
خطبه ۱۱۰ صبحی صالح
۱۱۰- و من خطبه له ( علیه السلام ) فی أرکان الدینالإسلام
إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى
الْإِیمَانُ بِهِ وَ بِرَسُولِهِ
وَ الْجِهَادُ فِی سَبِیلِهِ
فَإِنَّهُ ذِرْوَهُ الْإِسْلَامِ
وَ کَلِمَهُ الْإِخْلَاصِ
فَإِنَّهَا الْفِطْرَهُ
وَ إِقَامُ الصَّلَاهِ فَإِنَّهَا الْمِلَّهُ
وَ إِیتَاءُ الزَّکَاهِ فَإِنَّهَا فَرِیضَهٌ وَاجِبَهٌ
وَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّهٌ مِنَ الْعِقَابِ
وَ حَجُّ الْبَیْتِ وَ اعْتِمَارُهُ فَإِنَّهُمَا یَنْفِیَانِ الْفَقْرَ وَ یَرْحَضَانِ الذَّنْبَ
وَ صِلَهُ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا مَثْرَاهٌ فِی الْمَالِ
وَ مَنْسَأَهٌ فِی الْأَجَلِ
وَ صَدَقَهُ السِّرِّ فَإِنَّهَا تُکَفِّرُ الْخَطِیئَهَ
وَ صَدَقَهُ الْعَلَانِیَهِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِیتَهَ السُّوءِ
وَ صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهَا تَقِی مَصَارِعَ الْهَوَانِ
أَفِیضُوا فِی ذِکْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الذِّکْرِ
وَ ارْغَبُوا فِیمَا وَعَدَ الْمُتَّقِینَ
فَإِنَّ وَعْدَهُ أَصْدَقُ الْوَعْدِ
وَ اقْتَدُوا بِهَدْیِ نَبِیِّکُمْ
فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْهَدْیِ
وَ اسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فَإِنَّهَا أَهْدَى السُّنَنِ
فضل القرآن
وَ تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِیثِ
وَ تَفَقَّهُوا فِیهِ فَإِنَّهُ رَبِیعُ الْقُلُوبِ
وَ اسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ
وَ أَحْسِنُوا تِلَاوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَصِ
وَ إِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَیْرِ عِلْمِهِ کَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ الَّذِی لَا یَسْتَفِیقُ مِنْ جَهْلِهِ
بَلِ الْحُجَّهُ عَلَیْهِ أَعْظَمُ
وَ الْحَسْرَهُ لَهُ أَلْزَمُ
وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَلْوَمُ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۸-۷
و من خطبه له علیه السّلام و هى المأه و التاسعه من المختار فی باب الخطب
و هى ملتقطه من خطبه طویله معروفه بالدیباج رواها حسن بن على ابن شعبه فى تحف العقول حسبما تطلع علیه بعد شرح ما فى المتن و هو قوله:
إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى اللّه سبحانه الإیمان به و برسوله، و الجهاد فی سبیله، فإنّه ذروه الإسلام، و کلمه الإخلاص فإنّها الفطره، و إقام الصّلوه فانّها الملّه، و إیتاء الزّکوه فإنّها فریضه واجبه، و صوم شهر رمضان فإنّه جنّه من العقاب، و حجّ البیت و اعتماره فإنّهما ینفیان الفقر و یرحضان الذّنب، و صله الرّحم فإنّها مثراه فی المال و منسأه فی الأجل، و صدقه السّرّ فإنّها تکفّر الخطیئه، و صدقه العلانیه فإنّها تدفع میته السّوء، و صنایع المعروف فإنّها تقى مصارع الهوان. أفیضوا فی ذکر اللّه فإنّه أحسن الذکر، و ارغبوا فیما وعد المتّقین فإنّ وعده أصدق الوعد، و اقتدوا بهدى نبیّکم فإنّه أفضل الهدى، و استنّوا بسنّته فإنّها أهدى السّنن، و تعلّموا القرآن فإنّه أحسن الحدیث، و تفقّهوا فیه فإنّه ربیع القلوب، و استشفوا بنوره فإنّه شفاء الصّدور، و أحسنوا تلاوته فإنّه أنفع القصص، فإنّ العالم العامل بغیر علمه، کالجاهل الحائر الّذی لا یستفیق من جهله، بل الحجّه علیه أعظم، و الحسره له ألزم، و هو عند اللّه ألوم.
اللغه
(و سل) الى اللّه توسیلا عمل عملا تقرّب به اللّه کتوسّل و (الایمان) إفعال من الأمن الّذی هو خلاف الخوف ثمّ استعمل بمعنى التصدیق، فالهمزه فیه إمّا للصّیروره کان المصدق صار ذا أمن من أن یکون مکذّبا، أو للتعدیه کانّه جعل المصدّق هنا من التکذیب و المخالفه، و یعدى بالباء لاعتبار معنى الاقرار و الاعتراف کما فی عبارته، و نحوه قوله: یؤمنون بالغیب، و باللّام لاعتبار معنى الاذعان نحو قوله تعالى: و ما أنت بمؤمن لنا، و قد اجتمعا فی قوله تعالى: یؤمن باللّه و یؤمن للمؤمنین.
(ذروه) الشیء أعلاه و (الجنّه) بالضمّ کلّ ما وقى و (و اعتمر) الرّجل زار البیت و المعتمر الزائر و منه سمیّت العمره عمره لأنها زیاره البیت یقال اعتمر فهو معتمر أى زار و قصد، و فى الشرع زیاره البیت الحرام بشروط مخصوصه مذکوره فی محالها و (رحض) الثوب و نحوه بالحاء المهمله و الضاد المعجمه من باب منع غسله کأرحضه فهو رحیض و مرحوض و (ثرى) المال ثرا کثر و نمى، و الثروه کثره العدد من الناس و المال، و هذا مثراه للمال بهمز و غیره تکثره و (المنسأه) بالهمز و غیره أیضا کمثراه وزان مفعله بالفتح فالسکون محل النّساء یقال نسأت التی نسأ أخرته و منه الحدیث: صله الرّحم تنسىء الأجل أى تؤخّره و (صرعه) کمنعه طرحه على الأرض و المصرع وزان مقعد موضع الصّرع و (الافاضه) الاندفاع و منه افاض الناس من عرفات أى اندفعوا و قیل اسرعوا منها الى مکان آخر قوله تعالى إذ تفیضون فیه، أى تدفعون فیه بکثره و (الهدى) بالضمّ الرّشاد مصدر یقال هداه اللّه هدى و هدایه أرشده، و بالفتح وزان تمر الهیئه و السیره و الطریقه و منه قولهم: هدى هدى فلان أى سلک مسلکه و (الحائر) المتحیّر.
الاعراب
قوله: إلى اللّه سبحانه لفظ سبحانه منصوب على المصدر محذوف عامله وجوبا باضافته إلى الضمیر، و المعنى اسبّحک سبحانا لک، و لنجم الأئمه الرّضی فی حذف عوامل المصادر تحقیق نفیس أحببت ایراده.
قال فی شرح قول ابن الحاجب: و قد یحذف الفعل لقیام قرینه جوازا کقولک لمن قدم خیر مقدم و وجوبا سماعا نحو سقیا و رعیا و خیبه و جدعا و حمدا و شکرا و عجبا: أقول: الذی أرى أنّ هذه المصادر و أمثالها إن لم یأت بعدها ما یبیّنها و یعیّن ما تعلّقت به من فاعل أو مفعول إما بحرف جرّ أو باضافه المصدر إلیه فلیست مما یجب حذف فعله بل یجوز نحو سقاک اللّه سقیا و رعاک اللّه رعیا فأمّا ما یبیّن فاعله بالاضافه نحو کتاب اللّه و سنه اللّه و وعد اللّه، أو یبیّن مفعوله بالاضافه نحو ضرب الرقاب و سبحان اللّه و لبیّک و سعدیک و معاذ اللّه، أو یبیّن فاعله بحرف الجرّ نحو بؤسا لک و سحقا لک أى بعدا، أو یبیّن مفعوله بحرف جرّ نحو عقرا لک أى جرحا و شرّا لک و حمدا لک و عجبا منک، فیجب حذف الفعل فی جمیع هذا قیاسا.
و المراد بالقیاس أن یکون هناک ضابط کلّی یحذف الفعل حیث حصل ذلک الضّابط، و الضّابط ههنا ما ذکرنا من ذکر الفاعل أو المفعول بعد المصدر مضافا إلیه أو بحرف الجرّ.
و إنّما وجب حذف الفعل مع هذا الضّابط لأنّ حقّ الفاعل و المفعول به أن یعمل فیهما الفعل فیتصلا به، و استحسن حذف الفعل فی بعض المواضع إما إبانه لقصد الدوّام و اللزوم بحذف ما هو موضوع للحدوث و التجدّد أى الفعل فی نحو حمدا لک و شکرا لک و عجبا منک و معاذ اللّه و سبحان اللّه، و إمّا لتقدّم ما یدلّ علیه کما فی قوله تعالى: کتاب اللّه علیکم، و صبغه اللّه، و وعد اللّه، أو لکون الکلام ممّا یستحسن الفراغ منه بالسرعه نحو لبیک و سعدیک، فبقى المصدر مبهما لا یدرى ما تعلق به من فاعل أو مفعول فذکر ما هو مقصود المتکلّم من أحدهما بعد المصدر لیختصّ به، فلمّا بیّنها بعد المصدر بالاضافه أو بحرف الجرّ قبح اظهار الفعل بل لم یجز فلا یقال کتاب کتاب اللّه و وعد وعد اللّه و اضربوا بضرب الرّقاب و اسبّح سبحان اللّه و أحمد حمدا لک و عقر اللّه عقرا لک.
و ذلک لما ذکرناه من أنّ حقّ الفاعل و المفعول أن یتّصلا بالفعل معمولین له، فلما حذف الفعل لأحد الدّواعی المذکوره و بین المصدر إمّا بالاضافه أو بحرف الجرّ فلو ظهر الفعل رجع الفاعل أو المفعول إلى مکانه و مرکزه متصلا بالفعل و معمولا له.
فاحفظ ذلک فانه ینفعک فی کثیر من الموارد و اعراب سایر الفقرات واضح.
المعنى
اعلم أنّ هذه الخطبه الشریفه مسوقه للارشاد إلى بعض أسباب القرب و الوسایل التی یتوسل بها إلى اللّه سبحانه، و للأمر بالافاضه إلى ذکر اللّه، و ببعض ما یدرک به رضوان اللّه حسبما تطلع على تفصیله انشاء اللّه، و لما کان
أسباب الزلفى و التقرّب کثیره
خصّ أفضلها بالبیان و هو على ما ذکره عشره:
اولها الایمان
کما أشار الیه بقوله: (إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون الى اللّه سبحانه الایمان به و برسوله) و تقدیمه على غیره لکونه أصلا بالنسبه الیه، و المراد به هنا التصدیق المجرّد عن الاقرار و العمل بقرینه ذکر کلمه الاخلاص التی هو الاقرار و سایر العبادات التی هو من باب الأعمال بعده، و تحقیق المقام یحتاج إلى بسط فی المقال و بیان الفرق بین الاسلام و الایمان.
فأقول: إنّک قد عرفت المعنى اللّغوى للایمان و أنه التّصدیق، و أما الاسلام فمعناه لغه هو التّسلیم و الانقیاد، و أمّا فی لسان الشرع فقد یستعملان على التساوق و الترادف کما فی قوله تعالى:فَأَخْرَجْنا مَنْ کانَ فِیها مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فَما وَجَدْنا فِیها غَیْرَ بَیْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِینَ.
و لم یکن بالاتفاق إلّا بیت واحد و قال تعالى: یا قَوْمِ إِنْ کُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَیْهِ تَوَکَّلُوا إِنْ کُنْتُمْ مُسْلِمِینَ و قال تعالى: یَمُنُّونَ عَلَیْکَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَیَّ إِسْلامَکُمْ بَلِ اللَّهُ یَمُنُّ عَلَیْکُمْ أَنْ هَداکُمْ لِلْإِیمانِ.
و ربما استعملا على التقابل کما فی قوله تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ.
فقد نفى عنهم الایمان مع اثبات وصف الاسلام و المستفاد من کلام أکثر الأصحاب و معظم أخبار الأئمه الأطهار الأطیاب أنّ الاسلام أعمّ من الایمان.
قال الصّادق علیه السّلام فی روایه الفضیل بن یسار عنه علیه السّلام: الایمان یشارک الاسلام و الاسلام لا یشارک الایمان.
و فی روایه سماعه بن مهران قال: سألته عن الایمان و الاسلام قلت: أفرق بین الاسلام و الایمان قال: فأضرب لک مثله قال: قلت أراد «أورد خ» ذلک قال: مثل الایمان و الاسلام مثل الکعبه الحرام من الحرم، قد تکون فی الحرم و لا تکون فی الکعبه و لا تکون فی الکعبه حتى تکون فی الحرم، و قد یکون مسلما و لا یکون مؤمنا و لا یکون مؤمنا حتى یکون مسلما.
و فی روایه أبی الصباح الکنانی قال: قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام: أیّهما أفضل الایمان أو الاسلام فانّ من قبلنا یقولون إنّ الاسلام أفضل من الایمان، فقال: الایمان أرفع من الاسلام، قلت: فاوجدنى ذلک، قال: ما تقول فیمن أحدث فی المسجد الحرام متعمّدا قال: قلت: یضرب ضربا شدیدا، قال: أصبت فما تقول فیمن أحدث فی الکعبه متعمّدا قلت: یقتل، قال: أصبت ألا ترى أنّ الکعبه أفضل من المسجد و أنّ الکعبه تشرک المسجد و المسجد لا یشرک الکعبه، و کذلک الایمان یشرک الاسلام و الاسلام لا یشرک الایمان.
فانّ المستفاد من هذه الرّوایات و أمثالها أنّه کلّما وجد الایمان وجد الاسلام لا بالعکس و ذلک.
اما من جهه أنّ الاسلام عبار عن التصدیق بالظاهر أعنی الاعتراف باللّسان و الایمان عباره عن التّصدیق بالباطن، و الأوّل غیر مستلزم للثّانی و لذلک کذب اللّه سبحانه الأعراب بقوله: قل لم تؤمنوا، فی دعویهم وصف الایمان لأنفسهم، حیث قالوا آمنّا، و ذلک لأجل أنهم لم یکونوا مصدّقین بالباطن و لم یکونوا على ثقه و طمأنینه فیما أقرّوا به ظاهرا، و أثبت لهم وصف الاسلام بقوله: و لکن قولوا أسلمنا باعتبار شهادتهم بالتوحید و الرّساله و اعترافهم ظاهرا.
و یدلّ على ما ذکرنا ما رواه فی الکافی باسناده عن سماعه قال: قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام: أخبرنی عن الاسلام و الایمان أهما مختلفان فقال علیه السّلام: إنّ الایمان یشارک الاسلام و الاسلام لا یشارک الایمان فقلت: فصفهما لى، فقال علیه السّلام: الاسلام شهاده أن لا إله إلا اللّه و التصدیق برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم به حقنت الدّماء و علیه جرت المناکح و المواریث و على ظاهره جماعه النّاس، و الایمان الهدى و ما یثبت فی القلوب من صفه الاسلام و ما ظهر من العمل به، و الایمان أرفع من الاسلام بدرجه، إنّ الایمان یشارک الاسلام فی الظّاهر، و الاسلام لا یشارک الایمان فی الباطن، و ان اجتمعا فی القول و الصفه.
و نحوه روایه فضیل بن یسار قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: إنّ الایمان یشارک الاسلام و لا یشارکه الاسلام، إنّ الایمان ما و قر فی القلوب، و الاسلام ما علیه المناکخ و المواریث و حقن الدّما، و الایمان یشارک الاسلام، و الاسلام لا یشارک الایمان.
فان قلت: إذا جعلت الایمان عباره عن التصدیق بالباطن فلا بدّ أن تکون النسبه بینهما عموما من وجه إذ کما أنّ التّصدیق ظاهرا لا یستلزم التصدیق بالباطن کلّیا، فکذلک العکس، إذ ربّما یذعن المرء باللّه و برسوله من دون أن ینطق بکلمتی الشهاده، بأن یصدّق بالقلب و لا یساعده من العمر مهله النطق، نعم لا یحکم بایمانه إلّا بعد النطق و الکلام، لکون اللّسان ترجمان القلب، لکنه لا یقدح فیما ذکرنا لأنّ الکلام فی منع الملازمه بین نفس الایمان و الاسلام لا فی الحکم بکون الرجل مسلما و مؤمنا، فافهم.
قلت: التصدیق بالباطن ملازم عاده للتصدیق بالظاهر و إن لم یکن ملازما له عقلا کما فیما ذکرته من المثال، فانّ العرف و العاده قاضیه بأنّ من کان مصدّقا بالباطن یکون لا محاله مصدّقا بالظاهر، و المثال المذکور فرد نادر نعم لو قیل بأنّ الایمان عباره عن التصدیق بالجنان و الاقرار باللّسان و العمل بالأرکان أعنى مجموع الثلاثه ارتفع الاشکال رأسا، و کذا على مذهب من یعتبر فیه الاقرار باللّسان فقط شطرا کما عزى إلى المحقق الطّوسى حیث قال: بأنه مرکب من الاقرار و التّصدیق، أو شرطا کما نسب الى المتکلّمین من الخاصّه و بعض العامه.
و اما من جهه أنّ الاسلام عباره عن الشّهاده بالتوحید و الرساله مع التصدیق الباطنی و بدونه، سواء کان معه الاقرار بالولایه و الاذعان بها أم لا، و الایمان یعتبر فیه ذلک.
و یرشد إلیه ما رواه ثقه الاسلام الکلینی باسناده عن سفیان بن السمط قال: سأل رجل أبا عبد اللّه علیه السّلام عن الاسلام و الایمان ما الفرق بینهما فلم یجبه ثمّ سأله فلم یجبه، ثمّ التقیا فی الطریق و قد أزف من الرجل الرحیل فقال له أبو عبد اللّه علیه السّلام: کأنه قد أزف منک رحیل، فقال: نعم، فقال: فالقنى فی البیت فلقاه فسأله عن الاسلام و الایمان ما الفرق بینهما فقال علیه السّلام: الاسلام ما هو الظاهر الذی علیه الناس شهاده أن لا إله إلا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه و إقام الصّلاه و ایتاء الزکاه و حجّ البیت و صیام شهر رمضان فهذا الاسلام، و قال: الایمان معرفه هذا الأمر مع هذا، فان أقرّ بها و لم یعرف هذا الأمر کان مسلما و کان ضالا.
و عن عجلان بن أبی صالح قال: قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام: أوقفنى على حدود الایمان، فقال: شهاده أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و الاقرار بجمیع ما جاء من عند اللّه و صلاه الخمس و أداء الزکاه و صوم شهر رمضان و حجّ البیت و ولایه ولیّنا و عداوه عدوّنا و الدخول مع الصّادقین.
فانّ المراد بالدّخول مع الصادقین الدّخول فی زمره آل محمّد سلام اللّه علیهم و الکون معهم کما قال: یا أیّها الّذین آمنوا اتّقوا اللّه و کونوا مع الصّادقین، على ما تقدّم تفصیله فی شرح الفصل الثالث من فصول الخطبه السّادسه و الثمانین.
و اما من جهه أنّ الایمان یعتبر فیه العمل دون الاسلام أعنى العمل بما یقتضیه ذلک التّصدیق.
و یدلّ علیه ما فی الکافی عن محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السّلام قال: الایمان إقرار و عمل و الاسلام إقرار بلا عمل.
فانّ الظّاهر أنّ قوله: و الاسلام إقرار بلا عمل هو أنّ العمل غیر معتبر فیه لا أنّ عدمه فیه معتبر، و یدلّ علیه أخبار أخر.
و فیه أیضا باسناده عن عبد الرّحیم القصیر قال: کتبت مع عبد الملک بن أعین إلى أبى عبد اللّه علیه السّلام أسأله عن الایمان ما هو، فکتب الىّ مع عبد الملک بن أعین: سألت رحمک اللّه عن الایمان، و الایمان هو الاقرار باللّسان و عقد فی القلب و عمل بالارکان، و الایمان بعضه من بعض، و هو دار و کذلک الاسلام دار و الکفر دار، فقد یکون العبد مسلما قبل أن یکون مؤمنا و لا یکون مؤمنا حتى یکون مسلما، فالاسلام قبل الایمان و هو لا یشارک الایمان فاذا أتى العبد کبیره من کبائر المعاصی أو صغیره من صغائر المعاصی التی نهى اللّه عزّ و جلّ عنها کان خارجا من الایمان ساقطا عنه اسم الایمان و ثابتا علیه اسم الاسلام، فان تاب و استغفر عاد إلى دار الایمان و لا یخرجه إلى الکفر إلّا الجحود و الاستحلال، أن یقول للحلال هذا حرام، و للحرام هذا حلال، و دان بذلک فعندها یکون خارجا من الاسلام و الایمان، داخلا فی الکفر، و کان بمنزله من دخل الحرم ثمّ دخل الکعبه و أحدث فی الکعبه حدثا فاخرج عن الکعبه و عن الحرم فضربت عنقه و صار إلى النار فقد ظهر لک مما ذکرنا کلّه أنّ الاسلام یصدق على مجرّد الاقرار باللّسان من غیر تصدیق، و على الاقرار و التّصدیق مجرّدا عن الولایه، و على جمیع ذلک مجرّدا من العمل، و الایمان یعتبر فیه ذلک، فیکون الایمان أخصّ لکنّ الانصاف أنّ العمل لیس داخلا فی مفهوم الایمان حقیقه و إن کان شرطا فی کماله.
أما أنّه غیر داخل فی حقیقته فللتبادر و عدم صحّه السلب و لقوله تعالى: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا و قوله: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الْقِصاصُ فِی الْقَتْلى و قوله الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَمْ یَلْبِسُوا إِیمانَهُمْ بِظُلْمٍ.
دلّ اقتران الایمان بالمعاصی فیها على أنّ العمل غیر داخل فی حقیقته و قوله تعالى الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ.
دلّ على التّغایر و أنّ العمل لیس بداخل فیه لأنّ الشیء لا یعطف على نفسه و لا الجزء على کلّه و مثله کلام أمیر المؤمنین علیه السّلام فی هذا المقام و أمّا أنه شرط فی کماله فللخبرین السابقین.
لا یقال: إنّ ظاهرهما کون العمل داخلا فی مفهومه لا شرطا فی کماله.
لأنا نقول: بعد تسلیم الظهور لا بدّ من حملهما على ما ذکرنا بمقتضى الجمع بینهما و بین الأدلّه الّتی قدّمناها آنفا فان قلت: ما الدّلیل على هذا الجمع قلت: الدلیل على ذلک ما رواه فی الکافى عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن بکر بن صالح عن القاسم بن برید قال: حدّثنا أبو عمر الزبیرى عن أبی عبد اللّه علیه السّلام
قال: قلت له: أیها العالم أخبرنی أىّ الأعمال أفضل عند اللّه قال: ما لا یقبل اللّه شیئا إلّا به، قلت: و ما هو قال: الایمان باللّه الذی لا إله إلّا هو أعلى الأعمال درجه و أشرفها منزله و أسناها حظا قال: قلت: ألا تخبرنی عن الایمان أقول هو و عمل أم قول بلا عمل فقال: الایمان عمل کلّه و القول بعض ذلک العمل بفرض من اللّه بیّن فی کتابه واضح نوره ثابته حجّته یشهد له به الکتاب و یدعوه الیه قال: قلت له: صفه لى جعلت فداک حتّى أفهمه، قال: الایمان حالات و درجات و طبقات و منازل: فمنه التامّ المنتهى تمامه، و منه الناقص البیّن نقصانه، و منه الراجح الزّاید رجحانه قلت: إنّ الایمان لیتمّ و ینقص و یزید قال: نعم، قلت: کیف ذاک قال: لأنّ اللّه تبارک و تعالى فرض الایمان على جوارح ابن آدم و قسّمه علیها و فرّقه فیها، فلیس من جوارحه جارحه إلّا و قد وکّلت من الایمان بغیر ما وکّلت به اختها، فمنها قلبه الذى به یعقل و یفقه و یفهم، و هو أمیر بدنه الذی لا ترد الجوارح و لا تصدر إلّا عن رأیه و أمره، و منها عیناه اللّتان یبصر بهما، و اذناه اللّتان یسمع بهما و یداه اللّتان یبطش بهما و رجلاه اللّتان یمشى بهما، و فرجه الذى الباه من قبله «قلبه خ» و لسانه الذی ینطق به، و رأسه الذی فیه وجهه فلیس من هذه جارحه إلّا و قد وکلت من الایمان بغیر ما وکلّت به اختها بفرض من اللّه تبارک و تعالى اسمه، ینطق به الکتاب لها و یشهد به علیها، ففرض على القلب غیر ما فرض على العینین و فرض على العینین غیر ما فرض على اللّسان، و فرض على اللّسان غیر ما فرض على الیدین و فرض على الیدین غیر ما فرض على الرّجلین، و فرض على الرّجلین غیر ما فرض على الفرج و فرض على الفرج غیر ما فرض على الوجه.
فاما ما فرض على القلب من الایمان فالاقرار و المعرفه و العقد و الرّضا و التسلیم بأن لا إله إلّا اللّه وحده لا شریک له إلها واحدا لم یتّخذ صاحبه و لا ولدا و أنّ محمّدا عبده و رسوله صلوات اللّه علیه و آله، و الاقرار بما جاء من عند اللّه من نبىّ أو کتاب، فذلک ما فرض اللّه على القلب من الاقرار و المعرفه و هو قول اللّه عزّ و جلّ:إِلَّا مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ وَ لکِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْکُفْرِ صَدْراً و قال: أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ و قال: الَّذِینَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ و قال: إِنْ تُبْدُوا ما فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحاسِبْکُمْ بِهِ اللَّهُ فَیَغْفِرُ لِمَنْ یَشاءُ وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ.
فذلک ما فرض اللّه عزّ و جلّ على القلب من الاقرار و المعرفه و هو عمله و هو رأس ایمان.
و فرض الله على اللّسان القول و التعبیر عن القلب بما عقد علیه و أقرّ به قال اللّه تبارک و تعالى اسمه: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً و قال: وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْکِتابِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِی.
فهذا ما فرض اللّه على اللّسان و هو عمله.
و فرض على السّمع أن یتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم اللّه و أن یعرض عمّا لا یحلّ له مما نهى اللّه عزّ و جلّ عنه و الاصغاء إلى ما اسخط اللّه عزّ و جلّ فقال فی ذلک: وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَیْکُمْ فِی الْکِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آیاتِ اللَّهِ یُکْفَرُ بِها وَ یُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى یَخُوضُوا فِی حَدِیثٍ غَیْرِهِ.
ثمّ استثنى اللَّه عزّ و جلّ موضع النسیان فقال: وَ إِمَّا یُنْسِیَنَّکَ الشَّیْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّکْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ و قال: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِکَ الَّذِینَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِکَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ و قال عزّ و جلّ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَ الَّذِینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَ الَّذِینَ هُمْ لِلزَّکاهِ فاعِلُونَ و قال: وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ و قال: وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِراماً.
فهذا ما فرض اللّه على السّمع من الایمان أن لا یصغى إلى ما لا یحلّ له و هو عمله و هو من الایمان.
و فرض على البصر أن لا ینظر إلى ما حرّم اللّه علیه و أن یعرض عمّا نهى اللّه عنه مما لا یحلّ له و هو عمله و هو من الایمان فقال تبارک و تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ یَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ.
فنهیهم عن أن ینظروا إلى عوراتهم و أن ینظر المرء إلى فرج أخیه و یحفظ فرجه أن ینظر إلیه و قال: وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ.
من أن ینظر احدیهنّ إلى فرج اختها و تحفظ فرجها من أن تنظر الیها و قال علیه السّلام کلّ شیء فی القرآن من حفظ الفرج فهو من الزّنا إلّا هذه الآیه فانّها من النظر ثمّ نظم ما فرض اللّه عزّ و جلّ على القلب و اللّسان و السّمع و البصر فی آیه اخرى فقال: وَ ما کُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ یَشْهَدَ عَلَیْکُمْ سَمْعُکُمْ وَ لا أَبْصارُکُمْ وَ لا جُلُودُکُمْ.
یعنی بالجلود الفروج و الافخاذ و قال:وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا.
فهذا ما فرض اللّه على العینین من غضّ البصر عمّا حرّم اللّه و هو عملهما و هو من الایمان و فرض على الیدین أن لا یبطش بهما إلى ما حرّم اللّه و أن یبطش بهما إلى ما أمر اللّه عزّ و جلّ و فرض علیهما من الصّدقه و صله الرّحم و الجهاد فی سبیل اللّه و الطّهور للصّلوات فقال: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاهِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ إِلَى الْکَعْبَیْنِ و قال: فَإِذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها فهذا ما فرض اللّه على الیدین لأنّ الضّرب من علاجهما.
و فرض على الرّجلین أن لا یمشى بهما إلى شیء من معاصی اللّه و فرض علیهما المشی إلى ما یرضى اللّه عزّ و جلّ فقال: وَ لا تَمْشِ فِی الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّکَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا و قال: وَ اقْصِدْ فِی مَشْیِکَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِکَ إِنَّ أَنْکَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِیرِ.
و قال فیما شهدت الأیدى و الأرجل فی أنفسهما و على أربابهما من تضییعهما لما أمر اللّه عزّ و جلّ به و فرضه علیهما:
الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُکَلِّمُنا أَیْدِیهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ فهذا أیضا ممّا فرض اللّه عزّ و جلّ على الیدین و على الرّجلین و هو عملهما و هو من الایمان.
و فرض على الوجه السّجود له باللّیل و النهار فی مواقیت الصّلاه فقال: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ارْکَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّکُمْ وَ افْعَلُوا الْخَیْرَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ.
و هذه فریضه جامعه على الوجه و الیدین و الرّجلین و قال فی موضع آخر: أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً.
و قال فیما فرض على الجوارح من الطّهور و الصلاه بها و ذلک أنّ اللّه عزّ و جلّ لمّا صرف نبیّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلى الکعبه عن بیت المقدّس أنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمانَکُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِیمٌ فسمّى الصّلاه إیمانا فمن لقى اللّه عزّ و جلّ حافظا لجوارحه موفیا کلّ جارحه من جوارحه ما فرض اللّه عزّ و جلّ علیها لقى اللّه عزّ و جلّ مستکملا لایمانه و هو من أهل الجنّه، و من خان فی شیء منها أو تعدّى ما أمر اللّه عزّ و جلّ فیها لقى اللّه عزّ و جلّ ناقص الایمان قلت: قد فهمت نقصان الایمان و تمامه، فمن أین جاءت زیادته فقال علیه السّلام: فول اللّه عزّ و جلّ وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَهٌ فَمِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ أَیُّکُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِیماناً فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِیماناً وَ هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ وَ أَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ و قال: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْیَهٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً.
و لو کان کلّه واحدا لا زیاده فیه و لا نقصان لم یکن لأحد منهم فضل على الآخر و لاستوت النعم فیه، و لاستوى الناس و بطل التفضیل و لکن بتمام الایمان دخل المؤمنون الجنّه، و بالزّیاده فی الایمان تفاضل المؤمنون بالدّرجات عند اللّه، و بالنقصان دخل المفرطون النّار.
فانّ صدر هذه الرّوایه الشریفه أعنى قوله علیه السّلام: الایمان عمل کلّه، و إن کان موهما فی بادى الرأى کون العمل داخلا فی مفهوم الایمان، إلّا أنّ ذیلها أعنى قوله: لقى اللّه عزّ و جلّ مستکملا لایمانه، إلى قوله: لقى اللّه عزّ و جلّ ناقص الایمان، إلى آخر الرّوایه نصّ صریح فی کونه شرطا فی کماله لاجزء من مفهومه و قد استفید منها أیضا کونه قابلا للزّیاده و النقصان کما هو مذهب المحقّقین من الفریقین.
و أمّا ما توهّمه کثیر من المتکلّمین من أنه إن کان الایمان هو التّصدیق فلا یقبلهما، لأنّ الواجب هو الیقین، و هو غیر قابل للتفاوت لا بحسب ذاته و لا بحسب متعلّقه أمّا بحسب الذّات فلأنّ التفاوت باعتبار احتمال النقیض و لو بأبعد وجه و هو ینافی الیقین و لا یجامعه، و أمّا بحسب المتعلّق فلأنّ متعلّقه جمیع ما علم مجیء الرّسول به و الجمیع من حیث هو جمیع لا یتصوّر فیه تعدّد، و إلّا لم یکن جمیعا، و إن کان هو العمل وحده أو مع التّصدیق فیقبلهما و هو ظاهر، و ما وردت فی الکتاب و السّنّه ممّا یدلّ على قبوله إیّاهما فباعتبار الأعمال فیزید بزیدها و ینقص بنقصانها ففیه منع ذلک أمّا باعتبار الذّات فلأنّ التّصدیق من الکیفیات النّفسانیّه المتفاوته قوّه و ضعفا فیجوز أن یکون التفاوت فیه بالقوّه و الضّعف، فانّ عین الیقین أعلى مرتبه و أقوى من علم الیقین، و للفرق الظاهر بین ایمان النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و الأئمه و آحاد الرعیّه، قال أمیر المؤمنین علیه السّلام: لو کشف الغطاء ما ازددت یقینا.
و امّا باعتبار المتعلّق فلأنّ التّصدیق التّفصیلی فی أفراد ما علم مجیء الرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم به جزء من الایمان یثاب علیه، مضافا إلى ثوابه على تصدیقه بالاجمال فکان قابلا للزّیاده، و اللّه الهادی إلى المنهج القویم، و الصراط المستقیم.
(و) الثانی من الوسایل إلى اللّه سبحانه (الجهاد فی سبیله فانه ذروه الاسلام) لما کان ذروه کلّ شیء عباره عن أعلاه جعل الجهاد ذروه الاسلام باعتبار رفعته و علوّ رتبته فیه و تقدّمه على سایر العبادات البدنیّه باعتبار اقتضائه قوّه التصدیق و الیقین بما جاء به خاتم النبیین ما لا یقتضیه سایر الطّاعات و القربات و إلّا لما ألقى المجاهد نفسه إلى المهالک مع غلبه ظنّه بأنه عاطب هالک و لو لا سیف المجاهدین لما اخضرّ للاسلام عود و لا قام له عمود و قد تقدّم فی الخطبه السّابعه و العشرین انه باب من أبواب الجنّه فتحه اللّه لخاصّه أولیائه إلى آخر ما ذکره من فضائله و بیّنا فی شرحها ما فیه کفایه لمن له علم و درایه.
(و) الثالث (کلمه الاخلاص)
أى الکلمه المتضمّنه لاخلاص اللّه تعالى و تنزیهه عن الشرکاء و الأنداد و هى کلمه التّوحید أعنى لا إله إلّا اللّه و قد تقدّم فی شرح الفصل الثّانی من فصول الخطبه الثانیه فضایل تلک الکلمه الطیّبه المبارکه و فوایدها و علل علیه السّلام کونها من أفضل القرب بقوله (فانها الفطره) أى الفطره المعهوده الوارده فی الکتاب العزیز المأمور باتّباعها بقوله: فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها و أصلها الخلقه من الفطر بمعنى الخلق ثمّ جعلت للخلقه القابله لدین الحقّ على الخصوص، و ربما تطلق على التّوحید و المعرفه و به فسّرت الآیه الشریفه و فسّر قوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: کلّ مولود یولد على الفطره حتّى یکون أبواه هما اللّذان یهوّدانه و ینصّرانه و یمجّسانه، قال فی مجمع البیان أى اتبع فطره اللّه و هى التّوحید التی فطر النّاس أى خلق النّاس علیها و لها و بها، أى لأجلها و التمسّک بها فیکون کقوله: و ما خلقت الجنّ و الانس إلّا لیعبدون، و هو کما یقول القائل لرسوله: بعثتک على هذا و لهذا و بهذا، و المعنى واحد.
و عن الصّدوق فی التوحید فی أخبار کثیره عن الصّادق علیه السّلام قال: فطرهم على التوحید و باسناده عن زراره عن أبی جعفر علیه السّلام قال: سألته عن قول اللّه: حُنَفاءَ لِلَّهِ غَیْرَ مُشْرِکِینَ بِهِ.
و عن الحنیفیّه فقال: هى الفطره التی فطر النّاس علیها لا تبدیل لخلق اللّه، قال: فطرهم اللّه على المعرفه قال زراره و سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ- الآیه.
قال علیه السّلام أخرج من ظهر آدم ذریّته إلى یوم القیامه فخرجوا کالذّرّ فعرفهم و أرادهم و لو لا ذلک لم یعرف أحد ربّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: کلّ مولود یولد على الفطره بأنّ اللّه عزّ و جلّ خالقه فذلک قوله تعالى: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ.
و قد تقدّم فی شرح الفصل الرّابع عشر من فصول الخطبه الاولى أخبار أخر فی هذا المعنى هذا.
و لما کانت کلمه الاخلاص متضمّنه للفطره التی هى التوحید و المعرفه دالّا علیها جعلها نفس الفطره تسمیه للدّال باسم مدلوله.
(و) الرابع (إقام الصّلاه فإنّها الملّه)
و قال الطّریحى الملّه فی الأصل ما شرع اللّه لعباده على ألسنه الأنبیاء لیتوصلوا به إلى جوار اللّه و یستعمل فی جمله الشرائع دون آحادها و لا یکاد توجد مضافه إلى اللّه و لا إلى آحاد امّه النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بل یقال ملّه محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال تعالى: ملّه أبیکم إبراهیم، أى دینه.
أقول: لما کان الصّلاه هو الرکن الأعظم من الدّین اطلق اسمه علیها و أتى بالملّه معرفه بلام الجنس قصدا للحصر مبالغه من باب زید الأمیر و نحوه الحدیث النّبوىّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: الصّلاه عماد الدّین، فانه لما کان قوام الدّین و ثباته بها جعلها عمادا له کما صرّح بذلک فی روایه اخرى قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: مثل الصّلاه مثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود ثبتت الأطناب و الأوتاد و الغشاء، و إذا انکسر العمود لم ینفع طنب و لاوتد و لا غشاء، و فی روایه اخرى عنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، الصّلاه عماد الدّین فمن ترک صلاته متعمّدا فقد هدم دینه و کیف کان فالآیات و الروایات فی فضلها و عقوبه تارکها فوق حدّ الاحصاء قال تعالى: أَقِمِ الصَّلاهَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّیْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ کانَ مَشْهُوداً وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَهً لَکَ عَسى أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً و فی سوره النّساء: فَأَقِیمُوا الصَّلاهَ إِنَّ الصَّلاهَ کانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ کِتاباً مَوْقُوتاً و فی سوره مریم: أَضاعُوا الصَّلاهَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ یَلْقَوْنَ غَیًّا و فی سوره العَنکبوت: وَ أَقِمِ الصَّلاهَ إِنَّ الصَّلاهَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ لَذِکْرُ اللَّهِ أَکْبَرُ و فی سوره أرأیت: فَوَیْلٌ لِلْمُصَلِّینَ الَّذِینَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ.
أى غافلون غیر مبالین بها قال علیّ بن إبراهیم القمّی: عنى به تارکون لأنّ کلّ انسان یسهو فی الصّلاه، و فی المجمع عن الصّادق علیه السّلام هو التّرک لها و التوانی عنها، و عن الخصال عن أمیر المؤمنین علیه السّلام: لیس عمل أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ من الصّلاه فلا یشغلکم عن أوقاتها شیء من امور الدّنیا، فانّ اللّه عزّ و جلّ ذمّ أقواما فقال:الذین هم عن صلاتهم ساهون، یعنى أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها.
و فی الکافی باسناده عن معاویه بن وهب قال سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام عن أفضل ما یتقرّب به العباد إلى ربّهم و أحبّ ذلک إلى اللّه عزّ و جلّ ما هو فقال علیه السّلام: ما أعلم شیئا بعد المعرفه أفضل من هذه الصّلاه، ألا ترى أنّ العبد الصّالح عیسى بن مریم قال: و أوصانی بالصّلاه و الزّکاه ما دمت حیّا.
و عن زید الشّحام عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: سمعت یقول: أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ و جلّ الصّلاه، و هی آخر وصایا الأنبیاء علیهم السّلام فما أحسن الرّجل یغتسل أو یتوضّأ فیسبغ الوضوء ثمّ یتنحىّ حیث لایراه أنیس فیشرف علیه و هو راکع أو ساجد، إنّ العبد إذا سجد فأطال السجود نادى إبلیس: یا ویله أطاعوا و عصیت و سجدوا و أبیت، و نحوه فی الفقیه إلّا أنّ فیه فیشرف اللّه علیه.
و عن أبی حمزه عن أبی جعفر علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إذا قام العبد المؤمن فی صلاه نظر اللّه إلیه أو قال أقبل اللّه علیه حتى ینصرف، و أظلّته الرّحمه من فوق رأسه إلى افق السماء و الملائکه تحفّه من حوله إلى افق السّماء، و وکل اللّه به ملکا قائما على رأسه یقول: أیّها المصلّى لو تعلم من ینظر إلیک و من تناجی ما التفتّ و لا زلت من موضعک أبدا.
و عن محمّد بن الفضیل عن أبی الحسن الرّضا علیه السّلام قال: الصّلاه قربان کلّ تقىّ.
و عن حفص بن البخترى عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: من قبل اللّه منه صلاه واحده لم یعذّبه و من قبل منه حسنه لم یعذّبه.
و عن الحسین بن سیف عن أبیه قال: حدّثنى من سمع أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: من صلّى رکعتین یعلم ما یقول فیهما انصرف و لیس بینه و بین اللّه ذنب.
و فی الفقیه قال الصّدوق: قال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: ما من صلاه یحضر وقتها إلّا نادى ملک بین یدی النّاس: أیّها النّاس قوموا إلى نیرانکم الّتی أوقدتموها على ظهورکم فأطفئوها بصلاتکم.
قال: و قال الصّادق علیه السّلام: أوّل ما یحاسب به العبد الصّلاه فاذا قبلت منه قبل سایر عمله، و إذا ردّت علیه ردّ علیه سایر عمله قال: و قال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إنّما مثل الصّلاه فیکم کمثل البرى و هو النهر على باب أحدکم یخرج إلیه فی الیوم و اللّیله یغتسل منه خمس مرّات فلم یبق الدّرن على الغسل خمس مرّات، و لم یبق الذّنوب على الصّلاه خمس مرّات.
و فی جامع الأخبار قال: قال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: لا تضیّعوا صلاتکم، فانّ من ضیّع صلاته حشره اللّه تعالى مع قارون و فرعون و هامان لعنهم اللّه و أخزاهم و کان حقا على اللّه أن یدخله النار مع المنافقین، فالویل لمن لم یحافظ على صلاته.
قال: و قال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: من ترک الصّلاه حتّى تفوته من غیر عذر فقد حبط عمله، ثمّ قال: بین العبد و بین الکفر ترک الصّلاه.
و عن النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم من ترک الصّلاه لا یرجو ثوابها و لا یخاف عقابها فلا ابالی یموت یهودیّا أو نصرانیّا أو مجوسیّا.
و قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: من أعان تارک الصّلاه بلقمه أو کسوه فکأنّما قتل سبعین نبیّا أوّلهم آدم و آخرهم محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم هذا.
و الأخبار فی هذا المعنى کثیره جدا و فیما أوردناه کفایه للمهتدى المسترشد و إنما المهمّ الاشاره إلى علّه وجوب الصلوات الخمس و بعض أسرارها.
اما عله وجوبها فقد روى فی الفقیه عن الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیهم السّلام أنّه قال: جاء نفر من الیهود إلى رسول اللّه فسأله أعلمهم عن مسائل فکان فیما ساله أنه قال له: أخبرنى عن اللّه لأىّ شیء فرض اللّه عزّ و جلّ هذه الخمس الصّلوات فی خمسه مواقیت على امّتک فی ساعات اللّیل و النّهار فقال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّ الشمس عند الزّوال لها حلقه«» تدخل فیها فاذا دخلت فیها زالت الشمس فیسبّح کلّ شیء دون العرش بحمد ربّی جلّ جلاله و هى السّاعه التی یصلّى فیها على ربّی فقرض اللّه علىّ و على امّتی فیها الصّلاه و قال: أَقِمِ الصَّلاهَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّیْلِ.«» و هى السّاعه التی یؤتى فیها بجهنّم یوم القیامه فما من مؤمن یوافق تلک السّاعه أن یکون ساجدا أو راکعا أو قائما إلّا حرّم اللّه جسده على النّار.
و أمّا صلاه العصر فهى السّاعه التی اکل آدم فیها من الشجره فأخرجه اللّه من الجنّه فأمر اللّه ذرّیته بهذه الصّلاه إلى یوم القیامه و اختارها لامّتی فهى من أحبّ الصّلوات إلى اللّه عزّ و جلّ و أوصانی أن أحفظها من بین الصّلوات.
و أمّا صلاه المغرب فهى السّاعه التی تاب اللّه على آدم علیه السّلام و کان بین ما اکل من الشجره و بین ما تاب اللّه علیه ثلاثمأه سنه من أیّام الدّنیا و فی أیّام الآخره یوم کألف سنه«» ما بین العصر إلى العشاء فصلّى آدم ثلاث رکعات و رکعه لخطیئته و رکعه لخطیئه حوّا، و رکعه لتوبته فافترض اللّه هذه الثلاث رکعات على امّتی و هى السّاعه التی یستجاب فیها الدّعا فوعدنى اللّه أن یستجیب لمن دعاه فیها و هى الصّلاه التی أمرنی ربّی بها فی قوله: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِینَ تُمْسُونَ وَ حِینَ تُصْبِحُونَ.
و أمّا صلاه العشاء الآخره فانّ للقبر ظلمه، و لیوم القیامه ظلمه أمرنی اللّه بهذه الصّلاه و امّتی لتنوّر الصّور و لیعطنی و امّتی النّور على الصّراط، و ما من قدم مشت الى صلاه العتمه«» إلّا حرّم اللّه جسدها على النّار و هى الصّلاه التی اختارها اللّه للمرسلین قبلی.
و أمّا صلاه الفجر فانّ الشّمس إذا طلعت تطلع على قرن شیطان، فأمرنی اللّه أن اصلّی قبل طلوع الشّمس صلاه الغداه و قبل أن یسجد لها الکافر لتسجد امتی للّه عزّ و جلّ و سرعتها أحبّ الى اللّه و هى الصّلاه التی یشهدها ملائکه اللّیل و ملائکه النّهار و عله اخرى لذلک و هو ما رواه فی الفقیه أیضا عن الحسین بن أبی العلاء عن أبی عبد اللّه علیه السّلام أنه قال: لما هبط آدم علیه السّلام من الجنّه ظهرت به شأمه سوداء فی وجهه من قرنه إلى قدمه، فطال حزنه و بکاؤه على ما ظهر به، فأتاه جبرئیل فقال له: ما یبکیک یا آدم فقال: لهذه الشامه التی ظهرت بی، قال: قم یا آدم فصلّ فهذا وقت الصّلاه الاولى، فقام فصلّى فانحطت الشامه إلى عنقه، فجاءه فی الصّلاه الثانیه فقال: یا آدم قم فصلّ فهذا وقت الصّلاه الثالثه، فقام فصلّى فانحطت الشّامه إلى سرّته، فجاءه فی الصّلاه الثالثه فقال: یا آدم قم فصلّ فهذا وقت الصّلاه الثالثه فقام فصلّ فانحطت الشامه إلى رکبتیه، فجاء فی الصّلاه الرّابعه فقال: یا آدم قم فصلّى فهذا وقت الصّلاه الرابعه، فقام فصلّى فانحطت الشامه إلى قدمیه، فجاءه فی الصّلاه الخامسه فقال: یا آدم قم فصلّ فهذا وقت الصّلاه الخامسه، فقام فصلّى فخرج منها، فحمد اللّه و أثنا علیه فقال جبرئیل: یا آدم مثل ولدک فی هذه الصّلاه کمثلک فی هذه الشّامه، من صلّى من ولدک فی کلّ یوم و لیله خمس صلوات خرج من ذنوبه کما خرجت من هذه الشّامه، و یأتی لها علّه ثالثه انشاء اللّه فی شرح الخطبه المأه و الحادیه و التسعین.
و أما أسرار الصلاه فهى کثیره لا یمکن استقصاؤها و إنّما نشیر إلى نبذ منها مما اشیر إلیها فی الروایات و وصل إلینا من أولى الألباب و الدّرایات و أرباب المعرفه و الاشارات فنقول و باللّه التوفیق: إنّ الصّلاه الکامله قد خصّت من بین سایر العبادات بأنّها بمنزله انسان کامل مشتمل على روح و جسد، منقسم إلى ظهر و بطن و سرّ و علن، و لروحه و سرّه أخلاق و صفات، و لجسده و علن أعضاء و أشکال، فروح الصّلاه أهل معرفه الحقّ و العبودیّه له بالاخلاص و التوحید.
أمّا أخلاقها و صفاتها الباطنه فیجمعها امور و هی: حضور القلب، و التفهّم و التعظیم، و الهیبه، و الرجاء، و الحیاء، و هذه ستّ خصال شریفه و حالات کریمه و ملکات عظیمه لا یوجد جمیعها إلّا فی مؤمن امتحن اللّه قلبه بنور الایمان و العرفان اما حضور القلب فهو تفریغ القلب عن غیر ما هو ملابس له و متکلّم به و صرفه إلى ما یتلبّس به من الأفعال و یتکلّم به من الأقوال، و لا یحصل ذلک إلّا بعد معرفه المصلّى بانّ الغرض المطلوب منه هو الایمان و التصدیق بأنّ الآخره خیر و أبقى، و أنّ الصّلاه وسیله الیها، فاذا اضیف إلى تلک المعرفه العلم بحقاره الدّنیا و خسّتها و زوالها انصرف القلب عن مهمّات الدّنیا لا محاله و توجّه إلى صلاته الموصله و إلى سعادات الآخره و هو معنى حضور القلب.
روى إبراهیم الکرخی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام أنّه قال: إنّی لاحبّ الرّجل المؤمن منکم إذا قام فی صلاه فریضه أن یقبل بقلبه إلى اللّه تعالى و لا یشغل قلبه بأمر الدّنیا، فلیس من عبد یقبل بقلبه فی صلاته إلى اللّه تعالى إلّا أقبل اللّه إلیه بوجهه، و أقبل بقلوب المؤمنین إلیه بالمحبه بعد حبّ اللّه إلیه ایّاه.
و عن الخصال باسناده عن علىّ علیه السّلام فی حدیث الأربعمائه قال: لا یقومنّ أحدکم فی الصّلاه متکاسلا، و لانا عسا، و لا یفکّرن فی نفسه، فانه بین یدی ربّه عزّ و جلّ، و إنما للعبد من صلاته ما أقبل علیه منها بقلبه.
أقول: و مرّ ذلک أنّ الصّلاه فی الحقیقه معراج المؤمن و مناجاه الرّب المعبود، فلا بدّ فیه من الاقبال، لأنّ من لا یقبل علیک لا یستحقّ اقبالک علیه، کما لو حاربک من تعلم غفلته من محاربتک و إعراضه عن محاورتک، فانّه یستحق إعراضک عن خطابه و اشتغالک بجوابه.
قال الصّادق علیه السّلام من أراد أن ینظر منزلته عند اللّه فلینظر منزله اللّه عنده، فانّ اللّه ینزل العبد مثل ما ینزل العبد إلیه من نفسه.
و أما التفهم فهو التّدبر فی معنى اللّفظ، و هو أمر وراء حضور القلب، فربما یکون القلب حاضرا مع اللفظ و لا یکون حاضرا مع معنى اللّفظ، فاشتمال القلب القلب على العلم بمعنى اللّفظ هو المراد بالتفهم، و قد ذمّ اللّه أقواما على ترک التدبّر حیث قال: أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها.
و روى سیف بن عمیر عمّن سمع أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: من صلّى رکعتین یعلم ما یقول فیهما انصرف و لیس بینه و بین اللّه ذنب إلّا غفر له.
ثمّ الناس فی هذا المقام أى مقام التفهّم متفاوتون، إذ لیس یشترک الجمیع فی تفهّم معانی القرآن و التّسلیمات، و کم من معانی لطیفه یفهمها المصلّى فی أثناء الصّلاه و لم یکن خطر بقلبه قبل ذلک، و من هذا الوجه کانت الصّلاه تنهى عن الفحشاء و المنکر، فانّما یفهم امورا هى مانعه من الفحشاء لا محاله.
روى یونس بن ظبیان عن أبى عبد اللّه علیه السّلام أنه قال: اعلم أنّ الصّلاه حجزه اللّه فی الأرض فمن أحبّ أن یعلم ما أدرک من نفع صلاته فلینظر، فان کانت صلاته حجزته عن الفواحش و المنکر فانّما أدرک من نفعها بقدر ما احتجز، و من أحبّ أن یعلم ماله عند اللّه فلیعلم ما للّه عنده و اما التعظیم فهو أمر وراء حضور القلب و الفهم، فربما یخاطب الرّجل عبده بکلام و هو حاضر القلب فیه و متفهّم لمعناه، و لا یکون معظما له، فالتعظیم أمر زاید علیهما، و هو حاله للقلب منشاها معرفه جلال الرّب سبحانه و کبریائه و عظمته مع معرفه حقاره النّفس و خسّتها و کونها عبدا مسخّرا مربوبا، فیتولّد من هاتین المعرفتین الاستکانه و الانکسار و الخشوع للّه سبحانه، فیعبّر عنه بالتعظیم.
روى الحلبیّ عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إذا کنت فی صلاتک فعلیک بالخشوع و الاقبال على صلاتک، فانّ اللّه تعالى یقول: الّذینهم فی صلاتهم خاشعون، ثمّ الخشوع کما یکون فی القلب کذلک یکون فی الجوارح، و یدلّ علیه ما رواه الطّبرسی فی مجمع البیان أنّ النبیّ رأى رجلا یعبث بلحیته فی صلاته فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أما أنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه.
و اما الهیبه فأمر زاید على التعظیم، و هى عباره عن خوف منشاه التعظیم، لأنّ من لا یخاف لا یسمّى هایبا، و المخافه من العقرب و الحیّه و سایر الموذیات و من العقوبه و سوء خلق العبد و ما یجرى مجرى ذلک من الأسباب الخسیسه لا تسمّى مهابه، فالهیبه خوف مصدره الاجلال، و هى متولّده من المعرفه بقدره اللّه و سطوته و نفوذ أمره و مشیّته فیه مع قلّه مبالاته به، و أنّه بحیث لو أهلک الأوّلین و الآخرین لم ینقص من ملکه مثقال ذرّه، لا سیّما إذا انضمّ إلى ذلک ملاحظه ما جرى على الأنبیاء و الأولیاء من أنواع المحن و المصائب و البلاء، و کلّما زاد العلم باللّه و کبریائه زادت الهیبه و الخشیه، و لأجل ذلک قال تعالى: إنّما یخشى اللّه من عباده العلماء.
روى فضیل بن یسار عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: کان علیّ بن الحسین علیه السّلام اذا قام إلى الصّلاه تغیّر لونه، فاذا سجد لم یرفع رأسه حتى یرفض عرقا و عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام إنى رأیت علیّ بن الحسین علیهما السّلام إذا قام إلى الصلاه غشى لونه لون آخر، فقال لی: و اللّه إنّ علیّ بن الحسین علیهما السلام کان یعرف الذى یقوم بین یدیه.
و عن جهم بن حمید عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال أبی: کان علیّ بن الحسین إذا قام إلى الصّلاه کأنّه ساق شجره لا یتحرّک منه شیء إلّا ما حرّکت الرّیح منه و قد اخرجت هذه الرّوایات و سابقتها من الوسایل رواها فیه باسنادها من الکافی و غیره.
و اما الرجاء فلا شک أنّه زاید على ما سبق، فکم من معظم ملکا من الملوک یهابه أو یخاف سطوته و لا یرجو انعامه و مبرّته، و العبد ینبغی أن یکون راجیا بصلاته ثواب اللّه کما أنه خائف بتقصیره عقاب اللّه، و منشا الرّجا معرفه لطف الحقّ و کرمه و عمیم جوده و احسانه و شمول رحمته و انعامه و معرفه صدقه فی وعده على الصلاه بالثواب و بشراه بالجنّه و حسن المآب، فبمجموع المعرفه بلطفه سبحانه و المعرفه بصدقه یحصل الرجاء.
قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم الصّلاه مرضاه اللّه، و حبّ الملائکه، و سنّه الأنبیاء و نور المعرفه، و أصل الایمان، و اجابه الدّعاء، و قبول الاعمال، و برکه فی الرّزق و راحه فی البدن، و سلاح على الأعداء، و کراهه الشّیطان، و شفیع بین صاحبها و ملک الموت، و السراج فی القبر، و فراش تحت جنبه، و جواب منکر و نکیر، و مونس فی السّراء و الضّراء، و صائر معه فی قبره إلى یوم القیامه.
و أما الحیاء فزیادته على ما سبق واضحه، لأنّ مستنده استشعار تقصیر و توهّم ذنب، و یتصوّر التعظیم و الخوف و الرّجاء من غیر حیاء، حیث لا یتوهّم تقصیر و خطاء و منشا استشعار التقصیر و توهّم الذّنب علم المکلف بالعجز عن القیام بوظائف العبودیّه و التعظیم على ما یلیق بحضره الرّبوبیّه سبحانه، و یزید ذلک بالاطلاع على کثره عیوب النّفس و آفاتها، و فرط رغبتها فی أفعالها و حرکاتها و سکناتها إلى الدّنیا و شهواتها، و قلّه اخلاصها فی طاعاتها مع العلم بعظیم ما یقتضیه جلال اللّه و عظمته و کبریائه، و مع المعرفه بأنه خبیر بصیر مطلع على السرائر، عالم بالضمائر، و هذه المعارف إذا حصلت یقینا انبعث منها الحیاء.
و أما اعضاء الصلاه و أشکالها فهى: القیام، و القعود، و القرائه، و التشهد و الرکوع، و السجود، و ظاهرها یرتبط بظاهر الانسان، و به یکلف العوام الذین درجتهم درجه الأنعام، لیمتازوا بذلک التعبّد الظاهرى عن سایر أنواع الحیوان فی العاجل، و یستحقوا به نوعا من الثواب فی الاجل، و باطنها یلتزم بباطن الانسان ممن له قلب أو ألقى السّمع و هو شهید.
أمّا صلاه الظاهر المأمور بها شرعا و المفروضه على کافه المکلّفین سمعا فاعدادها معلومه، و أوقاتها مرسومه، و أرکانها مضبوطه، و أحکامها فی الکتب مسطوره، لا حاجه بنا إلى تفصیلها الشهرتها، و کفایه الکتب الفقهیّه فی تعیین شرایطها و أحکامها و أمّا صلاه الباطن و صلاه أهل الخصص فنشیر إلى بعض أسرارها و یسیر ممّا ینبغی لها لتکون على ذکر منها عند القیام بها، و تأتى بها على وجه البصیره و المعرفه إن کنت من أهل القرب و الطّاعه فنقول و باللّه التوفیق:اما الطهاره فاذا أتیت بها فی مکانک و هو طرفک الأبعد، ثمّ فی ثیابک و هو غلافک الأقرب، ثمّ فی بشرتک و هو قشرک الأدنى فلا تغفل عن تطهیر ذاتک و إزاله رجس الشیطان عن لبّک بالتوبه و النّدم على التفریط فی جنب اللّه کما قال سبحانه: و ثیابک فطهّر و الرّجز فاهجر، فطهّر قلبک فانّه منظر معبودک.
و اما ستر العوره فمعناه تعطیه مقابح بدنک عن أبصار الخلق أعنى سکّان عالم الأرض، فاذا وجب علیک ستر ظاهر البدن عن الخلق و هم مخلوق مثلک فما ظنک فی عورات باطنک و فضایح سترک الذی هو موضع نظر معبودک و خالقک، فانها أولى بالسّتر و أحرى، فاحضر تلک الفضایح ببالک، و طالب نفسک بسترها بالنّدم و الخوف و الحیاء، و نزل نفسک منزله العبد المجرم المسىء الآبق الذى ندم فرجع إلى مولاه ناکسا رأسه من الحیاء و الخوف.
و اما الاستقبال فهو صرف ظاهر وجهک من سایر الجهات إلى جهه البیت الحرام، أفترى أنک مأمور بذلک و لست مأمورا بتوجیه قلبک إلى معبودک، فلیکن وجه قلبک مع وجه بدنک، و کما لا یمکن التوجّه بالبیت إلّا بالالتفات عن سایر الجهات، فکذلک لا یمکن التّوجّه إلى الحقّ، إلّا بالاعراض عن کلّ ما عداه، و الانقطاع بکلّیته إلى اللّه.
و أما القیام فلیکن على ذکرک فی الحال خطر القیام بین یدی الربّ المتعال فی القیامه و هو المطّلع فی مقام العرض و السّؤال حین ما أیقن أهل الجرائم بالعقاب و عاینوا ألیم العذاب، فقم بین یدیه سبحانه قیام عبد ذلیل بین یدی ملک جلیل، و علیک بخفوت أطرافک و هد و أطراقک و سکون جوارحک و خشوع أجزائک و حاسب نفسک قبل أن تحاسب، وزن نفسک قبل أن توزن.
و أما النیه فاعلم أنّ الأعمال بالنیات و أنّ النّیه رأس العبادات، فاجتهد فی تحصیل الاخلاص، رجاء للثّواب و خوفا من العقاب و طلبا للقرب إلى ربّ الأرباب قال الصادق علیه السّلام إذا کان أوّل صلاته بنیّه یرید بها ربّه فلا یضرّه ما دخله بعد ذلک فلیمض فی صلاته و لیخسأ الشّیطان.
و أما التکبیر فاذا نطق به لسانک فینبغی أن لا یکذّبه قلبک، فان کان هواک أغلب علیک من أمر اللّه و أنت أطوع له منک للّه فقد اتّخذته إلها لک و معبودا من دون اللّه کما قال عزّ من قائل: أرأیت من اتّخذ إلهه هویه، فقولک: اللّه أکبر یکون حینئذ کلاما بمجرّد اللّسان من دون أن یساعده القلب و الجنان، فیشهد اللّه سبحانه علیک بأنک لکاذب فی تکبیره و تعظیمه کما شهد على المنافقین بأنهم لکاذبون فی قولهم: نشهد أنّک لرسول اللّه، و ما أعظم الخطر فی ذلک لو لا التّدارک بالتوبه و الاستغفار.
و اما القرائه فالناس فیها على ثلاثه أقسام: السّابقون و هم المقرّبون، و أصحاب الیمین و هم أهل الجنّه، و أصحاب الشّمال و هم أهل النّار، فرجل یتحرّک لسانه و قلبه غافل عما هو فیه و یتکلّم به، بل مشغول الفکر بأغراض نفسه و معاملاته و تجاراته و خصوماته و غیرها، و رجل یتحرّک لسانه و قلبه یتبع اللّسان فیفهم و یسمع منه کانه یسمعه من غیره و هو مقام أصحاب الیمین، و رجل یسبق قلبه إلى المعانی أوّلا ثمّ یخدم اللّسان القلب فیترجمه کما ربّما یخطر ببالک شیء فینبعث منک داعیه الشّوق إلى التکلّم به و فرق بین أن یکون اللّسان ترجمان القلب و بین أن یکون القلب ترجمانا تابعا للسان، و المقرّبون لسانهم ترجمان قلوبهم.
و توضیح ترجمه المعانی أنک اذا قلت: أعوذ باللّه من الشیطان الرّجیم، فادفع وساوس قلبک و عجب نفسک، و طهّر ساحه قلبک من خطرات ابلیس و أحادیث النفس لیتیسّر لک الدّخول فی باب الرّحمه فینفتح لک باب الملکوت بالمغفره و باب الجبروت بالفضل و الکرامه، و إذا قلت: بسم اللّه الرّحمن الرّحیم، فانو به التبرّک باسمه، و اعلم أنّ الامور کلّها باللّه و هى من فیض رحمته فی الدّنیا و الآخره فاذا کانت النعم الدّنیویّه و الاخرویّه مبدؤها وجوده و کانت کلّها من بحر کرمه وجوده کما قال عزّ من قائل: و ما بکم من نعمه فمن اللّه، فاعلم أنه لا یلیق الحمد و الثناء إلّا للّه سبحانه، فقل: الحمد للّه، فلو کنت ترى نعمه من عند غیره و تتوقّع منه الوصول الیها و تقرع بید السّؤال بابه بزعم استقلاله فیها لا باعتقاد أنه واسطه فی ایصالها إلیک و آله لوصولها إلى یدیک فتشکره بذلک، ففی تسمیتک و تحمیدک نقصان و أنت بقدر التفاتک إلى غیره کاذب فیهما.
ثمّ اعلم أنّک تأسّیت فی تحمیدک للّه بالملائکه المقرّبین حیث قالوا قبل أن یخلق اللّه سبحانه هذه النشأه: نحن نسبّح بحمدک و نقدّس لک، و بعباد اللّه الصّالحین، حیث إنّهم بعد ما یحکم بینهم و بین المجرمین یوم الحاقه بالحقّ فیحمدون ربهم کما اخبر عنهم بقوله: و قضی بینهم بالحقّ و قیل الحمد للّه ربّ العالمین، و بعد ما یعتبرون الصراط و یجدون رایحه الجنان یقولون: الحمد للّه الذی هدانا لهذا، و بعد ما یتمکنون فی قصور الجنّات و یجلسون وسط الرّوضات یقولون: الحمد للّه الذی صدقنا وعده، و بعد ما ینالون غایه الآمال و یجزون الحسنى بالأعمال یکون آخر کلامهم حمد الرّب المتعال، و آخر دعویهم أن الحمد للّه رب العالمین، فاذا کان بدیه العالم و نهایته مبنیّه على الحمد فاجتهد أن یکون بدایه عملک و نهایته کذلک، و کما أنّ حمد هؤلاء المقرّبین ناش عن وجه الاخلاص و الیقین، فلیکن ثناؤک کذلک و إذا قلت: ربّ العالمین، فاعلم أنّه سبحانه مربّیک و مربّی سایر الخلائق أجمعین، حیث إنه خلقهم و ساق الیهم أرزاقهم و دبّر امورهم و قام بمصالحهم و بدء بالآمال قبل السؤال، و أنه رباهم بعظیم ما لدیه من دون جلب ربح و منفعه منهم إلیه کما هو شأن سایر المربّین و المحسنین فانهم انما یربون و یحسنون لیربحوا على ذلک و ینتفعوا بذلک إما ثوابا أو ثناء، فاذا کان تربیته کذلک فلینبعث منک مزید شوق و رجاء إلى فضله و نواله.
و لیشتدّ ذلک الرّجاء إذا قلت: الرّحمن الرّحیم، فانّ رحمته سبحانه لانهایه لها، فبرحمته الرّحمانیه خلق الدّنیا و ما فیها، و برحمته الرّحیمیّه یجزى لمؤمنین الجزاء الأوفى، و هو الذی ینادى عبده و یشرفه بألطف الخطاب حین ما وارده فی التراب، و ودّعه الأحباب و یقول: عبدی بقیت فریدا وحیدا فأنا أرحمک الیوم رحمه یتعجّب الخلائق منها.
ثمّ لا تغترّ بذلک و لا تأمن من غضبه و استشعر من قلبک الخوف، و إذا قلت: مالک یوم الدّین، فاحضر فی نظرک أنواع غضبه و قهره على أهل الجرائم و الجوائز و اعلم أنّه لا مانع ذلک الیوم من سخطه و لا رادّ من عقابه، لانحصار الملک یومئذ فیه، فلیس لأحد لجأ یؤویه.
ثمّ إذا حصلت بین الخوف و الرّجاء فجرد الاخلاص و التوحید و قل: إیّاک نعبد، أى لا یستحقّ العباده إلّا أنت و لا معبود سواک و لا نعبد إلّا إیّاک، و تفطّن لسرّ التکلّم بصیعه الجمع نکته تشریک الغیر معک فی الاذعان بالعبودیّه، و هو أنّ من باع أمتعه کثیره صفقه بعضها صحیح و بعضها معیب فاللّازم على المشتری إمّا قبول الجمیع أو ردّ الجمیع، و لا یجوز له ردّ المعیب و أخذ الصحیح، فههنا قد مزجت عبادتک بعباده غیرک من الأنبیاء و المرسلین و الملائکه المقرّبین و عباد اللّه الصّالحین، و عرضت الجمیع صفقه واحده على حضره ربّ العالمین، فهو سبحانه أجلّ من أن یردّ المعیب و یقبل الصحیح، فانّه قد نهى عباده عن ذلک فلا یلیق بکرمه ذلک، کما لا یلیق به ردّ الجمیع لکون بعضها مقبولا البته فلم یبق إلّا قبول الجمیع و هو المطلوب.
ثمّ القیام منک بوظایف العبودیه و الاتیان بلوازم الطّاعه لما لم یکن ممکنا إلّا باعانه منه سبحانه و إفاضه منه الحول و القوّه الیک فتضرّع إلیه تعالى و اطلب منه التوفیق و الاعانه و قل: و إیّاک نستعین، و تحقّق أنه ما تیسّرت طاعتک إلّا باعانته و أنّه لولا توفیقه لکنت من المطرودین مع الشّیطان اللعین و إذا أظهرت حاجتک إلیه سبحانه فی إفاضته الاعانه و التّوفیق فعیّن مسئولک و اطلب منه تعالى أهمّ حاجاتک و لیس ذلک إلّا طلب القرب من جواره، و لا یکون ذلک إلّا بالحرکه و السکون نحوه و سلوک السّبیل المؤدّى الیه و لا یمکن ذلک إلّا بهدایته سبحانه فقل: اهدنا الصّراط المستقیم، قال الصادق علیه السّلام یعنی أرشدنا للزوم الطّریق المؤدّى إلى محبّتک و المبلغ إلى جنّتک و المانع من أن نتبع أهوائنا فنعطب أو نأخذ بآرائنا فنهلک.
و زد ذلک شرحا و تفصیلا و تأکیدا بقولک: صراط الذین أنعمت علیهم، و هم الذین أنعم علیهم بالتوفیق و الطّاعه لا بالمال و الصّحه و هم الذین قال اللّه تعالى.
وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِکَ مَعَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ وَ الصِّدِّیقِینَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِینَ وَ حَسُنَ أُولئِکَ رَفِیقاً.
و أمّا الذین انعم علیهم بالمال و الصحّه فربما یکونون کفّارا أو فسّاقا من الذین لعنهم اللّه و غضب علیهم، أو من الضّالین المکذّبین، و لذلک حسن التأکید بأن تقول: غیر المغضوب علیهم، و هم الیهود قال اللّه فیهم: من لعنه اللّه و غضب علیه، و لا الضّالّین، و هم النّصارى قال اللّه فیهم قد ضلّوا من قبل و أضلّوا کثیرا فاذا فرغت من قراءه فاتحه الکتاب فأقرء ما شئت من السّور، و علیک بالترتیل و تعمد الاعراب فی ألفاظ ما تقرؤها و التّفکّر فی معناها، و سؤال الرحمه و التّعوّذ من النقمه عند قراءه آیتیهما، ثمّ إذا فرغت من القرائه فجدّد ذکر کبریاء اللّه سبحانه و عظمته و ارفع یدیک حیال وجهک و قال: اللّه أکبر استجاره بعفوه عن عقابه و اتباعا لسنّه رسوله، ثمّ تستأنف له ذلّا و تواضعا برکوعک و تجتهد فی ترقیق قلبک و فی استشعار الخشوع له، و علیک بالطمأنینه و الوقار و تسویه ظهرک و مدّ عنقک.
فقد قال أبو جعفر علیه السّلام: من أتمّ رکوعه لم یدخله وحشه فی القبر.
و فی مرفوعه أبی القاسم بن سلام قال: کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إذا رکع لوصبّ على ظهره ماء لاستقرّ، و أمّا مدّ العنق فمعناه إنّى آمنت بک و لو ضربت عنقى.
ثمّ تشهد على ربّک بالعظمه و أنّه أعظم من کلّ عظیم فتقول: سبحان ربّى العظیم و بحمده، و تکرّر ذلک على القلب و تؤکده بالتکریر، ثمّ تنتصب قائما و تقول: سمع اللّه لمن حمده و الحمد للّه ربّ العالمین، ثمّ تهوى إلى السّجود و هو أعلى درجات التذلّل و الاستکانه حیث الصقت أعزّ جوارحک و أشرفها و هو الجبهه بأذلّ الأشیاء و أخسّها و هو التراب، و قد نهیت عن السجود على الذهب و الفضّه و المطاعم و الملابس، لأنها متاع الحیاه الدّنیا و السّجده زاد الآخره.
روى الصّدوق باسناده عن هشام بن الحکم أنّه قال لأبی عبد اللّه علیه السّلام: أخبرنی عمّا یجوز السجود علیه و عما لا یجوز، قال: السجود لا یجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما أکل أو لبس، فقال له: جعلت فداک ما العلّه فی ذلک، قال: لأنّ السّجود خضوع للّه عزّ و جلّ فلا ینبغی أن یکون على ما یؤکل و یلبس، لأنّ أبناء الدّنیا عبید ما یأکلون و یلبسون، و الساجد فی سجوده فی عباده اللّه عزّ و جلّ فلا ینبغی أن یضع جهته فی سجوده على معبود أبناء الدّنیا الذین اغترّوا بغرورها.
و أمّا تعدّد السجود فسّره ما أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السّلام حیث سأله رجل ما معنى السجده الاولى فقال علیه السّلام: تأویلها اللّهم منها خلقتنا یعنی من الأرض، و تأویل رفع رأسک: و منها أخرجتنا و السجده الثانیه: و إلیها تعیدنا، و رفع رأسک منها: و منها تخرجنا تاره اخرى.
أقول: و هو مأخوذ من قوله سبحانه فی سوره طه: مِنْها خَلَقْناکُمْ وَ فِیها نُعِیدُکُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُکُمْ تارَهً أُخْرى.
ثمّ تجلس لتشهد على یسارک و ترفع یمینک و تأویل ذلک: اللّهمّ أمت الباطل و اقحم الحقّ، فتجدّد العهد للّه سبحانه بالشهاده بالتوحید و للنبیّ بالشهاده بالرّساله، و تصلّى علیه و آله الذین هم وسایط الفیوضات النازله، و بهم قبول الصّلاه و سایر العبادات، و بالتقرّب الیهم یرجى نزول الرّحمه من الحقّ، لکونهم واسطه بینک و بین الرسول کما أنّه واسطه بین اللّه و بین الخلق.
ثمّ احضر شخصه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی قلبک و قل: السّلام علیک أیّها النّبیّ و رحمه اللّه و برکاته، لتدخل فی زمره المؤمنین المجیبین لنداء یا أیّها الذین آمنوا صلّوا علیه و سلّموا تسلیما، ثمّ سلّم على نفسک و على عباد اللّه الصّالحین، و تأمّل أنّ اللّه یردّ علیک سلاما بعدد عباده الصالحین، و أما قولک: السّلام علیکم و رحمه اللّه و برکاته، فتقصد بخطابک فیه الأنبیاء و الملائکه و الأئمه علیهم السّلام و المؤمنین من الجنّ و الانس و تحضرهم ببالک و تخاطبهم به، و إلّا کان التسلیم بصیغه الخطاب لغوا و إن کان مخرجا عن العهده، و حقیقه هذا التسلیم هو الرّجوع عن الحقّ إلى الخلق، فانّ الصّلاه معراج للمؤمن و مناجاه للعبد مع معبوده و حضور له مع اللّه و غیبته له عما سواه، فاذا انصرف منه لزم علیه تجدید العهد بالخلق و التسّلیم علیهم کما یسلم الغائب إذا قدم من سفره.
هذا قلیل من کثیر و نبذ یسیر من أسرار الصّلاه، و المقام لا یسع الزیاده، و اللّه ولیّ التوفیق و الهدایه.
(و) الخامس من الوسایل (إیتاء الزّکاهفانها فریضه واجبه) و الاتیان بالوجوب بعد الفرض لمحض التأکید و الاشاره إلى تأکّد وجوبها نظیر قوله سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساکِینِ وَ الْعامِلِینَ عَلَیْها وَ الْمُؤَلَّفَهِ قُلُوبُهُمْ وَ فِی الرِّقابِ وَ الْغارِمِینَ وَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ فَرِیضَهً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ.
فانّه سبحانه بعد الأمر بها بالجمله الخبریه التی هى فی معنى الانشاء، عقّبه بقوله: فریضه، تأکیدا للوجوب، قال الزّجاج: فریضه منصوب على التوکید، لأنّ قوله: إنّما الصّدقات لهؤلاء جار مجرى قوله: فرض اللّه الصّدقات لهؤلاء فریضه و ذلک کالزجر عن مخالفه هذا الظاهر.
قال رفاعه بن موسى: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: ما فرض اللّه على هذه الأمه أشدّ علیهم من الزّکاه و فیها تهلک عامّتهم.
أو الفریضه من الفرض بمعنى القطع و التقدیر و منه قوله سبحانه: لَعَنَهُ اللَّهُ وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَّ أى منقطعا محدودا و یطلقون الفقهاء فی باب المواریث على ذوى السهام المقدّره ذوى الفرائض باعتبار أنّ سهامهم مقدّره معیّنه فی کتاب اللّه سبحانه و على هذا فیکون معنى قوله علیه السّلام: انّها فریضه واجبه أنها شیء مقدّر منقطع متّصف بالوجوب، و کیف کان فهى من أعظم دعائم الدّین و أقوى أرکان الاسلام، و الکلام فیها فی مقامین.
المقام الاول فی علّه وجوبها و فضلها و عقوبه مانعها.
أمّا فضلها و وجوبها فکفى بذلک أنّ أکثر الآیات المتضمّنه للأمر باقامه الصّلاه متضمّنه للأمر بایتاء الزّکاه، فجعل الزّکاه تالى الصّلاه، و الأخبار فی هذا المعنى فوق حدّ الاحصاء.
ففی الکافی باسناده عن محمّد بن مسلم و أبی بصیر و برید عن أبی جعفر و أبی عبد اللّه علیهما السّلام قالا: فرض اللّه الزّکاه مع الصّلاه.
و عن مبارک العقرقوفی قال: قال أبو الحسن علیه السّلام إنّ اللّه عزّ و جلّ وضع الزّکاه قوتا للفقراء و توقیرا لأموالکم.
و عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه و غیره عن رجل من أهل ساباط قال: قال أبو عبد اللّه علیه السّلام لعمّار السّاباطی: یا عمّار أنت ربّ مال کثیر قال: نعم جعلت فداک، قال: فتؤدّى ما افترض اللّه علیک من الزّکاه فقال: نعم، قال: فتخرج الحقّ المعلوم من مالک قال: نعم، قال: فتصل قرابتک قال: نعم، قال: فتصل اخوانک قال: نعم، فقال علیه السّلام: یا عمّار إنّ المال یفنى و البدن یبلى و العمل یبقى و الدّیان حىّ لا یموت، یا عمّار إنّه ما قدّمت فلن یسبقک، و ما أخّرت فلن یلحقک. و رواه الصّدوق فی الفقیه عنه علیه السّلام مثله.
و فیه أیضا عن معتب مولى الصّادق علیه السّلام قال: قال الصّادق علیه السّلام: إنما وضعت الزّکاه اختبارا للأغنیاء و معونه للفقراء، و لو أنّ النّاس ردّوا زکاه أموالهم ما بقى مسلم فقیرا محتاجا، و لا ستغنى بما فرض اللّه له، إنّ النّاس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا غروا إلّا بذنوب الأغنیاء، و حقیق على اللّه أن یمنع رحمته ممن منع حقّ اللّه فی ماله، و اقسم بالذی خلق الخلق و بسط الرّزق إنه ما ضاع مال فی برّ و لا بحر إلّا بترک الزّکاه، و ما صید فی برّ و لا بحر إلّا بترکه التسبیح فی ذلک الیوم و إنّ أحبّ النّاس إلى اللّه أسخاهم کفا، و أسخى النّاس من أدّى زکاه ماله و لم یبخل على المؤمنین بما افترض اللّه لهم فی ماله.
و فیه أیضا أنّه کتب الرّضا علیّ بن موسى علیهما السلام إلى محمّد بن سنان فیما کتب إلیه من جواب مسائله: أنّ علّه الزکاه من أجل قوت الفقراء و تحصین أموال الأغنیاء، لأنّ اللّه کلّف أهل الصّحه القیام بشأن أهل الزّمانه و البلوى کما قال تعالى.
لَتُبْلَوُنَّ فِی أَمْوالِکُمْ وَ أَنْفُسِکُمْ.
فی أموالکم اخراج الزکاه، و فی أنفسکم توطین النفس على الصبّر مع ما فی ذلک من أداء شکر نعم اللّه و الطمع فی الزّیاده مع ما فیه من الرفاده و الرأفه و الرّحمه لأهل الضعف، و العطف على أهل المسکنه و الحثّ لهم على المواساه، و تقویه الفقراء و المعونه لهم على أمر الدّین، و موعظه لأهل الغنى، و عبره لهم لیستدلّوا على فقراء الآخره بهم و ما لهم عن الحثّ فی ذلک على الشکر للّه لما خوّلهم و أعطاهم و الدّعا و التضرّع و الخوف من أن یصیر و امثلهم فی امور کثیره فی أداء الزکاه و الصّدقات و صله الأرحام و اصطناع المعروف.
قال الصّدوق: و قال أبو الحسن موسى بن جعفر علیهما السّلام: من أخرج زکاه ماله تامّا فوضعها فی موضعها لم یسأل من أین اکتسب ماله.
قال: و قال الصّادق علیه السّلام: إنما جعل اللّه الزکاه فی کلّ ألف خمسه و عشرین درهما، لأنّ اللّه تعالى خلق الخلق فعلم غنیّهم و فقیرهم و قویّهم و ضعیفهم، فجعل من کلّ ألف خمسه و عشرین مسکینا لو لا ذلک لزادهم اللّه لأنه خالقهم و هو أعلم بهم.
اما عقوبه تارک الزکاه و مانعها فقد قال تعالى فی سوره آل عمران: وَ لا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ یَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَیْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَیُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ یَوْمَ الْقِیامَهِ وَ لِلَّهِ مِیراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ و فی سوره البراءه: وَ الَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّهَ وَ لا یُنْفِقُونَها فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِیمٍ یَوْمَ یُحْمى عَلَیْها فِی نارِ جَهَنَّمَ فَتُکْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما کَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ فَذُوقُوا ما کُنْتُمْ تَکْنِزُونَ.
و لا یخفى ما فی الآیتین من وجوه الحثّ على الانفاق و الوعید على الامساک.
أما الایه الاولى فجهات الانذار فیها غیر خفیّه الأولى أنّه سبحانه نهى عن حسبان الممسکین إمساکهم خیرا لهم و نفعا فی حقّهم و أکّد ذلک بالنون المفیده للتوکید الثانیه أنّه وصف الممسکین بصفه البخل و هو صفه ذمّ الثالثه أنّ ما بخلوا به هو ممّا آتاهم اللّه فاللّازم علیهم أن یتصرّفوا فیه بما أمر اللّه و یصرفوه إلى ما أراده اللّه الرابعه أنّ ذلک شرّ لهم و ضرّ فی حقّهم الخامسه أنّهم یطوّقون ما بخلوا به یوم القیامه.
روى الصّدوق عن حریز عن أبی عبد اللّه علیه السّلام أنّه قال: ما من ذى ذهب أو فضه تمنع زکاه ماله إلّا حبسه اللّه یوم القیامه بقاع قرقر«» و سلّط علیه شجاعا أقرع«» یریده و هو یحید عنه فاذا رأى أنه لا یتخلّص منه انکسه فقضمها کما یقضم الفجل ثمّ یصیر طوقا فی عنقه و ذلک قوله:سَیُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ یَوْمَ الْقِیامَهِ.
و ما من ذی ابل أو بقر أو غنم یمنع زکاه ماله إلّا حبسه اللّه یوم القیامه بقاع قرقر تطاه کلّ ذات ظلف بظلفها، و ینهشه کلّ ذات ناب بنابها، و ما من ذی نخل أو کرم أو زرع یمنع زکاته إلّا طوّقه اللّه ریعه أرضه إلى سبع أرضین إلى یوم القیامه.
و فی الکافی باسناده عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: سیطوّقون ما بخلوا به یوم القیامه، فقال: یا محمّد ما من أحد یمنع من زکاه ماله شیئا إلّا جعل اللّه ذلک یوم القیامه ثعبانا من نار مطوّقا فی عنقه ینهش من لحمه حتّى یفرغ من الحساب، ثمّ قال هو قول اللّه عزّ و جلّ: سیطوّقون ما بخلوا به یوم القیامه، یعنى ما بخلوا به من الزکاه السادسه أنّ میراث السماوات و الأرض کلّه للّه سبحانه بمعنى أنّه وحده یبقى و غیره یفنى و یبطل ملک کلّ مالک إلّا ملکه، فاذا کان المال فی معرض الفناء و الزّوال فأجدر بالعاقل أن لا یبخل بالانفاق، و لا یحرص على الامساک، فیکون وزره علیه و نفعه لغیره السابعه أنّه سبحانه خبیر بما یعمله المکلّفون بصیر بمخالفتهم لأمره لا یعزب عن علمه بخلهم بالانفاق و منعهم عن أهل الاستحقاق، فسیذیقهم و بال أمرهم عند المساق، اذا التفّت السّاق بالساق.
و اما الآیه الثانیه فقد روى الطبرسیّ عن النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنّه لما نزلت هذه الآیه قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: تبّا للذّهب و الفضّه، یکرّرها ثلاثا، فشقّ ذلک على أصحابه فسأله عمر: أىّ المال نتّخذ فقال: لسانا ذاکرا، و قلبا شاکرا، و زوجه مؤمنه تعین أحدکم على دینه.
و عن أمیر المؤمنین علیه السّلام ما زاد على أربعه آلاف فهو کنز أدّى زکاته أو لم یؤدّ و عن التّهذیب عن الصادق علیه السّلام ما أعطى اللّه عبدا ثلاثین ألفا و هو یرید به خیرا و قال ما جمع رجل قطّ عشره ألف درهم من حلّ و قد یجمعها لأقوام إذا أعطى القوت و رزق العمل فقد جمع اللّه له الدّنیا و الآخره.
و محصّل المعنى أنّ الذین یجمعون المال و لا یؤدّون زکاتهم فأخبرهم بعذاب موجع، و للتعبیر عن ذلک بلفظ البشاره مبنیّ على التهّکّم، لأنّ من یکنز الذّهب و الفضّه فانما یکنزهما لتحصیل الوجاهه بهما یوم الحاجه، و التوسل الى الفرج یوم الشدّه فقیل له: هذا هو الوجاهه و الفرج کما یقال تحیّتهم لیس إلّا الضرب و إکرامهم لیس إلّا الشتم «یوم یحمى علیها» أى یوقد على الکنوز «فى نار جهنّم» حتى تصیر نارا «فتکوى بها» أى بتلک الأموال و الکنوز التی منعوا حقوقها الواجبه «جباههم و جنوبهم و ظهورهم» و تخصیص هذه الأعضاء بالکىّ بوجوه.
أحدها أنّ منظورهم بکسب الأموال و ترک الانفاق لیس إلّا الأغراض الدّنیویّه و هو حصول الوجاهه لهم عند النّاس و حصول الشّبع لهم بأکل الطّیبات فینفتح منه الجنبان و لبس ثیاب فاخره یطرحونها على ظهورهم فوقع الکىّ على هذه الأعضاء جزاء لأغراضهم الفاسده.
الثانی أنّ الجباه کنایه عن مقادیم البدن و الجنون عن طرفیه و الظهور عن المآخیر، و المراد به أنّ الکیّ یستوعب تمام البدن.
الثالث أنّ الجبهه محلّ السّجود فلم یقم فیه بحقّه و الجنب مقابل القلب الّذی لم یخلص فی معتقده، و الظّهر محلّ الأوزار قال: یحملون أوزارهم على ظهورهم.
الرّابع أنّ هذه الأعضاء مجوفه و لیست بمصمته و فی داخلها آلات ضعیفه یعظم التألم بسبب وصول أدنى أثر الیها، بخلاف سایر الأعضاء.
الخامس و هو أحسن الوجوه و ألطفها أنّ صاحب المال إذا رأى الفقیر أوّلا قبض جبهته و عبس وجهه و إذا دار الفقیر یولیه جنبه و إذا دار یولّیه ظهره و قوله «هذا ما کنزتم لأنفسکم» أى یقال لهم فی حاله الکىّ هذا هو الذى ادّخرتموه لأنفسکم، و هو تبکیت لهم بأنّ المال الذى بخلتم بانفاقه و ادّخرتموه لتنتفعوا به صار عذابکم به، فکأنّکم أکنزتموه لیجعل عقابا لکم «فذوقوا» عقاب «ما کنتم تکنزون» به لا بغیره.
قال الطّبرسیّ صاحب التفسیر قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: ما من عبد له مال لا یؤدّى زکاته إلّا جمع یوم القیامه صفایح یحمى علیها فی نار جهنم فتکوى بها جبهته و جنباه و ظهره حتّى یقضى اللّه بین عباده فی یوم کان مقداره خمسین ألف سنه ممّا تعدّون، ثمّ یرى سبیله إما إلى الجنه و إما إلى النّار قال و روى ثوبان عن النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم من ترک کنزا مثل له یوم القیامه شجاعا أقرع له زبیبتان ینتبعه و یقول: ویلک ما أنت، فیقول أنا کنزک الذی ترکت بعدک فلا یزال یتبعه حتى یلقمه یده فیقضمها ثمّ یتبعه سایر جسده
المقام الثانی فی أسرار الزّکاه و دقایق بذل المال و هى امور:الاول أنّ المؤمن الموحّد إذا أقرّ بالتّوحید باللّسان لزم إذعانه به بالجنان و معنى التوحید إفراد المعبود بالمحبوبیّه و اخلاص القلب عمّا سواه و الفراغ عن کلّ ما عداه، فانّ المحبّه أمر لا یقبل الشرکه و الأموال محبوبه عند الخلایق، لأنّها آله تمتّعهم بالدّنیا، و بسببها یأنسون بهذا العالم و ینفرون عن الموت مع أنّ فیه لقاء المحبوب، فجعل اللّه بذل المال امتحانا لهم و تصدیقا لدعوتهم المحبّه له سبحانه و الناس فی ذلک ثلاثه أصناف: صنف صدقوا التوحید و حذفوا عن ساحه قلوبهم ما سوى المعبود و بذلوا أموالهم من غیر تعرّض بوجوب الزّکاه و لم یدّخروا لأنفسهم دینارا و لا درهما، و لم یترکوا بعدهم صفراء و لا بیضاء، و هم الذین قال اللّه سبحانه فی حقهم: وَ یُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کانَ بِهِمْ خَصاصَهٌ وَ یُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْکِیناً وَ یَتِیماً وَ أَسِیراً.
روى فی الکافی باسناده عن محمّد بن سنان عن المفضّل قال: کنت عند أبی عبد اللّه علیه السّلام فسأله رجل فی کم تجب الزّکاه من المال فقال علیه السّلام له: الزکاه الظاهره أم الباطنه ترید فقال: أریدهما جمیعا، فقال علیه السّلام: أمّا الظّاهره ففیکلّ ألف خمسه و عشرون، و أمّا الباطنه فلا تستأثر على أخیک بما هو أحوج إلیه منک.
و صنف درجتهم دون درجه الصنف السابق و هم الممسکون أموالهم المراقبون لمواقیت الحاجات و مواسم الخیرات، فیکون قصدهم فی الادّخار الانفاق على نفسه و عیاله الواجب النفقه بقدر الحاجه، و صرف الفاضل إلى وجوه البرّ مهما ظهر، و هؤلاء لا یقتصرون على مقدار الزّکاه و هم الذین فی أموالهم حقّ معلوم للسائل و المحروم.
روى فی الکافی باسناده عن أبی بصیر قال: کنّا عند أبی عبد اللّه علیه السّلام و معنا بعض أصحاب الأموال، فذکروا الزکاه فقال أبو عبد اللّه علیه السّلام: إنّ الزکاه لیس یحمد بها صاحبها، و انما هو شیء ظاهر إنما حقن بهادمه و سمّى بها مسلما، و لو لم یؤدّها لم یقبل له صلاه، و إنّ علیکم فی أموالکم غیر الزکاه، فقلت أصلحک اللّه و مالنا فی أموالنا غیر الزکاه فقال علیه السّلام: سبحان اللّه أما تسمع اللّه عزّ و جلّ یقول فی کتابه: وَ الَّذِینَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ.
قال: ما ذا الحقّ المعلوم الذی علینا قال علیه السّلام: هو الشیء یعلمه الرجل فی ماله یعطه فی الیوم أو فی الجمعه أو فی الشهر قلّ أو کثر غیر أنه یدوم علیه.
و عن إسماعیل بن جابر عن أبی عبد اللّه علیه السّلام فی قول اللّه عزّ و جلّ وَ الَّذِینَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ.
أهو سوى الزکاه فقال علیه السّلام: هو الرّجل یؤتیه اللّه الثروه من المال فیخرج منه الألف و الألفین و الثلاثه آلاف و الأقلّ و الأکثر فیصل به رحمه و یحمل به الکلّ عن قومه.
و عن القاسم عبد الرّحمن الأنصارى قال: سمعت أبا جعفر علیه السّلام یقول: إنّ رجلا جاء إلى أبی علیّ بن الحسین علیهما السّلام فقال له: أخبرنی عن قوله اللّه عزّ و جلّ: وَ الَّذِینَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ، ما هذا الحقّ المعلوم فقال له علیّ بن الحسین علیهما السّلام: الحقّ المعلوم الشیء یخرجه الرّجل من ماله لیس من الزّکاه و لا من الصّدقه المفروضین، قال: فاذا لم یکن من الزکاه و لا من الصدقه فما هو فقال علیه السّلام: هو الشیء یخرجه الرّجل من ماله إن شاء أکثر و إن شاء أقلّ على قدر ما یملک، فقال له الرّجل: فما یصنع به قال: یصل به رحما و یقوى به ضعیفا و یحمل به کلّا أو یصل به أخا له فی اللّه أو لنائبه تنوبه فقال الرّجل: اللّه أعلم حیث یجعل رسالاته هذا.
و المحروم الرّجل الذی لیس بعقله بأس و لم یبسط له فی الرزق، و رواه الکلینیّ عن أبی جعفر و أبی عبد اللّه علیهما السّلام.
و الصنف الثالث الذین یقتصرون على أداء الواجب فلا یزیدون علیه و لا ینقصون منه و هى أدون الرتب، و قد اقتصر جمیع العوام علیه لبخلهم بالمال و فرط میلهم إلیه و ضعف حبّهم للاخره.
السر الثانی من أسرار الزّکاه
أنها مطهّره من صفه البخل و هى صفه مذمومه من جنود النفس قال سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَهً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَکِّیهِمْ بِها و قال: وَ الَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِیمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ.
الثالث أنّ شکر النّعمه واجب عقلا و شرعا
و هو على ما قاله العلماء عباره عن صرفها إلى طلب مرضات المنعم، فالعبادات البدنیّه شکر لنعمه البدن، و العبادات المالیه شکر لنعمه المال، فیحکم العقل بوجوبها لکونها شکرا للمنعم، و ما أخسّ من ینظر إلى الفقیر و قد ضیق علیه الرزق و انتقع لونه من مسّ الجوع ثمّ لا یسمح نفسه أن یؤدّى شکر اللّه تعالى على إغنائه عن السّؤال و إحواج غیره إلیه بربع العشر أو العشر من ماله.
قال الصّادق علیه السّلام فی روایه سماعه بن مهران المرویّه فی الکافی: و من أدى ما فرض اللّه علیه فقد قضى ما علیه و أدّى شکر ما انعم اللّه علیه فی ماله إذا هو حمده على ما أنعم اللّه علیه فیه بما فضّله به من السّعه على غیره، و لما وفّقه لأداء ما فرض اللّه عزّ و جلّ علیه و أعانه علیه.
الرابع أنّ النفس الناطقه لها قوّتان: نظریّه و عملیّه، فالقوّه النظریّه کما لها فی التعظیم لأمر اللّه، و القوّه العملیّه کمالها فی الشفقّه على خلق اللّه فأوجب اللّه الزّکاه لیحصل لجوهر الرّوح هذا الکمال، و هو اتّصافه بکونه محسنا إلى الخلق، ساعیا فی ایصال الخیرات إلیهم، دافعا للآفات عنهم.
الخامس أنّ المال سمّى مالا لمیل کلّ أحد إلیه
و هو فی معرض التلف و الزّوال مهادم فی یده فهو غاد و رائح، و إذا أنفق فی مصارف الخیر و وجوه اللّه بقى بقاء لا یزول، لأنّه یوجب الثناء الجمیل فی الدّنیا و الثواب الجزیل فی الآخره، و قد مرّ فی الخطبه الثانیه و العشرین أنّ لسان الصدق یجعله اللّه للمرء فی النّاس خیر له من المال یورثه غیره، فانّ المراد بلسان الصدق هو الذکر الجمیل، قال حاتم لامرأته ماریه:
أمارىّ إنّ المال غاد و رائح
و یبقى من المال الأحادیث و الذکر
لقد علم الأقوام لو أنّ حاتما
أراد ثراء المال کان له و قر
السادس أنّ کثره المال موجبه لحصول الطغیان و الانحراف عن سبیل الرحمن کما قال عزّ من قائل: إِنَّ الْإِنْسانَ لَیَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى.
فأوجب اللّه الزکاه لتقلیل سبب الطغیان و جبرا لمفسدته، إلى غیر ذلک من الأسرار التی یستنبطها العقل بأدنى توجّه، و اللّه الهادى إلى الخیرات.
(و) السادس
(صوم شهر رمضان فانّه جنّه من العقاب) و وقایه من النّار یوم الحساب،و انما خصّه بهذه العله مع کون سایر العبادات کذلک لکونه أشدّ وقایه من غیره، بیان ذلک أنّ استحقاق الانسان للعقوبه إنّما هو بقربه من الشیطان و اطاعته له و للنفس الامّاره، و بشدّه القرب و ضعفه یتفاوت العقاب شدّه و ضعفا، و بکثره الطاعه و قلّتها یختلف العذاب زیاده و نقصانا، و سبیل الشّیطان على الانسان و وسیلته إلیه إنّما هی الشّهوات، و قوّه الشهوه بالأکل و الشرب، فبالجوع و الصوم یضعف الشهوه و ینکسر صوله النفس و ینسد سبیل الشیطان و ینجى من العقوبه و الخذلان، کما قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّ الشیطان لیجرى من ابن آدم مجرى الدم فضیّقوا مجاریه بالجوع.
و قال صلوات اللّه علیه و آله لعایشه: و ادمى قرع باب الجنّه، قالت: بماذا قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: بالجوع.
قال الغزالی فی احیاء العلوم فی تعداد فوائد الجوع و یأتی إنشاء اللّه جمیعها فی التّذییل الثانی من شرح الفصل الثانی من الخطبه المائه و التاسعه و الخمسین: «الفائده الخامسه» و هى من أکبر الفوائد کسر شهوات المعاصی کلّها و الاستیلاء على النّفس الاماره بالسّوء، فانّ منشأ المعاصی کلّها الشهوات و القوى و مادّه الشهوات و القوى لا محاله الأطعمه، فتقلیلها یضعف کلّ شهوه و قوّه، و إنّما السعاده کلّها فی أن یملک الرّجل نفسه، و الشقاوه فی أن تملکه نفسه، و کما أنّک لا تملک الدّابه الجموح إلّا بضعف الجوع، فاذا شبعت قویت و شردت و جمحت فکذلک النفس، و هذه لیست فائده واحده، بل هى خزائن الفوائد، و لذلک قیل الجوع خزانه من خزائن اللّه.
فقد اتّضح بذلک کون الصّوم جنّه من النّار، و وقایه من غضب الجبّار، و أنّ فیه من إذلال النّفس و قهر إبلیس و کسر الشهوات ما لیس فی سایر العبادات و هو واجب بالضروره من الدّین و اجماع المسلمین و نصّ الکتاب المبین قال سبحانه: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیامُ کَما کُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْقَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ، أَیَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّهٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ وَ عَلَى الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَهٌ طَعامُ مِسْکِینٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَیْراً فَهُوَ خَیْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِی أُنْزِلَ فِیهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَیِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ وَ مَنْ کانَ مَرِیضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّهٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ یُرِیدُ اللَّهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَ لا یُرِیدُ بِکُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُکْمِلُوا الْعِدَّهَ وَ لِتُکَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداکُمْ وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ.
قال الصادق علیه السّلام فی هذه الآیه: لذّه ما فی النداء أزال تعب العباده و العناء و فی قوله: لعلّکم تتّقون، إشاره إلى ما ذکرنا سابقا من أنّ الصوم جنّه و وقایه به یتّقى من العقاب و ینجى من العذاب.
و المستفاد من الآیه الشریفه أنّ الصّوم کان مکتوبا مفروضا على الامم السالفه کما أنه مکتوب على الامه المرحومه، و لا خلاف فی ذلک، و إنّما الخلاف فی أنّ الصوم المفروض علینا بهذه الکیفیه المخصوصه فی وقته و عدده هل کان فی سایر الامم کذلک ذهب بعض العامّه إلى ذلک على ما حکاه فی مجمع البیان، حیث روى فیه عن الشعبی و الحسن أنهما قالا إنه فرض علینا صوم شهر رمضان کما کان فرض صوم شهر رمضان على النّصارى، و کان یتّفق ذلک فی الحرّ الشدید و البرد الشدید فحوّلوه إلى الرّبیع و زادوا فی عدده.
و ذهب آخرون إلى أن التّشبیه فی الآیه بین فرض صومنا و فرض صوم من تقدّمنا من الامم، أى کتب علیکم صیام أیّام کما کتب علیهم صیام أیّام، و لیس فی ذلک تشبیه عدم الصوم المفروض علینا و لا وقته بعدد الصوم المفروض علیهم و لاوقته، قال الطبرسی: و هو اختیار أبی مسلم و الجبائی.
أقول: و هذا هو الأقوى و یدلّ علیه صریحا ما رواه فی الفقیه عن سلیمان ابن داود المنقرى عن حفص بن غیاث النخعی قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: إنّ شهر رمضان لم یفرض اللّه صیامه على أحد من الامم قبلنا، فقلت له: فقول اللّه عزّ و جلّ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیامُ کَما کُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ.
قال علیه السّلام: إنما فرض اللّه صیام شهر رمضان على الأنبیاء دون الامم، ففضّل اللّه به هذه الامّه و جعل صیامه فرضا على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و على امّته هذا.
و الکلام بعد فی علّه وجوب الصوم و فضله و فضل صوم شهر رمضان خصوصا و الآداب التی یکون علیها الصایم.
أما عله وجوب الصوم ففی الفقیه سأل هشام بن الحکم أبا عبد اللّه علیه السّلام عن علّه الصّیام فقال علیه السّلام: إنما فرض اللّه الصیام لیستوى به الغنى و الفقیر، و ذلک إنّ الغنى لم یکن لیجد مسّ الجوع فیرحم الفقیر، لأنّ الغنىّ کلّما أراد شیئا قدر علیه، فأراد اللّه أن یسوّى بین خلقه و أن یذیق الغنى مسّ الجوع و الألم لیرقّ على الضعیف و یرحم الجائع.
و کتب أبو الحسن علىّ بن موسى الرّضا علیه السّلام إلى محمّد بن سنان فیما کتب من جواب مسائله: علّه الصّوم عرفان مسّ الجوع و العطش لیکون ذلیلا مستکینا مأجورا محتسبا صابرا و یکون ذلک دلیلا له على شداید الآخره مع ما فیه من الانکسار له عن الشّهوات واعظا له فی العاجل دلیلا على الآجل لیعلم شدّه مبلغ ذلک من أهل الفقر و المسکنه فی الدّنیا و الآخره.
و روى عن الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیهم السّلام أنّه قال: جاء نفر من الیهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فسأله أعلمهم من مسائل فکان فیما سأله أنّه قال: لأىّ شیء فرض اللّه الصّوم على امّتک بالنّهار ثلاثین یوما و فرض على الامم أکثر من ذلک فقال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إنّ آدم علیه السّلام لما أکل من الشجره بقی فی بطنه ثلاثین یوما ففرض اللّه على ذرّیته«» ثلاثین یوما الجوع و العطش، و الذی یأکلونه باللّیل تفضّل من اللّه علیهم و کذلک کان على آدم ففرض اللّه عزّ و جلّ ذلک على امتی ثمّ تلى هذه الآیه.
کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیامُ کَما کُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ أَیَّاماً مَعْدُوداتٍ.
قال الیهودى صدقت یا محمّد فما جزاء من صامها فقال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: ما من مؤمن یصوم شهر رمضان احتسابا إلّا أوجب اللّه له سبع خصال: أولها یذوب الحرام من جسده و الثانیه یقرب من رحمه اللّه و الثالثه یکون قد کفّر خطیئه أبیه آدم علیه السّلام و الرابعه یهوّن اللّه علیه سکرات الموت و الخامسه أمان من الجوع و العطش یوم القیامه و السادسه یعطیه اللّه برائه من النّار و السابعه یطعمه اللّه من طیّبات الجنّه، قال: صدقت یا محمّد.
و أما فضل الصوم مطلقا ففی الکافی و الفقیه عن أبی جعفر علیه السّلام قال: بنى الاسلام على خمسه أشیاء: على الصّلاه، و الزکاه، و الصّوم، و الحجّ، و الولایه، و قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: الصّوم جنّه من النار.
و فیهما عن النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال لأصحابه: ألا أخبرکم بشیء إن أنتم فعلتموه تباعد الشیطان منکم کما تباعد المشرق من المغرب قالوا: بلى یا رسول اللّه، قال: الصوم یسوّد وجهه، و الصّدقه تکسر ظهره، و الحبّ فی اللّه و الموازره على العمل الصّالح یقطع دابره، و الاستغفار یقطع و تینه، و لکلّ شیء زکاه و زکاه لأبدان الصّیام.
و فیهما عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: أوحى اللّه إلى موسى ما یمنعک من مناجاتی فقال: یا ربّ اجلّک عن المناجاه لخلوف فم الصّایم، فأوحى اللّه إلیه یا موسى لخلوف فم الصّایم أطیب عندى من ریح المسک.
و عنه علیه السّلام للصّائم فرحتان: فرحه حین افطاره، و فرحه حین لقاء ربّه.
و قال علیه السّلام من صام اللّه یوما فی شدّه الحرّ فأصابه ظماء وکّل اللّه به ألف ملک یمسحون وجهه و یبشّرونه حتّى إذا أفطر قال اللّه عزّ و جلّ: ما أطیب ریحک و روحک یا ملائکتی اشهدوا أنى قد غفرت له.
و فی الکافی عن أبی الصباح عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إنّ اللّه تبارک و تعالى یقول: الصوم لی و أنا اجزى علیه، و رواه فی الفقیه عن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم مثله إلّا أنّ فیه به بدل علیه.
و تخصیصه من بین سایر العبادات مع کون جمیعها للّه سبحانه من جهه مزید اختصاصه به تعالى، إمّا لأجل أنّ الصّوم عباده لم یعبد بها غیر الحقّ سبحانه بخلاف سایر العبادات و الرّکوع و القیام و القربان و نحوها، فانها ربما تؤتى بها للمعبودات الباطله کما یعبد بها للمعبود بالحقّ، و أما الصّوم فلم یتعبّد به إلّا للّه سبحانه و تعالى، أو لأنّ الصوم عباده خفیّه بعیده عن الرّیا و لیست مثل سایر العبادات التی تعلّقها بالجوارح و الأعضاء الظاهره غالبا، و لذلک لم تسلم من الشرک الخفى و الریاء کثیرا.
و أما فضل شهر رمضان و فضل صومه ففی الوسایل عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: اعطیت أمّتی فی شهر رمضان خمسا لم یعطها اللّه امه نبیّ قبلی إذا کان أوّل یوم منه نظر اللّه إلیهم فاذا نظر اللّه عزّ و جلّ إلى شیء لم یعذّبه بعدها، و خلوف أفواههم حین یمسون أطیب عند اللّه من ریح المسک، و یستغفر لهم الملائکه کلّ یوم و لیله منه، و یأمر اللّه عزّ و جلّ جنّته فیقول تزّینی لعبادى المؤمنین یوشک أن یستریحوا من نصب الدّنیا و اذاها إلى جنّتی و کرامتی، فاذا کان آخر لیله منه غفر اللّه عزّ و جلّ لهم جمیعا.
و عن علیّ بن موسى الرّضا عن آبائه علیهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: رجب شهر اللّه الأصبّ و شهر شعبان تتشعّب فیه الخیرات و فی أوّل یوم من شهر رمضان تغلّ المرده من الشیاطین و یغفر فی کلّ لیله لسبعین ألفا فاذا کان لیله القدر غفر اللّه لمثل ما غفر فی رجب و شعبان و شهر رمضان إلى ذلک الیوم إلّا رجل بینه و بین أخیه شحناء، فیقول اللّه عزّ و جلّ انظروا هؤلاء حتّى یصطلحوا.
و عن علیّ بن الحسین علیه السّلام کان یقول: إنّ للّه عزّ و جلّ فی کلّ لیله من شهر رمضان عند الافطار سبعین ألف ألف عتیق من النار کلّ قد استوجب النار، فاذا کان آخر لیله من شهر رمضان اعتق مثل ما اعتق فی جمیعه.
و عن الصّادق علیه السّلام قال: حدّثنی أبی عن أبیه عن جدّه عن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی حدیث قال: من صام شهر رمضان و حفظ فرجه و لسانه و کفّ أذاه عن النّاس غفر اللّه له ذنوبه ما تقدّم منها و ما تأخّر، و أعتقه من النّار، و أدخله دار القرار، و قبل شفاعته بعدد رمل عالج من مذنبی أهل التّوحید.
و فی العیون باسناده عن حسن بن فضال عن أبیه عن الرّضا عن آبائه عن علیّ علیهم السّلام إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم خطب ذات یوم فقال: أیّها النّاس إنه قد أقبل إلیکم شهر اللّه بالبرکه و الرّحمه و المغفره، شهر هو عند اللّه أفضل الشّهور، و أیّامه أفضل الأیام، و لیالیه أفضل اللّیالی، و ساعاته أفضل السّاعات، و هو شهر دعیتم فیه إلى ضیافه اللّه، و جعلتم فیه من أهل کرامه اللّه، أنفاسکم فیه تسبیح، و نومکم فیه عباده، و عملکم فیه مقبول، و دعاؤکم فیه مستجاب فاسألوا اللّه ربّکم بنیّات صادقه و قلوب طاهره أن یوفقکم لصیامه و تلاوه کتابه فانّ الشقیّ من حرم غفران اللّه فی هذا الشهر العظیم، و اذکروا بجوعکم و عطشکم فیه جوع یوم القیامه و عطشه، و تصدّقوا على فقرائکم و مساکینکم، و وقّروا کبارکم، و ارحموا صغارکم، و صلوا أرحامکم، و احفظوا ألسنتکم، و غضّوا عما لا یحلّ النظر إلیه أبصارکم، و عما لا یحلّ الاستماع إلیه أسماعکم و تحنّنوا على أیتام الناس یتحنّن على أیتامکم، و توبوا إلى اللّه من ذنوبکم، و ارفعوا الیه أیدیکم بالدّعاء فی أوقات صلاتکم، فانّها أفضل السّاعات ینظر اللّه عزّ و جلّ فیها إلى عباده یجیبهم إذا ناجوه، و یلبّیهم إذا نادوه، و یعطیهم إذا سألوه، و یستجیب لهم اذا دعوه.
أیّها الناس إنّ انفسکم مرهونه بأعمالکم ففکّوها باستغفارکم، و ظهورکم ثقیله من أوزارکم فخفّفوا عنها بطول سجودکم، و اعلموا أنّ اللّه أقسم بعزّته أن لا یعذّب المصلّین و السّاجدین، و أن لا یروّعهم بالنار یوم یقوم الناس لربّ العالمین أیّها النّاس من فطر منکم صائما مؤمنا فی هذا الشهر کان له بذلک عند اللّه عتق نسمه، و مغفره لما مضى من ذنوبه، فقیل یا رسول اللّه فلیس کلّنا نقدر على ذلک، فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: اتّقوا النّار و لو بشقّ تمره، اتّقوا النّار و لو بشربه من ماء، أیها الناس من حسن فی هذا الشهر منکم خلقه کان له جوازا على الصّراط یوم تزلّ فیه الأقدام، و من خفّف فی هذا الشّهر عمّا ملکت یمینه خفّف اللّه علیه حسابه، و من کفّ فیه شرّه کفّ اللّه عنه غضبه یوم یلقاه، و من أکرم فیه یتیما أکرمه اللّه یوم یلقاه، و من وصل فیه رحمه وصله اللّه برحمته یوم یلقاه، و من تطوّع فیه بصلاه کتب اللّه له برائه من النّار، و من أدّى فیه فرضا کان له ثواب من أدّى سبعین فریضه فیما سواه من الشهور، و من أکثر فیه من الصلوات علىّ ثقّل اللّه له میزانه یوم تخفّ الموازین، و من تلى فیه آیه من القرآن کان له مثل أجر من ختم القرآن فی غیره من الشهور.
أیّها الناس إنّ أبواب الجنان فی هذا الشهر مفتّحه فاسألوا ربّکم أن لا یغلقها علیکم، و أبواب النیران مغلقه فاسألوا ربّکم أن لا یفتحها علیکم، و الشیاطین مغلوله فاسألوا ربّکم أن لا یسلّطها علیکم.
قال أمیر المؤمنین علیه السّلام فقمت و قلت یا رسول اللّه ما أفضل الأعمال فی هذا الشهر فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: یا أبا الحسن أفضل الأعمال فی هذا الشهر الورع عن محارم اللّه عزّ و جلّ، ثمّ بکى صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فقلت: ما یبکیک یا رسول اللّه فقال: أبکى لما یستحلّ منک فی هذا الشهر، کأنّی بک و أنت تصلّى لربّک و قد انبعث أشقى الأوّلین و الآخرین شقیق عاقر ناقه ثمود، فضربک ضربه على قرنک فخضب منها لحیتک، فقلت: یا رسول اللّه و ذلک فی سلامه من دینی فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: فی سلامه من دینک ثمّ قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: یا علیّ من قتلک فقد قتلنی، و من أبغضک فقد أبغضنی، لأنک منّی کنفسی و طینتک من طینتى و أنت وصیّی و خلیفتی على امتی.
و أما آداب الصوم و الحالات التی یجب أن یکون الصّائم علیها فنقول: إنّ الصّوم على ثلاث مراتب و درجات بعضها فوق بعض الاولى صوم العموم الثانیه صوم الخصوص الثالثه صوم الأخصّ.
أما صوم العموم فهو المفروض على عامه المکلّفین، و هو الکفّ عن المفطرات من طلوع الفجر الثانی إلى الغروب الشرعى مع النیّه، و المشهور فی المفطرات أنها عشره: الأکل، و الشرب، و الجماع، و البقاء على الجنابه عمدا، و فی حکمه النوم بعد انتباهتین، و الغبار الغلیظ، و فی حکمه الدخان کذلک، و الکذب على اللّه سبحانه و رسوله و الأئمه علیهم السّلام، و الارتماس، و الاستمناء مع خروج المنی، و الحقنه، و القیء و التفصیل مذکور فی الکتب الفقهیّه.
و أمّا صوم الخصوص فهو أن یکون جامعا لشرائط الکمال مضافه إلى شرایط الصحّه کما أشار إلیه الامام سیّد السّاجدین و زین العابدین علیه السّلام فی دعائه عند دخول شهر رمضان حیث قال: «اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و ألهمنا معرفه فضله و اجلال حرمته و التحفّظ ممّا حظرت فیه، و أعنّا على صیامه بکفّ الجوارح عن معاصیک و استعمالها بما یرضیک حتّى لا نصغى بأسماعنا إلى لغو و لا نسرع بأبصارنا إلى لهو، و حتّى لا نبسط أیدینا إلى محظور و لا نخطو بأقدامنا إلى محجور، و حتّى لا تعى بطوننا إلّا ما أحللت، و لا تنطق ألسنتنا إلّا بما مثلث، و لا نتکلّف إلّا ما یدنى من ثوابک و لا نتعاطى إلّا ما یقی من عقابک، ثمّ خلص ذلک کلّه من ریاء المرائین و سمعه المسمعین لا نشرک فیه أحدا دونک، و لا نبغى به معبودا سواک».
و محصّل شروط الکمال أن لا یکون یوم صومه کیوم فطره، و مداره على امور:منها غضّ السّمع و البصر عن محارم اللّه
و عن کلّ ما یلهى النّفس عن ذکر اللّه، و کذلک حفظ سایر الأعضاء عن المعاصی و الآثام.
قال أبو عبید اللّه علیه السّلام فی روایه الکافی: إذا صمت فلیصم سمعک و بصرک و شعرک و جلدک و عدّد أشیاء غیر هذا و قال: لا یکون یوم صومک کیوم فطرک، و تقدّم ما یدلّ على ذلک، و سیأتی أیضا.
و منها حفظ اللّسان عن الهذیان و الکذب و الغیبه و النّمیمه و الفحش و الخصومهبل عن مطلق التّکلّم الّا بذکر اللّه.
روى فی الکافی عن جراح المداینی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إنّ الصیام لیس من الطّعام و الشراب وحده ثمّ قال علیه السّلام: قالت مریم: إنّی نذرت للرحمن صوما أى صمتا، فاحفظوا ألسنتکم و غضّوا أبصارکم و لا تنازعوا و لا تحاسدوا.
قال: و سمع رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم امرأه تسبّ جاریه لها و هی صائمه، فدعى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بطعام فقال لها: کلى، فقالت: إنّی صائمه، فقال: کیف تکونین صائمه و قد سببت جاریتک، إنّ الصّوم لیس من الطعام و الشّراب.
قال: و قال أبو عبد اللّه علیه السّلام إذا صمت فلیصم سمعک و بصرک من الحرام و القبیح و دع المراء و أذى الخادم، و لیکن علیک و قار الصّیام، و لا تجعل یوم صومک کیوم فطرک.
و یأتی إنشاء اللّه فی شرح الکلام المأه و الأربعین فی ضمن الأخبار الوارده فی حرمه الغیبه حدیث الفتاتین الصّائمتین الذی رواه المحدّث الجزائری فی الأنوار النعمانیه و فیه تنبیه على عظم خطر الغیبه فی حال الصیّام فانتظر لما یتلى علیک و تبصّر.
و عن مسعده بن صدقه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام عن آبائه علیهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: ما من عبد صالح یشتم فیقول: إنّی صائم سلام علیک لا أشتمک کما تشتمنی إلّا قال الرّب تبارک و تعالى: استجار عبدى بالصّوم من شرّ عبدی و قد أجرته من النّار.
و عن حمّاد بن عثمان و غیره عن أبى عبد اللّه علیه السّلام قال: لا ینشد الشعر بلیل و لا ینشد فی شهر رمضان بلیل و لا نهار، فقال له إسماعیل: یا أبتاه و إن کان فینا، فقال علیه السّلام: و إن کان فینا.
و بالجمله فاللازم على الصّائم التحفظ من سقطات اللّسان و فضول البیان و المواظبه على الاستغفار و الدّعاء و تلاوه القرآن و سایر الأذکار.
قال أمیر المؤمنین علیه السّلام: علیکم فی شهر رمضان بکثره الاستغفار و الدّعاء، فأما الدّعاء فیدفع به عنکم البلاء، و أمّا الاستغفار فتمحى به ذنوبکم.
و قال أبو عبد اللّه علیه السّلام و کان علیّ بن الحسین علیه السّلام إذا کان شهر رمضان لم یتکلّم إلّا بالدّعاء و التسبیح و الاستغفار و التکبیر فاذا أفطر قال: اللّهم إن شئت أن تفعل فعلت.
و منها ترک شمّ الرّیاحین
و لا سیّما النرجس.
و منها الکفّ عن الافطار على الشّبهات
روى فی الوسائل عن أبی عبد اللّه علیه السّلام عن أبیه علیه السّلام قال: جاء قنبر مولى علیّ علیه السّلام بفطره الیه فجاء بجراب فیه سویق و علیه خاتم قال علیه السّلام: فقال له رجل: یا أمیر المؤمنین إنّ هذا لهو البخل تختم على طعامک قال: فضحک علیه السّلام ثمّ قال: أو غیر ذلک لا أحبّ أن یدخل بطنی شیء لا أعرف سبیله.
و منها أن لا یکثر من الحلال وقت الافطار
بحیث یمتلی و یثقل فما من وعاء أبغض الى اللّه من بطن مملوّ.
روى فی البحار عن مجالس ابن الشّیخ (ره) باسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه علیهم السّلام فی حدیث طویل لابلیس مع یحیى علیه السّلام قال: قال یحیى علیه السّلام: فهل ظفرت بی ساعه قطّ قال: لا، و لکن فیک خصله تعجبنی، قال یحیى علیه السّلام: فما هى قال: أنت رجل أکول فاذا أفطرت أکلت و بشمت، فیمنعک ذلک من بعض صلاتک و قیامک باللّیل، قال یحیى: فانى اعطى اللّه عهدا أنی لا أشبع من الطعام حتى ألقاه، قال له إبلیس: و أنا أعطى اللّه عهدا أنى لا أنصح مسلما حتّى ألقاه ثمّ خرج فما عاد الیه.
و منها أن یکون قلبه بعد الافطار مضطربا بین الخوف و الرّجاء
إذ لا یدرى أنّ صومه مقبول فهو من المقرّبین أو مردود فهو من المحرومین.
مرّ بعض أصحاب العقول بقوم یوم عیدهم و هم ضاحکون مستبشرون فقال: إنّ اللّه سبحانه جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه یستبقون فیه بطاعته فسبق أقوام ففازوا و تخلّف أقوام فخابوا فالعجب کلّ العجب للضاحک اللّاعب فی الیوم الذی فاز فیه المسارعون و خاب فیه المبطلون.«» و أمّا صوم أخص الخواصّ فصوم القلوب عن الهمم الدّنیویه و الأغراض الدّنیه و کفّه عن التوجّه إلى ما سوى اللّه بالکلّیه لدوام استغراقه بالحقّ عن الالتفات بغیره، فالفطر فی هذا الصّوم الذی هو فیه هو الفکر فیما سوى اللّه و الیوم الآخر و صرف الهمه فی غیر طاعه اللّه و طاعه رسوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم من أغراض النفس و مقاصد الطبع
(و) السابع (حجّ البیت و اعتماره
فانّهما ینفیان الفقر و یرحضان الذّنب) أى یغسلانه و یطهّرانه و قد مضى الکلام فی فضل الحجّ و المشاعر العظام و فضل البیت الحرام بما لا مزید علیه فی شرح الفصل الثامن عشر من فصول الخطبه الاولى، و نورد هنا ما لم یسبق ذکره هناک.
فأقول: تعلیل الحجّ و الاعتمار بنفى الفقر و رحض الذنب إشاره إلى أنّ فیهما جمعا بین منفعه الدنیا و منفعه الآخره و إلى ذلک أشار سبحانه فی سوره الحجّ بقوله: وَ أَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوکَ رِجالًا وَ عَلى کُلِّ ضامِرٍ یَأْتِینَ مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ لِیَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ.
قال ابن عباس: یعنى بالمنافع التجارات، و قال سعید بن المسیّب و عطیّه: هى منافعالآخره و هی العفو و المغفره، و قال مجاهد: هی التّجاره فی الدّنیا و الأجر و الثّواب فی الآخره.
و یشعر به المرویّ عن الصّادق علیه السّلام حیث قال فی روایه: إنّی سمعت اللّه عزّ و جلّ یقول: لیشهدوا منافع لهم فقیل: منافع الدّنیا أو منافع الآخره فقال علیه السّلام: الکلّ.
و فی الفقیه قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ما من حاجّ یضحّى ملبّیا حتّى تزول الشمس إلّا غابت ذنوبه معها، و الحجّ و العمره ینفیان الفقر کما ینفى الکیر خبث الحدید و فی الکافی باسناده عن خالد القلانسی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال علیّ ابن الحسین علیهما السّلام: حجّوا و اعتمروا تصحّ أبدانکم و تتّسع أرزاقکم و تکفون مؤنات عیالاتکم، و قال علیه السّلام الحاجّ مغفور له و موجوب له الجنّه و مستأنف له العمل و محفوظ فی أهله و ماله.
و عن السّکونی عن أبی عبد اللّه عن آبائه علیهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم الحجّه ثوابها الجنّه، و العمره کفّاره لکلّ ذنب.
و عن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام: إنّی قد وطنت نفسى على لزوم الحجّ کلّ عام بنفسى أو برجل من أهل بیتی بما لی، فقال علیه السّلام و قد عزمت على ذلک قال: قلت: نعم، قال: إن فعلت فأیقن بکثره المال.
و عن الفضیل بن یسار قال: سمعت أبا جعفر علیه السّلام یقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لا یخالف«» الفقر و الحمى مدمن الحجّ و العمره.
و عن أبی محمّد الفرا قال: سمعت جعفر بن محمّد علیه السّلام یقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم تابعوا بین الحجّ و العمره فانهما ینفیان الفقر و الذّنوب کما ینفى الکیر خبث الحدید و عن ابن الطیّار قال: قال أبو عبد اللّه علیه السّلام: حجج تترى و عمر تسعى یدفعن عیله الفقر و میته السّوء.
أقول: المستفاد من هذه الروایات أنّ للحجّ و العمره بذاتهما مدخلیّه فی زیاده المال و نفى الفقر لا من حیث التجاره الحاصله فی موسم الحجّ و قیام الأسواق حینئذ کما زعمه الشارح البحرانی.
(و) الثامن (صله الرّحم فانها مثراه فی المال و منساه فی الأجل) یعنى أنها موجبه للزیاده فی المال و التأخیر فی الأجل، و محلّ لهما، و قد مرّ الکلام فیها مستوفى فی شرح الفصل الثانی من الخطبه الثالثه و العشرین.
قال الشارح البحرانی: کونها مثراه فی المال من وجهین: أحدهما أنّ العنایه الالهیه قسمت لکلّ حیّ قسطا من الرّزق یناله مدّه الحیاه الدّنیا و تقوم به صوره بدنه، فاذا اعدّت شخصا من النّاس للقیام بأمر جماعه و کفله بامدادهم و معونتهم وجب فی العنایه إفاضه أرزاقهم على یده و ما یقوم بامدادهم بحسب استعداده لذلک، سواء کانوا ذوى أرحام أو مرحومین فی نظره حتّى لو نوى قطع أحدهم فربما نقص ماله بحسب رزق ذلک المقطوع، و ذلک معنى کونه مثراتا للمال.
الثّانی أنّ صله الرّحم من الأخلاق الحمیده التی یستمال بها طباع الخلق فواصل رحمه مرحوم فی نظر الکلّ، فیکون ذلک سببا لامداده و معونته من ذوى الأمداد و المعانات کالملوک و نحوهم فکان صله الرّحم مظنّه لزیاده المال.
و کونها منساه فی الأجل من وجهین: أحدهما أنّ صله الرّحم توجب تعاطف ذوى الأرحام و توازرهم و معاضدتهم لواصلهم، فیکون عن أذى الأعداء أبعد و فى ذلک مظنّه تأخیره و طول عمره.
الثّانی أنّ مواصله ذوى الأرحام توجب تعلّق هممهم ببقاء و اصلهم و اعداده بالدّعاء، و یکون دعاؤهم و تعلّق هممهم ببقائه من شرایط بقائه و نساء أجله فکانت مواصلتهم منساه فی أجله.
(و) التاسع الصدقه و هى على قسمین:أحدهما (صدقه السرّ فانّها تکفّر الخطیئه) و تطفی غضب الرّبّ سبحانه، و إنما خصّها بذلک مع کون سایر العبادات کذلک لکونها أبعد من الرّیاء و تضمّنها
من الخلوص و التقرّب ما لیس فی غیرها.
روى فی الکافی عن أبی جعفر و أبی عبد اللّه علیهما السلام قالا: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: صدقه السرّ تطفى غضب الرّب تبارک و تعالى.
و عن عمار السّاباطی قال: قال لی أبو عبد اللّه علیه السّلام: یا عمار الصّدقه و اللّه فی السّر أفضل من الصّدقه فی العلانیه، و کذلک و اللّه العباده فی السّر أفضل منها فی العلانیه.
و عن معلّى بن خنیس قال: خرج أبو عبد اللّه علیه السّلام فی لیله قد رشت و هو یرید ظلّه بنی ساعده فاتّبعته فاذا قد سقط منه شیء فقال: بسم اللّه اللّهمّ ردّ علینا، قال: فأتیته فسلّمت علیه فقال علیه السّلام: معلّى قلت: نعم، جعلت فداک، فقال لی: التمس بیدک فما وجدت من شیء فادفعه الىّ، فاذا أنا بخبز منتشر کثیر فجعلت أدفع علیه ما وجدت فاذا أنا بجراب أعجز عن حمله من خبز، فقلت: جعلت فداک أحمله على رأسى «عاتقى خ» فقال: لا، أنا أولى به منک و لکن امض معى، قال: فأتینا ظلّه بنی ساعده فاذا نحن بقوم نیام، فجعل یدسّ الرغیف و الرّغیفین حتى أتا على آخرهم ثمّ انصرفنا، فقلت: جعلت فداک یعرف هؤلاء الحق فقال: لو عرفوه لو اسیناهم بالدّقه و الدّقه هی الملح إنّ اللّه تبارک و تعالى لم یخلق شیئا إلّا و له خازن یخزنه إلّا الصدقه فانّ الرّب یلیها بنفسه و کان أبی علیه السّلام إذا تصدّق بشیء وضعه فی ید السائل ثمّ ارتدّه منه فقبّل و شمّه ثمّ ردّه فی ید السّائل، إنّ صدقه اللّیل تطفى غضب الرّب و تمحو الذّنب العظیم و تهوّن الحساب، و صدقه النهار تثمر المال و تزید فی العمر، إنّ عیسى بن مریم علیهما السلام لما أن مر على شاطیء البحر رمى بقرص من قوته فی الماء، فقال له بعض الحواریّین یا روح اللّه و کلمته لم فعلت هذا و انما هو من قوتک قال علیه السّلام: فعلت هذا لدابه تأکله من دوابّ الماء و ثوابه عند اللّه عظیم.
(و) الثّانی (صدقه العلانیهفانّها تدفع میته السّوء) کالغرق و الحرق و الهدم و نحوها.
و یدلّ علیه روایات اخر مثل ما رواه ثقه الاسلام الکلینیّ عطّر اللّه مضجعهباسناده عن عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: إنّ الصّدقه بالید تقى میته السّوء و تدفع سبعین نوعا من أنواع البلاء و تفکّ عن لحى سبعین شیطانا کلّهم یأمره أن لا یفعل.
و عن أبی ولّاد قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: بکروا بالصّدقه و ارغبوا فیها، فما من مؤمن یتصدّق بصدقه یرید بها ما عند اللّه لیدفع اللّه بها عنه شرّ ما ینزل من السّماء إلى الأرض فی ذلک الیوم إلّا وقاه اللّه شرّ ما ینزل فی ذلک الیوم.
و عن السّکونی عن جعفر عن آبائه علیهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّ اللّه لا إله إلّا هو لیدفع بالصّدقه الدّاء و الدّبیله«» و الحرق و الغرق و الهدم و الجنون و عدّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم سبعین بابا من السّوء.
و عن سالم بن مکرم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: مرّ یهودىّ بالنبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال: السّام علیک، فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: علیک، فقال أصحابه انما سلّم علیک بالموت، فقال الموت علیک قال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: و کذلک رددت، ثمّ قال النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، إنّ هذا الیهودى یعضّه أسود فی قفاه فیقتله، قال: فذهب الیهودى فاحتطب حطبا کثیرا فاحتمله ثمّ لم یلثب أن انصرف فقال له رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: ضعه، فوضع الحطب، فاذا أسود فی جوف الحطب عاض على عود، فقال: یا یهودى أىّ شیء عملت الیوم قال: ما عملت عملا إلّا حطبی هذا احتملته و جئت به فکان معى کعکتان فأکلت واحده و تصدّقت بواحده على مسکین، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: بها دفع اللّه عنک، فقال: إنّ الصدقه تدفع میته السوء عن الانسان.
و عن حنان بن سدیر عن أبیه عن أبی جعفر علیه السّلام قال: إنّ الصّدقه لتدفع سبعین بلیه من بلایا الدّنیا مع میته السوء، إنّ صاحبها لا یموت میته السوء أبدا مع ما یدخر لصاحبها من الأجر فی الآخره.
(و) العاشر (صنایع المعروففانها تقى مصارع الهوان) المعروف اسم لکلّ فعل یعرف حسنه بالعقل و الشرع کالاحسان و البرّ و الصّله و الصّدقه على الناس و الرفق معهم و سایر أعمال الخیر، و اصطناع المعروف لما کان مستلزما لتألیف قلوب الخلق و جامعا لهم على محبه المصطنع لاجرم کان وقایه له، و النّاس یتّقون قتله و یجتنبون عن فعل ما یوجب الهوان به و ذلّته و هو ظاهر.
و نظیر هذا الکلام ما رواه عبد اللّه بن میمون القداح عن أبی عبد اللّه عن آبائه علیهم السّلام قال: صنایع المعروف تقى مصارع السوء.
و روى عبد اللّه بن سلیمان قال: سمعت أبا جعفر علیه السّلام یقول: إنّ صنایع المعروف تدفع مصارع السّوء.
و هذا من جمله خواصّه فی الدّنیا و منها أیضا زیاده البرکه.
روى السّکونی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إنّ البرکه أسرع إلى البیت الذی یمتار«» منه «فیه خ» المعروف من الشفره إلى سنام البعیر أو من السّیل الى منتهاه.
و أمّا ثمراته الاخرویه فکثیره اشیرت الیها فی أخبار متفرّقه ففى الفقیه قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أوّل من یدخل الجنه المعروف و أهله و أوّل من یرد علىّ الحوض، و قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أهل المعروف فی الدّنیا أهل المعروف فی الآخره، و تفسیره انه اذا کان یوم القیامه قیل لهم: هبوا حسناتکم لمن شئتم و ادخلو الجنه، و قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: کلّ معروف صدقه و الدّالّ على الخیر کفاعله و اللّه یحبّ اغاثه اللهفان.
و قال الصّادق علیه السّلام: أیّما مؤمن أوصل الى أخیه المؤمن معروفا فقد أوصل ذلک إلى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، و قال علیه السّلام: المعروف شیء سوى الزّکاه فتقرّبوا إلى اللّه عزّ و جلّ بالبرّ و صله الرّحم، و قال علیه السّلام: رأیت المعروف کاسمه و لیس شیء أفضل من المعروف إلّا ثوابه، و ذلک یراد منه، و لیس کلّ من یحبّ أن یصنع المعروف الى الناس یصنعه و لیس کلّ من یرغب فیه یقدر علیه و لا کلّ من یقدر علیه یوزن له فیه فاذا اجتمعت الرغبه و القدره و الاذن فهنا لک تمّت السّعاده للطالب و المطلوب الیه.
و قال الصّادق علیه السّلام أیضا: رأیت المعروف لا یصلح الّا بثلاث خصال: تصغیره، و ستره، و تعجیله فانّک إذا صغّرته عظّمته عند من تصنعه الیه، و إذا سترته تمّمته، و إذا عجّلته هنّاته، و ان کان غیر ذلک محققه و نکدته، و رواه فی الکافی باسناده عنه علیه السّلام نحوه، و هو إشاره إلى بعض آداب صنع المعروف.
و من جملتها أیضا ما اشیر الیه فی روایه مفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه علیه السّلام: یا مفضّل إذا أردت أن تعلم الى خیر یصیر الرّجل أم إلى شرّ انظر الى أین یضع معروفه، فان کان یضع معروفه عند أهله فاعلم أنّه یصیر إلى خیر، و إن کان یضع معروفه عند غیر أهله فاعلم أنّه لیس له فی الآخره من خلاق.
هنا انتهى الجزء السابع من هذه الطبعه النفیسه القیمه، و تمّ تصحیحه و ترتیبه و تهذیبه بید العبد «السید ابراهیم المیانجى» عفى عنه و عن و الدیه و ذلک فی الیوم الثالث من شهر رجب الاصب سنه ۱۳۸۰ و یلیه ان شاء الله الجزء الثامن، و الحمد لله أوّلا و آخرا و ظاهرا و باطنا
الجزء الثامن
تتمه باب المختار من خطب أمیر المؤمنین ع و أوامره
تتمه المختار المأه و التاسع
تتمه المعنى من المختار المأه و التاسع
بسم اللَّه الرحمن الرحیم ثمّ انّه علیه السّلام لما فرغ من تعداد أفضل الوسائل إلى اللَّه سبحانه و أشرف ما یتقرّب به إلیه تعالى أردفه بالأمر بما هو موجب لکماله و تمامه فقال علیه السّلام: (أفیضوا) أى اندفعوا (فی ذکر اللَّه فانّه أحسن الذّکر) لما یترتب علیه من الثّمرات الدّنیویّه و الأخرویه حسبما عرفته فی التنبیه الثانی من تنبیهات الفصل السّادس من فصول الخطبه الثانیه و الثمانین (و ارغبوا فیما وعد المتّقین) بقوله: «للّذین اتّقوا عند ربّهم جنّات تجری من تحتها الأنهار خالدین فیها و أزواج مطهّره و رضوان من اللَّه و اللَّه بصیر بالعباد».
و الرّغبه فیه إنّما هو بتحصیل التقوى و الاتّصاف بأوصاف المتّقین الّذین: «یقولون ربّنا إنّنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا و قنا عذاب النّار الصّابرین و الصّادقین و القانتین و المنفقین و المستغفرین بالأسحار».
(فإنّ وعده) سبحانه (أصدق الوعد) أى لا یخلف المیعاد لأنّ الخلف منشاه إمّا البخل أو العجز، و کلاهما محالان على اللَّه سبحانه (و اقتدوا بهدى نبیّکم) أى بسیرته صلّى اللَّه علیه و آله (فانّه أفضل الهدى) لأنّه إذا کان أفضل الأنبیاء کانت سیرته أفضل السّیر (و استنّوا بسنّته) أى بطریقته سلام اللَّه علیه و آله (فانّها أهدى السّنن)و أقرب الطرق الموصله إلى الحقّ سبحانه (و تعلّموا القرآن فانّه أحسن الحدیث) أى أحسن الکلام، و سمّى الکلام به لتجدّده و حدوثه شیئا فشیئا، و قد مضى فی شرح الفصل السّابع عشر من فصول الخطبه الاولى بعض امور المهمّه المتعلّقه بالقرآن، و لعلوّ مقامه و سموّ مکانه و حسن نظمه و جلاله قدره و بعد غوره و عذوبه معناه و دقّه مغزاه و اشتماله على ما لم یشتمل علیه غیره من کلام المخلوقین کان أحسن الکلام و أمر علیه السّلام بتعلّمه بذلک الاعتبار مضافا إلى ما یترتّب على تعلّمه من عظیم الفوائد و مزید القسم و العواید.
کما یشهد به ما رواه ثقه الاسلام الکلینیّ عطر اللَّه مضجعه عن علیّ بن محمّد عن علیّ بن العبّاس عن الحسین بن عبد الرّحمن عن سفیان الحریری عن أبیه عن سعد الخفاف عن أبی جعفر علیه السّلام قال: یا سعد تعلّموا القرآن فانّ القرآن یأتی یوم القیامه فی أحسن صوره نظر إلیه الخلق، و النّاس صفوف عشرون و مأئه ألف صفّ ثمانون ألف صفّ امّه محمّد صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم و أربعون ألف صفّ من سایر الامم فیأتی على صفّ المسلمین فی صوره رجل فیسلّم فینظرون إلیه، ثمّ یقولون: لا إله إلا اللَّه الحلیم الکریم إنّ هذا الرّجل من المسلمین نعرفه بنعته و صفته غیر أنه کان أشدّ اجتهادا منّافی القرآن، فمن هناک اعطى من البهاء و الجمال و النور ما لم نعطه، ثمّ یتجاوز حتّى یأتی على صفّ الشهداء فینظر إلیه الشهداء ثمّ یقولون لا إله إلّا اللَّه الرّبّ الرّحیم انّ هذا الرّجل من الشّهداء نعرفه بسمته و صفته غیر أنّه من شهداء البحر فمن هناک اعطى من البهاء و الفضل ما لم نعطه، قال فیجاوز حتّى یأتی صفّ شهداء البحر فی صوره شهید فینظر إلیه شهداء البحر فیکثر تعجّبهم و یقولون إنّ هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته و صفته غیر أنّ الجزیره التی اصیب فیها کانت أعظم هولا من الجزیره «الجزائر خ» التی اصبنا فیها فمن هناک اعطى من البهاء و الجمال و النّور ما لم نعطه، ثمّ یجاوز حتّى یأتی صفّ النبیّین و المرسلین فی صوره نبیّ مرسل، فینظر النّبیون و المرسلون إلیه فیشتدّ لذلک تعجّبهم و یقولون: لا إله إلّا اللَّه الحلیم الکریم إنّ هذا النبیّ مرسل نعرفه بصفته و سمته غیر انه اعطى فضلا کثیرا، قال: فیجتمعون فیأتون رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم فیسألونه و یقولون: یا محمّد من هذا فیقول لهم: أو ما تعرفونه فیقولون: ما نعرفه هذا ممّن لم یغضب اللَّه علیه فیقول رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم: هذا حجّه اللَّه على خلقه فیسلم، ثمّ یجاوز حتّى یأتی على صفّ الملائکه فی صوره ملک مقرّب فینظر الیه الملائکه فیشتدّ تعجّبهم و یکبر ذلک علیهم لما رأوا من فضله و یقولون: تعالى ربّنا و تقدّس إنّ هذا العبد من الملائکه نعرفه بسمته و وصفه غیر أنّه کان أقرب الملائکه إلى اللَّه عزّ و جلّ مقاما فمن هناک البس من النور و الجمال ما لم نلبس، ثمّ یجاوز حتّى ینتهى إلى ربّ العزّه تبارک و تعالى فیخرّ تحت العرش فینادیه تبارک و تعالى: یا حجّتی فی الأرض و کلامی الصادق الناطق ارفع رأسک و سل تعط و اشفع تشفع، فیرفع رأسه فیقول اللَّه تبارک: کیف رأیت عبادى فیقول: یا ربّ منهم من صاننی و حافظ علىّ و لم یضیّع شیئا، و منهم من ضیّعنى و استخفّ بحقّی و کذب بی و أنا حجّتک على جمیع خلقک فیقول اللَّه تبارک و تعالى: و عزّتی و جلالی و ارتفاع مکانی لاثیبنّ علیک الیوم أحسن الثواب، و لأعاقبنّ علیک الیوم ألیم العقاب، قال فیرفع القرآن رأسه فی صوره اخرى قال: فقلت له: یا ابا جعفر فی أیّ صوره یرجع قال: فی صوره رجل شاحب متغیّر ینکره أهل الجمع، فیأتی الرّجل من شیعتنا الذی کان یعرفه و یجادل به أهل الخلاف فیقوم بین یدیه فیقول: ما تعرفنی فینظر إلیه الرّجل فیقول: ما أعرفک یا عبد اللَّه، قال: فیرجع فی صورته التی کانت فی الخلق الأوّل، فیقول: ما تعرفنی فیقول: نعم، فیقول القرآن: أنا الذی أسهرت لیلک و أنصبت عیشک، و سمعت فیّ الأذى و رجمت بالقول، ألا و انّ کلّ تاجر قد استوفى تجارته و انا وراءک الیوم، قال: فینطلق به إلى ربّ العزّه تبارک و تعالى فیقول: یا ربّ عبدک و أنت أعلم به قد کان نصبا بى مواظبا علىّ یعادی بسببی و یحبّ فیّ و یبغض، فیقول اللَّه عزّ و جلّ ادخلوا عبدی جنّتی و اکسوه حلّه من حلل الجنّه و توّجوه بتاج، فاذا فعل به ذلک عرض على القرآن فیقول له: هل رضیت بما صنع بولیّک فیقول: یا ربّ إنیّ أستقلّ هذا له فزده مزید الخیر کلّه، فیقول عزّ و جلّ: و عزّتی و جلالی و علوّی و ارتفاع مکانی لأنحلنّ له الیومخمسه أشیاء مع المزید له و لمن کان بمنزلته ألا أنّهم شباب لا یهرمون، و أصحّاء لا یسقمون، و أغنیاء لا یفتقرون، و فرحون لا یحزنون، و أحیاء لا یموتون، ثمّ تلا هذه الآیه لا یَذُوقُونَ فِیهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَهَ الْأُولى.
قال قلت: یا أبا جعفر و هل یتکلّم القرآن فتبسّم علیه السّلام ثمّ قال: رحم اللَّه الضّعفاء من شیعتنا إنهم أهل تسلیم، ثمّ قال علیه السّلام: نعم یا سعد و الصّلاه تتکلّم، و له صوره و خلق تأمر و تنهى، قال سعد: فتغیّر لذلک لونى و قلت: هذا شیء لا أستطیع التکلّم به فی النّاس، فقال أبو جعفر علیه السّلام: و هل الناس إلّا شیعتنا، فمن لم یعرف الصّلاه فقد أنکر حقّنا، ثمّ قال: یا سعد اسمعک کلام القرآن قال سعد: فقلت: بلى صلّى اللَّه علیک، فقال: إنّ الصّلاه تنهى عن الفحشاء و المنکر و لذکر اللَّه أکبر، فالنهى کلام و الفحشاء و المنکر رجال و نحن ذکر اللَّه و نحن أکبر (و تفقّهوا فیه) أى تفهّموا فی القرآن (فانه ربیع القلوب) و استعار له لفظ الرّبیع باعتبار کونه جامعا لأنواع الأسرار العجیبه و النکات البدیعه و المعانی اللّطیفه و العلوم الشریفه التی هی متنزّه القلوب کما أنّ الرّبیع جامع لأنواع الأزهار و الریاحین التی هی مطرح الأنظار و مستمتع الأبصار و محصّل المعنى أنّه یجب علیکم أخذ الفهم فی القرآن کیلا تحرموا من فوائده و لا تغفلوا عن منافعه فانه بمنزله الرّبیع المتضمّن للفوائد الکثیره و المنافع العظیمه هذا.
و یحتمل أن یکون المراد بالتفّقه التبصّر على حذو ما ذهب الیه بعض الشارحین فی شرح قوله صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم: من حفظ على أمّتی أربعین حدیثا بعثه اللَّه فقیها عالما، حیث قال: لیس المراد به الفقه بمعنى الفهم فانه لا یناسب المقام، و لا العلم بالأحکام الشرعیه عن أدلّتها التفصیلیّه فانه مستحدث، بل المراد البصیره فی أمر الدّین، و الفقه أکثر ما یأتی فی الحدیث بهذا المعنی، و إلیها أشار صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم بقوله: لا یفقه العبد کلّ الفقه حتّى یمقت الناس فی ذات اللَّه و حتّى یرى للقرآن وجوها کثیره ثمّ یقبل على نفسه فیکون لها أشدّ مقتا.
ثمّ قال: هذا البصیره إمّا موهبیّه و هی التی دعا بها النّبیّ صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم لأمیر المؤمنین علیه السّلام حین أرسله إلى الیمن حیث قال: اللّهم فقّهه فی الدّین، أو کسبیّه و هى التی أشار الیها أمیر المؤمنین علیه السّلام حیث قال لولده الحسن علیه السّلام و تفقّه یا بنیّ فی الدّین انتهى.
و على هذا الاحتمال فتعلیل الأمر بالتفقّه بکونه ربیعا إشاره إلى أنّ الرّبیع کما أنّه مورد الاعتبار بما أودع اللَّه فیه من عجایب العبر و الأسرار و أخرج فیه من بدایع النبات و الأزهار و غیرها من شواهد الحکمه و آثار القدره، فکذلک القرآن محلّ الاستبصار بما تضمنّه من حکایه حال الامم الماضیه و القرون الخالیه و تفصیل ما أعطاه اللَّه سبحانه للمطیعین من عظیم الثواب و جزاه للمسیئین من ألیم العقاب و العذاب، و غیر ذلک مما فیه تذکره لاولى الأبصار و تبصره لأولى الألباب (و استشفوا بنوره فانه شفاء الصدور) من الاسقام الظاهره و الباطنه و الأمراض الحسیّه و العقلیّه.
کما یدلّ علیه ما رواه فی الکافی باسناده عن طلحه بن زید عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: إنّ هذا القرآن فیه منار الهدى و مصابیح الدّجى، فلیجل جال بصره و یفتح للضیاء نظره، فانّ التّفکر حیاه قلب البصیر کما یمشی المستنیر فی الظلمات بالنّور.
و فیه عن أبی جمیله قال قال: أبو عبد اللَّه علیه السّلام: کان فی وصیّه أمیر المؤمنین علیه السّلام لأصحابه: اعلموا أنّ القرآن هدى النهار و نور اللیل المظلم على ما کان من جهل و فاقه.
و فیه عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن النّوافلی عن السّکونی عن أبی عبد اللَّه عن آبائه علیهم السّلام قال: شکى رجل النّبیّ صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم وجعا فی صدره فقال: استشف بالقرآن فانّ اللَّه عزّ و جلّ یقول و شفاء لما فی الصّدور، إلى غیر ذلک مما لا نطیل بروایتها و یأتی طائفه کثیره منها فی شرح الفصل الرابع من فصول الخطبه المأه و السابعه و التسعین إنشاء اللَّه تعالى (و أحسنوا تلاوته فانّه أنفع القصص) یعنی أنه لما کان أحسن القصص و أنفعها کما یرشد إلیه قوله تعالى: نحن نقصّ علیک أحسن القصص، لا جرم ینبغی أن یحسن تلاوته و أن یتلى حقّ التلاوه بحسن التّدبّر و النظر لتدرک منافع قصصه و تنال بها فیها من الفوائد العظیمه.
روى فی الکافی باسناده عن عبد اللَّه بن سلیمان قال: سألت أبا عبد اللَّه علیه السّلام عن قول اللَّه عزّ و جلّ: و رتّل القرآن ترتیلا، قال: قال أمیر المؤمنین علیه السّلام: بیّنه تبیانا و لا تهذّه«» هذّ الشعر و لا تنثره نثر الرّمل و لکن افرغوا قلوبکم القاسیه و لا یکن همّ أحدکم آخر السّوره.
ثمّ إنه علیه السّلام لما أمر بتعلّم القرآن و عقّبه بامور ملازمه للعمل به من التفقّه فیه و الاستشفاء بنوره و حسن تلاوته، علّل ذلک بقوله: (فانّ العالم العامل بغیر علمه کالجاهل الحایر) أى المتحیّر (الّذى لا یستفیق من جهله) فی اشتراکهما فی التورّط فی الضلال و العدول عن قصد السبیل (بل الحجّه علیه أعظم) لانقطاع معذرته بمعرفته و عدم تمکّنه من أن یعتذر و یقول: إنّا کنّا عن هذا غافلین و قد مرّ فی شرح الفصل الثانی من فصول الخطبه الثانیه و الثمانین تحقیق الکلام فی ذلک بما لا مزید علیه، و روینا هنالک عن حفص بن غیاث عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام أنه قال: یا حفص یغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن یغفر للعالم ذنب واحد (و الحسره له ألزم) کما یوضحه روایه سلیم بن قیس الهلالى المتقدّمه ثمّه و قال الشارح البحرانی «قد»: إنّ النفوس الجاهله غیر عالمه بمقدار ما یفوتها من الکمال بالتفصیل فإذا فارقت أبدانها فهى و إن کانت محجوبه عن ثمار الجنّه و ما أعدّها اللَّه فیها لأولیائه العلماء، إلّا أنها لما لم تجد لذّتها و لم تطعم حلاوه المعارف الالهیه لم تکن لها کثیر حسره علیها و لا أسف على التقصیر فی تحصیلها، بخلاف العارف بها العالم بنسبتها إلى اللّذات الدّنیویّه، فانّه بعد المفارقه إذا علم و انکشف له أنّ الصارف له و المانع عن الوصول إلى حضره جلال اللَّه هو تقصیره فی العمل بما علم مع علمه بمقدار ما فاته من الکمالات و الدّرجات، کان أسفه و حسرته على ذلک أشدّ الحسرات، و جرى ذلک مجرى من علم قیمه جوهره ثمینه تساوى جمله من المال ثمّ اشتغل عن تحصیلها ببعض لعبه فانّه یعظم حسرته علیها و ندمه على التفریط فیها بخلاف الجاهل بقیمتها (و هو عند اللَّه ألوم) و شدّه اللّائمه مساوق لشده العقوبه، و هو باعتبار أنّ عدم قیامه بوظایف علمه و اتّباعه هواه کاشف عن منتهى جرأته على مولاه، فبذلک یستحقّ من اللؤم و العتاب و الخزى و العذاب ما لا یستحقّه غیره ممّن لیس له هذه الجرأه، فهو عند اللَّه أشد لؤما و عتابا، و أعظم نکالا و عقابا
تکمله
اعلم أنّ هذه الخطبه الشریفه حسبما أشرنا إلیه ملتقطه من خطبه طویله روى تمامها الشیخ المحدّث الثقه أبی محمّد الحسن بن علیّ بن شعبه قدّس اللَّه سرّه فی کتاب تحف العقول.
قال: خطبته علیه السّلام المعروفه بالدّیباج: الحمد للَّه فاطر الخلق و خالق الاصباح و منشر الموتى و باعث من فی القبور، و أشهد أن لا اله إلا اللَّه وحده لا شریک له، و أنّ محمّدا عبده و رسوله صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم عباد اللَّه إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى اللَّه جلّ ذکره الایمان باللَّه و برسله و ما جاءت به من عند اللَّه، و الجهاد فی سبیله فانه ذروه الاسلام، و کلمه الاخلاص فانها الفطره، و إقامه الصلاه فانّها الملّه، و إیتاء الزکاه فانها فریضه و صوم شهر رمضان فانّه جنّه حصینه، و حجّ البیت و العمره فانهما ینفیان الفقر و یکفّر ان الذنب و یوجبان الجنّه، و صله الرّحم فانها ثروه فی المال و منساه فی الأجل و تکثیر للعدد، و الصّدقه فی السّر فانها تکفّر الخطاء و تطفى غضب الرّب تبارک و تعالى، و الصّدقه فی العلانیه فانها تدفع میته السوء، و صنایع المعروف أنها تقى مصارع السوء، و أفیضوا فی ذکر اللَّه جلّ ذکره فانه أحسن الذکر، و هوأمان من النفاق و برائه من النار و تذکیر لصاحبه عند کلّ خیر یقسمه اللَّه جلّ و عزّ له دویّ تحت العرش، و ارغبوا فیما وعد المتّقون فانّ وعد اللَّه أصدق الوعد، و کلّما وعد فهو آت کما وعد، فاقتدوا بهدی رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و سلّم فانّه أفضل الهدی، و استنّوا بسنّته فانها أشرف السنن، و تعلّموا کتاب اللَّه تبارک و تعالى فانه أحسن الحدیث و أبلغ الموعظه، و تفقّهوا فیه فانه ربیع القلوب، و استشفوا بنوره فانّه شفاء لما فی الصّدور، و أحسنوا تلاوته فانّه أحسن القصص، و إذا قرء علیکم القرآن فاستمعوا له و أنصتوا لعلکم ترحمون، و إذا هدیتم لعلمه فاعلموا بما علمتم من علمه لعلّکم تفلحون.
فاعلموا عباد اللَّه أنّ العالم العامل بغیر علمه کالجاهل الحائر الذى لا یستفیق من جهله، بل الحجّه علیه أعظم و هو عند اللَّه ألوم و الحسره أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه مثل ما على هذا الجاهل المتحیّر فی جهله و کلاهما حایر بایر مضلّ مفتون مبتور ما هم فیه و باطل ما کانوا یعملون.
عباد اللَّه لا ترتابوا فتشکّوا، و لا تشکّوا فتکفروا فتندموا، و لا ترخصوا لأنفسکم فتدهنوا و تذهب بکم الرّخص مذاهب الظلمه فتهلکوا، و لا تداهنوا فی الحقّ إذا ورد علیکم و عرفتموه فتخسروا خسرانا مبینا.
عباد اللَّه إنّ من الحزم أن تتّقوا اللَّه، و إنّ من العصمه أن لا تغترّوا باللَّه.
عباد اللَّه إنّ أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربّه، و أغشّهم لنفسه أعصاهم له عباد اللَّه إنه من یطع اللَّه یأمن و یستبشر، و من یعصیه یخب و یندم و لا یسلم عباد اللَّه سلوا اللَّه الیقین فانّ الیقین رأس الدّین، و ارغبوا الیه فی العافیه فانّ أعظم النعمه العافیه فاغتنموها للدّنیا و الآخره و ارغبوا الیه فی التوفیق فانه اسّ وثیق، و اعلموا أنّ خیر ما لزم القلب الیقین، و أحسن الیقین التّقى، و أفضل امور الحقّ عزائمها، و شرّها محدثاتها، و کلّ محدثه بدعه و کلّ بدعه ضلاله، و بالبدع هدم السّنن، المغبون من غبن دینه، و المغبوط من سلم له دینه و حسن یقینه، و السّعید من وعظ بغیره، و الشقى من انخدع لهواه.
عباد اللَّه اعلموا أنّ یسیر الرّیاء شرک، و انّ اخلاص العمل الیقین، و الهوى یقود إلى النار، و مجالسه أهل الهوى ینسى القرآن و یحضر الشّیطان، و النسىء زیاده فی الکفر و اعمال العصاه تدعو الى سخط الرّحمن و سخط الرّحمن یدعو إلى النّار، و محادثه النساء تدعو إلى البلاء و تزیغ القلوب، و الرّمق لهنّ یخطف نور أبصار القلوب، و لمح العیون مصائد الشیطان، و مجالسه السّلطان یهیج النّیران.
عباد اللَّه أصدقوا فانّ اللَّه مع الصّادقین، و جانبوا الکذب فانّه مجانب للایمان و إنّ الصّادق على شرف منجاه و کرامه، و الکاذب على شفا مهواه و هلکه، و قولوا الحقّ تعرفوا به، و اعملوا به تکونوا من أهله، و أدّوا الأمانه إلى من ائتمنکم علیها، و صلوا أرحام من قطعکم، و عودوا بالفضل على من حرمکم، و إذا عاقدتم فأوفوا، و إذا حکمتم فاعدلوا، و إذا ظلمتم فاصبروا، و إذا اسیء إلیکم فاعفوا و اصفحوا کما تحبّون أن یعفى عنکم، و لا تفاخروا بالآباء، و لا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الایمان، و لا تمازحوا، و لا تغاضبوا، و لا تباذخوا، و لا یغتب بعضکم بعضا أیحبّ أحدکم أن یأکل لحم أخیه میتا، و لا تحاسدوا فانّ الحسد یأکل الایمان کما تأکل النّار الحطب، و لا تباغضوا فانها الحالقه، و افشوا السّلام فی العالم، و ردّوا التحیّه على اهلها بأحسن منها، و ارحموا الأرمله و الیتیم، و اعینوا الضعیف و المظلوم و الغارمین و فی سبیل اللَّه و ابن السّبیل و السّائلین و فی الرّقاب و المکاتب و المسکین، و انصروا المظلوم، و اعطوا الفروض، و جاهدوا انفسکم فی اللَّه حقّ جهاده فانّه شدید العقاب، و جاهدوا فی سبیل اللَّه، و أقروا الضیف و أحسنوا الوضوء، و حافظوا على الصّلوات الخمس فی أوقاتها، فانها من اللَّه عزّ و جلّ بمکان.
« فَمَنْ تَطَوَّعَ خَیْراً فَهُوَ خَیْرٌ لَهُ… فَإِنَّ اللَّهَ شاکِرٌ عَلِیمٌ» « تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ» «وَ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»
و اعلموا عباد اللَّه أنّ الأمل یذهب العقل و یکذب الوعد و یحثّ على الغفله و یورث الحسره، فاکذبوا الأمل فانّه غرور و أنّ صاحبه مأزور، فاعملوا فی الرغبه و الرهبه فان نزلت بکم رغبه فاشکروا و اجمعوا معها رغبه، فانّ اللَّه قد تأذّن للمسلمین بالحسنى و لمن شکر بالزیاده، فانّى لم أر مثل الجنّه نام طالبها، و لا کالنّار نام هاربها، و لا أکثر مکتسبا ممن کسبه لیوم تذخر فیه الذخائر و تبلى فیه السّرایر، و أنّ من لا ینفعه الحقّ یضرّه الباطل، و من لا یستقیم به الهدى تضرّه الضّلاله، و من لا ینفعه الیقین یضرّه الشّک و انکم قد امرتم بالظعن و دللتم على الزّاد، ألا انّ أخوف ما أتخوّف علیکم اثنان: طول الأمل و اتّباع الهوى ألا و إنّ الدّنیا أدبرت و آذنت بانقلاع، ألا و انّ الآخره قد أقبلت و آذنت باطلاع، ألا و إنّ المضمار الیوم و السباق غدا، ألا و إنّ السبقه الجنّه و الغایه النار، ألا و إنکم فی أیّام مهل من ورائه أجل یحثّه عجل فمن أخلص للَّه عمله فی أیّامه قبل حضور أجله نفعه عمله و لم یضرّه أجله، و من لم یعمل فی أیّام مهله ضرّه أجله و لم ینفعه عمله عباد اللَّه أفزعوا إلى قوام دینکم باقام الصّلاه لوقتها، و ایتاء الزکاه فی حینها و التضرّع و الخشوع و صله الرّحم، و خوف المعاد و إعطاء السّائل و إکرام الضعیفه و الضعیف و تعلّم القرآن و العمل به و صدق الحدیث و الوفاء بالعهد و أداء الأمانه إذا ائتمنتم، و ارغبوا فی ثواب اللَّه و ارهبوا عذابه و جاهدوا فی سبیل اللَّه بأموالکم و أنفسکم، و تزوّدوا من الدّنیا ما تحرزون به أنفسکم و اعملوا بالخیر تجزوا بالخیر یوم یفوز بالخیر من قدّم الخیر، أقول قولی و أستغفر اللَّه لی و لکم.
بیان
لا یخفى على الضّابط المحیط بما تقدّمت من الخطب أن الأشبه أن تکون الخطبه الثّامنه و العشرون، و أو آخر الخطبه الخامسه و الثمانین، و هذه الخطبه التی نحن فی شرحها جمیعا ملتقطه من تلک الخطبه المعروفه بالدّیباج، فانّک إذا لاحظتها ترى توافق هذه الخطبه لأوائل تلک الخطبه، و أواخر الخامسه و الثمانین لأواسطها، و الثامنه و العشرین لأواخرها، و إن کان بینها اختلاف یسیر فی بعض العبارات، و تقدیم و تأخیر فی بعض الفقرات، و لا ضیر فیه فانّه من تفاوت مراتب حفظ الرّواه فی القوّه و الضعف، و هو عمده جهات الاختلاف فی الأخبار کما هو غیر خفىّ على اولى الأبصار.
الترجمه
از جمله خطبهاى شریفه آن حجت زمان و قدوه عالمیانست در وصف شعائر اسلام و حثّ و ترغیب بر آن مى فرماید: بتحقیق بهترین چیزى که تقرّب می کنند بآن تقرّب جویندگان بسوى پروردگار عالمیان که منزّه و مقدّس است از هر گونه عیب و نقصان، ایمان و تصدیق است بذات او و به پیغمبر برگزیده او، و جهاد است در راه او پس بتحقیق که جهاد بلندی اسلام است، دیگر از اسباب تقرّب کلمه اخلاص یعنى کلمه طیبه لا إله الّا اللَّه است پس بدرستى که آن کلمه مبارکه توحید است و معرفت، دیگر بر پا داشتن نماز پنجگانه پس بتحقیق که او است ملّت، و دادن زکاه است که او است فرض و واجب و روزه ماه مبارک رمضان است که سپر است از عقوبت، و حجّ خانه خدا و عمره بجا آوردن است در آن که آن حجّ و عمره بر مى دارند فقر و پریشانى را و مى شویند گناه را، وصله أرحام است که مایه أفزونى مال است و درازى عمر، و صدقه دادن است پنهان که کفّاره گناهانست، و صدقه دادنست آشکارا که دفع کننده مردن زشت است چون سوختن و غرق شدن و مثل آن، و کارهاى نیکو کردنست که نگه مى دارد کردن آنها از کشته شدن در مواضع ذلّت.
کوچ نمائید و سیر کنید در ذکر خدا پس بدرستى که ذکر خدا بهترین ذکرها است، و رغبت نمائید بچیزى که وعده فرموده پرهیزکاران را پس بتحقیق که وعده او راست ترین وعدها است، و متابعت کنید بسیرت پیغمبر خودتان که بهترین سیرتها است، و راه بروید بطریقه او که هدایت کننده ترین طریقها است، و یاد بگیرید و بیاموزید قرآن کریم را که بهترین کلامها است، و بفهمید نکات آنرا که آن بهار قلبها است، و طلب شفا کنید با نور قرآن که آن شفاى سینها است، و خوب تلاوت نمائید آنرا پس بدرستى که آن نافعترین قصّه ها است، بتحقیق که عالمى که بعلم خود عمل نکند مثل جاهل و نادان سرگردانى است که از مستى و جهالت خود بهوش نیاید، بلکه حجّت خدا بر آن عالم بزرگتر است، و حسرت و أفسوس مر آن عالم را لازمتر است، و او در نزد خدا بیشتر مستحقّ مذمّت و ندامت است.
منهاج البراعه فی شرح نهج البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»
بازدیدها: ۲۸۸
دیدگاهها