
و من کلام له علیه السّلام فی ذکر المکائیل و الموازین.
عِبَادَ اللَّهِ إِنَّکُمْ وَ مَا تَأْمُلُونَ- مِنْ هَذِهِ الدُّنْیَا أَثْوِیَاءُ مُؤَجَّلُونَ- وَ مَدِینُونَ مُقْتَضَوْنَ أَجَلٌ مَنْقُوصٌ- وَ عَمَلٌ مَحْفُوظٌ- فَرُبَّ دَائِبٍ مُضَیَّعٌ وَ رُبَّ کَادِحٍ خَاسِرٌ- وَ قَدْ أَصْبَحْتُمْ فِی زَمَنٍ لَا یَزْدَادُ الْخَیْرُ فِیهِ إِلَّا إِدْبَاراً- وَ الشَّرُّ فِیهِ إِلَّا إِقْبَالًا- وَ الشَّیْطَانُ فِی هَلَاکِ النَّاسِ إِلَّا طَمَعاً- فَهَذَا أَوَانٌ قَوِیَتْ عُدَّتُهُ- وَ عَمَّتْ مَکِیدَتُهُ وَ أَمْکَنَتْ فَرِیسَتُهُ- اضْرِبْ بِطَرْفِکَ حَیْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ- فَهَلْ تُبْصِرُ إِلَّا فَقِیراً یُکَابِدُ فَقْراً- أَوْ غَنِیّاً بَدَّلَ نِعْمَهَ اللَّهِ کُفْراً- أَوْ بَخِیلًا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّهِ وَفْراً- أَوْ مُتَمَرِّداً کَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً- أَیْنَ أَخْیَارُکُمْ وَ صُلَحَاؤُکُمْ- وَ أَیْنَ أَحْرَارُکُمْ وَ سُمَحَاؤُکُمْ- وَ أَیْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِی مَکَاسِبِهِمْ- وَ الْمُتَنَزِّهُونَ فِی مَذَاهِبِهِمْ- أَ لَیْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِیعاً- عَنْ هَذِهِ الدُّنْیَا الدَّنِیَّهِ- وَ الْعَاجِلَهِ الْمُنَغِّصَهِ- وَ هَلْ خُلِقْتُمْ إِلَّا فِی حُثَالَهٍ- لَا تَلْتَقِی بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ- اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ وَ ذَهَاباً عَنْ ذِکْرِهِمْ- فَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ- ظَهَرَ الْفَسَادُ فَلَا مُنْکِرٌ مُغَیِّرٌ- وَ لَا زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ- أَ فَبِهَذَا تُرِیدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّهَ فِی دَارِ قُدْسِهِ- وَ تَکُونُوا أَعَزَّ أَوْلِیَائِهِ عِنْدَهُ- هَیْهَاتَ لَا یُخْدَعُ اللَّهُ عَنْ جَنَّتِهِ- وَ لَا تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ- لَعَنَ اللَّهُ الْآمِرِینَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِکِینَ لَهُ- وَ النَّاهِینَ عَنِ الْمُنْکَرِ الْعَامِلِینَ بِهِ
اللغه
أقول: أثویاء: جمع ثوىّ على فعیل و هو الضیف. و الدائب: المجدّ فی العمل.
و الکدح: العمل. و الوقر: الصمم. و الحثاله: الثقل، و کأنّه الردیّ من کلّ شیء.
المعنى
و قد نفّر علیه السّلام عن الدنیا بذکر عدّه من معایبها:
أحدها: کونهم فیها ضیفانا
و استعار لهم لفظ الضیف و کذلک لما یأملون منها و وجه الاستعاره مشابهتهم للضیف فی تأجیل الإقامه و انقطاع وقته و قرب رحیله، و مؤجّلون ترشیح للاستعاره.
الثانیه: کونهم مدینون فیها
و استعار لفظ المدین باعتبار وجوب الفرائض المطلوبه منهم و عهد اللّه المأخوذ علیهم أن یرجعوا الیه طاهرین عن نجس الملحدین، و رشّح بذکر المقتضین لما أنّ شأن المدین أن یقتضى فیه الدین. ثمّ لمّا ذکر کونهم مؤجّلین و مدینین کرّر ذکر الأجل بوصف النقصان، و لا شکّ فی نقصان ما لا یبقى، و ذکر العمل الّذی خالصه و صالحه هو الدین المقتضى منهم بوصف کونهم محفوظا علیهم لیجذب بنقصان الأجل إلى العمل، و بحفظ العمل إلى إصلاحه و الإخلاص فیه.
و أجل و عمل: خبران حذف مبتدئهما: أى أجلکم أجل منقوص، و عملکم عمل محفوظ. و نبّه بقوله: فربّ دائب مضیّع، و ربّ کادح خاسر: أنّ العمل و إن قصد فیه الصلاح أیضا إلّا أنّه قد یقع على وجه الغلط فیحصل بذلک انحراف عن الدین و ضلال عن الحقّ فیضیّع العمل و یخسر الکدح کدأب الخوارج و نحوهم فربما دخل الکادح فی قوله تعالى «هَلْ نُنَبِّئُکُمْ بِالْأَخْسَرِینَ أَعْمالًا الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیاهِ الدُّنْیا وَ هُمْیَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً»«» و ذلک ککدح أهل الکتاب و نحوهم.
و قوله: و قد أصبحتم: إلى قوله: إقبالا. شکایه للزمان و ذمّ له، و هو کقوله: إنّا قد أصبحنا فی زمن کنود، و دهر عنود. و ذلک لأخذ الزمان فی البعد عن وقت ظهور الشریعه و طراوتها و جرأه الناس على هتک الدین و ارتکاب مناهى اللّه، و کذلک طمع الشیطان فی هلاکهم: أى فی هلاک دینهم الّذی یکون غایته هلاکهم فی الآخره، و أشار إلى أنّ ذلک الوقت هو أوان قوّه عدّته و عموم مکیدته و إمکان عمله فما ظنّک بزماننا هذا و ما بعده، و استعار لفظ الفریسه لمطاوعى الشیطان و المنفعلین عنه، و وجه الاستعاره بلوغه منهم مراده و تصریفه لهم لغایه هلاکهم کالأسد مع فریسته. و قوله: اضرب بطرفک. إلى قوله: و قرا. شرح لما أجمله أوّلا من ازدیاد إقبال الشرّ و إدبار الخیر، و کفر الغنىّ ترکه و إعراضه عن شکر نعم اللّه سبحانه علیه. و قوله: بحقّ اللّه متعلّق بالبخل.
أى: أنّ البخیل یقصد ببخله بحقّ اللّه على مستحقّه توفیر المال و الزیاده فیه. و قوله: أین خیارکم: إلى قوله: مذاهبهم. سؤال من باب تجاهل العارف تنبیها لهم على ما صار و إلیه من الفناء و فراق الدنیا، و على أنّه لم یبق فیهم من اولى الأعمال الصالحه أحد لعلّهم یرجعون إلى لزوم الأعمال الصالحه، و أراد بالأحرار الکرماء، و المتورّعون فی مکاسبهم الملازمون للأعمال الجمیله فیها من التقوى و المسالمه و إخراج حقوق اللّه تعالى، و المتنزّهون فی مذاهبهم الممتنعون عن ولوج أبواب المحارم و الشبهات فی مسالکهم و حرکاتهم.
و قوله: ألیس. إلى قوله: المنغّصه. سؤال على سبیل التقریر لما نبّههم علیه من فراق الدنیا و دناءتها بالنسبه إلى عظیم ثواب الآخره و تنغیصها بالآلام و نحوها حتّى قال بعض الحکماء: إنّ کلّ لذّه فی الدنیا فإنّما هى خلاص من ألم. و قوله: و هل خلقتم. إلى قوله: عن ذکرهم. سؤال على سبیل التقریر لما ذکر أیضا، و استعار لفظ الحثاله لرعاع الناس و همجهم. و قوله: لا تلتقى بذمّهم الشفتان. أى إنّهم أحقر من أن یشتغل الإنسان بذمّهم. و انتصب استصغارا و ذهابا على المفعول له، و حسن اقتباس القرآن هاهنا لما أنّ هذه الحال الّتى الناس علیها من فقد خیارهم و بقاء شرارهم مصیبه لحقتهم، و من آداب اللّه للصابرین على نزول المصائب أن یسلّموا أنفسهم و أحوالهم إلیه فیقولوا عندها: إنّا للّه و إنّا إلیه راجعون کما قال سبحانه «وَ بَشِّرِ الصَّابِرِینَ» الآیه. ثمّ حکم على سبیل التوجّع و الأسف بظهور الفساد و بنفى المنکر المغیّر للفساد المزدجر عنه تنبیها لهم على أنّهم و إن کان فیهم من ینکر و یزجر إلّا أنّه لا یغیّر ما ینکره و لا یزدجر عن مثله، و ذلک من قبایح الأعمال و الریاء فیها. و قوله: أ فبهذا. أى بأعمالکم هذه المدخوله و بتقصیرکم. و مجاوره اللّه: الوصول إلیه و المقام معه فی جنّته الّتى هى مقام الطهاره عن نجاسات الهیئات البدنیّه و مقام تنزیه ذات اللّه تعالى و طهارتها عن اتّخاذ الشرکاء و الأنداد، و هو استفهام على سبیل الإنکار و لذلک عقبّه بقوله: هیهات. إلى آخره، و لمّا کان ذلک یجرى مجرى الزهد الظاهر مع النفاق فی الباطن أعنى أعمالهم المدخوله من إنکار المنکر و ارتکابهم نبّههم على أنّ فعلهم کخداع اللّه عن جنّته، و صرّح بأنّ اللّه لا یخدع لعلمه بالسرائر و أنّه لا تنال مرضاته إلّا بطاعته: أى الطاعه الحقیقیّه الخالصه دون الظاهره. ثمّ ختم بلعن الآمرین بالمعروف مع ترکهم للعمل به، و الناهین عن المنکر المرتکبین له لأنّهم منافقون مغرون بذلک لمن یقتدى بهم و النفاق مستلزم اللعن و البعد عن رحمه اللّه. و باللّه التوفیق.
شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحهى ۱۴۲
بازدیدها: ۳
دیدگاهها