خطبه ۲۳۷شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۲۳۷ و من خطبه له ع

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْفَاشِی فِی الْخَلْقِ حَمْدُهُ- وَ الْغَالِبِ جُنْدُهُ وَ الْمُتَعَالِی جَدُّهُ- أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ التُّؤَامِ وَ آلَائِهِ الْعِظَامِ- الَّذِی عَظُمَ حِلْمُهُ فَعَفَا وَ عَدَلَ فِی کُلِّ مَا قَضَى- وَ عَلِمَ بِمَا یَمْضِی وَ مَا مَضَى- مُبْتَدِعِ الْخَلَائِقِ بِعِلْمِهِ وَ مُنْشِئِهِمْ بِحُکْمِهِ- بِلَا اقْتِدَاءٍ وَ لَا تَعْلِیمٍ- وَ لَا احْتِذَاءٍ لِمِثَالِ صَانِعٍ حَکِیمٍ- وَ لَا إِصَابَهِ خَطَإٍ وَ لَا حَضْرَهِ مَلٍا وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ- ابْتَعَثَهُ وَ النَّاسُ یَضْرِبُونَ فِی غَمْرَهٍ- وَ یَمُوجُونَ فِی حَیْرَهٍ قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّهُ الْحَیْنِ- وَ اسْتَغْلَقَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ الرَّیْنِ- عِبَادَ اللَّهِ أُوصِیکُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ- فَإِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ عَلَیْکُمْ- وَ الْمُوجِبَهُ عَلَى اللَّهِ حَقَّکُمْ وَ أَنْ تَسْتَعِینُوا عَلَیْهَا بِاللَّهِ- وَ تَسْتَعِینُوا بِهَا عَلَى اللَّهِ- فَإِنَّ التَّقْوَى فِی الْیَوْمِ الْحِرْزُ وَ الْجُنَّهُ- وَ فِی غَدٍ الطَّرِیقُ إِلَى الْجَنَّهِ- مَسْلَکُهَا وَاضِحٌ وَ سَالِکُهَا رَابِحٌ وَ مُسْتَوْدَعُهَا حَافِظٌ- لَمْ تَبْرَحْ عَارِضَهً نَفْسَهَا عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِینَ مِنْکُمْ- وَ الْغَابِرِینَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَیْهَا غَداً- إِذَا أَعَادَ اللَّهُ مَا أَبْدَى- وَ أَخَذَ مَا أَعْطَى وَ سَأَلَ عَمَّا أَسْدَى- فَمَا أَقَلَّ مَنْ قَبِلَهَا وَ حَمَلَهَا حَقَّ حَمْلِهَا- أُولَئِکَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً- وَ هُمْ أَهْلُ صِفَهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِذْ یَقُولُ- وَ قَلِیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّکُورُ- فَأَهْطِعُوا بِأَسْمَاعِکُمْ إِلَیْهَا وَ أَلِظُّوا بِجِدِّکُمْ عَلَیْهَا- وَ اعْتَاضُوهَا مِنْ کُلِّ سَلَفٍ خَلَفاً- وَ مِنْ کُلِّ مُخَالِفٍ مُوَافِقاً-أَیْقِظُوا بِهَا نَوْمَکُمْ وَ اقْطَعُوا بِهَا یَوْمَکُمْ- وَ أَشْعِرُوهَا قُلُوبَکُمْ وَ ارْحَضُوا بِهَا ذُنُوبَکُمْ- وَ دَاوُوا بِهَا الْأَسْقَامَ وَ بَادِرُوا بِهَا الْحِمَامَ- وَ اعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا وَ لَا یَعْتَبِرَنَّ بِکُمْ مَنْ أَطَاعَهَا- أَلَا فَصُونُوهَا وَ تَصَوَّنُوا بِهَا- وَ کُونُوا عَنِ الدُّنْیَا نُزَّاهاً- وَ إِلَى الآْخِرَهِ وُلَّاهاً- وَ لَا تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَى- وَ لَا تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْیَا- وَ لَا تَشِیمُوا بَارِقَهَا وَ لَا تَسْمَعُوا نَاطِقَهَا- وَ لَا تُجِیبُوا نَاعِقَهَا وَ لَا تَسْتَضِیئُوا بِإِشْرَاقِهَا- وَ لَا تُفْتَنُوا بِأَعْلَاقِهَا- فَإِنَّ بَرْقَهَا خَالِبٌ وَ نُطْقَهَا کَاذِبٌ- وَ أَمْوَالَهَا مَحْرُوبَهٌ وَ أَعْلَاقَهَا مَسْلُوبَهٌ- أَلَا وَ هِیَ الْمُتَصَدِّیَهُ الْعَنُونُ وَ الْجَامِحَهُ الْحَرُونُ- وَ الْمَائِنَهُ الْخَئُونُ وَ الْجَحُودُ الْکَنُودُ- وَ الْعَنُودُ الصَّدُودُ وَ الْحَیُودُ الْمَیُودُ- حَالُهَا انْتِقَالٌ وَ وَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ- وَ عِزُّهَا ذُلٌّ وَ جِدُّهَا هَزْلٌ وَ عُلْوُهَا سُفْلٌ- دَارُ حَرْبٍ وَ سَلَبٍ وَ نَهْبٍ وَ عَطَبٍ- أَهْلُهَا عَلَى سَاقٍ وَ سِیَاقٍ وَ لَحَاقٍ وَ فِرَاقٍ- قَدْ تَحَیَّرَتْ مَذَاهِبُهَا وَ أَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا- وَ خَابَتْ مَطَالِبُهَا فَأَسْلَمَتْهُمُ الْمَعَاقِلُ- وَ لَفَظَتْهُمُ الْمَنَازِلُ وَ أَعْیَتْهُمُ الْمَحَاوِلُ- فَمِنْ نَاجٍ مَعْقُورٍ وَ لَحْمٍ مَجْزُورٍ- وَ شِلْوٍ مَذْبُوحٍ وَ دَمٍ مَسْفُوحٍ- وَ عَاضٍّ عَلَى یَدَیْهِ وَ صَافِقٍ بِکَفَّیْهِ- وَ مُرْتَفِقٍ بِخَدَّیْهِ وَ زَارٍ عَلَى رَأْیِهِ- وَ رَاجِعٍ عَنْ عَزْمِهِ- وَ قَدْ أَدْبَرَتِ الْحِیلَهُ وَ أَقْبَلَتِ الْغِیلَهُ- وَ لَاتَ حِینَ مَنَاصٍ هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ- قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ وَ ذَهَبَ مَا ذَهَبَ- وَ مَضَتِ الدُّنْیَا لِحَالِ بَالِهَا- فَمَا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ وَ مَا کَانُوا مُنْظَرِینَ‏

الفاشی الذائع فشا الخبر یفشو فشوا أی ذاع- و أفشاه غیره و تفشى الشی‏ء أی اتسع- و الفواشی کل منتشر من المال- مثل الغنم السائمه و الإبل و غیرهما- و منه الحدیث ضموا فواشیکم حتى تذهب فحمه العشاء – فیجوز أن یکون عنى بفشو حمده- إطباق الأمم قاطبه على الاعتراف بنعمته- و یجوز أن یرید بالفاشی سبب حمده- و هو النعم التی لا یقدر قدرها فحذف المضاف- .

قوله و الغالب جنده فیه معنى قوله تعالى- فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ- . قوله و المتعالی جده فیه معنى قوله تعالى- وَ أَنَّهُ تَعالى‏ جَدُّ رَبِّنا- و الجد فی هذا الموضع و فی الآیه العظمه- . و التؤام جمع توأم على فوعل- و هو الولد المقارن أخاه فی بطن واحد- و قد أتأمت المرأه إذا وضعت اثنین کذلک فهی متئم- فإن کان ذلک عادتها فهی متآم- و کل واحد من الولدین توأم و هما توأمان- و هذا توأم هذا و هذه توأمته- و الجمع توائم مثل قشعم و قشاعم- و جاء فی جمعه تؤام على فعال- و هی اللفظه التی وردت فی هذه الخطبه- و هو جمع غریب لم یأت نظیره إلا فی مواضع معدوده- و هی عرق العظم یؤخذ عنه اللحم و عراق- و شاه ربى للحدیثه العهد بالولاده و غنم رباب- و ظئر للمرضعه غیر ولدها و ظؤار- و رخل للأنثى من أولاد الضأن و رخال- و فریر لولد البقره الوحشیه و فرار- . و الآلاء النعم- .

قوله ع مبدع الخلائق بعلمه- لیس یرید أن العلم عله فی الإبداع- کما تقول هوى الحجر بثقله- بل المراد أبدع الخلق و هو عالم- کما تقول خرج زید بسلاحه أی خرج متسلحا- فموضع الجار و المجرور على هذا نصب بالحالیه- و کذلک القول فی و منشئهم بحکمه- و الحکم هاهنا الحکمه- . و منه قوله ع إن من الشعر لحکمه – .

قوله بلا اقتداء و لا تعلیم و لا احتذاء- قد تکرر منه ع أمثاله مرارا- . قوله و لا إصابه خطأ تحته معنى لطیف- و ذلک لأن المتکلمین یوردون على أنفسهم سؤالا- فی باب کونه عالما بکل معلوم- إذا استدلوا على ذلک فإنه علم بعض الأشیاء- لا من طریق أصلا لا من إحساس- و لا من نظر و استدلال- فوجب أن یعلم سائرها لأنه لا مخصص- فقالوا لأنفسهم لم زعمتم ذلک- و لم لا یجوز أن یکون فعل أفعاله مضطربه- فلما أدرکها علم کیفیه صنعها- بطریق کونه مدرکا لها فأحکمها بعد اختلالها و اضطرابها- و أجابوا عن ذلک بأنه لا بد أن یکون- قبل أن فعلها عالما بمفرداتها من غیر إحساس- و یکفی ذلک فی کونه عالما بما لم یتطرق إلیه- ثم یعود الاستدلال المذکور أولا- .

قوله ع و لا حضره ملأ- الملأ الجماعه من الناس و فیه معنى قوله تعالى- ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ- . قوله یضربون فی غمره- أی یسیرون فی جهل و ضلاله- و الضرب السیر السریع- . و الحین الهلاک- و الرین الذنب على الذنب حتى یسود القلب- و قیل الرین‏الطبع و الدنس- یقال ران على قلبه ذنبه یرین رینا- أی دنسه و وسخه- و استغلقت أقفال الرین على قلوبهم تعسر فتحها- . قوله فإنها حق الله علیکم و الموجبه على الله حقکم- یرید أنها واجبه علیکم- فإن فعلتموها وجب على الله أن یجازیکم عنها بالثواب- و هذا تصریح بمذهب المعتزله فی العدل- و أن من الأشیاء ما یجب على الله تعالى من باب الحکمه- .

قوله و أن تستعینوا علیها بالله- و تستعینوا بها على الله- یرید أوصیکم بأن تستعینوا بالله على التقوى- بأن تدعوه و تبتهلوا إلیه أن یعینکم علیها- و یوفقکم لها و ییسرها و یقوی دواعیکم إلى القیام بها- و أوصیکم أن تستعینوا بالتقوى على لقاء الله- و محاکمته و حسابه- فإنه تعالى یوم البعث و الحساب کالحاکم بین المتخاصمین- وَ تَرى‏ کُلَّ أُمَّهٍ جاثِیَهً کُلُّ أُمَّهٍ تُدْعى‏ إِلى‏ کِتابِهَا- فالسعید من استعان على ذلک الحساب- و تلک الحکومه و الخصومه بالتقوى فی دار التکلیف- فإنها نعم المعونه وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَیْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏- . و الجنه ما یستتر به- . قوله و مستودعها حافظ یعنی الله سبحانه- لأنه مستودع الأعمال و یدل علیه قوله تعالى- إِنَّا لا نُضِیعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا- و لیس ما قاله الراوندی- من أنه أراد بالمستودع قلب الإنسان بشی‏ء- .

قوله لم تبرح عارضه نفسها کلام فصیح لطیف- یقول إن التقوى لم تزل عارضه نفسها- على من سلف من القرون- فقبلها القلیل منهم- شبهها بالمرأه العارضه نفسها نکاحا على قوم- فرغب فیها من رغب و زهد من زهد- و على الحقیقه لیست‏هی العارضه نفسها- و لکن المکلفین ممکنون من فعلها و مرغبون فیها- فصارت کالعارضه- . و الغابر هاهنا الباقی و هو من الأضداد- یستعمل بمعنى الباقی و بمعنى الماضی- .

قوله ع إذا أعاد الله ما أبدى- یعنی أنشر الموتى و أخذ ما أعطى- و ورث الأرض مالک الملوک- فلم یبق فی الوجود من له تصرف فی شی‏ء غیره- کما قال لِمَنِ الْمُلْکُ الْیَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ- و قیل فی الأخبار و الحدیث إن الله تعالى یجمع الذهب و الفضه- کل ما کان منه فی الدنیا- فیجعله أمثال الجبال ثم یقول- هذا فتنه بنی آدم ثم یسوقه إلى جهنم- فیجعله مکاوی لجباه المجرمین
– .

و سأل عما أسدى أی سأل أرباب الثروه- عما أسدى إلیهم من النعم- فیم صرفوها و فیم أنفقوها- . قوله ع فما أقل من قبلها- یعنی ما أقل من قبل التقوى العارضه نفسها على الناس- . و إذا فی قوله إذا أعاد الله ظرف لحاجتهم إلیها- لأن المعنى یقتضیه أی لأنهم یحتاجون إلیها- وقت إعاده الله الخلق- و لیس کما ظنه الراوندی- أنه ظرف لقوله فما أقل من قبلها- لأن المعنى على ما قلناه- و لأن ما بعد الفاء لا یجوز أن یکون عاملا فیما قبلها- . قوله فأهطعوا بأسماعکم أی أسرعوا- أهطع فی عدوه أی أسرع- و یروى فانقطعوا بأسماعکم إلیها- أی فانقطعوا إلیها مصغین بأسماعکم- . قوله و ألظوا بجدکم أی ألحوا- و الإلظاظ الإلحاح فی الأمر- و منه قول‏ابن مسعود ألظوا فی الدعاء بیا ذا الجلال و الإکرام
– و منه الملاظه فی الحرب- و یقال رجل ملظ و ملظاظ أی ملحاح- و ألظ المطر أی دام- .

و قوله بجدکم أی باجتهادکم- جددت فی الأمر جدا بالغت و اجتهدت- و یروى و واکظوا بحدکم- و المواکظه المداومه على الأمر- و قال مجاهد فی قوله تعالى- إِلَّا ما دُمْتَ عَلَیْهِ قائِماً- قال أی مواکظا- . قوله و أشعروا بها قلوبکم- یجوز أن یرید اجعلوها شعارا لقلوبکم- و هو ما دون الدثار و ألصق بالجسد منه- و یجوز أن یرید اجعلوها علامه- یعرف بها القلب التقی من القلب المذنب- کالشعار فی الحرب یعرف به قوم من قوم- و یجوز أن یرید أخرجوا قلوبکم بها من أشعار البدن- أی طهروا القلوب بها و صفوها من دنس الذنوب- کما یصفى البدن بالفصاد من غلبه الدم الفاسد- و یجوز أن یرید الإشعار بمعنى الإعلام- من أشعرت زیدا بکذا أی عرفته إیاه- أی اجعلوها عالمه بجلاله موقعها و شرف محلها- . قوله و ارحضوا بها أی اغسلوا- و ثوب رحیض و مرحوض أی مغسول- .

قال و داووا بها الأسقام یعنی أسقام الذنوب- . و بادروا بها الحمام- عجلوا و اسبقوا الموت أن یدرککم و أنتم غیر متقین- . و اعتبروا بمن أضاع التقوى فهلک شقیا- و لا یعتبرن بکم أهل التقوى- أی لا تکونوا أنتم لهم معتبرا بشقاوتکم و سعادتهم- . ثم قال و صونوا التقوى عن أن تمازجها المعاصی- و تصونوا أنتم بها عن الدناءه و ما ینافی العداله- . و النزه جمع نزیه و هو المتباعد عما یوجب الذم- و الولاه جمع واله- و هو المشتاق ذو الوجد حتى یکاد یذهب عقله- .

ثم شرع فی ذکر الدنیا فقال لا تشیموا بارقها- الشیم النظر إلى البرق انتظارا للمطر- . و لا تسمعوا ناطقها- لا تصغوا إلیها سامعین و لا تجیبوا منادیها- . و الأعلاق جمع علق و هو الشی‏ء النفیس- و برق خالب و خلب لا مطر فیه- . و أموالها محروبه أی مسلوبه- . قوله ع ألا و هی المتصدیه العنون- شبهها بالمرأه المومس تتصدى للرجال ترید الفجور- و تتصدى لهم تتعرض و العنون المتعرضه أیضا- عن لی کذا أی عرض- .

ثم قال و الجامحه الحرون شبهها بالدابه ذات الجماح- و هی التی لا یستطاع رکوبها لأنها تعثر بفارسها و تغلبه- و جعلها مع ذلک حرونا و هی التی لا تنقاد- . ثم قال و المائنه الخئون- مان أی کذب شبهها بامرأه کاذبه خائنه- . و الجحود الکنود جحد الشی‏ء أنکره- و کند النعمه کفرها- جعلها کامرأه تجحد الصنیعه- و لا تعترف بها و تکفر النعمه- و یجوز أن یکون الجحود من قولک- رجل جحد و جحد أی قلیل الخیر- و عام جحد أی قلیل المطر- و قد جحد النبت إذا لم یطل- . قال و العنود الصدود- العنود الناقه تعدل عن مرعى الإبل و ترعى ناحیه- . و الصدود المعرضه صد عنه أی أعرض- شبهها فی انحرافها و میلها عن القصد بتلک- .

قال و الحیود المیود- حادث الناقه عن کذا تحید فهی حیود- إذا مالت عنه- . و مادت تمید فهی میود أی مالت- فإن کانت عادتها ذلک- سمیت الحیود المیود فی کل حال- .

قال حالها انتقال- یجوز أن یعنی به أن شیمتها و سجیتها- الانتقال و التغیر- و یجوز أن یرید به معنى أدق- و هو أن الزمان على ثلاثه أقسام- ماض و حاضر و مستقبل- فالماضی و المستقبل لا وجود لهما الآن- و إنما الموجود أبدا هو الحاضر- فلما أراد المبالغه فی وصف الدنیا- بالتغیر و الزوال قال حالها انتقال- أی أن الآن الذی یحکم العقلاء علیه بالحضور منها- لیس بحاضر على الحقیقه بل هو سیال متغیر- فلا ثبوت إذا لشی‏ء منها مطلقا- و یروى و حالها افتعال- أی کذب و زور و هی روایه شاذه- .

قال و وطئتها زلزال الوطأه کالضغطه- و منه قوله ص اللهم اشدد وطأتک على مضر – و أصلها موضع القدم- و الزلزال الشده العظیمه و الجمع زلازل- . و قال الراوندی فی شرحه یرید أن سکونها حرکه- من قولک وطؤ الشی‏ء أی صار وطیئا ذا حال لینه- و موضع وطی‏ء أی وثیر- و هذا خطأ لأن المصدر من ذلک وطاءه بالمد- و هاهنا وطأه ساکن الطاء فأین أحدهما من الآخر- .

قال و علوها سفل یجوز ضم أولهما و کسره- . قال دار حرب- الأحسن فی صناعه البدیع- أن تکون الراء هاهنا ساکنه لیوازی السکون هاء نهب- و من فتح الراء أراد السلب- حربته أی سلبت ماله- . قال أهلها على ساق و سیاق- یقال قامت الحرب على ساق أی على شده- و منه قوله سبحانه یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ ساقٍ- و السیاق نزع الروح- یقال رأیت فلانا یسوق أی ینزع عند الموت- أو یکون مصدر ساق الماشیه سوقا و سیاقا- .

و قال الراوندی فی شرحه- یرید أن بعض أهلها فی أثر بعض- کقولهم ولدت فلانهثلاثه بنین على ساق- و لیس ما قاله بشی‏ء- لأنهم یقولون ذلک للمرأه إذا لم یکن بین البنین أنثى- و لا یقال ذلک فی مطلع التتابع أین کان- . قال ع و لحاق و فراق- اللام مفتوحه مصدر لحق به- و هذا کقولهم الدنیا مولود یولد و مفقود یفقد- . قال ع قد تحیرت مذاهبها- أی تحیر أهلها فی مذاهبهم- و لیس یعنی بالمذاهب هاهنا الاعتقادات بل المسالک- .

و أعجزت مهاربها- أی أعجزتهم جعلتهم عاجزین فحذف المفعول- . و أسلمتهم المعاقل لم تحصنهم- . و لفظتهم بفتح الفاء رمت بهم و قذفتهم- . و أعیتهم المحاول أی المطالب- . ثم وصف أحوال الدنیا فقال هم فمن ناج معقور- أی مجروح کالهارب من الحرب بحشاشه نفسه- و قد جرح بدنه- . و لحم مجزور أی قتیل قد صار جزرا للسباع- . و شلو مذبوح- الشلو العضو من أعضاء الحیوان المذبوح أو المیت- و فی الحدیث ائتونی بشلوها الأیمن – . و دم مفسوح أی مسفوک- و عاض على یدیه أی ندما- . و صافق بکفیه أی تعسفا أو تعجبا- . و مرتفق بخدیه- جاعل لهما على مرفقیه فکرا و هما- . و زار على رأیه أی عائب- أی یرى الواحد منهم رأیا و یرجع عنه و یعیبه- و هو البداء الذی یذکره المتکلمون- ثم فسره بقوله و راجع عن عزمه- .

فإن قلت فهل یمکن أن یفرق بینهما- لیکون الکلام أکثر فائده- قلت نعم- بأن یرید بالأول من رأى رأیا و کشفه لغیره- و جامعه علیه ثم بدا له و عابه- و یرید بالثانی من عزم نفسه عزما- و لم یظهر لغیره ثم رجع عنه- و یمکن أیضا بأن یفرق بینهما- بأن یعنی بالرأی الاعتقاد- کما یقال هذا رأی أبی حنیفه- و العزم أمر مفرد خارج عن ذلک- و هو ما یعزم علیه الإنسان من أمور نفسه- و لا یقال عزم فی الاعتقادات ثم قال ع و قد أدبرت الحیله أی ولت- و أقبلت الغیله أی الشر و منه قولهم فلان قلیل الغائله- أو یکون بمعنى الاغتیال یقال قتله غیله أی خدیعه- یذهب به إلى مکان یوهمه أنه لحاجه ثم یقتله- .

قال ع و لات حین مناص- هذه من ألفاظ الکتاب العزیز- قال الأخفش شبهوا لات بلیس- و أضمروا فیها اسم الفاعل- قال و لا تکون لات إلا مع حین- و قد جاء حذف حین فی الشعر- و منه المثل حنت و لات هنت- أی و لات حین حنت و الهاء بدل من الحاء- فحذف الحین و هو یریده- قال و قرأ بعضهم وَ لاتَ حِینَ مَناصٍ بالرفع و أضمر الخبر- و قال أبو عبید هی لا و التاء إنما زیدت فی حین- لا فی لا و إن کتبت مفرده- و الأصل تحین کما قال فی ألان تلان- فزادوا التاء و أنشد لأبی وجزه-

العاطفون تحین ما من عاطف
و المطعمون زمان أین المطعم‏

و قال المؤرج زیدت التاء فی لات- کما زیدت فی ربت و ثمت- . و المناص المهرب ناص عن قرنه ینوص نوصا و مناصا- أی لیس هذا وقت الهرب و الفرار- .و یکون المناص أیضا بمعنى الملجأ و المفزع- أی لیس هذا حین تجد مفزعا و معقلا تعتصم به- . هیهات اسم للفعل و معناه بعد- یقال هیهات زید فهو مبتدأ و خبر- و المعنى یعطی الفعلیه- و التاء فی هیهات مفتوحه مثل کیف- و أصلها هاء و ناس یکسرونها على کل حال- بمنزله نون التثنیه و قال الراجز-

هیهات من مصبحها هیهات
هیهات حجر من صنیعات‏

و قد تبدل الهاء همزه فیقال- أیهات مثل هراق و أراق قال-

أیهات منک الحیاه أیهاتا

 قال الکسائی فمن کسر التاء وقف علیها بالهاء- فقال هیهاه- و من فتحها وقف إن شاء بالتاء و إن شاء بالهاء- . قوله ع و مضت الدنیا لحال بالها- کلمه تقال فیما انقضى و فرط أمره- و معناها مضى بما فیه إن کان خیرا و إن کان شرا- . قوله ع فما بکت علیهم السماء- هو من کلام الله تعالى- و المراد أهل السماء و هم الملائکه و أهل الأرض و هم البشر- و المعنى أنهم لا یستحقون أن یتأسف علیهم- و قیل أراد المبالغه فی تحقیر شأنهم- لأن العرب کانت تقول فی العظیم القدر یموت- بکته السماء و بکته النجوم قال الشاعر-

فالشمس طالعه لیست بکاسفه
تبکی علیک نجوم اللیل و القمرا

 فنفى عنهم ذلک- و قال لیسوا من یقال فیه مثل هذا القول- و تأولها ابن عباس رضی الله عنه لما قیل له- أ تبکی السماء و الأرض على أحد- فقال نعم یبکیه مصلاه فی الأرض و مصعد عمله فی السماء- فیکون نفی البکاء عنهما- کنایه عن أنه لم یکن لهم فی الأرض- عمل صالح یرفع منهما إلى السماء

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۳

بازدیدها: ۱۰۷

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.