خطبه 236 شرح ابن میثم بحرانی

و من كلام له عليه السّلام
اقتص فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثم لحاقه به فَجَعَلْتُ أَتْبَعُ مَأْخَذَ رَسُولِ اللَّهِ ص- فَأَطَأُ ذِكْرَهُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْعَرَجِ- فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ قال الشريف: قوله عليه السّلام «فأطأ ذكره» من الكلام الذى رمى به إلى غايتى الإيجاز و الفصاحة، أراد إنى كنت أعطى خبره، صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من بدء خروجى إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع، فكنى عن ذلك بهذه الكناية العجيبة.

المعنى

أقول: هذا الفصل من كلام يحكى فيه عليه السّلام ما كان جرى من حاله في خروجه من مكّة إلى المدينة بعد أن هاجر إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و ذلك أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا عزم على الهجرة أعلم عليّا عليه السّلام بخروجه و أمره أن يبيت على فراشه خدعة للمشركين الّذين كانوا عزموا على قتله في تلك الليلة و ايهاما لهم أنّه لم يبرح فلا- يطلبونه حتّى يبعد مسافته عنهم، و أن يتخلّف بعده بمكّة حتّي يؤدّى عنه الودايع الّتي كانت عنده للناس فإنّ جماعة من أهل مكّة استودعوه ودائع لما رأوا من أمانته.
و كانوا قد أجمعوا على أن يضربوه بأسيافهم من أيدى جماعة من بطون مختلفة ليضيّع دمه بين بطون قريش فلا يطلبه بنو عبد مناف. و كان ممّن أجمع على ذلك النضر بن الحرث من بنى عبد الدار، و أبو البخترى بن هشام، و حكيم بن حزام، و زمعة بن الأسود بن عبد المطّلب- الثلاثة من بنى أسد بن عبد العزّى- و أبو جهل بن هشام، و أخوه الحرث، و خالد بن الوليد بن المغيرة- و الثلاثة من بنى مخزوم- و بنية و منية ابنا الحجّاج، و عمرو بن العاص- و الثلاثة من بنى سهم- و اميّة بن خلف، و أخوه‏ ابّى من بنى جمح. فنما هذا الخبر من اللّيل إلى عتبة بن ربيعة فلقى قوما منهم و نهاهم عن ذلك و قال إنّ بنى عبد مناف لا تسكت عن دمه و لكن صفّدوه في الحديد و احبسوه في دار من دوركم و تربّصوا به أن يصيبه من الموت ما أصاب أمثاله من الشعراء. و كان عتبة بن ربيعة سيّد بنى عبد شمس فأحجم أبو جهل و أصحابه تلك الليلة عن قتله إحجاما ثمّ تسوّروا عليه و هم يظنّونه في الدار فرأوا إنسانا مسجّى بالبرد الحضرمىّ فلم يشكّوا أنّه هو فكانوا يهمّون بقتله ثمّ يحجمون لما يريد اللّه من سلامة عليّ عليه السّلام. ثمّ قال بعضهم لبعض: ارموه بالحجارة. فرموه فجعل علىّ يتصوّر منها و يتأوّه تأوّها خفيّا و لا يعلمهم بحاله خوفا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يطلب فيدرك. فلم يزالوا حتّى الصباح فوجدوه عليّا، ثمّ تخلّف عنه عليه السّلام بمكة لقضاء ما أمره به. ثمّ لحق به فجاء إلى المدينة راجلا قد تورّمت قدماه و تصادف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نازلا بقبا على كلثوم بن المقدم فنزل معه في منزله. ثمّ خرج معه من قبا حتّى نزلا بالمدينة على أبي أيّوب الأنصاري.
قوله: فجعلت أتّبع مأخذ رسول اللّه. أى الجهة و الطريق الّتي أخذ فيها و سار حتّى انتهيت إلى الموضع المعروف بالعرج.
و قوله: فأطأ ذكره. استعار وصف الوطى‏ء لوقوع ذهنه على ذكره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خبره من الناس في تلك الطريق كوقوع القدم على الأرض، و وجه المشابهة أنّ الخبر عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذكره طريق حركات قدم عقله إلى معرفة حسّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما أنّ المحسوس طريق لحركات قدمه إلى الوصول إليه. و قيل: أراد بذكره ما ذكره لى و وصفه من حال الطريق.
و الأوّل أسبق إلى الفهم. و باللّه التوفيق.

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏ميثم بحرانی)، ج 4 ، صفحه‏ى 324

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.