نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 236/4 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

خطبه 238 صبحی صالح

238- و من كلام له ( عليه‏ السلام  ) في شأن الحكمين و ذم أهل الشام‏

جُفَاةٌ طَغَامٌ وَ عَبِيدٌ أَقْزَامٌ جُمِعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ وَ تُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ شَوْبٍ مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَقَّهَ وَ يُؤَدَّبَ وَ يُعَلَّمَ وَ يُدَرَّبَ وَ يُوَلَّى عَلَيْهِ وَ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ

لَيْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ لَا مِنَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ‏

أَلَا وَ إِنَّ الْقَوْمَ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تُحِبُّونَ وَ إِنَّكُمُ اخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تَكْرَهُونَ وَ إِنَّمَا عَهْدُكُمْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ بِالْأَمْسِ يَقُولُ إِنَّهَا فِتْنَةٌ فَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ وَ شِيمُوا سُيُوفَكُمْ

فَإِنْ كَانَ صَادِقاً فَقَدْ أَخْطَأَ بِمَسِيرِهِ غَيْرَ مُسْتَكْرَهٍ وَ إِنْ كَانَ كَاذِباً فَقَدْ لَزِمَتْهُ التُّهَمَةُ فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ خُذُوا مَهَلَ الْأَيَّامِ وَ حُوطُوا قَوَاصِيَ الْإِسْلَامِ أَ لَا تَرَوْنَ إِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزَى وَ إِلَى صَفَاتِكُمْ تُرْمَى

الفائدة الثانية

ان شهر رمضان كسائر الشهور تارة يكون ثلاثين يوما و تارة تسعة و عشرين يوما لان الشهر القمرى كما دريت يكون من ليلة رؤية الهلال إلى ليلة رؤية الهلال و القمر قد يخرج تحت شعاع الشمس فى اليوم التاسع و العشرين فيرى الهلال عند مغيب الشمس و قد لا يخرج في ذلك اليوم فيصير الشهر ثلاثين يوما و ليس للنيرين في شهر رمضان وضع خاص حتى يكون دائما ثلاثين يوما و ليس لشهر رمضان تأثير خاص في ذلك.

و في التهذيب عن محمد بن الفضيل قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن اليوم الذي يشك فيه لا يدري اهو من شهر رمضان أو من شعبان فقال: شهر رمضان شهر يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة و النقصان فصوموا للرؤية و افطروا للرؤية الحديث.

و ذهب رئيس المحدثين الصدوق رضوان الله عليه إلى ان شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوما ابدا و روى فى الخصال بإسناده عن إسماعيل بن مهران قال سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول و الله ما كلف الله العباد إلا دون ما يطيقون انما كلفهم فى اليوم و الليلة خمس صلوات و كلفهم فى كل الف درهم خمسة و عشرين درهما و كلفهم فى السنة صيام ثلاثين يوما و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك.

ثم قال (ره) مذهب خواص الشيعة و أهل الاستبصار منهم في شهر رمضان انه لا ينقص عن ثلاثين يوما ابدا و الاخبار في ذلك موافقة للكتاب و مخالفة العامة فمن ذهب من ضعفة الشيعة إلى الاخبار التي وردت للتقية في انه ينقص و يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان و التمام اتقى كما يتقى العامة و لم يكلم الا بما يكلم به العامة.

و قريب من قوله هذا ما في الفقيه.

أقول: و هذا الكلام منه قدس سره مع جلالة شأنه غريب جدا و الاخبار الناطقة في ذلك إما يشير إلى صوم يوم الشك حيث تغيمت السماء او إلى امور اخر ذكروها شراح الاحاديث على ان شيخ الطائفة قدس سره رد تلك الاخبار في التهذيب بوجوه فمن شاء فليرجع اليه او إلى الوافى و غيره من الكتب المبسوطة.

ثم ان شراح الأحاديث و فقهاء الامامية لا سيما الشيخ الطوسي في الهذيبين و ان ذكروا فى رد تلك الاخبار القائلة بان شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين ابدا و توجيهها وجوها كثيرة و لكن ههنا دقيقة تبصر بها و ذكرها في حاشية الوافي شيخنا الاجل و استادنا الاعظم الجامع للعلوم النقلية و العقلية و المتبحر في الفنون الغريبة الحاج الميرزا أبو الحسن الشعراني متعنا الله بطول بقائه يعجبني ان اذكرها تيمنا بما قال و تمثلا له في البال، قال مد ظله:أقول: عادة المنجمين ان يحاسبوا الشهور الهلالية اولا على الامر الاوسط و يرتبون الايام و يستخرجون مواضع الكواكب في تلك الايام ثم يرجعون و یستخرجون‏

رؤية الأهلة و يرتبون الشهور و يعينون غرة كل شهر على حسب الرؤية فاذا بنوا على الامر الاوسط حاسبوا شهر محرم تاما و صفر ناقصا فهكذا فيكون شعبان ناقصا و رمضان تاما و هذا بحسب الأمر الاوسط و هو عادتهم من قديم الدهر الا ان هذا عمل يبتدون به في الحساب قبل ان يستخرج الأهلة فإذا استخرج الهلال بنوا على الرؤية و كان بعض الرواة سمع ذلك من عمل المنجمين فاستحسنه لان نسبة النقصان إلى شهر رمضان و هو شهر الله الأعظم يوجب التنفير و اسائة الادب فنسبه إلى بعض الائمة عليهم السلام سهوا و زادوا فيه و العجب ان الصدوق رحمه الله روى الأحاديث فى الصوم للرؤية و الافطار لها و روى أحاديث الشهادة على الهلال و روى احكام يوم الشك و لو كان شعبان ناقصا ابدا و شهر رمضان تاما ابدا لا تنفى جميع هذه الاحكام و بطلت جميع تلك الروايات و لا يبقى يوم الشك و لم يحتج إلى الرؤية.

و أما الفرق بين السنة الهجرية القمرية و الهجرية الشمسية فنقول: مبدءهما الأول واحد و هو مهاجرة نبينا خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله من مكة إلى المدينة كما مر بيانه مفصلا إلا انهم في صدر الاسلام جعلوا مبدء القمرية من المحرم و جعل في قرب عصرنا مبدء الشمسية من تحويل الشمس إلى الحمل و ما كان الاصل في ذلك هو السنة الهجرية القمرية لما دريت ان العرب اعتبروا الشهور و الاعوام من دور القمر فالشهر من ليلة رؤية الهلال إلى ليلتها ثم ركبوا اثنى عشرة شهرا قمريا و سموها سنة و مضى من هجرة نبينا صلى الله عليه و آله إلى هذا اليوم الذي نحرر ذلك المطلب و هو يوم الاثنين ثامن ربيع الاول يوم وفاة امامنا أبي محمد الحسن بن على العسكرى عليه السلام، اثنان و ثمانون و ثلاثمأة و الف سنة و شهران و ثمانية أيام.

و أما الهجرية الشمسية و إن كان مبدءهما الأول هجرة الرسول صلى الله عليه و آله إلا انه تاريخ حديث وضعوه فى طهران عاصمة ايران و كان مبدءه السنة 1304 الشمسية و هو مبني على اثنى عشرة شهرا شمسيا كتاريخ الجلالى و اسامى الشهور بعينها اسامى اليزدجردى و هى: فروردين، ارديبهشت، خوردا، تير، مرداد، شهريور، مهر، آبان، آذر، دى، بهمن، اسفند و جعلوا الشهور الست الأول احدا و ثلاثين يوماو الست الاخر ثلاثين يوما إلا ان شهر اسفند يكون فى الكبيسة ثلاثين يوما و فى غيره تسعة و عشرين يوما و بهذه الحيلة نشروا الخمس المسترقة فى الشهور تسهيلا للامر و مبدء السنة يكون من يوم تحويل الشمس إلى أول الحمل إن كان تحويلها قبل نصف النهار و إلا فاليوم الذى بعده و مضى من تلك السنة إلى اليوم احدى و أربعون و ثلاثمأة و الف سنة.

و التفاوت بينهما ناش من حيث إن الأول مبتن على حركة القمر و تكون السنة مركبة من اثنى عشر شهرا قمريا و الثاني على حركة الشمس فالسنة مركبة من اثنى عشر شهرا شمسيا.

و الشهر القمرى الحقيقى على الزيج البهادرى هو تسعة و عشرون يوما و اثنتى عشر ساعة و أربع و أربعون دقيقة و ثلاث ثوانى و ثلاث ثوالث و تسع روابع و ست و ثلاثون خامسة.

فلا جرم ان السنة القمرية الحقيقية أربع و خمسون و ثلاثمأة يوم و ثماني ساعات و ثماني و أربعون دقيقة و ست و ثلاثون ثانية و سبع و ثلاثون ثالثة و خمس و خمسون رابعة و اثنتا عشر خامسة الحاصلة من ضرب عدد الشهر القمري في اثنى عشرة.

و السنة الشمسية الحقيقية على ما رصد في الزيج البهادرى و صرح به في الصفحة الثامنة و الثلاثين منه:خمسة و ستون و ثلاثمأة يوما و خمس ساعات و ثماني و أربعون دقيقة و ست و أربعون ثانية و ست ثوالث و عشر روابع.

فالتفاوت بين السنة الشمسية الحقيقية و القمرية الحقيقية هو عشرة أيام و احدى و عشرون ساعة و تسع ثوانى و ثماني و عشرون ثالثة و اربع عشرة رابعة و ثماني و اربعون خامسة. و هذا هو التحقيق في ذلك المقام بما لا مرية فيه و لا كلام و بالجملة مبدء تاريخ المسلمين المعمول به عند جمهورهم هو أول شهر المحرم من سنة هجرة رسول الله صلى الله عليه و آله من مكة زادها الله شرفا إلى المدينة الطيبة.

و ذهب محمد بن إسحاق المطلبي كما في السيرة النبوية لابن هشام التي هي منتخبة مما الفه ابن إسحاق، و غيره إلى ان مبدأه يكون شهر ربيع الأول حيث‏ قال: قدم رسول الله صلى الله عليه و آله المدينة يوم الاثنين حين اشتد الضحاء و كادت الشمس تعتدل لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول و هو التاريخ و هذا متروك عند المسلمين.

و يمكن ان يكون الضمير اعني هو في قوله و هو التاريخ راجعا إلى قدومه و هجرته من مكة إلى المدينة فلا تنافي‏

«ذكر الاخبار فى ذلك»

قال أبو جعفر الطبرى في تاريخه المعروف: قال عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت سعيد بن المسيب يقول جمع عمر بن الخطاب الناس فسألهم فقال من أى يوم نكتب فقال على عليه السلام من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه و آله و ترك أرض الشرك ففعله عمر.

و فيه بإسناده عن الشعبى قال كتب ابو موسى الأشعرى إلى عمر انه تأتينا منك كتب ليس لها تاريخ قال فجمع عمر الناس للمشورة فقال بعضهم ارخ لمبعث رسول الله صلى الله عليه و آله و قال بعضهم لمهاجر رسول الله صلى الله عليه و آله فقال عمر لابل نؤرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه و آله فان مهاجره فرق بين الحق و الباطل.

و فيه عن ميمون بن مهران قال رفع إلى عمر صك محله في شعبان فقال عمر أي شعبان الذى هو آت او الذى نحن فيه؟ قال ثم قال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله ضعوا للناس شيئا يعرفونه فقال بعضهم اكتبوا على تاريخ الروم فقيل انهم يكتبون من عهد ذى القرنين فهذا يطول و قال بعضهم اكتبوا على تاريخ الفرس فقيل إن الفرس كلما قام ملك طرح من كان قبله فاجتمع رأيهم على ان ينظرواكم اقام رسول الله صلى الله عليه و آله بالمدينة فوجدوه عشر سنين فكتب التاريخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه و آله.

و فيه قام رجل إلى عمر بن الخطاب فقال ارخوا فقال عمر ما أرخوا قال شي‏ء تفعله الاعاجم يكتبون فى شهر كذا من سنة كذا فقال عمر حسن فارخوا فقالوا من أى السنين نبدأ قالوا من مبعثه و قالوا من وفاته ثم اجمعوا على الهجرة ثم قالوا فأى الشهور نبدأ فقالوا رمضان ثم قالوا المحرم فهو منصرف الناس من حجهم و هو شهر حرام فاجمعوا على المحرم‏.

الترجمة

از كلام آن حضرت است كه رفتن خود را در پى پيغمبر صلى الله عليه و آله و رسيدن بان جناب بعد از مهاجرت حضرتش از مكه بسوى مدينه حكايت مي كند:

پس شروع كردم، پيروى مى ‏كردم آن راهى را كه پيمبر خدا رفته بود، پس بياد او گام مى‏ نهادم تا به عرج رسيدم (كناية از اين كه از ابتداء خروج از مكه تا اين موضع پيوسته از آن جناب خبر مى ‏گرفتم و بر اثر نشان او قدم مى ‏زدم عرج بر وزن خرج موضعى است بين مكه و مدينه و بمدينه نزديكتر است).

سيد رضى رضوان الله عليه در مدح كلام مولى مى ‏گويد: اين جمله گفتار آن حضرت (فاطأ ذكره) كلامى است كه در نهايت اعجاز و غايت فصاحت از آن جناب صادر شد. اراده كرده است از آن كه من ابتداء بيرون آمدن از مكه تا رسيدن بدين موضع همواره از آن حضرت خبر مى‏گرفتم، اين مطلب را باين كنايه عجيب اداء فرموده است.

هجرت پيغمبر (ص) از مكه بمدينه و جانشين شدن على عليه السلام آن بزرگوار را و در فراش او خفتن باختصار كفار مكه از هر قبيله‏ اى تنى چند برگزيدند كه پيغمبر اكرم صلى الله عليه و آله را شبانه در بستر خوابش بقتل رسانند و چون بنو عبد مناف قوه مقابله و مقاتله با جميع قبائل ندارند بديت راضى شوند، جبرئيل رسول خدا صلى الله عليه و آله را از سوء نيت آن گروه اعلام فرمود و حضرتش را به مهاجرت اشارت كرد.

پيغمبر اكرم صلى الله عليه و آله على عليه السلام را از آن اخبار فرمود و وى را جانشين خود قرار داد و زن و فرزندان و ودائعى را كه مردم از جهت اطمينان و اعتمادى كه به پيغمبر داشتند در نزد وى بامانت نهاده بودند بدست على عليه السلام سپرد، أمير المؤمنين امر آن جناب را بيدريغ امتثال كرد و در جاى رسول خدا صلى الله عليه و آله بخفت و در حقيقت جانش را وقايه و فداى پيغمبر اكرم صلى الله عليه و آله گردانيد كه رسول الله شبانه با ابو بكر بغار ثور رفته و سه شب در غار بسر برد تا جان بسلامت بدر برد و سپس بسوى مدينه مهاجرت فرمود.

و آيه كريمه‏ و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله و الله رؤف بالعباد در شأن‏ على عليه السلام در اين موضوع نازل شد.

كفار چون گرد خانه پيغمبر صلى الله عليه و آله را گرفتند و على عليه السلام را بجاى پيغمبر ديدند نا اميد شدند. أمير المؤمنين عليه السلام سه روز در مكه بود و ودائع را بصاحبانش برگردانيد و سپس با زن و فرزندان پيغمبر بسوى مدينه بدان راهى كه رسول خدا صلى الله عليه و آله گام نهاد رهسپار شد. و مبدء تاريخ هجرى چه قمرى چه شمسى از اينجا آغاز مى ‏گردد.

بر مسلمان خردمند پوشيده نيست كه اين عمل أمير المؤمنين عليه السلام موجب انتظام دين و ايمان و سبب خذلان اهل كفر و عدوان شد. على عليه السلام جان خويش را در طاعت خدا و حفظ رسول الله صلى الله عليه و آله بخشيده و در فراش رسول الله صلى الله عليه و آله بخفت تا حضرتش را از كيد اعداء برهانيد و امر ملت و دين و سلامت و بقاء رسول الله صلى الله عليه و آله و كتاب الله بدان انتظام يافت و حافظ و حامى شريعت سيد المرسلين صلى الله عليه و آله گرديد چه خداوند فرمود نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون‏ و بر خردمند هوشيار معلوم است كه بذل مال و كالا در ازاء بذل نفس بى‏مقدار است و الجود بالنفس اقصى غاية الجود.

قال المسعودى فى مروج الذهب و فى قتل عمار يقول الحجاج بن عربة الأنصاري أبياتا رثاه بها:

يا للرجال لعين دمعها جارى‏ قد هاج حزنى أبو اليقظان عمار
اهوى اليه أبو حوا فوارسه‏ يدعو السكون و للجيشين إعصار
فاختل صدر أبى اليقظان معترضا للرمح قد وجبت فينا له نار
الله عن جمعهم لا شك كان عفا أتت بذلك آيات و آثار
من ينزع الله غلا من صدورهم‏ على الأسرة لم تمسسهم النار
قال النبي له تقتلك شرذمة سيطت لحومهم بالبغى فجار
فاليوم يعرف أهل الشام أنهم‏ أصحاب تلك و فيها النار و العار

و مناقب عمار المروية كثيرة اقتصرنا منها و لو نأتي بها لينجر إلى كتاب ضخم و يليق أن يؤلف كتاب بحياله فيه.

ثم نقول إن حديث تقتلك الفئة الباغية مما لا ينال يد الانكار إليه و رواه البخاري و المسلم فى صحيحهما و غيرهما من أكابر نقلة الأحاديث و قال الحافظ السيوطى انه من الأخبار المتواترة و نقله أكثر من عشرة من الصحابى و مع ذلك كله فى عمار فالعجب كل العجب من العامة يذكرون معاوية و اتباعه و أمثاله بالخير و يعتذرون عنهم فى مقاتلتهم أهل الحق و الرشاد على انهم كانوا مجتهدين فى تلك الوقايع غاية ما فى الباب كانوا مخطين فى اجتهادهم و للمجتهد المصيب ثوابان و للمخطى ثواب واحد و لما لم يكن لاصحاب البصيرة و الايقان و ارباب الخبرة و العرفان و هن ما تمسكوا به مخفيا بل يعلمون ان مقاتلتهم كان من غاية المكابرة و العناد و فرط المخاصمة و اللداد فالاعراض عن ما ذكره الغزالى فى الاحياء و الميبدى فى مقدمة شرح ديوان المولى عليه السلام و امثالهما ممن يسلك طريقة عمياء و يرى بعين حولاء أجدر و أولى و لنعد إلى القصة:

و قال المسعودى فى مروج الذهب: و لما صرع عمار تقدم سعيد بن قيس الهمدانى فى همدان و تقدم سعد بن عبادة الانصارى فى الانصار و ربيعة و عدى ابن حاتم فى طى و سعيد بن قيس الهمدانى فى أول الناس فخلطوا الجمع بالجمع و اشتد القتال و حطمت همدان أهل الشام حتى قذفتهم إلى معاوية و قد كان معاوية صمد فيمن كان معه لسعيد بن قيس و من معه من همدان و أمر على عليه السلام الاشتران يتقدم باللواء إلى أهل حمص و غيرهم من أهل قنسرين فاكثر القتل فى أهل حمص و قنسرين بمن معه من القراء و أتى المر قال يومئذ بمن معه فلا يقوم له شي‏ء و جعل يرقل كما يرقل الفحل فى قيده و على وراءه يقول يا اعور لا تكن جبانا تقدم و المرقال يقول:

قد أكثر القوم و ما أقلا اعور يبغى أهله محلا
قد عالج الحياة حتى ملا لا بد ان يفل أو يفلا
اسلهم بذى الكعوب سلا

«كلام هاشم بن عتبة المرقال»

قال نصر بن مزاحم فى كتاب الصفين و أبو جعفر الطبرى فى التاريخ: ان هاشم ابن عتبة دعا في الناس عند المساء «يعني مساء اليوم التاسع» ألا من كان يريد الله و الدار الاخرة فليقبل، فاقبل إليه ناس فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشام مرارا فليس من وجه يحمل عليهم الاصبروا له و قوتل فيه قتالا شديدا فقال لأصحابه لا يهولنكم ما ترون من صبرهم فو الله ما ترون منهم الا حمية العرب و صبر ما تحت راياتها و عند مراكزها و انهم لعلى الضلال و انكم لعلى الحق يا قوم اصبروا و صابروا و اجتمعوا و امشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا ثم تاسوا و تصابروا و اذكروا الله و لا يسلم رجل اخاه و لا تكثروا الالتفات و اصمد و اصمدهم و جالدوهم محتسبين حتى يحكم الله بيننا و هو خير الحاكمين ثم مضى في عصابة معه من القراء فقاتل قتالا شديدا هو و أصحابه حتى رأى بعض ما يسرون به إذ خرج عليهم فتى شاب يقول:

انا ابن أرباب الملوك غسان‏ و الدائن اليوم بدين عثمان‏
إني أتاني خبر فأشجان‏ ان عليا قتل ابن عفان‏

ثم شد فلا ينثني يضرب بسيفه ثم يلعن و يشتم و يكثر الكلام، فقال له هاشم ابن عتبة ان هذا الكلام بعده الخصام و ان هذا القتال بعده الحساب فاتق الله فانك‏ راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف و ما اردت به.

قال فاني اقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلى كما ذكر لي و انكم لا تصلون و اقاتلكم أن صاحبكم قتل خليفتنا و أنتم و ازرتموه على قتله.

فقال له هاشم و ما أنت و ابن عفان انما قتله أصحاب محمد صلى الله عليه و آله و قراء الناس حين احدث احداثا و خالف حكم الكتاب و أصحاب محمد صلى الله عليه و آله هم أصحاب الدين و اولى بالنظر في امور المسلمين و ما اظن ان أمر هذه الامة و لا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قط.

قال الفتى اجل اجل و الله لا اكذب فان الكذب يضر و لا ينفع و يشين و لا يزين، فقال له هاشم ان هذا الامر لا علم لك به فخله و أهل العلم به، قال اظنك و الله قد نصحتني و قال له هاشم و أما قولك ان صاحبنا لا يصلى فهو أول من صلى الله مع رسول الله صلى الله عليه و آله و أفقهه في دين الله و أولاه برسول الله و أما من ترى معه كلهم قارى الكتاب لا ينامون الليل تهجدا فلا يغررك عن دينك الاشقياء المغرورون.

قال الفتى: يا عبد الله اني لاظنك امرأ صالحا اخبرني هل تجد لي من توبة؟

قال: نعم تب إلى الله يتب عليك فانه يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات و يحب التوابين و يحب المتطهرين، فذهب الفتى بين الناس راجعا فقال له رجل من أهل الشام: خدعك العراقي، قال لا و لكن نصحني العراقي.

أقول: كان أهل الدنيا المغرورون بزخارفها الردية و الاشقياء المسجونون بقيود الاهواء المردية كمعاوية بن أبي سفيان و اشياعه يغوون الناس عن الصراط السوى بزى أهل الله المخلصين له الدين حيث يميلون قلوب الناس عن عنصر التوحيد و هيكل الحق و كلمته التامة بانه و أصحابه لا يصلون كما تفوه به الفتى الشاب بقوله: لأن صاحبكم لا يصلى كما ذكر لي، و نبهه هاشم بن عتبة بذلك حيث قال: فلا يغررك و في تاريخ الطبري فلا يغويك عن دينك الاشقياء المغرورون، و لعمري من لم يك شقيا مغرورا مغويا لا يحرض الناس على قتل من قال فيه خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله: الحق معه حيث دار.

و في كتاب الصفين لنصر بن مزاحم و كذا في تاريخ الطبري ان عليا مر على جماعة من أهل الشام فيها الوليد بن عقبة و هم يشتمونه فخبر بذلك فوقف فيمن يليهم من أصحابه فقال انهدوا إليهم عليكم السكينة و الوقار و قار الاسلام و سيما الصالحين فو الله لأقرب قوم من الجهل بالله قائدهم و مؤدبهم معاوية و ابن النابغة و أبو الأعور السلمي و ابن أبي معيط شارب الخمر المجلود حدا في الاسلام و هم أولى من يقومون فيقصبونني و يشتمونني و قبل اليوم ما قاتلوني و شتموني و أنا إذ ذاك أدعوهم إلى الاسلام و هم يدعونني إلى عبادة الاصنام الحمد لله قديما عادانى الفاسقون فعبدهم الله ألم يفتحوا إن هذا الهو الخطب الجليل ان فساقا كانوا عندنا غير مرضيين و على الاسلام و أهله متخوفين حتى خدعوا شطر هذه الامة و اشربوا قلوبهم حب الفتنة فاستمالوا أهوائهم بالافك و البهتان قد نصبوا لنا الحرب في اطفاء نور الله عز و جل و الله متم نوره و لو كره الكافرون، اللهم فافضض جمعهم و شتت كلمتهم و ابسلهم بخطاياهم فانه لا يذل من و اليت و لا يعز من عاديت.

و كذلك نرى يزيد بن معاوية و اتباعه لقنوا الناس في ابن على أمير المؤمنين أبي عبد الله الحسين عليهما السلام ما لقنهم معاوية و اتباعه في أمير المؤمنين علي عليه السلام و اصحابه قال غير واحد من حملة الاثار منهم الطبري فى تاريخه انه لما دخل وقت صلاة الظهر من يوم العاشوراء قال أبو ثمامة الصيداوي رضى الله عنه للحسين عليه السلام يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك لا و الله لا تقتل حتى اقتل دونك و احب أن القى الله ربى و قد صليت هذه الصلاة، فرفع الحسين عليه السلام رأسه إلى السماء و قال ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين نعم هذا أول وقتها ثم قال سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلى فقال الحصين بن نمير انها لا تقبل فقال له حبيب بن مظاهر زعمت الصلاة من ابن رسول الله لا تقبل و تقبل منك ياختار. و في تاريخ الطبرى: يا حمار، مكان ياختار.

و الحصين هذا كان ممن انقاد إلى ملك يزيد و اطاع و همه المردى و هواه‏ الضال المضل و يزيد يرى الناس بانه جلس مجلس رسول الله صلى الله عليه و آله و يحذو حذوه.

و في مروج الذهب ان يزيد كان صاحب طرب و جوارح و كلاب و قرود و فهود و منادمة على الشراب و جلس ذات يوم على شرابه و عن يمينه ابن زياد و ذلك بعد قتل الحسين عليه السلام فاقبل على ساقيه فقال:

اسقنى شربة تروى مشاشى‏ ثم صل فاسق مثلها ابن زياد
صاحب السر و الامانة عندي‏ و لتسديد مغنمي و جهادى‏

ثم امر المغنين فغنوا و غلب على أصحاب يزيد و عماله ما كان يفعله من الفسوق و في أيامه ظهر الغناء بمكة و المدينة و استعملت الملاهى و اظهر الناس شرب الشراب و كان له قرد يكنى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته و يطرح له متكأ و كان قردا خبيثا و كان يحمله على اتان وحشية قد ريضت و ذللت لذلك بسرج و لجام و يسابق بها الخيل و على أبي قيس قباء من الحرير الاحمر و الاصفر مشهر و على رأسه قلنسوة من الحرير ذات الوان بشقائق و على الاتان سرج من الحرير الاحمر منقوش ملمع بأنواع من ألوان فقال في ذلك بعض شعراء الشام في ذلك اليوم:

تمسك أبا قيس بفضل عنانها فليس عليها ان سقطت ضمان‏
ألا من رأى القرد الذى سبقت به‏ جياد أمير المؤمنين اتان‏

و كان أبوه معاوية في الختل اروغ منه و لعب بالدين بالنكراء و الشيطنة و بلغ إلى الالحاد و الكفر و العناد إلى مبلغ لم يكن بينه و بين فرعون الا درجة و ما اسلم في الحقيقة و لكن استسلم و اسر الكفر حتى يجد لاغراضه النفسانية و اهوائه الشيطانية اعوانا كما هو دأب اشباهه و أمثاله من الزعماء المرائين و الامراء المنافقين و سيأتى اخبار من الفريقين في استسلام معاوية و أبيه سنذكرها في محلها إنشاء الله فلنعد إلى القصة فان الرويغات التي تمسك بها الامراء الرواغون قديما و حديثا أكثر من أن تحصى و ليعلم ان ما نقلنا من كلامه عليه السلام من الطبري و نصر: انهدوا إليهم عليكم السكينة و الوقار- إلى آخره- غير مذكور في النهج و بين نسختي نصر و الطبرى‏ يوجد اختلاف في شرذمة من العبارات و الكلمات.

ثم قصد هاشم بن عتبة المرقال لذى الكلاع و هو من حمير فحمل عليه صاحب لواء ذى الكلاع و كان رجلا من عذرة و هو يقول:

اثبت فاني لست من فزعى مضر نحن اليمانيون ما فينا ضجر
كيف ترى وقع غلام من عذر ينعي ابن عفان و يلحى من غدر
يا اعور العين رمي فيها العور سيان عندى من سعى و من أمر

فاختلفا طعنتين فطعنه هاشم المرقال فقتله و قتل بعده سبعة عشر رجلا و حمل هاشم المرقال و حمل ذو الكلاع و مع المرقال جماعة من أسلم قد آلوا أن لا يرجعوا أو يفتحوا أو يقتلوا فاجتلد الناس فقتل هاشم المرقال و قتل ذو الكلاع جميعا.

و قال نصر بن مزاحم في كتاب الصفين و أبو جعفر الطبري في تاريخه: و قاتل هاشم هو و أصحابه قتالا شديدا حتى اقبلت اليهم عند المغرب كتيبة لتنوخ فشدوا على الناس فقاتلهم حتى قتل تسعة نفرا و عشرة و حمل عليه الحرث بن المنذر التنوخى فطعنه فسقط و بعث إليه علي عليه السلام ان قدم لواءك فقال لرسوله انظر إلى بطني فاذا هو قد انشق فاخذ الراية رجل من بكر بن وائل و رفع هاشم رأسه فاذا هو بعبيد الله بن عمر بن الخطاب قتيلا إلى جانبه فجثا حتى دنا منه فعض على ثديه حتى تبينت فيه انيابه ثم مات هاشم و هو على صدر عبيد الله بن عمر، و ضرب البكري فوقع فرفع رأسه فابصر عبيد الله بن عمر قريبا منه فجثا إليه حتى عض على ثديه الاخر حتى تبينت انيابه و مات أيضا فوجدا جميعا على صدر عبيد الله بن عمر، هاشم و البكرى قد ماتا جميعا.

«تسليم هاشم على عليه السلام بعد صرعه»

قال نصر بإسناده عن السدي عن عبد الخير الهمداني قال: قال هاشم بن عتبة أيها الناس اني رجل ضخم فلا يهولنكم مسقطي ان أنا سقطت فانه لا يفزع مني أقل من نحر جزور حتى يفرغ الجزار من جزرها ثم حمل فصرع فمر عليه رجل و هو صريع بين القتلي فقال له اقرء أمير المؤمنين السلام و رحمة الله و قل له:انشدك بالله الا اصبحت و قد ربطت مقاوذ خيلك بارجل القتلي فان الدبرة تصبح عندك لمن غلب على القتلي فأخبر الرجل عليا عليه السلام بذلك فسار علي عليه السلام في بعض الليل حتى جعل القتلي خلف ظهره و كانت الدبرة له عليهم.

«قتل ذى الكلاع و حمل جثته»

و أما ذو الكلاع فقتله خندف البكري، و قال نصر: حدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال: حمل ذو الكلاع ذلك اليوم بالفيلق العظيم من حمير على صفوف أهل العراق فناداهم أبو شجاع الحميرى و كان من ذوى البصائر مع علي عليه السلام فقال يا معشر حمير تبت أيديكم اترون معاوية خيرا من علي عليه السلام اضل الله سعيكم ثم أنت يا ذا الكلاع فو الله إنا كنا نرى ان لك نية في الدين، فقال ذو الكلاع ايها يا باشجاع و الله لأعلم ما معاوية بأفضل من علي عليه السلام و لكني اقاتل على دم عثمان قال فاصيب ذو الكلاع حينئذ قتله خندف بن بكر البكرى في المعركة.

قال نصر: فحدثنا عمرو، قال: حدثنا الحرث بن حصيرة ان ابن ذى الكلاع ارسل إلى الاشعث بن قيس رسولا يسأله ان يسلم إليه جثة أبيه فقال الاشعث اني أخاف أن يتهمنى أمير المؤمنين في أمره فاطلبه من سعيد بن قيس فهو في الميمنة فذهب إلى معاوية فاستأذنه ان يدخل إلى عسكر علي عليه السلام يطلب أباه بين القتلي و قال له ان عليا عليه السلام قد منع أن يدخل احد منا إلى معسكره يخاف ان يفسد عليه جنده فخرج ابن ذى الكلاع فارسل إلى سعيد بن قيس الهمداني يستأذنه على ذلك فقال سعيد انا لا نمنعك من دخول العسكر ان أمير المؤمنين لا يبالي من دخل منكم إلى معسكر فادخل، فدخل من قبل الميمنة فطاف في العسكر فلم يجده ثم أتى الميسرة فطاف في العسكر فوجده قد ربطت رجله بطنب من اطناب بعض فساطيط العسكر فوقف على باب الفسطاط فقال: السلام عليكم يا أهل البيت فقيل له:

و عليك السلام فقال أ تأذنون لنا في طنب من أطناب فسطاطكم و معه عبد له اسود لم‏

يكن معه غيره فقالوا قد آذنا لكم قالوا له معذرة إلى الله و إليكم اما انه لو لا بغيه علينا ما صنعنا به ما ترون فنزل ابنه إليه فوجده قد انتفخ و كان من اعظم الناس خلقا فلم يستطيعا احتماله فقال ابنه هل من فتى معوان فخرج إليه خندف البكري فقال تنحوا عنه فقال له ابن ذي الكلاع و من يحمله إذا تنحينا؟ قال: يحمله قاتله، فاحتمله خندف حتى رمى به على ظهر بغل ثم شده بالحبال فانطلقوا به.

قال نصر: و قال معاوية لما قتل ذو الكلاع لانا أشد فرحا بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو فتحتها قال لان ذا الكلاع كان يحجر على معاوية في أشياء كان يأمر بها.

«اخذ ابن المرقال اللواء حين قتل ابوه رحمه الله و ما قال فى ذلك»:

قال نصر بن مزاحم: و لما قتل هاشم جزع الناس عليه جزعا شديدا و اصيب معه عصابة من اسلم من القراء فمر عليهم على عليه السلام و هم قتلى حوله أصحابه الذين قتلوا معه فقال عليه السلام:

جزى الله خيرا عصبة أسلمية صباح الوجوه صرعوا حول هاشم‏
يزيد و عبد الله بشر و معبد و سفيان و ابنا هاشم ذى المكارم‏
و عروة لا ينفد ثناه و ذكره‏ إذا اخترطت يوما خفاف الصوارم‏

ثم قام عبد الله بن هاشم و اخذ الراية فحمد الله و اثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس ان هاشما كان عبدا من عباد الله الذين قدر ارزاقهم و كتب آثارهم و احصى أعمالهم و قضى آجالهم فدعاه الله ربه الذي لا يعصى فاجابه و سلم لامر الله و جاهد في طاعة ابن عم رسول الله صلى الله عليه و آله و أول من آمن به وافقههم في دين الله المخالف لأعداء الله المستحلين ما حرم الله الذين عملوا في البلاد بالجور و الفساد و استحوذ عليهم الشيطان فزين لهم الاثم و العدوان فحق عليكم جهاد من خالف سنة رسول الله صلى الله عليه و آله و عطل حدود الله و خالف أولياء الله فجودوا بمهج انفسكم في طاعة الله في هذه الدنيا تصيبوا الاخرة و المنزل الاعلى و الملك الذي لا يبلى، فلو لم يكن ثواب و لا عقاب و لا جنة و لا نارلكان القتال مع على أفضل من القتال مع معاوية ابن آكالة الاكباد فكيف و أنتم ترجون.

أقول جاءت الأبيات الثلاثة في الديوان المنسوب إليه عليه السلام على اختلاف في بعض الالفاظ و زيد في آخرها:

إذا اختلف الابطال و اشتبك القنا و كان حديث القوم ضرب الجماجم‏

و الابيات الثلاثة تكون هكذا:

جزى الله خير عصبة اى عصبة حسان وجوه صرعوا حول هاشم‏
شقيق و عبد الله منهم و معبد و نبهان و ابنا هاشم ذى المكارم‏
و عروة لا يناى فقد كان فارسا إذا الحرب هاجت بالقنا و الصوارم‏

و قال الشارح الميبدى في شرحها: هاشم بن عتبة بن أبي الوقاص المشهور بالمرقال. و شقيق بن ثور العبدي و عبد الله بن بديل الورقاء الخزاعي ثم نقل عن ابن اعثم ان عليا عليه السلام اعطى يوما في الصفين الراية هاشم بن عتبة بن أبي وقاص و قاتل قتالا شديدا و قتل حمزة بن مالك الهمداني ثم قتل و بعده تناول الراية شقيق بن ثور العبدي فقاتل حتى قتل و بعده أخذ الراية عتبة بن هاشم فقاتل حتى قتل ثم أخذها بعده أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني فقاتل و رجع و بعده أخذها عبد الله بن بديل بن الورقاء الخزاعي فقاتل قتالا عظيما حتى قتل و بعده اقبل عمرو بن حمق الخزاعى إلى المعركة و انشأ الأبيات الأبيات الأربعة انتهى ما ذكره مترجما.

فعلى ما ذكره الميبدى ليست الأبيات للمولى عليه السلام.

و ليعلم ان الأبيات المجموعة في الديوان يوجد كثيرا منسوبة إلى غيره عليه السلام مثلا ان الأبيات المذكورة فى أول الديوان:

الناس من جهة التمثال اكفاء أبوهم آدم و الام حواء

إلى آخر الأبيات منسوبة إلى على القيروانى.

و ان الأبيات الست:

ثلاث عصى صففت بعد خاتم‏ على رأسها مثل السنان المقوم‏

إلى آخرها، صرح محمد حسن النائينى في كتابه المسمى بگوهر شب چراغ: ان الأبيات من ابن عباس و اسند إلى المولى أمير المؤمنين علي عليه السلام.

و ان الابيات السبع:

يا حار همدان من يمت يرني‏ من مؤمن أو منافق قبلا

إلى آخرها قالها الحميرى كما نص به الشيخ المفيد (ره) في المجلس الأول من أماليه و هذه الأبيات تتضمن بعض ما جاء فيه الخبر من أمير المؤمنين علي عليه السلام قاله لحارث الهمداني كما نقله المفيد (ره) بطوله في ذلك الكتاب و بعد نقل الخبر قال: قال جميل بن صالح و انشدني أبو هاشم السيد الحميرى رحمه الله فيما تضمنه هذا الخبر:

قول على لحارث عجب‏ كم ثم اعجوبة له حملا
يا حار همدان من يمت يرني‏ من مؤمن أو منافق قبلا

إلى آخرها و البيت الاول ليس في الديوان المنسوب إليه عليه السلام، و لما كان هذه الابيات متضمنة ما تضمنه هذا الخبر اسند الابيات إليه عليه السلام.

و ما في ذلك الديوان:

لا يستوى من يعمر المساجدا و من يبيت راكعا و ساجدا
يدأب فيها قائما و قاعدا و من يكر هكذا معاندا
و من يرى عن الغبار حائدا

قال ابن هشام في السيرة (ص 497 طبع مصر 1375 ه): سألت غير واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز فقالوا بلغنا ان علي بن أبي طالب ارتجز به فلا يدرى اهو قائله أم غيره.

و ما في ذلك الديوان المنسوب إليه عليه السلام:

إذا اشتملت على اليأس القلوب‏ و ضاق لما به الصدر الرحيب‏

إلى آخر الأبيات الخمس ففي كشكول الشيخ البهائي قدس سره (ص 279 طبع‏ نجم الدولة) و كذا في خزائن النراقي (ره) انها لابي تمام و في نامه دانشوران في ضمن ترجمة يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت (ص 257 ج 2 طبع قم) انها لابن السكيت.

و ما فى ذلك الديوان المنسوب إليه عليه السلام:

لا تخضعن لمخلوق على طمع‏ فان ذلك و هن منك فى الدين‏

إلى آخر الابيات الست ففى مجاني الادب (الباب الاول من ج 2 ص 9 طبع بيروت) و مما أورده الاصبهانى عن أبى محمد التيمى قوله:

لا تخضعن لمخلوق على طمع‏ فان ذاك مضر منك بالدين‏
و ارغب الله مما في خزائنه‏ فانما هو بين الكاف و النون‏
أما ترى كل من ترجو و تأمله‏ من الخلائق مسكين بن مسكين‏

و هذه الأبيات الثلاثة الاتية:

عطارد ايم الله طال ترقبي‏ صباحا مساء كي اراك فاغنما
فها أنا فامنحني قوى أبلغ المني‏ و درك العلوم الغامضات تكرما
و ان تكفني المحذور و الشر كله‏ بامر مليك خالق الأرض و السماء

قال النراقي (ره) في الخزائن (ص 114 طبع طهران 1378 ه) انها منسوبة إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام و كذا قال المولى المظفر (ره) في آخر التنبيهات: و قيل إنها من أشعاره عليه السلام و لكن الميبدي شارح الديوان المنسوب إلى المولى عليه السلام (ص 370 طبع ايران 1285 ه) في ضمن هذه القطعة:

خوفني منجم اخو خبل‏ تراجع المريخ في بيت الحمل‏

إلى آخرها، قال: و يعلم من هذه القطعة ان نسبة الابيات المذكورة (عطارد ايم …) إليه عليه السلام ليست بصحيحة على ان هذه الابيات ليست في الديوان.

و ما في الديوان في اختيارات أيام الاسبوع:

لنعم اليوم يوم السبت حقا لصيد ان اردت بلا امتراء

إلى آخر الأبيات ففى بعض رسائل مؤلف لسان العرب انها من منشئاته لا من‏

المولى عليه السلام.

و المناجاة المنظومة:

لك الحمد يا ذا الجود و المجد و العلى‏ تباركت تعطي من تشاء و تمنع‏

إلى آخرها فمما نسبت إلى الخاقاني و توجد في ديوانه و هذا البيت منها:

الهى بحق المصطفى و ابن عمه‏ و حرمة ابرار هم لك خشع‏

ظاهر في انها ليست من اشعاره عليه السلام.

و هذا البيت المعروف:

كل علم ليس في القرطاس ضاع‏ كل سر جاوز الاثنين شاع‏

مما اسند إليه عليه السلام و فيه مع انه ليس في ديوانه عليه السلام قال المولى محمد باقر الشريف (ره) في كتابه الشريف المسمى بجامع الشواهد بعد ذكر البيت لم يسم قائله مع ان اهتمامه فيه ذكر القائل و هو (ره) متضلع رحب الباع في فنه.

و ما في ديوانه عليه السلام:

فان تكن الدنيا تعد نفيسة فدار ثواب الله اعلى و انبل‏

إلى آخر الأبيات ففى شرح الشافية لأبي فراس (ص 146 طبع ايران 1296 ه) نقل عن مقتل الخوارزمي انها مما انشأها أبو عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام و ليس لأحد مثلها.

و قال المجلسي (ره) في المجلد العاشر من بحار الانوار (ص 203 طبع كمپانى) قال محمد بن أبي طالب و ذكر أبو علي السلامى فى تاريخه ان هذه الأبيات للحسين عليه السلام من انشائه و قال ليس لأحد مثلها، انتهى.

و مع ذلك قال بعض أهل الفضل و الادب فى بعض مكتوباته: قال العلامة النيسابورى فى كتاب خلق الانسان ان هذه الابيات ليس للحسين عليه السلام و لكنه يتمثل بها كثيرا و لذا ظن انها من منشئاته.

و ينسب إليه عليه السلام هذا البيت:

و لقد أمر على اللئيم يسبنى‏ فمضيت ثمة قلت لا يعنيني‏

 

و فيه مع انه ليس في ديوانه عليه السلام قال في جامع الشواهد في باب الواو مع اللام:

هو لرجل من بنى سلول و كان يتمثل به علي بن أبي طالب عليه السلام كثيرا.

و ما في ديوانه عليه السلام:

إذ المرء لم يرض ما امكنه‏ و لم يأت من أمره أزينه‏

إلى آخرها، فقال الميدانى في مجمع الامثال في ضمن مثال دع امرأ و ما اختار (ص 235 طبع طهران): كما قيل إذا المرء لم يرض ما امكنه اه و بعيد من ان يكون الشعر منه عليه السلام و يقول الميداني كما قيل.

في شرح ديوان المتنبى لعبد الرحمن البرقوقى (ج 4 ص 406 طبع مصر 1357 ه) قال أبو العباس ثعلب لم تختلف الرواة في أن هذه الابيات:

انا الذى سمتنى امى حيدرة كليث غابات غليظ القصرة
أكيلكم بالسيف كيل السندرة

لعلى بن أبى طالب رضوان الله عليه انتهى. و فيه مع أن في البيتين اختلافا كثيرا لان نصر بن مزاحم نقل في كتاب صفين (ص 207 طبع طهران) هكذا:

أنا الذى سمتنى امى حيدرة رئيال آجام كريه المنظرة
عبل الذراعين شديد القسورة اكيلكم بالسيف كيل السندرة

و في ديوانه عليه السلام نقل هكذا:

أنا الذى سمتنى امى حيدرة ضرغام آجام و ليث قسورة
عبل الذراعين شديد القصرة كليث غابات كريه المنظرة

يناقض ما ذهب اليه المازنى و الزمخشرى، و ذلك لان عبد الرحيم بن عبد الكريم صفى بورى في مادة و دق من منتهى الأرب في لغة العرب قال: قال المازنى لم يصح اى عليا عليه السلام تكلم بشي‏ء من الشعر غير هذين البيتين و صوبه الزمخشرى و هما:

تلكم قريش تمنانى لتقتلنى‏ فلا و ربك ما بزوا و لا ظفروا
فان هلكت فرهن ذمتى لهم‏ بذات و دقين لا يعفو لها أثر

مع أن هذا القول يناقض أيضا قول المسعودى في مروج الذهب حيث قال ص (ج45 2 طبع مصر 1346 ه) في ذكر مقتل أمير المؤمنين علي عليه السلام ما هذا لفظه: و كان على عليه السلام كثيرا ما يتمثل: تلكم قريش تمنانى إلى آخر البيتين، فالمسعودى يرى البيتين لغيره عليه السلام كان يتمثل بهما.

و ما في ديوانه عليه السلام:

فان تسألينى كيف أنت فاننى‏ صبور على ريب الزمان صليب‏
يعز على أن ترى بي كئابة فيشمت عاد اويساء حبيب‏

فهما مما نص عليه السلام بانهما مما قال اخو بنى سليم كما في باب المختار من كتبه عليه السلام و رسائله من النهج فى الكتاب السادس و العشرين المعنون بقول الرضى رضوان الله عليه: و من كتاب له عليه السلام إلى عقيل بن أبي طالب في ذكر جيش أنفذه إلى بعض الاعداء، و هو جواب كتاب كتبه اليه اخوه. و قال الفاضل الشارح المعتزلي:

و الشعر ينسب إلى العباس بن مرداس السلمى. و لا يخفى انه عليه السلام تمثل باشعار الشعراء في عدة مواضع من خطبه و كتبه.

و ما في ديوانه عليه السلام:

قال الحبيب و كيف لي بجوابكم‏ و انا رهين جنادل و تراب‏

إلى آخر الابيات الثلاثة فقال الميبدى فى الشرح: و ذهب بعض إلى أن هذه الابيات كانت من هاتف غيبى.

و ما في ديوانه عليه السلام:

اضربكم و لا أرى معاوية الاخزر العين العظيم الحاوية
هوت به فى النار ام هاوية جاوره فيها كلاب عاوية

فقال المسعودى في مروج الذهب (ص 25 ج 2 طبع مصر 1346 ه): و قيل ان هذا الشعر لبديل بن ورقاء قاله فى اليوم التاسع من حرب صفين.

و في كتاب صفين لنصر اسند البيتين إلى محرز بن ثور و نقل الاول على اختلاف حيث قال: قال محرز بن ثور:

اضربهم و لا أرى معاوية الابرح العين العظيم الحاوية

و كذا في شرح الشارح المعتزلي (ص 279 ج 1 طبع طهران). و في شرح الديوان المنسوب اليه عليه السلام للميبدى: قال ابن اعثم ان هذين البيتين لعبد الله بن بديل بن ورقاء قالهما في يوم قتله ثم قال: قال معاوية في شانه: لله دره و در أبيه أما و الله لو استطاعت نساء خزاعة ان يقاتلنا فضلا عن رجالها لفعلت.

و ما في ديوانه عليه السلام:

قال المنجم و الطبيب كلاهما لن يحشر الاجساد قلت اليكما
ان صح قولكما فلست بخاسر ان صح قولى فالخسار عليكما

فقال الغزالى فى احياء العلوم كما فى شرح الميبدى أيضا انهما منسوبان إلى أبى العلي المعرى. و في بعض الرسائل العصرية انهما للمغربى و لكنه تصحيف حرف المعرى بالمغربى و فى بعض النسخ الحكيم مكان الطبيب.

و ما في ديوانه عليه السلام تعريضا بعبد الرحمن بن ملجم المرادى:

اريد حياته و يريد قتلى‏ عذيرك من خليك من مراد

فقال الزمخشرى فى الاساس ان البيت منسوب إلى عمرو بن معديكرب و كذا فى شرح الديوان للميبدى.

و ما فى ديوانه عليه السلام:

حياز يمك للموت‏ فان الموت لاقيك‏
و لا تجزع من الموت‏ إذا حل بواديك‏
فان الدرع و البيضة يوم الروع يكفيك‏
كما اضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيك‏

فنص الشيخ المفيد رضوان الله عليه فى الارشاد فى اخباره عليه السلام بشهادته: انه عليه السلام قالها متمثلا.

ثم انه جاء فى النسخ الكثيرة التى رأيناها المصراع الاول هكذا:

اشدد حياز يمك للموت‏

و الصواب عدم كلمة اشدد لانه محذوف و لو كان مذكورا فى العبارة لزاد المصرع الأول عن الثاني فتوجد فى العبارة حزازة

كما نص به أيضا المرزوقى فى شرح الحماسة (ص 331 ج 1 طبع مصر) حيث قال:روى عنه عليه السلام حيازيمك للموت فان الموت لاقيك يريد اشدد حيازيمك. و هذه الزيادة كانت من ناسخ فانتقل الحاشية إلى المتن.

و ما فى ديوانه عليه السلام:

و حى ذوى الاضغان تشف قلوبهم‏ تحيتك العظمى و قد يدبغ النغل‏

إلى آخر الأبيات الثلاثة ففى شرح الميبدى: قال الشيخ محيى الدين فى وصايا الفتوحات: اتى اعرابى مشرك من فصحاء العرب النبي صلى الله عليه و آله و قال له: هل فيما انزل عليك ربك مثل ما قلته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و آله ما قلت؟ فقال الاعرابى هذه الابيات الثلاثة فانزل الله تعالى آيات‏ لا تستوي الحسنة و لا السيئة- إلى قوله- ذو حظ عظيم‏ فقال الاعرابى هذا و الله هو السحر الحلال فاسلم.

و ما فى ديوانه عليه السلام.

اسد على اسد يصول بصارم‏ عضب يمان فى يمين يمان‏

فقال الشارح الميبدى: كلمة فى يمين يمان مشعر بان البيت ليس له عليه السلام لانه لم يكن يمنيا ثم ذكر وجوها فى تصحيحه لا تخلو من تكلف فليرجع.

و هذه الابيات الثلاثة:

هون الامر تعش فى الراحة قل ما هونت الا سيهون‏
ليس امر المرء سهلا كله‏ إنما الامر سهول و حزون‏
تطلب الراحة فى دار العناء خاب من يطلب شيئا لا يكون‏

مما اسندها النراقى (ره) فى الخزائن (ص 145 طبع طهران 1380 ه) اليه عليه السلام و يوجد أيضا فى ديوانه و اتى به الشارح الميبدى إلا أن البيت الاخير لا يوجد فى بعض النسخ من ديوانه و اسند إلى غيره عليه السلام‏.

«الكلام فى جامع اشعار أمير المؤمنين على عليه السلام»

و لما انجر الكلام إلى هنا فلا بأس أن نذكر جامع اشعاره عليه السلام لانه لا يخلو من فائدة فقال الشيخ الجليل أبو العباس أحمد بن على بن أحمد بن العباس النجاشى‏ تغمده الله برحمته فى رجاله: عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودى الأزدى البصرى أبو أحمد شيخ البصرة و اخباريها و جلود قرية فى البحر و قال قوم ان جلود بطن من الازد و لا يعرف النسابون ذلك و له كتب منها كتاب شعر على عليه السلام:

و فى روضات الجنات فى احوال العلماء و السادات لمؤلفه محمد باقر الموسوى الخوانسارى فى ذيل ترجمة حسين بن معين الدين الميبدى شارح ديوان أمير المؤمنين على عليه السلام بالفارسى: و الظاهر أن الديوان المبارك من جمع الفاضل الامام أبى الحسن على بن أحمد بن محمد الضجكردى الاديب النيسابورى و سماه كتاب تاج الاشعار و سلوة الشيعة و قد كان مقاربا لعصر سيدنا الرضى صاحب كتاب نهج البلاغة و له أيضا فى نعت الكتاب المذكور أبيات رائقة كما افيد.

و قال المجلسى فى مقدمات بحاره: و كتاب الديوان انتسابه اليه عليه السلام مشهور و كثير من الاشعار المذكورة فيه مروية فى سائر الكتب و يشكل الحكم بصحة جميعها و يستفاد من معالم ابن شهر آشوب انه تاليف على بن أحمد الأديب النيسابورى من علمائنا و النجاشى عد من كتب عبد العزيز بن يحيى الجلودى كتاب شعر على عليه السلام انتهى.

و قال: الخوانسارى المذكور فى باب المحمدين من الروضات: أبو الحسن محمد بن الحسين بن الحسن البيهقى النيسابورى المشتهر بقطب الدين الكيدرى له كتب منها كتاب جمع أشعار مولانا أمير المؤمنين عليه السلام سماه انوار العقول و لا يبعد كونه بعينه هو الديوان المرتضوى الموجود فى هذا الزمان المنسوب اليه عليه السلام أقول: و لا يبعد صحة جمع الاشعار اليهم كلهم كما أن جامع خطبه و كتبه و رسائله و مواعظه و حكمه يكون غير واحد من العلماء و الكل صحيح و المجموع المشتهر الان فى الايدى هو ما جمعها الشريف الرضى رضى الله عنه و سماه نهج البلاغة.

ثم لا يخفى ان ما قال عبد الله بن مرقال رضوان الله عليه: فلو لم يكن ثواب و لا عقاب و لا جنة و لا نار لكان القتال مع على أفضل من القتال مع معاوية، كلام خرج عن قلب يقظان و فطرة سليمة و رجل نبيه و لعمرى من لم يكن عميان القلب ان‏ تدبر فى ما صدر من أمير المؤمنين على عليه السلام يجده عليه السلام فى كل امر اماما و قدوة و خطبه و مواعظه و كتبه و رسائله و حكمه فى شئون المعاش و الاجتماع و تنظيم امور الملك و المملكة و تعليم التدبير و السياسة و تعبية العسكر و آداب المعاشرة، قوام المدينة الفاضلة و الدستور القويم فيها و البد اللازم لمن يطلب الدرجة العليا و الحياة الراقية و لو فى هذه الحياة الدنيا، فلو دار الامر بين القتال مع على عليه السلام و بينه مع معاوية لكان القتال مع على عليه السلام افضل و لنعد إلى القصة:

قال المسعودى فى مروج الذهب. و استشهد فى ذلك اليوم صفوان و سعد ابنا حذيفة بن اليمان و قد كان حذيفة عليلا بالكوفة فى سنة ست و ثلاثين فبلغه قتل عثمان و بيعة الناس لعلى عليه السلام فقال اخرجونى و ادعوا الصلاة جامعة فوضع على المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي صلى الله عليه و آله و على آله ثم قال: أيها الناس ان الناس قد بايعوا عليا فعليكم بتقوى الله و انصروا عليا و وازروه فو الله انه لعلى الحق آخرا و اولا و انه لخير من مضى بعد نبيكم و من بقى الى يوم القيامة ثم أطبق يمينه على يساره ثم قال: اللهم اشهد أنى قد بايعت عليا و قال: الحمد لله الذى أبقانى إلى هذا اليوم و قال لابنيه صفوان و سعد احملانى و كونا معه فسيكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلق من الناس فاجتهدا أن تستشهدا معه فانه و الله على الحق و من خالفه على الباطل و مات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة ايام و قيل باربعين يوما. و استشهد فيه عبد الله بن الحرث النخعي اخو الأشتر. و استشهد فيه عبد الله و الرحمن ابنا بديل بن ورقاء الخزاعى فى خلق من خزاعة و كان عبد الله فى ميسرة على عليه السلام و هو يرتجز و يقول:

لم يبق إلا الصبر و التوكل‏ و أخذك الترس و سيف مصقل‏
ثم التمشى فى الرعيل الأول‏

فقتل ثم قتل عبد الرحمن اخوه بعده.

قال نصر بعد قتل ذى الكلاع: ثم تمادى الناس فى القتال فاضطربوا بالسيوف حتى تقطعت و صارت كالمناجل و تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت ثم جثوا على الركبات‏ فتحاثوا بالتراب يحث بعضهم فى وجوه بعض التراب ثم تعانقوا و تكادموا و تراموا بالصخر و الحجارة ثم تحاجزوا فجعل الرجل من أهل العراق يمر على أهل الشام فيقول من أين آخذ إلى رايات بنى فلان فيقولون ههنا لا هداك الله، و يمر الرجل من أهل الشام على أهل العراق فيقول كيف آخذ إلى رايات بنى فلان فيقولون ههنا لا حفظك الله و لا عافاك.

قال المسعودى: و لما قتل عمار و من ذكرنا فى هذا اليوم حرض على عليه السلام الناس و قال لربيعة أنتم درعى و رمحى فانتدب له ما بين عشرة آلاف إلى أكثر من ذلك من ربيعة و غيرهم قد جادوا بانفسهم لله عز و جل و على عليه السلام أمامهم على البغلة الشهباء و هو يقول:

اى يومى من الموت افر يوم لم يقدر ام يوم قدر

و حمل و حملوا معه حملة رجل واحد فلم يبق لأهل الشام صف إلا انتقض و اهمدوا كل ما أتوا عليه حتى أتوا إلى قبة معاوية و علي عليه السلام لا يمر بفارس إلا قده و هو يقول:

اضربهم و لا أرى معاوية الاخزر العين العظيم الهاوية
تهوى به فى النار ام هاوية

و قيل إن هذا الشعر لبديل بن ورقاء قاله فى ذلك اليوم.

ثم نادى على عليه السلام يا معاوية علام يقتل الناس بين و بينك هلم احاكمك إلى الله فأينا قتل صاحبه استقامت له الامور فقال له عمرو: قد أنصفك الرجل، فقال له معاوية: ما أنصفت و انك لتعلم أنه لم يبارزه رجل قط إلا قتله أو أسره فقال له عمرو و ما تجمل بك إلا مبارزته فقال له معاوية: طمعت فيها بعدى و حقدها عليه.

أقول: لا يخفى ان قوله عليه السلام هذا ثم نادى على عليه السلام يا معاوية علام يقتل الناس اه غاية الكرم و الشجاعة و الانصاف و المروءة كما اعترف به الخصم العنود و يناسب المقام قول المتنبي:

كل يريد رجاله لحياته‏ يا من يريد حياته لرجاله‏

و قال عبد الرحمن البرقوقي في شرح ديوان المتنبى (ص 234 ج 3 طبع مصر 1357 ه)و قد بنى المتنبى هذا البيت على حكاية وقعت لسيف الدولة مع الاخشيد و ذلك انه جمع جيشا و زحف به على بلاد سيف الدولة فبعث اليه سيف الدولة يقول: لا تقتل الناس بيني و بينك و لكن ابرز إلي فأينا قتل صاحبه ملك البلاد فامتنع الاخشيد و وجه اليه يقول: ما رأيت أعجب منك أ أجمع مثل هذا الجيش العظيم لأقي به نفسى ثم ابارزك؟ و الله لا فعلت ذلك ابدا.

ثم قال المسعودي: و قد قيل في بعض الروايات ان معاوية اقسم على عمرو لما اشار عليه بهذا ان يبرز إلى على فلم يجد عمرو من ذلك بدا فبرز فلما التقيا عرفه على عليه السلام و شال السيف ليضربه به فكشف عمرو عن عورته و قال مكره اخوك لا بطل فحول على عليه السلام وجهه و قال قبحت و رجع عمرو إلى مصافه.

و قد ذكر نصر بن مزاحم فى كتاب الصفين: ثم ان معاوية لما اسرع أهل العراق في أهل الشام قال هذا يوم تمحيص ان القوم قد اسرع فيهم كما اسرع فيكم اصبروا يومكم هذا و خلاكم ذم و حضض على عليه السلام أصحابه فقام اليه الاصبغ بن نباتة التميمى فقال يا أمير المؤمنين انك جعلتنى على شرطة الخميس و قدمتني في الثقة دون الناس و انك اليوم لا تفقد لي صبرا و لا نصرا أما أهل الشام فقد هدهم ما اصبنا منهم و نحن ففينا بعض البقية فاطلب بنا امرك و اذن لي في التقدم فقال له علي عليه السلام تقدم بسم الله.

و اقبل الاحنف بن قيس السعدى فقال يا أهل العراق و الله لا تصيبون هذا الامر اذل عنقا منه اليوم قد كشف القوم عنكم قناع الحيا و ما يقاتلون على دين و ما يصبرون الاحياء فتقدموا فقالوا انا ان تقدمنا اليوم فقد تقدمنا أمس فما تقول يا أمير المؤمنين؟

قال: تقدموا في موضع التقدم و تأخروا في موضع التأخر تقدموا من قبل ان يتقدموا اليكم و حمل أهل العراق و تلقاهم أهل الشام فاجتلدوا و حمل عمرو بن العاص معلما و هو يقول:

شدوا على شكتى لا تنكشف‏ بعد طليح و الزبير فاتلف‏
يوم لهمدان و يوم للصدف‏ و في تميم نحوه لا تنحرف‏
أضربها بالسيف حتى تنصرف‏ إذا مشيت مشية العود الصلف‏
و مثلها لحمير او شنحرف‏ و الربعيون لهم يوم عصف‏

فاعترضه على عليه السلام و هو يقول:

قد علمت ذات القرون الميل‏ و الحصر و الانامل الطفول‏
اني بنصل السيف خنشليل‏ أحمى و أرمي أول الرعيل‏
بصارم ليس بذى فلول‏

ثم طعنه فصرعه و اتقاه عمرو برجله فبدت عورته فصرف على عليه السلام وجهه عنه و ارتث فقال القوم افلت الرجل يا أمير المؤمنين قال و هل تدرون من هو؟ قالوا لا. قال:

فانه عمرو بن العاص تلقاني بعورته فصرفت وجهي عنه و رجع عمرو إلى معاوية فقال له ما صنعت يا عمرو قال لقاني علي فصر عني قال احمد الله و عورتك أما و الله ان لو عرفته ما اقتحمت عليه و قال معاوية في ذلك شعر:

ألا لله من هفوات عمرو يعاتبني على تركى برازى‏
فقد لاقى أبا حسن عليا فاب الوائلى ماب خازى‏
فلو لم يبد عورته للاقى‏ به ليثا يذلل كل نازى‏
له كف كان براحتيها منايا القوم يخطف خطف بازى‏
فان تكن المنية أخطأته‏ فقد غني بها أهل الحجاز

فغضب عمرو و قال ما اشد تعظيمك عليا في كسرى هذا هل هو الارجل لقاه ابن عمه فصرعه افترى السماء فاطرة لذلك دما قال و لكنها تعقبك جبنا.

أقول: كان عمرو بن العاص فى المكر و الخديعة اروغ من الثعلب و به يضرب المثل في الحيلة و الشيطنة و لما رأى ان لا محيص له في يد اسد الله احتال حيلة شنيعة غير لائقة للابطال و الرجال و يليق ان يقال له:

اى روبهك چرا ننشستى بجاى خويش‏ با شير پنجه دادى و ديدى سزاى خويش‏

قال أبو الفضل نصر بن مزاحم في كتاب الصفين: ان عمرو بن العاص مر بالحرث ابن نصر الجشمي و كان عدوا لعمرو و كان عمرو قل ما يجلس مجلسا الا ذكر فيه الحرث‏ فقال الحرث في ذلك.

ليس عمرو بتارك ذكره الحرب‏ مدى الدهر او يلاقى عليا
واضع السيف فوق منكبه‏ الايمن لا يحسب الفوارس شيئا
ليس عمرو يلقاه في حمس النقع‏ و قد صارت السيوف عصيا
حيث يدعو البراز حامية القوم‏ إذا كان بالبراز مليا
فوق شهب مثل السحوق من‏ النخل ينادى المبارزين إليا
ثم يا عمرو تستريح من الفخر و تلقى به فتى هاشميا
فالقه إن اردت مكرمة الدهر او الموت كل ذاك عليا

فلما سمع عمرو شعره قال و الله لو علمت انى اموت الف موتة لبارزت عليا في اول ما القاه فلما بارزه طعنه على عليه السلام فصرعه و اتقاه عمرو بعورته فانصرف على عليه السلام عنه و قال على حين بدت له عورة عمرو فصرف وجهه عنه:

ضرب ثبا الابطال في المشاغب‏ ضرب الغلام البطل الملاعب‏
اين الضراب في العجاج الثائب‏ حين احمرار الحدق الثواقب‏
بالسيف في تهتهة الكتائب‏ و الصبر فيه الحمد للعواقب‏

قال المسعودى: و قد ذكر هشام بن محمد الكلبى عن الشرقى بن القطامى ان معاوية قال لعمرو بعد انقضاء الحرب هل غششتنى منذ نصحتنى؟ قال: لا، قال: بلى و الله يوم اشرت على بمبارزة علي و أنت تعلم ما هو قال: دعاك الى المبارزة فكنت من مبارزته علي احدى الحسنيين إما ان تقتله فتكون قد قتلت قاتل الاقران و تزداد شرفا إلى شرفك و إما ان يقتلك فتكون قد استعجلت مرافقة الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا. فقال معاوية يا عمرو الثانية اشر من الاولى.

و بالجملة كان في هذا اليوم من القتال ما لم يكن قبل. و ليعلم انه مضت منه عليه السلام الخطبة التاسعة و الستين معنونا من الشريف الرضى رضوان الله عليه: و من كلام له عليه السلام يقوله لاصحابه في بعض أيام صفين: معاشر المسلمين استشعروا الخشية و تجلببوا السكينة و عضوا النواجذ اه و اجمل الرضى (ره) ذلك اليوم، و قال الشارح‏

المعتزلي: هذا الكلام خطب به أمير المؤمنين عليه السلام فى اليوم الذي كان عشيته ليلة الهرير في كثير من الروايات. انتهى يعنى به اليوم التاسع. و مضى الكلام منا عن مروج الذهب و غيره خطب به عليه السلام في اليوم الثامن و هو يوم الاربعاء. و قال نصر في كتاب صفين انه عليه السلام خطب به في أول أيام اللقاء و الحرب بصفين و ذلك في صفر من سنة سبع و ثلاثين و الاختلاف في الفاظ الخطبة كثير أيضا و الله أعلم.

«اليوم العاشر و ليلتها: ليلة الهرير و يومها»

و هي الليلة العظيمة التي يضرب بها المثل و كانت ليلة الجمعة و يومها و قال المسعودى فكان جملة من قتل على عليه السلام بكفه في يومه و ليلته خمسمائة و ثلاثة و عشرين رجلا أكثرهم في اليوم و ذلك انه كان إذا قتل رجلا كبر إذا ضرب و لم يكن يضرب إلا قتل ذكر ذلك عنه من كان يليه فى حربه و لا يفارقه من ولده و غيرهم.

و قال الطبرى: ثم اقتتل الناس بعد المغرب قتالا شديدا فما صلى أكثر الناس إلا ايماء. و قال نصر حدثنا عمرو بن شمر قال حدثنى أبو ضرار قال حدثنى عمار بن ربيعة قال غلس على عليه السلام بالناس صلاة الغداة يوم الثلاثا عاشر شهر ربيع الأول سنة سبع و ثلاثين و قيل عاشر شهر صفر ثم زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق و الناس على راياتهم و زحف اليهم أهل الشام و قد كانت الحرب اكلت الفريقين و لكنها فى أهل الشام اشد نكاية و اعظم وقعا فقد ملوا الحرب و كرهوا القتال و تضعضعت اركانهم.

قال: فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب عليه السلاح لا يرى منه الاعيناه و بيده الرمح فجعل يضرب رءوس أصحاب على بالقناة و يقول: سووا صفوفكم حتى إذا عدل الصفوف و الرايات استقبلهم بوجهه و ولى أهل الشام ظهره ثم حمد الله و اثنى عليه ثم قال: الحمد لله الذي جعل فيكم ابن عم نبيكم اقدمهم هجرة و اولهم اسلاما سيف من سيوف الله صبه الله على اعدائه فانظروا إذا حمى الوطيس‏

و ثار القتام و تكسران المران و جالت الخيل بالابطال فلا أسمع الاغمغمة او همهمة قال ثم حمل على أهل الشام و كسر فيهم رمحه ثم رجع فاذا هو الاشتر.

أقول: شجاعة الأشتر رضوان الله عليه بلغ مبلغ التواتر و لا يتأتى لاحد انكاره و يسميه المورخون كبش العراق و ذكرنا شمة من شجاعته يوم اخذ الماء و قتله ابطال أهل الشام و فوارس قائد أهل الكفر و النفاق و شجعان رائد قوم البغي و الشقاق و كان هو «ره» شديد الباس فارسا شجاعا و من تتبع و بحث عن وقائع الجمل و الصفين و غيرهما علم ان الأشتر كان بعد أمير المؤمنين عليه السلام اشجع الناس فقد قال علي عليه السلام بعد موته:

رحم الله مالكا فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه و آله، و من هذا التشبيه و المقايسة يعلم جلالة شانه «ره» و علو قدره إلى حد فوق أن يحوم حوله العبارة و قال الشارح المعتزلي ابن ابى الحديد في شرح النهج: لو أن انسانا يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب و لا في العجم اشجع منه «يعني من الأشتر» إلا استاذه عليه السلام لما خشيت عليه الإثم.

و لله در القائل و قد سئل عن الاشتر: ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام و هزم موته أهل العراق و بحق ما قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام: كان الأشتر لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه و آله.

و هذا هو الأشتر مجاهدا فى الله قبال الفئة الباغية و لينظر إلى تخلقه باخلاق الله و اتصافه باوصافه كيف ارتقى في المدرسة الالهية العلوية إلى الدرجات العلى و المراتب القصوى ففي مجموعة ورام‏ حكى ان مالكا الأشتر رضي الله عنه كان مجتازا بسوق الكوفة و عليه قميص خام و عمامة منه فرآه بعض أهل السوق فازدرى بزيه فرماه ببندقة تهاونا به فمضي و لم يلتفت فقيل له ويلك أ تدرى بمن رميت فقال لا فقيل له هذا مالك صاحب أمير المؤمنين عليه السلام فارتعد الرجل و مضي اليه ليعتذر منه فرآه و قد دخل المسجد و قائم يصلي فلما انفتل أكب الرجل على قدميه ليقبلهما فقال ما هذا الأمر؟ فقال اعتذر اليك مما صنعت فقال لا بأس عليك فو الله ما دخلت‏ المسجد إلا لأستغفرن لك. انتهى و سيأتي ترجمته مستوفاة انشاء الله تعالى في محله و لنعد إلى القصة:

قال نصر بإسناده السابق و خرج رجل من أهل الشام ينادى بين الصفين يا أبا حسن يا على ابرز لى فخرج اليه على عليه السلام حتى إذا اختلف اعناق دابتيهما بين الصفين فقال يا على ان لك قدما فى الاسلام و هجرة فهل لك فى الامر اعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء و تأخير هذه الحروب حتى ترى من رأيك؟ فقال له على عليه السلام و ما ذاك؟ قال ترجع إلى عراقك فنخلى بينك و بين العراق و نرجع إلى شامنا فتخلى بيننا و بين شامنا، فقال له على عليه السلام لقد عرفت انما عرضت هذا نصيحة و شفقة و لقد أهمنى هذا الامر و اسهرنى و ضربت أنفه و عينه فلم اجد إلا القتال او الكفر بما انزل على محمد صلى الله عليه و آله إن الله تبارك و تعالى لم يرض من اوليائه ان يعصى فى الأرض و هم سكوت مذعنون لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن المنكر فوجدت القتال اهون على من معالجة الاغلال في جهنم، فرجع الشامي و هو يسترجع.

اقول: فانظر أيها القارى الكريم نظر التامل و التدبر في كلامه عليه السلام: إن الله تبارك و تعالى لم يرض من اوليائه اه حتى تقف على سر بعثة الأنبياء و اوليائه فهم بعثوا لينقذوا الناس من الوسواس و الكفر و الشقاق و النفاق و ليعالجوا نفوسهم من داء الجهل و ينوروا عقولهم بنور العلم و المعارف و الحكم و يهدوهم إلى الصراط المستقيم و يوصلوهم إلى النهج القويم لطفا من الله على العباد ليفوزوا فوزا عظيما و ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حى عن بينة، و يتم الحجة عليهم و لم يخلق الله الناس عبثا و لم يتركهم سدى و لم يرض من اوليائه ان يعصى في الأرض و هم سكوت و العلماء بعدهم قائمون مقامهم فلم يرض الله منهم أن يعصي في الأرض و هم سكوت، لانهم حصون الاسلام كحصن سور المدينة لها فاذا ظهرت البدع فعليهم أن يظهروا علمهم و يحثوا الناس إلى الطاعة و يزجروهم عن المعصية و إذا ظهرت البدع كانت الظلمات غالبة.

و في الكافي لثقة الاسلام الكليني (ره) باسناده عن عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار.

و فيه قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إذا ظهرت البدع في امتي فليظهر العالم علمه فمن‏ لم يفعل فعليه لعنة الله.

و فيه باسناده عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله إذا رأيتم أهل البدع و الريب من بعدى فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم حتى لا يطمعوا فى الفساد فى الاسلام و يحذر الناس و لا يتعلمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات.

و في البحار عن أبي محمد العسكرى عليه السلام قال: قال جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذى يلي ابليس و عفاريته يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا مرابطون بالثغر الذى يلي ابليس و عفاريته يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا و عن ان يتسلط عليهم ابليس و شيعته النواصب ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان افضل ممن جاهد الروم و الترك و الخزر الف الف مرة لانه يدفع عن أديان محبينا و ذلك يدفع عن أبدانهم.

و سيأتي الكلام في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و البحث عنهما و شرائطهما انشاء الله تعالى و لنعد إلى القصة:

قال نصر: و زحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل حتى فنيت ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت و اندقت ثم مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيف و عمد الحديد فلم يسمع السامع الا وقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هو لا في صدور الرجال من الصواعق و من جبال تهامة يدك بعضها بعضا و انكسفت الشمس و ثار القتام و ضلت الالوية و الرايات و الأشتر يسير فيما بين الميمنة و الميسرة فيأمر كل قبيلة او كتيبة من القراء بالاقدام على التي تليها فاجتلدوا بالسيوف و عمد الحديد من صلاة الغداة إلى نصف الليل لم يصلوا لله صلاة فلم يزل يفعل ذلك الأشتر بالناس حتى أصبح و المعركة خلف ظهره و افترقوا على سبعين الف قتيل في ذلك اليوم و تلك الليلة و هي ليلة الهرير و الأشتر فى ميمنة الناس و ابن عباس فى الميسرة و على فى القلب و الناس يقتلون ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى و الأشتر يقول لاصحابه و هو يزحف بهم نحو أهل الشام ازحفوا قيدر محى هذا و إذا فعلوا قال ازحفوا قاب هذا القوس فاذا فعلوا سألهم مثل ذلك حتى مل أكثر الناس من الاقدام فلما رأى ذلك قال اعيذكم بالله أن ترضعوا الغنم سائر اليوم ثم دعا بفرسه و ركز رايته و كانت مع حيان بن هودة النخعي و خرج يسير فى الكتائب و يقول: ألا من يشرى نفسه لله و يقاتل مع الاشتر حتى يظهر أو يلحق بالله فلا يزال الرجل من الناس يخرج اليه و يقاتل معه.

قال نصر باسناده عن عمار بن ربيعة قال مر بى و الله الأشتر و اقبلت معه حتى رجع إلى المكان الذى كان به فقام فى أصحابه فقال شدوا فدالكم عمى و خالى شدة ترضون بها الله و تعزون بها الدين فاذا شددت فشدوا ثم نزل و ضرب وجه دابته ثم قال لصاحب رايته اقدم فاقدم بها ثم شد على القوم و شد معه أصحابه يضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى معسكرهم ثم انهم قاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا فقتل صاحب رايتهم و أخذ على عليه السلام لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال و ان عليا عليه السلام قال خطيبا فحمد الله و اثنى عليهم ثم قال:

أيها الناس قد بلغ بكم الامر و بعدوكم ما قد رأيتم و لم يبق منهم إلا آخر نفس و ان الامور إذا اقبلت اعتبر آخرها بأولها و قد صبر لكم القوم على غير دين حق بلغنا منهم ما بلغنا و أنا غار عليهم بالغداة احاكمهم إلى الله عز و جل.

«رأى عمرو بن العاص فى رجوع الناس الى كتاب الله لما ظهرت هزيمة أهل الشام»

فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص فقال يا عمرو انما هى الليلة حتى يغدو على عليه السلام علينا بالفيصل فما ترى؟ قال أرى ان رجالك لا يقومون لرجاله و لست مثله هو يقاتلك على امر و انت تقاتله على غيره انت تريد البقاء و هو يريد الفناء و أهل العراق يخافون منك ان ظفرت بهم و أهل الشام لا يخافون عليا ان ظفر بهم و لكن الق اليهم امرا ان قبلوه اختلوا و ان ردوه اختلفوا ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك و بينهم فانك بالغ به حاجتك فى القوم فانى لم ازل اؤخر هذا الامر لحاجتك اليه فعرف ذلك معاوية فقال صدقت.

أقول: كلامه عليه السلام المذكور آنفا: أيها الناس قد بلغ بكم الامراء غير مذكور فى نهج البلاغة .

«حملة الجعفى على أهل الشام»

قال نصر: و في حديث عمر بن سعد قال ثم إن عليا صلى الغداة ثم زحف اليهم فلما ابصروه قد خرج استقبلوه بزحوفهم فاقتتلوا قتالا شديدا ثم ان خيل أهل الشام حملت على خيل أهل العراق فاقتطعوا من أصحاب على عليه السلام الف رجل او أكثر فاحاطوا بهم و حالوا بينهم و بين أصحابه فلم يروهم فنادى على عليه السلام يومئذ ألا رجل يشرى نفسه لله و يبيع دنياه باخرته؟ فاتاه رجل من جعف يقال له عبد العزيز بن الحارث على فرس أدهم كأنه غراب مقنعا فى الحديد لا يرى منه الا عيناه فقال يا أمير المؤمنين مرنى بأمرك فو الله ما ترانى بشي‏ء الا صنعته فقال على عليه السلام:

سمحت بامر لا يطاق حفيظة و صدقا و اخوان الحفاظ قليل‏
جزاك إليه الناس خيرا فقد وفت‏ يداك بفضل ما هناك جزيل‏

أبا الحارث شد الله ركنك احمل على أهل الشام حتى تأتى أصحابك فتقول لهم: أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام و يقول لكم هللوا و كبروا من ناحيتكم و نهلل نحن و نكبر من ههنا و احملوا من جانبكم و نحمل نحن من جانبنا على أهل الشام فضرب الجعفى فرسه حتى إذا قام على السنابك حمل على أهل الشام المحيطين باصحاب على عليه السلام فطاعنهم ساعة و قاتلهم فانفرجوا له حتى أتى أصحابه فلما رأوه استبشروا به و فرحوا و قالوا ما فعل أمير المؤمنين؟ قال صالح يقرئكم السلام و يقول لكم هللوا و كبروا و هلل على و أصحابه من ذلك الجانب و نهلل نحن من جانبنا و نكبر و نحمل من خلفكم فهللوا و كبروا و هلل على و أصحابه من ذلك الجانب و حملوا على أهل الشام من ثم و حمل على من ههنا فى أصحابه فانفرج أهل الشام عنهم فخرجوا و ما اصيب منهم رجل واحد و لقد قتل من فرسان أهل الشام يومئذ زهاء سبع مأئة رجل.

قال: و قال على من أعظم الناس عناء؟ فقالوا أنت يا أمير المؤمنين، قال: كلا و لكنه الجعفى‏.

«ضرب على عليه السلام و قتله الناس فى يوم واحد»

قال نصر عن عمرو بن شمر عن جابر بن نمير الأنصارى قال و الله لكأنى اسمع عليا يوم الهرير حين سار أهل الشام و ذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بيننا و بين عك و لخم و جذام و الاشعريين بامر عظيم تشيب منه النواصي من حين استقبلت الشمس حتى قام قائم الظهيرة. ثم ان عليا قال حتى متى نخلى بين هذين الحيين قد فنيا و أنتم وقوف تنظرون اليهم اما تخافون مقت الله ثم انفتل إلى القبلة و رفع يديه إلى الله ثم نادى:

يا الله يا رحمن يا واحد يا صمد يا الله يا اله محمد اللهم اليك ثقلت الاقدام و افضت القلوب و رفعت الايدى و امتدت الاعناق و شخصت الابصار و طلبت الحوائج إنا نشكو اليك غيبة نبينا صلى الله عليه و كثرة عدونا و تشتت اهوائنا ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق و انت خير الفاتحين سيروا على بركة الله ثم نادى لا اله إلا الله و الله اكبر كلمة التقوى.

ثم قال: لا و الله الذى بعث محمدا صلى الله عليه و آله بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات و الارض اصاب بيده في يوم واحد ما اصاب انه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسة مأئة من اعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة إلى الله عز و جل و اليكم من هذا لقد هممت أن أفلقه و لكن حجزنى عنه أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول كثيرا: لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا على و أنا اقاتل به دونه. قال فكنا نأخذه ثم يتناوله من ايدينا فيقتحم به في عرض الصف فلا و الله ما ليث بأشد نكاية في عدوه منه رحمة الله عليه رحمة واسعة.

أقول: اتى بكلامه عليه السلام المذكور آنفا: يا الله يا رحمن اه في باب الكتب و الرسائل من نهج البلاغة و هو الكلام الخامس عشر منه.

«رفع أهل الشام المصاحف على الرماح و دعائهم الى الحكومة لما ظهرت هزيمتهم و استبان ذلهم»

قال نصر عن عمرو بن شمر عن جابر قال سمعت تميم بن حذيم يقول: لما اصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فاذا اشباه الرايات امام صف أهل الشام وسط الفيلق من حيال موقف معاوية فلما ان اسفرنا فاذا هى المصاحف قد ربطت على اطراف الرماح و هى عظام مصاحف العسكر و قد شدوا ثلاثة رماح جميعا و قد ربطوا عليها مصحف المسجد الاعظم يمسكه عشرة رهط و قال أبو جعفر و أبو الطفيل استقبلوا عليا بمأة مصحف و وضعوا في كل مجنبة مأتي مصحف و كان جميعها خمس مأئة مصحف قال أبو جعفر ثم قام الطفيل بن ادهم حيال على و قام أبو شريح الجذامى من حيال الميمنة و قام ورقاء ابن المعمر حيال الميسرة ثم نادوا: يا معشر العرب الله الله في نسائكم و بناتكم فمن للروم و الاتراك و أهل فارس غدا إذا فنيتم الله الله في دينكم هذا كتاب الله بيننا و بينكم فقال على عليه السلام اللهم انك تعلم انهم ما الكتاب يريدون فاحكم بيننا و بينهم انك انت الحكيم الحق المبين فاختلف أصحاب علي في الرأي طائفة قالت القتال و طائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب و لا يحل لنا الحرب و قد دعينا إلى حكم الكتاب فعند ذلك بطلت الحروب و وضعت أوزارها فقال محمد بن علي فعند ذلك حكم الحكمان.

قال نصر: و في حديث عمرو بن شمر باسناده قال فلما أن كان اليوم الاعظم قال أصحاب معاوية و الله ما نحن لنبرح اليوم العرصة حتى يفتح الله لنا او نموت و قال أصحاب علي عليه السلام و الله ما نحن بتاركى العرصة اليوم إن شاء الله حتى يفتح لنا او نموت فباكروا القتال غدا يوما من أيام الشعرى طويلا شديد الحر فتراموا حتى فنيت النبل ثم تطاعنوا حتى تقصفت رماحهم ثم نزل القوم عن خيولهم فمشي بعضهم إلى بعض بالسيوف حتى كسرت جفونها و قامت الفرسان في الركب ثم اضطربوا بالسيوف و بعمد الحديد فلم يسمع السامع إلا تغمغم القوم و صليل الحديد في الهام و تكادم الافواه و كسفت الشمس و ثار القتام و ضلت الالوية في الرايات و مرت مواقيت أربع صلوات لم يسجد لله فيهن إلا تكبيرا و نادت المشيخه في تلك الغمرات يا معشر العرب الله الله في الحرمات من النساء و البنات.

قال جابر: فبكى أبو جعفر و هو يحدثنى بهذا الحديث قال و اقبل الأشتر على فرس كميت محذوف قد وضع مغفره على قربوس السرج و هو يقول: اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حمى الوطيس و رجعت الشمس من الكسوف و اشتد القتال و اخذت السباع بعضها بعضا فانتم كما قال الشاعر:

مضت و استأخر الفرعاء عنها و خلي بينهم إلا الوزيع‏

قال يقول واحد في تلك الحال أى رجل هذا لو كانت له نية فيقول له صاحبه و أى نية أعظم من هذه ثكلتك امك و هبلتك ان رجلا فيما قد ترى قد سبح في الدماء و ما اضجرته الحرب و قد غلت هام الكماة من الحر و بلغت قلوب الحناجر و هو كما ترى جذعا يقول هذه المقالة اللهم لا تبقنا بعد هذا.

أقول: قوله: يوما من ايام الشعرى طويلا شديد الحر. بيانه: ان الشعري اسم لكوكبين إحداهما اكبر من الاخرى و هى الشعرى اليمانية من كواكب الكلب الاكبر الواقعة عقيب الجبار و لذا يسمى الكلب الاكبر بكلب الجبار أيضا كما ان الشعرى اليمانية وحدها قد تسمى بكلب الجبار. و هي من كواكب القدر الاول و احد كوكبي ذراع الاسد و فم المرزم و انما وصف باليماني لان مغيبها يكون إلى جانب اليمن و كواكب الكلب الاكبر ثمانية عشر كوكبا و الشعرى واقعة في فيها و هذا الكواكب هو الذى قال فيه عز من قائل في سورة النجم الاية 49: و أنه هو رب الشعرى‏ و قال المفسرون كانوا يعبدونها في الجاهلية و ان خزاعة كانت تعبدها و أول من عبدها أبو كبشة احد أجداد النبي صلى الله عليه و آله من قبل امهاته و كان المشركون يسمونه صلى الله عليه و آله ابن أبي كبشة لمخالفته إياهم في الدين كما خالف أبو كبشة غيره في عبادة الشعرى فانزل الله تعالى‏ و أنه هو رب الشعرى‏ أي خالق الشعرى و مخترعها و مالكها فلا تتخذوا المربوب المملوك إلها.

أقول: لا يبعد ان يكون القرآن الكريم ناظرا أيضا إلى عظمة قدرته عز و جل بانه هو رب الشعرى، و ذلك لان الشعرى من اكبر الثوابت المرصودة و في رصد معاصرينا أنها أعظم من الشمس 1500 مرة مع أن الشمس أعظم من الأرض بكثير فاخط جنابا تبهرك عجائبه و يناسب ما ذهبنا اليه اسلوب الاى الاخرى: و أنه هو أضحك و أبكى و أنه هو أمات و أحيا و أنه خلق الزوجين الذكر و الأنثى من نطفة إذا تمنى و أن عليه‏ النشأة الأخرى و أنه هو أغنى و أقنى و أنه هو رب الشعرى‏ و ظاهر أنها مسوقة لبيان لطائف صنعه و عظم قدرته في خلقه.

و الاخرى هى الشعرى الشامية.

و هى من صورة كواكب الكلب الاصغر و يسمى الكلب المتقدم أيضا و هي واقعة على جهة جنوب الجوزاء مشتملة على أربعة عشر كوكبا احدها من القدر الأول و هو الشعرى الشامية لان مغيبها من جانب الشام و تسمى غميضا أيضا كما أن اليمانية تسمى عبورا أيضا لان من الاسمار المنقولة من العرب ان الشعريين كانتا اختين لسهيل و تزوج أخوهما سهيل جوزاء فوقع بين سهيل و زوجته جوزاء نزاع فضربها سهيل فكسر ظهرها ففر من الشمال إلى الجنوب ثم ان اخته الشعرى اليمانية ذهبت في أثرها فعبرت من المجرة حتى قربت منه و لذا سميت عبورا و ان اخته الاخرى الشعرى الشامية بكت من فراقه حتى عميت عينها و لذا سميت غميضا.

و المراد من الشعرى هو الأول و إنما كان أيام الشعرى طويلا شديد الحر لان الشعرى اليمانية واقعة في اواخر برج الجوزاء فاذا بلغت الشمس اليها كان اليوم قريبا من أطول أيام السنة للافاق الشمالية لان الجوزاء من البروج الشمالية.

ثم ان الكواكب الثابتة تتحرك بحركتها الخاصة نحو المغرب فاسرعها حركة كما في ص 565 من الزيج البهادرى في ثمانية أيام و ثمانية أشهر واحدى و ستين سنة وسطية يقطع درجة واحدة، و أبطأها في سبعة عشر يوما و ثلاثة أشهر و اثنتين و ثمانين سنة يقطع درجة واحدة و لذا تنتقل الصور عن مواضعها من البروج فيأتي الفرق بين البرج و الصورة و لم يحضرني الان ذلك الزيج و لا سائر ازياجى احاسب تقويم الشعرى دقيقا في سنة غزوة الصفين.

ثم ان تثنية الشعرى شعريان فاذا ثنيت فالمراد بهما الشعرى اليمانية و الشامية و في ديوان ان المنوچهرى الدامغاني:

چو پاسى از شب ديرنده بگذشت‏ بر آمد شعريان از كوه موصل‏

فلنعد إلى القصة:

«خطبة اشعث بن قيس»

نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبى عن صعصعة قال: قام الاشعث بن قيس الكندى ليلة الهرير في أصحابه من كندة فقال:الحمد لله أحمده و استعينه و اومن به و اتوكل عليه و استنصره و استغفره و استخيره و استهديه فانه من يهدى الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادى له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و اشهد أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و آله ثم قال قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي و ما قذفني فيه من العرب فو الله لقد بلغت من السن ما شاء الله ان ابلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط، ألا فليبلغ الشاهد الغائب إنا نحن توافقنا غدا أنه لفناء العرب وضيعة الحرمان أما و الله ما أقول هذه المقالة جزعا من الحنف و لكنى رجل مسن اخاف على النساء و على الذرارى غدا إذا فنينا اللهم إنك تعلم أنى قد نظرت لقومي و لأهل ديني فلم آل و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و اليه انيب و الرأي يخطي و يصيب و إذا قضى الله امرا أمضاه ما احب العباد أو كرهوا أقول قولى هذا و أستغفر الله لي و لكم.

قال قال صعصعة فانطلقت عيون معاوية اليه بخطبة الاشعث فقال أصاب و رب الكعبة لئن نحن التقينا غدا لنمكن الروم على ذرارينا و نسائنا و لنمكن أهل الفارس على نساء أهل العراق و ذراريهم و انما يبصر هذا ذوو الاحلام و النهى اربطوا المصاحف على رءوس الرماح و قلدوها الخيل و الناس على الرأيات قد اشتهوا ما دعوا اليه و رفع مصحف دمشق الأعظم تحمله عشرة رجال على رءوس الرماح و نادوا يا أهل العراق بيننا و بينكم.

و أقبل أبو الاعور السلمى على برذون أبيض و قد وضع المصحف على رأسه ينادى يا أهل العراق كتاب الله بيننا و بينكم.

و أقبل عدى بن حاتم فقال يا أمير المؤمنين إن كان أهل الباطل لا يقومون بأهل الحق فانه لم يصب عصبة منا إلا و قد اصيب مثلها منهم و كل مقروح و لكنا أمثل بقية منهم و قد جزع القوم و ليس بعد الجزع إلا ما تحب فناجز القوم.

فقام الأشتر النخعي فقال يا أمير المؤمنين إن معاوية لا خلف له من رجاله و لك بحمد الله الخلف و لو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك و لا بصرك فاقرع الحديد بالحديد و استعن بالله الحميد.

ثم قام عمرو بن الحمق فقال يا أمير المؤمنين إنا و الله ما اخترناك و لا نصرناك عصبية على الباطل و لا أجبنا إلا الله عز و جل و لا طلبنا إلا الحق و لو دعانا غيرك إلى ما دعوت اليه لكان فيه اللجاج و طالت فيه النجوى و قد بلغ الحق مقطعه و ليس لنا معك رأى.

فقام الاشعث بن قيس مغضبا فقال يا أمير المؤمنين انا لك اليوم على ما كنا عليه أمس و ليس آخر أمرنا كأوله و ما من القوم أحد أحنى على أهل العراق و لا أوتر لأهل الشام مني فأجب القوم إلى كتاب الله فانك أحق به منهم و قد أحب الناس البقاء و كرهوا القتال فقال على عليه السلام إن هذا امر ينظر فيه.

«جزع أهل الشام من أهل العراق و كلام عبد الله بن عمرو»

قال نصر: و ذكروا أن أهل الشام جزعوا فقالوا يا معاوية ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم اليه فاعدها جذعة فانك قد غمرت بدعائك القوم و أطمعتهم فيك فدعا معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص و أمره ان يكلم أهل العراق فاقبل حتى إذا كان بين الصفين نادى يا أهل العراق أنا عبد الله بن عمرو بن العاص إنها قد كانت بيننا و بينكم امور للدين و الدنيا فان تكن للدين فقد و الله اعذرنا و اعذرتم و إن تكن للدنيا فقد و الله اسرفنا و اسرفتم و قد دعوناكم إلى أمر لو دعوتمونا اليه لأجبناك فان يجمعنا و إياكم الرضا فذلك من الله فاغتنموا هذه الفرجة لعله أن يعيش فيها المحترف و ينسى فيها القتيل فان بقاء المهلك بعد الهالك قليل.

«جواب سعيد بن قيس عبد الله بن عمرو بامر أمير المؤمنين عليه السلام»

فخرج سعيد بن قيس الهمدانى فأتى عليا عليه السلام فاخبره بقول عبد الله بن عمرو فقال على عليه السلام أجب الرجل. فتقدم سعيد بن قيس فقال يا أهل الشام انه قد كان بيننا و بينكم امور حامينا فيها على الدين و الدنيا سميتموها غدرا و سرفا و قد دعوتمونا اليوم إلى ما قاتلناكم عليه بالامس و لم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم و لا أهل الشام إلى شامهم بأمر أجمل من أن يحكم بما أنزل الله فالامر في أيدينا دونكم و إلا فنحن نحن و أنتم أنتم.

و قام الناس إلى على عليه السلام فقالوا: أجب القوم إلى ما دعوك اليه فانا قد فنينا و نادى انسان من أهل الشام في سواد الليل بشعر سمعه الناس و هو:

رءوس العراق أجيبوا الدعاء فقد بلغت غاية الشدة
و قد أودت الحرب بالعالمين‏ و أهل الحفائظ و النجدة
فلسنا و لستم من المشركين‏ و لا المجمعين على الردة
و لكن اناس لقوا مثلهم‏ لنا عدة و لهم عدة
فقاتل كل على وجهه‏ تقحمه الجد و الجدة
فان تقبلوها ففيها البقاء و أمن الفريقين و البلدة
و ان تدفعوها ففيها الفناء و كل بلاء إلى مدة
و حتى متى مخض هذا السقاء و لا بد أن يخرج الزبدة
ثلاثة رهط هم أهلها و إن يسكتوا تخمد الوقدة
سعيد بن قيس و كبش العراق‏ و ذاك المسود من كندة

فحمد هؤلاء النفر المسمون في الصلح قال فاما المسود من كندة و هو الاشعث فانه لم يرض بالسكوت بل كان من أعظم الناس قولا في اطفاء الحرب و الركون إلى الموادعة. و أما كبش العراق و هو الاشتر فلم يكن يرى إلا الحرب و لكنه سكت على مضض و أما سعيد بن قيس فتارة هكذا و تارة هكذا.

قال نصر: ذكروا ان الناس قالوا اكلنا الحرب و قتلت الرجال و قال قوم نقاتل القوم على ما قاتلناهم عليه أمس و لم يقل هذا إلا قليل من الناس ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة و ثارت الجماعة بالموادعة فقام على أمير المؤمنين عليه السلام فقال:

انه لم يزل أمرى معكم على ما احب إلى ان أخذت منكم الحرب و قد و الله اخذت منكم و تركت و اخذت من عدوكم و انها فيهم أنكى و أنهك ألا إنى كنت أمس‏

أمير المؤمنين فاصبحت اليوم مأمورا و كنت ناهيا فاصبحت منهيا و قد أحببتم البقاء و ليس لى أن أحملكم على ما تكرهون ثم قعد.

أقول كلامه عليه السلام المذكور آنفا.

«كلام رؤساء القبائل»

قال نصر: ثم تكلم رؤساء القبائل فاما من ربيعة و هي الجبهة العظيم فقام كردوس بن هاني البكرى فقال: أيها الناس إنا و الله ما تولينا معاوية منذ تبرئنا منه و لا تبرئنا من على منذ توليناه و إن قتلانا لشهداء و ان أحياءنا لأبرار و إن عليا لعلى بينة من ربه و ما أحدث إلا الانصاف و كل محق منصف فمن سلم له نجا و من خالفه هلك.

ثم قام شقيق بن الثور البكرى فقال: أيها الناس إنا دعونا أهل الشام إلى كتاب الله فردوه علينا فقاتلناهم عليه و انهم دعونا إلى كتاب الله و إن رددناه عليهم حل لهم مناما حل لنا منهم و لسنا نخاف أن يحيف الله علينا و لا رسوله و ان عليا ليس بالراجع الناكص و لا الشاك الواقف و هو اليوم على ما كان عليه أمس و قد أكلتنا هذه الحرب و لا نرى البقاء إلا في الموادعة.

ثم قام حريث بن جابر البكرى فقال أيها الناس إن عليا لو كان خلفا من هذا الأمر لكان المفزع عليه فكيف و هو قائده و سائقه و أنه و الله ما قبل من القوم اليوم إلا ما دعاهم اليه أمس و لو رده عليهم كنتم له اعنت و لا يلحد في هذا الامر إلا راجع على عقبيه او مستدرج بغرور فما بيننا و بين من طغى علينا إلا السيف.

ثم قام خالد بن المعمر فقال يا أمير المؤمنين إنا و الله ما اخترنا هذا المقام ان يكون أحد هو أولى به منا غير أنا جعلناه ذخرا و قلنا أحب الامور الينا ما كفينا مؤنته فأما إذ سبقنا في المقام فانا لا نرى البقاء إلا فيما دعاك اليه القوم إن رأيت ذلك فان لم تره فرأيك أفضل.

ثم ان الحصين الربعي و هو من اصغر القوم سنا قام فقال: أيها الناس إنما بنى هذا الدين على التسليم فلا توفروه بالقياس و لا تهدموه بالشفقة فانا و الله لو لا انا لا نقبل‏ إلا ما نعرف لاصبح الحق في أيدينا قليلا و لو تركنا و ما نهوى لكان الباطل في أيدينا كثيرا و ان لنا داعيا و هو المصدق على ما قال المأمون على ما فعل فان قال لا قلنا لا و ان قال نعم قلنا نعم. فبلغ ذلك معاوية فبعث إلى مصقلة بن هبيرة فقال يا مصقلة ما لقيت من احد ما لقيت من ربيعة قال ما هم منك بأبعد من غيرهم و انا باعث اليهم فيما صنعوا فبعث المصقلة إلى الربعيين فقال:

لن يهلك القوم أن تبدى نصيحتهم‏ إلا شقيق أخو ذهل و كردوس‏
و ابن المعمر لا تنفك خطبته‏ فيها البيان و أمر القوم ملبوس‏
أما حريث فان الله ضلله‏ إذ قام معترضا و المرء كردوس‏
طأطأ حصين هنا في فتنة جمحت‏ إن ابن و علة فيها كان محسوس‏
منوا عليا و مناهم و قال لهم‏ قولا يهيج له البزل القناعيس‏
كل القبائل قد أدى نصيحته‏ إلا ربيعة رغم القوم محبوس‏

و قال النجاشى:

ان الاراقم لا يغشاهم بؤس‏ ما دافع الله من حوباء كردوس‏
نمته من ثعلب العليا فوارسها تلك الرءوس و أبناء المرائيس‏
ما بال كل أمير يستراب به‏ دين صحيح و رأى غير ملبوس‏
و الى عليا بغدر بذ منه إذا ما صرح العذر عن رد الضغاييس‏
نعم النصير لأهل الحق قد علمت‏ عليا معد على أبصار إبليس‏
قل للذين تزفوا في تعنته‏ إن البكارة ليست كالقناعيس‏
لن تدركوا الدهر كردوسا و اسرته‏ بني ثعلبة الحادى و ذو العيس‏

«كلام على (ع) لما رفع المصاحف»

قال نصر: و في حديث عمر بن سعد قال لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون إلى حكم القرآن قال على عليه السلام: عباد الله انا أحق من اجاب إلى كتاب الله و لكن معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط و حبيب بن مسلمة و ابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن اني أعرف بهم منكم صحبتهم أطفالا و صحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال و شر رجال إنها كلمة حق يراد بها باطل انهم و الله ما رفعوها إنهم يعرفونها و لا يعلمون بها و ما رفعوها لكم إلا خديعة و مكيدة اعيرونى سواعدكم و جماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه و لم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا.

فجاءه عليه السلام زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكي السلاح سيوفهم على عواتقهم و قد سودت جباههم من السجود يقدمهم مسعر بن فدكى و زيد بن حصين و عصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد فنادوه باسمه لا بامرة المؤمنين يا على أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت اليه و إلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فو الله لنفعلنها إن لم تجبهم.

فقال عليه السلام لهم: و يحكم أنا أول من دعا إلى كتاب الله و أول من أجاب اليه و ليس يحل لي و لا يسعني في ديني ان ادعا إلى كتاب الله فلا اقبله اني انما اقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن فانهم قد عصوا الله فيما أمرهم و نقضوا عهده و نبذوا كتابه و لكنى قد اعلمتكم أنهم قد كادوكم و انهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون.

قالوا فابعث إلى الأشتر لياتينك و قد كان الاشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله.

أقول: كلامه عليه السلام المذكور آنفا: عباد الله أنا أحق من أجاب اه و كذا قوله عليه السلام:و يحكم انا أول من دعا اه ليسافي النهج.

قال نصر: فحدثنى فضيل بن خديج عن رجل من النخع قال رأيت إبراهيم بن الأشتر دخل على مصعب بن الزبير فسأله عن الحال كيف كانت فقال كنت عند على عليه السلام حين بعث إلى الاشتر أن يأتيه و قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله فأرسل على يزيد ابن هانى أن ايتنى فاتاه فبلغه فقال الاشتر ايته فقال له ليس هذه الساعة ينبغي لك ان تزيلني فيها عن موقفي اني قد رجوت أن يفتح الله لي فلا تعجلني فرجع يزيد ابن هاني إلى علي عليه السلام فأخبره فما هو إلا ان انتهى الينا حتى ارتفع الرهج و علت الاصوات من قبل الأشتر و ظهرت دلائل الفتح و النصر لأهل العراق و دلائل الخذلان و الادبار على أهل الشام فقال له القوم: و الله ما نراك إلا امرته بقتال القوم قال: رأيتموني‏ ساررت رسولي أليس انما كلمته على رؤوسكم علانية و أنتم تسمعون قالوا فابعث اليه فلياتك و إلا فو الله اعتزلناك قال و يحك يا يزيد قل له اقبل إلى فان الفتنة قد وقعت فأتاه فأخبره فقال له الأشتر الرفع هذه المصاحف؟ قال نعم قال أما و الله لقد ظننت انها حين رفعت ستوقع اختلافا و فرقة انها مشورة ابن النابغة يعني عمرو بن العاص.

قال ثم قال ليزيد ألا ترى إلى الفتح ألا ترى إلى ما يلقون ألا ترى إلى الذى يصنع الله لنا أ ينبغي ان ندع هذا و ننصرف عنه؟ فقال له يزيد أتحب أنك ظفرت ههنا و أن أمير المؤمنين بمكانه الذى هو به يفرج عنه و يسلم إلى عدوه؟ قال سبحان الله و الله ما احب ذلك. قال فانهم قالوا لترسلن إلى الأشتر فليأتك او لنقتلنك كما قتلنا عثمان او لنسلمنك إلى عدوك.

«خطاب الاشتر الى اهل الشام و جوابهم عنه»

قال فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم فصاح فقال يا أهل الذل و الوهن احين علوتم القوم فظنوا أنكم لهم ظاهرون و رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها و قد و الله تركوا ما أمر الله فيها و سنة من انزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني فواقا فاني قد احسب بالفتح قالوا لا قال فامهلوني عدو الفرس فاني قد طمعت في النصر قالوا إذا ندخل معك في خطيئتك قال فحدثوني عنكم و قد قتل أماثلكم و بقي اراذلكم متى كنتم محقين حيث كنتم تقتلون أهل الشام فانتم الان حين أمسكتم عن القتال مبطلون أم الان محقون فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم و كانوا خيرا فيكم في النار.

قالوا دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله و ندع قتالهم في الله انا لسنا نطيعك فاجتنبنا قال خدعتم و الله فانخدعتم و دعيتم إلى وضع الحرب فاجبتم يا أصحاب الجباه السود كنا نظن ان صلاتكم زهادة إلى الدنيا و شوق إلى لقاء الله فلا ارى قراركم إلا إلى الدنيا من الموت ألا فقبحتا يا اشباه النيب الجلالة ما أنتم برائين بعدها عزا ابدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمين فسبوه و سبهم و ضربوا بسياطهم وجه دابته و ضرب بسوطه وجوه دوابهم فصاح بهم على عليه السلام فكفوا.

و قال الأشتر يا أمير المؤمنين أحمل الصف على الصف يصرع القوم فقالوا له ان عليا أمير المؤمنين قد قبل الحكومة و رضي بحكم القرآن و لم يسعه إلا ذلك.

قال الأشتر ان كان أمير المؤمنين قد قبل و رضي بحكم القرآن فقد رضيت بما رضي به أمير المؤمنين. فأقبل الناس يقولون قد رضى أمير المؤمنين قد قبل أمير المؤمنين و هو ساكت لا يفيض بكلمة مطرق إلى الأرض.

أقول: قول القوم يا على اجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت اليه و إلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان اه اعتراف منهم بانهم قد قتلوا عثمان بن عفان و لم يكن له عليه السلام يد في قتل عثمان بل تمسك به ابن آكلة الاكباد و اتباعه من الثعالب الرواغة لتهييج الفتنة و تفريق الكلمة و هدم اساس الدين و تشتيت شمل المسلمين كما مر قول أبي اليقظان عمار بن ياسر رضوان الله عليه في ذلك.

نصر باسناده عن إبراهيم بن الأشتر قال: قال الناس قد قبلنا ان نجعل القرآن بيننا و بينهم حكما و بعث معاوية أبا الاعور السلمى على برذون أبيض فسار بين الصفين صف أهل العراق وصف أهل الشام و يقول: كتاب الله بيننا و بينكم.

«كتاب معاوية الى أمير المؤمنين على (ع)»

فارسل معاوية إلى على عليه السلام أن هذا الأمر قد طال بيننا و بينك و كل واحد منا يرى أنه على الحق فيما يطلب من صاحبه و لن يعطي واحد منا الطاعة للاخر و قد قتل فيما بيننا بشر كثير و أنا أتخوف أن يكون ما بقي أشد مما مضي و أنا نسأل عن ذلك الموطن و لا يحاسب به غيرى و غيرك فهل لك في أمر لنا و لك فيه حياة و عذر و براءة و صلاح للامة و حقن للدماء و الفة للدين و ذهاب للضغائن و الفتن ان يحكم بيننا فانه خير لي و لك و أقطع لهذه الفتن فاتق الله فيما دعيت له و ارض بحكم القرآن إن كنت من أهله و السلام.

«جواب أمير المؤمنين على (ع) اياه»

فكتب اليه على بن أبى طالب عليه السلام: من عبد الله على أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن أفضل ما شغل به المرء نفسه اتباع ما حسن به فعله و يستوجب فضله و يسلم من عيبه و ان البغى و الزور يزريان بالمرء في دينه و دنياه و يبديان من خلله عند من يعنيه ما استرعاه الله ما لا يغني عنه تدبيره فاحذر الدنيا فانه لا فرح في شي‏ء وصلت اليه منها و لقد علمت أنك غير مدرك ما قضى فواته و قد رام قوم أمرا بغير الحق فتأولوا على الله تعالى فاكذبهم و متعهم قليلا ثم اضطرهم إلى عذاب غليظ، فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله و يندم من امكن الشيطان من قياده و لم يحاده فغرته الدنيا و اطمأن اليها، ثم إنك قد دعوتني إلى حكم القرآن و لقد علمت أنك لست من أهل القرآن إلى حكمه و لسنا إياك أجبنا و من لم يرض بحكم القرآن فقد ضل ضلالا بعيدا.

أقول: كتابه عليه السلام هذا مذكور في النهج فى باب كتبه و رسائله الكتاب الثماني و الأربعين إلا أن ما في النهج بعض ما ذكرنا ههنا عن نصر.

«الكلام فى الحكمين أبى موسى الاشعرى و عمرو بن العاص»

قال نصر: جاءت عصابة من القراء قد سلوا سيوفهم و اضعيها على عواتقهم فقالوا يا أمير المؤمنين ما تنتظر بهؤلاء القوم أن نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا و بينهم بالحق فقال لهم علي عليه السلام قد جعلنا حكم القرآن بيننا و بينهم و لا يحل قتالهم حتى ننظر بما يحكم القرآن.

«كتاب معاوية الى أمير المؤمنين على عليه السلام»

قال: و كتب معاوية إلى علي أما بعد عافانا الله و إياك فقد آن لك أن تجيب إلى ما فيه صلاحنا و الفة بيننا و قد فعلت الذي فعلت و أنا اعرف حقى و لكن اشتريت بالعفو صلاح الامة و لا أكثر فرحا بشى‏ء جاء و لا ذهب و انما دخلنى في هذا الامر القيام بالحق فيما بين الباغي و المبغي عليه و الامر بالمعروف و النهى عن المنكر فدعوت إلى كتاب الله فيما بيننا و بينك فانه لا يجمعنا و إياك إلا هو نحيى ما أحيى القرآن و نميت ما أمات القرآن و السلام‏.

«كتاب أمير المؤمنين على عليه السلام الى عمرو بن العاص»

كتب علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص: أما بعد فان الدنيا مشغلة عن غيرها و لم يصب صاحبها منها شيئا إلا فتحت له حرصا يزيده فيها رغبة و لن يستغنى صاحبها بما نال عما لم يبلغه و من وراء ذلك فراق ما جمع و السعيد من وعظ بغيره فلا تحبط أبا عبد الله اجرك و لا تجار معاوية في باطله‏.

 «جواب عمرو بن العاص عليا عليه السلام»

فأجابه عمرو بن العاص: اما بعد فان ما فيه صلاحنا و الفتنا الانابة إلى الحق و قد جعلنا القرآن حكما بيننا فأجبنا إليه و صبر الرجل منا نفسه على ما حكم عليه القرآن و عذره الناس بعد المحاجزة.

 «جواب أمير المؤمنين عليه السلام عمرو بن العاص»

فكتب إليه أمير المؤمنين علي عليه السلام: أما بعد فان الذي اعجبك من الدنيا مما نازعتك إليه نفسك و وثقت به منها لمنقلب عنك و مفارق لك فلا تطمئن إلى الدنيا فانها غرارة و لو اعتبرت بما مضى لحفظت ما بقى و انتفعت بما وعظت به و السلام.

«جواب عمرو بن العاص عليا عليه السلام ثانيا»

فاجابه عمرو: أما بعد فقد أنصف من جعل القرآن اماما و دعا الناس إلى أحكامه فاصبر أبا حسن و انا غير منيليك إلا ما انا لك القرآن.

أقول: كتاب أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص: اما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها آه يأتي في باب الكتب و الرسائل الكتاب التاسع و الاربعين و اما جوابه عليه السلام عمرا: اما بعد فان الذي اعجبك آه غير مذكور في النهج.

ثم جاء الاشعث بن قيس إلى علي عليه السلام فقال ما أرى الناس إلا و قد رضوا و سرهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن فان شئت أتيت معاوية

فسألته ما يريد و نظرت ما الذى يسأل؟ قال عليه السلام ايته إن شئت، فأتاه فسأله فقال:

يا معاوية لأى شي‏ء رفعتم هذه المصاحف؟ قال: لنرجع نحن و أنتم إلى ما أمر الله به في كتابه فابعثوا منكم رجلا ترضون به و نبعث منا رجلا ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما فى كتاب الله لا يعدوانه ثم تتبع ما اتفقا عليه‏.

«الاتفاق على الصلح و اختلاف أهل العراق فى الحكمين»

فقال الاشعث: هذا هو الحق فانصرف إلى على عليه السلام فاخبره بالذى قال و قال الناس قد رضينا و قبلنا، فبعث على عليه السلام قراء من أهل العراق و بعث معاوية قراء من أهل الشام فاجتمعوا بين الصفين و معهم المصحف فنظروا فيه و تدارسوه و أجمعوا على أن يحيوا ما احيى القرآن و أن يميتوا ما أمات القرآن.

ثم رجع كل فريق إلى أصحابه و قال الناس قد رضينا بحكم القرآن، فقال أهل الشام فانا قد رضينا و اخترنا عمرو بن العاص.

و قال الاشعث و القراء الذين صاروا خوارج فيما بعد فانا قد رضينا و اخترنا أبا موسى الأشعرى، فقال لهم على عليه السلام إنى لا أرضى بابى موسى و لا أرى أن اوليه فقال الأشعث و يزيد بن حصين و مسعر بن فدكى فى عصابة من القراء انا لا نرضى إلا به فانه قد حذرنا ما وقعنا فيه، قال على عليه السلام فانه ليس لى برضا و قد فارقنى و خذل الناس عنى ثم هرب حتى أمنته بعد اشهر و لكن هذا ابن عباس اوليه ذلك قالوا و الله ما نبالى أنت كنت أو ابن عباس لا نريد إلا رجلا هو منك و من معاوية سواء ليس إلى واحد منكما بأدنى من الاخر قال على عليه السلام فانى اجعل الاشتر، قال الأشعث و هل سعر الارض علينا غير الاشتر و هل نحن إلا فى حكم الاشتر، قال له على عليه السلام و ما حكمه؟ قال: حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى يكونن ما اردت و ما اراد.

نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن على عليهما السلام قال: لما أراد الناس عليا أن يضع حكمين قال لهم على إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الامر أحدا هو أوثق برأيه و نظره من عمرو بن العاص و انه لا يصلح للقرشى إلا مثله فعليكم بعبد الله بن عباس فارموه به فان عمرا لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله و لا يحل عقدة الا عقدها و لا يبرم أمرا إلا نقضه و لا ينقض أمرا إلا أبرمه، فقال الأشعث لا و الله لا نحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة و لكن اجعله رجلا من أهل اليمن إذا جعلوا رجلا من مضر، فقال على عليه السلام: إنى أخاف أن يخدع يمنيكم فان عمرا ليس من الله فى شي‏ء حتى إذا كان له فى أمر هواه، فقال الاشعث و الله لأن يحكما ببعض ما نكره و احدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون ما نحب في حكمهما و هما مضريان.

قال: قال على عليه السلام قد أبيتم الا أبا موسى؟ قالوا: نعم قال: فاصنعوا ما أردتم فبعثوا إلى أبى موسى و قد اعتزل بأرض من أرض الشام يقال لها عرض و اعتزل القتال فأتاه مولى له فقال إن الناس قد اصطلحوا، قال: الحمد لله رب العالمين، قال: و قد جعلوك حكما، قال إنا لله و إنا إليه راجعون.

فجاء أبو موسى حتى دخل عسكر على و جاء الاشتر حتى أتى عليا فقال له يا أمير المؤمنين ألزني بعمرو بن العاص فو الله الذي لا إله إلا غيره لئن ملأت عيني منه لأقتلنه، و جاء الاحنف بن قيس التميمي فقال يا أمير المؤمنين إنك قد رميت بحجر الأرض و من حارب الله و رسوله أنف الاسلام و اني قد عجمت هذا الرجل يعني أبا موسى و حلبت اشطره فوجدته كليل الشفرة قريب القعر و انه لا يصلح لهؤلاء القوم الا رجل يدنو منهم حتى يكون في اكفهم و يتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجم منهم فان شئت أن تجعلني حكما فاجعلني فان شئت ان تجعلني ثانيا أو ثالثا فانه لا يعقد عقدة إلا حللتها و لن يحل عقدة إلا عقدتها و عقدت لك اخرى اشد منها فعرض علي عليه السلام ذلك على الناس فأبوه و قالوا: لا يكون إلا أبا موسى.

«صورة صحيفة الصلح و اختلاف الناس فى كتابتها»

قال نصر: فلما رضى أهل الشام بعمرو بن العاص و رضى أهل العراق بأبي موسى‏

أخذوا في كتاب الموادعة و رضوا بالحكم حكم القرآن.

قال أبو جعفر الطبري في تاريخه و نصر بن مزاحم في كتاب الصفين: فكتبوا:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضي عليه على أمير المؤمنين فقال معاوية بئس الرجل أنا ان اقررت انه أمير المؤمنين ثم قاتلته، و قال عمروا كتب اسمه و اسم أبيه انما هو أميركم و أما أميرنا فلا، فلما اعيد إليه الكتاب أمر بمحوه فقال الاحنف لا تمح اسم امرة المؤمنين عنك فاني أتخوف ان محوتها لا ترجع إليك ابدا لا تمحها و ان قتل الناس بعضهم بعضا فابى مليا من النهار أن يمحوها.

ثم ان الاشعث بن قيس جاء فقال امح هذا الاسم فقال على عليه السلام لا إله إلا الله و الله أكبر سنة بسنة انا و الله لعلي يدي راد هذا الامر يوم الحديبية حين كتبت الكتاب عن رسول الله صلى الله عليه و آله: هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله و سهيل بن عمر و فقال سهيل لا اجيبك إلى كتاب تسمى رسول الله و لو علم انك رسول الله لم اقاتلك إني إذا ظلمتك ان منعتك أن تطوف ببيت الله و أنت رسول الله و لكن اكتب محمد بن عبد الله اجيبك، فقال محمد صلى الله عليه يا علي إن لرسول الله و انى لمحمد بن عبد الله و لن يمحو عن الرسالة كتابي إليهم من محمد بن عبد الله فاكتب محمد بن عبد الله فراجعني المشركون في عهد إلى مدة فاليوم اكتبها إلى أبنائهم كما كتبها رسول الله صلى الله عليه و آله إلى آبائهم سنة و مثلا.

فقال عمرو بن العاص: سبحان الله و مثل هذا أ تشبهنا بالكفار و نحن مؤمنون فقال له على يا ابن النابغة و متى لم تكن للكافرين وليا و للمسلمين عدوا و هل تشبه إلا امك التي وضعت بك؟ فقام عمرو فقال و الله لا يجمع بيني و بينك مجلس أبدا بعد هذا اليوم، فقال علي عليه السلام و الله اني لأرجو أن يظهر الله عليك و على أصحابك‏ ثم جاءت عصابة قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم فقالوا يا أمير المؤمنين مرنا بما شئت فقال لهم ابن حنيف أيها الناس اتهموا رأيكم فو الله لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله يوم الحديبية و لو نرى قتالا لقاتلنا و ذلك في الصلح الذي صالح عليه النبي صلى الله عليه و آله‏

نصر بإسناده عن علقمة بن قيس النخعي قال: لما كتب على عليه السلام الصلح يوم صالح معاوية فدعا الاشتر ليكتب فقال قائل اكتب بينك و بين معاوية فقال إني و الله لأنا كتبت الكتاب بيدي يوم الحديبية و كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل لا أرضى اكتب باسمك اللهم فكتبت هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل ابن عمرو، فقال لو شهدت انك لرسول الله لم اقاتلك، قال علي عليه السلام فغضبت فقلت بلى و الله انه لرسول الله و ان رغم أنفك فقال رسول الله صلى الله عليه و آله اكتب ما يأمرك إن لك مثلها ستعطيها و أنت مضطهد.

و في الامامة و السياسة لابن قتيبة الدينورى قال في الاختلاف في كتابة صحيفة الصلح: و كتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضي عليه علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان. فقال أبو الاعور: أو معاوية و علي، فقال الاشعث لا لعمر الله و لكن نبدأ بأولهما ايمانا و هجرة و أدناهما من الغلبة فقال معاوية قدموا أو أخروا.

قال أبو جعفر الطبري في تاريخه: فكتب كتاب القضية بين علي و معاوية فيما قيل يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة 37 من الهجرة و قال نصر يوم الاربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع و ثلاثين، أما صورة تلك الصحيفة فقال نصر بن مزاحم المنقري في كتاب الصفين فكتبوا:

هذا ما تقاضي عليه علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان و شيعتهما فيما تراضيا به من الحكم بكتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه قضية علي على أهل العراق و من كان من شيعته من شاهد او غائب انا رضينا أن ننزل عند حكم القرآن فيما حكم و أن نقف عند أمره فيما أمر و أنه لا يجمع بيننا الا ذلك و انا جعلنا كتاب الله فيما بيننا حكما فيما اختلفنا فيه من فاتحته إلى خاتمته نحيى ما أحيى و نميت ما أمات على ذلك تقاضيا و به تراضيا و ان عليا و شيعته رضوا أن يبعثوا عبد الله بن قيس ناظرا و محاكما على أنهم أخذوا عليهما عهد الله و ميثاقه و اعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه ليتخذا الكتاب إماما فيما بعث له لا يعدوانه إلى غيره في الحكم بما وجداه فيه مسطورا و ما لم يجداه مسمى في الكتاب رداه إلى سنة رسول الله صلى الله عليه و آله‏

الجامعة لا يتعمدان لها خلافا و لا يتبعان في ذلك لهما هوى و لا يدخلان في شبهة و أخذ عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص على علي عليه السلام و معاوية عهد الله و ميثاقه بالرضا بما حكما به من كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و آله و ليس لهما أن ينقضا ذلك و لا يخالفاه إلى غيره و انهما آمنان في حكومتهما على دمائهما و أموالهما و أهلهما ما لم يعدوا الحق رضى بذلك راض أو أنكره منكر و أن الأئمة أنصار لهما على ما قضيا به من العدل فان توفى أحد الحكمين قبل انقضاء الحكومة فأمير شيعته و أصحابه يختارون مكانه رجلا لا يألون عن أهل المعدلة و الاقساط على ما كان عليه صاحبه من العهد و الميثاق و الحكم بكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و آله و له مثل شرط صاحبه و ان مات احد الأميرين قبل القضاء فلشيعته أن يولوا مكانه رجلا يرضون عدله و قد وقعت القضية و معها الامن و التفاوض و وضع السلاح و السلام و الموادعة و على الحكمين عهد الله و ميثاقه أن لا يألوا اجتهادا و لا يتعمدا جوابا و لا يدخلا في شبهة و لا يعدوا حكم الكتاب و سنة رسول الله صلى الله عليه و آله فان لم يفعلا برئت الامة من حكمهما و لا عهد لهما و لا ذمة و قد وجبت القضية على ما قد سمى فى هذا الكتاب مع مواقع الشروط على الاميرين و الحكمين و الفريقين و الله اقرب شهيدا و أدنى حفيظا و الناس آمنون على انفسهم و أهليهم و أموالهم إلى انقضاء مدة الاجل و السلاح موضوع و السبل مخلاة و الغائب و الشاهد من الفريقين سواء فى الامن و للحكمين ان ينزلا منزلا عدلا بين أهل العراق و أهل الشام و لا يحضرهما فيه إلا من أحبا عن ملا منهما و تراض و ان المسلمين قد أجلوا القاضيين إلى انسلاخ رمضان فان رأى الحكمان تعجيل الحكومة فيما و جهاله عجلاها و ان أرادا تأخيره بعد رمضان إلى انقضاء الموسم فان ذلك اليهما فان هما لم يحكما بكتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و آله إلى انقضاء الموسم فالمسلمون على أمرهم الاول فى الحرب و لا شرط بين واحد من الفريقين و على الامة عهد الله و ميثاقه على التمام و الوفاء بما فى هذا الكتاب و هم يد على من أراد فيه الحادا و ظلما أو حاول له نقضا.

فكتب أهل العراق كتابا لأهل الشام و كتب أهل الشام كتابا بهذا لأهل‏ العراق و شهد شهود أهل الشام على أهل العراق و شهد شهود أهل العراق على أهل الشام.و قال ابن قتيبة الدينورى فى الامامة و السياسة ان الكتاب كان بخط عمرو بن عبادة كاتب معاوية.

نصر عن عمر بن سعد قال حدثنى أبو إسحاق الشيباني قال قرأت كتاب الصلح عند سعيد بن أبى بردة فى صحيفة صفراء عليها خاتمان خاتم من اسفلها و خاتم من اعلاها، فى خاتم على عليه السلام محمد رسول الله و فى خاتم معاوية محمد رسول الله فقيل لعلى عليه السلام حين أراد ان يكتب الكتاب بينه و بين معاوية و أهل الشام أتقر أنهم مؤمنون مسلمون؟ فقال على عليه السلام ما اقر لمعاوية و لا لأصحابه انهم مؤمنون و لا مسلمون و لكن يكتب معاوية ما شاء و يقر بما شاء لنفسه و أصحابه و يسمى نفسه و أصحابه ما شاء.

«كلام على عليه السلام حين اقر الناس بالصلح»

نصر عن عمر بن سعد عن إسحاق بن يزيد عن الشعبى ان عليا عليه السلام قال يوم صفين حين أقر الناس بالصلح: إن هؤلاء القوم لم يكونوا ليفيئوا (لينيبوا- خ ل) إلى الحق و لا ليجيبوا إلى كلمة السواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر و حتى يرجموا بالكتائب تقفوها الحلائب و حتى يجر ببلادهم الخميس يتلوه الخميس حتى تدعق الخيول فى نواحى ارضهم و باحناء مساربهم و مسارحهم و حتى تشن عليهم الغارات من كل فج و حتى تلقاهم قوم صدق صبر لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم و موتاهم فى سبيل الله إلا جدا فى طاعة الله و حرصا على لقاء الله و لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله نقتل (فقتل- خ ل) آبائنا و ابنائنا و اخواننا و اعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا ايمانا و تسليما و مضيا على أمض الألم و جدا على جهاد العدو و الاستقلال بمبارزة الاقران و لقد كان الرجل منا و الاخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما ايهما يسقى صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا و مرة لعدونا منا فلما رآنا الله صبرا صدقا انزل الله بعدونا الكبت و انزل علينا النصرو لعمرى لو كنا نأتي مثل الذي أتيتم ما قام الدين و لا عز الاسلام و ايم الله لتحلبنها دما فاحفظوا ما أقول لكم يعني الخوارج.

أقول: بعض كلامه عليه السلام هذا مذكور في النهج في باب الخطب الخطبة الاثنتين و العشرين و المأة و اتى بفصل من كلامه عليه السلام حين رجع أصحابه عن القتال بصفين لما اغترهم معاوية برفع المصاحف فانصرفوا عن الحرب الشيخ المفيد قدس سره في الارشاد و هو:لقد فعلتم فعلة ضعضعت من الاسلام قواه و اسقطت منته و اورثت و هنا و ذلة لما كنتم الاعلين و خاف عدوكم الاجتياح و استخر بهم القتل و وجدوا الم الجراح رفعوا المصاحف و دعوكم إلى ما فيها ليفيؤوكم عنهم و يقطعوا الحرب فيما بينكم و بينهم و يتربصوا بكم ريب المنون خديعة و مكيدة فما أنتم ان جامعتموهم على ما احبوا و اعطيتموهم الذين سألوا الا المغرورين و ايم الله ما أظنكم بعد موافقى رشد و لا مصيبى حزم.

«كلام الاشتر لما دعى للصحيفة»

قال نصر بإسناده عن عمار بن ربيعة الجرمي: لما كتبت الصحيفة دعى لها الاشتر فقال لاصحبتني يميني و لا نفعتني بعدها الشمال ان كتب لي في هذه الصحيفة اسم على صلح و لا موادعة او لست على بينة من ربي و يقين من ضلالة عدوى أو لستم قد رأيتم الظفر ان لم تجمعوا على الخور؟ فقال له رجل من الناس إنك و الله ما رأيت ظفرا و لا خورا هلم فاشهد على نفسك و اقرر بما كتب فى هذه الصحيفة فانه لا رغبة بك عن الناس فقال بلى و الله ان بى لرغبة عنك فى الدنيا للدنيا و فى الاخرة للاخرة و لقد سفك الله بسيفى هذا دماء رجال ما أنت بخير منهم عندى و لا احرم دما فقال عمار بن ربيعة فنظرت إلى ذلك الرجل و كانما قصع على أنفه الحمم و هو الاشعث ابن قيس، ثم قال و لكن قد رضيت بما صنع على أمير المؤمنين عليه السلام و دخلت فيما دخل فيه و خرجت مما خرج منه، فانه لا يدخل الا فى هدى و صواب‏.

«كلام أمير المؤمنين على عليه السلام فى الاشتر رضوان الله عليه»

نصر عن عمر عن فضيل بن خديج قال قيل لعلي عليه السلام لما كتبت الصحيفة إن الأشتر لم يرض بما في هذه الصحيفة و لا يرى الاقتال القوم، فقال على عليه السلام بلى إن الاشتر ليرضى إذا رضيت و قد رضيت و رضيتم و لا يصلح الرجوع بعد الرضا و لا التبديل بعد الاقرار إلا ان يعصى الله و يتعدى ما في كتابه و اما الذى ذكرتم من تركه أمرى و ما أنا عليه فليس من اولئك و ليس أتخوفه على ذلك و ليت مثله اثنان بل ليت فيكم مثله واحد يرى فى عدوه مثل رأيه إذا لخفت على مؤنتكم و رجوت أن يستقيم لى بعض اودكم و قد نهيتكم عما أتيتم فعصيتموني و كنت أنا و أنتم كما قال أخو هوازن:

و هل أنا إلا من غزية إن غوت‏ غويت و إن ترشد غزية أرشد

فقالت طائفة ممن معه و نحن ما فعلنا يا أمير المؤمنين إلا ما فعلت قال نعم فلم كانت إجابتكم إياهم إلى وضع الحرب عنا، و أما القضية فقد استوثقنا لكم فيها و قد طمعت ألا تضلوا إن شاء الله رب العالمين.

ثم قالا و كان الكتاب في صفر و الأجل في شهر رمضان لثمانية أشهر يلتقى الحكمان ثم ان الناس اقبلوا على قتلاهم يدفنونهم.

أقول: اتى بكلامه عليه السلام هذا، الشيخ المفيد رضوان الله عليه في الارشاد مع اختلاف يسير في بعض العبائر.

قال المسعودي: و لما وقع التحكيم تباغض القوم جميعا يتبرء الاخ من أخيه و الابن من أبيه و أمر علي عليه السلام بالرحيل لعلمه باختلاف الكلمة و تفاوت الرأى و عدم النظام لامورهم و ما لحقه من الخلاف منهم و كثرة التحكيم في جيش أهل العراق و تضارب القوم بالمقارع و نعال السيوف و تسابوا و لام كل فريق منهم الاخر في رأيه و سار على يؤم الكوفة و لحق معاوية بدمشق من أرض الشام و فرق عساكره فلحق كل جند منهم ببلده.

و بالجملة لما اختار أهل العراق أبا موسى الاشعرى و اختار أهل الشام عمرو بن‏ العاص تفرق أهل صفين حين حكم الحكمان و اشترطا ان يرفعا ما رفع القرآن و يخفضا ما خفض القرآن و أن يختارا لامة محمد صلى الله عليه و آله و انهما يجتمعان بدومة الجندل و هى على عشرة اميال من دمشق فان لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل باذرح‏.

 «اجتماع الفريقين و الحكمين بدومة الجندل»

قال نصر ان عليا عليه السلام بعث أربعمائة رجل و بعث عليهم شريح بن هاني الحارثي و بعث عبد الله بن عباس يصلى بهم و يلي امورهم و أبو موسى الاشعرى معهم، و بعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة رجل- إلى أن قال-: ثم إنهم خلوا بين الحكمين فكان رأى عبد الله بن قيس أبي موسى في عبد الله بن عمر بن الخطاب و كان يقول و الله إن استطعت لأحيين سنة عمر.

«ما وصى به شريح بن هانى أبا موسى»

قال نصر: و في حديث محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال: لما اراد أبو موسى المسير قام شريح بن هاني فأخذ بيد أبي موسى فقال: يا أبا موسى انك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه و لا يستقال فتقه‏ و مهما تقل شيئا لك او عليك ثبت حقه و يزول باطله و انه لا بقاء لأهل العراق ان ملكها معاوية و لا بأس على أهل الشام ان ملكها على و قد كان منك تثبيطة أيام قدمت الكوفة فان تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا و الرجاء منك يأسا. ثم قال شريح في ذلك شعرا:

أبا موسى رميت بشر خصم‏ فلا تضع العراق فدتك نفسي‏
و اعط الحق شامهم و خذه‏ فإن اليوم في مهل كأمس‏
و إن غدا يجي‏ء بما عليه‏ يدور الأمر من سعد و نحس‏
و لا يخدعك عمرو ان عمرا عدو الله مطلع كل شمس‏
له خدع يحار العقل فيها مموهة مزخرفة بلبس‏
فلا تجعل معاوية بن حرب‏ كشيخ في الحوادث غير نكس‏
هداه الله للاسلام فردا سوى بنت النبي و اى عرس‏

قال نصر: في غير كتاب ابن عقبة: سوى عرس النبي و أي عرس.

«ما قال أبو موسى فى جوابه»

فقال أبو موسى: ما ينبغي لقوم اتهموني أن يرسلوني لأدفع عنهم باطلا أو أجر اليهم حقا.

«ما وصى به الاحنف بن قيس أبا موسى»

قال نصر: و كان آخر من ودع أبا موسى الاحنف بن قيس أخذ بيده ثم قال له: يا أبا موسى اعرف خطب هذا الأمر و اعلم ان له ما بعده و انك ان ضيعت العراق فلا عراق فاتق الله فانها تجمع لك دنياك و آخرتك و إذا لقيت عمرا غدا فلا تبدءه بالسلام فانها و إن كانت سنة إلا انه ليس من أهلها و لا تعطه بيدك فانها أمانة و إياك ان يقعدك على صدر الفراش فانها خدعة و تلقه وحده و احذره ان يكلمك في بيت فيه مخدع تخبا فيه الرجال و الشهود ثم اراد ان يبور ما في نفسه لعلي فقال له: فان لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي فخيره ان يختار أهل العراق من قريش الشام من شاءوا فانهم يولونا الخيار فنختار من نريد و إن أبوا فليخير أهل الشام من قريش العراق من شاءوا فان فعلوا كان الأمر فينا.

قال أبو موسى: قد سمعت ما قلت و لم يتحاش لقول الاحنف. فرجع الاحنف فأتى عليا عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين أخرج و الله أبو موسى زبدة سقائه في أول مخضه لا ارانا إلا بعثنا رجلا لا ينكر خلعك. فقال على عليه السلام يا احنف إن الله غالب على أمره.

«بعث الصلتان اشعارا من الكوفة الى دومة الجندل»

قال نصر: و فشا أمر الاحنف و أبي موسى في الناس- إلى أن قال-: و بعث الصلتان العبدى و هو بالكوفة بابيات إلى دومة الجندل.

لعمرك لا القى مدى الدهر خالعا عليا بقول الأشعرى و لا عمرو
فان يحكما بالحق نقبله منهما و الا اثرناها كراغية البكر
و لسنا نقول الدهر ذاك اليهما و في ذاك لو قلناه قاصمة الظهر
و لكن نقول الأمر بالحق كله‏ اليه و في كفيه عاقبة الأمر
و ما اليوم إلا مثل أمس و اننا لفي رهق الضحضاح او لجة الأمر

فلما سمع الناس قول الصلتان شحذهم ذلك على أبي موسى و استبطأه القوم و ظنوا به الظنون و اطبق الرجلان بدومة الجندل لا يقولان شيئا.

«قصة سعد بن أبى وقاص و ابنه عمر»

قال نصر: و كان سعد بن أبي وقاص قد اعتزل عليا عليه السلام و معاوية فنزل على ماء لبني سليم بأرض الباديه يتشوف الأخبار و كان رجلا له بأس و رأى في قريش و لم يكن له في علي و لا معاوية هوى فأقبل راكب يوضع من بعيد فاذا هو بابنه عمر ابن سعد فقال يا أبي التقى الناس بصفين فكان بينهم ما قد بلغك حتى تفانوا ثم حكموا الحكمين عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص و قد حضر ناس من قريش عندهما و أنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و من أهل الشورى و من قال له رسول الله صلى الله عليه و آله: اتقوا دعواته و لم تدخل في شي‏ء مما تكن هذه الامة فاحضر دومة الجندل فانك صاحبها غدا، فقال مهلا يا عمر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول يكون من بعدى فتنة خير الناس فيها الخفى التقى، و هذا الأمر لم أشهد أوله و لن أشهد آخره و لو كنت غامسا يدي في هذا الأمر غمستها مع علي. قد رأيت القوم حملوني على حد السيف فاخترته على النار فأقم عند أبيك ليلتك هذه، فراجعه عمر حتى طمع في الشيخ فلما جنه الليل رفع صوته ليسمع أبوه فقال:

دعوت أباك اليوم و الله للذى‏ دعاني اليه القوم و الأمر مقبل‏
فقلت لهم للموت أهون جرعة من النار فاستبقوا اخاكم او اقتلوا
فكفوا و قالوا ان سعد بن مالك‏ مزخرف جهل و المجهل أجهل‏
فلما رأيت الأمر قد جد جده‏ و كاشفنا يوم أغر مخجل‏
هربت بديني و الحوادث جمة و في الأرض أمن واسع و معول‏
فقلت معاذ الله من شر فتنة لها آخر لا يستقال و أول‏
و لو كنت يوما لا محالة وافدا تبعت عليا و الهوى حيث يجعل‏
و لكنني زاولت نفسا شحيحة على دينها تأبي علي و تبخل‏
فاما ابن هند فالتراب بوجهه‏ و ان هواى عن هواه لأميل‏
فيا عمر ارجع بالنصيحة انني‏ سأصبر هذا العام و الصبر أجمل‏

فارتحل عمر و قد استبان له أمر أبيه.

أقول: عمر بن سعد هذا هو الذي اطاع أهل الشقاق و النفاق و حملة الاوزار المستوجبين النار و توازر على الحسين بن علي عليهما السلام في كربلاء و قد أخبر بذلك أمير المؤمنين علي عليه السلام كما ورد في غير واحد من الاخبار.

ففي الارشاد للمفيد و الاحتجاج للطبرسى رضوان الله عليهما عن زكريا بن يحيى القطان عن فضل بن زبير عن أبي الحكم قال سمعت مشيختنا و علماءنا يقولون خطب علي ابن أبي طالب عليه السلام فقال في خطبة: سلوني قبل أن تفقدوني فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مأئة و تهدى مأئة إلا نبأتكم بناعقها و سايقها إلى يوم القيامة فقام اليه رجل فقال أخبرني كم في رأسي و لحيتي من طاقة شعر فقال أمير المؤمنين عليه السلام و الله لقد حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه و آله بما سئلت عنه و أن علي كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك و على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يستفزك و أن في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله صلى الله عليه و آله و آية ذلك مصداق ما أخبرتك به و لولا أن الذى سئلت عنه يعسر برهانه لاخبرتك به، و لكن آية ذلك ما نبأت به من لعنتك و سخلك الملعون.

ثم قالا: و كان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا يحبو فلما كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان تولي قتله و كان الأمر كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.

ذلك الرجل السائل هو سعد بن أبي وقاص و ذلك السخل هو ابنه عمر كما صرح بهما في كثير من الأخبار.

«ارسال معاوية المغيرة بن شعبة الى دومة الجندل»

قال نصر: و قد كانت الاخبار أبطأت على معاوية فبعث إلى رجال من قريش‏ من الذين كرهوا ان يعينوه في حربه ان الحرب قد وضعت اوزارها و التقى هذان الرجلان بدومة الجندل فاقدموا علي فأتاه عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عمر و أبو الجهم بن حذيفة و عبد الرحمن بن الاسود بن يغوث الزهرى و عبد الله بن صفوان الجمحى و رجال من قريش و أتاه المغيرة بن شعبة و كان مقيما بالطائف لم يشهد صفين فقال: يا مغيرة ما ترى؟ قال: يا معاوية لو وسعنى أن أنصرك لنصرتك و لكن علي أن آتيك بأمر الرجلين فركب حتى اتى دومة الجندل فدخل على أبي موسى كانه زائر له. فقال يا با موسى ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره الدماء؟ قال اولئك خيار الناس خفت ظهورهم من دمائهم و خمصت بطونهم من أموالهم.

ثم أتى عمرا فقال: يا با عبد الله ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره هذه الدماء؟ قال اولئك شر الناس لم يعرفوا حقا و لم ينكروا باطلا، فرجع المغيرة إلى معاوية فقال له: قد ذقت الرجلين أما عبد الله بن قيس فخالع صاحبه و جاعلها الرجل لم يشهد هذا الأمر و هواه في عبد الله بن عمر، و أما عمرو فهو صاحبك الذي تعرف و قد ظن الناس انه يرومها لنفسه و انه لا يرى انك احق بهذا منه.

«ابتداء المكالمة و المشاجرة بين ابى موسى و عمرو بن العاص»

قال نصر: أقبل أبو موسى إلى عمرو فقال يا عمرو هل لك في أمر هو للامة صلاح و لصلحاء الناس رضا، نولى هذا الامر عبد الله بن عمر بن الخطاب الذى لم يدخل في شي‏ء من هذه الفتنة و لا هذه الفرقة؟ و عبد الله بن عمرو بن العاص و عبد الله بن الزبير قريبان يسمعان هذا الكلام، فقال عمرو: فأين أنت عن معاوية؟ فأبي عليه أبو موسى و شهدهم عبد الله بن هشام و عبد الرحمن بن يغوث و أبو الجهم بن حذيفة العدوى و المغيرة بن شعبه. فقال عمرو: أ لست تعلم أن عثمان قتل مظلوما؟ قال: بلى. قال:اشهدوا فما يمنعك يا با موسى من معاوية ولي عثمان و بيته في قريش ما قد علمت فان خشيت أن يقول الناس ولي معاوية و ليست له سابقة فان لك بذلك حجة تقول اني وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم الطالب بدمه الحسن السياسة الحسن التدبيرو هو أخو ام حبيبة ام المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه و آله و قد صحبه و هو أحد الصحابة ثم عرض له بالسلطان فقال ان هو ولى الأمر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط.

فقال أبو موسى: اتق الله يا عمرو أما ذكرك شرف معاوية فان هذا الأمر ليس على الشرف يولاه أهله و لو كان على الشرف كان أحق الناس بهذا الأمر أبرهة بن الصباح، إنما هو لأهل الدين و الفضل، مع اني لو كنت أعطيه أفضل قريش شرفا اعطيته علي بن أبي طالب، و أما قولك ان معاوية ولي عثمان فوله هذا الأمر فاني لم أكن اوليه معاوية و ادع المهاجرين الأولين، و أما تعريضك بالسلطان فو الله لو خرج لي من سلطانه ما وليته و لا كنت لأرتشي في الله و لكنك إن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب و في رواية اخرى: انه قال: و الله إن استطعت لأحيين اسم عمر ابن الخطاب.

فقال عمرو بن العاص: إن كنت تريد أن تبايع ابن عمر فما يمنعك من ابني و أنت تعرف فضله و صلاحه؟ قال: ان ابنك رجل صدق و لكنك قد غمسته في هذه الفتنة.

قال أبو موسى لعمرو: ان شئت ولينا هذا الأمر الطيب بن الطيب عبد الله بن عمر، فقال عمرو: إن هذا الامر لا يصلح له إلا رجل ضرس يأكل و يطعم و ان عبد الله ليس هناك و كان في أبي موسى غفلة. فقال ابن الزبير لابن عمر: اذهب إلى عمرو بن العاص فارشه. فقال عبد الله بن عمر: لا و الله ما ارشو عليها ابدا ما عشت و لكنه قال له ويلك يا ابن العاص ان العرب قد اسندت اليك أمرها بعد «ما ظ» تقارعت بالسيوف و تشاجرت بالرماح فلا تردهم في فتنة و اتق الله.

«ما أوصى به أمير المؤمنين على (ع) الى عمرو بن العاص»

نصر قال عمر عن أبي زهير العبسى عن النضر بن صالح قال كنت مع شريح ابن هاني في غزوة سجستان فحدثني ان عليا عليه السلام اوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص قال له قل لعمرو إن أنت لقيته إن عليا يقول لك:إن أفضل الخلق عند الله من كان العمل بالحق أحب اليه و ان نقصه، و إن أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل أحب اليه و ان زاده، و الله يا عمرو إنك لتعلم أين موضع الحق فلم تتجاهل أبأن اوتيت طمعا يسيرا؟ فكنت لله و لاوليائه عدوا فكان و الله ما اوتيت قد زال عنك فلا تكن للخائنين خصيما و لا للظالمين ظهيرا أما اني أعلم ان يومك الذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك و سوف تتمني أنك لم تظهر لمسلم عداوة و لم تأخذ على حكم رشوة.

قال شريح: فابلغته ذلك فتعمر وجه عمرو و قال و متى كنت أقبل مشورة على او انيب إلى أمره او اعتد برأيه فقلت و ما يمنعك يا ابن النابغة ان تقبل من مولاك و سيد المسلمين بعد نبيهم صلى الله عليه و آله مشورته لقد كان من هو خير منك أبو بكر و عمر يستشير انه و يعملان برأيه، فقال إن مثلى لا يكلم إلا مثلك فقلت بأى أبويك ترغب عن كلامى بأبيك الوسيط أم بامك النابغة؟ فقام من مكانه و قمت.

«روغان عمرو بن العاص و مكره فى خلع أمير المؤمنين على (ع) و نصب معاوية و اغترار أبى موسى»

قال نصر: قال عمر بن سعد قال حدثني أبو خباب الكلبي إن عمرا و أبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدم عبد الله بن قيس في الكلام و يقول انك قد صحبت رسول الله صلى الله عليه و آله قبلي و أنت أكبر مني فتكلم ثم أتكلم و كان عمرو قد أعد أبا موسى يقدمه في كل شي‏ء و انما اغتره بذلك ليقدمه فيبد أ بخلع علي عليه السلام فنظرا في أمرهما و ما اجتمعا عليه فاراده عمرو على معاوية فأبى و اراده على ابنه فابى، و اراده أبو موسى على عبد الله بن عمر فأبى عليه عمرو، قال فاخبرني ما رأيك يا با موسى؟

قال رأيى أن اخلع هذين الرجلين عليا و معاوية ثم نجعل هذا الامر شورى بين المسلمين يختارونه لانفسهم من شاءوا و من أحبوا، فقال له عمرو: الرأى ما رأيت، و قال عمرو يا با موسى انه ليس أهل العراق باوثق بك من أهل الشام لغضبك لعثمان و بغضك للفرقة و قد عرفت حال معاوية في قريش و شرفه فى عبد مناف و هو ابن هند و ابن أبى سفيان فما ترى؟ قال أرى خيرا أما ثقة أهل الشام بي فكيف يكون ذلك‏

و قد سرت اليهم مع على و أما غضبى لعثمان فلو شهدته لنصرته و أما بغضى للفتن فقبح الله الفتن و أما معاوية فليس باشرف من على و باعده أبو موسى فرجع عمرو مغموما فخرج عمرو و معه ابن عم له غلام شاب و هو يقول:

يا عمرو انك للامور مجرب‏ فارفق و لا تقذف برأيك أجمع‏
و استبق منه ما استطعت فانه‏ لا خير فى رأى إذا لم ينفع‏
و اخلع معاوية بن حرب خدعة يخلع عليا ساعة و تصنع‏
و اجعله قبلك ثم قل من بعده‏ اذهب فمالك فى ابن هند مطمع‏
تلك الخديعة ان اردت خداعه‏ و الراقصات إلى منى خذ أودع‏

فافترصها عمرو و قال يا با موسى ما رأيك؟ قال رايى أن أخلع هذين الرجلين ثم يختار الناس لأنفسهم من أحبوا فأقبلا إلى الناس و هم مجتمعون، فتكلم أبو موسى فحمد الله و اثنى عليه فقال: إن رأيى و رأى عمرو قد اتفق على امر نرجو ان يصلح الله به أمر هذه الامة قال عمرو صدق، ثم قال يابا موسى فتكلم فتقدم أبو موسى ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال ويحك و الله انى لاظنه قد خدعك ان كنتما قد اتفقتما على امر فقدمه قبلك فيتكلم بذلك الامر قبلك ثم تكلم أنت بعده فان عمرا رجل غدار و لا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك و بينه فاذا قمت به فى الناس خالفك و كان أبو موسى رجلا مغفلا فقال: إنا قد اتفقنا فتقدم أبو موسى فحمد الله و اثنى عليه ثم قال:

يا أيها الناس انا قد نظرنا فى أمر هذه الامة فلم نر شيئا هو اصلح لأمر هؤلاء و ألم لشعثها ان لا امورها «كذا» و قد اجمع رأيى و رأى صاحبى عمرو على خلع على و معاوية و نستقبل هذا الامر فيكون شورى بين المسلمين فيولون امورهم من أحبوا و انى قد خلعت عليا و معاوية فاستقبلوا أمركم و ولوا من رأيتم لها أهلا ثم تنحى فقعد.

و قام عمرو بن العاص مقامه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال إن هذا قال قد سمعتم و خلع صاحبه و أنا أخلع صاحبه كما خلعه و اثبت صاحبى معاوية فانه ولى عثمان‏ و الطالب بدمه و أحق الناس بمقامه فقال له أبو موسى مالك لا وفقك الله قد غدرت و فجرت و إنما مثلك مثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث إلى آخر الاية فقال له عمرو انما مثلك مثل الحمار يحمل أسفارا إلى آخر الاية، و حمل شريح بن هانى على عمرو فقنعه بالسوط و حمل على شريح ابن لعمرو فقربه بالسوط و قام الناس فحجزوا بينهم فكان شريح يقول بعد ذلك ما ندمت على شي‏ء ندامتى ان لا ضربته بالسيف بدل السوط اتى الدهر بما أتى به، و التمس أصحاب على أبا موسى فركب ناقته فلحق بمكة فكان ابن عباس يقول: قبح الله أبا موسى حذرته و أمرته بالرأى فما عقل و كان أبو موسى يقول قد حذرنى ابن عباس غدرة الفاسق و لكن اطمأننت إليه و ظننت انه لن يؤثر شيئا على نصيحة الامة، ثم انصرف عمرو و أهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة و رجع ابن عباس و شريح بن هانى إلى علي عليه السلام، و قال أصحاب على عليه السلام و انا اليوم لعلى عليه السلام ما كنا عليه أمس.

و فى الامامة و السياسة للدينوري بعد نقل طائفة مما قال عمرو لأبى موسى قال عمرو له: فهل لك ان تخلعهما جميعا و تجعل الامر لعبد الله بن عمر، فقد صحب رسول الله صلى الله عليه و آله و لم يبسط فى هذه الحرب يدا و لا لسانا و قد علمت من هو مع فضله و زهده و ورعه و علمه؟

فقال أبو موسى: جزاك الله بنصيحتك خيرا و كان أبو موسى لا يعدل بعبد الله بن عمر أحدا لمكانه من رسول الله صلى الله عليه و آله و مكانه من أبيه لفضل عبد الله فى نفسه و افترقا على هذا و اجتمع رأيهما على ذلك.

ثم إن عمرا غدا على أبى موسى بالغد و جماعة الشهود فقال يا أبا موسى ناشدتك الله تعالى من أحق بهذا الامر من أوفى أو من غدر؟ قال أبو موسى: من أوفى قال عمرو: يا أبا موسى نشدتك الله تعالى ما تقول فى عثمان؟ قال أبو موسى: قتل مظلوما، قال عمرو: فما الحكم فيمن قتل؟ قال أبو موسى: يقتل بكتاب الله تعالى قال فمن يقتله؟ قال: أولياء عثمان، قال فان الله يقول فى كتابه العزيز و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا قال فهل تعلم أن معاوية من أولياء عثمان؟ قال:نعم قال عمرو للقوم: اشهدوا قال أبو موسى للقوم: اشهدوا على ما يقول عمرو.

ثم قال أبو موسى لعمرو: ثم يا عمرو فقل و صرح بما اجتمع عليه رأيى و رأيك و ما اتفقنا عليه فقال عمرو: سبحان الله أقوم قبلك و قد قدمك الله قبلي في الايمان و الهجرة و أنت وافد أهل اليمن إلى رسول الله و وافد رسول الله إليهم و بك هداهم الله و عرفهم شرائع دينه و سنة نبيه و صاحب مغانم أبي بكر و عمر و لكن قم أنت فقل ثم أقول فأقول فقام أبو موسى فحمد الله و أثنى عليه ثم قال ايها الناس ان خير الناس للناس خيرهم لنفسه و اني لا أهلك ديني بصلاح غيرى و ان هذه الفتنة قد أكلت العرب و انى رأيت و عمرا أن نخلع عليا و معاوية و نجعلهما لعبد الله بن عمر فانه لم يبسط في هذه الحرب يدا و لا لسانا.

ثم قام عمرو فقال أيها الناس هذا أبو موسى شيخ المسلمين و حكم أهل العراق و من لا يبيع الدين بالدنيا و قد خلع عليا و اثبت معاوية فقال أبو موسى مالك؟ عليك لعنة الله ما أنت إلا كمثل الكلب تلهث، فقال عمرو لكنك مثل الحمار يحمل اسفارا، و اختلط الناس فقالوا و الله لو اجتمعنا على هذا ما حولتمانا عما نحن عليه و ما صلحكما بلازمنا و إنا اليوم على ما كنا عليه أمس و لقد كنا ننظر إلى هذا قبل أن يقع و ما أمات قولكما حقا و لا احيى باطلا.

ثم تشاتم أبو موسى و عمرو ثم انصرف عمرو إلى معاوية و لحق أبو موسى بمكة و انصرف القوم إلى علي فقال عدي: اما و الله يا أمير المؤمنين لقد قدمت القرآن و أخرت الرجال و جعلت الحكم لله فقال علي أما اني قد أخبرتكم أن هذا يكون بالأمس و جهدت أن تبعثوا غير أبي موسى فأبيتم على و لا سبيل إلى حرب القوم حتى تنقضى المدة.

ثم إن قضية أبي موسى و عمرو في ذلك نقلت بوجوه اخرى أيضا منها ما في مروج الذهب للمسعودي- إلى أن قال:- فقام أبو موسى فحمد الله و أثنى عليه و صلى على نبيه صلى الله عليه و سلم ثم قال أيها الناس انا قد نظرنا في أمرنا فرأينا أقرب ما يحضرنا من الامن و الصلاح و لم الشعث و حقن الدماء و جمع الالفة خلعنا عليا و معاوية و قد خلعت عليا كما خلعت عمامتى هذه و أهوى إلى عمامته فخلعها و استخلفا رجلا قد صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه و صحب أبوه النبي فبرز في سابقته و هو عبد الله بن عمر، و اطراه و رغب الناس فيه و نزل، فقام عمرو فحمد الله و اثنى عليه و صلى على رسول الله صلى الله عليه و آله ثم قال: أيها الناس ان أبا موسى عبد الله بن قيس خلع عليا و اخرجه من هذا الامر الذى يطلب و هو أعلم به ألا و إني خلعت عليا معه و اثبت معاوية علي و عليكم و أن أبا موسى قد كتب في الصحيفة ان عثمان قد قتل مظلوما شهيدا و ان لوليه أن يطلب بدمه حيث كان و قد صحب معاوية رسول الله صلى الله عليه و آله بنفسه و صحب أبوه النبي صلى الله عليه و آله و اطراه و رغب الناس فيه و قال هو الخليفة علينا و له طاعتنا و بيعتنا على الطلب بدم عثمان، فقال أبو موسى كذب عمرو لم نستخلف معاوية و لكنا خلعنا معاوية و عليا معا فقال عمرو: بل كذب عبد الله بن قيس قد خلع عليا و لم يخلع معاوية.

و منها ما أتى به الميبدي في شرح الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام عند قوله:

لقد عجزت عجز من لا يقتدر سوف اكيس بعدها و أستمر
أرفع من ذيلي ما كان يجر قد يجمع الامر الشتيت المنتشر

فقام أبو موسى و قال و قد خلعت عليا كما خلعت خاتمي هذا من يدي ثم قام عمرو و قد خلع خاتمه من يده قبل فقال أيها الناس اني اثبت معاوية علي و عليكم كما وضعت خاتمي هذا في يدي ثم تشاتم أبو موسى و عمرو و لحق أبو موسى بمكة و لم يعد إلى الكوفة و قد كانت خطته و أهله و ولده بها و آلى أن لا ينظر إلى وجه علي عليه السلام ما بقي.

قال نصر: فتشاتم عمرو و أبو موسى من ليلته فاذا ابن عم لابي موسى يقول:

أبا موسى بليت فكنت شيخا قريب القعر مدهوش الجنان‏
رمى عمرو صفاتك يا ابن قيس‏ بأمر لا تنوء به اليدان‏
و قد كنا نحمجم عن ظنون‏ فصرحت الظنون عن العيان‏
فعض الكف من ندم و ما ذا يرد عليك عضك بالبنان‏

و شمت أهل الشام بأهل العراق و قال أبو موسى انما كان غدرا من عمرو.

قال نصر: و كان علي عليه السلام إذا صلى الغداة و المغرب و فرغ من الصلاة يقول اللهم العن معاوية و عمرا و أبا موسى و حبيب بن مسلمة و الضحاك بن قيس و الوليد ابن عقبة و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن عليا و ابن عباس و قيس بن سعد و الحسن و الحسين، و في نقل آخر لما اقنت علي عليه السلام على خمسة و لعنهم و هم معاوية و عمرو بن العاص و ابو الاعور السلمى و حبيب بن مسلمة و بسر بن ارطاة، اقنت معاوية على خمسة و هم علي و الحسن و الحسين و عبد الله بن العباس و الاشتر و لعنهم.

أقول: بسر بن ارطاة هو الذي بعثه معاوية إلى اليمن في جيش كثيف و أمره أن يقتل كل من كان في طاعة علي عليه السلام فقتل خلقا كثيرا و قتل فيمن قتل ابني عبد الله بن العباس بن عبد المطلب و كانا غلامين صغيرين، و فعل بسر في الحجاز و اليمن بأمر معاوية ما فعل، و بسر هذا تفوه به أمير المؤمنين علي عليه السلام في الخطبة الخامسة و العشرين حيث قال عليه السلام: انبئت بسرا قد اطلع اليمن، إلى آخرها.

و دعا أمير المؤمنين علي عليه السلام على بسر هذا فقال عليه السلام: اللهم ان بسرا باع دينه بالدنيا و انتهك محارمك و كانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده مما عندك فلا تمته حتى تسلبه عقله و لا توجب له رحمتك و لا ساعة من نهار اللهم العن بسرا و عمرا و معاوية و ليحل عليهم غضبك و لتنزل بهم نقمتك و ليصبهم بأسك و زجرك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.

فلم يلبث بسر بعد ذلك إلا يسيرا حتى وسوس و ذهب عقله فكان يهدى بالسيف و يقول اعطوني سيفا أقتل به لا يزال يردد ذلك حتى اتخذ له سيف من خشب و كانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتى يغشى عليه فلبث كذلك إلى أن مات، رواه أبو الحسن المدائني كما في الجزء الثاني من شرح الشارح المعتزلي.

و قريب من ذلك رواه أبو جعفر الطبري في تاريخه و غيره من نقلة الأخبار و الاثار عن حسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام من انه بعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج‏ على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء أن يسقوا منه قطرة و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث قال و نازله عبد الله بن أبي حصين الأزدي و عداده في بجيلة فقال يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء و الله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا فقال حسين عليه السلام اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا، قال قال حميد بن مسلم و الله لعدته بعد ذلك في مرضه فو الله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى بغر ثم يقى‏ء ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصته يعنى نفسه.

و روى أيضا في تاريخه: أن رجلا من بني تميم يقال له عبد الله بن حوزة جاء حتى وقف أمام الحسين عليه السلام فقال يا حسين يا حسين فقال حسين عليه السلام ما تشاء؟ قال ابشر بالنار قال كلا إني أقدم على رب رحيم و شفيع و مطاع من هذا؟ قال له أصحابه هذا ابن حوزة قال رب حزه إلى النار قال فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه و تعلقت رجله بالركاب و وقع رأسه في الأرض و نفر الفرس فأخذه يمر به فيضرب برأسه كل حجر و كل شجرة حتى مات.

و روى أيضا في تاريخه: و مكث الحسين طويلا من النهار كلما انتهى إليه رجلا من كندة يقال له مالك بن النسير من بنى بداء أتاه فضربه على رأسه بالسيف و عليه برنس له فقطع البرنس و اصاب السيف رأسه فادمى رأسه فامتلأ البرنس دما فقال له الحسين عليه السلام لا أكلت بها و لا شربت و حشرك الله مع الظالمين- إلى أن قال- فذكر أصحاب الكندى انه لم يزل فقيرا بشر حتى مات.

و نظائر هذه مما صدر من حجج الله و رسله سيما من خاتم النبيين و آله الطاهرين من خوارق العادت كثيرة جدا نقلت في كتب الفريقين بعضها بلغ إلى حد التواتر و بعضها إلى حد الشهرة.

و ليعلم أن أهل الله لو تفوهوا بالدعاء لقوم أو عليهم لأثر ذلك عاجلا لأنهم بلغوا في اتصافهم بالصفات الملكوتية و تخلقهم بالاخلاق الالهية و تقربهم إلى المبادي العالية سيما إلى مبدء المبادى و علة العلل الله عز و جل إلى مرتبة منيعة و درجة رفيعة حيث لا فرق بينهم و بين حبيبهم في صدور كثير من الافعال عنهم كما ورد في الحديث القدسي: عبدى أطعنى حتى أجعلك مثلى، و في الحديث النبوى العبودية جوهرة كنهها الربوبية، و تأثير القوى النفسانية يصير إلى حد معجب لمن كان بمعزل عن العلم بأسرار النفس و نعم ما قال العارف السعدى:

حكايت كنند از بزرگان دين‏ حقيقت شناسان عين اليقين‏
كه صاحبدلى بر پلنگى نشست‏ همى راند هموار و مارى بدست‏
يكى گفتش اى مرد راه خداى‏ بدين ره كه رفتى مرا ره نماى‏
چه كردى كه درنده رام تو شد نگين سعادت بنام تو شد
بگفت ار پلنگم زبونست و مار و گر پيل و كركس شگفتى مدار
تو هم گردن از حكم داور مپيچ‏ كه گردن نپيچد ز حكم تو هيچ‏
چو حاكم بفرمان داور بود خدايش نگهبان و ياور بود
محالست چون دوست دارد ترا كه در دست دشمن گذارد ترا
يكى ديدم از عرصه رود بار كه پيش آمدم بر پلنگى سوار
چنان هول از اين حال بر من نشست‏ كه ترسيدنم پاى رفتن ببست‏
تبسم كنان دست بر لب گرفت‏ كه سعدى مدار آنچه ديدى شگفت‏
ره اينست رو از حقيقت متاب‏ بنه گام و كامى كه دارى بياب‏

ثم ان ظهور الاثار الغريبة اثر تكويني لهذه الجوهرة النفيسة القدسية فيعم الكل و كلما كانت اقوى كان فعلها أشد سيما إذا كان حجة الله على عباده من نبي أو وصي فانهم بسبب شدة انسلاخهم عن النواسيت الانسانية تدوم عليهم الاشراقات العلوية بسبب الاستضاءة بضوء القدس و الالف بسناء المجد فتطيعهم مادة الكائنات القابلة للصور المفارقة باذن الله تعالى فيتأثر المواد عن أنفسهم كما يتأثر أبدانهم عنها فلهذا يكون دعاؤهم مسموعا في العالم الاعلى و القضاء السابق و يتمكن في انفسهم نور خلاق به يقدرون على الأشياء التي يعجز عنها غيرهم قال عز من قائل في الكتاب الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه خطابا لعيسى بن مريم عليهما السلام «و إذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني و تبرى‏ء الاكمه‏ و الأبرص باذني و إذ تخرج الموتى باذني».

و قال الشيخ الرئيس في النمط العاشر من الاشارات: إذا بلغك أن عارفا أطاق بقوته فعلا أو تحريكا أو حركة تخرج عن وسع مثله فلا تتلقه بكل ذلك الاستنكار فقد تجد إلى سببه سبيلا في اعتبارك مذاهب الطبيعة.

و قال المحقق الطوسى في شرحه: ثم لما كان فرح العارف ببهجة الحق اعظم من فرح غيره بغيرها و كانت الحالة التي يعرض له و تحركه اغترارا بالحق أو حمية الهية أشد مما يكون لغيره كان اقتداره على حركة لا يقدر غيره عليها أمرا ممكنا و من ذلك تبين معنى الكلام المنسوب إلى علي عليه الصلاة و السلام: و الله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية و لكن قلعته بقوة ربانية.

و قال القوشجي في شرح التجريد: و عجز عن اعادته سبعون رجلا من الأقوياء.

و ايضا قال الفاضل القوشجي في شرح التجريد لمصنفه نصير الدين الطوسي في المقصد الخامس من كتابه في الامامة عند قوله في عد فضائل أمير المؤمنين على عليه السلام و رفع الصخرة العظيمة عن القليب: روى انه لما توجه إلى صفين مع أصحابه اصابهم عطش عظيم فأمرهم أن يحفروا بقرب دير فوجدوا صخرة عظيمة عجزوا عن نقلها فنزل على عليه السلام فأقلعها و رمى بها مسافة بعيدة فظهر قليب فيه ماء فشربوا عنها ثم اعادها و لما رأى ذلك صاحب الدير أسلم.

و قال العلامة الحلى فى شرحه المسمى بكشف المراد بعد قوله فنزل صاحب الدير و اسلم: فسئل عنه ذلك فقال بنى هذا الدير على قالع هذه الصخرة و مضى من قبلى و لم يدركوه.

و قال الشيخ المقتول فى التلويحات: قد يحركون أجساما يعجز عن تحريكها النوع و نعلم اننا إذا كنا على طرب و هزة نعمل ما نتقاصر عن عشرة حتى زالت عنا فما ظنك بنفس طربت باهتزاز علوى و استضاءت بنور ربها فحركت ما عجز عنه النوع و قد اتصلت على الافق المبين بذى قوة عند ذى العرش مكين مطاع ثم امين.

ثم إن سفراء الله و حججه على خلقه لصفاء جوهر نفوسهم القدسية و شدة صقالتها و نورانيتها الموصل لها إلى المبادى العالية و شدة الالتصاق بها من غير كسب و تعلم قدروا على الاطلاع على الامور الغائبة من غير كسب و فكر.

قال الشيخ الرئيس فى النمط العاشر من الاشارات: إذا بلغك أن عارفا حدث عن غيب فأصاب متقدما ببشرى أو نذير فصدق و لا يتعسرن عليك الايمان به فان لذلك فى مذاهب الطبيعة اسبابا معلومة.

و ما يناسب المقام من الحديث عن غيب عن أمير المؤمنين و رئيس الموحدين و قدوة العارفين على بن أبي طالب عليه السلام ما أتى به نصر بن المزاحم المنقرى فى كتاب صفين قال: حدثنى مصعب بن سلم قال أبو حيان التميمى عن أبى عبيدة عن هرثمة بن سليم قال: غزونا مع على بن أبي طالب غزوة صفين فلما نزلنا بكربلا صلى بنا صلاة فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال و اهالك أيتها الرتبة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته و هى جرداء بنت سمير و كانت شيعة لعلي فقال لها زوجها هرثمة الا اعجبك من صديقك أبى الحسن لما نزلنا بكربلا رفع إليه من تربتها فشمها و قال و اهالك يا تربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب و ما علمه بالغيب فقالت له دعنا منك أيها الرجل فان أمير المؤمنين عليه السلام لم يقل الاحقا، فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذى بعثه إلى الحسين بن علي و أصحابه قال كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم فلما انتهيت إلى القوم و حسين و أصحابه عرفت المنزل الذى نزل بنا علي عليه السلام فيه و البقعة التي رفع إليه من ترابها و القول الذى قاله فكرهت مسيرى فأقبلت على فرسى حتى وقفت على الحسين فسلمت عليه و حدثته بالذى سمعت من أبيه في هذا المنزل فقال الحسين عليه السلام معنا أنت أو علينا؟ فقلت يا ابن رسول الله لا معك و لا عليك تركت أهلي و ولدى أخاف عليهم من ابن زياد فقال الحسين عليه السلام فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا و الذى نفس حسين بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل و لا يغيثنا إلا أدخله الله النار قال: فأقبلت في الارض هاربا حتى خفى على مقتله.

نصر عن مصعب بن سلام قال حدثنا الاجلح بن عبد الله الكندى عن أبي جحيفة قال جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب فسأله و أنا اسمع فقال حديث حدثنيه عن علي بن أبي طالب قال نعم بعثني مخنف بن سليم إلى على فأتيته بكربلاء فوجدته يشير بيده و يقول ههنا فقال له رجل و ما ذلك يا أمير المؤمنين قال ثقل لان محمد ينزل ههنا (كذا) فويل لهم منكم و ويل لكم منهم فقال له الرجل ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال ويل لهم منكم تقتلونهم و ويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.

ثم قال و قد روى هذا الكلام على وجه آخر انه عليه السلام قال فويل لكم عليهم قال الرجل أما ويل لنا منهم فقد عرفت و ويل لنا عليهم ما هو؟ قال ترونهم يقتلون و لا تستطيعون نصرهم.

نصر عن سعيد بن حكيم العبسى عن الحسن بن كثير عن أبيه أن عليا أتى كربلا فوقف بها فقيل يا أمير المؤمنين هذه كربلا قال ذات كرب و بلاء ثم أومأ بيده إلى مكان فقال:ههنا موضع رحالهم و مناخ ركابهم، و أوما بيده إلى موضع آخر فقال ههنا مهراق دمائهم.

و كذا ذكره المفيد في الارشاد و قال: و من اخباره عليه السلام عن الغيب ما رواه عثمان ابن عيسى العامرى عن جابر بن الحر عن جويرية بن مسهر الفهدى قال لما توجهنا مع أمير المؤمنين عليه السلام إلى صفين فبلغنا طفوف كربلاء وقف ناحية من المعسكر ثم نظر يمينا و شمالا و استعبر ثم قال: هذا و الله مباح ركابهم و موضع منيتهم فقيل له يا أمير المؤمنين ما هذا الموضع؟ فقال هذا كربلاء يقتل فيه قوم يدخلون الجنة بغير حساب ثم سار و كان الناس لا يعرفون تأويل ما قال حتى كان من امر الحسين بن على عليهما السلام و أصحابه بالطف ما كان فعرف حينئذ من سمع كلامه مصداق الخبر فيما أنبأهم به.

و الأحاديث فى اخبارهم عن الغيب مستفيضة بل بلغ كثير منها إلى حد التواتر و من ذلك اخبار رسول الله صلى الله عليه و آله عن قتل عمار رضوان الله عليه و نظائره كثيرة جدا و ان وفقنا الله تعالى لنورد البحث عن ذلك مفصلا فى المقام المناسب له، فلنعدالان إلى ما كنا فيه.

و فى شرح الشارح المعتزلي: ذكر أبو أحمد العسكرى في كتاب الامالى ان سعد بن أبى وقاص دخل على معاوية عام الجماعة فلم يسلم عليه بامرة المؤمنين فقال له معاوية لو شئت أن تقول في سلامك غير هذا لقلت، فقال سعد نحن المؤمنون و لم نؤمرك كانك قد بهجت بما أنت فيه يا معاوية و الله ما يسرني ما أنت فيه و انى هرقت محجمة دم، قال لكني و ابن عمك عليا يا ابا إسحاق قد هرقنا أكثر من محجمة و محجمتين هلم فاجلس معى على السرير فجلس معه فذكر له معاوية اعتزاله الحرب يعاتبه فقال سعد انما كان مثلى و مثل الناس كقوم اصابتهم ظلمة فقال واحد منهم لبعيره اخ فاناخ حتى أضاء له الطريق فقال معاوية و الله يا أبا إسحاق ما فى كتاب الله اخ و انما فيه «و ان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغى حتى يفى‏ء إلى أمر الله» فو الله ما قاتلت الباغية و لا المبغى عليها فافحمه. قال: و زاد ابن ديزيل فى هذا الخبر زيادة ذكرها فى كتاب صفين قال فقال سعد أ تأمرني أن اقاتل رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه و آله أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبى بعدى؟ فقال معاوية من سمع هذا معك؟ قال فلان و فلان و ام سلمة فقال معاوية لو كنت سمعت هذا لما قاتلته.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

 

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.