
۲۳۹ و من کلام له ع قاله لعبد الله بن عباس- و قد جاءه برساله من عثمان
و هو محصور یسأله فیها الخروج إلى ماله بینبع- لیقل هتف الناس باسمه للخلافه- بعد أن کان سأله مثل ذلک من قبل- فقال ع- یَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا یُرِیدُ عُثْمَانُ- إِلَّا أَنْ یَجْعَلَنِی جَمَلًا نَاضِحاً بِالْغَرْبِ أَقْبِلْ وَ أَدْبِرْ- بَعَثَ إِلَیَّ أَنْ أَخْرُجَ ثُمَّ بَعَثَ إِلَیَّ أَنْ أَقْدَمَ- ثُمَّ هُوَ الآْنَ یَبْعَثُ إِلَیَّ أَنْ أَخْرُجَ- وَ اللَّهِ لَقَدْ دَفَعْتُ عَنْهُ حَتَّى خَشِیتُ أَنْ أَکُونَ آثِماً ینبع على یفعل مثل یحلم و یحکم اسم موضع- کان فیه نخل لعلی بن أبی طالب ع- و ینبع الآن بلد صغیر من أعمال المدینه- . و هتف الناس باسمه نداؤهم و دعاؤهم- و أصله الصوت یقال هتف الحمام یهتف هتفا- و هتف زید بعمرو هتافا أی صاح به- و قوس هتافه و هتفى أی ذات صوت- . و الناضح البعیر یستقى علیه- و قال معاویه لقیس بن سعد- و قد دخل علیهفی رهط من الأنصار- ما فعلت نواضحکم یهزأ به- فقال أنصبناها فی طلب أبیک یوم بدر- .
و الغرب الدلو العظیمه- . قوله أقبل و أدبر- أی یقول لی ذلک کما یقال للناضح- و قد صرح العباس بن مرداس بهذه الألفاظ فقال-أراک إذا أصبحت للقوم ناضحا یقال له بالغرب أدبر و أقبل- .
قوله لقد دفعت عنه حتى خشیت أن أکون آثما- یحتمل أن یرید بالغت و اجتهدت فی الدفاع عنه- حتى خشیت أن أکون آثما- فی کثره مبالغتی و اجتهادی فی ذلک- و إنه لا یستحق الدفاع عنه لجرائمه و أحداثه- و هذا تأویل من ینحرف عن عثمان- و یحتمل أن یرید لقد دفعت عنه- حتى کدت أن ألقی نفسی فی الهلکه- و أن یقتلنی الناس الذین ثاروا به- فخفت الإثم فی تغریری بنفسی- و توریطها فی تلک الورطه العظیمه- و یحتمل أن یرید- لقد جاهدت الناس دونه و دفعتهم عنه- حتى خشیت أن أکون آثما بما نلت منهم- من الضرب بالسوط و الدفع بالید- و الإعانه بالقول- أی فعلت من ذلک أکثر مما یحب وصیه العباس قبل موته لعلیقرأت فی کتاب صنفه أبو حیان التوحیدی- فی تقریظ الجاحظ- قال نقلت من خط الصولی- قال الجاحظ إن العباس بن عبد المطلب- أوصى علی بن أبی طالب ع فی علته التی مات فیها- فقال أی بنی-
إنی مشف على الظعن عن الدنیا إلى الله- الذی فاقتی إلى عفوه و تجوزه- أکثر من حاجتی إلى ما أنصحک فیه و أشیر علیک به-و لکن العرق نبوض و الرحم عروض- و إذا قضیت حق العمومه فلا أبالی بعد- إن هذا الرجل یعنی عثمان قد جاءنی مرارا بحدیثک- و ناظرنی ملاینا و مخاشنا فی أمرک- و لم أجد علیک إلا مثل ما أجد منک علیه- و لا رأیت منه لک إلا مثل ما أجد منک له- و لست تؤتى من قله علم و لکن من قله قبول- و مع هذا کله فالرأی الذی أودعک به- أن تمسک عنه لسانک و یدک و همزک و غمزک- فإنه لا یبدؤک ما لم تبدأه و لا یجیبک عما لم یبلغه- و أنت المتجنی و هو المتأنی و أنت العائب و هو الصامت- فإن قلت کیف هذا و قد جلس مجلسا أنا به أحق- فقد قاربت و لکن ذاک بما کسبت یداک- و نکص عنه عقباک لأنک بالأمس الأدنى- هرولت إلیهم تظن أنهم یحلون جیدک- و یختمون إصبعک و یطئون عقبک- و یرون الرشد بک و یقولون لا بد لنا منک- و لا معدل لنا عنک- و کان هذا من هفواتک الکبر- و هناتک التی لیس لک منها عذر- و الآن بعد ما ثللت عرشک بیدک- و نبذت رأی عمک فی البیداء یتدهده فی السافیاء- خذ بأحزم مما یتوضح به وجه الأمر- لا تشار هذا الرجل و لا تماره- و لا یبلغنه عنک ما یحنقه علیک- فإنه إن کاشفک أصاب أنصارا- و إن کاشفته لم تر إلا ضرارا- و لم تستلج إلا عثارا- و اعرف من هو بالشام له- و من هاهنا حوله من یطیع أمره و یمتثل قوله لا تغترر بناس یطیفون بک-
و یدعون الحنو علیک و الحب لک- فإنهم بین مولى جاهل و صاحب متمن- و جلیس یرعى العین و یبتدر المحضر- و لو ظن الناس بک ما تظن بنفسک- لکان الأمر لک و الزمام فی یدک- و لکن هذا حدیث یوم مرض رسول الله ص فات- ثم حرم الکلام فیه حین مات- فعلیک الآن بالعزوف عن شیء عرضک له رسول الله ص فلم یتم- و تصدیت له مره بعد مره فلم یستقم- و من ساور الدهر غلب و من حرص على ممنوع تعب- فعلى ذلک فقد أوصیت عبد الله بطاعتک- و بعثته على متابعتک و أوجرته محبتک- و وجدت عنده من ذلک ظنی به لک- لا توتر قوسک إلا بعد الثقه بها- و إذا أعجبتک فانظر إلى سیتها- ثم لا تفوق إلا بعد العلم- و لا تغرق فی النزع إلا لتصیب الرمیه-
و انظر لا تطرف یمینک عینک و لا تجن شمالک شینک- ودعنی بآیات من آخر سوره الکهف و قم إذا بدا لک قلت الناس یستحسنون رأی العباس لعلی ع- فی ألا یدخل فی أصحاب الشورى- و أما أنا فإنی أستحسنه إن قصد به معنى- و لا أستحسنه إن قصد به معنى آخر- و ذلک لأنه إن أجرى بهذا الرأی إلى ترفعه علیهم- و علو قدره عن أن یکون مماثلا لهم- أو أجرى به إلى زهده فی الإماره و رغبته عن الولایه- فکل هذا رأی حسن و صواب- و إن کان منزعه فی ذلک- إلى أنک إن ترکت الدخول معهم- و انفردت بنفسک فی دارک- أو خرجت عن المدینه إلى بعض أموالک- فإنهم یطلبونک و یضربون إلیک آباط الإبل- حتى یولوک الخلافه- و هذا هو الظاهر من کلامه- فلیس هذا الرأی عندی بمستحسن- لأنه لو فعل ذلک لولوا عثمان أو واحدا منهم غیره- و لم یکن عندهم من الرغبه فیه ع ما یبعثهم على طلبه- بل کان تأخره عنهم قره أعینهم و واقعا بإیثارهم- فإن قریشا کلها کانت تبغضه أشد البغض- و لو عمر عمر نوح- و توصل إلى الخلافه بجمیع أنواع التوصل- کالزهد فیها تاره و المناشده بفضائله تاره- و بما فعله فی ابتداء الأمر- من إخراج زوجته و أطفاله لیلا إلى بیوت الأنصار- و بما اعتمده إذ ذاک من تخلفه فی بیته- و إظهار أنه قد انعکف على جمع القرآن- و بسائر أنواع الحیل فیها- لم تحصل له إلا بتجرید السیف- کما فعل فی آخر الأمر و لست ألوم العرب- لا سیما قریشا فی بغضها له و انحرافها عنه- فإنه وترها و سفک دماءها- و کشف القناع فی منابذتها- و نفوس العرب و أکبادهم کما تعلم-و لیس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد فی النفوس- کما نشاهده الیوم عیانا- و الناس کالناس الأول و الطبائع واحده- فأحسب أنک کنت من سنتین أو ثلاث- جاهلیا أو من بعض الروم-
و قد قتل واحد من المسلمین ابنک أو أخاک ثم أسلمت- أ کان إسلامک یذهب عنک- ما تجده من بغض ذلک القاتل و شنآنه- کلا إن ذلک لغیر ذاهب- هذا إذا کان الإسلام صحیحا و العقیده محققه- لا کإسلام کثیر من العرب- فبعضهم تقلیدا و بعضهم للطمع و الکسب- و بعضهم خوفا من السیف- و بعضهم على طریق الحمیه و الانتصار- أو لعداوه قوم آخرین من أضداد الإسلام و أعدائه- .
و اعلم أن کل دم أراقه رسول الله ص- بسیف علی ع و بسیف غیره- فإن العرب بعد وفاته ع- عصبت تلک الدماء بعلی بن أبی طالب ع وحده- لأنه لم یکن فی رهطه- من یستحق فی شرعهم و سنتهم و عادتهم- أن یعصب به تلک الدماء إلا بعلی وحده- و هذه عاده العرب- إذا قتل منها قتلى طالبت بتلک الدماء القاتل- فإن مات أو تعذرت علیها مطالبته- طالبت بها أمثل الناس من أهله- . لما قتل قوم من بنی تمیم أخا لعمرو بن هند- قال بعض أعدائه یحرض عمرا علیهم-
من مبلغ عمرا بأن
المرء لم یخلق صباره
و حوادث الأیام لا
یبقى لها إلا الحجاره
ها إن عجزه أمه
بالسفح أسفل من أواره
تسفی الریاح خلال
کشحیه و قد سلبوا إزاره
فاقتل زراره لا أرى
فی القوم أمثل من زراره
فأمره أن یقتل زراره بن عدس رئیس بنی تمیم- و لم یکن قاتلا أخا الملک و لا حاضرا قتله- . و من نظر فی أیام العرب- و وقائعها و مقاتلها عرف ما ذکرناه- . سألت النقیب أبا جعفر یحیى بن أبی زید رحمه الله- فقلت له إنی لأعجب من علی ع- کیف بقی تلک المده الطویله بعد رسول الله ص- و کیف ما اغتیل و فتک به فی جوف منزله- مع تلظی الأکباد علیه- . فقال لو لا أنه أرغم أنفه بالتراب- و وضع خده فی حضیض الأرض لقتل- و لکنه أخمل نفسه- و اشتغل بالعباده و الصلاه و النظر فی القرآن- و خرج عن ذلک الزی الأول و ذلک الشعار- و نسی السیف و صار کالفاتک یتوب-
و یصیر سائحا فی الأرض أو راهبا فی الجبال- و لما أطاع القوم الذین ولوا الأمر- و صار أذل لهم من الحذاء ترکوه و سکتوا عنه- و لم تکن العرب لتقدم علیه- إلا بمواطاه من متولی الأمر و باطن فی السر منه- فلما لم یکن لولاه الأمر باعث و داع إلى قتله- وقع الإمساک عنه- و لو لا ذلک لقتل ثم أجل بعد معقل حصین- . فقلت له أ حق ما یقال فی حدیث خالد- فقال إن قوما من العلویه یذکرون ذلک- .
ثم قال و قد روی أن رجلا جاء إلى زفر بن الهذیل- صاحب أبی حنیفه- فسأله عما یقول أبو حنیفه- فی جواز الخروج من الصلاه بأمر غیر التسلیم- نحو الکلام و الفعل الکثیر أو الحدث- فقال إنه جائز قد قال أبو بکر فی تشهده ما قال- فقال الرجلو ما الذی قاله أبو بکر- قال لا علیک- فأعاد علیه السؤال ثانیه و ثالثه- فقال أخرجوه أخرجوه- قد کنت أحدث أنه من أصحاب أبی الخطاب- . قلت له فما الذی تقوله أنت- قال أنا أستبعد ذلک و إن روته الإمامیه- .
ثم قال أما خالد فلا أستبعد منه الإقدام علیه- بشجاعته فی نفسه و لبغضه إیاه- و لکنی أستبعده من أبی بکر فإنه کان ذا ورع- و لم یکن لیجمع بین أخذ الخلافه و منع فدک- و إغضاب فاطمه و قتل علی ع- حاش لله من ذلک- فقلت له أ کان خالد یقدر على قتله- قال نعم و لم لا یقدر على ذلک و السیف فی عنقه- و علی أعزل غافل عما یراد به- قد قتله ابن ملجم غیله و خالد أشجع من ابن ملجم- . فسألته عما ترویه الإمامیه فی ذلک کیف ألفاظه- فضحک و قال-
کم عالم بالشیء و هو یسائل- . ثم قال دعنا من هذا- ما الذی تحفظ فی هذا المعنى- قلت قول أبی الطیب-
نحن أدرى و قد سألنا بنجد
أ طویل طریقنا أم یطول
و کثیر من السؤال اشتیاق
و کثیر من رده تعلیل
فاستحسن ذلک و قال- لمن عجز البیت الذی استشهدت به- قلت لمحمد بن هانئ المغربی و أوله-
فی کل یوم أستزید تجاربا
کم عالم بالشیء و هو یسائل
فبارک علی مرارا ثم قال نترک الآن هذا- و نتمم ما کنا فیه- و کنت أقرأ علیه فی ذلک الوقت- جمهره النسب لابن الکلبی فعدنا إلى القراءه- و عدلنا عن الخوض عما کان اعترض الحدیث فیه
شرح نهج البلاغه(ابن أبی الحدید) ج ۱۳
بازدیدها: ۱۱۰
دیدگاهها