
و من کتاب له علیه السّلام إلى قثم بن العباس، و هو عامله على مکه
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عَیْنِی بِالْمَغْرِبِ کَتَبَ إِلَیَّ یُعْلِمُنِی- أَنَّهُ وُجِّهَ إِلَى الْمَوْسِمِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ- الْعُمْیِ الْقُلُوبِ الصُّمِّ الْأَسْمَاعِ الْکُمْهِ الْأَبْصَارِ- الَّذِینَ یَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ- وَ یُطِیعُونَ الْمَخْلُوقَ فِی مَعْصِیَهِ الْخَالِقِ- وَ یَحْتَلِبُونَ الدُّنْیَا دَرَّهَا بِالدِّینِ- وَ یَشْتَرُونَ عَاجِلَهَا بِآجِلِ الْأَبْرَارِ الْمُتَّقِینَ- وَ لَنْ یَفُوزَ بِالْخَیْرِ إِلَّا عَامِلُهُ- وَ لَا یُجْزَى جَزَاءَ الشَّرِّ إِلَّا فَاعِلُهُ- فَأَقِمْ عَلَى مَا فِی یَدَیْکَ قِیَامَ الْحَازِمِ الصَّلِیبِ- وَ النَّاصِحِ اللَّبِیبِ- التَّابِعِ لِسُلْطَانِهِ الْمُطِیعِ لِإِمَامِهِ- وَ إِیَّاکَ وَ مَا یُعْتَذَرُ مِنْهُ- وَ لَا تَکُنْ عِنْدَ النَّعْمَاءِ بَطِراً- وَ لَا عِنْدَ الْبَأْسَاءِ فَشِلًا
أقول: هو قثم بن العبّاس بن عبد المطّلب، و لم یزل والیا لعلیّ علیه السّلام على مکّه حتّى قتل علیه السّلام و استشهد بسمرقند فی زمن معاویه، و سبب هذا الکتاب أنّ معاویه کان قد بعث إلى مکّه فی موسم الحجّ و اجتماع العرب بها دعاه یدعون إلى طاعته و یثبّطون العرب من نصره علیّ علیه السّلام، و یلقون فی أنفسهم أنّه إمّا قاتل عثمان أو خاذل له و على التقدیرین فلا یصلح للإمامه، و ینشرون محاسن معاویه- بزعمهم- و أخلاقه و سیرته فی العطاء. فکتب علیه السّلام هذا الکتاب إلى عامله بمکّه ینبّهه على ذلک لیعتمد علیه فیما یقتضیه السیاسه، و قیل: إنّ الذین بعثهم بعض السرایا الّتی کان یبعثها لیغیر على أعمال علیّ علیه السّلام.
اللغه
و العین: الجاسوس. و الموسم: مجمع الحاجّ. و الأکمه: الأعمى خلقه. و البطر: شدّه المرح و کثره النشاط. و البأساء: الشدّه بنى على فعلاء و لا أفعل له لأنّه اسم غیر صفه. و الفشل: الجبن و الضعف.
المعنى
و حاصل الکتاب إعلامه أوّلا بما کتب إلیه عینه بالمغرب، و أراد الشام لأنّها من البلاد المغربیّه، و قد کان له علیه السّلام فی البلاد جواسیس یخبره بما یتجدّد من الامور عند معاویه، و لمعاویه عنده کذلک کما جرت عاده الملوک بمثله. ثمّ وصف أهل الشام بأوصاف یستلزم البعد عن اللّه لغرض التنفیر عنهم:
أحدها: شمول الغفله بهم من کلّ وجه عمّا خلقوا لأجله، و أستعار لقلوبهم لفظ العمى باعتبار عدم عقلیّتهم للحقّ و إدراکهم لما ینبغی من طریق الآخره کما لا یدرک الأعمى قصده، و لفظ الصمّ لأسماعهم و الکمه لأبصارهم باعتبار عدم انتفاعهم من جهه الأسماع بالمواعظ و التذاکیر، و من جهه الأبصار بتحصیل العبره بها من آثار اللّه سبحانه کما لا ینتفع بذلک فاقد هاتین الآلتین.
الثانی: کونهم یلبسون الحقّ بالباطل: أى یخلّطونه و یعمّونه فیه. و المراد أنّهم یعلمون أنّه على الحقّ و أنّ معاویه على الباطل ثم یکتمون ذلک و یغطّونه بشبهه قتل عثمان و الطلب بدمه إلى غیر ذلک من أباطیلهم، و روى یلتمسون الحقّ بالباطل. إذ کانوا یطلبون حقّا بحرکاتهم الباطله.
الثالث: کونهم یطیعون المخلوق: أى معاویه فی معصیه خالقهم.
الرابع: کونهم یجتلبون الدنیا درّها بالدین، و استعار لفظ الدرّ لمتاع الدنیا و طیّباتها، و لفظ الاحتلاب لاستخراج متاعها بوجوه الطلب من مظانّه ملاحظا لشبهها بالناقه. و درّها منصوب بدلا من الدنیا. و إنّما کان ذلک بالدین لأنّ إظهارهم لشعاره و تمسّکهم بظواهره لعرض تحصیل الدنیا و أخذهم ما لا یستحقّونه منها فإنّ محاربتهم له علیه السّلام إنّما کانت کما زعموا للأخذ بثار الخلیفه عثمان و إنکار المنکر على قاتلیه و خاذلیه، و لذلک تمکّنوا من تألّف قلوب العرب و أکثر جهّال المسلمین على حربه علیه السّلام، و أخذ البلاد.
الخامس: شراؤهم عاجل الدنیا بآجل الأبرار، و هو ثواب الآخره، و لفظ الشراء مستعار لاستعاضتهم ذلک العاجل من ذلک الآجل، و لمّا کان ذلک فی شعار الإسلام هو الخسران المبین ذکره فی معرض ذمّهم، ثمّ ذکر فی مقام الوعد و الوعید لهم انحصار الفوز بالخیر ممّن عمل الخیر ترغیبا فیه و المجازاه بالشرّ فی فاعله تنفیرا عفه. ثمّ ختم بأمره و تحذیره أمّا أمره فبأن یقیم على ما فی یدیه من العمل مقام من هو أهل ذلک و هو الحازم المتثبّت فی إرائه، الصلیب فی طاعه اللّه، الناصح اللبیب له و لأولیائه، التابع لسلطانه، المطیع لإمامه و أمّا تحذیره فممّا یعتذر منه و هو کلّ أمر عدّ فی الشرع معصیه و تقصیرا عن أداء حقّه، و یروى الکلمات مرفوعه. ثمّ من البطر فی النعمه و الفشل و الضعف عند البأساء و الشدّه لکون ذلک معدّ الزوال النعمه و حلول النقمه. و البطر رذیله تستلزم رذیلتی الکبر و العجب و تقابل فضیله التواضع، و الفشل رذیله التفریط من فضیله الشجاعه. و باللّه التوفیق.
شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۵ ، صفحهى ۷۲
بازدیدها: ۶
دیدگاهها