلک فقد جعله ذا عدد إذ اختلاف الصّفات إنّما یکون بتعدّد أجزاء الذّات أو قال بتعدّد الالهه إذ یکون کلّ صفه لقدمها إلیها غیر محتاج إلى علّه، و من کان مشارکا فی الالهیّه لا یکون قدیما فیحتاج إلى علّه، أو جعله‏مع صفاته ذا عدد و عروض الصّفات المغایره الموجوده ینافی الأزلیّه، لأنّ الاتّصاف نوع علاقه توجب احتیاج کلّ منهما إلى الآخر، و هو ینافی وجوب الوجود و الأزلیّه أو المعنى أنّه على تقدیر زیاده الصّفات یلزم ترکّب الصّانع إذ ظاهر أنّ الذّات بدون ملاحظه الصّفات لیست بصانع للعالم، فالصّانع المجموع فیلزم ترکّبه المستلزم للحاجه و الامکان، و قیل: فقد عدّه من المخلوقین.

السادس عشر أنّه منزّه عن الکیف، و إلیه أشار بقوله (و من قال کیف فقد استوصفه) أى طلب وصفه بصفات المحلوقین و جعل له وصفا زایدا على ذاته، و قد علمت أنّ ذلک ممتنع فی حقّه إذ کلّ صفه وجودیّه زایده على ذاته فهى من مقوله الکیف و من جنس الکیف النّفسانی، فیلزم کون ذاته بذاته معرّاه عن صفه کمالیّه، و یلزم له مخالطه الامکان و ینافی کونه واجب الوجود من جمیع الجهات، و کلّ ذلک محال علیه تعالى هذا، و قد تقدّم فی شرح الخطبه الرّابعه و الثّمانین تحقیق معنى الکیف و تفصیل تنزّهه تعالى عن الاتّصاف به.

السابع عشر أنّه سبحانه منزّه عن المکان، و إلیه أشار بقوله (و من قال أین فقد حیّزه) لأنّ أین سؤال عن الحیّز و الجهه، فمن قال أین فقد جعله فی حیّز مخصوص و هو محال فی حقّ الواجب تعالى، لأنّه خالق الحیّز و المکان فیلزم افتقاره إلى ما هو مفتقر إلیه، على أنّ کونه فی حیّز معیّن یستلزم خلوّ سایر الأحیاز و الأمکنه منه کما هو شأن الأجسام و الجسمانیّات، و هو باطل لأنّه فی جمیع الأحیاز بالعلم و الاحاطه، و هو الذی فی السّماء إله و فی الأرض إله.
و اعلم أنّ هذه العباره نظیر قوله علیه السّلام فی الفصل الخامس من الخطبه الأولى و من قال فیم فقد ضمنه، و قد ذکرنا فی شرحه ما یوجب البصیره فی المقام.

الثامن عشر أنّه سبحانه (عالم إذ لا معلوم و ربّ إذ لا مربوب و قادر إذ لا مقدور) إذ ظرفیّه على توهم الزّمان أى کان موصوفا فی الأزل بالعلم و الرّبوبیّه و القدره، و لم یکن شی‏ء من المعلوم و المربوب و المقدور موجودا فیه.
أمّا أنّه کان عالما بالأشیاء و لا معلوم فلأنّ علمه عین ذاته و تقدّم ذاته على‏معلوماته الحادثه ظاهر، و لا یتوقّف وجوده على وجود المعلوم کما مرّ تحقیقه فی شرح الفصل السّابع من الخطبه الأولى عند تحقیق قوله: عالما بها قبل ابتدائها فلیتذکّر.

و أمّا أنّه کان ربّا إذ لا مربوب لأنّ معنى الربّ هو المالک، و قد کان سبحانه مالکا لأزمّه الامکان و تصریفه من العدم إلى الوجود و من الوجود إلى العدم کیف شاء و متى أراد، و قیل: المراد إنّه کان قادرا على التربیه إذ هو الکمال و فعلیّتها منوطه على المصلحه.

و أمّا أنّه کان قادرا اذ لا مقدور فلأنّ القادر هو الذی إن شاء فعل و إن شاء ترک، و بعباره اخرى هو الّذی یصحّ منه الفعل و الترک، و وجود هذا الوصف له لا یستلزم وجود المقدور و قال الصّدوق فی التّوحید: و القدره مصدر قولک قدر قدره أى ملک فهو قدیر قادر مقتدر، و قدرته على ما لم یوجد و اقتداره على إیجاده هو قهره و ملکه له، و قد قال عزّ ذکره: «مالِکِ یَوْمِ الدِّینِ» و یوم الدّین لم یوجد بعد.

الترجمه

از جمله خطب شریفه آن ولیّ ربّ العالمین و وصیّ أمین خاتم النّبیّین است در تحمید و توحید و تمجید حضرت ذو الجلال و خداوند متعال مى‏ فرماید: حمد و ثنا خداوندى را سزاست که هدایت کننده است بوجود خود با ایجاد مخلوقات خود، و با حدوث مخلوقات خود بر أزلیّت و سرمدیّت خود، و با شبیه نمودن آن مخلوقات بیکدیگر بر این که هیچ مثل و شبیه نیست مر او را، مسّ نمى‏ توانند بکنند او را حواسّ ظاهره و باطنه، و نمى‏ پوشاند او را پردها و حجابها بجهت ممتاز و مغایر بودن آفریننده و آفریده شده، و حد قرار دهنده و حد قرار داده شده، و تربیت کننده و تربیت داده شده، این صفت دارد که یکیست نه یکى که از مقوله أعداد باشد، و خلق کننده است نه با حرکت و مشقّت، و شنوا است نه با آلت گوش، و بینا است نه بابرگرداندن حدقه چشم، و حاضر است با أشیا نه با مجاورت و مماست، و جداست از آشیانه بدوری راه، و آشکار است نه بدیدن چشمها، و پنهانست نه بسبب لطافت مقدار.
جدا شد ار أشیا با قهر و غلبه کردن بر آنها، و جدا شد أشیا از او بسبب خضوع و تواضع نمودن آنها بر او بسبب بازگشت آنها بسوى او، هر کس وصف کرد او را پس بتحقیق که حد قرار داد او را، و هر که حد قرار دهد بر او پس بتحقیق که در شمار آورد او را، و کسى که در شمار آورد او را پس بتحقیق که باطل گردانید أزلیّت او را، و هر کس که بگوید چگونه است او پس بتحقیق که طلب وصف او نمود، و هر که گفت او کجاست پس بتحقیق که مکان قرار داد بأو، دانا بود در وقتى که هیچ معلومى نبود، ربّ بود هنگامى که هیچ مربوبى نبود، و صاحب قدرت بود زمانى که هیچ مقدورى نبود

الفصل الثانی منها

قد طلع طالع، و لمع لامع، و لاح لائح، و اعتدل مائل، و استبدل اللَّه بقوم قوما، و بیوم یوما، و انتظرنا الغیر انتظار المجدب المطر، و إنّما الأئمه قوّام اللَّه على خلقه، و عرفائه على عباده، لا یدخل الجنّه إلّا من عرفهم و عرفوه، و لا یدخل النّار إلّا من أنکرهم و أنکروه، إنّ اللَّه تعالى قد خصّکم بالإسلام، و استخلصکم له، و ذلک لأنّه اسم سلامه و جماع کرامه، اصطفى اللَّه تعالى منهجه، و بیّن حججه من ظاهر علم، و باطن حکم، لا تفنی غرائبه، و لاتنقضی عجائبه، فیه مرابیع النّعم، و مصابیح الظّلم، لا تفتح الخیرات إلّا بمفاتحه، و لا تکشف الظّلمات إلّا بمصابیحه، قد أحمى حماه، و أرعى مرعاه، فیه شفاء المشتفی، و کفایه المکتفی.

اللغه

(الجدب) هو المحل وزنا و معنا و هو انقطاع المطر و یبس الأرض و أجدب القوم اجدابا أصابهم الجدب و (عرفت) على القوم من باب قتل عرافه بالکسر فأنا عارف أى مدبّر أمرهم و قائم بسیاستهم، و عرفت علیهم بالضمّ لغه فأنا عریف و الجمع عرفاء، و قیل: العریف هو القیّم بامور القبیله و الجماعه یلی أمورهم و یتعرّف الأمیر منه أحوالهم فعیل بمعنى فاعل و (جماع) الشی‏ء بالکسر و التّخفیف جمعه یقال الخمر جماع الاثم و (المرابیع) الأمطار التی تجى‏ء فی أوّل الرّبیع و (حمى) المکان من النّاس حمیا من باب رمى منعه عنهم، و الحمایه اسم منه و أحمیته بالألف جعلته حمى لا یقرب و لا یجترء علیه و کلاء حمى محمى قال الشاعر:

و نرعى حمى الأقوام غیر محرّم
علینا و لا یرعى حمانا الذی نحمى‏

قال الشّارح المعتزلی: قد حمى حماه، أى عرضه لأن یحمى کما تقول: أقتلت الرّجل أى عرضته لأن یضرب.

الاعراب

جمله لا یدخل الجنه، بدل من الجمله السابقه علیها، و لشدّه الاتّصال بینهما ترک العاطف على حدّ قوله تعالى: أمدّکم بما تعلمون أمدّکم بأنعام و بنین، و إضافه المنهج إلى الضمیر إما نظیر الاضافه فی سعید کرز، أو بمعنى اللّام، و الاضافه فی قوله: من ظاهر علم و باطن حکم، من قبیل إضافه الصفه إلى موصوفها،و من فی من ظاهر للتبیین و التفسیر کما تقول دفعت إلیه سلاحا من سیف و رمح و سهم أو للتمیز و التقسیم.

المعنى

اعلم أنّ الشارح المعتزلی ذکر فی شرح هذا الفصل من کلامه علیه السّلام أنه خطب بذلک بعد قتل عثمان حین أفضت الخلافه إلیه.

إذا عرفت ذلک فأقول قوله علیه السّلام (قد طلع طالع و لمع لا مع و لاح لائح) یحتمل أن یکون المراد بالجملات الثلاث واحدا، أى طلع شمس الخلافه من مطلعها و سطع أنوار الامامه من منارها، و ظهر کوکب الولایه من افقه، و أن یکون المراد بالاولى ظهور خلافته و أمارته، و بالثّانیه ظهورها من حیث هی حقّ له علیه السّلام و سطوع أنوار العدل بصیرورتها إلیه، و بالثّالثه ظهور الحروب و الفتن الواقعه بعد انتقال الأمر إلیه علیه السّلام (و اعتدل مائل) أى استقام ما اعوج من أرکان الدّین و قوائم الشّرع المبین (و استبدل اللَّه بقوم) من أهل الضّلال و الفساد و هم الخلفاء الثلاث و أتباعهم (قوما) من أهل الصّلاح و الرّشاد و هم أمیر المؤمنین و تابعوه (و بیوم) انتشر فیه الجور و الاعتساف (یوما) ظهر فیه العدل و الانصاف (و انتظرنا الغیر) أى تغیّرات الدّهر و تقلّبات الزّمان قال العلّامه المجلسیّ (قد): و لعلّ انتظارها کنایه عن العلم بوقوعه، أو الرّضا بما قضى اللَّه من ذلک، و المراد بالغیر ما جرى قبل ذلک من قتل عثمان و انتقال الأمر الیه أو ما سیأتی من الحروب و الوقایع، و الأوّل أنسب بالتشبیه ب (انتظار المجدب المطر) لدلالته على شدّه شوقه بالتّغیرات و فرط رغبته لانتقال الأمر الیه لیتمکّن من إعلاء کلمه الاسلام و ترویج شرع سیّد الأنام علیه و آله آلاف التّحیه و السّلام کما أنّ للمجدب شدّه الاشتیاق إلى الأمطار ثمّ أشار إلى أنّ القیام بامور الأمّه وظیفه الأئمه فقط، و أنّ موالاتهم و متابعتهم واجبه فقال (و إنّ الائمه) أراد به نفسه الشّریف و الطیّبین من أولاده (قوّام اللَّه على‏خلقه) أى یقومون بمصالحهم و یدبّرون امورهم، أو أنّهم القائمون بأمر اللَّه و نهیه و أحکامه على خلقه، لکونهم خلفائه فی أرضه و حججه على بریّته، و کمال هذا القیام عند ظهور صاحب الأمر علیه السّلام فانّه الزّمان الّذی تجتمع فیه الخلایق على الایمان، و یرتفع الشّرک بالکلّیّه.

کما یدلّ علیه ما فی الکافی عن أبی خدیجه عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام أنّه سئل عن القائم، فقال: کلّنا قائم بأمر اللَّه واحدا بعد واحد حتّى یجی‏ء صاحب السّیف فاذا جاء صاحب السّیف جاء بأمر غیر الّذی کان (و عرفائه على عباده) کمال قال تعالى «وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ یَعْرِفُونَ کُلًّا بِسِیماهُمْ» روى فی البحار من بصائر الدّرجات مسندا عن الهلقام عن أبی جعفر علیه السّلام فی قوله: و على الأعراف رجال، قال علیه السّلام: نحن أولئک الرّجال الأئمه منّا یعرفون من یدخل النّار و من یدخل الجنّه کما تعرفون فی قبائلکم الرّجل منکم یعرف من فیها من صالح أو طالح.

و فیه عن الهلقام أیضا عن أبی جعفر علیه السّلام قال: سألته عن قول اللَّه عزّ و جلّ «وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ یَعْرِفُونَ کُلًّا بِسِیماهُمْ» ما یعنی بقوله و على الأعراف رجال قال علیه السّلام: ألستم تعرفون علیکم عریفا على قبائلکم لتعرفوا من فیها من صالح أو طالح قلت: بلى، قال: فنحن أولئک الرّجال الّذین یعرفون کلّا بسیماهم.

و فیه من کتاب المقتضب لأحمد بن محمّد بن عیاش بسنده عن أبان بن عمر ختن آل میثم قال: کنت عند أبی عبد اللَّه علیه السّلام فدخل علیه سفیان بن مصعب العبدى فقال: جعلنى اللَّه فداک ما تقول فی قوله تعالى ذکره «وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ» الآیه قال: هم الأوصیاء من آل محمّد الاثنا عشر لا یعرف اللَّه إلّا من عرفهم و عرفوه، قال فما الأعراف جعلت فداک قال: کتائب من مسک علیها رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و الأوصیاء یعرفون کلّا بسیماهم فقال سفیان: فلا أقول فی ذلک شیئا فقال من قصیده شعرا.

أیا ربعهم«» هل فیک لى الیوم مربع
و هل للیالى کنّ لى فیک مرجع‏

و فیها یقول:

و أنتم ولاه الحشر و النشر و الجزا
و أنتم لیوم المفزع الهول مفزع‏

و أنتم على الأعراف و هى کتائب‏
من المسک ریاها بکم یتضوّع‏

ثمانیه بالعرش اذ یحملونه
و من بعدهم هادون فی الأرض أربع‏

(لا یدخل الجنّه إلّا من عرفهم و عرفوه و لا یدخل النّار إلّا من أنکرهم و أنکروه) هذه القضیّه قد نصّت علیها فی الأخبار المعتبره المتظافره عن أهل بیت العصمه و الطّهاره، و ستطلع علیها و على تحقیق معناها فی التّذییل الآتی.
ثمّ أشار إلى بغض ما منّ اللَّه تعالى به على المخاطبین، و هو أعظم نعمائه علیهم فقال (إنّ اللَّه قد خصّکم بالاسلام و استخلصکم له) أى استخصّکم له یعنی أنّکم لکرامتکم عند اللَّه تعالى و علوّ منزلتکم خصّکم بهذه النّعمه العظمى و العطیّه الکبرى (و ذلک لأنّه اسم سلامه) قال الشّارح المعتزلی و البحرانی: یعنی أنّه مشتقّ من السّلامه، و تبعهما بعض الشّارحین فقال: ظاهر الکلام یعطى أنّ الاسلام من السّلامه مشتقّ فلیس بمعنى الانقیاد و الدّخول فی السلم.

أقول: لا دلاله فی کلامه علیه السّلام على اشتقاقه منه لو لم یکن دالّا على خلافه، بل الظّاهر أنّ معناه أنّ الاسلام اسم لمسمّى فیه سلامه من غضب الجبّار و من النّار، فانّ من فاز بالاسلام سلم من سخط اللَّه و عقوبته.
(و) هو أیضا (جماع کرامه) أى مجمعه إذ به یفاز الجنان، و یتحصل الرّضوان و النّعیم الأبد و اللّذه السّرمد (اصطفى اللَّه منهجه) أى اختار طریق الاسلام و ارتضاه من بین سایر الطرق و المناهج، و المراد بطریق الاسلام إما نفس الاسلام، و تسمیته بالطریق باعتبار ایصاله إلى قرب الحقّ سبحانه و کونه محصّلا لرضاه تعالى، و قد عبّر عنه بالصّراط و هو الطّریق فی قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ».
على بعض تفاسیره، و یدلّ على اختیار اللَّه سبحانه و اصطفائه له قوله تعالى:«حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَهُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِیرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَیْرِ اللَّهِ».

و أمّا الطریق المخصوص به أعنى الطّریق الّذی لا بدّ لمن تدیّن بدین الاسلام أن یسلکه و هى طریق الشّریعه أعنی الفروع العملیّه، و الدّلیل على اصطفائه عزّ و جلّ لها جعلها ناسخه لسائر الشّرایع و إبقائها بقاء الدّهر، شرع محمّد صلّى اللَّه علیه و آله مستمرّ إلى یوم القیامه (و بیّن حججه) أى أوضح الأدلّه الدّاله على حقیّته (من ظاهر علم و باطن حکم) أى تلک الأدلّه على قسمین: أحدهما علم ظاهر و هى الأدلّه النّقلیه من الکتاب و السنّه، و ثانیهما حکمه باطنه و هی الأدلّه العقلیّه.

أمّا تفسیر الحکم بالحکمه فقد دلّ علیه ما فی الصافی عن الکافی عن الباقر علیه السّلام قال: مات زکریا فورثه ابنه یحیى الکتاب و الحکمه و هو صبىّ صغیر، ثمّ تلا قوله تعالى «یا یَحْیى‏ خُذِ الْکِتابَ بِقُوَّهٍ وَ آتَیْناهُ الْحُکْمَ صَبِیًّا».
و فی مجمع البحرین فی الحدیث ادع اللَّه أن یملاء قلبی علما و حکما، أى حکمه.
و أمّا تفسیر الحکمه بالعقل فقد نصّ علیه الکاظم علیه السّلام فی روایه الصافی عن الکافی عنه علیه السّلام فی تفسیر قوله تعالى: «وَ لَقَدْ آتَیْنا لُقْمانَ الْحِکْمَهَ».

قال: الفهم و العقل، فقد ظهر و اتّضح مما ذکرنا أنّ المراد بالحکم الباطن هو دلیل العقل (لا تفنى غرائبه و لا تنقضی عجائبه) یعنی أنّ غرائب الاسلام و عجائبه دائمه تجدّد یوما فیوما، ألا ترى کیف أعزّه اللَّه و أهله فی بدو الأمر و أذّل الکفر و أهله و نصر اللَّه المسلمین على الکافرین و أظهرهم علیهم على قلّه الأوّلین و کثره الآخرین و أیّد الاسلام بالملائکه المسوّمین یوم بدر و حنین، و نکص الشیطان اللّعین على عقبیه لما تراءت الفئتان و قال إِنِّی أَرى‏ ما لا تَرَوْنَ إِنِّی أَخافُ اللَّهَ رب‏العالمین، مضافه إلى المعجزات و الکرامات الصادره من قاده المسلمین و نوّابهم الصّالحین فی کلّ عصر و زمان، و أعظم تلک العجائب و أکمل تلک الغرایب ما یظهر فی آخر الزّمان عند ظهور الدّوله الحقّه القائمیّه «عج» و هذه کلّها من عجائب نفس الاسلام و مضافه إلیه کما هو غیر خفیّ لاولى الأفهام.

(فیه مرابیع النّعم) استعار لفظ المرابیع للبرکات و الخیرات التی یفوز بها المسلمون فی الآخره و الاولى ببرکه أخذهم الاسلام دینا أمّا فی الدّنیا فکحقن الدّماء و الظفر بالأعداء و غنیمه الأموال و رفاه الحال، و أمّا فی العقبى فالنّجاه من النّار و الأمن من غضب الجبّار و الفوز بجنّات تجری من تحتها الأنهار، و برضوان من اللَّه أکبر و هو أعظم النّعماء و أشرف الآلاء.

(و مصابیح الظّلم) لفظ المصابیح أیضا استعاره للمعارف الحقّه و العقائد الالهیّه، إذ تصفیه القلب بها یرتفع ظلمات الشّبهات و یندفع رین الشکوکات عنه فی الدّنیا بخلاف الّذین کفروا فقد خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ وَ عَلى‏ سَمْعِهِمْ وَ عَلى‏ أَبْصارِهِمْ غِشاوَهٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ، و أمّا فی الآخره فبسبب تلک المعارف و بعض الأعمال الصّالحه الّتی هى من فروع الدّین و الاسلام یحصل نور للمؤمن فی القبر و البرزخ و القیامه، هذا و یحتمل أن یکون لفظ المصابیح استعاره لأولیاء الدّین و أئمّه الیقین قاده المسلمین إذ بهم یهتدی من ظلمات الجهل و الضّلال فی الدّین و الدّنیا، و بأنوارهم یسلک سبیل الجنّه فی الأخرى کما قال عزّ من قائل: «نُورُهُمْ یَسْعى‏ بَیْنَ أَیْدِیهِمْ».

و قد مرّ الکلام فی هذا المعنى مشبعا فی شرح الفصل الأوّل من الخطبه الرّابعه فلیراجع ثمه.
(لا تفتح الخیرات إلّا بمفاتحه) أراد بالخیرات النّعم الأخرویّه و اللّذائذ الدّائمه الباقیه و الدّرجات العالیه، و مفاتح الاسلام الفاتحه لها عباره عن فروعات‏الاسلام و الأعمال الحسنه و العبادات الّتی کلّ منها سبب لجزاء مخصوص و موصله الى درجه مخصوصه من درجات الجنان و مفاتح لأبوابها.

کما ورد فی بعض الأخبار: أنّ للجنّه ثمانیه أبواب: الباب الأوّل اسمه التّوبه، الثّانی الزّکاه، الثّالث الصّلاه، الرّابع الأمر و النّهى، الخامس الحجّ السّادس الورع، السّابع الجهاد، الثّامن الصّبر، فانّ الظّاهر منه أنّ التّوبه مفتاح للباب الأوّل و الزّکاه للثانی و هکذا.

(و لا تکشف الظلمات إلّا بمصابیحه) قد طهر توضیحه ممّا قدّمناه آنفا فی شرح قوله: فیه مصابیح الظلم (قد أحمى حماه) المراد بحمى الاسلام المحرّمات الشّرعیّه و قد أحماها اللَّه سبحانه أى جعلها عرضه لأن تحمى، أى منع و نهى عن الاقتحام فیها.

و یدلّ على ما ذکرناه ما فی الوسائل عن الصّدوق قال: إنّ أمیر المؤمنین علیه السّلام خطب النّاس فقال فی کلام ذکره: حلال بیّن، و حرام بیّن، و شبهات بین ذلک فمن ترک ما اشتبه علیه من الاثم فهو لما استبان له أترک، و المعاصى حمی اللَّه فمن یرتع حولها یوشک أن یدخلها و فیه عن الفضل بن الحسن الطبرسی فی تفسیره الصّغیر قال: فی الحدیث أنّ لکل ملک حمى و حمى اللَّه محارمه فمن رتع حول الحمى أوشک أن یقع فیه.

و فیه عن الکراجکى فی کتاب کنز الفواید بسنده عن سلام بن المستنیر عن أبی جعفر الباقر علیه السّلام قال قال جدّی رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله: أیّها النّاس حلالی حلال إلى یوم القیامه، و حرامی حرام إلى یوم القیامه، ألا و قد بینهما اللَّه عزّ و جلّ فی الکتاب و بیّنتهما لکم فی سنّتی و سیرتی، و بینهما شبهات من الشّیطان و بدع بعدى من ترکها صلح له أمر دینه و صلحت له مرّوته و عرضه، و من تلبّس بها وقع فیها و اتبعها کان کمن رعى غنمه قرب الحمى، و من رعى ما شئته قرب الحمى نازعته نفسه إلى أن یرعاها فی الحمى، ألا و إنّ لکلّ ملک حمى، ألا و إنّ حمى اللَّه عزّ و جلّ محارمه، فتوّقوا حمى اللَّه و محارمه.

(و أرعى مرعاه) المراد بمرعاه المباحات و المحلّلات الشّرعیه، فانّ اللَّه سبحانه قد رخّص المکلّفین فی الاقدام علیها و تناولها و التّمتع بها.
(فیه شفاء المشتفى و کفایه المکثفى) إذ به یحصل التّقرب الرّوحانی من الحقّ تعالى، و هو شفاء لکلّ داء و غنى لکلّ فقر، و إلیه یؤمى ما فی الحدیث القدسی یابن آدم کلّکم ضالّ إلّا من هدیته، و کلّکم مریض إلّا من شفیته، و کلّکم فقیر إلّا من أغنیته

تنبیه

ما ذکرته فی شرح هذه الفقرات الأخیره أعنی قوله: من ظاهر علم، إلى آخر الفصل هو الّذی ظهر لی فی المقام و هو الأنسب بسیاق الکلام.
و قال الشّارح المعتزلی و البحرانی و تبعهما غیرهما: إنّ المراد بقوله: من ظاهر علم هو القرآن، و ما ذکره إلى آخر الفصل أوصاف له.

قال الشّارح المعتزلی و یعنى بظاهر علم و باطن حکم القرآن ألا تراه کیف أتى بعده بصفات و نعوت لا یکون إلّا للقرآن من قوله: لا تفنى غرایبه، أى آیاته المحکمه و براهینه القاطعه، و لا تنقضى عجائبه، لأنّه مهما تأمّله الانسان استخرج منه بفکره غرایب و عجایب لم یکن عنده من قبل، فیه مرابیع النعم المرابیع سبب لظهور الکلاء، و کذلک تدبر القرآن سبب للنعم الدّینیه و حصولها، قد أحمى حماه و أرعى مرعاه، أى عرض حمى القرآن و محارمه لأن یجتنب و عرض مرعاه لأن یرعى، أى یمکن من الانتفاع بما فیه من الزّواجر و المواعظ لأنه خاطبنا بلسان عربیّ مبین، و لم تقنع ببیان ما لا یعلم إلّا بالشرع حتى نبّه فی أکثره على أدلّه العقل.

و قال الشارح البحرانی: ثمّ أخذ علیه السّلام فی إظهار منّه اللَّه علیهم بالقرآن الکریم و تخصیصهم به من بین سایر الکتب و اعدادهم لقبوله من سایر الامم.
ثمّ نبّه على بعض أسباب إکرامه تعالى لهم به أمّا من جهه اسمه فلأنّه مشتق من السّلامه بالدّخول فی الطّاعه.

و أمّا من جهه معناه فمن وجوه: أحدها أنّه مجموع کرامه من اللَّه لخلقه لأنّ مدار جمیع آیاته على هدایه الخلق إلى سبیل اللَّه القائده إلى الجنّه الثّانی أنّ اللَّه اصطفى منهجه و هو طریقته الواضحه المؤدّیه للسّالکین بالسیر إلى رضوان اللَّه الثّالث أنّه بیّن حججه و هى الأدلّه و الأمارات و قسم الحجج إلى ظاهر علم و أشار به إلى ظواهر الشّریعه و أحکامها الفقهیّه و أدلّه تلک الأحکام، و باطن حکم و أشار به إلى ما یشتمل علیه الکتاب العزیز من الحکمه الالهیه و أسرار التوحید و علم الأخلاق و السیاسات و غیرها الرابع أنّه لا تفنى عزائمه«» و أراد بالعزائم هنا الآیات المحکمه و براهینه العازمه أى القاطعه، و عدم فنائها إشاره إمّا إلى ثباتها و استقرارها على طول المدّه و تغیر الأعصار، و إمّا إلى کثرتها عند البحث و التفتیش عنها الخامس و لا تنقضى عجایبه، لأنّه کلّما تأمله الانسان استخرج منه بفکره لطایف معجبه من أنواع العلوم لم یکن عنده من قبل.

السادس فیه مرابیع النعم، استعار لفظ المرابیع لما یحصل علیه الانسان من النعم ببرکه القرآن و لزوم أوامره و نواهیه و حکمه و آدابه أمّا فی الدّنیا فالنعم التی تحصل ببرکته لحاملیه من القرّاء و المفسّرین و غیرهم ظاهره الکثره، و أمّا بالنسبه إلى الآخره فما یحصل علیه مقتبسو أنواره من الکمالات المعدّه فی الآخره من العلوم و الاخلاق الفاضله أعظم نعمه و أتمّ فضل السابع أنّ فیه مصابیح الظلم استعار لفظ المصابیح لقوانیته و قواعده الهادیه إلى اللَّه فی سبیله.

الثامن أنه لا یفتح الخیرات إلا بمفاتحه، أراد الخیرات الحقیقیه الباقیه و استعار لفظ المفاتح لمناهجه و طرقه الموصله إلى تلک الخیرات.

التاسع و لا ینکشف الظّلمات إلّا بمصابیحه أراد ظلمات الجهل و بالمصابیح قوانینه.
العاشر کونه قد أحمى حماه، استعار لفظ الحمى لحفظه و تدبّره و العمل بقوانینه، و وجه الاستعاره أنّ بذلک یکون حفظ الشّخص و حراسته أمّا فی الدّنیا فمن أیدى کثیر من الظّالمین لاحترامهم حمله القرآن و مفسّریه و من یتعلّق به، و أمّا فی الآخره فلحمایته حفظته و متدبّریه و العامل به من عذاب اللَّه کما یحمى الحمى من یلوذ به، و نسبه الأحماء إلیه مجاز.

الحادى عشر و کذلک أرعى مرعاه أى هیّأه لأن رعاه، و استعار لفظ المرعى للعلوم و الحکم و الآداب الّتی یشتمل علیه القرآن، و وجه المشابهه أنّ هذه مراعى النفوس الانسانیّه و غذائها الّذی به یکون نشوها العقلى و نماؤها الفعلى، کما أنّ المراعى المحسوسه من النّبات غذاء للأبدان الحیوانیّه الّتى بها یقوم وجودها.
الثّانیعشر فیه شفاء المشتفى، أى طالب الشّفاء منه أمّا فی الأبدان فبالتغوّذ به مع صدق النیّه فیه و سلامه الصّدور، و أمّا فی النّفوس فلشفائها به من أمراض الجهل.

الثالث عشر و کفایه المکتفى، أراد بالمکتفى طالب الکفایه أما من الدّنیا فلأنّ حمله القرآن الطالبین به المطالب الدّنیویه هم أقدر و أکثر الناس على الاحتیال به فی تحصیل مطالبهم و کفایتهم بها، و أمّا فی الآخره فلأنّ طالب الکفایه منها یکفیه تدبّر القرآن و لزوم مقاصده فی تحصیل مطلوبه منها
تذییل
قد وعدناک تحقیق الکلام فی قوله علیه السّلام: لا یدخل الجنّه إلّا من عرفهم و عرفوه و لا یدخل النار إلّا من أنکرهم و أنکروه، و قد تکلّم فیه الشارحان البحرانی‏و المعتزلی على ما یقتضیه سلیقتهما و بلغا فیه غایه و سعهما و بذلا منتهى الجهد إلّا أنّهما لقصور یدیهما عن أخبار العتره الأطهار الأطیاب لم یکشفا عن وجوه خرایده النّقاب، و خفى علیهما وجه التحقیق و مقتضى النّظر الدّقیق، فأحببت أن اشبع الکلام فی المقام، لکونه حقیقا بذلک مع الاشاره إلى بعض ما قاله الشّارحان الفاضلان، و ینبغی أن نورد أوّلا جمله من الرّوایات الموافقه معنى لکلامه علیه السّلام ثمّ نتبعها بالمقصود.

فأقول: و باللَّه التّوفیق قال تعالى: «وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ یَعْرِفُونَ کُلًّا بِسِیماهُمْ» و للمفسّرین فی تفسیر الأعراف قولان: أحدهما أنّها سور بین الجنّه و النّار أو شرفها و أعالیها، أو الصّراط فیکون مأخوذا من عرف الدّیک و ثانیهما أنّ على معرفه أهل الجنّه و النّار رجال و الأخبار تدلّ على التّفسیرین، و ربّما یظهر من بعضها أنّه جمع عریف کشریف و أشراف، فیکون مرادفا للعرفاء، فلا بدّ على هذا التفسیر من التّقدیر أى على طریق الأعراف رجال أو على التجرید، هکذا قال العلّامه المجلسى: و هو انّما یستقیم إذا جعلنا الأعراف مأخوذا من المعرفه، و أمّا إذا کان جمعا لعریف فهذا التقدیر لا یرفع الاشکال، إذ یکون محصّل المعنى أنّ على طریق عرفاء أهل الجنه و النّار رجال و الحال أنّ هذه الرّجال نفس الأعراف و العرفاء، فکیف یکونون على طریق العرفاء، و التجرید أیضا غیر مستقیم کما لا یخفى فاللّازم حینئذ جعل الأعراف فی الآیه بمعنى السّور، أو المواضع العالیه و نحوها، أو بمعنى المعرفه، و على ذلک فلا ینافی وصف الرّجال بکونهم أعرافا أیضا کما فی الأخبار المتقدّمه و الآتیه، لکونهم عرفاء العباد أعنى أنّ کلّا منهم عریف أو لکونهم عارفین باللَّه، أو لأنّهم سبیل معرفه اللَّه و نحو ذلک‏

قال فی الصّافی: و الوجه فی إطلاق لفظ الأعراف على الأئمه أنّ الأعراف إن کان اشتقاقها من المعرفه فالأنبیاء و الأوصیاء هم العارفون و المعروفون و المعرّفون اللَّه و النّاس للنّاس فی هذه النشأه، و إن کان من العرف بمعنى المکان العالی المرتفع فهم الّذین من فرط معرفتهم و شدّه بصیرتهم کأنّهم فی مکان عال مرتفع ینظرون إلى سایر النّاس فی درجاتهم و درکاتهم، و یمیزون السّعداء عن الأشقیاء على معرفه منهم بهم و هم بعد فی هذه النشأه إذا ظهر لک ذلک فلنورد بعض ما ورد من الأخبار المناسبه للمقام فأقول: روى فی البحار من بصایر الدّرجات و منتخب البصایر معنعنا عن مقرن قال: سمعت أبا عبد اللَّه علیه السّلام یقول: جاء ابن الکوا إلى أمیر المؤمنین علیه السّلام فقال: یا أمیر المؤمنین و على الأعراف رجال یعرفون کلّا بسیماهم، فقال علیه السّلام نحن الأعراف نعرف أنصارنا بسیماهم، و نحن الأعراف الّذین لا یعرف اللَّه عزّ و جلّ إلّا بسبیل معرفتنا، و نحن الأعراف یعرفنا «یوقفنا» اللَّه عزّ و جلّ یوم القیامه على الصّراط، فلا یدخل الجنّه إلّا من عرفنا و نحن عرفناه، و لا یدخل النّار إلّا من أنکرنا و أنکرناه، إنّ اللَّه لو شاء لعرف العباد نفسه، و لکن جعلنا أبوابه و صراطه و سبیله و الوجه الذی یؤتى منه، فمن عدل عن ولایتنا أو فضّل علینا غیرنا فانّهم عن الصّراط لناکبون، و لا سواء من اعتصم النّاس به، و لا سواء من ذهب حیث ذهب النّاس، ذهب الناس إلى عیون کدره«» یفرغ بعضها فی بعض، و ذهب من ذهب إلینا إلى عیون صافیه تجرى بامور لانفاد لها و لا انقطاع و فیه من البصایر و منتخب البصایر أیضا مرفوعا إلى الأصبغ بن نباته عن سلمان الفارسی (ره) قال: اقسم باللَّه لسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم و هو یقول لعلیّ علیه السّلام: یا علیّ إنک و الأوصیاء من بعدی أو قال من بعدک أعراف لا یعرف اللَّه إلّا بسبیل معرفتکم و أعراف لا یدخل الجنّه إلّا من عرفکم و عرفتموه، و لا یدخل النّار إلّا من أنکرکمو أنکرتموه.

و فیه من الکتابین المذکورین عن المنبه عن الحسین بن علوان عن سعد بن طریف عن أبی جعفر علیه السّلام قال: سألته عن هذه الآیه «و على الأعراف رجال یعرفون کلّا بسیماهم» قال علیه السّلام: یا سعد آل محمّد صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم لا یدخل الجنّه إلّا من عرفهم و عرفوه، و لا یدخل النّار إلّا من أنکرهم و أنکروه، و أعراف لا یعرف اللَّه إلّا بسبیل معرفتهم و فیه من البصایر عن عبد اللَّه بن عامر و ابن عیسى عن الجمال عن رجل عن نصر العطار قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم لعلیّ علیه السّلام: یا علیّ ثلاث اقسم أنّهنّ حقّ: إنّک و الأوصیاء عرفاء لا یعرف اللَّه إلّا بسبیل معرفتکم، و عرفاء لا یدخل الجنّه إلّا من عرفکم و عرفتموه، و عرفاء لا یدخل النّار إلّا من أنکرکم و أنکرتموه و فی الصّافی من المجمع و الجوامع عن أمیر المؤمنین علیه السّلام نحن نوقف یوم القیامه بین الجنّه و النّار، فمن ینصرنا عرفناه بسیماه فأدخلناه الجنّه، و من أبغضنا عرفناه بسیماه فأدخلناه النّار و من تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّی عن الصّادق علیه السّلام کلّ أمّه یحاسبها إمام زمانها و یعرف الأئمّه أولیائهم و أعدائهم بسیماهم، و هو قوله «و على الأعراف رجال یعرفون کلّا بسیماهم» فیعطوا أولیائهم کتابهم بیمینهم فیمرّوا إلى الجنّه بلا حساب و یعطوا اعدائهم کتابهم بشمالهم فیمرّوا على النّار بلا حساب هذا، و الأخبار فی هذا المعنى کثیره و فیما أوردناه کفایه إذا عرفت هذا فلنعد إلى تحقیق معنى قوله علیه السّلام: لا یدخل الجنّه إلّا من عرفهم و عرفوه، و لا یدخل النّار إلّا من أنکرهم و أنکروه فأقول: أما القضیه الاولى فالمراد بها معرفه النّاس بالولایه و الامامه، و معرفتهم للنّاس بالتّشیع و المحبّه، لا المعرفه بأعیانهم فقط، و إنّما لا یدخل الجنّه غیر هؤلاء، لأنّ الاذعان بالولایه أعنی معرفه الأئمه حقّ المعرفه و الاعتقاد بامامتهم و بأنّهم مفترض الطاعه هو الرّکن الأعظم من الایمان، و شرط قبولیّه سایر الأعمال و العبادات، و بدونه لا ینتفع بشی‏ء منها کما مرّ تحقیق ذلک و تفصیلهو دللنا علیه فی التّذنیب الثّالث من شرح الفصل الرّابع من الخطبه الاولى.

و یدلّ علیه أیضا الأخبار المتظافره بل القریبه من التّواتر لو لم تکن متواتره الدّاله إلى أنّ من مات و لم یعرف إمامه مات میته الجاهلیّه.
و من جمله تلک الأخبار ما فی البحار من کنز الکراجکى مسندا عن الحسن ابن عبد اللَّه الرّازی عن أبیه عن علیّ بن موسى الرّضا عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیهم السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم من مات و لیس له إمام من ولدى مات میته جاهلیّه یؤخذ بما عمل فی الجاهلیّه و الاسلام.

و من طریق العامّه عن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و قال: من مات و لیس فی عنقه بیعه لامام أو لیس فی عنقه عهد لامام مات میته جاهلیّه و من عیون أخبار الرّضا فیما کتب الرّضا علیه السّلام للمأمون من شرایع الدّین: من مات لا یعرف أئمّته مات میته جاهلیّه ثمّ المراد بالمعرفه فی قوله علیه السّلام: إلّا من عرفهم و عرفوه، هو المعرفه فی الدّنیا و فی الآخره، أمّا معرفه النّاس بالأئمه فی هذه النشأه فبأن یعرفوا أنّ لکلّ زمان إماما و یعرفوا إمام زمانهم بخصوصه و هو حىّ ناطق یجب طاعته فیما یأمر و ینهى و أمّا معرفتهم بهم فی النشأه الآخره فانّ کلّ امّه تدعى مع امامه قال تعالى: «یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِیَ کِتابَهُ بِیَمِینِهِ فَأُولئِکَ یَقْرَؤُنَ کِتابَهُمْ وَ لا یُظْلَمُونَ فَتِیلًا».

روى فی البحار من تفسیر علیّ بن إبراهیم بسنده عن الفضل عن أبی جعفر علیه السّلام فی هذه الآیه قال: یجی‏ء رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله فی قرنه، و علیّ علیه السّلام فی قرنه، و الحسن فی قرنه، و الحسین فی قرنه، و کلّ من مات بین ظهرانیّ قوم جاءوا معه، و قال علیّ ابن إبراهیم فی هذه الآیه ذلک یوم القیامه ینادى مناد لیقم أبو بکر و شیعته، و عمر و شیعته، و عثمان و شیعته، و علیّ علیه السّلام و شیعته، و قد مرّ فی شرح الفصل الثالث من الخطبه السّادسه و الثّمانین الحدیث الشّریف النّبوی فی ورود الامّه على النّبیّ‏یوم القیامه على خمس رایات، و أنّ الرّایه الخامسه مع أمیر المؤمنین علیه السّلام و معه شیعته، فلیتذکّر.
و فی البحار من أمالی الشّیخ بسنده عن کثیر بن طارق قال سألت زید بن علیّ بن الحسین علیهم السّلام عن قول اللَّه تعالى: «لا تَدْعُوا الْیَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً کَثِیراً».

فقال: یا کثیر إنّک رجل صالح و لست بمتّهم و إنّی أخاف علیک أن تهلک أنّ کلّ إمام جائر فان أتباعهم إذا أمر بهم إلى النّار نادوا باسمه فقالوا یا فلان یا من أهلکناهم «کذا» الآن فخلصنا ممّا نحن فیه، ثمّ یدعون بالویل و الثّبور فعندها یقال لهم «لا تدعوا الیوم ثبورا واحدا و ادعوا ثبورا کثیرا» قال زید بن علیّ رحمه اللَّه: حدّثنی أبی علیّ بن الحسین عن أبیه حسین بن علیّ علیهما السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم لعلیّ علیه السّلام یا علیّ أنت و أصحابک فی الجنّه أنت و أتباعک یا علیّ فی الجنّه، هذا و بما ذکرناه من أنّ المراد بمعرفه الأئمه علیهم السّلام معرفتهم بالولایه و الامامه لا المعرفه بأعیانهم فقط ظهر لک أنّ هذه المعرفه مخصوصه بالفرقه المحقّه الامامیّه لا توجد فی غیرهم.

فما حکاه الشّارح المعتزلی من أصحابه المعتزله من أنّهم قائلون بصحه هذه القضیّه، و هى أنّه لا یدخل الجنّه إلّا من عرف الأئمه ألا ترى أنّهم یقولون الأئمه بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم فلان و فلان و یعدّوهم واحدا واحدا، فلو أنّ انسانا لا یقول بذلک لکان عندهم فاسقا و الفاسق عندهم لا یدخل الجنّه أبدا أعنى من مات على فسقه، فقد ثبت أنّ هذه القضیّه و هى قوله علیه السّلام: لا یدخل الجنّه إلّا من عرفهم قضیّه صحیحه على مذهب المعتزله انتهى فیه ما لا یخفى إذ مجرّد معرفتهم و تعدادهم واحدا واحدا لا یکفى فی دخول الجنّه و لا یترتّب علیها ثمره أصلا، و إنّما اللّازم معرفتهم بوصف الامامه و الخلافه من رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم بلا فصل، و أنّ العصر لا یخلو من إمام إمّا ظاهر مشهور أوغائب مستور و إنّ امام زماننا الآن حیّ حاضر موجود و إن کان غایبا عن أعیننا، لاقتضاء الحکمه و هو الثّانی عشر من الأئمه و مهدی الامّه سلام اللَّه علیه و على آبائه الطاهرین، و هو ینافی القول بخلافه الأوّل و الثّانی و الثّالث کما هو مذهب المعتزله و سایر العامّه، و ینافی إنکار وجود امام الزّمان علیه السّلام الآن کما علیه بنائهم استبعادا لغیبته بطول المدّه و الزّمان، هذا تمام الکلام فی معرفه النّاس بالأئمه و أمّا معرفتهم علیهم السّلام بالنّاس فقد قلنا إنّ المراد بها أیضا معرفتهم لهم بالتّشیّع و المحبّه، لا المعرفه بذواتهم و أشخاصهم فقط و إلّا فهم یعرفون المنافقین و الکفّار کما یعرفون شیعتهم و المؤمنین الأبرار فان قلت: نحن نرى کثیرا من شیعتهم و محبّیهم لا تعرفهم الأئمّه و لا یرون أشخاصهم.

قلت: هذا اعتراض سخیف أورده الشّارح البحرانی فی هذا المقام، و أجاب عنه بقوله: لا یشترط فی معرفتهم لمحبّیهم و معرفه محبّیهم لهم المعرفه الشّخصیّه العینیّه، بل الشّرط المعرفه على وجه کلّی و هو أن یعلموا أنّ کلّ من اعتقد حقّ امامتهم و اهتدى بما انتشر من هدیهم فهو ولىّ لهم و مقیم لهذا الرّکن من الدّین فیکونون عارفین بمن یتولّاهم على هذا الوجه و یکون من یتولّاهم عارفا بهم لمعرفته بحقّیه ولایتهم و اعتقاد ما یقولون و إن لم یشترط المشاهده و المعرفه الشّخصیّه انتهى.

و لا یکاد ینقضی عجبی من هذا الفاضل کیف ضعف اعتقاده بأئمّه الدّین و شهداء النّاس أجمعین، و هذه العقیده لا یرتضیها عوام الشّیعه و لا یستحسنها لأنفسهم لو عرضت علیهم، فکیف بالخواص و کیف یجتمع القول بعدم المعرفه الشّخصیّه مع القول بکونهم علیهم السّلام شهداء العباد یوم المعاد على ما دلّت علیه الأخبار الکثیره المتقدّمه فی شرح الخطبه الحادیه و السّبعین و الشّهاده فرع المعرفه التّفصیلیّه بلى و اللَّه إنّهم علیهم السّلام لیعرفون شیعتهم و محبّیهم و المؤمنین بهم تفصیلا بأشخاصهم و ذواتهم و أعیانهم، و یعرفون حالاتهم و درجاتهم و التفاوت فی مقاماتهم و درجاتهم‏بحسب تفاوتهم فی الایمان و المحبّه شدّه و ضعفا و نقصا و کمالا کما یعرفونهم بأسمائهم و أسماء آبائهم و عشایرهم و أنسابهم کلّ ذلک قد قامت علیه الأدلّه المعتبره.

و دلّت علیه الأخبار القریبه من التواتر بل هى متواتره منها ما فی البحار من کتاب بصائر الدّرجات للصفار عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن صالح بن سهل عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام أنّ رجلا جاء إلى أمیر المؤمنین علیه السّلام و هو مع أصحابه فسلّم ثمّ قال: أنا و اللَّه أحبّک و أتولّاک، فقال له أمیر المؤمنین علیه السّلام: ما أنت کما قلت ویلک إنّ اللَّه خلق الأرواح قبل الأبدان بألفی عام، ثمّ عرض علینا المحبّ لنا فو اللَّه ما رأیت روحک فیمن عرض علینا فأین کنت فسکت الرّجل عند ذلک و لم یراجعه و عن محمّد بن حمّاد الکوفی عن أبیه عن نصر بن مزاحم عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبی جعفر علیه السّلام قال: إنّ اللَّه أخذ میثاق شیعتنا من صلب آدم فنعرف بذلک حبّ المحبّ و إن أظهر خلاف ذلک بلسانه، و نعرف بغض المبغض و إن أظهر حبّنا أهل البیت و عن أحمد بن محمّد و محمّد بن الحسین معا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن بکیر قال: کان أبو جعفر علیه السّلام یقول: إنّ اللَّه أخذ میثاق شیعتنا بالولایه لنا و هم ذرّ یوم أخذ المیثاق على الذّر بالاقرار له بالرّبوبیّه و لمحمّد صلّى اللَّه علیه و آله بالنبوّه و عرض اللَّه على محمّد صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم امّته فی الطّین و هم أظلّه، و خلقهم من الطّینه الّتی خلق منها آدم، و خلق اللَّه أرواح شیعتنا قبل أبدانهم بألفى عام، و عرضهم علیه و عرّفهم رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و عرّفهم علیّا و نحن نعرفهم فی لحن«» القول و عن ابن یزید عن ابن فضال عن ظریف بن ناصح و غیره عمّن رواه عن حبابه الوالبیه قالت: قلت لأبی عبد اللَّه علیه السّلام: إنّ لی ابن أخ و هو یعرف فضلکم و إنی احبّ‏أن تعلّمنى أ من شیعتکم فقال: و ما اسمه قالت: قلت: فلان بن فلان، فقال علیه السّلام یا فلانه هات الناموس فجاءت بصحیفه تحملها کبیره فنشرها ثمّ نظر فیها فقال: هو ذا اسمه و اسم أبیه ههنا و بسنده أیضا عن أبی بصیر عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام إنّ حبابه الوالبیه کانت إذا وفد الناس إلى معاویه وفدت هی إلى الحسین علیه السّلام و کانت امرأه شدیده الاجتهاد قد یبس جلدها على بطنها من العباده و أنّها خرجت مرّه و معها ابن عمّ لها و هو غلام فدخلت به على الحسین علیه السّلام فقالت له: جعلت فداک فانظر هل تجد ابن عمّی هذا فیما عندکم و هل تجده ناجیا قال: فقال: نعم نجده عندنا و نجده ناجیا و بسنده عن أبی محمّد البزّاز قال: حدّثنى حذیفه بن أسید الغفاری «رض» صاحب النبیّ صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم قال: دخلت على علیّ بن الحسین بن علیّ علیهم السّلام فرأیته یحمل شیئا قلت: ما هذا قال: هذا دیوان شیعتنا، قلت: أرنى أنظر فیها اسمى، فقلت إنّی لست أقرء و انّ ابن أخى یقرأ، فدعى بکتاب فنظر فیه فقال ابن اخى: اسمى و ربّ الکعبه، قلت: ویلک أین اسمى فنظر فوجد اسمی بعد اسمه بثمانیه أسماء و عن أحمد بن محمّد عن علیّ بن الحکم عن ابن عمیره عن الحضرمی عن رجل من بنی حنیفه قال: کنت مع عمّی فدخل على علیّ بن الحسین علیهما السّلام فرأى بین یدیه صحایف ینظر فیها فقال له: أىّ شی‏ء هذه الصّحف جعلت فداک قال: هذا دیوان شیعتنا قال: أ فتأذن أطلب اسمى فیها قال: نعم، فقال: و انّی لست أقرء و ابن اخى معى على الباب فتأذن له یدخل حتّى یقرأ قال: نعم فأدخلنی عمّی فنظرت فی الکتاب فأوّل شی‏ء هجمت علیه اسمى فقلت: اسمى و ربّ الکعبه قال: ویحک فأین أنا فجزت بخمسه أسماء أو ستّه ثمّ وجدت اسم عمّی، فقال علیّ بن الحسین علیهما السّلام: أخذ اللَّه میثاقهم معنا على ولایتنا لا یزیدون و لا ینقصون إنّ اللَّه خلقنا من أعلى علّیین و خلق شیعتنا من طینتنا أسفل من ذلک، و خلق عدوّنا من سجّین، و خلق أولیائهم منهم من أسفل ذلک و عن عبد اللَّه بن محمّد عمّن رواه عن محمّد بن الحسن عن عمّه علیّ بن السّرى

الکرخی قال: کنت عند أبی عبد اللَّه علیه السّلام فدخل علیه شیخ و معه ابنه فقال له الشّیخ جعلت فداک أمن شیعتکم أنا فأخرج أبو عبد اللَّه علیه السّلام صحیفه مثل فخذ البعیر فناوله طرفها ثمّ قال له: أدرج، فأدرجه حتّى أوقفه على حروف من حروف المعجم فاذا اسم ابنه قبل اسمه، فصاح الابن فرحا اسمی و اللَّه، فرحم الشّیخ ثمّ قال له: أدرج فأدرج فأوقفه أیضا على اسمه کذلک و عن محمّد بن عیسى عن عبد الصّمد بن بشیر عن أبی جعفر علیه السّلام قال: انتهى النّبی إلى السّماء السّابعه و انتهى إلى سدره المنتهى قال: فقالت السّدره ما جازنی مخلوق قبلک، ثمّ دنى فتدلّى فکان قاب قوسین أو أدنى فأوحى قال: فدفع إلیه کتاب أصحاب الیمین و کتاب أصحاب الشّمال، فأخذ کتاب أصحاب الیمین بیمینه و فتحه و نظر فیه فاذا فیه أسماء أهل الجنّه و أسماء آبائهم و قبائلهم، ثمّ نزل و معه الصحیفتان فدفعهما إلى علیّ بن أبی طالب علیه السّلام و فی البحار من کتاب الاختصاص معنعنا عن عبد اللَّه بن الفضل الهاشمی قال قال لی أبو عبد اللَّه علیه السّلام: یا عبد اللَّه بن الفضل إنّ اللَّه تبارک و تعالى خلقنا من نور عظمته، و صنعنا برحمته و خلق أرواحکم منّا، فنحن نحنّ إلیکم و أنتم تحنّون إلینا، و اللَّه لو جهد أهل المشرق و المغرب أن یزیدوا فی شیعتنا رجلا أو ینقصوا منهم رجلا ما قدروا على ذلک، و إنّهم لمکتوبون عندنا بأسمائهم و عشایرهم و أنسابهم، یا عبد اللَّه بن الفضل و لو شئت لأریتک اسمک فی صحیفتنا قال: ثمّ دعى الصحیفه فنشرها فوجدتها بیضاء لیس فیها أثر الکتابه فقلت: یا ابن رسول اللَّه ما أرى فیها أثر الکتابه، قال: فمسح یده علیها فوجدتها مکتوبه فوجدت فی أسفلها اسمى، فسجدت اللَّه شکرا، هذا و الأخبار فی هذا الغرض کثیره و قد عقد فی البحار بابا علیها و فیما رویناه کفایه إنشاء اللَّه عزّ و جلّ و أمّا القضیه الثانیه أعنى قوله علیه السّلام: و لا یدخل النّار إلّا من أنکرهم و أنکروه، فهى لتضمّنها أداه الحصر منحلّه إلى قضیّتین کالقضیّه الاولى إحداهما ایجابیّه و الأخرى سلبیّه

أمّا الایجابیّه فهى أنّ المنکر لهم و من أنکروه فی النّار، و هذه قضیّه صحیحه لا غبار علیها لما قدّمنا من أنّ من مات و لم یعرف إمام زمانه مات میته الجاهلیّه، و میته الجاهلیّه مستلزمه لدخول النار، و قد مرّ فی التذییل الثالث من شرح الفصل الرّابع من الخطبه الأولى روایه جعفر بن محمّد علیهما السّلام عن أبیه قال: نزل جبرئیل على النبیّ صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم و قال: یا محمّد اللَّه یقرؤک السلام و یقول: خلقت السماوات السبع و ما فیهنّ و خلقت الأرضین السبع و من علیهنّ، و ما خلقت موضعا أعظم من الرکن و المقام، و لو أنّ عبدا دعانی منذ خلقت السماوات و الأرض ثمّ لقینى جاحدا لولایه علیّ علیه السّلام لأکببته فی سقر، و قد مرّ هناک روایات أخر بهذا المعنى فتذکّر و أمّا السلبیّه فهى أنّ من لا ینکرهم و لا ینکرونه فهو لا یدخل النار، و هى بظاهرها مستلزمه لعدم دخول أحد من غیر المنکرین فی النار و إن کان من مرتکبی الکبائر.

و قد أخذ الشارح البحرانی بظاهرها حیث قال: لا یجوز أن یکون من أنکرهم فأنکروه أخسّ ممن یدخل النّار و إلّا لصدق على بعض من یتولّاهم و یعترف بصدق إمامتهم أنه یدخل النار لکن ذلک باطل لقول الرسول صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم یحشر المرء مع من أحبّ، و لقوله لو أحبّ رجل حجرا لحشر معه، دلّ الخبر على أنّ محبّه الانسان لغیره مستلزم لحشره معه، و قد ثبت أنهم علیهم السّلام إلى الجنّه یحشرون فکذلک من أحبّهم و یعترف بحقیّه إمامتهم، و دخول الجنّه و دخول النار ممّا لا یجتمعان، فثبت أنّه لا واحد ممّن یحبّهم و یعترف بحقّهم یدخل النّار، و قد ظهر إذا صدق هذه الکلیّه و وجه الحصر فیها، انتهى أقول: و یصدق هذه الکلّیه و یدلّ علیها روایات کثیره فوق حدّ الاحصاء: ففى البحار من کتاب فضایل الشّیعه للصّدوق باسناده عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم: حبّ علیّ بن أبی طالب علیه السّلام یأکل السیّئات کما تأکل النّار الحطب.

و من کنز جامع الفواید و تأویل الآیات قال: روى شیخ الطّایفه باسناده‏عن زید بن یونس الشّحام قال: قلت لأبی الحسن موسى علیه السّلام، الرّجل من موالیکم عاص یشرب الخمر و یرتکب الموبق من الذّنب نتبرّء منه فقال علیه السّلام: تبرّؤا من فعله و لا تبرّؤا من خیره و ابغضوا عمله، فقلت: یسع لنا أن نقول: فاسق فاجر فقال: لا الفاسق الفاجر الکافر الجاحد لنا و لأولیائنا أبی اللَّه أن یکون ولیّنا فاسقا فاجرا و إن عمل ما عمل، و لکنّکم قولوا: فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النّفس خبیث الفعل طیّب الرّوح و البدن، لا و اللَّه لا یخرج ولیّنا من الدّنیا إلّا اللَّه و رسوله و نحن عنه راضون، یحشر اللَّه على ما فیه من الذّنوب مبیضّا وجهه، مستوره عورته، آمنه روعته لا خوف علیه و لا حزن، و ذلک أنّه لا یخرج من الدّنیا حتى یصفى من الذّنوب إمّا بمصیبه فی مال أو نفس أو ولد أو مرض و أدنى ما یصنع بولیّنا أن یریه اللَّه رؤیا مهوله فیصبح حزینا لما رآه فیکون ذلک کفّاره له، أو خوفا یرد علیه من أهل دوله الباطل أو یشدّد علیه عند الموت فیلقى اللَّه عزّ و جلّ طاهرا من الذّنوب آمنه روعته بمحمّد و أمیر المؤمنین صلّى اللَّه علیهما، ثمّ یکون أمامه أحد الأمرین إمّا رحمه اللَّه الواسعه الّتی هی أوسع من أهل الأرض جمیعا، أو شفاعه محمّد و أمیر المؤمنین علیهما السّلام فعندها تصیبه رحمه اللَّه الواسعه الّتی کان أحقّ بها و أهلها و له إحسانها و فضلها.

و من کتاب المحتضر للحسن بن سلیمان من کتاب سیّد حسن بن کبش عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم: یا علیّ إنّ جبرئیل أخبرنی عنک بأمر قرّت به عینی و فرح به قلبی، قال: یا محمّد قال اللَّه عزّ و جلّ: اقرء محمّدا منّی السّلام و أعلمه أنّ علیّا إمام الهدى، و مصباح الدّجى، و الحجّه على أهل الدّنیا، و أنّه الصّدیق الأکبر و الفاروق الأعظم، و إنّی آلیت و عزّتی و جلالی أن لا أدخل النّار أحدا تولّاه و سلّم له و للأوصیاء من بعده، حقّ القول منّی لأملانّ جهنّم و أطباقها من أعدائه، و لأملئنّ الجنّه من أولیائه و شیعته و من کتاب اعلام الدّین للدّیلمی من کتاب الحسین بن سعید عن صفوان عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: من أحبّنا و لقى اللَّه و علیه مثل زبد البحر ذنوبا کان حقّاعلى اللَّه أن یغفر له.

و من کتاب المناقب لابن شاذان باسناده عن أبی الصّلت الهروى قال: سمعت الرّضا علیه السّلام یحدّث عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیهم السّلام قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله یقول: سمعت اللَّه عزّ و جلّ یقول: علیّ بن أبی طالب حجّتی على خلقی و نوری فی بلادی و أمینی على علمی لا أدخل النّار من عرفه و إن عصانی، و لا أدخل الجنّه من أنکره و إن أطاعنی.

و من کتاب بشاره المصطفى بسنده عن الحسین بن مصعب قال: سمعت جعفر بن محمّد علیه السّلام یقول: من أحبّنا و أحبّ محبّنا لا لغرض دنیا یصیبها منه، و عادى عدوّنا لا لأحنه کانت بینه و بینه، ثمّ جاء یوم القیامه و علیه من الذّنوب مثل رمل عالج و زبد البحر غفر اللَّه تعالى له.
و من تفسیر العیاشی عن برید بن معاویه العجلی فی حدیث عن أبی جعفر علیه السّلام قال: فقال أبو جعفر علیه السّلام: و اللَّه لو أحبّنا حجر لحشر معنا.

و من عیون الأخبار باسناد التّمیمی عن الرّضا علیه السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم من أحبّنا أهل البیت حشره اللَّه آمنا یوم القیامه.
و بهذا الاسناد قال: قال النبیّ صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم لعلیّ علیه السّلام من أحبّک کان مع النّبیین فی درجتهم یوم القیامه و من مات و هو یبغضک فلا یبالی مات یهودیّا أو نصرانیّا.
و من أمالی الشّیخ عن أبی محمّد الفحّام عن عمّه عن أبیه قال: دخل سماعه بن مهران على الصّادق علیه السّلام فقال: یا سماعه من شرّ النّاس عند النّاس قال: نحن یا ابن رسول اللَّه، قال: فغضب حتّى احمرّت و جنتاه ثمّ استوى جالسا و کان متّکئا فقال یا سماعه من شرّ النّاس عند النّاس فقلت: و اللَّه ما کذبتک یا ابن رسول اللَّه نحن شرّ النّاس عند الناس لأنّهم سمّونا کفارا و رفضه، فنظر إلىّ ثمّ قال: کیف بکم إذا سیق بکم إلى الجنّه و سیق بهم إلى النّار فینظرون إلیکم فیقولون «ما لَنا لا نَرى‏ رِجالًا کُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ» یا سماعه بن مهران إنّه من أساء منکم إسائه مشینا إلى اللَّه تعالى یوم القیامه بأقدامنا فنشفع فیه فنشفّع و اللَّه لا یدخل النّار منکم عشره رجال، و اللَّه لایدخل النّار منکم ثلاثه رجال، و اللَّه لا یدخل النّار منکم رجل واحد، فتنافسوا فی الدّرجات و اکمدوا أعدائکم بالورع.

و من کتاب کنز جامع الفواید و تأویل الآیات عن محمّد بن علیّ عن عمرو بن عثمان عن عمران عن أبی بصیر عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام فی قول اللَّه عزّ و جلّ: «قُلْ یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَهِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ».

فقال: إنّ اللَّه یغفر لکم جمیعا الذّنوب، قال: فقلت: لیس هکذا نقرأ، فقال: یا أبا محمّد فاذا غفر الذّنوب جمیعا فلمن یعذّب و اللَّه ما عنی من عباده غیرنا و غیر شیعتنا و ما نزلت إلّا هکذا إنّ اللَّه یغفر لکم جمیعا الذّنوب.
و من تفسیر العیاشی بالاسناد عن جابر عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام أنّه قال: أهل النّار یقولون «ما لنا لا نرى رجالا کنّا نعدّهم من الأشرار» یعنونکم لا یرونکم فی النّار لا یرون و اللَّه أحدا منکم فی النّار.

و فی تفسیر علیّ بن إبراهیم فی قوله تعالى: «فَیَوْمَئِذٍ لا یُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ» قال منکم یعنی من الشّیعه «إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ» قال معناه أنّ من تولّى أمیر المؤمنین علیه السّلام و تبرّء من أعدائه علیهم لعائن اللَّه و أحلّ حلاله و حرّم حرامه ثمّ دخل فی الذنوب و لم یتب فی الدّنیا عذّب لها فی البرزخ و یخرج یوم القیامه و لیس له ذنب یسأل عنه یوم القیامه.
و فی الصافی من المجمع عن الرّضا علیه السّلام قال فی هذه الآیه: إنّ من اعتقد الحقّ ثمّ أذنب و لم یتب فی الدّنیا عذّب علیه فی البرزخ و یخرج یوم القیامه و لیس له ذنب یسأل عنه.

إلى غیر هذه مما لا نطیل بذکرها، و هذه الأخبار کما ترى تعارض الأخبار الوارده فی کون مرتکبى الکبائر فی النار تعارض العموم من وجه، لأنّ هذه‏تدلّ على أنّ العارف بحقّ الأئمه علیهم السّلام و المذعن بولایتهم لا یدخل النار و إن کان مرتکبا للکبائر، و تلک الأخبار مفیده لکون ارتکابها موجبا لدخول النار و لو کان المرتکب من أهل الولایه و المعرفه، فیتعارضان فی مادّه الاجتماع، و هو العارف المرتکب للکبائر، فان رجّحنا أخبار الکبائر و ألقیناها على عمومها لا بدّ من حمل هذه الأخبار الدّاله على أنّ العارف بهم لا یدخل النار على الدّخول بعنوان الخلود لظهور أنّ الخلود إنما هو فی حقّ الکفار و المنافقین، و إن رجّحنا تلک الأخبار فلا بدّ من التخصیص فی الأخبار الوارده فی طرف الکبائر بحملها على غیر أهل المحبّه و المعرفه.

و لو لا خوف الاحتیاط و ایجاب الترجیح للجساره فی الدّین و لعدم المبالات فی شرع سیّد المرسلین لرجّحنا أخبار الولایه و قلنا بما قاله الشارح البحرانی بل أقول إنه لا تعارض بین أخبار الطرفین حقیقه إذ أخبار الولایه حاکمه على أخبار الکبائر، بل نسبه بعض الأخبار الأوله إلى الثّانیه مثل نسبه الدّلیل إلى الأصل، فانّ بعض هذه الأخبار کما عرفت مفید لکون المعرفه حابطه للسیئات و آکله لها أکل النار للحطب، و بعضها دالّ على أنّ أهل المعرفه یبتلى بمحن و مصائب یکون تمحیصا لذنوبه و کفاره لها، فعلى ذلک لا یبقى للعاصی معصیه حتى توجب دخول النّار، و بعضها یفید کون الولایه موجبه لمغفره الذّنوب من اللَّه سبحانه تفضّلا أو کونها محصله للشفاعه من النّبیّ صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم و الأئمه علیهم السّلام یوم القیامه.

نعم یبقى الاشکال بین هذه الأخبار و بین الأخبار الدّالّه على حصول الشفاعه لبعض مرتکبی السیّئات بعد دخول النّار و المکث فیها بزمان قلیل أو کثیر بحسب اختلاف مراتب المعصیه، و هى أیضا کثیره و طریق الاحتیاط هو الوقوف بین مرتبتی الخوف و الرّجاء و الورع و التّقوى فی الدّین و سلوک نهج الشّرع المبین، وفّقنا اللَّه سبحانه لما یحبّ و یرضى و نسأله أن یعاملنا بفضله و لا یؤاخذنا بعد له إنّه لما یشاء قدیر، و بالاجابه حقیق جدیر.

الترجمه

از جمله فصلهاى آن خطبه است که بعد از قتل عثمان و انتقال أمر خلافت بآن برج فلک امامت فرموده که: بتحقیق طلوع کرد طلوع کننده و درخشید درخشنده و ظاهر شد ظاهر شونده که عبارتست از ظهور شمس خلافت از مطلع خود که وجود مسعود آن بزرگوار است، و مستقیم و معتدل شد چیزى که منحرف شده بود از ارکان دین، و بدل کرد حق سبحانه و تعالى بقومی که از أهل باطل بودند قومى را از اهل حق، و بروزى که پر از جور و بدعت بود روزى را که ظاهر شد در آن انصاف و عدالت، و منتظر بودیم ما تغیرات روزگار را مثل انتظار کشیدن قحطى رسیده بباران.
و جز این نیست که أئمه طاهرین سلام اللَّه علیهم أجمعین قائمین خدا هستند بر مخلوق او شناساندگان اویند بر بندگان او داخل نمى‏شود در بهشت عنبر سرشت مگر کسى که بشناسد أئمه را و أئمه علیهم السّلام او را بشناسند، و داخل نمى‏شود در آتش سوزان مگر کسى که نشناسد ایشان را و ایشان او را نشناسند.

بدرستى که خداوند متعال مختصّ نمود شما را باسلام و خالص گردانید شما را از براى آن اسلام، و این از جهت آنست که اسلام نام سلامتست و جامع کرامت، پسندیده است خدا از براى شما طریق اسلام را، و بیان فرموده است دلائل آن را از علمى که ظاهر است از کتاب و سنّت، و از حکمتى که باطن است از عقل و فطرت، فانى نمى‏شود غرائب آن و تمام نمى‏شود عجائب آن، در اوست بارانهاى بهارى، و چراغهاى ظلمتها، گشاده نمى‏شود خیرها مگر با کلیدهاى آن، و کشف نمى‏شود ظلمتها مگر بچراغهاى آن.

بتحقیق که منع فرمود قوروق اسلام را که عبارتست از محرّمات شرعیّه، و مرخّص نمود چراگاه آنرا که عبارتست از مباحات بینه، در اوست شفاى طلب شفا کننده، و کفایت طلب کفایت نماینده.

الفصل الثالث و الرابع منها

و هو فی مهله من اللَّه یهوی مع الغافلین، و یغدو مع المذنبین، بلا سبیل قاصد، و لا إمام قائد. الفصل الرابع منها حتّى إذا کشف لهم عن جزاء معصیتهم، و استخرجهم من جلابیب غفلتهم، استقبلوا مدبرا، و استدبروا مقبلا، فلم ینتفعوا بما أدرکوا من طلبتهم، و لا بما قضوا من وطرهم، و إنّی أحذّرکم و نفسی هذه المنزله، فلینتفع امرء بنفسه، فإنّما البصیر من سمع فتفکّر، و نظر فأبصر، و انتفع بالعبر، ثمّ سلک جددا واضحا، یتجنّب فیه الصرّعه فی المهاوی، و الضّلال فی المغاوی، و لا یعین على نفسه الغواه بتعسّف فی حقّ، أو تحریف فی نطق، أو تخوّف من صدق، فأفق أیّها السّامع من سکرتک، و استیقظ من غفلتک، و اختصر من عجلتک، و أنعم الفکر فیما جاءک على لسان النّبیّ الأمّیّ صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم ممّا لا بدّ منه، و لا محیص عنه، و خالف من خالف فی ذلک إلى غیره، و دعه و ما رضى لنفسه، وضع فخرک، و احطط کبرک،و اذکر قبرک، فإنّ علیه ممرّک، و کما تدین تدان، و کما تزرع تحصد، و ما قدّمت الیوم تقدّم علیه غدا، فامهد لقدمک، و قدّم لیومک، فالحذر الحذر أیّها المستمع، و الجدّ الجدّ أیّها الغافل، «و لا ینبّئک مثل خبیر» إنّ من عزائم اللَّه فی الذّکر الحکیم الّتی علیها یثیب و یعاقب، و لها یرضى و یسخط، أنّه لا ینفع عبدا و إن أجهد نفسه و أخلص فعله، أن یخرج من الدّنیا لاقیا ربّه بخصله من هذه الخصال لم یتب منها أن یشرک باللَّه فیما افترض علیه من عبادته، أو یشفی غیظه بهلاک نفسه، أو یقرّ بأمر فعله غیره، أو یستنجح حاجه إلى النّاس باظهار بدعه فی دینه، أو یلقى النّاس بوجهین، أو یمشى فیهم بلسانین، اعقل ذلک فإنّ المثل دلیل على شبهه، إنّ البهائم همّها بطونها، و إنّ السّباع همّها العدوان على غیرها، و إنّ النّسآء همّهنّ زینه الحیاه الدّنیا و الفساد فیها، إنّ المؤمنین مستکینون، إنّ المؤمنین مشفقون، إنّ المؤمنین خائفون.

اللغه

(هوى) یهوی من باب ضرب هویا بالضمّ و الفتح و هواء بالمدّ سقط من أعلى إلى أسفل و (الجلباب) ما یغطى به من ثوب و غیره و قیل ثوب أوسع من الخمار و دون الرّداء و (الطلبه) بالکسر اسم کالطّلب محرّکه و (الجدد) محرّکهما أشرق من الرّمل و الأرض الغلیظه المستویه و بالضمّ جمع جدّه کغرف و غرفه و هو الطریق و (الصّرعه) بالفتح الطّرح على الأرض و (المهاوى) جمع المهواه و هو بفتح المیم ما بین الجبلین و قیل الحفره و قیل الوهده العمیقه و (المغاوى) جمع المغوه قال الشّارح المعتزلی: و هی الشّبهه التی یغوى بها الانسان أى یضلّ و (الغواه) جمع غاو من غوى غیّا انهمک فی الجهل و ضلّ و (استنجح) الحاجه و تنجّحها تنجزّها و استقضاها

الاعراب

جمله یهوى حال من فاعل الظّرف، و قوله: بتعسّف، متعلّق بقوله یعین، و قوله: الحذر الحذر و الجدّ الجدّ، منصوبات على الاغراء، و قوله: و لا ینبّئک مثل خبیر، مثل صفه لمحذوف و کذلک خبیر أى لا ینبّئک منبی‏ء مثل امرء خبیر، و قوله: انّه لا ینفع عبدا، اسم إنّ على تأویله بالمصدر أى إنّ من عزائمه تعالى عدم نفع عبد، و قوله: أن یخرج، فاعل ینفع، و قوله: ان یشرک بدل من خصله أو من هذه الخصال فتکون أو فی الجملات المعطوفه بعدها بمعنى الواو، و جمله إنّ البهایم استیناف بیانیّ، و کذلک جمله إنّ المؤمنین آه

المعنى

اعلم أنّ هذا الفصل من کلامه علیه السّلام متضمّن لفصلین اما الفصل الاول فقد قال الشّارح المعتزلی و غیره: انّه یصف فیه انسانا من أهل الضّلال غیر معیّن کقوله علیه السّلام: رحم اللَّه امرء اتّقى ربّه و خاف ذنبه أقول: و هو إنّما یتمّ لو علم بعدم سبق ذکر مرجع للضّمیر الآتى أعنى قوله: هو، فی کلامه علیه السّلام حذفه السیّد على دیدنه فی الکتاب، و أمّا على تقدیر سبقه و حذفه کما هو الأظهر فی النّسخ الّتی فیها عنوان هذا الفصل بقوله (منها) بل الظّاهر أیضا فی نسخه الشّارح المعتزلی الّتی عنوانه فیها بمن خطبه له علیه السّلام فلا و کیف کان فقوله (و هو فی مهله من اللَّه یهوى مع الغافلین) أراد أنّ اللَّه سبحانه أمدّ فی عمره و أمهله و أخّر أجله و کان ذلک سببا لغفلته فهو یسقط و یتردّى من‏درجه الکمال و السّلامه فی مهابط الهلاک و مهوات الغفله و ینخرط فی سلک سایر الجهّال و الغافلین (و یغدو مع المذنبین) أى یصبح معهم و هو کنایه عن موافقته لهم و ملازمته إیّاهم فی ارتکاب المعاصی و انهماک الآثام و الذّنوب (بلا سبیل قاصد و لا إمام قائد) أى من دون أن یسلک سبیلا مستقیما یوصله إلى المطلوب و یتّبع إماما عادلا یقوده إلى الصّواب و أما الفصل الثانی متضمّن للنّصح و الموعظه و تذکیر المخاطبین بالموت و تنبیههم من نوم الغفله و هو قوله (حتّى إذا کشف لهم عن جزاء معصیتهم و استخرجهم من جلابیب غفلتهم) قال الشّارح البحرانی: النفس ذو جهتین جهه تدبیر أحوالها البدنیّه بما لها من القوّه العملیه، و جهه استکمالها بقوّتها النظریه التی تتلقّى بها من العالیات کمالها، و بقدر خروجها عن حدّ العدل فی استکمال قوّتها العملیه تنقطع عن الجهه الأخرى و تکتنفها الهیآت البدنیّه فتکون فی أغطیه منها و جلابیب من الغفله عن الجهه الاخرى بالانصباب إلى ما یقتنیه مما یعدّ خیرا فی الدّنیا و بسبب انصبابها فی هذه الجهه و تمکن تلک الهیآت البدنیه منها یکون بعدها عن بارئها و نزولها فی درکات الجحیم عن درجات النعیم و بالعکس کما قال صلّى اللَّه علیه و آله و: الدّنیا و الآخره ضرّتان بقدر ما تقرب من إحداهما تبعد من الأخرى، و ظاهر إنّ بالموت تنقطع تلک الغفله، و تنکشف تلک الحجب، فیؤمئذ یتذکر الانسان و أنى له الذّکرى، و یکون ما أثبته له یومئذ من تعلّق تلک الهیئات بنفسه و حطها له عن درجات الکمال من السلاسل و الأغلال هو جزاء معصیتهم المنکشف لهم، انتهى، هذا و تشبیه الغفله بالجلباب من باب تشبیه المعقول بالمحسوس، و وجه الشّبه إحاطتها بهم و ملازمتها لهم إحاطه الثوب بالبدن و لزومه له و قوله (استقبلوا مدبرا و استدبروا مقبلا) أراد بالمدبر الّذی استقبلوه ما کان غائبا عنهم من الشقاء و النکال و النقم، و بالمقبل الّذی استدبروه ما کان حاضرا لهم من الآلاء و الأموال و النعم (فلم ینتفعوا بما أدرکوا من طلبتهم) أى اللّذات الدّنیویه التی کانت أعظم طلباتهم، لأنّهم ترکوها وراء ظهورهم (و لا بما قضوا منوطرهم) أى الشهوات النفسانیه الّتی کانت أهمّ حاجاتهم، لأنها قد زالت عنهم (و انّی أحذّرکم و نفسی هذه المنزله) أراد بها الحاله التی کان الموصوفون علیها من الغفله و الجهاله، و تشریک نفسه علیه السّلام معهم فی التحذیر لتطییب قلوب السامعین و تسکین نفوسهم لیکونوا إلى الانقیاد و الطاعه أقرب، و عن الآباء و النفره أبعد، و فی بغض النسخ بدل المنزله المزلّه، فالمراد بها الدّنیا الّتی هی محلّ الزّیغ و الزّلل و الخطاء و الخطل و لمّا نبّههم بعدم الانتفاع بالمطالب و المآرب الدّنیویه أردف ذلک بالتنبیه على ما نفعه أعمّ، و صرف الهمّه إلیه أهمّ فقال: (فلینتفع امرء بنفسه) بأن یصرفها فیما صرفها فیه أولوا الأبصار و الفکر و یوجّهها الى ما وجّهها إلیه أرباب العقول و النظر و إلیه أشار بقوله (فانّما البصیر) العارف بما یصلحه و یفسده و الخبیر الممیّز بین ما یضرّه و ینفعه (من سمع) الآیات البیّنات (فتفکّر) فیها (و نظر) إلى البراهین الساطعات (فأبصر) ها و أمعن فیها (و انتفع بالعبر) أى نظر بعین الاعتبار إلى السلف الماضین من الجبابره و الملوک و السلاطین و غیرهم من الناس أجمعین کیف انتقلوا من ذروه القصور إلى و هده القبور، و من دار العزّ و المنعه إلى بیت الذّلّ و المحنه، و فارقوا من الأموال و الأوطان، و جانبوا الأقوام و الجیران، و صاحبوا الحیّات و الدیدان، و کیف کانت الدّیار منهم بلاقع، و القبور لهم مضاجع و اندرست آثارهم، و انقطعت أخبارهم، و خربت دیارهم، و قسمت أموالهم، و نکحت أزواجهم، و حشر فی الیتامى أولادهم، و أنکرهم صدیقهم، و ترکهم وحیدا شفیقهم، ففى أقلّ هذه عبره لمن اعتبر، و تذکره لمن اتّعظ و تذکّر (ثمّ سلک جددا) أى طریقا (واضحا) و هو الصراط المستقیم، و النهج القویم أى جادّه الشریعه و منهج الدّین الموصل لسالکه إلى حظایر القدس، و مجالس الانس بشرط أن (یتجنّب) و یتباعد (فیه) عن الیمین و الشمال فانّ الطریق الوسطى هى الجادّه و الیمین و الشمال مزلّه و مضلّه توجبان (الصّرعه فی المهاوى و الضلالفی المغاوی) کما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله: ضرب اللَّه مثلا صراطا مستقیما و على جنبتى الصّراط أبواب مفتّحه، و علیها ستور مرخاه و على رأس الصّراط داع یقول جوزوا و لا تعرّجوا، قال: فالصّراط هو الدّین و هو الجدد الواضح هنا، و الدّاعى هو القرآن و الأبواب المفتّحه محارم اللَّه، و هی المهاوى و المغاوى هنا، و السّتور المرخاه هى حدود اللَّه و نواهیه.
و لمّا نبّه علیه السّلام على ما ینفع المرء و یصلحه نبّه على ما یضرّه و یفسده فقال علیه السّلام (و لا یعین على نفسه الغواه) أى أهل الضّلالات و المنهمکین فی الجهالات (بتعسّف فی حقّ) قال الشّارح البحرانی: أى لا یحملهم على مرّ الحقّ و صعبه، فانّ الحقّ له درجات بعضها سهل من بعض، فالاستقصاء فیه على غیر أهله یوجب لهم النّفره عمّن یقوله و یأمر به، و العداوه له و القول فیه، و قریب منه ما قاله الشّارح المعتزلی أى یتعسّف فی حقّ یقوله أو یأمر به فانّ الرّفق أنجح.

أقول: و ظاهر کلامهما یفید أنّهما فهما من التّعسف من کلامه علیه السّلام تشدید التّکلیف على الغواه و التّضییق علیهم فی الأحکام، فیکون محصّل مقصوده علیه السّلام على ما قالاه الرّفق بهم عند الأمر بالمعروف و النّهى عن المنکر، لئلّا یجلب العداوه منهم لنفسه بترکه فیصیبه منهم مکروه و ضرر و هذا معنى لا بأس به، و قد مرّ نظیره فی قوله علیه السّلام فی الفصل الثّانی من الکلام السّادس عشر: من أبدى صفحته للحقّ هلک عند جهله النّاس، إلّا أنّ الظّاهر أنّه علیه السّلام أراد معنى آخر أى لا یعین الغاوین بما ضرره عاید إلیه، و هو تعسّفه فی حقّ و عدم کشفه لهم و تبلیغه علیهم و إرجاعهم إلیه، و ذلک لما رأى من ترکهم للحقّ و عدو لهم عنه و انهما کهم فی الغیّ و الضّلال و رغبتهم فی الباطل، فیتعسّف تطییبا لنفوسهم و تحصیلا لرضاهم، و عود ضرر هذا التّعسف إلیه معلوم حیث یشترى رضاء المخلوق بسخط الخالق.

فعلى ما قلناه یکون المراد بالضّرر الضّرر الأخروى، و بالتّعسف العدول و الانحراف عن قول الحقّ و العمل به (أو تحریف فی نطق) أى یحرّف الکلم‏عن مواضعه، و یکذب مداراه معهم و منازله أذواقهم (أو تخوّف من صدق) أى یتکلّف الخوف من قول الصّدق و إن لم یکن خائفا فی الواقع، و عود ضرر التّحریف و التّخوف على المحرّف و المتخوّف لاستلزامها مداهنه الغواه، و قد ذمّ اللَّه أقواما بترک الصّدق و الجهاد فی الحقّ بقوله: «إِذا فَرِیقٌ مِنْهُمْ یَخْشَوْنَ النَّاسَ کَخَشْیَهِ اللَّهِ».

فاللّازم على المرء أن لا یأخذه فی اللَّه لومه لائم، و لا یکون له من ردع من خالف الحقّ و خابط الغیّ و زجره من أوهان و لا ایهان ثمّ أمر السّامعین بأوامر نافعه و نصحهم بمواعظ بالغه فقال (فأفق أیّها السّامع من سکرتک و استیقظ من) رقدتک و (غفلتک) استعار لفظ السّکره الغفله باعتبار کون الغفله موجبه لترک أعمال العقل کما أنّ السّکره کذلک، و هى استعاره تحقیقیّه و ذکر الافاقه ترشیح، و شبه الغفله بالنّوم باعتبار أن لا التفات للغافل کالنّائم، و هى استعاره بالکنایه و ذکر الاستیقاظ تخییل (و اختصر من عجلتک) و سرعتک فی امور الدّنیا أى قصّر الاهتمام بها، فانّ بقائها یسیر و زوالها قریب (و أنعم الفکر) أى أمعن النّظر (فیما جاءک) و کثر دورانه (على لسان النّبیّ الأمىّ صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم) قد مضى تفسیر الامّی من النّهایه فی شرح الخطبه الثامنه و الثّمانین و أقول هنا: روى فی الاحتجاج عن أبی محمّد العسکری علیه السّلام فی قوله تعالى: «وَ مِنْهُمْ أُمِّیُّونَ لا یَعْلَمُونَ الْکِتابَ».

إنّ الأمیّ منسوب إلى امّه أى هو کما خرج من بطن امّه لا یقرأ و لا یکتب فزعم بعض النّاس و منهم الشّارح المعتزلی أنّ وصف النّبیّ به کان أیضا بذلک الاعتبار، أى لا یحسن أن یقرأ و یکتب، و هو زعم فاسد، بل وصفه باعتبار نسبته إلى امّ القرى أعنى مکّه زادها اللَّه شرفا و عزّا و یدلّ على ما ذکرنا ما رواه فی الصّافی فی تفسیر قوله تعالى:«الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الْأُمِّیَّ».

من علل الشّرایع عن الجواد علیه السّلام أنّه سئل عن ذلک فقال: ما یقول النّاس قیل یزعمون أنّه سمّى الامّی لأنّه لم یحسن أن یکتب، فقال علیه السّلام: کذبوا علیهم لعنه اللَّه أنّی ذلک و اللَّه یقول: «هُوَ الَّذِی بَعَثَ فِی الْأُمِّیِّینَ رَسُولًا مِنْهُمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِهِ وَ یُزَکِّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَهَ».

فکیف کان یعلّمهم ما لا یحسن، و اللَّه لقد کان رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم یقرأ و یکتب باثنین و سبعین أو قال بثلاث و سبعین لسانا، و انّما سمّى الامّى لأنّه کان من أهل مکّه و مکّه من أمّهات القرى، و ذلک قوله تعالى: «لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى‏ وَ مَنْ حَوْلَها». هذا و بیّن ما جاء على لسان النّبیّ صلّى اللَّه علیه و آله بقوله (ممّا لا بدّ منه و لا محیص عنه) أى الموت الذی لیس منه مناص و لا خلاص و لا مهرب و لا مفرّ (و خالف من خالف فی ذلک إلى غیره) یعنی أنّ من خالف فی امعان النّظر فی الموت و أهاویل الفناء و الفوت و أعرض عنه و التفت إلى غیره و اتّبع هواه و أطال أمله و مناه، کادحا سعیا لدنیاه فی لذّات طربه و بدوات اربه فخالفه (و دعه و ما رضى لنفسه) فانّ الموافقه له توجب فوات الثّواب و ألیم العذاب، و تجرّ الشّقاء الأبد و الخزى السّرمد (وضع فخرک) فانّ من صنع شیئا للمفاخره حشره اللَّه یوم القیامه أسود، رواه فی عقاب الأعمال عن أمیر المؤمنین علیه السّلام (و احطط کبرک) لأنّ من مشى على الأرض اختیالا لعنته الأرض و من تحتها و من فوقها، رواه فی عقاب الأعمال عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام عن رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم.

و فیه أیضا عن أبی جعفر علیه السّلام قال: قال رسول اللَّه: ویل لمن فی الأرض یعارض‏جبّار السّماوات و الأرض هذا و قد تقدّم الکلام فی شرح الخطبه المأه و السّابعه و الأربعین فی تحقیق معنى الکبر و کونه من أعظم الموبقات و ما فی ذمّه من الأخبار و الآیات، و کذلک الکلام فی حسن التّواضع مفصّلا و مستوفا فلیراجع ثمه (و اذکر قبرک) و ما فیه من الوحده و الوحشه و الغربه و الظلمه و الحسره و النّدامه (فانّ علیه ممرّک) و مجازک و لا بدّ لمن یمرّ على منزل موحش مظلم أن یذکره و یتزوّد له و یهتمّ بأخذ الزّاد و تکمیل الاستعداد لیتمکّن من الوصول إلى المطلوب و النّجاح بالمقصود (و کما تدین تدان) أى کما تجزی تجزى و هو من باب المشاکله، و المقصود أنّک کما تعمل للَّه سبحانه و تعالى و تعامل معه فاللَّه یعامل معک إنّ خیرا فخیرا و إن شرا فشرّا و لنعم ما قیل:من یفعل الحسنات اللَّه یشکرها و الشرّ بالشرّ عند اللَّه مثلان‏

(و کما تزرع تحصد) فانّ من زرع النّواه حصد النّخل باسقات، و من زرع الفجور حصد الثّبور، و من توانا عن الزّرع فی أوانه حرم الحصاد فی ابانه
إذا أنت لم تزرع و أدرکت حاصدا ندمت على التقصیر فی زمن البذر

(و ما قدّمت الیوم) لنفسک أو علیها (تقدم علیه غدا) و تقام فیه (فا) جهد نفسک فی تحصیل الخیر و تجنّب الشرّوا (مهد لقدمک) أى مهّد و هیّى‏ء لموضع قدمک من الحسنات و الأعمال الصالحات (و قدّم) الزّاد (لیوم) معاد (ک) و إیاک و التفریط فتقع فی الحسره و تعقب الندامه و ملامه النفس اللّوامه لدی الحساب یوم القیامه (فالحذر الحذر) من التقصیر و الغفله (أیها المستمتع) المفتون (و الجدّ الجدّ) للتقوى و الطاعه (أیها الغافل) المغرور (و لا ینبّئک) أحد (مثل) واعظ (خبیر) و عارف بصیر بأحوال الآخره و أهوالها و لما أمرهم بالحذر و الجد و نبّههم على أنّ المنبئ لهم خبیر و بصیر بما یحذر منه و یجد علیه، عقّب ذلک بالتنبیه على بعض ما یجب الحذر منه و الجدّ على ترکه فقال (إنّ من عزائم اللَّه) أى الأحکام التی لا یجوز مخالفتها فی حال من الأحوال‏على ما مر تفصیلا فی شرح الفصل السابع عشر من الخطبه الاولى (فی الذکر الحکیم) أى القرآن الکریم أو اللّوح المحفوظ کما قیل، و على الأوّل فلا ینافیه عدم ورود بعض ما یذکره من العزائم فیه بخصوصه لامکان استفادته من عمومات الکتاب أو فحاویه حسبما تطلع علیه انشاء اللَّه و وصف العزائم بقوله (الّتى علیها یثیب و یعاقب و لها یرضى و یسخط) أى یرضى و یثیب على الأخذ بها و امتثالها، و یسخط و یعاقب على مخالفتها و ترکها (أنه) الضمیر للشأن (لا ینفع عبدا و إن أجهد نفسه و أخلص فعله) أمّا إجهاد النفس فیتصوّر فی حقّ کلّ من ارتکب باحدى الخصال الخمس الآتیه، و أمّا إخلاص الفعل فانّما یتصوّر فی المرتکب بغیر الاولى من الأربع الباقیه، و أمّا الأولى فلا لظهور أنّ الاخلاص لا یجتمع مع الرّیا فیکون الشّرطیّه الثّانیه بملاحظه الأغلب أو من باب التغلیب فتدبّر (أن یخرج من الدّنیا) أى لا ینفع خروجه منها حالکونه (لاقیأ ربّه بخصله) واحده (من هذه الخصال) و الحال أنّه (لم یتب منها) و لم یندم علیها، و هذه الخصال خمس: إحداها (أن یشرک باللَّه فیما افترض علیه من عبادته) أى یرائی فی عمله و لم یخلصه للَّه سبحانه، و الدلیل من الکتاب الحکیم على حرمته قوله تعالى: «فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا یُشْرِکْ بِعِبادَهِ رَبِّهِ أَحَداً» و قوله «فَوَیْلٌ لِلْمُصَلِّینَ الَّذِینَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الَّذِینَ هُمْ یُراؤُنَ».

و قد مضى تحقیق الکلام فی الریاء و تفصیل أقسامه فی شرح الفصل الأوّل من الخطبه الرابعه و العشرین الثانیه ما أشار إلیها بقوله (أو یشفى غیظه بهلاک نفسه) أى یقتل نفسه‏لافراط قوّته الغضبیّه بحیث لا یطفى نار غضبه إلّا به، و الدلیل على حرمته قوله تعالى «وَ لا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَى التَّهْلُکَهِ».

روى فی عقاب الأعمال عن أبی ولاد الحنّاط قال سمعت أبا عبد اللَّه علیه السّلام یقول: من قتل نفسه متعمّدا فهو فی نار جهنّم خالدا فیها، هذا و یحتمل أن یکون المراد بهلاک نفسه الهلاک الاخروى أى لا یتشفّى من غیظه إلّا بأن یکتسب إثما و یوبق نفسه مثل أن یکون بینه و بین آخر بغضاء و عداوه فیغتابه أو یفترى علیه أو ینمّ علیه أو یسعى به إلى الملوک أو یسبّه و نحو ذلک ممّا فیه ألیم العذاب و نصّ على حرمته محکم الکتاب، هذا و فی بعض النّسخ بهلاک نفس بدل نفسه فیکون المراد أنّه لا یسکت غضبه إلّا بالقتل، و یدلّ على حرمته و عقابه صریحا قوله تعالى: «وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً».

و روى فی عقاب الأعمال بسنده عن حمران قال: قلت لأبی جعفر علیه السّلام: قول اللَّه عزّ و جلّ: «مِنْ أَجْلِ ذلِکَ کَتَبْنا عَلى‏ بَنِی إِسْرائِیلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعاً».
و إنّما قتل واحدا، فقال علیه السّلام: یوضع فی موضع من جهنّم إلیه ینتهى شدّه عذاب أهلها لو قتل النّاس جمیعا کان إنّها یدخل ذلک المکان، قلت: فانّه قتل آخر قال: و یصاعف علیه.

و عن أبی عمیر قال: حدّثنی غیر واحد عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: من أعان على قتل مؤمن بشطر کلمه جاء یوم القیامه بین عینیه مکتوب آیس من رحمه اللَّه.

منهاج‏البراعهفی‏شرح‏نهج‏البلاغه(الخوئی)، ج ۹ ، صفحه‏ى ۲۱۹

وطرهم) أى الشهوات النفسانیه الّتی کانت أهمّ حاجاتهم، لأنها قد زالت عنهم (و انّی أحذّرکم و نفسی هذه المنزله) أراد بها الحاله التی کان الموصوفون علیها من الغفله و الجهاله، و تشریک نفسه علیه السّلام معهم فی التحذیر لتطییب قلوب السامعین و تسکین نفوسهم لیکونوا إلى الانقیاد و الطاعه أقرب، و عن الآباء و النفره أبعد، و فی بغض النسخ بدل المنزله المزلّه، فالمراد بها الدّنیا الّتی هی محلّ الزّیغ و الزّلل و الخطاء و الخطل و لمّا نبّههم بعدم الانتفاع بالمطالب و المآرب الدّنیویه أردف ذلک بالتنبیه على ما نفعه أعمّ، و صرف الهمّه إلیه أهمّ فقال: (فلینتفع امرء بنفسه) بأن یصرفها فیما صرفها فیه أولوا الأبصار و الفکر و یوجّهها الى ما وجّهها إلیه أرباب العقول و النظر و إلیه أشار بقوله (فانّما البصیر) العارف بما یصلحه و یفسده و الخبیر الممیّز بین ما یضرّه و ینفعه (من سمع) الآیات البیّنات (فتفکّر) فیها (و نظر) إلى البراهین الساطعات (فأبصر) ها و أمعن فیها (و انتفع بالعبر) أى نظر بعین الاعتبار إلى السلف الماضین من الجبابره و الملوک و السلاطین و غیرهم من الناس أجمعین کیف انتقلوا من ذروه القصور إلى و هده القبور، و من دار العزّ و المنعه إلى بیت الذّلّ و المحنه، و فارقوا من الأموال و الأوطان، و جانبوا الأقوام و الجیران، و صاحبوا الحیّات و الدیدان، و کیف کانت الدّیار منهم بلاقع، و القبور لهم مضاجع و اندرست آثارهم، و انقطعت أخبارهم، و خربت دیارهم، و قسمت أموالهم، و نکحت أزواجهم، و حشر فی الیتامى أولادهم، و أنکرهم صدیقهم، و ترکهم وحیدا شفیقهم، ففى أقلّ هذه عبره لمن اعتبر، و تذکره لمن اتّعظ و تذکّر (ثمّ سلک جددا) أى طریقا (واضحا) و هو الصراط المستقیم، و النهج القویم أى جادّه الشریعه و منهج الدّین الموصل لسالکه إلى حظایر القدس، و مجالس الانس بشرط أن (یتجنّب) و یتباعد (فیه) عن الیمین و الشمال فانّ الطریق الوسطى هى الجادّه و الیمین و الشمال مزلّه و مضلّه توجبان (الصّرعه فی المهاوى و الضلال

و عن جابر بن یزید عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: أوّل ما یحکم اللَّه فی القیامه فی الدّماء فیوقف ابنا آدم فیفصل بینهما، ثمّ الّذین یلونهم من أصحاب الدّماء حتّى لا یبقى منهم أحد، ثمّ النّاس بعد ذلک فیأتی المقتول قاتله فیشخب دمه فی وجهه فیقول: هذا قتلنى، فیقول أنت قتلته فلا یستطیع أن یکتم اللَّه حدیثا و عن سعید الأزرق عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام فی رجل قتل رجلا مؤمنا یقال له: مت أىّ میته شئت إن شئت یهودیا و ان شئت نصرانیّا، و إن شئت مجوسیّا الثالثه ما أشار الیها بقوله (أو یقرّ بأمر فعله غیره) الظّاهر أنّ المراد به أن یحکى أمرا قبیحا ارتکبه غیره، و یدلّ على أنّه حرام و معصیه قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَهُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ» روى فی عقاب الأعمال عن محمّد بن الفضیل عن أبی الحسن موسى بن جعفر علیهما السّلام قال: قلت له: جعلت فداک الرّجل من اخوانی بلغنی عنه الشی‏ء الذی أکرهه فأسأله عنه فینکر ذلک، و قد أخبرنی عنه قوم ثقات، فقال لی: یا محمّد کذّب سمعک و بصرک عن أخیک و إن شهد عندک خمسون قسامه و قال لک قولا فصدّقه و کذّبهم، و لا تذیعنّ علیه شیئا تشینه به و تهدم به مروّته، فتکون من الذین قال اللَّه عزّ و جلّ «إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَهُ» الآیه و عن المفضّل بن عمر عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: من روى عن مؤمن روایه یرید بها شینه و هدم مروّته لیسقطه من أعین النّاس أخرجه اللَّه عزّ و جلّ من ولایته إلى ولایه الشّیطان.

قال الشّارح البحرانی: و روى بعض الشّارحین یعرّ بالعین المهمله قال: و معناه أن یقذف غیره بأمر قد فعله هو فیکون غیره منصوبا مفعولا به و العامل یعرّ یقال عرّه یعرّه أى عابه و لطخه أقول: و على هذا فیدلّ على حرمته ما یدل على حرمه البهت و الافتراء، قال تعالى:«إِنَّما یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللَّهِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْکاذِبُونَ».

روى فی عقاب الأعمال عن ابن أبی یعفور عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: من اتّهم مؤمنا أو مؤمنه بما لیس فیهما بعثه اللَّه یوم القیامه فی طینه خبال حتّى یخرج ممّا قال، قلت: و ما طینه خبال قال: صدید یخرج من فروج الزّناه، بل یدلّ علیه جمیع ما ورد فی حرمه الغیبه إذ ذلک قسم من الغیبه بل من أعظم أقسامها کما لا یخفى.

الرابعه ما أشار الیها بقوله (أو یستنجح حاجه إلى النّاس باظهار بدعه فی دینه) یعنی أنّه یبدع فی الدّین طلبا لنجاح حاجته، و من المعلوم أنّ کلّ بدعه ضلاله و الضّلاله فی النّار قال تعالى: «وَ ما کُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ عَضُداً» و قال «وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَیْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ».

و استنجاح الحاجه بالبدعه أشدّ خزیا و أعظم مقتا، کما یدلّ علیه ما فی عقاب الأعمال عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: صونوا دینکم بالورع، و قوّوه بالتّقوى و الاستغناء باللَّه عزّ و جلّ عن طلب الحوائج من السّلطان، و اعلموا أنّه أیّما مؤمن خضع لصاحب سلطان أو لمن یخالفه على دینه طلبا لما فی یدیه أخمله اللَّه و مقته علیه و وکله اللَّه إلیه، و إن هو غلب على شی‏ء من دنیاه و صار فی یده منه شی‏ء نزع اللَّه البرکه منه و لم یأجره على شی‏ء ینفقه فی حجّه و لا عمره و لا عتق و فیه عن هشام بن الحکم عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: کان رجل فی الزّمن الأوّل طلب الدّنیا من حلال فلم یقدر علیها، فطلبها من حرام فلم یقدر علیها، فأتاه الشّیطان فقال له: یا هذا إنّک قد طلبت الدّنیا من حلال فلم تقدر علیها و طلبتها من حرام فلم تقدر علیها أفلا أدلّک على شی‏ء یکثر به مالک و دنیاک و تکثر به بعک قال: بلى، قال: تبتدع دینا و تدعو إلیه النّاس، ففعل، فاستجاب له‏النّاس فأطاعوه و أصاب من الدّنیا، ثمّ إنّه فکّر فقال: ما صنعت ابتدعت دینا و دعوت النّاس إلیه و ما أرى لى توبه إلّا أن آتى من دعوته إلیه فأردّه، فجعل یأتی أصحابه الذین أجابوه فیقول: إنّ الذى دعوتکم الیه باطل و إنّما ابتدعته فجعلوا یقولون: کذبت هذا الحقّ و لکنّک شککت فی دینک فرجعت عنه، فلمّا رأى ذلک عمد إلى سلسله فوتد لها و تدا ثمّ جعلها فی عنقه و قال: لا احلّها حتّى یتوب اللَّه عزّ و جلّ علىّ، فأوحى اللَّه عزّ و جلّ إلى نبیّ من الأنبیاء قل لفلان: و عزّتی لو دعوتنی حتّى ینقطع أو صالک ما استجبت لک حتّى تردّ من مات على ما دعوته إلیه فیرجع عنه.

الخامسه ما أشار إلیها بقوله (أو یلقى النّاس بوجهین أو یمشى فیهم بلسانین) قال الشّارح البحرانیّ: أى یلقى کلّا من الصّدیقین مثلا بغیر ما یلقى به الآخر لیفرق بینهما، أو بین العدوّین لیضری بینهما، و بالجمله أن یقول بلسانه ما لیس فی قلبه فیدخل فی زمره المنافقین و وعید المنافقین فی القرآن: «إِنَّ الْمُنافِقِینَ فِی الدَّرْکِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ».
أقول: و یدخل أیضا فی زمره المغتابین فیشمله الآیات المفیده لحرمه الغیبه و یدلّ على حرمته من السّنه ما رواه فی الکافی بسنده عن ابن أبی یعفور عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: من لقى المسلمین بوجهین و لسانین جاء یوم القیامه و له لسانان من نار و عن أبی جعفر علیه السّلام قال: بئس العبد عبد یکون ذا وجهین و ذا لسانین، یطرى أخاه شاهدا و یأکله غائبا إن أعطى حسده، و ان ابتلى خذله و عن عبد الرّحمان بن حماد رفعه قال: قال اللَّه تبارک و تعالى لعیسى: یا عیسى لیکن لسانک فی السّر و العلانیه لسانا واحدا و کذلک قلبک إنّی احذّرک نفسک و کفى بی خبیرا، لا یصلح لسانان فی فم واحد، و لا سیفان فی غمد واحد، و لا قلبان فی صدر واحد، و کذلک الأذهان، و رواها جمیعا فی عقاب الأعمال نحوها.

و فی عقاب الأعمال عن زید بن علیّ عن آبائه علیهم السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله‏ و عن جابر بن یزید عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: أوّل ما یحکم اللَّه فی القیامه فی الدّماء فیوقف ابنا آدم فیفصل بینهما، ثمّ الّذین یلونهم من أصحاب الدّماء حتّى لا یبقى منهم أحد، ثمّ النّاس بعد ذلک فیأتی المقتول قاتله فیشخب دمه فی وجهه فیقول: هذا قتلنى، فیقول أنت قتلته فلا یستطیع أن یکتم اللَّه حدیثا و عن سعید الأزرق عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام فی رجل قتل رجلا مؤمنا یقال له: مت أىّ میته شئت إن شئت یهودیا و ان شئت نصرانیّا، و إن شئت مجوسیّا الثالثه ما أشار الیها بقوله (أو یقرّ بأمر فعله غیره) الظّاهر أنّ المراد به أن یحکى أمرا قبیحا ارتکبه غیره، و یدلّ على أنّه حرام و معصیه قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَهُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ» روى فی عقاب الأعمال عن محمّد بن الفضیل عن أبی الحسن موسى بن جعفر علیهما السّلام قال: قلت له: جعلت فداک الرّجل من اخوانی بلغنی عنه الشی‏ء الذی أکرهه فأسأله عنه فینکر ذلک، و قد أخبرنی عنه قوم ثقات، فقال لی: یا محمّد کذّب سمعک و بصرک عن أخیک و إن شهد عندک خمسون قسامه و قال لک قولا فصدّقه و کذّبهم، و لا تذیعنّ علیه شیئا تشینه به و تهدم به مروّته، فتکون من الذین قال اللَّه عزّ و جلّ «إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَهُ» الآیه و عن المفضّل بن عمر عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: من روى عن مؤمن روایه یرید بها شینه و هدم مروّته لیسقطه من أعین النّاس أخرجه اللَّه عزّ و جلّ من ولایته إلى ولایه الشّیطان.

قال الشّارح البحرانی: و روى بعض الشّارحین یعرّ بالعین المهمله قال: و معناه أن یقذف غیره بأمر قد فعله هو فیکون غیره منصوبا مفعولا به و العامل یعرّ یقال عرّه یعرّه أى عابه و لطخه أقول: و على هذا فیدلّ على حرمته ما یدل على حرمه البهت و الافتراء، قال تعالى:

یجی‏ء یوم القیامه ذو الوجهین دالعا لسانه فی قفاه و آخر من قدامه یلتهبان نارا حتّى یلهبا جسده ثمّ یقال له: هذا الّذی کان فی الدّنیا ذا وجهین و ذا لسانین یعرف بذلک یوم القیامه.
(اعقل ذلک) أشار به إلى ما یذکره بقوله إنّ البهایم آه (فانّ المثل دلیل على شبهه) لمّا کان أکثر الأفهام قاصره عن إدراک الماهیّه العقلیّه للشّی‏ء إلّا فی مادّه محسوسه کمن لا یعرف حقیقه العلم مثلا فیقال له إنّه مثل اللّبن حیث إنّه غذاء للرّوح النّاقص و یصیر به کاملا کما یتغذّی باللّبن الطّفل النّاقص و به یصیر کماله و هکذا، لا جرم جرت عاده اللَّه تعالى و عاده رسله و أولیائه فی بیان الأحکام للنّاس و تبلیغ التکالیف الیهم على ضرب الأمثال تقریبا للأفهام و أکثر القرآن أمثال ضربت للنّاس ظواهرها حکایه عن حقایقها المکشوفه عند ذوى البصایر قال صدر المتألّهین: کثر فی القرآن ضرب الأمثال لأنّ الدّنیا عالم الملک و الشّهاده، و الآخره عالم الغیب و الملکوت، و ما من صوره فی هذا العالم إلّا و لها حقیقه فی عالم الآخره و ما من معنى حقیقى فی الآخره إلّا و له مثال و صوره فی الدّنیا، إذ العوالم و النّشئات مطابقه تطابق النفس و الجسد، و شرح أحوال الآخره لمن کان بعد فی الدّنیا لا یمکن إلّا بمثال، و لذلک وجدت القرآن مشحونا بالأمثال کقوله: «مَثَلُ الْجَنَّهِ الَّتِی وُعِدَ الْمُتَّقُونَ» «مَثَلُ الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ» مثله «کَمَثَلِ الْکَلْبِ» مثلهم «کَمَثَلِ الْحِمارِ».

و لیس للأنبیاء أن یتکلّموا مع الخلق إلّا بضرب الأمثال، لأنّهم کلّفوا أن یکلّموا النّاس على قدر عقولهم، و قدر عقولهم أنّهم فی النوم و النائم لا یکشف له شی‏ء إلّا بمثل، فاذا ماتوا انتبهوا و عرفوا أنّ المثل صادق، فالأنبیاء هم المعبرون لما علیه أهل الدّنیا من الأحوال و الصّفات و ما یؤل علیه عاقبتها فی یقظه الآخره بکسوه الأمثال الدّنیویه إذا عرفت ذلک فأقول: إنّ أمیر المؤمنین علیه السّلام لمّا کان مقصوده التمثیل و أداءغرضه بضرب المثل، و المثل ینتفع به العام و الخاص، و کان نصیب العامى من کلّ مثل أن یدرک ظاهره المحسوس و یقف علیه و ینتفع به ترغیبا و ترهیبا لما فیه من نوع مطابقه لأصله و نصیب الخاصى أن یدرک باطنه و یعبّر من ظاهره إلى سرّه و من محسوسه الجزئی إلى معقوله الکلّى کما قال تعالى: «وَ تِلْکَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما یَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ».

أراد علیه السّلام أن یکون انتفاع المخاطبین بالمثل الذی یضربه على وجه الکمال و نحو الخصوص، فلذلک قال علیه السّلام: مقدّمه و تنبیها لهم: اعقل ذلک فانّ المثل دلیل على شبهه، أی أفهم ما أقول و تدبّر فیه و لا تقصر نظرک إلى ظاهره، بل تفکّر فی معناه حتّى تصل من قشره إلى لبّه، و یمکن لک الاستدلال بالمثل على ممثّله و الانتقال من ظاهره إلى باطنه و الوصول من قشره إلى لبّه و المثل الّذی ضربه هو قوله (إنّ البهایم همّها بطونها) لکمال قوّتها الشّهویه فاهتمامها دائما بالطعام و الشّراب و الأکل و الشّرب و النزو و السّفاد (و إنّ السّباع همّها العدوان) لافراط قوّتها الغضبیّه فلذّتها أبدا فی الاضراء و الافتراس و الغلبه و الانتقام (و إنّ النّساء همهنّ زینه الحیاه الدّنیا) لفرط قوّتها الشّهویّه (و الفساد فیها) لشدّه قوّتها الغضبیّه و غرضه علیه السّلام من هذا المثل التنبیه على أنّ کمال الانسان الّذی به فارق غیره هو إدراک ما یخرج عن عالم الحواس و الاحاطه بالمعلومات و التنزّه عن التّعلّقات و التّرقّی إلى الملاء الأعلى، فمن ذهل عن ذلک و عطل نفسه عن تحصیله و أهمله و لم یجاوز عالم المحسوسات فهو الذی أهلک نفسه و أبطل قوّه استعداده بالاعراض عن الآیات و التأمّل فیها، و نزل عن مرتبه الانسانیه و أخلد إلى الأرض فان کان تابعا لقوّته الشهویّه البهیمیّه فهو نازل عن حقیقه الانسانیّه إلى درجه البهایم، و وافق الأنعام فمثله کمثل الحمار بل البهایم أشرف منه و هو أضلّ منها کما قال تعالى. «أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَکْثَرَهُمْ یَسْمَعُونَ أَوْ یَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا کَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ‏أَضَلُّ سَبِیلًا» و ذلک لأنّها ما ابطلت استعدادها لما کان لها و ما أضلّت عن سبیلها الّتی کانت علیها، بل ما من دابّه إلّا هو آخذ بناصیتها، بخلاف هذا، فانّه أبطل کماله و انسانیّته و تبع شهوه بطنه و فرجه و آثر البهیمیّه و ان کان تابعا لقوته الغضبیّه فهو منحطّ إلى درجه السّبعیّه فمثله کمثل الکلب أو الخنزیر أو الضّبع و نحوها و إن کان تابعا لشهوته و غضبه معا فقد انحطّ من کمال الرجولیّه إلى مرتبه الأنوثیّه.

فقد تلخّص مما ذکرنا أنّ غرضه علیه السّلام من التمثیل التنفیر عن اتّباع الشهوه و الغضب بالتنبیه على أنّ الخارج فیهما عن حدّ العدل إلى مرتبه الافراط إمّا أن تشبه البهیمه أو السبع أو المرأه، و کلّ منها مما یرغب العاقل عنه و لا یرضى به لنفسه، و لذلک قال أوّلا: اعقل ذلک ثمّ إنّه علیه السّلام لما نفّر عن اتباع هاتین القوّتین عقّب ذلک بصفات المؤمنین ترغیبا إلیها فقال علیه السّلام: (إنّ المؤمنین مستکینون) أى خاضعون للَّه متواضعون له (إنّ المؤمنین مشفقون) کما قال سبحانه: «وَ الَّذِینَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها- أی الساعه- وَ یَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ» و قال فی موضع آخر: «وَ الَّذِینَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ» و قال «وَ ذِکْراً لِلْمُتَّقِینَ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ وَ هُمْ مِنَ السَّاعَهِ مُشْفِقُونَ».
(إنَّ المؤمنین خائفون) کما قال تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إِذا ذُکِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» و قال «وَ الَّذِینَ یُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَهٌ أَنَّهُمْ إِلى‏ رَبِّهِمْ راجِعُونَ أُولئِکَ یُسارِعُونَ‏فِی الْخَیْراتِ وَ هُمْ لَها سابِقُونَ». هذا و انما أتى علیه السّلام فی الجملات الثلاث الأخیره بالأسماء الظاهره مع اقتضاء الظاهر الاتیان فی الأخیرتین بالضمیر لغرض زیاده تمکین المسند إلیه عند السامع کما فی قوله تعالى: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ» و فی قوله «وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ».
و هو من محسّنات البلاغه.

تذییل

قال الشّارح المعتزلی فی شرح هذا الفصل من کلامه علیه السّلام: إنّما رمز بباطن هذا الکلام إلى الرّؤساء یوم الجمل، لأنّهم حاولوا أن یشفوا غیظهم باهلاکه و إهلاک غیره من المسلمین، و عزوه بأمرهم فعلوه و هو التّألیب على عثمان و حصره و استنجحوا حاجتهم إلى أهل البصره باظهار البدعه و الفتنه و لقوا النّاس بوجهین و لسانین، لأنّهم بایعوه و أظهروا الرّضا به، ثمّ دبّوا له فجعل دبوبهم هذه مماثله للشّرک باللَّه سبحانه فی أنّها لا تغفر إلّا بالتّوبه، و هذا هو معنى قوله: اعقل ذلک فانّ المثل دلیل على شبهه، و روى فانّ المثل واحد الأمثال أى هذا الحکم بعدم المغفره لمن أتى شیئا من هذه الأشیاء عام و الواحد منها دلیل على ما یماثله و یشابهه.

فان قلت: فهذا تصریح بمذهب الامامیه فی طلحه و الزّبیر و عایشه قلت: کلّا فانّ هذه الخطبه خطب بها و هو سائر إلى البصره و لم یقع الحرب بعد، و رمز فیها إلى المذکورین و قال إن لم یتوبوا و قد ثبت أنّهم تابوا، و الأخبار عنهم بالتّوبه مستفیضه، ثمّ أراد أن یؤمى إلى ذکر النّساء للحال الّتی کان وقع إلیها من استنجاد أعدائه بالامرأه فذکر قبل ذکر النّساء أنواعا من الحیوان تمهیدا لقاعده

ذکر النساء فقال: إنّ البهایم همّها بطونها کالحمر و البقر و الابل، و إنّ السبّاع همّها العدوان على غیرها کالاسود الضّاریه و النّمور و الفهود و البزاه و الصّقور، و إنّ النساء همّهنّ زینه الحیاه الدّنیا و الفساد فیها انتهى أقول: أمّا ما ذکره الشّارح من کون هذا الکلام رمزا إلى قاده الضلال یوم الجمل فغیر بعید، و اتّصافهم بالخصال الخمس التی هى من أوصاف أهل النفاق و الضلال معلوم و مبرهن.

و أمّا جوابه عن الاعتراض الذی اعترض به فسخیف جدّا أمّا أوّلا فلأنّ صدور هذه الخطبه عنه علیه السّلام حین مسیره إلى البصره و قبل وقوع الحرب لا یرفع الایراد بعد تحقّق اتّصاف الرّؤساء بالخصال المذکوره و أمّا ثانیا فلأنه علیه السّلام لم یقل إن لم یتوبوا بل قال و لم یتب، و کونه رمزا إلى عدم توبتهم و أنهم یموتون بلا توبه أظهر من أن یکون رمزا إلى حصول التوبه و أمّا ثالثا فلأنّ أخبار توبتهم التی ادعى استفاضتها بعد تسلیم کونها مستفیضه مما تفرّدت العامّه بروایتها، و لا یتمّ بها الاحتجاج قبال الامامیّه، و قد قدّمنا فی شرح الکلام الثامن بطلان توبه الزبیر، و فی شرح الکلام الثانی عشر بطلان توبه الطلحه، و فی شرح الکلام التاسع و السبعین بطلان توبه الخاطئه، و قد مرّ تحقیق بطلان توبه الأوّلین أیضا فی شرح الکلام المأه و السابعه و الثلاثین بما لا مزید علیه فلیتذکّر.

الترجمه

بعض دیگر از آن خطبه شریفه در صفت بعض أهل ضلالست مى‏ فرماید: و آن شخص معصیت کار در مهلت است از پروردگار فرو مى ‏افتد با غافلان، و صباح مى‏ کند با گنه کاران، بدون راه راست و بدون پیشوائى که کشنده خلایق است بطرف حضرت ربّ العزّه و بعض دیگر از این خطبه متضمّن نصیحت و موعظه است مر مخاطبین را مى‏ فرماید:

تا آنکه چون کشف کند خداى تعالى از جزاء معصیت ایشان، و خارج می کند ایشان را از لباسهاى غفلت ایشان استقبال مى‏ کنند بچیزى که ادبار کرده بود و غایب بود از ایشان که عبارتست از عقوبات آخرت، و استدبار مى‏ کنند بچیزى که حاضر بود ایشان را که عبارتست از لذایذ دنیا، پس نفع نبردند از آنچه دریافتند از مطلوب خودشان، و نه به آنچه که رسیدند از حاجت خود، و بدرستى که من مى‏ ترسانم شما را و نفس خود مرا از این حالت غفلت، پس باید که منتفع بشود مرد بنفس خود، پس بدرستى که صاحب بصیرت شخصى است که بشنود پس تفکر نماید، و نظر کند پس بینا گردد، و منتفع بشود با عبرتهاى روزگار پس از آن راه برود در راه راست آشکار که دورى ورزد در آن راه از افتادن مواضع پستى و تباهى و از گمراه شدن در مواضع گمراهى، و اعانت نکند بر ضرر خود گمراهان را بجهه کج روى در امر حق یا بجهه تغییر دادن در گفتار، یا بجهه اظهار خوف در راستى و صداقت پس افاقه حاصل کن اى شنونده از بیهوشى خود را بیدار باش از خواب غفلت خود، و مختصر کن از تعجیل و شتاب خودت، و نیک تأمّل نما در آنچه آمده بتو بر زبان پیغمبرى که از أهل مکه معظمه است از آنچه ناچار است از آن و هیچ گریزى نیست از آن، و مخالفت کن با کسى که مخالفت کند در آن، و متوجّه بشود بطرف غیر آن، و مگذار او را به آن چه که پسندیده است او را از براى خودش، و بگذار فخر خودت را، و پست کن کبر خود را، و ذکر کن قبر خود را پس بدرستى که بر آن قبر است عبور تو، و همچنان که جزا مى‏دهى جزا داده مى‏شوى، و همچنان که زراعت مى‏کنى مى‏دروى، و آنچه که پیش فرستاده امروز مى‏ آئى بر او فردا پس مهیّا کن از براى آمدن خود بدار بقا، و مقدّم کن از براى روز حاجت خود، پس البته حذر کن و بترس أى گوش دهنده، و البتّه جدّ و جهد کن أى غفلت کننده، و آگاه نکند تو را هیچ کس مانند کسى که آگاهست از کارها، بدرستى که از جمله أوامر محتومه پروردگار در ذکر محکم و استوار که بر اخذ آن ثواب مى‏ دهد، و بر ترک آن عقاب مى ‏نماید، و از براى اطاعت آن خوشنود مى‏ شود، و بجههمخالفت آن غضب مى‏ کند.

اینست که هیچ نفع نمى ‏بخشد بنده را اگر چه بمشقت اندازد نفس خود را و خالص نماید فعل خود را این که خارج بشود از دنیا در حالتى که ملاقات کند پروردگار خود را با یک خصلت از این خصلتهاى ذمیمه در حالتى که توبه ننموده باشد از آن: آنکه شرک آورد بخدا در آنچه که واجب نموده است بر او از عبادت خود، یا شفا بدهد غیظ خود را با هلاک کردن نفس خود، یا اقرار کند بکارى که دیگرى او را نموده، یا خواهش روا کردن حاجتى نموده باشد بسوى خلق با اظهار بدعت در دین خود، یا ملاقات کند مردمان را بدو روئى و نفاق، یا مشى کند در میان ایشان با دو زبانی و عدم وفاق درک کن و بهم این مثل را که خواهم زد از براى تو پس بدرستى که مثل دلیل است بر مشابه خود، و آن مثل اینست که: چهار پایان قصد آنها شکمهاى آنهاست، و بدرستى که درندگان قصد ایشان ستم و عدوانست، و بدرستى که زنان قصد ایشان زینت زندگانی این جهان و فساد کردنست در آن، بدرستى که مؤمنان متواضعانند، بدرستى که مؤمنان ترسندگانند از غضب پروردگار، بدرستى که مؤمنان خائفند از سخط آفریدگار، اللّهمّ وفّقنا بمحمّد و آله الأطهار

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۲۲۴

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۵۱ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۵۱ صبحی صالح

۱۵۱- و من خطبه له ( علیه ‏السلام ) یحذر من الفتن‏

اللّه و رسوله‏

وَ أَحْمَدُ اللَّهَ وَ أَسْتَعِینُهُ عَلَى مَدَاحِرِ الشَّیْطَانِ وَ مَزَاجِرِهِ
وَ الِاعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِهِ وَ مَخَاتِلِهِ
وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً
عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ
وَ نَجِیبُهُ وَ صَفْوَتُهُ
لَا یُؤَازَى فَضْلُهُ وَ لَا یُجْبَرُ فَقْدُهُ
أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلَادُ بَعْدَ الضَّلَالَهِ الْمُظْلِمَهِ
وَ الْجَهَالَهِ الْغَالِبَهِ وَ الْجَفْوَهِ الْجَافِیَهِ
وَ النَّاسُ یَسْتَحِلُّونَ الْحَرِیمَ
وَ یَسْتَذِلُّونَ الْحَکِیمَ
یَحْیَوْنَ عَلَى فَتْرَهٍ وَ یَمُوتُونَ عَلَى کَفْرَهٍ

التحذیر من الفتن‏

ثُمَّ إِنَّکُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلَایَا قَدِ اقْتَرَبَتْ
فَاتَّقُوا سَکَرَاتِ النِّعْمَهِ
وَ احْذَرُوا بَوَائِقَ النِّقْمَهِ
وَ تَثَبَّتُوا فِی قَتَامِ الْعِشْوَهِ
وَ اعْوِجَاجِ الْفِتْنَهِ عِنْدَ طُلُوعِ جَنِینِهَا
وَ ظُهُورِ کَمِینِهَا وَ انْتِصَابِ قُطْبِهَا وَ مَدَارِ رَحَاهَا
تَبْدَأُ فِی مَدَارِجَ خَفِیَّهٍ
وَ تَئُولُ إِلَى فَظَاعَهٍ جَلِیَّهٍ
شِبَابُهَا کَشِبَابِ الْغُلَامِ
وَ آثَارُهَا کَآثَارِ السِّلَامِ
یَتَوَارَثُهَا الظَّلَمَهُ بِالْعُهُودِ
أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لِآخِرِهِمْ وَ آخِرُهُمْ مُقْتَدٍ بِأَوَّلِهِمْ
یَتَنَافَسُونَ فِی دُنْیَا دَنِیَّهٍ وَ یَتَکَالَبُونَ عَلَى جِیفَهٍ مُرِیحَهٍ
وَ عَنْ قَلِیلٍ یَتَبَرَّأُ التَّابِعُ مِنَ الْمَتْبُوعِ وَ الْقَائِدُ مِنَ الْمَقُودِ
فَیَتَزَایَلُونَ بِالْبَغْضَاءِ وَ یَتَلَاعَنُونَ عِنْدَ اللِّقَاءِ
ثُمَّ یَأْتِی بَعْدَ ذَلِکَ طَالِعُ الْفِتْنَهِ الرَّجُوفِ وَ الْقَاصِمَهِ الزَّحُوفِ
فَتَزِیغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقَامَهٍ
وَ تَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلَامَهٍ
وَ تَخْتَلِفُ الْأَهْوَاءُ عِنْدَ هُجُومِهَا
وَ تَلْتَبِسُ الْآرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا
مَنْ أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْهُ
وَ مَنْ سَعَى فِیهَا حَطَمَتْهُ
یَتَکَادَمُونَ فِیهَا تَکَادُمَ الْحُمُرِ فِی الْعَانَهِ
قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ الْحَبْلِ
وَ عَمِیَ وَجْهُ الْأَمْرِ
تَغِیضُ فِیهَا الْحِکْمَهُ وَ تَنْطِقُ فِیهَا الظَّلَمَهُ
وَ تَدُقُّ أَهْلَ الْبَدْوِ بِمِسْحَلِهَا
وَ تَرُضُّهُمْ بِکَلْکَلِهَا
یَضِیعُ فِی غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ
وَ یَهْلِکُ فِی طَرِیقِهَا الرُّکْبَانُ
تَرِدُ بِمُرِّ الْقَضَاءِ
وَ تَحْلُبُ عَبِیطَ الدِّمَاءِ
وَ تَثْلِمُ مَنَارَ الدِّینِ
وَ تَنْقُضُ عَقْدَ الْیَقِینِ
یَهْرُبُ مِنْهَا الْأَکْیَاسُ وَ یُدَبِّرُهَا الْأَرْجَاسُ
مِرْعَادٌ مِبْرَاقٌ
کَاشِفَهٌ عَنْ سَاقٍ
تُقْطَعُ فِیهَا الْأَرْحَامُ
وَ یُفَارَقُ عَلَیْهَا الْإِسْلَامُ
بَرِیئُهَا سَقِیمٌ وَ ظَاعِنُهَا مُقِیمٌ
منهابَیْنَ قَتِیلٍ مَطْلُولٍ وَ خَائِفٍ مُسْتَجِیرٍ
یَخْتِلُونَ بِعَقْدِ الْأَیْمَانِ وَ بِغُرُورِ الْإِیمَانِ
فَلَا تَکُونُوا أَنْصَابَ الْفِتَنِ وَ أَعْلَامَ الْبِدَعِ
وَ الْزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَیْهِ حَبْلُ الْجَمَاعَهِ
وَ بُنِیَتْ عَلَیْهِ أَرْکَانُ الطَّاعَهِ
وَ اقْدَمُوا عَلَى اللَّهِ مَظْلُومِینَ وَ لَا تَقْدَمُوا عَلَیْهِ ظَالِمِینَ
وَ اتَّقُوا مَدَارِجَ الشَّیْطَانِ وَ مَهَابِطَ الْعُدْوَانِ
وَ لَا تُدْخِلُوا بُطُونَکُمْ لُعَقَ الْحَرَامِ
فَإِنَّکُمْ بِعَیْنِ مَنْ حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَعْصِیَهَ
وَ سَهَّلَ لَکُمْ سُبُلَ الطَّاعَهِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۹  

و من خطبه له علیه السّلام
و هى المأه و الواحد و الخمسون من المختار فی باب الخطب

و أستعینه على مداحر الشّیطان و مزاجره، و الاعتصام من حبائله و مخاتله، و أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شریک له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، و نجیبه و صفوته، لا یوازى فضله، و لا یجبر فقده، أضاءت به البلاد بعد الضّلاله المظلمه، و الجهاله الغالبه، و الجفوه الجافیه، و النّاس یستحلوّن الحریم، و یستذلّون الحکیم، یحیون على فتره، و یموتون على کفره، ثمّ إنّکم معشر العرب أغراض بلایا قد اقتربت، فاتّقوا سکرات النّعمه، و احذروا بوائق النّقمه، و تثبّتوا فی قتام العشوه، و اعوجاج الفتنه، عند طلوع جنینها،و ظهور کمینها، و انتصاب قطبها، و مدار رحاها، تبدو فی مدارج خفیّه، و تئول إلى فظاعه جلیّه، شبابها کشباب الغلام، و آثارها کآثار السّلام، تتوارثها الظّلمه بالعهود، أوّلهم قائد لآخرهم، و آخرهم مقتد بأوّلهم، یتنافسون فی دنیا دنیّه، و یتکالبون على جیفه مریحه، و عن قلیل یتبرّء التّابع من المتبوع، و القائد من المقود، فیتزایلون بالبغضاء، و یتلاعنون عند الّلقآء، ثمّ یأتی بعد ذلک طالع الفتنه الرّجوف، و القاصمه الزّحوف، فتزیغ قلوب بعد استقامه، و تضلّ رجال بعد سلامه، و تختلف الأهواء عند هجومها، و تلتبس الآراء عند نجومها، من أشرف لها قصمته، و من سعى فیها حطمته، یتکادمون فیها تکادم الحمر فی العانه، قد اضطرب معقود الحبل، و عمى وجه الأمر، تغیض فیها الحکمه، و تنطق فیها الظّلمه، و تدقّ أهل البدو بمسحلها، و ترضّهم بکلکلها، یضیع فی غبارها الوحدان، و یهلک فی طریقها الرّکبان، ترد بمرّ القضاء، و تحلب عبیط الدّمآء، و تثلم منار الدّین، و تنقض عقد الیقین، تهرب منها الأکیاس، و تدبّرها الأرجاس، مرعاد مبراق، کاشفه عن ساق، تقطّع فیها الأرحام، و یفارق علیها الإسلام، بریّها سقیم، و ظاعنها مقیم.

منها بین قتیل مطلول، و خائف مستجیر، یختلون بعقد الأیمان، و بغرور الإیمان، فلا تکونوا أنصاب الفتن، و أعلام البدع، و الزموا ما عقد علیه حبل الجماعه، و بنیت علیه أرکان الطّاعه، و اقدموا على اللَّه مظلومین، و لا تقدموا على اللَّه ظالمین، و اتّقوا مدارج الشّیطان، و مهابط العدوان، و لا تدخلوا بطونکم لعق الحرام، فإنّکم بعین من حرّم علیکم المعصیه، و سهّل لکم سبیل الطّاعه.

اللغه

(الدّحر) الطّرد و الابعاد و الدّفع بعنف على الاهانه کالدّحور و قال سبحانه «وَ یُقْذَفُونَ مِنْ کُلِّ جانِبٍ دُحُوراً» و قال أیضا «قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً».
و مداحر الشّیطان جمع مدحر و هى الأمور الّتى محلّ طرده و إبعاده.
و قال الشّارح البحرانی و المعتزلی: هى الامور الّتی بها یطرد و یبعد، و على قولهما فهى للآله، و على ذلک فلا یجوز جعلها جمعا لمدحر کما توهّمه البحرانی لأنّ مفعل بفتح المیم للمکان و بالکسر للآله کما صرّح به جمیع علماء الأدبیّه، فلا بدّ من جعلها جمعا حینئذ لمدحره بکسر الأوّل و الهاء أخیرا و زان مکسحه و مروحه، اللهمّ إلّا أن یقال: إنّ مدحر بالکسر للآله أیضا و جمع مفعل على مفاعل قد ورد فی کلامهم مثل ملحف و ملاحف و مقود و مقاود.

فقد تلخص ممّا ذکرنا أنّ مداحر یصحّ جعلها جمع مدحر بالفتح للمکان و مدحر و مدحره بالکسر فیهما للآله و نحوه (المزاجر) للامور الّتی‏ یزجر بها أو هى محلّ الزّجر من زجر الکلب نهنهه جمع مزجر و مزجر و (ختله) یختله بالکسر خدعه، و المخاتل الأمور الّتی بها یختل و یخدع و (یوازی) مضارع آزى بالهمز و لا یقال وازى و (الجهاله الغالبه) فی بعض النّسخ بالموحّده من الغلبه و فی بعضها بالمثنّاه من الغلاء و هو الارتفاع أو من الغلوّ و هو مجاوزه الحدّ و (یستذلّون الحکیم) فی بعض النّسخ باللّام من الحلم و (الفتره) انقطاع ما بین النبییّن و (کفره) بالفتح واحده الکفرات کضربه و ضربات.

(ثمّ انّکم معشر العرب) فی بعض النّسخ معشر النّاس و (تثبّتوا) من التثبّت و هو التوقّف، و فی بعض النسخ تبیّنوا من التبیّن و بهما أیضا قرء قوله سبحانه: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ» یقال تبیّنه أى أوضحه، و تبیّن الأمر أى وضح یستعمل متعدّیا و لازما کاستبان قال تعالى: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ».

أى اطلبوا بیان الأمر و ثباته و لا تعجلوا فیه و (القتام) الغبار و (العشوه) بتثلیث الأوّل رکوب الأمر على غیر بیان و وضوح، و بالفتح فقط الظلمه و (الجنین) الولد ما دام فی البطن و (الکمین) الجماعه المختفیه فی الحرب.

و (مدار رحاها) مصدر و المکان بعید و (تبدو فی مدارج) فی بعض النسخ بالواو من البدو و هو الظهور و فی أکثرها تبدء بالهمز مضارع بدء و (شبّ) الفرس یشبّ شبابا بالکسر و شبیبا نشط و رفع یدیه جمیعا، و فی بعض النسخ، شبابها کشباب الغلام بالفتح و (السّلام) بالکسر الحجاره و (مریحه) من أراح اللّحم و الماء أى أنتن أو من أراح الرّجل إذا مات و (رجف) الشی‏ء رجفا تحرّک و اضطرب شدیدا و رجف القوم تهیّا و الحرب.

و (زحف) الیه مشی و فی شرح المعتزلی الزّحف السیر على تؤده کسیر الجیوش بعضها إلى بعض و (نجم) الشی‏ء ینجم نجوما من باب قعد ظهر و طلع و (قصمت)العود کسرته و قصمه اللَّه أى أذلّه و أهانه و قیل قرب موته و (التّکادم) التّعاض بأدنى الفم و (العانه) القطیع من حمر الوحش و (المسخل) و زان منبر المبرد أى السّوهان و یقال أیضا للمنحت و (الوحدان) جمع واحد کرکبان و راکب قال الشّارح المعتزلی: و یجوز أن یکون جمع أوحد مثل سودان و أسود یقال فلان أوحد الدّهر.

و (ثلمت) الاناء أى کسرت حرفه فانثلم و (الطلّ) بالمهمله هدر الدّم و هو مطلول اى مهدر لا یطلب بدمه و (یختلون) فی بعض النّسخ بالبناء على المفعول و فی بعضها بالبناء على الفاعل من ختله خدعه و (عقد) الایمان بصیغه المصدر أو وزان صرد جمع عقده و (الأنصاب) جمع نصب کأسباب و سبب و هو العلم المنصوب فی الطریق یهدى به، و فی بعض النّسخ بالرّاء و (مدارج الشّیطان) جمع مدرجه و هى السّبل التّی یدرج فیها و (لعق الحرام) جمع لعقه اسم لما یلعق بالاصبع أو بالملعقه و هى بکسر المیم آله معروفه، و اللعقه بالفتح المرّه منه من لعقه العقه من باب تعب لحسه باصبع و مصدره لعق و زان فلس.

الاعراب

جمله لا یوازى فضله الظّاهر أنّها استیناف بیانیّ، و جمله أضاءت حال من فاعل المصدر أعنی فقده، و یحتمل الاستیناف البیانی أیضا، و النّاس حال من مفعول أضاءت، و قوله: تتوارثها الظلمه بالعهود، الظّرف متعلّق بالفعل أو بالظلّمه، و قوله و عن قلیل إلى قوله: عند اللّقاء، جمله معترضه، و عن، بمعنى بعد.

المعنى

اعلم أنّ هذه الخطبه مسوقه فی معرض الاخبار عن الملاحم و الوقایع الحادثه فی غابر الزّمان، و صدّرها بالاستعانه على ما یجب الاستعانه من اللَّه سبحانه علیه، و عقّب ذلک بالشّهاده بالتّوحید و الرّساله و ذکر ممادح الرّسول صلّى اللَّه علیه و آله فقال:

(و أستعینه على مداحر الشّیطان و مزاجره) أى العبادات و الحسنات الّتی هى محلّ طرده و زجره أو بها یطرد و یزجر (و الاعتصام من حبائله و مخاتله) أى المعاصی و السّیئآت الّتی لها یصید الانسان و یخدع البشر: قال الشّارح البحرانی: و استعار لها لفظ الحبائل و هى أشراک الصّائد لمشابهتها فی استلزام الحصول فیها للبعد عن السّلامه و الحصول فی العذاب (و أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شریک له) قد تقدّم فی شرح الفصل الثّانی من الخطبه الثّانیه شرح هذه الکلمه الطیّبه بما لا مزید علیه فلیراجع ثمّه (و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله) صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم (و نجیبه) أى الکریم الحسیب الّذی انتجبه من خلقه، و یروى و نجیّه أى المناجی له و المشرف بمناجاته و مخاطبته و أصله من النّجوى و هی التّخاطب سرّا (و صفوته) أى مختاره و مصطفاه من النّاس، و قد مضى تحقیق ذلک فی شرح الخطبه الثّالثه و التّسعین.

و لمّا کان ههنا مظنّه أن یسأل و یقال: هل یدانیه أحد فی فضله أو یوازیه فی کماله فیقوم مقامه عند افتقاره أجاب بقوله: (لا یوازى فضله) أى لا یحاذى و لا یساوى (و لا یجبر فقده) قال الشارح البحرانی: إذ کان کماله فی قوّتیه النّظریه و العملیّه غیر مدرک لأحد من الخلق، و من کان کذلک لم یجبر فقده إلّا بقیام مثله من النّاس، و إذ لا مثل له فیهم فلا جبران لفقده.

(أضاءت به البلاد بعد الضّلاله المظلمه) نسبه أضاءت إلى البلاد من باب التّوسع، و المراد اهتداء أهل البلاد بنور وجوده الشّریف إلى ما فیه صلاح المعاش و المعاد بعد تیههم فی ظلمه الکفر و الضلال کما تقدّم فی شرح الفصل السّادس عشر من الخطبه الأولى، و عرفت هناک أنّه صلّى اللَّه علیه و آله قد بعث و أهل الأرض یومئذ ملل متفرّقه، و أهواء منتشره، و طرایق متشتّته، بین مشبّهه و مجسّمه و زنادقه و غیرها (و) کانوا متّصفین ب (الجهاله الغالبه) علیهم (و) موصوفین ب (الجفوه الجافیه) یرید بها غلظ الطّبیعه و قساوه القلوب و سفک الدّماء و وصفه بالجافیه للمبالغه من قبیل شعر الشّاعر و داهیه دهیاء، و قد تقدّم توضیح جفوه العرب و غلظهم فی شرح‏

الفصل الأوّل من الخطبه السّابعه و العشرین.

(و النّاس یستحلّون الحریم) أى حرمات اللَّه الّتی یجب احترامها و محرّماته (و یستذلّون الحکیم) أو الحلیم کما فی بعض الرّوایات، و الحکمه هو العلم الّذی یرفع الانسان عن فعل القبیح، و الحلم هو العقل و التّؤاده و ضبط النّفس عن هیجان الغضب، و المعلوم من حال العرب استذلال من له عقل و معرفه و تجنّب عن سفک الدّماء و عن النهب و الغاره و إثاره الفتن لزعمهم أنّ ذلک من الجبن و الضّعف (یحیون على فتره) من الرّسل و انقطاع من الوحى الموجب لانقطاع الخیر و تقلیل العبادات و المجاهدات و موت النفوس بداء الجهل و الضّلالات (و یموتون على کفره) لعدم هاد یهدیهم إلى النّهج القویم و الشّرع المستقیم.

ثمّ شرع علیه السّلام فی إنذار النّاس بالبلایا النّازله و اقتراب الحوادث المستقبله فقال (ثمّ إنّکم معشر العرب أغراض بلایا) و أهدافها (قد اقتربت) أوقاتها (فاتّقوا سکرات النعمه) لفظه السّکرات استعاره لما یحدثه النّعم عند أربابها من الغفله و الخمره المشابهه للسّکره (و احذروا بوائق النّقمه) أى دواهی المؤاخذات و العقوبات (و تثبّتوا فی قتام العشوه) و هو أمر لهم بالتّثبت و التّوقّف عند اشتباه الأمور و ترک الاقتحام فیها من غیر بصیره و رویّه.
قال الشّارح البحرانی: استعار لفظ القتام للشّبهه المثیره للفتن کشبهه قتل عثمان التی نشأت منها وقایع الجمل و صفین و الخوارج، و وجه المشابهه کون ذلک الأمر المشتبه ممّا لا یهتدى فیه خائضوه، کما لا یهتدى القائم فی القتام عند ظهوره و خوضه.

(و اعوجاج الفتنه) أى إتیانها على غیر وجهها و انحرافها عن النّهج (عند طلوع جنینها و ظهور کمینها) کنى بالجنین و الکمین عن المستور المختفی من تلک الفتنه و یحتمل إراده الحقیقه بأن یکون المقصود بروز ما اجتن منها و استتر و ظهور ما کمن منها و بطن (و انتصاب قطبها و مدار رحاها) کنایتان عن استحکام أمرها و انتظامها (تبدو فی مدارج خفیّه و تؤل إلى فظاعه جلیّه) یعنی أنّها تکون‏ ابتداء یسیره ثمّ تصیر کثیره.

فانّ النّار بالعودین تذکی و إنّ الحرب أوّلها کلام‏

أو أنّ ظهورها فی مسالک خفیّه حتّى تنتهى إلى شناعه عظیمه (و شبابها کشباب الغلام و آثارها کآثار السّلام) أى إنّ أربابها یمرحون فی أوّل الأمر کما یمرح الغلام ثمّ تؤل إلى أن تعقب فیهم أو فی الاسلام آثارا کآثار الحجاره فی الأبدان، أو أنّ المراد أنّها فی الدّنیا کنشاط الغلام و ما أعقبتها من الآثار فی الآخره کآثار السّلام.

(یتوارثها الظّلمه بالعهود) أى یتوارثها الظّلام بعهد الأوّل منهم للثّانی و عقد الأمر منه له کما هو دأب أمراء الجور یجعلون لهم ولیّ العهد، أو أنّ توارثهم بما عهدوا بینهم من ظلم أهل البیت و غصب حقّهم، و على تعلّق الظّرف بالظلمه فالمراد أنّه یتوارثها الظالمین بعهد اللَّه و النّاقضین لمیثاقه و التّارکین لتکالیفه.

(أوّلهم قائد لآخرهم) یقوده إلى الظّلم و الضّلال و النّار (و آخرهم مقتد بأوّلهم) فی الجور و إثاره الفتن و تشیید تلک الآثار (یتنافسون فی دنیا دنیّه) أی یتعارضون و یتبارون فی دنیا لا مقدار لها عند العقلاء (و یتکالبون على جیفه مریحه) أی یتواثبون على جیفه منتنه عند ذوى العقول و الأولیاء، و استعار لها لفظ الجیفه باعتبار النّفره عنها، و لفظ المریحه ترشیح قال الشّاعر:

و ما هی إلّا جیفه مستحیله
علیها کلاب همّهنّ اجتذابها

ثمّ قال علیه السّلام (و عن قلیل) أى بعد حین قلیل) یتبرّء التّابع عن المتبوع و القائد من المقود) أى الأتباع من الرّؤساء و الرّؤساء من الأتباع و ذلک التبرّء یوم القیامه کما قاله الشّارح المعتزلی، و قد أخبر اللَّه سبحانه عن تبرّء الأتباع بقوله: «ثُمَّ قِیلَ لَهُمْ أَیْنَ ما کُنْتُمْ تُشْرِکُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَکُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَیْئاً کَذلِکَ یُضِلُّ اللَّهُ الْکافِرِینَ.

فقولهم لم نکن ندعو هو التبرّء، و أخبر عن تبرّء الرّؤساء بقوله: «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِینَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ وَ قالَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا کَرَّهً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ کَما تَبَرَّؤُا مِنَّا» (فیتزایلون) و یفرقون (بالبغضاء و یتلاعنون عند اللّقاء) کما قال تعالى: «ثُمَّ یَوْمَ الْقِیامَهِ یَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ وَ یَلْعَنُ بَعْضُکُمْ بَعْضاً».

قال الشّارح المعتزلی: فان قلت: ألم یکن قلت إنّ قوله عن قلیل یتبرّء التابع من المتبوع یعنی یوم القیامه فکیف یقول (ثمّ یأتی بعد ذلک طالع الفتنه الرّجوف) و هذا إنّما یکون قبل القیامه قلت: لمّا ذکر تنافس النّاس على الجیفه المنتنه و هی الدّنیا أراد أن یقول بعده بلا فصل: ثمّ یأتی بعد ذلک اه لکنّه لمّا تعجّب من تزاحم النّاس و تکالبهم على تلک الجیفه أراد أن یؤکّد ذلک التّعجب فأتى بجمله معترضه بین الکلامین فقال: إنّهم على ما قد ذکرنا من تکالبهم علیها عن قلیل یتبرّء بعضهم من بعض و یلعن بعضهم بعضا، و ذلک أدعى لهم لو کانوا یعقلون إلى أن یترکوا التّکالب و التّهارش على هذه الجیفه الخسیسه، ثمّ عاد إلى نظام الکلام فقال: ثمّ یأتی بعد ذلک آه.

و قال الشّارح البحرانی حکایه عن بعضهم: إنّ ذلک التّبرء عند ظهور الدّوله العبّاسیه، فانّ العاده جاریه بتبرّء النّاس عن الولاه المعزولین خصوصا عند الخوف ممّن تولّى عزل ذلک أو قتلهم، فیتباینون بالبغضاء إذ لم تکن الفتهم و محبّتهم إلّا لغرض دنیاوىّ زال، و یتلاعنون عند اللّقاء، ثمّ قال الشّارح: و قوله: ثم یأتی طالع الفتنه، هی فتنه التتار، إذ الدائره فیها على العرب.
و قال بعض الشارحین: بل ذلک إشاره إلى الملحمه الکائنه فی آخر الزّمان کفتنه الدّجال.

و کیف کان فوصف الفتنه بالرّجوف لکثره اضطراب النّاس أو أمر الاسلام فیها و أراد بطالعها مقدّماتها و أوایلها و وصفها ثانیا بقوله (و القاصمه الزّحوف) أى الکاسره الکثیره الزّحف و کنّى بقصمها عن هلاک الخلق فیها و شبّهها بالرّجل الشّجاع کثیر الزّحف إلى أقرانه أى یمشى إلیهم قدما.

ثمّ أشار إلى ما یترتّب على تلک الفتنه من المفاسد العظام و قال (فتزیغ) أى تمیل (قلوب بعد استقامه) على سبیل اللَّه (و تضلّ رجال بعد سلامه) فی دین اللَّه (و تختلف الأهواء عند هجومها و تلتبس الآراء) الصّحیحه بالفاسده (عند نجومها) و ظهورها، فیشتبه الحقّ بالباطل و یتیه فیها الجاهل و الغافل (من أشرف لها) أى قابلها و صادمها (قصمته) و هلکته (و من سعى فیها) أى أسرع فی إطفائها و اسکاتها (حطمته) و کسرته (یتکادمون فیها تکادم الحمر) الوحش (فی العانه) أى فی قطیعها.

قال العلامه المجلسی (ره): و لعلّ المراد بتکادمهم مغالبه مثیرى تلک الفتنه بعضهم لبعض، أو مغالبتهم لغیرهم.
و قال الشّارح البحرانی: و شبّه ذلک بتکادم الحمر فی العانه، و وجه التّشبیه المغالبه مع الایماء أى خلعهم ربق التّکلیف من أعناقهم و کثره غفلتهم عمّا یراد بهم فی الآخره.

(قد اضطرب معقود الحبل) أى قواعد الدّین و الأحکام الشّرعیّه الّتی کلّفوا بها (و عمى وجه الأمر) فی اسناد العمى الى الوجه تجوّز، و المراد عدم اهتدائهم الى وجوه الصلاح و طرق الفلاح (تغیض) و تنقص (فیها الحکمه) لسکوت الحکماء عنها و عدم تمکّنهم عن التکلّم بها (و تنطق فیها الظلمه) بما یقتضیه أهواؤهم عن الظّلم و الفساد لمساعده الزّمان علیهم (و تدقّ) تلک الفتنه (أهل البدو) أى البادیه (بمسحلها) أى یفعل بهم ما یفعل المسحل بالحدید«» أو الخشب (و ترضّهم) أى تدقّهم دقّا جریشا (بکلکلها) أى صدرها شبّه هذه الفتنه بالنّاقه الّتی تبرک على الشی‏ء فتسحقه بصدرها على سبیل الاستعاره بالکنایه و إثبات الکلکل تخییل و الرّضّ ترشیح (یضیع فی غبارها الوحدان و یهلک فی طریقها الرّکبان) أى لا یخلص منها أحد و لا ینجو منها لشدّتها و قوّتها، فمن کان یسیر وحده فانّه یهلک فیها بالکلّیّه و إذا کانوا جماعه فهم یضلّون فی طریقها فیهلکون، و لفظ الغبار مستعار للقلیل الیسیر من حرکه أهلها أى إذا أراد القلیل من النّاس دفعها هلکوا فی غبارها من دون أن یدخلوا فی غمارها، و أمّا الرّکبان و هم الکثیر من النّاس فانّهم یهلکون فی طریقها و عند الخوض فیها.

و على کون الوحدان جمع أوحد فالمراد أنّه یضلّ فی غبار هذه الفتنه و شبهها فضلاء عصرها، لغموض الشبّهه و استیلاء الباطل، و یکون الرکبان حینئذ کنایه عن الجماعه أهل القوّه، فهلاک أهل العلم بالضّلال و هلاک أهل القوّه بالقتل و الاستیصال.

(ترد بمرّ القضاء) أى بالهلاک و البوار و البلایا الصّعبه و ظاهر أنّها وارده عن القضاء الالهی متّصفه بالمراره (و تحلب عبیط الدّماء) أى الطرىّ الخالص منها و هو کنایه عن سفک الدّماء فیها (و تثلم منار الدّین) استعاره للعلماء أو القوانین الشّرع المبین و ثلمها عباره عن هدمها و عدم العمل بها (و تنقض عقد الیقین) أى العقائد الحقّه الموصله إلى جوار اللَّه تعالى، و نقضها کنایه عن تغیّرها و تبدّلها و ترک العمل على وفقها (تهرب منها الأکیاس) أى ذوو العقول السّلیمه (و تدبّرها الأرجاس) الأنجاس أى ذوو النفوس الخبیثه (مرعاد مبراق) کثیره الرّعد و البرق أى ذات تهدّد و وعید و یجوز أن یراد بالرّعد قعقعه السّلاح و صوته و بالبرق لمعانه و ضوئه.

(کاشفه عن ساق) قال ابن الأثیر: السّاق فی اللّغه الأمر الشّدید، و کشف السّاق مثل فی شدّه الأمر و أصله من کشف الانسان عن ساقه و تشمیره إذا وقع فی أمر شدید، و فی القاموس یذکرون السّاق إذا أرادوا شدّه الأمر و الاخبار عن‏ هو له قال تعالى: «یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ ساقٍ».

أى عن شدّه (تقطع فیها الأرحام و یفارق علیها الاسلام) بجریانها على خلاف قواعد الدّین و قواعد الشّرع المبین.
(بریئها سقیم) قال العلّامه المجلسیّ (ره): أى من یعد نفسه بریئا سالما من المعاصی أو الآفات أو من کان سالما بالنسبه إلى سایر النّاس فهو أیضا مبتلى بها، أو أنّ من لم یکن مائلا إلى المعاصی و أحبّ الخلاص من شرورها لا یمکنه ذلک (و ظاعنها مقیم) اى المرتحل عنها خوفا لا یمکنه الخروج منها أو من اعتقد أنّه متخلّف عنها فهو أیضا داخل فیها لکثره الشّبه و عموم الضّلاله.

(منها) ما یشبه أن یکون وصفا لحال المتمسّکین بالدّین فی زمان الفتنه السّابقه و هو قوله: (بین قتیل مطلول) أى مهدر الدّم لا یطلب به (و خائف مستجیر) أى مستامن یطلب الأمان (یختلون بعقد الأیمان) إن کان یختلون بصیغه المجهول فهو إخبار عن حال المخدوعین الّذین یخدعهم غیرهم بعقد العهود و شدّها بمسح ایمانهم أو بالایمان المعقوده فیما بینهم، و على کونه بصیغه المعلوم فهو بیان لحال الخادعین (و بغرور الایمان) أى بالایمان الّذی یظهره الخادعون فیغرّونهم بالمواعید الکاذبه أو الذی یظهره هؤلاء الموصوفون فیغرّون النّاس به على اختلاف النّسختین (فلا تکونوا أنصاب الفتن) أى رؤسائها یشار إلیهم فیها (و أعلام البدع) الّتی یقتدى بها و هو نظیر قوله علیه السّلام فی کلماته القصار: کن فی الفتنه کابن اللّبون لا ظهر فیرکب و لا ضرع فیحلب.

(و الزموا ما عقد علیه حبل الجماعه) و هى القوانین الّتی ینتظم بها اجتماع الناس على الحقّ (و بنیت علیه أرکان الطاعه) استعاره بالکنایه و ذکر الأرکان تخییل و البناء ترشیح (و اقدموا على اللَّه مظلومین و لا تقدموا على اللَّه ظالمین) یعنی أنّه إذا دار الأمر بین الظالمیه و المظلومیه فکونوا راضین بالمظلومیّه، لأنّ‏ الظلم قبیح عقلا و شرعا و الظالم مؤاخذ ملعون کتابا و سنه، أو لا تظلموا الناس و إن استلزم ترک الظلم مظلومیّتکم فانّ یوم المظلوم من الظالم أشدّ من یوم الظالم من المظلوم، و المظلوم منصور من اللَّه سبحانه قال تعالى: «وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا».

و قال أبو جعفر علیه السّلام فی روایه أبی بصیر عنه علیه السّلام: ما انتصر اللَّه من ظالم إلّا بظالم، و ذلک قول اللَّه عزّ و جلّ: «وَ کَذلِکَ نُوَلِّی بَعْضَ الظَّالِمِینَ بَعْضاً».
(و اتّقوا مدارج الشیطان) و مسالکه (و مهابط العدوان) و محاله أو المواضع الّتی یهبط صاحبه فیها (و لا تدخلوا بطونکم لعق الحرام) أى لا تدخلوا بطونکم القلیل منه فکیف بالکثیر أو الاتیان باللّعق للتّنبیه على قلّه ما یکتسب من متاع الدّنیا المحرّم بالنّسبه الى متاع الآخره و حقارته عنده (فانّکم بعین من حرّم علیکم المعصیه و سهّل لکم سبیل الطّاعه) أى بعلمه کقوله تعالى: «تَجْرِی بِأَعْیُنِنا».

و لا یخفى ما فی هذا التّعلیل من الحسن و اللّطف فی الرّدع عن المعاصی و الحثّ على الطاعات، فانّ العبد العالم بأنّه من مرئى من مولاه و مسمع منه یکون أکثر طاعه و أقلّ مخالفه من عبد مولاه غافل عنه و جاهل بأعماله و أفعاله و لتأکید هذا المعنى عبّر بالموصول و قال: بعین من حرّم آه و لم یقل بعین اللَّه هذا و تسهیل سبیل الطاعه باعتبار أنّ اللَّه سبحانه ما جعل على المکلّفین فی الدّین من حرج.

الترجمه

از جمله خطب شریفه آن امام مبین و سیّد وصیّین است در ذکر ملاحم مى ‏فرماید و طلب یارى میکنم از حضرت ربّ العالمین بر عبادات و طاعات که محلّ طرد و زجر شیطان لعین است، و بر محفوظ شدن از معاصى و سیئات که ریسمانهاى صید آن ملعون و اسباب مکر و خدعه آن نابکار است، و شهادت مى‏ دهم باین که نیست خدائى جز خداى متعال در حالتى که تنها است شریک نیست مر او را، و شهادت مى‏دهم باین که محمّد بن عبد اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم بنده پسندیده و پیغمبر اوست و برگزیده و مختار اوست برابر کرده نمى‏شود فضل او، و جبران نمى‏شود فقدان او، روشن شد بوجود شریف آن بزرگوار شهرها بعد از گمراهى ظلمانى و نادانى غالب و غلظت غلیظه طبایع در حالتى که مردمان حلال مى ‏شمردند محرمات را، و خوار مى‏شمردند صاحب حکمت و معرفت را زندگانى مى‏کردند در زمان انقطاع پیغمبران، و مى‏مردند بر کفر و طغیان.

پس از آن بدرستى که شما أى جماعت عرب نشانهاى بلا هستید که نزدیک شده ظهور آن، پس پرهیز کنید از مستیهاى نعمتها، و حذر نمائید از دواهى عذاب، و توقّف کنید در غبار ظلمه شبهه و در کجى فتنه در وقت ظهور و بروز باطن و کمون آن فتنه، و هنگام استقامت قطب و دوران آسیاى آن در حالتى که ظاهر مى‏شود آن فتنه در جهاى پنهان، و باز گردد بشناعت آشکار، نشو و نماى آن مثل نشو و نماى جوانست، و أثرهاى آن مثل اثرهاى سنگها است، ارث مى ‏برند از یکدیگر آن فتنه را ظالمان با عهود و پیمان، یعنى هر یکى دیگرى را ولیّ عهد خود مى‏ سازد.

اوّل ایشان پیشواى آخر ایشانست، و آخر ایشان اقتدا کننده است بأوّل ایشان، تعارض مى‏کنند در دنیاى پست و بى‏مقدار، و خصومت مى‏کنند بر جیفه گندیده مردار، و بعد از زمان قلیل تبرّى مى‏کند تابع از متبوع، و مقتدا از پیشوا پس پراکنده شوند از یکدیگر بعداوت و دشمنى، و لعنت کنند بیکدیگر هنگام ملاقات.

پس از آن مى ‏آید طلوع کننده فتنه کثیر الاضطراب، و شکننده تند رونده، پس میل بباطل مى‏کند قلبها بعد از استقامت آنها، و گمراه مى‏شوند مردمان بعد از سلامت ایشان، و مختلف مى‏شود خواهشات وقت هجوم آن فتنه، و ملتبس مى‏شود رأیها نزد ظهور آن فتنه، هر کس مقابله گرى نماید آن را مى‏شکند و هلاک مى‏سازد او را، و هر کس سعى کند در اسکات آن بر مى‏کند و نابود نماید او را.

بگزند و آزار رسانند مردمان آن زمان یکدیگر را در آن فتنه مثل آزار رساندن حمارهاى وحشى یکدیگر را در رمه، بتحقیق که مضطرب شد ریسمان بسته اسلام، و پوشیده شد روى صلاح کار، ناقص مى‏ شود در آن فتنه حکمت و معرفت و ناطق مى ‏شود در آن ستمکاران، و بکوبد آن فتنه أهل بادیه را با منحت و تیشه خود و خورد و مرد کند ایشان را با سینه خود، و ضایع مى‏ شود در غبار آن فتنه تنها روندگان، و هلاک گردد در راه آن فتنه سوارگان.

وارد شود به تلخ‏ترین قضاى الهى، و بدوشد خونهاى تازه را، و خراب مى‏ کند منارهاى دین را، و درهم شکند کوههاى یقین را، بگریزند از آن فتنه صاحبان عقل و کیاست، و تدبیر کنند آن را صاحبان پلیدى و نجاست، بسیار صاحب رعد و برقست و کشف کننده است از شدّت، قطع مى‏ شود در آن فتنه رحمها، و مفارقت مى‏ شود بر آن از دین اسلام، برائت کننده از آن فتنه ناخوش است، و کوچ کننده آن مقیم است.

از جمله فقرات آن خطبه است در وصف حال مؤمنان آن زمان مى ‏فرماید: ایشان در میان کشته شده است که خونش هدر رفته، و ترسنده که طلب أمان مى ‏کند، فریب داده مى‏ شوند با سوگندهاى بسته شده دروغى، و با ایمانى که از روى فریب و غرور است، پس نباشید علامتهاى فتنها و نشانهاى بدعتها، و لازم شوید به آنچه که بسته شده بآن ریسمان اجتماع و ایتلاف که عبارتست از قواعد شریعت و بر آنچه که بنا شده بر آن رکنهاى طاعت و عبادت، و اقدام کنید بر خدا در حالتى که مظلوم هستید، و اقدام نکنید بر او در حالتى که ظالم باشید، و بپرهیزید از راههاى شیطان و از محلهاى طغیان و عدوان، و داخل نکنید در شکمهاى خودتان‏ لقمه‏ هاى حرام را پس بدرستى که شما در نظر کسى هستید که حرام کرده بشما گناه را، و آسان کرده از براى شما راه طاعت را چنانچه فرموده «ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ»

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۱۴۷

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۵۰ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۵۰ صبحی صالح

۱۵۰- و من خطبه له ( علیه ‏السلام  ) یومی فیها إلى الملاحم و یصف فئه من أهل الضلال‏

وَ أَخَذُوا یَمِیناً وَ شِمَالًا ظَعْناً فِی مَسَالِکِ الْغَیِّ

وَ تَرْکاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ

فَلَا تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ کَائِنٌ مُرْصَدٌ

وَ لَا تَسْتَبْطِئُوا مَا یَجِی‏ءُ بِهِ الْغَدُ

فَکَمْ مِنْ مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إِنْ أَدْرَکَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ یُدْرِکْهُ

وَ مَا أَقْرَبَ الْیَوْمَ مِنْ تَبَاشِیرِ غَدٍ

یَا قَوْمِ هَذَا إِبَّانُ وُرُودِ کُلِّ مَوْعُودٍ

وَ دُنُوٍّ مِنْ طَلْعَهِ مَا لَا تَعْرِفُونَ

أَلَا وَ إِنَّ مَنْ أَدْرَکَهَا مِنَّا یَسْرِی فِیهَا بِسِرَاجٍ مُنِیرٍ

وَ یَحْذُو فِیهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِینَ

لِیَحُلَّ فِیهَا رِبْقاً

وَ یُعْتِقَ فِیهَا رِقّاً وَ یَصْدَعَ شَعْباً وَ یَشْعَبَ صَدْعاً

فِی سُتْرَهٍ عَنِ النَّاسِ

لَا یُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَ لَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ

ثُمَّ لَیُشْحَذَنَّ فِیهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَیْنِ النَّصْلَ

تُجْلَى بِالتَّنْزِیلِ أَبْصَارُهُمْ

وَ یُرْمَى بِالتَّفْسِیرِ فِی مَسَامِعِهِمْ

وَ یُغْبَقُونَ کَأْسَ الْحِکْمَهِ بَعْدَ الصَّبُوحِ فی الضلال‏

منهاوَ طَالَ الْأَمَدُ بِهِمْ لِیَسْتَکْمِلُوا الْخِزْیَ

وَ یَسْتَوْجِبُوا الْغِیَرَ

حَتَّى إِذَا اخْلَوْلَقَ الْأَجَلُ

وَ اسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَى الْفِتَنِ

وَ أَشَالُوا عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ

لَمْ یَمُنُّوا عَلَى اللَّهِ بِالصَّبْرِ

وَ لَمْ یَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِی الْحَقِّ

حَتَّى إِذَا وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاءِ انْقِطَاعَ مُدَّهِ الْبَلَاءِ

حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَى أَسْیَافِهِمْ

وَ دَانُوا لِرَبِّهِمْ بِأَمْرِ وَاعِظِهِمْ

حَتَّى إِذَا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ ( صلى ‏الله ‏علیه ‏وآله  )رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى الْأَعْقَابِ

وَ غَالَتْهُمُ السُّبُلُ وَ اتَّکَلُوا عَلَى الْوَلَائِجِ

وَ وَصَلُوا غَیْرَ الرَّحِمِ وَ هَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِی أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ

وَ نَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ فَبَنَوْهُ فِی غَیْرِ مَوْضِعِهِ

مَعَادِنُ کُلِّ خَطِیئَهٍ وَ أَبْوَابُ کُلِّ ضَارِبٍ فِی غَمْرَهٍ

قَدْ مَارُوا فِی الْحَیْرَهِ وَ ذَهَلُوا فِی السَّکْرَهِ

عَلَى سُنَّهٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ

مِنْ مُنْقَطِعٍ إِلَى الدُّنْیَا رَاکِنٍ

أَوْ مُفَارِقٍ لِلدِّینِ مُبَایِنٍ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۹  

و من خطبه له علیه السّلام فی الملاحم و هى المأه و الخمسون من المختار فی باب الخطب
و أخذوا یمینا و شمالا ظعنا فی مسالک الغىّ، و ترکا لمذاهب الرّشد، فلا تستعجلوا ما هو کائن مرصد، و لا تستبطئوا ما یجبى‏ء به الغد، فکم من مستعجل بما إن أدرکه ودّ أنّه لم یدرکه، و ما أقرب الیوم من تباشیر غد، یا قوم هذا إبّان ورود کلّ موعود، و دنوّ من طلعه ما لا تعرفون، ألا و من أدرکها منّا یسری فیها بسراج منیر، و یحذو فیها على مثال الصّالحین، لیحلّ فیها ربقا، و یعتق رقّا، و یصدع شعبا، و یشعب صدعا، فی ستره عن النّاس لا یبصر القائف أثره و لو تابع نظره، ثمّ لیشحذنّ فیها قوم شحذ القین النّصل، یجلى بالتّنزیل أبصارهم، و یرمى بالتّفسیر فی مسامعهم، و یغبقون کأس الحکمه بعد الصّبوح. منها و طال الأمد بهم لیستکملوا الخزى، و یستوجبوا الغیر حتّى إذا اخلولق الأجل، و استراح قوم إلى الفتن، و اشتالوا عن لقاح حربهم، لم یمنّوا على اللَّه بالصّبر، و لم یستعظموا بذل أنفسهم‏ فی الحقّ، حتّى إذا وافق وارد القضاء انقطاع مدّه البلاء، حملوا بصائرهم على أسیافهم، و دانوا لربّهم بأمر واعظهم، حتّى إذا قبض اللَّه رسوله صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم رجع قوم على الأعقاب، و غالتهم السّبل، و اتّکلوا على الولائج، و وصلوا غیر الرّحم، و هجروا السّبب الّذی أمروا بمودّته، و نقلوا البناء عن رصّ أساسه فبنوه فی غیر موضعه، معادن کلّ خطیئه، و أبواب کلّ ضارب فی غمره، قد ماروا فی الحیره، و ذهلوا فی السّکره، على سنّه من آل فرعون، من منقطع إلى الدّنیا راکن، أو مفارق للدّین مباین.

اللغه

(ظعن) ظعنا من باب منع و ظعنا بالتّحریک سار و (التباشیر) أوائل الصّبح و کلّ شی‏ء، و (إبّان) الشی‏ء بکسر الهمزه و تشدید الباء الموحّده وقته و زمانه و (الرّبق) بالکسر فالسّکون حبل فیه عدّه عری یشدّ به البهم و کلّ عروه ربقه بالکسر و الفتح و الجمع ربق و رباق و أرباق و (یشحذنّ) على البناء للمفعول من الشّحذ و هو التّحدید و (القین) الحدّاد و (النّصل) حدیده الرّمح و السّهم و السّیف ما لم یکن له مقبض و (الغبوق) وزان صبور الشّرب بالعشىّ و غبقه سقاه ذلک و (الصّبوح) کصبور أیضا الشّرب بالغداه، و صبّحهم سقاهم صبوحا و قد یطلق الغبوق و الصّبوح على ما یشرب بالعشىّ و الغداه.

و (الغیر) بکسر الغین المعجمه و فتح الیاء المثنّاه قال فی مجمع البحرین:

فی الحدیث: الشکر أمان من الغیر، و مثله من یکفر باللَّه یلقى الغیر، أى تغیّر الحال و انتقالها عن الصّلاح إلى الفساد و (شالت) النّاقه ذنبها و أشالته رفعته فشال الذّنب نفسه لازم متعدّ و (اللقاح) بالفتح اسم ماء الفحل لقحت النّاقه من باب سمع لقاحا أى قبلت اللّقاح فهى لاقح أى حامل و (غاله) السّیل أهلکه کاغتاله و (الرّص) مصدر من رصّ الشی‏ء ألصق بعضه ببعض و ضمّ کرصّصه قال تعالى: «کَأَنَّهُمْ بُنْیانٌ مَرْصُوصٌ» و تراصّوا فی الصفّ تلاصقوا و انضمّوا و (مار) الشی‏ء من باب قال تحرّک بسرعه قال سبحانه: «یَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً»

الاعراب

قال الشّارح المعتزلی: ینصب ظعنا و ترکا على المصدریّه و العامل فیهما من غیر لفظهما و هو أخذوا، انتهى.
و الصّواب أنّهما حالان من فاعل أخذوا على التّأویل بالفاعل، أى ظاعنین و تارکین، و یا قوم بکسر المیم منادى مرّخم، و قوله: فی ستره خبر لمبتدأ محذوف و جمله لا یبصر القائف أثره حال مؤکّده نحو: ولیّ مدبرا، و جمله یجلى بالتّنزیل فی محلّ الرّفع صفه لقوم، و قوله: حتّى اذا اخلولق الأجل، جواب اذا محذوف بقرینه جواب اذا الآتیه أعنى قوله: حملوا بصائرهم، و جمله لم یمنّوا حال من فاعل اشتالوا، و قوله: معادن کلّ خطیئه، خبر لمبتدأ محذوف و الجمله فی محلّ الرّفع صفه لقوم.

و قوله: على سنّه من آل فرعون من منقطع آه ظرف مستقرّ حال من فاعل ذهلوا، و من الاولى نشویّه ابتدائیّه و الثّانیه أیضا للابتداء، و مجرور الثانیه بدل من مجرور الاولى بدل اشتمال نظیر قوله تعالى:

«فَلَمَّا أَتاها نُودِیَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَیْمَنِ فِی الْبُقْعَهِ الْمُبارَکَهِ» قال ابن هشام: من فیهما للابتداء و مجرور الثانیه بدل من مجرور الأولى بدل اشتمال لأنّ الشّجره کانت نابته بالشّاطى‏ء، انتهى.
و ربّما یعترض علیه بانّه لا بدّ على ذلک من تقدیر ضمیر یعود على المبدل منه، و اجیب عنه بأنّ تکرار من یغنى عن تقدیر الضّمیر، هذا.
و یحتمل کون من الثانیه للتّبیین فهى إمّا بیان لمجرور من الاولى على حدّ قوله تعالى: «وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّهٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا».أو بیان لمعادن کلّ خطیئه، و الأوّل أقرب لفظا و الثّانی معنى، فافهم.

المعنى

اعلم أنّه علیه السّلام یذکر فی هذه الخطبه قوما من فرق الضّلال زاغوا عن طریق الهدى إلى سمت الرّدى و مدارها على فصول:

الفصل الاول

قوله علیه السّلام: (و أخدوا یمینا و شمالا ظعنا فی مسالک الغیّ و ترکا لمذاهب الرّشد) أى مرتحلین فی مسالک الغیّ و الضّلال، و تارکین لمذاهب الرّشد و السّداد، فانّ الیمین و الشّمال مضلّه و الطّریق الوسطى هی الجادّه على ما تقدّم تفصیلا فی شرح الفصل الثّانی من الکلام السّادس عشر، فمن أخذ بالشّمال و الیمین ضلّ لا محاله عن النّهج القویم و الصراط المستقیم.

ثمّ نهاهم عن استعجال ما کانوا یتوقّعونه من الفتن الّتی أخبرهم الرّسول صلّى اللَّه علیه و آله‏ و هو علیه السّلام بوقوعها فی مستقبل الزّمان، و کانوا یسألونه علیه السّلام عنها و یستبطئون حصولها فقال: (فلا تستعجلوا ما هو کائن مرصد) أى مترقّب و معدّ (و لا تستبطئوا ما یجی‏ء به الغد) و علّل النّهى عن الاستعجال بقوله (فکم من مستعجل بما إن أدرکه) حریص علیه (ودّ أنّه لم یدرکه) و ذلک لأنّه ربّما یستعجل أمرا غفله عمّا یترتّب علیه من المفاسد و المضارّ، و جهلا بما یتضمّنه من الشّرور و المعایب فاذا أدرکه ظهر له ما کان مخفیّا عنه فیودّ أن لا ینیله و لا یدرکه قال سبحانه: «وَ عَسى‏ أَنْ تُحِبُّوا شَیْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَکُمْ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ».

و لمّا نهاهم عن استبطاء ما یجی‏ء به الغد أشار إلى قربه بقوله (و ما أقرب الیوم من تباشیر غد) و أوائله کما قال الشّاعر: غد ما غد ما أقرب الیوم من غد.
ثمّ قال عل