
و من کتاب له علیه السّلام إلى أهل مصر، لما ولى علیهم الأشتر رحمه اللّه
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ- إِلَى الْقَوْمِ الَّذِینَ غَضِبُوا لِلَّهِ- حِینَ عُصِیَ فِی أَرْضِهِ وَ ذُهِبَ بِحَقِّهِ- فَضَرَبَ الْجَوْرُ سُرَادِقَهُ عَلَى الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ- وَ الْمُقِیمِ وَ الظَّاعِنِ- فَلَا مَعْرُوفٌ یُسْتَرَاحُ إِلَیْهِ- وَ لَا مُنْکَرٌ یُتَنَاهَى عَنْهُ- أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ إِلَیْکُمْ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللَّهِ- لَا یَنَامُ أَیَّامَ الْخَوْفِ- وَ لَا یَنْکُلُ عَنِ الْأَعْدَاءِ سَاعَاتِ الرَّوْعِ- أَشَدَّ عَلَى الْفُجَّارِ مِنْ حَرِیقِ النَّارِ- وَ هُوَ مَالِکُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو مَذْحِجٍ- فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِیعُوا أَمْرَهُ فِیمَا طَابَقَ الْحَقَّ- فَإِنَّهُ سَیْفٌ مِنْ سُیُوفِ اللَّهِ- لَا کَلِیلُ الظُّبَهِ وَ لَا نَابِی الضَّرِیبَهِ- فَإِنْ أَمَرَکُمْ أَنْ تَنْفِرُوا فَانْفِرُوا- وَ إِنْ أَمَرَکُمْ أَنْ تُقِیمُوا فَأَقِیمُوا- فَإِنَّهُ لَا یُقْدِمُ وَ لَا یُحْجِمُ- وَ لَا یُؤَخِّرُ وَ لَا یُقَدِّمُ إِلَّا عَنْ أَمْرِی- وَ قَدْ آثَرْتُکُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِی لِنَصِیحَتِهِ لَکُمْ- وَ شِدَّهِ شَکِیمَتِهِ عَلَى عَدُوِّکُمْ
اللغه
أقول: السرادق: البیت من القطن. و النکول: الرجوع. و الظبه بالتخفیف: حدّ السیف، و نبا السیف: إذا لم یقطع لضریبه. و الإحجام: التأخّر. و فلان شدید الشکیمه. إذا کان أبیّا قوىّ النفس. و أصل الشکیمه: الحدیده المعترضه فی فم الفرس.
و فی الکتاب مقاصد:
الأوّل: قوله: من عبد اللّه. إلى قوله: یتناهى عنه.
صوره عنوانه، و وصف أهل مصر بالغضب للّه استجلابا لطباعهم، و إشاره إلى إنکارهم للأحداث الّتی نسبت إلى عثمان و مسیرهم لذلک إلى المدینه غضبا لحدود اللّه أن تعطّل.
فإن قلت: فیلزم أن یکون علیه السّلام راضیا بقتل عثمان. إذ مدح قاتله على المسیر بقتله.
قلت: لا یلزم ذلک لجواز أن یکون مسیرهم إنّما کان للنکیر علیه دون غرض قتله. فمدحهم على ذلک النکیر لأنّه جهه مدح، و أمّا قاتلوه و الّذین تسوّروا علیه الدار- و کانوا قوما قلیلین- لعلّه لم یک فیهم من أهل مصر إلّا النادر، و لیس فی کلامه علیه السّلام ما یقتضى مدح أولئک باعتبار کونهم قتلوه، و استعار لفظ السرادق لما عمّ من الجور البرّ و الفاجر و المقیم و المسافر کالسرادق الحاوى لأهله، و قابل بین المعروف و المنکر و لم یرد نفى المنکر بل نفى صفه التناهی عنه.
الثانی: قوله: أمّا بعد إلى قوله: أخو بنی مذحج.
صدر الکتاب: أعلمهم فیه ببعث الأشتر إجمالا، و وصفه بأوصاف یستلزم رغبتهم فیه، و کنّى بکونه لا ینام أیّام الخوف عن علوّ همّته و تعلّقها حین الخوف بتدبیر الحرب و الاستعداد للقاء العدوّ، و بکونه لا ینکل عن الأعداء عن شجاعته و شدّه بأسه. و أکّد ذلک بوصف کونه أشدّ على الفجّار من حریق النار، و هو وصف صادق مع المبالغه فیه. إذ کان لقاؤه للفجّار یستلزم غلبه ظنونهم بالهلاک معه و عدم السلامه، و لا کذلک وجود الحریق لطمعهم فی الفرار من النار و إطفائها. ثمّ ذکره بعد تعدید أوصافه الحمیده و هو أبلغ لأنّ الغرض الأهمّ وصفه لا ذکره فقط. و مذحج بفتح المیم کمسجد: أبو قبیله من الیمن، و هو مذحج بن جابر بن مالک بن نهلان بن سبا.
و النخع: قبیله من هذه القبیله، و الأشتر نخعیّ.
الثالث: أمرهم بالمقصود و هو السمع له و الطاعه لأمره لا مطلقا بل فیما یطابق الحقّ
و یوافقه من الأوامر، و أشار إلى حسن امتثال أمره بضمیر صغراه قوله: فإنّه سیف. إلى قوله: الضریبه، و استعار له لفظ السیف باعتبار کونه یصال به على العدوّ فیهلکه کالسیف، و رشّح بذکر الظبه، و کنّى بکونه غیر کلیلها و غیر نابى الضریبه عن کونه ماضیا فی الحوادث غیر واقف فیها و لا راجع عنها، و الإضافه إلى الضریبه إضافه اسم الفاعل إلى المفعول: أى و لا ناب عن الضریبه، و تقدیر الکبرى: و کلّ من کان کذلک فیجب أن یقدّم و یمتثل أمره فیما یشیر به من الحرب و غیرها.
الرابع: أمرهم أن یکون نفارهم إلى الحرب، و إجحامهم عنها على وفق أمره،
و نبّه على ذلک بضمیر صغراه قوله: فإنّه. إلى قوله: أمرى. و کنّى بذلک عن کونه لا یأمر فی الحرب و غیرها بأمر إلّا و هو فی موضعه لأنّ أوامره علیه السّلام کانت کذلک فمن کان على وفقها فأوامره أیضا کذلک، و لم یرد علیه السّلام أنّ کلّ ما یأمر به مالک فی الأمور الکلّیّه و الجزئیّه فإنّه من أمره علیه السّلام بالتعیین و التفصیل بل أراد أنّه قد علمه بقواعد کلّیّه للسیاسات و تدابیر المدن و الحروب و أعدّه لذلک بحیث یمکنه أن یجتهد فیها و یستخرج جزئیّاتها.
الخامس: أعلمهم أنّه قد آثرهم به على نفسه
مع حاجته إلیه فی الرأی و التدبیر فی معرض الامتنان علیهم بذلک لیشکروه، و أشار إلى علّه ایثاره لهم به و هى کونه ناصحا لهم قوىّ النفس شدید الوطأه على عدوّهم. و کنّى بشدّه الشکیمه عن ذلک فأمّا مصلحته علیه السّلام فی ذلک الایثار فهو استقامه الأمر له بصلاح حالهم. و باللّه التوفیق.
شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۵ ، صفحهى ۸۳
بازدیدها: ۴
دیدگاهها