نامه ۱۹ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

۱۹ و من کتاب له ع إلى بعض عماله

أَمَّا بَعْدُ- فَإِنَّ دَهَاقِینَ أَهْلِ بَلَدِکَ شَکَوْا مِنْکَ غِلْظَهً وَ قَسْوَهً- وَ احْتِقَاراً وَ جَفْوَهً- وَ نَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلًا لِأَنَّ یُدْنَوْا لِشِرْکِهِمْ- وَ لَا أَنْ یُقْصَوْا وَ یُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ- فَالْبَسْ لَهُمْ جِلْبَاباً مِنَ اللِّینِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّهِ- وَ دَاوِلْ لَهُمْ بَیْنَ الْقَسْوَهِ وَ الرَّأْفَهِ- وَ امْزُجْ لَهُمْ بَیْنَ التَّقْرِیبِ وَ الْإِدْنَاءِ- وَ الْإِبْعَادِ وَ الْإِقْصَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الدهاقین الزعماء أرباب الأملاک بالسواد- واحدهم دهقان بکسر الدال و لفظه معرب- . و داول بینهم أی مره هکذا و مره هکذا- أمره أن یسلک معهم منهجا متوسطا- لا یدنیهم کل الدنو لأنهم مشرکون- و لا یقصیهم کل الإقصاء لأنهم معاهدون- فوجب أن یعاملهم معامله- آخذه من کل واحد من القسمین بنصیب

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۵

بازدیدها: ۱۲

نامه ۱۸ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)(کتاب له ع إلى عبد الله بن عباس)

۱۸ و من کتاب له ع إلى عبد الله بن عباس- و هو عامله على البصره

وَ اعْلَمْ أَنَّ الْبَصْرَهَ مَهْبِطُ إِبْلِیسَ وَ مَغْرِسُ الْفِتَنِ- فَحَادِثْ أَهْلَهَا بِالْإِحْسَانِ إِلَیْهِمْ- وَ احْلُلْ عُقْدَهَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ- وَ قَدْ بَلَغَنِی تَنَمُّرُکَ لِبَنِی تَمِیمٍ وَ غِلْظَتُک عَلَیْهِمْ- وَ إِنَّ بَنِی تَمِیمٍ لَمْ یَغِبْ لَهُمْ نَجْمٌ- إِلَّا طَلَعَ لَهُمْ آخَرُ- وَ إِنَّهُمْ لَمْ یُسْبَقُوا بِوَغْمٍ فِی جَاهِلِیَّهٍ وَ لَا إِسْلَامٍ- وَ إِنَّ لَهُمْ بِنَا رَحِماً مَاسَّهً وَ قَرَابَهً خَاصَّهً- نَحْنُ مَأْجُورُونَ عَلَى صِلَتِهَا- وَ مَأْزُورُونَ عَلَى قَطِیعَتِهَا- فَارْبَعْ أَبَا الْعَبَّاسِ رَحِمَکَ اللَّهُ- فِیمَا جَرَى عَلَى یَدِکَ وَ لِسَانِکَ مِنْ خَیْرٍ وَ شَرٍّ- فَإِنَّا شَرِیکَانِ فِی ذَلِکَ- وَ کُنْ عِنْدَ صَالِحِ ظَنِّی بِکَ- وَ لَا یَفِیلَنَّ رَأْیِی فِیکَ وَ السَّلَامُ قوله ع مهبط إبلیس موضع هبوطه- . و مغرس الفتن موضع غرسها و یروى و مغرس الفتن- و هو الموضع الذی ینزل فیه القوم آخر اللیل للاستراحه- یقال غرسوا و أغرسوا- . و قوله ع فحادث أهلها أی تعهدهم بالإحسان- من قولک حادثت السیف بالصقال- .

و التنمر للقوم الغلظه علیهم- و المعامله لهم بأخلاق النمر من الجرأه و الوثوب- و سنذکر تصدیق قوله ع- لم یغب لهم نجم إلا طلع لهم آخر- . و الوغم التره و الأوغام الترات- أی لم یهدر لهم دم فی جاهلیه و لا إسلام- یصفهم بالشجاعه و الحمیه- . و مأزورون کان أصله موزورون- و لکنه جاء بالألف لیحاذی به ألف مأجورون- و قد قال النبی ص مثل ذلک- . قوله ع فاربع أبا العباس- أی قف و تثبت فی جمیع ما تعتمده فعلا و قولا من خیر و شر- و لا تعجل به فإنی شریکک فیه- إذ أنت عاملی و النائب عنی- . و یعنی بالشر هاهنا الضرر فقط لا الظلم و الفعل القبیح- . قوله ع و کن عند صالح ظنی فیک- أی کن واقفا عنده کأنک تشاهده- فتمنعک مشاهدته عن فعل ما لا یجوز- . فال الرأی یفیل أی ضعف و أخطأ

فصل فی بنی تمیم و ذکر بعض فضائلهم

و قد ذکر أبو عبیده معمر بن المثنى فی کتاب التاج- أن لبنی تمیم مآثر لم یشرکهم فیها غیرهم- أما بنو سعد بن زید مناه- فلها ثلاث خصال یعرفها العرب- إحداها کثره العدد فإنه أضعف عددها على بنی تمیم- حتى ملأت السهل و الجبل عدلت مضر کثره- و عامه العدد منها فی کعب بن سعد بن زید مناه- و لذلک قال أوس بن مغراء

کعبی من خیر الکعاب کعبا
من خیرها فوارسا و عقبا
تعدل جنبا و تمیم جنبا

و قال الفرزدق أیضا فیهم هذه الأبیات-

لو کنت تعلم ما برمل مویسل
فقری عمان إلى ذوات حجور

لعلمت أن قبائلا و قبائلا
من آل سعد لم تدن لأمیر

 و قال أیضا

تبکی على سعد و سعد مقیمه
بیبرین قد کادت على الناس تضعف‏

 و لذلک کانت تسمى سعد الأکثرین- و فی المثل فی کل واد بنو سعد- . و الثانیه الإفاضه فی الجاهلیه- کان ذلک فی بنی عطارد- و هم یتوارثون ذلک کابرا عن کابر حتى قام الإسلام- و کانوا إذا اجتمع الناس أیام الحج بمنى- لم یبرح أحد من الناس دینا و سنه- حتى یجوز القائم بذلک من آل کرب بن صفوان- و قال أوس بن مغراء-

 

و لا یریمون فی التعریف موقفهم
حتى یقال أجیزوا آل صفوانا

و قال الفرزدق

إذا ما التقینا بالمحصب من منى
صبیحه یوم النحر من حیث عرفوا

ترى الناس ما سرنا یسیرون حولنا
و إن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا

و الثالثه أن منهم أشرف بیت فی العرب- الذی شرفته ملوک لخم- قال المنذر بن المنذر بن ماء السماء ذات یوم- و عنده وفود العرب- و دعا ببردی أبیه محرق بن المنذر- فقال لیلبس هذین أعز العرب و أکرمهم حسبا- فأحجم الناس فقال أحیمر بن‏خلف بن بهدله بن عوف- بن کعب بن سعد بن زید مناه بن تمیم أنا لهما- قال الملک بما ذا- قال بأن مضر أکرم العرب و أعزها و أکثرها عدیدا- و أن تمیما کاهلها و أکثرها- و أن بیتها و عددها فی بنی بهدله بن عوف و هو جدی- فقال هذا أنت فی أصلک و عشیرتک- فکیف أنت فی عترتک و أدانیک- . قال أنا أبو عشره و أخو عشره و عم عشره- فدفعهما إلیه- و إلى هذا أشار الزبرقان بن بدر فی قوله- و بردا ابن ماء المزن عمی اکتساهما بفضل معد حیث عدت محاصله‏- قال أبو عبیده و لهم فی الإسلام خصله- قدم قیس بن عاصم المنقری على رسول الله ص فی نفر من بنی سعد- فقال له رسول الله ص هذا سید أهل الوبر- فجعله سید خندف و قیس ممن یسکن الوبر- .

قال و أما بنو حنظله بن مالک بن زید مناه بن تمیم- فلهم خصال کثیره- قال فی بنی دارم بن مالک بن حنظله و هو بیت مضر- فمن ذلک زراره بن عدس بن زید بن دارم- یقال إنه أشرف البیوت فی بنی تمیم- و من ذلک قوس حاجب بن زراره المرهونه عند کسرى عن مضر کلها- و فی ذلک قیل

و أقسم کسرى لا یصالح واحدا
من الناس حتى یرهن القوس حاجب‏

و من ذلک فی بنی مجاشع بن دارم صعصعه بن ناجیه بن عقال- بن محمد بن سفیان بن مجاشع- و هو أول من أحیا الوئید- قام الإسلام و قد اشترى ثلاثمائه موءوده- فأعتقهن و رباهن- و کانت العرب تئد البنات خوف الإملاق- . و من ذلک غالب بن صعصعه و هو أبو الفرزدق- و غالب هو الذی قرى مائه ضیف- و احتمل عشر دیات لقوم لا یعرفهم- و کان من حدیث ذلک- أن بنی کلب‏ بن وبره افتخرت بینها فی أندیتها- فقالت نحن لباب العرب و قلبها- و نحن الذین لا ننازع حسبا و کرما- فقال شیخ منهم إن العرب غیر مقره لکم بذلک- إن لها أحسابا و إن منها لبابا و إن لها فعالا- و لکن ابعثوا مائه منکم فی أحسن هیئه و بزه- ینفرون من مروا به فی العرب- و یسألونه عشر دیات و لا ینتسبون له- فمن قرأهم و بذل لهم الدیات- فهو الکریم الذی لا ینازع فضلا- فخرجوا حتى قدموا على أرض بنی تمیم و أسد- فنفروا الأحیاء حیا فحیا و ماء فماء- لا یجدون أحدا على ما یریدون- حتى مروا على أکثم بن صیفی فسألوه ذلک- فقال من هؤلاء القتلى و من أنتم و ما قصتکم- فإن لکم لشأنا باختلافکم فی کلامکم فعدلوا عنه- ثم مروا بقتیبه بن الحارث بن شهاب الیربوعی- فسألوه عن ذلک- فقال من أنتم قالوا من کلب بن وبره- فقال إنی لأبغی کلبا بدم- فإن انسلخ الأشهر الحرم و أنتم بهذه الأرض- و أدرککم الخیل نکلت بکم و أثکلتکم أمهاتکم- فخرجوا من عنده مرعوبین- فمروا بعطارد بن حاجب بن زراره فسألوه ذلک- فقال قولوا بیانا و خذوها- فقالوا أما هذا فقد سألکم قبل أن یعطیکم فترکوه- و مروا ببنی مجاشع بن دارم- فأتوا على واد قد امتلأ إبلا- فیها غالب بن صعصعه یهنأ منها إبلا- فسألوه القرى و الدیات- فقال هاکم البزل قبل النزول- فابتزوها من البرک و حوزوا دیاتکم ثم انزلوا- فتنزلوا و أخبروه بالحال- و قالوا أرشدک الله من سید قوم- لقد أرحتنا من طول النصب- و لو علمنا لقصدنا إلیک- فذلک قول الفرزدق-

فلله عینا من رأى مثل غالب
قرى مائه ضیفا و لم یتکلم‏

و إذ نبحت کلب على الناس إنهم‏
أحق بتاج الماجد المتکرم‏

فلم یجل عن أحسابها غیر غالب
جرى بعنانی کل أبلج خضرم‏

قال فأما بنو یربوع بن حنظله فمنهم- ثم من بنی رباح بن یربوع عتاب بن هرمی بن ریاح- کانت له ردافه الملوک ملوک آل المنذر- و ردافه الملک أن یثنى به فی الشرب- و إذا غاب الملک خلفه فی مجلسه- و ورث ذلک بنوه کابرا عن کابر حتى قام الإسلام- قال لبید بن ربیعه
و شهدت أنجبه الأکارم غالبا کعبی و أرداف الملوک شهود- و یربوع أول من قتل قتیلا من المشرکین- و هو واقد بن عبد الله بن ثعلبه بن یربوع حلیف عمر بن الخطاب- قتل عمرو بن الحضرمی فی سریه نخله- فقال عمر بن الخطاب یفتخر بذلک-

سقینا من ابن الحضرمی رماحنا
بنخله لما أوقد الحرب واقد

و ظل ابن عبد الله عثمان بیننا
ینازعه غل من القد عاند

و لها جواد العرب کلها فی الإسلام- بدأ العرب کلها جودا خالد بن عتاب بن ورقاء الریاحی- دخل الفرزدق على سلیمان بن عبد الملک- و کان یشنؤه لکثره بأوه و فخره- فتهجمه و تنکر له- و أغلظ فی خطابه حتى قال من أنت لا أم لک- قال أ و ما تعرفنی یا أمیر المؤمنین- أنا من حی هم من أوفى العرب و أحلم العرب- و أسود العرب و أجود العرب و أشجع العرب و أشعر العرب- فقال سلیمان و الله لتحتجن لما ذکرت- أو لأوجعن ظهرک و لأبعدن دارک- قال أما أوفى العرب فحاجب بن زراره- رهن قوسه عن العرب کلها و أوفى- و أما أحلم العرب فالأحنف بن قیس- یضرب به المثل حلما- و أما أسود العرب فقیس بن عاصم- قال له رسول الله ص هذا سید أهل الوبر-و أما أشجع العرب فالحریش بن هلال السعدی- و أما أجود العرب فخالد بن عتاب بن ورقاء الریاحی- و أما أشعر العرب فها أنا ذا عندک- قال سلیمان فما جاء بک- لا شی‏ء لک عندنا فارجع على عقبک- و غمه ما سمع من عزه و لم یستطع له ردا- فقال الفرزدق فی أبیات

أتیناک لا من حاجه عرضت لنا
إلیک و لا من قله فی مجاشع‏

قلت و لو ذکر عتیبه بن الحارث بن شهاب الیربوعی- و قال إنه أشجع العرب لکان غیر مدافع- قالوا کانت العرب تقول- لو وقع القمر إلى الأرض لما التقفه إلا عتیبه بن الحارث- لثقافته بالرمح- و کان یقال له صیاد الفوارس و سم الفوارس- و هو الذی أسر بسطام بن قیس- و هو فارس ربیعه و شجاعها- و مکث عنده فی القید مده- حتى استوفى فداءه و جز ناصیته- و خلى سبیله على ألا یغزو بنی یربوع- و عتیبه هذا هو المقدم على فرسان العرب- کلها فی کتاب طبقات الشجعان و مقاتل الفرسان- و لکن الفرزدق لم یذکره و إن کان تمیمیا- لأن جریرا یفتخر به لأنه من بنی یربوع- فحملته عداوه جریر على أن عدل عن ذکره- .

قال أبو عبیده و لبنی عمرو بن تمیم خصال- تعرفها لهم العرب و لا ینازعهم فیها أحد- فمنها أکرم الناس عما و عمه و جدا و جده- و هو هند بن أبی هاله- و اسم أبی هاله نباش بن زراره أحد بنی عمرو بن تمیم- کانت خدیجه بنت خویلد قبل‏النبی ص تحت أبی هاله- فولدت له هندا- ثم تزوجها رسول الله ص و هند بن أبی هاله غلام صغیر- فتبناه النبی ص- ثم ولدت خدیجه من رسول الله ص القاسم و الطاهر و زینب- و رقیه و أم کلثوم و فاطمه- فکان هند بن أبی هاله أخاهم لأمهم- ثم أولد هند بن أبی هاله هند بن هند- فهند الثانی أکرم الناس جدا و جده- یعنی رسول الله ص و خدیجه- و أکرم الناس عما و عمه- یعنی بنی النبی ص و بناته- . و منها أن لهم أحکم العرب فی زمانه أکثم بن صیفی- أحد بنی أسد بن عمرو بن تمیم- کان أکثر أهل الجاهلیه حکما و مثلا و موعظه سائره- . و منها ذو الأعواز- کان له خراج على مضر کافه تؤدیه إلیه- فشاخ حتى کان یحمل على سریر- یطاف به على میاه العرب- فیؤدى إلیه الخراج- و قال الأسود بن یعفر النهشلی- و کان ضریرا و لقد علمت خلاف ما تناشی أن السبیل سبیل ذی الأعواز- .

و منها هلال بن أحوز المازنی- الذی ساد تمیما کلها فی الإسلام و لم یسدها غیره- . قال و دخل خالد بن عبد الرحمن- بن الولید بن المغیره المخزومی مسجد الکوفه- فانتهى إلى حلقه فیها أبو الصقعب التیمی- من تیم الرباب و المخزومی لا یعرفه- و کان أبو الصقعب من أعلم الناس فلما سمع علمه و حدیثه حسده- فقال له ممن الرجل قال من تیم الرباب- فظن المخزومی أنه وجد فرصه- فقال و الله ما أنت من سعد الأکثرین- و لا من حنظله الأکرمین و لا من عمرو الأشدین- فقال أبو الصقعب فممن أنت قال من بنی مخزوم- قال و الله ما أنت من هاشم المنتخبین- و لا من أمیه المستخلفین-و لا من عبد الدار المستحجبین- فبم تفخر قال نحن ریحانه قریش- قال أبو الصقعب قبحا لما جئت به- و هل تدری لم سمیت مخزوم ریحانه قریش- سمیت لحظوه نسائها عند الرجال فأفحمه- روى أبو العباس المبرد فی کتاب الکامل- أن معاویه قال للأحنف بن قیس- و جاریه بن قدامه و رجال من بنی سعد معهما کلاما أحفظهم- فردوا علیه جوابا مقذعا- و امرأته فاخته بنت قرظه فی بیت یقرب منهم- و هی أم عبد الله بن معاویه فسمعت ذلک- فلما خرجوا قالت یا أمیر المؤمنین- لقد سمعت من هؤلاء الأجلاف کلاما تلقوک به فلم تنکر- فکدت أن أخرج إلیهم فأسطو بهم- فقال معاویه إن مضر کأهل العرب و تمیما کأهل مضر- و سعدا کأهل تمیم و هؤلاء کأهل سعد- .

و روى أبو العباس أیضا أن عبد الملک ذکر یوما بنی دارم- فقال أحد جلسائه یا أمیر المؤمنین هؤلاء قوم محظوظون- یعنی فی کثره النسل و نماء الذریه- فلذلک انتشر صیتهم- فقال عبد الملک ما تقول- هذا و قد مضى منهم لقیط بن زراره و لم یخلف عقبا- و مضى قعقاع بن معبد بن زراره و لم یخلف عقبا- و مضى محمد بن عمیر بن عطارد بن حاجب بن زراره- و لم یخلف عقبا- و الله لا تنسى العرب هذه الثلاثه أبدا- .

قال أبو العباس إن الأصمعی قال- إن حربا کانت بالبادیه ثم اتصلت بالبصره- فتفاقم الأمر فیها ثم مشی بین الناس بالصلح- فاجتمعوا فی المسجد الجامع- قال فبعثت و أنا غلام إلى ضرار بن القعقاع من بنی دارم- فاستأذنت علیه فأذن لی فدخلت- فإذا به فی شمله یخلط بزرا لعنز له حلوب- فخبرته بمجتمع القوم فأمهل حتى أکلت العنز- ثم غسل الصحفه و صاح یا جاریه غدینا- فأتته بزیت و تمر فدعانی- فقذرته‏ أن آکل معه- حتى إذا قضى من أکله و حاجته وطرا- وثب إلى طین ملقى فی الدار فغسل به یده- ثم صاح یا جاریه اسقینی ماء- فأتته بماء فشربه و مسح فضله على وجهه- ثم قال الحمد لله ماء الفرات بتمر البصره بزیت الشام- متى نؤدی شکر هذه النعم- ثم قال علی بردائی- فأتته برداء عدنی فارتدى به على تلک الشمله- قال الأصمعی فتجافیت عنه استقباحا لزیه- فلما دخل المسجد صلى رکعتین- ثم مشى إلى القوم- فلم تبق حبوه إلا حلت إعظاما له- ثم جلس فتحمل جمیع ما کان بین الأحیاء فی ماله ثم انصرف- .

قال أبو العباس و حدثنی أبو عثمان المازنی- عن أبی عبیده قال- لما أتى زیاد بن عمرو المربد- فی عقب قتل مسعود بن عمرو العتکی- و جاء زیاد بن عمرو بن الأشرف العتکی- لیثأر به من بنی تمیم صف أصحابه- فجعل فی المیمنه بکر بن وائل و فی المیسره عبد القیس- و هم لکیز بن أفصى بن دعمی بن جدیله بن أسد بن ربیعه- و کان زیاد بن عمرو العتکی فی القلب- فبلغ ذلک الأحنف بن قیس- فقال هذا غلام حدث شأنه الشهره- و لیس یبالی أین قذف بنفسه- فندب أصحابه فجاءه حارثه بن بدر الغدانی- و قد اجتمعت بنو تمیم- فلما أتى قال قوموا إلى سیدکم- ثم أجلسه فناظره- فجعلوا سعدا و الرباب فی القلب- و رئیسهم عبس بن طلق الطعان المعروف بأخی کهمس- و هو أحد بنی صریم بن یربوع- فکانوا بحذاء زیاد بن عمرو و من معه من الأزد- و جعل حارثه بن بدر الغدانی فی بنی حنظله بحذاء بکر بن وائل- و جعل عمرو بن تمیم بحذاء عبد القیس- فذلک حیث یقول حارثه بن بدر للأحنف-

سیکفیک عبس أخو کهمس
مقارعه الأزد فی المربد

و یکفیک عمرو على رسلها
لکیز بن أفصى و ما عددوا

و نکفیک بکرا إذا أقبلت
بضرب یشیب له الأمرد

و لکیز بن أفصى تعم عبد القیس- قال فلما تواقفوا بعث إلیهم الأحنف- یا معشر الأزد من الیمن و ربیعه من أهل البصره- أنتم و الله أحب إلینا من تمیم الکوفه- و أنتم جیراننا فی الدار و یدنا على العدو- و أنتم بدأتمونا بالأمس و وطئتم حریمنا- و حرقتم علینا فدفعنا عن أنفسنا- و لا حاجه لنا فی الشر ما طلبنا فی الخیر مسلکا- فتیمموا بنا طریقه مستقیمه- فوجه إلیه زیاد بن عمرو تخیر خله من ثلاث- إن شئت فانزل أنت و قومک على حکمنا- و إن شئت فخل لنا عن البصره- و ارحل أنت و قومک إلى حیث شئتم- و إلا فدوا قتلانا و أهدروا دماءکم- و لیود مسعود دیه المشعره- . قال أبو العباس و تأویل قوله دیه المشعره- یرید أمر الملوک فی الجاهلیه- و کان الرجل إذا قتل و هو من أهل بیت المملکه- ودی عشر دیات- فبعث إلیه الأحنف سنختار- فانصرفوا فی یومکم فهز القوم رایاتهم و انصرفوا- فلما کان الغد بعث الأحنف إلیهم- إنکم خیرتمونا خلالا لیس لنا فیها خیار- أما النزول على حکمکم فکیف یکون و الکلم یقطر- و أما ترک دیارنا فهو أخو القتل- قال الله عز و جل وَ لَوْ أَنَّا کَتَبْنا عَلَیْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَکُمْ- أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِیارِکُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِیلٌ- و لکن الثالثه إنما هی حمل على المال- فنحن نبطل دماءنا و ندی قتلاکم- و إنما مسعود رجل من المسلمین- و قد أذهب الله عز و جل أمر الجاهلیه- فاجتمع القوم على أن یقفوا أمر مسعود و یغمدوا السیف- و تودى سائر القتلى من الأزد و ربیعه- فضمن ذلک الأحنف- و دفع إلیهم إیاس بن قتاده المجاشعی رهینه- حتى یؤدی هذا المال- فرضی به القوم- ففخر بذلک الفرزدق فقال لجریر-

و منا الذی أعطى یدیه رهینه
لغاری معد یوم ضرب الجماجم‏

عشیه سال المربدان کلاهما
عجاجه موت بالسیوف الصوارم‏

هنالک لو تبغی کلیبا وجدتها
أذل من القردان تحت المناسم‏

و یقال إن تمیما فی ذلک الوقت مع بادیتها- و حلفائها من الأساوره و الزط و السبابجه و غیرهم- کانوا زهاء سبعین ألفا- و فی ذلک یقول جریر

سائل ذوی یمن و رهط محرق
و الأزد إذ ندبوا لنا مسعودا

فأتاهم سبعون ألف مدجج‏
متسربلین یلامقا و حدیدا

قال الأحنف بن قیس- فکثرت على الدیات فلم أجدها فی حاضره تمیم- فخرجت نحو یبرین إلى بادیه تمیم- فسألت عن المقصود هناک فأرشدت إلى قبه- فإذا شیخ جالس بفنائها مؤتزر بشمله محتب بحبل- فسلمت علیه و انتسبت له- فقال لی ما فعل رسول الله ص قلت توفی- قال فما فعل عمر بن الخطاب- الذی کان یحفظ العرب و یحوطها قلت توفی- قال فأی خیر فی حاضرتکم بعدهما- قال فذکرت له الدیات- التی لزمتنا للأزد و ربیعه- قال فقال لی أقم- فإذا راع قد أراح علیه ألف بعیر فقال خذها- ثم أراح علینا آخر مثلها فقال خذها- فقلت لا أحتاج إلیها- قال فانصرفت بالألف عنه- و و الله ما أدری من هو إلى الساعه

 

 

بازدیدها: ۲۶

نامه ۱۷ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)(ذکر بعض ما کان بین علی و معاویه یوم صفین)

۱۷ و من کتاب له ع إلى معاویه- جوابا عن کتاب منه إلیه

وَ أَمَّا طَلَبُکَ إِلَى الشَّامِ- فَإِنِّی لَمْ أَکُنْ لَأُعْطِیَکَ الْیَوْمَ مَا مَنَعْتُکَ أَمْسِ- وَ أَمَّا قَوْلُکَ- إِنَّ الْحَرْبَ قَدْ أَکَلْتِ الْعَرَبَ إِلَّا حُشَاشَاتِ أَنْفُسٍ بَقِیَتْ- أَلَا وَ مَنْ أَکَلَهُ الْحَقُّ فَإِلَى الْجَنَّهِ- وَ مَنْ أَکَلَهُ الْبَاطِلُ فَإِلَى النَّارِ- وَ أَمَّا اسْتِوَاؤُنَا فِی الْحَرْبِ وَ الرِّجَالِ- فَلَسْتَ بِأَمْضَى عَلَى الشَّکِّ مِنِّی عَلَى الْیَقِینِ- وَ لَیْسَ أَهْلُ الشَّامِ بِأَحْرَصَ عَلَى الدُّنْیَا- مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى الآْخِرَهِ- وَ أَمَّا قَوْلُکَ إِنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ- فَکَذَلِکَ نَحْنُ وَ لَکِنْ لَیْسَ أُمَیَّهُ کَهَاشِمٍ- وَ لَا حَرْبٌ کَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ لَا أَبُو سُفْیَانَ کَأَبِی طَالِبٍ- وَ لَا الْمُهَاجِرُ کَالطَّلِیقِ وَ لَا الصَّرِیحُ کَاللَّصِیقِ- وَ لَا الْمُحِقُّ کَالْمُبْطِلِ وَ لَا الْمُؤْمِنُ کَالْمُدْغِلِ- وَ لَبِئْسَ الْخَلْفُ خَلْفٌ یَتْبَعُ سَلَفاً هَوَى فِی نَارِ جَهَنَّمَ- وَ فِی أَیْدِینَا بَعْدُ فَضْلُ النُّبُوَّهِ الَّتِی أَذْلَلْنَا بِهَا الْعَزِیزَ- وَ نَعَشْنَا بِهَا الذَّلِیلَ- وَ لَمَّا أَدْخَلَ اللَّهُ الْعَرَبَ فِی دِینِهِ أَفْوَاجاً- وَ أَسْلَمَتْ لَهُ هَذِهِ الْأُمَّهُ طَوْعاً وَ کَرْهاً- کُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِی الدِّینِ إِمَّا رَغْبَهً وَ إِمَّا رَهْبَهً- عَلَى حِینَ فَازَ أَهْلُ السَّبْقِ بِسَبْقِهِمْ- وَ ذَهَبَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ- فَلَا تَجْعَلَنَّ لِلشَّیْطَانِ فِیکَ نَصِیباً- وَ لَا عَلَى نَفْسِکَ سَبِیلًا وَ السَّلَامُ‏

یقال طلبت إلى فلان کذا- و التقدیر طلبت کذا راغبا إلى فلان- کما قال تعالى فِی تِسْعِ آیاتٍ إِلى‏ فِرْعَوْنَ أی مرسلا- . و یروى إلا حشاشه نفس بالإفراد- و هو بقیه الروح فی بدن المریض- . و روی ألا و من أکله الحق فإلى النار- و هذه الروایه ألیق من الروایه المذکوره- فی أکثر الکتب- لأن الحق یأکل أهل الباطل- و من روى تلک الروایه أضمر مضافا تقدیره أعداء الحق- و مضافا آخر تقدیره أعداء الباطل- و یجوز أن یکون من أکله الحق فإلى الجنه- أی من أفضى به الحق و نصرته و القیام دونه إلى القتل- فإن مصیره إلى الجنه- فیسمى الحق لما کانت نصرته کالسبب إلى القتل- أکلا لذلک المقتول- و کذلک القول فی الجانب الآخر- .

و کان الترتیب یقتضی أن یجعل هاشما بإزاء عبد شمس- لأنه أخوه فی قعدد- و کلاهما ولد عبد مناف لصلبه- و أن یکون أمیه بإزاء عبد المطلب- و أن یکون حرب بإزاء أبی طالب- و أن یکون أبو سفیان بإزاء أمیر المؤمنین ع- لأن کل واحد من هؤلاء فی قعدد صاحبه- إلا أن أمیر المؤمنین ع لما کان فی صفین بإزاء معاویه- اضطر إلى أن جعل هاشما بإزاء أمیه بن عبد شمس- .

فإن قلت فهلا قال و لا أنا کانت- قلت قبیح أن یقال ذلک- کما لا یقال السیف أمضى من العصا- بل قبیح به أن یقولها مع أحد من المسلمین کافه- نعم قد یقولها لا تصریحا بل تعریضا- لأنه یرفع نفسه على أن یقیسها بأحد- . و هاهنا قد عرض بذلک فی قوله و لا المهاجر کالطلیق- فإن قلت فهل معاویهمن الطلقاء قلت نعم- کل من دخل علیه رسول الله ص مکه عنوه بالسیف فملکه- ثم من علیه عن إسلام أو غیر إسلام- فهو من الطلقاء ممن لم یسلم کصفوان بن أمیه- و من أسلم کمعاویه بن أبی سفیان- و کذلک کل من أسر فی حرب رسول الله ص- ثم امتن علیه بفداء أو بغیر فداء فهو طلیق- فممن امتن علیه بفداء کسهیل بن عمرو- و ممن امتن علیه بغیر فداء أبو عزه الجمحی- و ممن امتن علیه معاوضه أی أطلق- لأنه بإزاء أسیر من المسلمین عمرو بن أبی سفیان بن حرب- کل هؤلاء معدودون من الطلقاء- . فإن قلت فما معنى قوله و لا الصریح کاللصیق- و هل کان فی نسب معاویه شبهه لیقول له هذا- . قلت کلا إنه لم یقصد ذلک- و إنما أراد الصریح بالإسلام و اللصیق فی الإسلام- فالصریح فیه هو من أسلم اعتقادا و إخلاصا- و اللصیق فیه من أسلم تحت السیف أو رغبه فی الدنیا- و قد صرح بذلک- فقال کنتم ممن دخل فی هذا الدین إما رغبه و إما رهبه- .

فإن قلت فما معنى قوله- و لبئس الخلف خلفا یتبع سلفا هوى فی نار جهنم- و هل یعاب المسلم بأن سلفه کانوا کفارا- . قلت نعم إذا تبع آثار سلفه و احتذى حذوهم- و أمیر المؤمنین ع ما عاب معاویه بأن سلفه کفار فقط- بل بکونه متبعا لهم- . قوله ع و فی أیدینا بعد فضل النبوه- أی إذا فرضنا تساوی الأقدام فی مآثر أسلافکم- کان فی أیدینا بعد الفضل علیکم بالنبوه التی نعشنا بها الخامل- و أخملنا بها النبیه- . قوله ع على حین فاز أهل السبق- قال قوم من النحاه حین مبنی هاهنا على الفتح- و قال قوم بل منصوب لإضافته إلى الفعل- . قوله ع فلا تجعلن للشیطان فیک نصیبا- أی لا تستلزم من أفعالک- ما یدوم به کون الشیطان ضاربا فیک بنصیب- لأنه ما کتب إلیه هذه الرساله- إلا بعد أن صار للشیطان فیه أوفر نصیب- و إنما المراد نهیه عن دوام ذلک و استمراره

ذکر بعض ما کان بین علی و معاویه یوم صفین

و ذکر نصر بن مزاحم بن بشار العقیلی فی کتاب صفین- أن هذا الکتاب کتبه علی ع إلى معاویه- قبل لیله الهریر بیومین أو ثلاثه- قال نصر أظهر علی ع أنه مصبح معاویه و مناجز له- و شاع ذلک من قوله- ففزع أهل الشام لذلک و انکسروا لقوله- و کان معاویه بن الضحاک بن سفیان- صاحب رایه بنی سلیم مع معاویه- مبغضا لمعاویه و أهل الشام- و له هوى مع أهل العراق و علی بن أبی طالب ع- و کان یکتب بأخبار معاویه إلى عبد الله بن الطفیل العامری- و هو مع أهل العراق- فیخبر بها علیا ع- فلما شاعت کلمه علی ع وجل لها أهل الشام- و بعث ابن الضحاک إلى عبد الله بن الطفیل- إنی قائل شعرا أذعر به أهل الشام و أرغم به معاویه- و کان معاویه لا یتهمه- و کان له فضل و نجده و لسان- فقال لیلا لیستمع أصحابه-

ألا لیت هذا اللیل أطبق سرمدا
علینا و إنا لا نرى بعده غدا

و یا لیته إن جاءنا بصباحه‏
وجدنا إلى مجرى الکواکب مصعدا

حذار علی إنه غیر مخلف مدى
الدهر ما لب الملبون موعدا

و أما قراری فی البلاد فلیس لی‏
مقام و إن جاوزت جابلق مصعدا

کأنی به فی الناس کاشف رأسه
على ظهر خوار الرحاله أجردا

یخوض غمار الموت فی مرجحنه
ینادون فی نقع العجاج محمدا

فوارس بدر و النضیر و خیبر
و أحد یهزون الصفیح المهندا

و یوم حنین جالدوا عن نبیهم‏
فریقا من الأحزاب حتى تبددا

هنالک لا تلوی عجوز على ابنها
و إن أکثرت من قول نفسی لک الفدا

فقل لا بن حرب ما الذی أنت صانع‏
أ تثبت أم ندعوک فی الحرب قعددا

فلا رأی إلا ترکنا الشام جهره
و إن أبرق الفجفاج فیها و أرعدا

فلما سمع أهل الشام شعره أتوا به معاویه فهم بقتله- ثم راقب فیه قومه فطرده من الشام- فلحق بمصر و ندم معاویه على تسییره إیاه- و قال معاویه لشعر السلمی أشد على أهل الشام من لقاء علی- ما له قاتله الله- لو صار خلف جابلق مصعدا لم یأمن علیا- أ لا تعلمون ما جابلق یقوله لأهل الشام قالوا لا- قال مدینه فی أقصى المشرق لیس بعدها شی‏ء- . قال نصر و تناقل الناس کلمه علی ع- لأناجزنهم مصبحا- فقال الأشتر

قد دنا الفضل فی الصباح
و للسلم رجال و للحروب رجال‏

فرجال الحروب کل خدب
مقحم لا تهده الأهوال‏

یضرب الفارس المدجج بالسیف‏
إذا فر فی الوغا الأکفال‏

یا ابن هند شد الحیازیم
للموت و لا تذهبن بک الآمال‏

إن فی الصبح إن بقیت لأمرا
تتفادى من هوله الأبطال‏

فیه عز العراق أو ظفر الشام
بأهل العراق و الزلزال‏

فاصبروا للطعان بالأسل السمر
و ضرب تجری به الأمثال‏

إن تکونوا قتلتم النفر البیض
و غالت أولئک الآجال‏

فلنا مثلهم غداه التلاقی‏
و قلیل من مثلهم أبدال‏

یخضبون الوشیج طعنا
إذا جرت من الموت بینهم أذیال‏

طلب الفوز فی المعاد و فیه‏
تستهان النفوس و الأموال‏

قال فلما انتهى إلى معاویه شعر الأشتر- قال شعر منکر من شاعر منکر- رأس أهل العراق و عظیمهم- و مسعر حربهم و أول الفتنه و آخرها- قد رأیت أن أعاود علیا و أسأله إقراری على الشام- فقد کنت کتبت إلیه ذلک فلم یجب إلیه- و لأکتبن ثانیه فألقى فی نفسه الشک و الرقه- فقال له عمرو بن العاص و ضحک- أین أنت یا معاویه من خدعه علی- قال أ لسنا بنی عبد مناف قال بلى- و لکن لهم النبوه دونک- و إن شئت أن تکتب فاکتب- فکتب معاویه إلى علی ع مع رجل من السکاسک- یقال له عبد الله بن عقبه و کان من نافله أهل العراق- أما بعد فإنک لو علمت أن الحرب تبلغ بنا و بک ما بلغت- لم یجنها بعضنا على‏ بعض- و لئن کنا قد غلبنا على عقولنا- لقد بقی لنا منها ما نندم به على ما مضى- و نصلح به ما بقی- و قد کنت سألتک الشام على أن تلزمنی لک بیعه و طاعه- فأبیت ذلک علی فأعطانی الله ما منعت- و أنا أدعوک الیوم إلى ما دعوتک إلیه أمس- فإنی لا أرجو من البقاء إلا ما ترجو- و لا أخاف من الموت إلا ما تخاف- و قد و الله فارقت الأجناد- و ذهبت الرجال و نحن بنو عبد مناف- لیس لبعضنا على بعض فضل إلا فضل لا یستذل به عزیز- و لا یسترق به حر و السلام- .

فلما انتهى کتاب معاویه إلى علی ع قرأه- ثم قال العجب لمعاویه و کتابه- و دعا عبید بن أبی رافع کاتبه فقال اکتب جوابه- أما بعد فقد جاءنی کتابک- تذکر أنک لو علمت و علمنا أن الحرب تبلغ بنا و بک- ما بلغت لم یجنها بعضنا على بعض- فإنی لو قتلت فی ذات الله و حییت- ثم قتلت ثم حییت سبعین مره- لم أرجع عن الشده فی ذات الله و الجهاد لأعداء الله- و أما قولک إنه قد بقی من عقولنا ما نندم به على ما مضى- فإنی ما نقصت عقلی و لا ندمت على فعلی- و أما طلبک الشام- فإنی لم أکن أعطیک الیوم ما منعتک أمس- و أما استواؤنا فی الخوف و الرجاء- فلست أمضى على الشک منی على الیقین- و لیس أهل الشام بأحرص على الدنیا- من أهل العراق على الآخره- و أما قولک إنا بنو عبد مناف لیس لبعضنا فضل على بعض- فلعمری إنا بنو أب واحد- و لکن لیس أمیه کهاشم و لا حرب کعبد المطلب- و لا المهاجر کالطلیق و لا المحق کالمبطل- و فی أیدینا بعد فضل النبوه التی أذللنا بها العزیز- و أعززنا بها الذلیل و السلام – .

فلما أتى معاویه کتاب علی ع- کتمه عن عمرو بن العاص أیاما- ثم دعاه‏فاقرأه إیاه فشمت به عمرو- و لم یکن أحد من قریش أشد إعظاما لعلی- من عمرو بن العاص منذ یوم لقیه و صفح عنه- فقال عمرو فیما کان أشار به على معاویه-

ألا لله درک یا ابن هند
و در الأمرین لک الشهود

أ تطمع لا أبا لک فی علی‏
و قد قرع الحدید على الحدید

و ترجو أن تحیره بشک
و تأمل أن یهابک بالوعید

و قد کشف القناع و جر حربا
یشیب لهولها رأس الولید

له جأواء مظلمه طحون
فوارسها تلهب کالأسود

یقول لها إذا رجعت إلیه‏
و قد ملت طعان القوم عودی‏

فإن وردت فأولها ورودا
و إن صدت فلیس بذی صدود

و ما هی من أبی حسن بنکر
و لا هو من مسائک بالبعید

و قلت له مقاله مستکین
ضعیف الرکن منقطع الورید

دعن لی الشام حسبک یا ابن هند
من السوآه و الرأی الزهید

و لو أعطاکها ما ازددت عزا
و لا لک لو أجابک من مزید

فلم تکسر بذاک الرأی عودا
لرکته و لا ما دون عود

فلما بلغ معاویه شعر عمرو دعاه- فقال له العجب لک- تفیل رأیی و تعظم علیا و قد فضحک- فقال أما تفییلی رأیک فقد کان- و أما إعظامی علیا فإنک بإعظامه أشد معرفه منی- و لکنک تطویه و أنا أنشره- و أما فضیحتی فلم یفتضح امرؤ لقی أبا حسن

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۵

بازدیدها: ۲۲

نامه ۱۶ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

۱۶ و کان یقول ع لأصحابه عند الحرب

لَا تَشْتَدَّنَّ عَلَیْکُمْ فَرَّهٌ بَعْدَهَا کَرَّهٌ- وَ لَا جَوْلَهٌ بَعْدَهَا حَمْلَهٌ- وَ أَعْطُوا السُّیُوفَ حُقُوقَهَا- وَ وَطِّنُوا لِلْجُنُوبِ مَصَارِعَهَا- وَ اذْمُرُوا أَنْفُسَکُمْ عَلَى الطَّعْنِ الدَّعْسِیِّ وَ الضَّرْبِ الطِّلَحْفِیِّ- وَ أَمِیتُوا الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ- وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّهَ وَ بَرَأَ النَّسَمَهَ- مَا أَسْلَمُوا وَ لَکِنِ اسْتَسْلَمُوا وَ أَسَرُّوا الْکُفْرَ- فَلَمَّا وَجَدُوا أَعْوَاناً عَلَیْهِ أَظْهَرُوهُ قال لا تستصعبوا فره تفرونها بعدها کره- تجبرون بها ما تکسر من حالکم- و إنما الذی ینبغی لکم أن تستصعبوه فره لا کره بعدها- و هذا حض لهم على أن یکروا- و یعودوا إلى الحرب إن وقعت علیهم کسره- . و مثله قوله و لا جوله بعدها حمله- و الجوله هزیمه قریبه لیست بالممعنه- . و اذمروا أنفسکم من ذمره على کذا أی حضه علیه- و الطعن الدعسی الذی یحشى به أجواف الأعداء- و أصل الدعس الحشو دعست الوعاء حشوته- . و ضرب طلحفی بکسر الطاء و فتح اللام أی شدید- و اللام زائده- .

ثم أمرهم بإماته الأصوات- لأن شده الضوضاء فی الحرب أماره الخوف و الوجل- . ثم أقسم أن معاویه و عمرا و من والاهما من قریش ما أسلموا- و لکن استسلموا خوفا من السیف و نافقوا- فلما قدروا على إظهار ما فی أنفسهم أظهروه- و هذا یدل على أنه ع جعل محاربتهم له کفرا- . و قد تقدم فی شرح حال معاویه و ما یذکره- کثیر من أصحابنا من فساد عقیدته ما فیه کفایه

نبذ من الأقوال المتشابهه فی الحرب

و أوصى أکثم بن صیفی قوما نهضوا إلى الحرب- فقال ابرزوا للحرب و ادرعوا اللیل- فإنه أخفى للویل و لا جماعه لمن اختلف- و اعلموا أن کثره الصیاح من الفشل- و المرء یعجز لا محاله- . و سمعت عائشه یوم الجمل أصحابها یکبرون- فقالت لا تکبروا هاهنا- فإن کثره التکبیر عند القتال من الفشل- . و قال بعض السلف- قد جمع الله أدب الحرب فی قوله تعالى- یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا لَقِیتُمْ فِئَهً فَاثْبُتُوا الآیتین- . و قال عتبه بن ربیعه لقریش یوم بدر- أ لا ترونهم یعنی أصحاب النبی ص جثیا على الرکب- یتلمظون تلمظ الحیات- .

و أوصى عبد الملک بن صالح أمیر سریه بعثها- فقال أنت تاجر الله لعباده- فکن کالمضارب الکیس الذی إن وجد ربحا تجر- و إلا احتفظ برأس المال- و لا تطلب‏ الغنیمه حتى تحوز السلامه- و کن من احتیالک على عدوک- أشد حذرا من احتیال عدوک علیک- . و فی الحدیث المرفوع إنه ص قال لزید بن حارثه لا تشق جیشک- فإن الله تعالى ینصر القوم بأضعفهم و قال ابن عباس و ذکر علیا ع ما رأیت رئیسا یوزن به لقد رأیته یوم صفین- و کأن عینیه سراجا سلیط- و هو یحمس أصحابه إلى أن انتهى إلی و أنا فی کنف- فقال یا معشر المسلمین استشعروا الخشیه- و تجلببوا السکینه و أکملوا اللأمه – … الفصل المذکور فیما تقدم‏

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۵

بازدیدها: ۱۷

نامه ۱۵ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

۱۵ و کان ع یقول إذا لقی العدو محاربا

اللَّهُمَّ إِلَیْکَ أَفْضَتِ الْقُلُوبُ وَ مُدَّتِ الْأَعْنَاقُ- وَ شَخَصَتِ الْأَبْصَارُ وَ نُقِلَتِ الْأَقْدَامُ وَ أُنْضِیَتِ الْأَبْدَانُ- اللَّهُمَّ قَدْ صَرَّحَ مَکْنُونُ الشَّنَآنِ- وَ جَاشَتْ مَرَاجِلُ الْأَضْغَانِ- اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْکُو إِلَیْکَ غَیْبَهَ نَبِیِّنَا- وَ کَثْرَهَ عَدُوِّنَا وَ تَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا- رَبَّنَا افْتَحْ بَیْنَنا وَ بَیْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ- وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفاتِحِینَ أفضت القلوب أی دنت و قربت- و منه أفضى الرجل إلى امرأته أی غشیها- و یجوز أن یکون أفضت أی بسرها فحذف المفعول- . و أنضیت الأبدان هزلت- و منه النضو و هو البعیر المهزول- . و صرح انکشف و الشنئان البغضه- . و جاشت تحرکت و اضطربت- . و المراجل جمع مرجل و هی القدر- . و الأضغان الأحقاد واحدها ضغن- .

و أخذ سدیف مولى المنصور هذه اللفظه- فکان یقول فی دعائه- اللهم إنا نشکو إلیک غیبه نبینا و تشتت أهوائنا- و ما شملنا من زیغ الفتن- و استولى علینا من غشوه الحیره- حتى عاد فینا دوله بعد القسمه- و إمارتنا غلبه بعد المشوره- وعدنا میراثا بعد الاختیار للأمه- و اشتریت الملاهی و المعازف بمال الیتیم و الأرمله- و رعى فی مال الله من لا یرعى له حرمه- و حکم فی أبشار المؤمنین أهل الذمه- و تولى القیام بأمورهم فاسق کل محله- فلا ذائد یذودهم عن هلکه- و لا راع ینظر إلیهم بعین رحمه- و لا ذو شفقه یشبع الکبد الحرى من مسغبه- فهم أولو ضرع و فاقه و أسراء فقر و مسکنه- و حلفاء کئابه و ذله- اللهم و قد استحصد زرع الباطل و بلغ نهایته- و استحکم عموده و استجمع طریده- و حذف ولیده و ضرب بجرانه- فأتح له من الحق یدا حاصده- تجذ سنامه و تهشم سوقه- و تصرع قائمه لیستخفی الباطل بقبح حلیته- و یظهر الحق بحسن صورته- . و وجدت هذه الألفاظ- فی دعاء منسوب إلى علی بن الحسین زین العابدین ع- و لعله من کلامه و قد کان سدیف یدعو به

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۵

بازدیدها: ۹

نامه ۱۴ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)(قصه فیروز بن یزدجرد)

۱۴ و من وصیه له ع لعسکره بصفین قبل لقاء العدو

لَا تُقَاتِلُونَهُمْ حَتَّى یَبْدَءُوکُمْ- فَإِنَّکُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى حُجَّهٍ- وَ تَرْکُکُمْ إِیَّاهُمْ حَتَّى یَبْدَءُوکُمْ حُجَّهٌ أُخْرَى لَکُمْ عَلَیْهِمْ- فَإِذَا کَانَتِ الْهَزِیمَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ- فَلَا تَقْتُلُوا مُدْبِراً وَ لَا تُصِیبُوا مُعْوِراً- وَ لَا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِیحٍ- وَ لَا تَهِیجُوا النِّسَاءَ بِأَذًى- وَ إِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَکُمْ وَ سَبَبْنَ أُمَرَاءَکُمْ- فَإِنَّهُنَّ ضَعِیفَاتُ الْقُوَى وَ الْأَنْفُسِ وَ الْعُقُولِ- إِنْ کُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْکَفِّ عَنْهُنَّ وَ إِنَّهُنَّ لَمُشْرِکَاتٌ- وَ إِنْ کَانَ الرَّجُلُ لَیَتَنَاوَلُ الْمَرْأَهَ فِی الْجَاهِلِیَّهِ- بِالْفَهْرِ أَوِ الْهِرَاوَهِ- فَیُعَیَّرُ بِهَا وَ عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ نهى أصحابه عن البغی و الابتداء بالحرب- و قد روی عنه أنه قال ما نصرت على الأقران الذین قتلتهم- إلا لأنی ما ابتدأت بالمبارزه – و نهى إذا وقعت الهزیمه عن قتل المدبر- و الإجهاز على الجریح و هو إتمام قتله- . قوله ع و لا تصیبوا معورا- هو من یعتصم منک فی الحرب- بإظهار عورته لتکف عنه- و یجوز أن یکون المعور هاهنا المریب- الذی یظن أنه من القوم و أنه حضر للحرب و لیس منهم- لأنه حضر لأمر آخر- . قوله ع- و لا تهیجوا النساء بأذى أی لا تحرکوهن- .و الفهر الحجر و الهراوه العصا- . و عطف و عقبه على الضمیر- المستکن المرفوع فی فیعیر- و لم یؤکد للفصل بقوله بها- کقوله تعالى ما أَشْرَکْنا وَ لا آباؤُنا- لما فصل بلا عطف و لم یحتج إلى تأکید

نبذ من الأقوال الحکیمه

و مما ورد فی الشعر فی هذا المعنى قول الشاعر-

إن من أعظم الکبائر عندی
قتل بیضاء حره عطبول‏

کتب القتل و القتال علینا
و على المحصنات جر الذیول‏

و قالت امرأه عبد الله بن خلف الخزاعی بالبصره- لعلی ع بعد ظفره و قد مر ببابها- یا علی یا قاتل الأحبه لا مرحبا بک- أیتم الله منک ولدک- کما أیتمت بنی عبد الله بن خلف فلم یرد علیها- و لکنه وقف و أشار إلى ناحیه من دارها- ففهمت إشارته فسکتت و انصرفت- و کانت قد سترت عندها عبد الله بن الزبیر- و مروان بن الحکم- فأشار إلى الموضع الذی کانا فیه- أی لو شئت أخرجتهما فلما فهمت انصرفت- و کان ع حلیما کریما- . و کان عمر بن الخطاب إذا بعث أمراء الجیوش یقول- بسم الله و على عون الله‏ و برکته- فامضوا بتأیید الله و نصره- أوصیکم بتقوى الله و لزوم الحق و الصبر- فقاتلوا فی سبیل الله من کفر بالله- و لا تعتدوا إن الله لا یحب المعتدین- و لا تجبنوا عند اللقاء و لا تمثلوا عند الغاره- و لا تسرفوا عند الظهور- و لا تقتلوا هرما و لا امرأه و لا ولیدا- و توقوا أن تطئوا هؤلاء عند التقاء الزحفین- و عند حمه النهضات و فی شن الغارات- و لا تغلوا عند الغنائم- و نزهوا الجهاد عن غرض الدنیا- و أبشروا بالأرباح فی البیع الذی بایعتم به- و ذلک هو الفوز العظیم- .

و استشار قوم أکثم بن صیفی فی حرب قوم أرادوهم- و سألوه أن یوصیهم- فقال أقلوا الخلاف على أمرائکم و اثبتوا- فإن أحزم الفریقین الرکین- و رب عجله تهب ریثا- . و کان قیس بن عاصم المنقری إذا غزا- شهد معه الحرب ثلاثون من ولده- یقول لهم إیاکم و البغی- فإنه ما بغى قوم قط إلا ذلوا- قالوا فکان الرجل من ولده یظلم- فلا ینتصف مخافه الذل- . قال أبو بکر یوم حنین لن نغلب الیوم من قله- و کانوا اثنی عشر ألفا- فهزموا یومئذ هزیمه قبیحه- و أنزل الله تعالى قوله وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْکُمْ کَثْرَتُکُمْ- فَلَمْ تُغْنِ عَنْکُمْ شَیْئاً- . و کان یقال لا ظفر مع بغی- و لا صحه مع نهم و لا ثناء مع کبر- و لا سؤدد مع شح

قصه فیروز بن یزدجرد حین غزا ملک الهیاطله

و من الکلمات المستحسنه فی سوء عاقبه البغی- ما ذکره ابن قتیبه فی کتاب عیون الأخبار- إن فیروز بن یزدجرد بن بهرام لما ملک- سار بجنوده نحو بلاد الهیاطله- فلما انتهى إلیهم اشتد رعب ملکهم أخشنوار منه و حذره- فناظر أصحابه و وزراءه فی أمره- فقال رجل منهم- أعطنی موثقا من الله و عهدا تطمئن إلیه نفسی- أن تکفینی الغم بأمر أهلی و ولدی- و أن تحسن إلیهم و تخلفنی فیهم- ثم اقطع یدی و رجلی- و ألقنی فی طریق فیروز حتى یمر بی هو و أصحابه- و أنا أکفیک أمرهم- و أورطهم مورطا تکون فیه هلکتهم- فقال له أخشنوار- و ما الذی تنتفع به من سلامتنا و صلاح حالنا- إذا أنت هلکت و لم تشرکنا فی ذلک- فقال إنی قد بلغت ما کنت أحب أن أبلغ من الدنیا- و أنا موقن أن الموت لا بد منه- و إن تأخر أیاما قلیله- فأحب أن أختم عملی بأفضل ما یختم به الأعمال- من النصیحه بسلطانی- و النکایه فی عدوی فیشرف بذلک عقبی- و أصیب سعاده و حظوه فیما أمامی- .

ففعل أخشنوار به ذلک- و حمله فألقاه فی الموضع الذی أشار إلیه- فمر به فیروز فی جنوده فسأله عن حاله- فأخبره أن أخشنوار فعل به ما یراه و أنه شدید الأسف- کیف لا یستطیع أن یکون أمام الجیش فی غزو بلاده- و تخریب مدینته- و لکنه سیدل الملک على طریق هو أقرب من هذا الطریق- الذی یریدون سلوکه و أخفى- فلا یشعر أخشنوار حتى یهجم علیه فینتقم الله منه بکم- و لیس فی هذا الطریق من المکروه إلا تغور یومین- ثم تفضون إلى کل ما تحبون- .

فقبل فیروز قوله- بعد أن أشار إلیه وزراؤه بالاتهام له- و الحذر منه و بغیر ذلک- فخالفهم و سلک تلک الطریق- فانتهوا بعد یومین إلى موضع من المفازه- لا صدر لهم عنه و لا ماء معهم و لا بین أیدیهم- و تبین لهم أنهم قد خدعوا- فتفرقوا فی تلک المفازه یمینا و شمالا یلتمسون الماء- فقتل العطش أکثرهم- و لم یسلم مع فیروز إلا عده یسیره- فانتهى إلیهم أخشنوار بجیشه- فواقعهم فی تلک الحال التی هم فیها- من القله و الضر و الجهد- فاستمکنوا منهم بعد أن أعظموا الکنایه فیهم- . و أسر فیروز فرغب أخشنوار أن یمن علیه- و على من بقی من أصحابه على أن یجعل له عهد الله و میثاقه- ألا یغزوهم أبدا ما بقی- و على أن یحد فیما بینه و بین مملکتهم حدا لا یتجاوزه جنوده- فرضی أخشنوار بذلک فخلى سبیله- و جعلا بین المملکتین حجرا لا یتجاوزه کل واحد منهما- . فمکث فیروز برهه من دهره- ثم حمله الأنف على أن یعود لغزو الهیاطله- و دعا أصحابه إلى ذلک فنهوه عنه- و قالوا إنک قد عاهدته- و نحن نتخوف علیک عاقبه البغی و الغدر- مع ما فی ذلک من العار و سوء القاله- . فقال لهم- إنما اشترطت له ألا أجوز الحجر الذی جعلناه بیننا- و أنا آمر بالحجر فیحمل أمامنا على عجل- .

فقالوا أیها الملک- إن العهود و المواثیق التی یتعاطاها الناس بینهم- لا تحمل على ما یسره المعطی لها- و لکن على ما یعلن به المعطى إیاها- و إنما جعلت عهد الله و میثاقه على الأمر الذی عرفه- لا على الأمر الذی لم یخطر له ببال- فأبى فیروز و مضى فی غزوته حتى انتهى إلى الهیاطله- و تصاف الفریقان للقتال فأرسل أخشنوار إلى فیروز یسأله أن یبرز فیما بین صفیهم- فخرج إلیه فقال له أخشنوار- إنی قد ظننت أنه لم یدعک إلى مقامک هذا- إلا الأنف مما أصابک- و لعمری إن کنا قد احتلنا لک بما رأیت- لقد کنت التمست منا أعظم منه- و ما ابتدأناک ببغی و لا ظلم- و ما أردنا إلا دفعک عن أنفسنا و حریمنا- و لقد کنت جدیرا- أن تکون من سوء مکافاتنا بمننا علیک و على من معک- و من نقض العهد و المیثاق الذی أکدته على نفسک أعظم أنفا- و أشد امتعاضا مما نالک منا- فإنا أطلقناکم و أنتم أسارى- و مننا علیکم و أنتم على الهلکه مشرفون- و حقنا دماءکم و لنا على سفکها قدره- و إنا لم نجبرک على ما شرطت لنا- بل کنت أنت الراغب إلینا فیه و المرید لنا علیه- ففکر فی ذلک و میز بین هذین الأمرین- فانظر أیهما أشد عارا و أقبح سماعا- إن طلب رجل أمرا فلم یقدر له و لم ینجح فی طلبته- و سلک سبیلا فلم یظفر فیه ببغیته- و استمکن منه عدوه على حال جهد و ضیعه منه و ممن هم معه- . فمن علیهم و أطلقهم على شرط شرطوه- و أمر اصطلحوا علیه- فاصطبر بمکروه القضاء و استحیا من الغدر و النکث- أن یقال نقض العهد و أخفر المیثاق- مع أنی قد ظننت أنه یزیدک لجاجه- ما تثق به من کثره جنودک- و ما ترى من حسن عدتهم- و ما أجدنی أشک أنهم- أو أکثرهم کارهون لما کان من شخوصک بهم- عارفون بأنک قد حملتهم على غیر الحق- و دعوتهم إلى ما یسخط الله- و أنهم فی حربنا غیر مستبصرین- و نیاتهم على مناصحتک مدخوله- .

فانظر ما قدر غناء من یقاتل على هذه الحال- و ما عسى أن یبلغ نکایته فی عدوه- إذا کان عارفا بأنه إن ظفر فمع عار و إن قتل فإلى النار- و أنا أذکرک الله الذی جعلته‏ على نفسک کفیلا- و أذکرک نعمتی علیک و على من معک- بعد یأسکم من الحیاه و إشفائکم على الممات- و أدعوک إلى ما فیه حظک و رشدک من الوفاء بالعهد- و الاقتداء بآبائک و أسلافک الذین مضوا على ذلک- فی کل ما أحبوه و کرهوه- فأحمدوا عواقبه و حسن علیهم أثره- . و مع ذلک فإنک لست على ثقه من الظفر بنا- و بلوغ نهمتک فینا- و إنما تلتمس أمرا یلتمس منک مثله- و تنادی عدوا لعله یمنح النصر علیک- فاقبل هذه النصیحه فقد بالغت فی الاحتجاج علیک- و تقدمت بالإعذار إلیک- و نحن نستظهر بالله الذی اعتذرنا إلیه- و وثقنا بما جعلت لنا من عهده- إذا استظهرت بکثره جنودک- و ازدهتک عده أصحابک فدونک هذه النصیحه- فبالله ما کان أحد من أصحابک یبالغ لک أکثر منها- و لا یزیدک علیها- و لا یحرمنک منفعتها مخرجها منی- فإنه لیس یزرى بالمنافع و المصالح عند ذوی الآراء- صدورها عن الأعداء- کما لا تحسن المضار أن تکون على أیدی الأصدقاء- .

و اعلم أنه لیس یدعونی إلى ما تسمع- من مخاطبتی إیاک ضعف من نفسی- و لا من قله جنودی- و لکنی أحببت أن ازداد بذلک حجه و استظهارا- فأزداد به للنصر و المعونه من الله استیجابا- و لا أوثر على العافیه و السلامه شیئا- ما وجدت إلیهما سبیلا- . فقال فیروز لست ممن یردعه عن الأمر یهم به الوعید- و لا یصده التهدد و الترهیب- و لو کنت أرى ما أطلب غدرا منی- إذا ما کان أحد أنظر و لا أشد إبقاء منی على نفسی- و قد یعلم الله أنى لم أجعل لک العهد و المیثاق- إلا بما أضمرت فی نفسی- فلا یغرنک الحال التی کنت صادفتنا علیها- من القله و الجهد و الضعف- .

فقال أخشنوار- لا یغرنک ما تخدع به نفسک من حملک الحجر أمامک- فإن الناس لو کانوا یعطون العهود- على ما تصف من إسرار أمر و إعلان آخر- إذا ما کان ینبغی لأحد أن یغتر بأمان أو یثق بعهد- و إذا ما قبل الناس شیئا مما کانوا یعطون من ذلک- و لکنه وضع على العلانیه- و على نیه من تعقد له العهود و الشروط ثم انصرف- . فقال فیروز لأصحابه لقد کان أخشنوار حسن المحاوره- و ما رأیت للفرس الذی کان تحته نظیرا فی الدواب- فإنه لم یزل قوائمه- و لم یرفع حوافره عن مواضعها و لا صهل- و لا أحدث شیئا یقطع به المحاوره فی طول ما تواقفنا- .

و قال أخشنوار لأصحابه- لقد وافقت فیروز کما رأیتم و علیه السلاح کله فلم یتحرک- و لم ینزع رجله من رکابه و لا حنى ظهره- و لا التفت یمینا و لا شمالا- و لقد تورکت أنا مرارا و تمطیت على فرسی- و التفت إلى من خلفی و مددت بصری فیما أمامی- و هو منتصب ساکن على حاله- و لو لا محاورته إیای لظننت أنه لا یبصرنی- و إنما أراد بما وصفا من ذلک- أن ینشر هذان الحدیثان فی أهل عسکرهما- فیشتغلوا بالإفاضه فیهما عن النظر فیما تذاکرا- . فلما کان فی الیوم الثانی- أخرج أخشنوار الصحیفه التی کتبها لهم فیروز- و نصبها على رمح لیراها أهل عسکر فیروز- فیعرفوا غدره و بغیه- و یخرجوا من متابعته على هواه- فما هو إلا أن راوها حتى انتقض عسکرهم و اختلفوا- و ما تلبثوا إلا یسیرا حتى انهزموا- و قتل منهم خلق کثیر و هلک فیروز- فقال أخشنوار لقد صدق الذی قال لا مرد لما قدر- و لا شی‏ء أشد إحاله لمنافع الرأی من الهوى و اللجاج- و لا أضیع من نصیحه یمنحها من لا یوطن نفسه على قبولها- و الصبر على مکروهها- و لا أسرع عقوبه و أسوأ عاقبه من البغی و الغدر- و لا أجلب لعظیم العار و الفضوح- من الأنف و إفراط العجب

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۵

 

بازدیدها: ۲۶

نامه ۱۳ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)(نسب الأشتر و ذکر بعض فضائله)

۱۳ و من کتاب له ع إلى أمیرین من أمراء جیشه

وَ قَدْ أَمَّرْتُ عَلَیْکُمَا- وَ عَلَى مَنْ فِی حَیِّزِکُمَا مَالِکَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ- فَاسْمَعَا لَهُ وَ أَطِیعَا وَ اجْعَلَاهُ دِرْعاً وَ مِجَنّاً- فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَا یُخَافُ وَهْنُهُ وَ لَا سَقْطَتُهُ- وَ لَا بُطْؤُهُ عَمَّا الْإِسْرَاعُ إِلَیْهِ أَحْزَمُ- وَ لَا إِسْرَاعُهُ إِلَى مَا الْبُطْءُ عَنْهُ أَمْثَلُ

فصل فی نسب الأشتر و ذکر بعض فضائله

هو مالک بن الحارث بن عبد یغوث بن مسلمه بن ربیعه- بن خزیمه بن سعد بن مالک بن النخع بن عمرو- بن عله بن خالد بن مالک بن أدد- و کان فارسا شجاعا رئیسا من أکابر الشیعه و عظمائها- شدید التحقق بولاء أمیر المؤمنین ع و نصره- و قال فیه بعد موته رحم الله مالکا- فلقد کان لی کما کنت لرسول الله ص – . و لما قنت علی ع على خمسه و لعنهم- و هم معاویه و عمرو بن العاص و أبو الأعور السلمی- و حبیب بن مسلمه و بسر بن أرطاه- قنت معاویه على خمسه- و هم علی و الحسن و الحسین ع- و عبد الله بن العباس و الأشتر و لعنهم- .

و قد روی أنه قال- لما ولى علی ع بنی العباس على الحجاز و الیمن و العراق- فلما ذا قتلنا الشیخ بالأمس- و إن علیا ع لما بلغته هذه الکلمه أحضره- و لاطفه و اعتذر إلیه- و قال له فهل ولیت حسنا أو حسینا- أو أحدا من ولد جعفر أخی- أو عقیلاأو واحدا من ولده- و إنما ولیت ولد عمی العباس- لأنی سمعت العباس یطلب من رسول الله ص الإماره مرارا- فقال له رسول الله ص یا عم- إن الإماره إن طلبتها وکلت إلیها- و إن طلبتک أعنت علیها – و رأیت بنیه فی أیام عمر و عثمان یجدون فی أنفسهم- إذ ولى غیرهم من أبناء الطلقاء و لم یول أحدا منهم- فأحببت أن أصل رحمهم- و أزیل ما کان فی أنفسهم- و بعد- فإن علمت أحدا من أبناء الطلقاء هو خیر منهم فأتنی به- فخرج الأشتر و قد زال ما فی نفسه- .

و قد روى المحدثون حدیثا- یدل على فضیله عظیمه للأشتر رحمه الله- و هی شهاده قاطعه من النبی ص بأنه مؤمن- روى هذا الحدیث أبو عمر بن عبد البر- فی کتاب الإستیعاب فی حرف الجیم- فی باب جندب قال أبو عمر- لما حضرت أبا ذر الوفاه و هو بالربذه- بکت زوجته أم ذر- فقال لها ما یبکیک- فقالت ما لی لا أبکی و أنت تموت بفلاه من الأرض- و لیس عندی ثوب یسعک کفنا- و لا بد لی من القیام بجهازک- فقال أبشری و لا تبکی- فإنی سمعت رسول الله ص یقول لا یموت بین امرءین مسلمین ولدان أو ثلاثه- فیصبران و یحتسبان فیریان النار أبدا – و قد مات لنا ثلاثه من الولد- و سمعت أیضا رسول الله ص یقول لنفر أنا فیهم لیموتن أحدکم بفلاه من الأرض- یشهده عصابه من المؤمنین – و لیس من أولئک النفر أحد إلا و قد مات فی قریه و جماعه- فأنا لا أشک ذلک الرجل- و الله ما کذبت و لا کذبت فانظری الطریق-

قالت أم ذر فقلت أنى و قد ذهب الحاج و تقطعت الطرق- فقال اذهبی فتبصری- قالت فکنت‏أشتد إلى الکثیب فأصعد فأنظر- ثم أرجع إلیه فأمرضه- فبینا أنا و هو على هذه الحال- إذ أنا برجال على رکابهم- کأنهم الرخم تخب بهم رواحلهم- فأسرعوا إلی حتى وقفوا علی- و قالوا یا أمه الله ما لک- فقلت امرؤ من المسلمین یموت تکفنونه- قالوا و من هو قلت أبو ذر- قالوا صاحب رسول الله ص قلت نعم- ففدوه بآبائهم و أمهاتهم- و أسرعوا إلیه حتى دخلوا علیه- فقال لهم أبشروا- فأنی سمعت رسول الله ص یقول لنفر أنا فیهم لیموتن رجل منکم بفلاه من الأرض- تشهده عصابه من المؤمنین – و لیس من أولئک النفر إلا و قد هلک فی قریه و جماعه- و الله ما کذبت و لا کذبت- و لو کان عندی ثوب یسعنی کفنا لی أو لامرأتی- لم أکفن إلا فی ثوب لی أو لها- و إنی أنشدکم الله- ألا یکفننی رجل منکم کان أمیرا- أو عریفا أو بریدا أو نقیبا- قالت و لیس فی أولئک النفر أحد إلا و قد قارف بعض ما قال- إلا فتى من الأنصار- قال له أنا أکفنک یا عم فی ردائی هذا- و فی ثوبین معی فی عیبتی من غزل أمی- فقال أبو ذر أنت تکفننی- فمات فکفنه الأنصاری- و غسله النفر الذین حضروه و قاموا علیه و دفنوه- فی نفر کلهم یمان- .

روى أبو عمر بن عبد البر قبل أن یروی هذا الحدیث- فی أول باب جندب- کان النفر الذین حضروا موت أبی ذر بالربذه مصادفه جماعه- منهم حجر بن الأدبر و مالک بن الحارث الأشتر- . قلت حجر بن الأدبر هو حجر بن عدی الذی قتله معاویه- و هو من أعلام الشیعه و عظمائها- و أما الأشتر فهو أشهر فی الشیعه- من أبی الهذیل فی المعتزله- .

قرئ کتاب الإستیعاب- على شیخنا عبد الوهاب بن سکینه المحدث- و أنا حاضر- فلما انتهى القارئ إلى هذا الخبر قال- أستاذی عمر بن عبد الله الدباس- و کنت أحضر معه سماع الحدیث- لتقل الشیعه بعد هذا ما شاءت- فما قال المرتضى و المفید إلا بعض ما کان حجر و الأشتر- یعتقدانه فی عثمان و من تقدمه- فأشار الشیخ إلیه بالسکوت فسکت- . و ذکرنا آثار الأشتر و مقاماته بصفین فیما سبق- . و الأشتر هو الذی عانق عبد الله بن الزبیر یوم الجمل- فاصطرعا على ظهر فرسیهما حتى وقعا فی الأرض- فجعل عبد الله یصرخ من تحته اقتلونی و مالکا- فلم یعلم من الذی یعنیه لشده الاختلاط و ثوران النقع- فلو قال اقتلونی و الأشتر لقتلا جمیعا- فلما افترقا قال الأشتر

أ عائش لو لا أننی کنت طاویا
ثلاثا لألفیت ابن أختک هالکا

غداه ینادی و الرماح تنوشه‏
کوقع الصیاصی اقتلونی و مالکا

فنجاه منی شبعه و شبابه
و أنی شیخ لم أکن متماسکا

و یقال إن عائشه فقدت عبد الله فسألت عنه- فقیل لها عهدنا به و هو معانق للأشتر- فقالت وا ثکل أسماء- و مات الأشتر فی سنه تسع و ثلاثین- متوجها إلى مصر والیا علیها لعلی ع قیل سقی سما- و قیل إنه لم یصح ذلک و إنما مات حتف أنفه- . فأما ثناء أمیر المؤمنین ع علیه فی هذا الفصل- فقد بلغ مع اختصاره ما لا یبلغ بالکلام الطویل- و لعمری لقد کان الأشتر أهلا لذلک- کان شدید البأس جوادارئیسا حلیما فصیحا شاعرا- و کان یجمع بین اللین و العنف- فیسطو فی موضع السطوه- و یرفق فی موضع الرفق

نبذ من الأقوال الحکیمه

و من کلام عمر- إن هذا الأمر لا یصلح إلا لقوی فی غیر عنف- و لین فی غیر ضعف- . و کان أنو شروان إذا ولى رجلا- أمر الکاتب أن یدع فی العهد موضع ثلاثه أسطر- لیوقع فیها بخطه- فإذا أتى بالعهد وقع فیه- سس خیار الناس بالموده- و سفلتهم بالإخافه- و امزج العامه رهبه برغبه- . و قال عمر بن عبد العزیز- إنی لأهم أن أخرج للناس أمرا من العدل- فأخاف ألا تحتمله قلوبهم- فأخرج معه طمعا من طمع الدنیا- فإن نفرت القلوب من ذاک سکنت إلى هذا- . و قال معاویه إنی لا أضع سیفی حیث یکفینی سوطی- و لا أضع سوطی حیث یکفینی لسانی- و لو أن بینی و بین الناس شعره ما انقطعت- فقیل له کیف- قال إذا مدوها خلیتها و إذا خلوها مددتها- .

و قال الشعبی فی معاویه کان کالجمل الطب- إذا سکت عنه تقدم و إذا رد تأخر- . و قال لیزید ابنه قد تبلغ بالوعید ما لا تبلغ بالإیقاع- و إیاک و القتل فإن الله قاتل القتالین- . و أغلظ له رجل فحلم عنه فقیل له أ تحلم عن هذا- قال إنا لا نحول بین الناس و ألسنتهم- ما لم یحولوا بیننا و بین سلطاننا- .

و فخر سلیم مولى زیاد عند معاویه بن زیاد- فقال معاویه اسکت ویحک- فما أدرک صاحبک بسیفه شیئا قط- إلا و قد أدرکت أکثر منه بلسانی- . و قال الولید بن عبد الملک لأبیه ما السیاسه یا أبت- قال هیبه الخاصه لک مع صدق مودتها- و اقتیادک قلوب العامه بالإنصاف لها- و احتمال هفوات الصنائع- .

و قد جمع أمیر المؤمنین ع من أصناف الثناء و المدح- ما فرقه هؤلاء فی کلماتهم بکلمه واحده- قالها فی الأشتر- و هی قوله لا یخاف بطؤه عما الإسراع إلیه أحزم- و لا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل – . قوله ع و على من فی حیزکما أی فی ناحیتکما- . و المجن الترس- . و الوهن الضعف- . و السقطه الغلطه و الخطأ- . و هذا الرأی أحزم من هذا- أی أدخل فی باب الحزم و الاحتیاط- و هذا أمثل من هذا أی أفضل

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۵

 

بازدیدها: ۲۲

نامه ۱۲ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

۱۲ و من وصیه له ع- وصى بها معقل بن قیس الریاحی- حین أنفذه إلى الشام فی ثلاثه آلاف مقدمه له

اتَّقِ اللَّهَ الَّذِی لَا بُدَّ لَکَ مِنْ لِقَائِهِ- وَ لَا مُنْتَهَى لَکَ دُونَهُ- وَ لَا تُقَاتِلَنَّ إِلَّا مَنْ قَاتَلَکَ- وَ سِرِ الْبَرْدَیْنِ وَ غَوِّرْ بِالنَّاسِ- وَ رَفِّهْ فِی السَّیْرِ وَ لَا تَسِرْ أَوَّلَ اللَّیْلِ- فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ سَکَناً وَ قَدَّرَهُ مُقَاماً لَا ظَعْناً- فَأَرِحْ فِیهِ بَدَنَکَ وَ رَوِّحْ ظَهْرَکَ- فَإِذَا وَقَفْتَ حِینَ یَنْبَطِحُ السَّحَرُ- أَوْ حِینَ یَنْفَجِرُ الْفَجْرُ فَسِرْ عَلَى بَرَکَهِ اللَّهِ- فَإِذَا لَقِیتَ الْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِکَ وَسَطاً- وَ لَا تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ یُرِیدُ أَنْ یُنْشِبَ الْحَرْبَ- وَ لَا تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ یَهَابُ الْبَأْسَ- حَتَّى یَأْتِیَکَ أَمْرِی- وَ لَا یَحْمِلَنَّکُمُ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ- قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَ الْإِعْذَارِ إِلَیْهِمْ معقل بن قیس کان من رجال الکوفه و أبطالها- و له رئاسه و قدم- أوفده عمار بن یاسر إلى عمر بن الخطاب مع الهرمزان- لفتح تستر- و کان من شیعه علی ع- وجهه إلى بنی ساقه فقتل منهم و سبى- و حارب المستورد بن علفه الخارجی‏من تمیم الرباب- فقتل کل واحد منهما صاحبه بدجله- و قد ذکرنا خبرهما فیما سبق- و معقل بن قیس ریاحی من ولد ریاح بن یربوع بن حنظله- بن مالک بن زید مناه بن تمیم- . قوله ع و لا تقاتلن إلا من قاتلک- نهى عن البغی- . و سر البردین هما الغداه و العشی- و هما الأبردان أیضا- .

و وصاه أن یرفق بالناس و لا یکلفهم السیر فی الحر- . قوله ع و غور بالناس انزل بهم القائله- و المصدر التغویر و یقال للقائله الغائره- . قوله ع و رفه فی السیر- أی دع الإبل ترد رفها- و هو أن ترد الماء کل یوم متى شاءت- و لا ترهقها و تجشمها السیر- و یجوز أن یکون قوله و رفه فی السیر- من قولک رفهت عن الغریم أی نفست عنه- .

قوله ع و لا تسر أول اللیل- قد ورد فی ذلک خبر مرفوع- و فی الخبر أنه حین تنشر الشیاطین- و قد علل أمیر المؤمنین ع النهی- بقوله فإن الله تعالى جعله سکنا و قدره مقاما لا ظعنا- یقول لما امتن الله تعالى على عباده- بأن جعل لهم اللیل لیسکنوا فیه کره أن یخالفوا ذلک- و لکن لقائل أن یقول- فکیف لم یکره السیر و الحرکه فی آخره- و هو من جمله اللیل أیضا- و یمکن أن یکون فهم من رسول الله ص- أن اللیل الذی جعل سکنا للبشر- إنما هو من أوله إلى وقت السحر- .

ثم أمره ع- بأن یریح فی اللیل بدنه و ظهره و هی الإبل- و بنو فلان مظهرون أی لهم ظهر ینقلون علیه- کما تقول منجبون أی لهم نجائب- . قال الراوندی الظهر الخیول- و لیس بصحیح و الصحیح ما ذکرناه- . قوله ع فإذا وقفت- أی فإذا وقفت ثقلک و رحلک لتسیر- فلیکن ذلک حین ینبطح السحر- .

قال الراوندی فإذا وقفت- ثم قال و قد روی فإذا واقفت- قال یعنی إذا وقفت تجارب العدو و إذا واقفته- و ما ذکره لیس بصحیح و لا روی- و إنما هو تصحیف- أ لا تراه کیف قال بعده بقلیل فإذا لقیت العدو- و إنما مراده هاهنا الوصاه- بأن یکون السیر وقت السحر و وقت الفجر- .

قوله ع حین ینبطح السحر أی حین یتسع و یمتد- أی لا یکون السحر الأول- أی ما بین السحر الأول و بین الفجر الأول- و أصل الانبطاح السعه- و منه الأبطح بمکه- و منه البطیحه- و تبطح السیل أی اتسع فی البطحاء- و الفجر انفجر انشق- . ثم أمره ع إذا لقی العدو- أن یقف بین أصحابه وسطا لأنه الرئیس- و الواجب أن یکون الرئیس فی قلب الجیش- کما أن قلب الإنسان فی وسط جسده- و لأنه إذا کان وسطا کانت نسبته إلى کل الجوانب واحده- و إذا کان فی أحد الطرفین بعد من الطرف الآخر- فربما یختل نظامه و یضطرب- . ثم نهاه ع أن یدنو من العدو- دنو من یرید أن ینشب الحرب- و نهاه أن یبعد منهم بعد من یهاب الحرب و هی البأس- قال الله تعالى وَ حِینَ الْبَأْسِ‏أی حین الحرب- بل یکون على حال متوسطه بین هذین- حتى یأتیه الأمر من أمیر المؤمنین ع- لأنه أعرف بما تقتضیه المصلحه- .

ثم قال له لا یحملنکم بغضکم لهم على أن تبدءوهم بالقتال- قبل أن تدعوهم إلى الطاعه- و تعذروا إلیهم أی تصیروا ذوی عذر فی حربهم- . و الشنئان البغض بسکون النون و تحریکها نبذ من الأقوال الحکیمه فی الحروب و فی الحدیث المرفوع لا تتمنوا العدو فعسى أن تبتلوا بهم- و لکن قولوا اللهم اکفنا شرهم- و کف عنا بأسهم- و إذا جاءوک یعرفون أن یضجون فعلیکم الأرض جلوسا- و قولوا اللهم أنت ربنا و ربهم- و بیدک نواصینا و نواصیهم- فإذا غشوکم فثوروا فی وجوههم – .

و کان أبو الدرداء یقول أیها الناس- اعملوا عملا صالحا قبل الغزو- فإنما تقاتلون بأعمالکم- . و أوصى أبو بکر یزید بن أبی سفیان حین استعمله- فقال سر على برکه الله- فإذا دخلت بلاد العدو فکن بعیدا من الحمله- فإنی لا آمن علیک الجوله و استظهر بالزاد- و سر بالأدلاء و لا تقاتل بمجروح فإن بعضه لیس منه- و احترس من البیات فإن فی العرب غره- و أقلل من الکلام فإن ما وعی عنک هو علیک- و إذا أتاک کتابی فأمضه فإنما أعمل على حسب إنفاذه- و إذا قدم علیک وفود العجم فأنزلهم معظم عسکرک- و أسبغ علیهم من النفقه- و امنع الناس من محادثتهم لیخرجوا جاهلین- کما دخلوا جاهلین- و لاتلحن فی عقوبه فإن أدناها وجیعه- و لا تسرعن إلیها و أنت تکتفی بغیرها- و اقبل من الناس علانیتهم- و کلهم إلى الله فی سریرتهم- و لا تعرض عسکرک فتفضحه- و أستودعک الله الذی لا تضیع ودائعه- .

و أوصى أبو بکر أیضا عکرمه بن أبی جهل حین وجهه إلى عمان- فقال سر على اسم الله و لا تنزلن على مستأمن- و قدم النذیر بین یدیک- و مهما قلت إنی فاعل فافعله- و لا تجعلن قولک لغوا فی عقوبه و لا عفو- فلا ترجى إذا أمنت و لا تخاف إذا خوفت- و انظر متى تقول و متى تفعل- و ما تقول و ما تفعل- و لا تتوعدن فی معصیه بأکثر من عقوبتها- فإنک إن فعلت أثمت و إن ترکت کذبت- و اتق الله و إذا لقیت فاصبر- . و لما ولى یزید بن معاویه سلم بن زیاد خراسان- قال له إن أباک کفى أخاه عظیما- و قد استکفیتک صغیرا- فلا تتکلن على عذر منی- فقد اتکلت على کفایه منک- و إیاک منی من قبل أن أقول إیاک منک- و اعلم أن الظن إذا أخلف منک أخلف فیک- و أنت فی أدنى حظک فاطلب أقصاه- و قد تبعک أبوک فلا تریحن نفسک- و اذکر فی یومک أحادیث غدک- .

و قال بعض الحکماء- ینبغی للأمیر أن یکون له سته أشیاء- وزیر یثق به و یفشی إلیه سره- و حصن إذا لجأ إلیه عصمه یعنی فرسا- و سیف إذا نزل به الأقران لم یخف نبوته- و ذخیره خفیفه المحمل إذا نابته نائبه وجدها- یعنی جوهرا- و طباخ إذا أقرى من الطعام صنع له ما یهیج شهوته- و امرأه جمیله إذا دخل أذهبت همه- فی الحدیث المرفوع خیر الصحابه أربعه- و خیر السرایا أربعمائه- و خیر الجیوش أربعه آلاف-و لن یغلب اثنا عشر ألفا من قله إذا اجتمعت کلمتهم – . کان یقال ثلاثه من کن فیه لم یفلح فی الحرب- البغی قال الله تعالى إِنَّما بَغْیُکُمْ عَلى‏ أَنْفُسِکُمْ- و المکر السیئ قال سبحانه وَ لا یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ- و النکث قال تعالى فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ- .

یقال خرجت خارجه بخراسان على قتیبه بن مسلم- فأهمه ذلک فقیل ما یهمک منهم- وجه إلیهم وکیع بن أبی أسود یکفیک أمرهم- فقال لا أوجهه و إن وکیعا رجل فیه کبر- و عنده بغی یحقر أعداءه- و من کان هکذا قلت مبالاته بخصمه فلم یحترس- فوجد عدوه فیه غره فأوقع به- . و فی بعض کتب الفرس- إن بعض ملوکهم سأل أی مکاید الحرب أحزم- فقال إذکاء العیون و استطلاع الأخبار- و إظهار القوه و السرور و الغلبه و إماته الفرق- و الاحتراس من البطانه من غیر إقصاء لمن ینصح- و لا انتصاح لمن یغش و کتمان السر- و إعطاء المبلغین على الصدق- و معاقبه المتوصلین بالکذب- و ألا تخرج هاربا فتحوجه إلى القتال- و لا تضیق أمانا على مستأمن- و لا تدهشنک الغنیمه عن المجاوزه- . و فی بعض کتب الهند- ینبغی للعاقل أن یحذر عدوه المحارب له على کل حال- یرهب منه المواثبه إن قرب و الغاره إن بعد- و الکمین إن انکشف و الاستطراد إن ولی- و المکر إن رآه وحیدا- و ینبغی أن یؤخر القتال ما وجد بدا- فإن النفقه علیه من الأنفس و على غیره من المال

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۵

بازدیدها: ۳۵

نامه ۱۱ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

۱۱ و من وصیه له ع وصى بها جیشا بعثه إلى العدو

فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍّ أَوْ نَزَلَ بِکُمْ- فَلْیَکُنْ مُعَسْکَرُکُمْ فِی قُبُلِ الْأَشْرَافِ- أَوْ سِفَاحِ الْجِبَالِ أَوْ أَثْنَاءِ الْأَنْهَارِ- کَیْمَا یَکُونَ لَکُمْ رِدْءاً وَ دُونَکُمْ مَرَدّاً- وَ لْتَکُنْ مُقَاتَلَتُکُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَیْنِ- وَ اجْعَلُوا لَکُمْ رُقَبَاءَ فِی صَیَاصِی الْجِبَالِ- وَ مَنَاکِبِ الْهِضَابِ- لِئَلَّا یَأْتِیَکُمُ الْعَدُوُّ مِنْ مَکَانِ مَخَافَهٍ أَوْ أَمْنٍ- وَ اعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَهَ الْقَوْمِ عُیُونُهُمْ- وَ عُیُونَ الْمُقَدِّمَهِ طَلَائِعُهُمْ وَ إِیَّاکُمْ وَ التَّفَرُّقَ- فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِیعاً- وَ إِذَا ارْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِیعاً- وَ إِذَا غَشِیکُمُ اللَّیْلُ فَاجْعَلُوا الرِّمَاحَ کِفَّهً- وَ لَا تَذُوقُوا النَّوْمَ إِلَّا غِرَاراً أَوْ مَضْمَضَهً المعسکر بفتح الکاف موضع العسکر و حیث ینزل- . الأشراف الأماکن العالیه و قبلها- ما استقبلک منها و ضده الدبر- . و سفاح الجبال أسافلها حیث یسفح منها الماء- . و أثناء الأنهار ما انعطف منها واحدها ثنی- و المعنى أنه أمرهم أن ینزلوا مسندین ظهورهم- إلى مکان عال کالهضاب العظیمه أو الجبال- أو منعطف الأنهار التی تجری مجرى الخنادق على العسکر- لیأمنوا بذلک من البیات- و لیأمنوا أیضا من إتیان العدو لهم‏ من خلفهم- و قد فسر ذلک بقوله کیما یکون لکم ردءا- و الردء العون- قال الله تعالى فَأَرْسِلْهُ مَعِی رِدْءاً یُصَدِّقُنِی- . و دونکم مردا أی حاجزا بینکم و بین العدو- .

ثم أمرهم بأن یکون مقاتلتهم بفتح التاء- و هی مصدر قاتل- من وجه واحد أو اثنین أی لا تتفرقوا- و لا یکن قتالکم العدو فی جهات متشعبه- فإن ذلک أدعى إلى الوهن- و اجتماعکم أدعى إلى الظفر- ثم أمرهم أن یجعلوا رقباء فی صیاصی الجبال- و صیاصی الجبال أعالیها و ما جرى مجرى الحصون منها- و أصل الصیاصی القرون- ثم استعیر ذلک للحصون- لأنه یمتنع بها کما یمتنع ذو القرن بقرنه- و مناکب الهضاب أعالیها- لئلا یأتیکم العدو إما من حیث تأمنون- أو من حیث تخافون- .

قوله ع مقدمه القوم عیونهم- المقدمه بکسر الدال و هم الذین یتقدمون الجیش- أصله مقدمه القوم أی الفرقه المتقدمه- و الطلائع طائفه من الجیش تبعث لیعلم منها أحوال العدو- و قال ع المقدمه عیون الجیش- و الطلائع عیون المقدمه- فالطلائع إذا عیون الجیش- . ثم نهاهم عن التفرق- و أمرهم أن ینزلوا جمیعا و یرحلوا جمیعا- لئلا یفجأهم العدو بغته على غیر تعبئه و اجتماع فیستأصلهم- ثم أمرهم أن یجعلوا الرماح کفه إذا غشیهم اللیل- و الکاف مکسوره- أی اجعلوها مستدیره حولکم کالدائره- و کل ما استدار کفه بالکسر نحو کفه المیزان- و کل ما استطال کفه بالضم نحو کفه الثوب و هی حاشیته- و کفه الرمل و هو ما کان منه کالحبل- . ثم نهاهم عن النوم إلا غرارا أو مضمضه- و کلا اللفظتین ما قل من النوم- .

و قال شبیب الخارجی- اللیل یکفیک الجبان و یصف الشجاع- . و کان إذا أمسى قال لأصحابه أتاکم المدد یعنی اللیل- . قیل لبعض الملوک بیت عدوک- قال أکره أن أجعل غلبتی سرقه- . و لما فصل قحطبه من خراسان- و فی جملته خالد بن برمک- بینا هو على سطح بیت فی قریه نزلاها- و هم یتغدون نظر إلى الصحراء- فرأى أقاطیع ظباء قد أقبلت من جهه الصحاری- حتى کادت تخالط العسکر- فقال خالد لقحطبه أیها الأمیر- ناد فی الناس یا خیل الله ارکبی- فإن العدو قد قرب منک- و عامه أصحابک لن یسرجوا- و یلجموا حتى یروا سرعان الخیل- فقام قحطبه مذعورا- فلم یر شیئا یروعه و لم یعاین غبارا- فقال لخالد ما هذا الرأی- فقال أیها الأمیر لا تتشاغل بی- و ناد فی الناس أ ما ترى أقاطیع الوحوش قد أقبلت- و فارقت مواضعها حتى خالطت الناس- و إن وراءها لجمعا کثیفا- قال فو الله ما أسرجوا و لا ألجموا- حتى رأوا النقع و ساطع الغبار فسلموا- و لو لا ذلک لکان الجیش قد اصطلم

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۵

 

بازدیدها: ۱۳

نامه ۱۰ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)(کتاب له ع إلى معاویه)

۱۰ و من کتاب له ع إلى معاویه أیضا

وَ کَیْفَ أَنْتَ صَانِعٌ- إِذَا تَکَشَّفَتْ عَنْکَ جَلَابِیبُ مَا أَنْتَ فِیهِ- مِنْ دُنْیَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِینَتِهَا وَ خَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا- دَعَتْکَ فَأَجَبْتَهَا وَ قَادَتْکَ فَاتَّبَعْتَهَا- وَ أَمَرَتْکَ فَأَطَعْتَهَا- وَ إِنَّهُ یُوشِکُ أَنْ یَقِفَکَ وَاقِفٌ عَلَى مَا لَا یُنْجِیکَ مِنْهُ مُنْجٍ- فَاقْعَسْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ- وَ خُذْ أُهْبَهَ الْحِسَابِ وَ شَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِکَ- وَ لَا تُمَکِّنِ الْغُوَاهَ مِنْ سَمْعِکَ- وَ إِلَّا تَفْعَلْ أُعْلِمْکَ مَا أَغْفَلْتَ مِنْ نَفْسِکَ- فَإِنَّکَ مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ الشَّیْطَانُ مِنْکَ مَأْخَذَهُ- وَ بَلَغَ فِیکَ أَمَلَهُ وَ جَرَى مِنْکَ مَجْرَى الرُّوحِ وَ الدَّمِ- وَ مَتَى کُنْتُمْ یَا مُعَاوِیَهُ سَاسَهَ الرَّعِیَّهِ- وَ وُلَاهَ أَمْرِ الْأُمَّهِ- بِغَیْرِ قَدَمٍ سَابِقٍ وَ لَا شَرَفٍ بَاسِقٍ- وَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ لُزُومِ سَوَابِقِ الشَّقَاءِ- وَ أُحَذِّرُکَ أَنْ تَکُونَ مُتَمَادِیاً فِی غِرَّهِ الْأُمْنِیِّهِ- مُخْتَلِفَ الْعَلَانِیَهِ وَ السَّرِیرَهِ- وَ قَدْ دَعَوْتَ إِلَى الْحَرْبِ فَدَعِ النَّاسَ جَانِباً- وَ اخْرُجْ إِلَیَّ وَ أَعْفِ الْفَرِیقَیْنِ مِنَ الْقِتَالِ- لِتَعْلَمَ أَیُّنَا الْمَرِینُ عَلَى قَلْبِهِ وَ الْمُغَطَّى عَلَى بَصَرِهِ- فَأَنَا أَبُو حَسَنٍ- قَاتِلُ جَدِّکَ وَ أَخِیکَ وَ خَالِکَ شَدْخاً یَوْمَ بَدْرٍ- وَ ذَلِکَ السَّیْفُ مَعِی- وَ بِذَلِکَ الْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّی- مَا اسْتَبْدَلْتُ دِیناً وَ لَا اسْتَحْدَثْتُ نَبِیّاً- وَ إِنِّی لَعَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِی تَرَکْتُمُوهُ طَائِعِینَ- وَ دَخَلْتُمْ فِیهِ مُکْرَهِینَ- وَ زَعَمْتَ أَنَّکَ جِئْتَ ثَائِراً بِدَمِ عُثْمَانَ- وَ لَقَدْ عَلِمْتَ حَیْثُ وَقَعَ دَمُ عُثْمَانَ- فَاطْلُبْهُ‏مِنْ هُنَاکَ إِنْ کُنْتَ طَالِباً- فَکَأَنِّی قَدْ رَأَیْتُکَ تَضِجُّ مِنَ الْحَرْبِ- إِذَا عَضَّتْکَ ضَجِیجَ الْجِمَالِ بِالْأَثْقَالِ- وَ کَأَنِّی بِجَمَاعَتِکَ تَدْعُونِی جَزَعاً مِنَ الضَّرْبِ الْمُتَتَابِعِ- وَ الْقَضَاءِ الْوَاقِعِ وَ مَصَارِعَ بَعْدَ مَصَارِعَ إِلَى کِتَابِ اللَّهِ- وَ هِیَ کَافِرَهٌ جَاحِدَهٌ أَوْ مُبَایِعَهٌ حَائِدَهٌ الجلابیب جمع جلباب و هی الملحفه فی الأصل- و استعیر لغیرها من الثیاب- و تجلبب الرجل جلببه- و لم تدغم لأنها ملحقه بدحرجه- .

قوله و تبهجت بزینتها صارت ذات بهجه- أی زینه و حسن- و قد بهج الرجل بالضم و یوشک یسرع- . و یقفک واقف یعنی الموت- و یروى و لا ینحیک مجن و هو الترس- و الروایه الأولى أصح- . قوله فاقعس عن هذا الأمر أی تأخر عنه- و الماضی قعس بالفتح و مثله تقاعس و اقعنسس- . و أهبه الحساب عدته- و تأهب استعد و جمع الأهبه أهب- . و شمر لما قد نزل بک أی جد و اجتهد و خف- و منه رجل شمری بفتح الشین و تکسر- . و الغواه جمع غاو و هو الضال- .

قوله و إلا تفعل- یقول و إن کنت لا تفعل- ما قد أمرتک و وعظتک به- فإنی أعرفک من نفسک ما أغفلت معرفته- . إنک مترف- و المترف الذی قد أترفته النعمه أی أطغته‏قد أخذ الشیطان منک مأخذه- و یروى مآخذه بالجمع- أی تناول الشیطان منک لبک و عقلک- و مأخذه مصدر أی تناولک الشیطان تناوله المعروف- و حذف مفعول أخذ لدلاله الکلام علیه- و لأن اللفظه تجری مجرى المثل- . قوله و جرى منک مجرى الروح و الدم- هذه کلمه رسول الله ص إن الشیطان لیجری من ابن آدم مجرى الدم- .

ثم خرج ع إلى أمر آخر- فقال لمعاویه- و متى کنتم ساسه الرعیه و ولاه أمر الأمه- ینبغی أن یحمل هذا الکلام- على نفی کونهم ساده و ولاه فی الإسلام- و إلا ففی الجاهلیه لا ینکر رئاسه بنی عبد شمس- و لست أقول بریاستهم على بنی هاشم- و لکنهم کانوا رؤساء على کثیر من بطون قریش- أ لا ترى أن بنی نوفل بن عبد مناف ما زالوا أتباعا لهم- و أن بنی عبد شمس کانوا فی یوم بدر قاده الجیش- کان رئیس الجیش عتبه بن ربیعه- و کانوا فی یوم أحد و یوم الخندق قاده الجیش- کان الرئیس فی هذین الیومین أبا سفیان بن حرب- و أیضا فإن فی لفظه أمیر المؤمنین ع ما یشعر بما قلناه- و هو قوله و ولاه أمر الأمه- فإن الأمه فی العرب هم المسلمون أمه محمد ص- . قوله ع بغیر قدم سابق- یقال لفلان قدم صدق أی سابقه و أثره حسنه- . قوله ع و لا شرف باسق أی عال- . و تمادى تفاعل من المدى و هو الغایه- أی لم یقف بل مضى قدما- . و الغره الغفله و الأمنیه طمع النفس- و مختلف السریره و العلانیه منافق- . قوله ع فدع الناس جانبا منصوب على الظرف- .

و المرین على قلبه المغلوب علیه- من قوله تعالى کَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ- و قیل الرین الذنب على القریب- . و إنما قال أمیر المؤمنین ع لمعاویه هذه الکلمه- لأن معاویه قالها فی رساله کتبها- و وقفت علیها من کتاب أبی العباس یعقوب بن أبی أحمد الصیمری- الذی جمعه من کلام علی ع و خطبه- و أولها أما بعد فإنک المطبوع على قلبک- المغطى على بصرک الشر من شیمتک- و العتو من خلیقتک- فشمر للحرب و اصبر للضرب- فو الله لیرجعن الأمر إلى ما علمت- و العاقبه للمتقین- هیهات هیهات أخطأک ما تمنى- و هوى قلبک فیما هوى- فأربع على ظلعک و قس شبرک بفترک- تعلم أین حالک من حال من یزن الجبال حلمه- و یفصل بین أهل الشک علمه و السلام- .

فکتب إلیه أمیر المؤمنین ع أما بعد یا ابن صخر- یا ابن اللعین یزن الجبال فیما زعمت حلمک- و یفصل بین أهل الشک علمک- و أنت الجاهل القلیل الفقه- المتفاوت العقل الشارد عن الدین- و قلت فشمر للحرب و اصبر- فإن کنت صادقا فیما تزعم و یعینک علیه ابن النابغه- فدع الناس جانبا و أعف الفریقین من القتال- و ابرز إلی لتعلم أینا المرین على قلبه المغطى على بصره- فأنا أبو الحسن حقا- قاتل أخیک و خالک و جدک- شدخا یوم بدر و ذلک السیف معی- و بذلک القلب ألقى عدوی- .

قوله ع شدخا- الشدخ کسر الشی‏ء الأجوف- شدخت رأسه فانشدخ- و هؤلاء الثلاثه حنظله بن أبی سفیان- و الولید بن عتبه و أبوه عتبه بن ربیعه- فحنظله أخوه و الولید خاله و عتبه جده- و قد تقدم ذکر قتله إیاهم فی غزاه بدر- . و الثائر طالب الثأر- و قوله قد علمت حیث وقع دم عثمان فاطلبه من هناک- یرید به إن کنت تطلب ثأرک- من عند من أجلب و حاصر- فالذی فعل ذلک طلحه و الزبیر- فاطلب ثأرک من بنی تمیم و من بنی أسد بن عبد العزى- و إن کنت تطلبه ممن خذل- فاطلبه من نفسک فإنک خذلته- و کنت قادرا على أن ترفده و تمده بالرجال- فخذلته و قعدت عنه بعد أن استنجدک و استغاث بک- . و تضج تصوت و الجاحده المنکره- و الحائده العادله عن الحق- .

و اعلم أن قوله و کأنی بجماعتک یدعوننی- جزعا من السیف إلى کتاب الله تعالى- إما أن یکون فراسه نبویه صادقه و هذا عظیم- و إما أن یکون إخبارا عن غیب مفصل- و هو أعظم و أعجب- و على کلا الأمرین فهو غایه العجب- و قد رأیت له ذکر هذا المعنى فی کتاب غیر هذا- و هو أما بعد فما أعجب ما یأتینی منک- و ما أعلمنی بمنزلتک التی أنت إلیها صائر و نحوها سائر- و لیس إبطائی عنک إلا لوقت أنا به مصدق و أنت به مکذب- و کأنی أراک و أنت تضج من الحرب- و إخوانک یدعوننی خوفا من السیف- إلى کتاب هم به کافرون و له جاحدون- .

و وقفت له ع على کتاب آخر إلى معاویه- یذکر فیه هذا المعنى- أوله أما بعد فطالما دعوت أنت- و أولیاؤک أولیاء الشیطان الحق أساطیر- و نبذتموه وراءظهورکم و حاولتم إطفاءه بأفواهکم- وَ یَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ- و لعمری لینفذن العلم فیک- و لیتمن النور بصغرک و قماءتک- و لتخسأن طریدا مدحورا أو قتیلا مثبورا- و لتجزین بعملک حیث لا ناصر لک- و لا مصرخ عندک- و قد أسهبت فی ذکر عثمان- و لعمری ما قتله غیرک و لا خذله سواک- و لقد تربصت به الدوائر و تمنیت له الأمانی- طمعا فیما ظهر منک و دل علیه فعلک- و إنی لأرجو أن ألحقک به على أعظم من ذنبه- و أکبر من خطیئته- فأنا ابن عبد المطلب صاحب السیف- و إن قائمه لفی یدی- و قد علمت من قتلت به من صنادید بنی عبد شمس- و فراعنه بنی سهم و جمح و بنی مخزوم- و أیتمت أبناءهم و أیمت نساءهم- و أذکرک ما لست له ناسیا یوم قتلت أخاک حنظله- و جررت برجله إلى القلیب و أسرت أخاک عمرا- فجعلت عنقه بین ساقیه رباطا- و طلبتک ففررت و لک حصاص- فلو لا أنی لا أتبع فارا لجعلتک ثالثهما- و أنا أولی لک بالله ألیه بره غیر فاجره- لئن جمعتنی و إیاک جوامع الأقدار- لأترکنک مثلا یتمثل به الناس أبدا- و لأجعجعن بک فی مناخک حتى یحکم الله بینی و بینک- و هو خیر الحاکمین- و لئن أنسأ الله فی أجلی قلیلا لأغزینک سرایا المسلمین- و لأنهدن إلیک فی جحفل من المهاجرین و الأنصار- ثم لا أقبل لک معذره و لا شفاعه- و لا أجیبک إلى طلب و سؤال- و لترجعن إلى تحیرک و ترددک و تلددک- فقد شاهدت و أبصرت و رأیت‏سحب الموت- کیف هطلت علیک بصیبها- حتى اعتصمت بکتاب أنت و أبوک أول من کفر و کذب بنزوله- و لقد کنت تفرستها و آذنتک أنک فاعلها- و قد مضى منها ما مضى- و انقضى من کیدک فیها ما انقضى- و أنا سائر نحوک على أثر هذا الکتاب- فاختر لنفسک و انظر لها و تدارکها- فإنک إن فطرت و استمررت على غیک و غلوائک- حتى ینهد إلیک عباد الله- أرتجت علیک الأمور- و منعت أمرا هو الیوم منک مقبول- یا ابن حرب- إن لجاجک فی منازعه الأمر أهله من سفاه الرأی- فلا یطمعنک أهل الضلال- و لا یوبقنک سفه رأی الجهال- فو الذی نفس علی بیده- لئن برقت فی وجهک بارقه من ذی الفقار- لتصعقن صعقه لا تفیق منها- حتى ینفخ فی الصور النفخه التی یئست منها- کَما یَئِسَ الْکُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ- .

قلت سألت النقیب أبا زید- عن معاویه- هل شهد بدرا مع المشرکین- فقال نعم شهدها ثلاثه من أولاد أبی سفیان- حنظله و عمرو و معاویه قتل أحدهم و أسر الآخر- و أفلت معاویه هاربا على رجلیه- فقدم مکه و قد انتفخ قدماه و ورمت ساقاه- فعالج نفسه شهرین حتى برأ- . قال النقیب أبو زید- و لا خلاف عند أحد أن علیا ع قتل حنظله- و أسر عمرا أخاه و لقد شهد بدرا- و هرب على رجلیه من هو أعظم منهما- و من أخیهما عمرو بن عبد ود فارس یوم الأحزاب- شهدها و نجا هاربا على قدمیه و هو شیخ کبیر-و ارتث جریحا- فوصل إلى مکه و هو وقیذ فلم یشهد أحدا- فلما برأ شهد الخندق فقتله قاتل الأبطال- و الذی فاته یوم بدر استدرکه یوم الخندق- .

ثم قال لی النقیب رحمه الله- أ ما سمعت نادره الأعمش و مناظره- فقلت ما أعلم ما ترید- فقال سأل رجل الأعمش و کان قد ناظر صاحبا له- هل معاویه من أهل بدر أم لا- فقال له أصلحک الله- هل شهد معاویه بدرا فقال نعم من ذلک الجانب و اعلم أن هذه الخطبه قد ذکرها نصر بن مزاحم- فی کتاب صفین- على وجه یقتضی أن ما ذکره الرضی رحمه الله منها- قد ضم إلیه بعض خطبه أخرى- و هذه عادته- لأن غرضه التقاط الفصیح و البلیغ من کلامه- والذی ذکره نصر بن مزاحم هذه صورته من عبد الله علی أمیر المؤمنین إلى معاویه بن أبی سفیان- سلام على من اتبع الهدى- فإنی أحمد إلیک الله الذی لا إله إلا هو- أما بعد فإنک قد رأیت مرور الدنیا و انقضاءها- و تصرمها و تصرفها بأهلها- و خیر ما اکتسب من الدنیا- ما أصابه العباد الصالحون منها من التقوى- و من یقس الدنیا بالآخره یجد بینهما بعیدا-.

و اعلم یا معاویه أنک قد ادعیت أمرا لست من أهله- لا فی القدیم و لا فی الحدیث- و لست تقول فیه بأمر بین یعرف له أثر- و لا علیک منه شاهد من کتاب الله- و لست متعلقا بآیه من‏کتاب الله- و لا عهد من رسول الله ص- فکیف أنت صانع إذا تقشعت عنک غیابه ما أتت فیه- من دنیا قد فتنت بزینتها- و رکنت إلى لذاتها- و خلی بینک و بین عدوک فیها- و هو عدو و کلب مضل جاهد ملیح ملح- مع ما قد ثبت فی نفسک من جهتها- دعتک فأجبتها و قادتک فاتبعتها و أمرتک فأطعتها- فاقعس عن هذا الأمر و خذ أهبه الحساب- فإنه یوشک أن یقفک واقف على ما لا یجنک مجن- و متى کنتم یا معاویه ساسه الرعیه- أو ولاه لأمر هذه الأمه- بلا قدم حسن و لا شرف تلید على قومکم- فاستیقظ من سنتک و ارجع إلى خالقک- و شمر لما سینزل بک- و لا تمکن عدوک الشیطان من بغیته فیک- مع أنی أعرف أن الله و رسوله صادقان- نعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء و إلا تفعل- فإنی أعلمک ما أغفلت من نفسک إنک مترف- قد أخذ منک الشیطان مأخذه- فجرى منک مجرى الدم فی العروق- و لست من أئمه هذه الأمه و لا من رعاتها- و اعلم أن هذا الأمر لو کان إلى الناس أو بأیدیهم- لحسدوناه و لامتنوا علینا به- و لکنه قضاء ممن منحناه و اختصنا به- على لسان نبیه الصادق المصدق- لا أفلح من شک بعد العرفان و البینه- رب احکم بیننا و بین عدونا بالحق و أنت خیر الحاکمین- .

قال نصر فکتب معاویه إلیه الجواب- من معاویه بن أبی سفیان إلى علی بن أبی طالب- أما بعد فدع الحسد فإنک طالما لم تنتفع به- و لا تفسد سابقهجهادک بشره نخوتک- فإن الأعمال بخواتیمها- و لا تمحص سابقتک بقتال من لا حق لک فی حقه- فإنک إن تفعل لا تضر بذلک إلا نفسک- و لا تمحق إلا عملک و لا تبطل إلا حجتک- و لعمری إن ما مضى لک من السابقات- لشبیه أن یکون ممحوقا- لما اجترأت علیه من سفک الدماء- و خلاف أهل الحق- فاقرأ السوره التی یذکر فیها الفلق- و تعوذ من نفسک فإنک الحاسد إذا حسد

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۵

بازدیدها: ۳۹