خطبه 187 شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبة له عليه السّلام

بَعَثَهُ حِينَ لَا عَلَمٌ قَائِمٌ- وَ لَا مَنَارٌ سَاطِعٌ وَ لَا مَنْهَجٌ وَاضِحٌ أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ- وَ أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا دَارُ شُخُوصٍ- وَ مَحَلَّةُ تَنْغِيصٍ سَاكِنُهَا ظَاعِنٌ وَ قَاطِنُهَا بَائِنٌ- تَمِيدُ بِأَهْلِهَا مَيَدَانَ السَّفِينَةِ- تَقْصِفُهَا الْعَوَاصِفُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ- فَمِنْهُمُ الْغَرِقُ الْوَبِقُ وَ مِنْهُمُ النَّاجِي عَلَى بُطُونِ الْأَمْوَاجِ- تَحْفِزُهُ الرِّيَاحُ بِأَذْيَالِهَا وَ تَحْمِلُهُ عَلَى أَهْوَالِهَا- فَمَا غَرِقَ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَكٍ وَ مَا نَجَا مِنْهَا فَإِلَى مَهْلَكٍ- عِبَادَ اللَّهِ الْآنَ فَاعْلَمُوا وَ الْأَلْسُنُ مُطْلَقَةٌ- وَ الْأَبْدَانُ صَحِيحَةٌ وَ الْأَعْضَاءُ لَدْنَةٌ- وَ الْمُنْقَلَبُ فَسِيحٌ وَ الْمَجَالُ عَرِيضٌ- قَبْلَ إِرْهَاقِ الْفَوْتِ وَ حُلُولِ الْمَوْتِ- فَحَقِّقُوا عَلَيْكُمْ نُزُولَهُ وَ لَا تَنْتَظِرُوا قُدُومَهُ

اللغة

أقول: الساطع: المرتفع.

و الوبق: الهالك.

و اللدن: الناعم: و الإرهاق: الإلحاق.

 

المعنى

و قد ذكر البعثة حين ظهور الأحوال الّتي كان العالم عليها تنبيها على فضلها و فضيلة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم.
فقوله: حيث لا علم قائم. استعار لفظ العلم و المنار للهداة إلى اللّه الداعين إليه، و عدم قيامه و سطوعه لعدمهم زمان الفترة. و قوله: و لا منهج واضح. أى لا طريق إلى اللَّه خالص عن شوب الأباطيل يتّبع. ثمّ عقّب بالوصيّة بتقوى اللّه. ثمّ بالتحذير من الدنيا، و قرنها بذكر عيوبها للتنفير عنها. و كونها دار شخوص إشارة إلى ضرورة الارتحال عنها بالموت، و محلّة تنغيص: أى تنغيص لذّاتها بالآلام و الأمراض حتّى قيل: إنّ اللذّة فيها إنّما هي الخلاص عن الألم. و قوله: ساكنها ظاعن و قاطنها بائن. كالتفسير لقوله: دار شخوص. و قوله: تميد بأهلها إلى قوله: إلى مهلك. ضربه لها و لأحوال أهلها فيها. فمثّلها بالسفينة عند عصف الريح، و مثّل تصرّفاتها و تغيّراتها بميدان السفينة، و رميهم فيها بالأمراض و الحوادث الّتي هى مظنّة الهلاك بالأحوال الّتى يلحق أهل السفينة عند هبوب الريح العاصف حال كونها في لجج البحار، و مثّل انقسامهم عند بعض تلك الحوادث و نزولها بهم إلى ميّت لا يرجى له عودة و إلى مستدرك متفارط بانقسام ركّاب السفينة عند عصف الريح عليها إلى غريق هالك و إلى ناج، و مثّل الناجى من بعض الأمراض الّذي تأخّر موته إلى مرض آخر فلاقى من أهوال الدنيا في تلك المدّة ما لاقى ثمّ لحقه الموت بالأخرة بالناجى من الغرق الّذى تحمله الأمواج و تدفعه الرياح و يقاسى أهوال البحر و شدائده ثمّ بعد خلاصه منه لا بدّ له من وقت هو أجله و مرض هو المهلك: أى محلّ هلاكه. ثمّ أمر بالعمل و ذكر الأحوال الّتى يمكن فيها و معها العمل تنبيها على انتهاز الفرصة، و تلك الأحوال صحّة الألسن و إمكان ذكر اللّه و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و سائر التكاليف المتعلّقة بها، و كذلك صحّة الأبدان‏ و لدنة الأعضاء و مطاوعتها للعمل قبل يبسها بالسقم و الأمراض، و فسح المنقلب و هو محلّ التصرّف و التقلّب، و كنّى به عن وقت الصحّة و الشبيبة، و يقرب منه عرض المجال، و ذكر إرهاق الأجل و حلول الموت تحذيرا منه و جذبا إلى العمل لما بعده. ثمّ أمرهم أن يتحقّقوا نزوله قبل نزوله: أى يتذكّروه و يخطر ببالهم أنّه حقّ و يقدّروا أنّه واقع ليكون آكد في العمل. و لذلك قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: أكثروا من ذكر هادم اللذّات. و نهاهم عن انتظار قدومه لاستلزام انتظارهم له توهّمهم لبعده عنهم، و ذلك يوقعهم في التكاسل عن العمل. و باللّه التوفيق.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 3 ، صفحه‏ى 437

 

 

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.