خطبه 91 صبحی صالح
91- و من خطبة له ( عليه السلام ) تعرف بخطبة الأشباح
و هي من جلائل خطبه ( عليه السلام )
روى مسعدة بن صدقة عن الصادق جعفر بن محمد ( عليهماالسلام ) أنه قال:
خطب أمير المؤمنين بهذه الخطبة على منبر الكوفة
و ذلك أن رجلا أتاه فقال له يا أمير المؤمنين صف لنا ربنا مثل ما نراه عيانا لنزداد له حبا و به معرفة
فغضب و نادى الصلاة جامعة
فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله
فصعد المنبر و هو مغضب متغير اللون
فحمد الله و أثنى عليه
و صلى على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم قال
وصف اللّه تعالى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَفِرُهُ الْمَنْعُ وَ الْجُمُودُ
وَ لَا يُكْدِيهِ الْإِعْطَاءُ وَ الْجُودُ
إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ
وَ كُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلَاهُ
وَ هُوَ الْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ
وَ عَوَائِدِ الْمَزِيدِ وَ الْقِسَمِ
عِيَالُهُ الْخَلَائِقُ
ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ
وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ
وَ نَهَجَ سَبِيلَ الرَّاغِبِينَ إِلَيْهِ
وَ الطَّالِبِينَ مَا لَدَيْهِ
وَ لَيْسَ بِمَا سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَا لَمْ يُسْأَلْ
الْأَوَّلُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلٌ فَيَكُونَ شَيْءٌ قَبْلَهُ
وَ الْآخِرُ الَّذِي لَيْسَ لهُ بَعْدٌ فَيَكُونَ شَيْءٌ بَعْدَهُ
وَ الرَّادِعُ أَنَاسِيَّ الْأَبْصَارِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِكَهُ
مَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ دَهْرٌ فَيَخْتَلِفَ مِنْهُ الْحَالُ
وَ لَا كَانَ فِي مَكَانٍ فَيَجُوزَ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ
وَ لَوْ وَهَبَ مَا تَنَفَّسَتْ عَنْهُ مَعَادِنُ الْجِبَالِ
وَ ضَحِكَتْ عَنْهُ أَصْدَافُ الْبِحَارِ
مِنْ فِلِزِّ اللُّجَيْنِ وَ الْعِقْيَانِ
وَ نُثَارَةِ الدُّرِّ
وَ حَصِيدِ الْمَرْجَانِ
مَا أَثَّرَ ذَلِكَ فِي جُودِهِ
وَ لَا أَنْفَدَ سَعَةَ مَا عِنْدَهُ
وَ لَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَخَائِرِ الْأَنْعَامِ
مَا لَا تُنْفِدُهُ
مَطَالِبُ الْأَنَامِ
لِأَنَّهُ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يَغِيضُهُ سُؤَالُ السَّائِلِينَ
وَ لَا يُبْخِلُهُ إِلْحَاحُ الْمُلِحِّينَ
صفاته تعالى في القرآن
فَانْظُرْ أَيُّهَا السَّائِلُ
فَمَا دَلَّكَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ
وَ اسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَايَتِهِ
وَ مَا كَلَّفَكَ الشَّيْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ عَلَيْكَ فَرْضُهُ
وَ لَا فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وآله )وَ أَئِمَّةِ الْهُدَى أَثَرُهُ
فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ
فَإِنَّ ذَلِكَ مُنْتَهَى حَقِّ اللَّهِ عَلَيْكَ
وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ
هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ
الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُيُوبِ
الْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ الْغَيْبِ الْمَحْجُوبِ
فَمَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً
وَ سَمَّى تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِيمَا لَمْ يُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً
فَاقْتَصِرْ عَلَى ذَلِكَ
وَ لَا تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ
فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ
هُوَ الْقَادِرُ الَّذِي
إِذَا ارْتَمَتِ الْأَوْهَامُ لِتُدْرِكَ مُنْقَطَعَ قُدْرَتِهِ
وَ حَاوَلَ الْفِكْرُ الْمُبَرَّأُ مِنْ خَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ
أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ فِي عَمِيقَاتِ غُيُوبِ مَلَكُوتِهِ
وَ تَوَلَّهَتِ الْقُلُوبُ إِلَيْهِ
لِتَجْرِيَ فِي كَيْفِيَّةِ صِفَاتِهِ
وَ غَمَضَتْ مَدَاخِلُ الْعُقُولِ فِي حَيْثُ لَا تَبْلُغُهُ الصِّفَاتُ لِتَنَاوُلِ عِلْمِ ذَاتِهِ رَدَعَهَا
وَ هِيَ تَجُوبُ مَهَاوِيَ سُدَفِ الْغُيُوبِ
مُتَخَلِّصَةً إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ
فَرَجَعَتْ إِذْ جُبِهَتْ
مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لَا يُنَالُ بِجَوْرِ الِاعْتِسَافِ كُنْهُ مَعْرِفَتِهِ
وَ لَا تَخْطُرُ بِبَالِ أُولِي الرَّوِيَّاتِ خَاطِرَةٌ مِنْ تَقْدِيرِ جَلَالِ عِزَّتِه
الَّذِي ابْتَدَعَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ امْتَثَلَهُ
وَ لَا مِقْدَارٍ احْتَذَى عَلَيْهِ مِنْ خَالِقٍ مَعْبُودٍ كَانَ قَبْلَهُ
وَ أَرَانَا مِنْ مَلَكُوتِ قُدْرَتِهِ
وَ عَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثَارُ حِكْمَتِهِ
وَ اعْتِرَافِ الْحَاجَةِ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى أَنْ يُقِيمَهَا بِمِسَاكِ قُوَّتِهِ
مَا دَلَّنَا بِاضْطِرَارِ قِيَامِ الْحُجَّةِ لَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ
فَظَهَرَتِ الْبَدَائِعُ الَّتِي أَحْدَثَتْهَا آثَارُ صَنْعَتِهِ
وَ أَعْلَامُ حِكْمَتِهِ
فَصَارَ كُلُّ مَا خَلَقَ حُجَّةً لَهُ وَ دَلِيلًا عَلَيْهِ
وَ إِنْ كَانَ خَلْقاً صَامِتاً
فَحُجَّتُهُ بِالتَّدْبِيرِ نَاطِقَةٌ
وَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمُبْدِعِ قَائِمَةٌ
فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَكَ بِتَبَايُنِ أَعْضَاءِ خَلْقِكَ
وَ تَلَاحُمِ حِقَاقِ مَفَاصِلِهِمُ الْمُحْتَجِبَةِ لِتَدْبِيرِ حِكْمَتِكَ
لَمْ يَعْقِدْ غَيْبَ ضَمِيرِهِ عَلَى مَعْرِفَتِكَ
وَ لَمْ يُبَاشِرْ قَلْبَهُ الْيَقِينُ بِأَنَّهُ لَا نِدَّ لَكَ
وَ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَبَرُّؤَ التَّابِعِينَ مِنَ الْمَتْبُوعِينَ
إِذْ يَقُولُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ
إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ
كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِكَ
إِذْ شَبَّهُوكَ بِأَصْنَامِهِمْ
وَ نَحَلُوكَ حِلْيَةَ الْمَخْلُوقِينَ بِأَوْهَامِهِمْ
وَ جَزَّءُوكَ تَجْزِئَةَ الْمُجَسَّمَاتِ بِخَوَاطِرِهِمْ
وَ قَدَّرُوكَ عَلَى الْخِلْقَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الْقُوَى بِقَرَائِحِ عُقُولِهِمْ
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاكَ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ
وَ الْعَادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ آيَاتِكَ
وَ نَطَقَتْ عَنْهُ
شَوَاهِدُ حُجَجِ بَيِّنَاتِكَ
وَ إِنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَمْ تَتَنَاهَ فِي الْعُقُولِ
فَتَكُونَ فِي مَهَبِّ فِكْرِهَا مُكَيَّفاً
وَ لَا فِي رَوِيَّاتِ خَوَاطِرِهَا فَتَكُونَ مَحْدُوداً مُصَرَّفاً
و منهاقَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِيرَهُ
وَ دَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِيرَهُ
وَ وَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ
فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ
وَ لَمْ يَقْصُرْ دُونَ الِانْتِهَاءِ إِلَى غَايَتِهِ
وَ لَمْ يَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِيِّ عَلَى إِرَادَتِهِ
فَكَيْفَ وَ إِنَّمَا صَدَرَتِ الْأُمُورُ عَنْ مَشِيئَتِهِ
الْمُنْشِئُ أَصْنَافَ الْأَشْيَاءِ بِلَا رَوِيَّةِ فِكْرٍ آلَ إِلَيْهَا
وَ لَا قَرِيحَةِ غَرِيزَةٍ أَضْمَرَ عَلَيْهَا
وَ لَا تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ الدُّهُورِ
وَ لَا شَرِيكٍ أَعَانَهُ عَلَى ابْتِدَاعِ عَجَائِبِ الْأُمُورِ
فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ
وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ
وَ أَجَابَ إِلَى دَعْوَتِهِ
لَمْ يَعْتَرِضْ دُونَهُ رَيْثُ الْمُبْطِئِ
وَ لَا أَنَاةُ الْمُتَلَكِّئِ
فَأَقَامَ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَوَدَهَا
وَ نَهَجَ حُدُودَهَا
وَ لَاءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَيْنَ مُتَضَادِّهَا
وَ وَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا
وَ فَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِي الْحُدُودِ وَ الْأَقْدَارِ
وَ الْغَرَائِزِ وَ الْهَيْئَاتِ
بَدَايَا خَلَائِقَ أَحْكَمَ صُنْعَهَا
وَ فَطَرَهَا عَلَى مَا أَرَادَ وَ ابْتَدَعَهَا
و منها في صفة السماء
وَ نَظَمَ بِلَا تَعْلِيقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا
وَ لَاحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا
وَ وَشَّجَ بَيْنَهَا وَ بَيْنَ أَزْوَاجِهَا
وَ ذَلَّلَ لِلْهَابِطِينَ بِأَمْرِهِ
وَ الصَّاعِدِينَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ حُزُونَةَ مِعْرَاجِهَا
وَ نَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِيَ دُخَانٌ
فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا
وَ فَتَقَ بَعْدَ الِارْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا
وَ أَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ عَلَى نِقَابِهَا
وَ أَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تُمُورَ فِي خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَيْدِهِ
وَ أَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لِأَمْرِهِ
وَ جَعَلَ شَمْسَهَا آيَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا
وَ قَمَرَهَا آيَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَيْلِهَا
وَ أَجْرَاهُمَا فِي مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا
وَ قَدَّرَ سَيْرَهُمَا فِي مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا
لِيُمَيِّزَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ بِهِمَا
وَ لِيُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِينَ وَ الْحِسَابُ بِمَقَادِيرِهِمَا
ثُمَّ عَلَّقَ فِي جَوِّهَا فَلَكَهَا
وَ نَاطَ بِهَا زِينَتَهَا مِنْ خَفِيَّاتِ دَرَارِيِّهَا
وَ مَصَابِيحِ كَوَاكِبِهَا
وَ رَمَى مُسْتَرِقِي السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا
وَ أَجْرَاهَا عَلَى أَذْلَالِ تَسْخِيرِهَا
مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا
وَ مَسِيرِ سَائِرِهَا
وَ هُبُوطِهَا وَ صُعُودِهَا
وَ نُحُوسِهَا وَ سُعُودِهَا
و منها في صفة الملائكة
ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لِإِسْكَانِ سَمَاوَاتِهِ
وَ عِمَارَةِ الصَّفِيحِ الْأَعْلَى مِنْ مَلَكُوتِهِ
خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلَائِكَتِهِ
وَ مَلَأَ بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا
وَ حَشَا بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا
وَ بَيْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ الْفُرُوجِ زَجَلُ الْمُسَبِّحِينَ مِنْهُمْ فِي حَظَائِرِ الْقُدُسِ
وَ سُتُرَاتِ الْحُجُبِ
وَ سُرَادِقَاتِ الْمَجْدِ وَ وَرَاءَ ذَلِكَ الرَّجِيجِ
الَّذِي تَسْتَكُّ مِنْهُ الْأَسْمَاعُ
سُبُحَاتُ نُورٍ تَرْدَعُ الْأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا
فَتَقِفُ خَاسِئَةً عَلَى حُدُودِهَا.
وَ أَنْشَأَهُمْ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ
وَ أَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ
أُولِي أَجْنِحَةٍ
تُسَبِّحُ جَلَالَ عِزَّتِهِ
لَا يَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِي الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ
وَ لَا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ شَيْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ
بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ
لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ
جَعَلَهُمُ اللَّهُ فِيمَا هُنَالِكَ أَهْلَ الْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ
وَ حَمَّلَهُمْ إِلَى الْمُرْسَلِينَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَ نَهْيِهِ
وَ عَصَمَهُمْ مِنْ رَيْبِ الشُّبُهَاتِ
فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِيلِ مَرْضَاتِهِ
وَ أَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ الْمَعُونَةِ
وَ أَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّكِينَةِ
وَ فَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلًا إِلَى تَمَاجِيدِهِ
وَ نَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَى أَعْلَامِ تَوْحِيدِهِ
لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُؤْصِرَاتُ الْآثَامِ
وَ لَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ
وَ لَمْ تَرْمِ الشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا عَزِيمَةَ إِيمَانِهِمْ
وَ لَمْ تَعْتَرِكِ الظُّنُونُ عَلَى مَعَاقِدِ يَقِينِهِمْ
وَ لَا قَدَحَتْ قَادِحَةُ الْإِحَنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ
وَ لَا سَلَبَتْهُمُ الْحَيْرَةُ مَا لَاقَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمَائِرِهِمْ
وَ مَا سَكَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَ هَيْبَةِ جَلَالَتِهِ فِي أَثْنَاءِ صُدُورِهِمْ
وَ لَمْ تَطْمَعْ فِيهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَيْنِهَا عَلَى فِكْرِهِمْ
وَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي خَلْقِ الْغَمَامِ الدُّلَّحِ
وَ فِي عِظَمِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ
وَ فِي قَتْرَةِ الظَّلَامِ الْأَيْهَمِ
وَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ الْأَرْضِ السُّفْلَى
فَهِيَ كَرَايَاتٍ بِيضٍ
قَدْ نَفَذَتْ فِي مَخَارِقِ الْهَوَاءِ
وَ تَحْتَهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ تَحْبِسُهَا عَلَى حَيْثُ انْتَهَتْ مِنَ الْحُدُودِ الْمُتَنَاهِيَةِ
قَدِ اسْتَفْرَغَتْهُمْ أَشْغَالُ عِبَادَتِهِ
وَ وَصَلَتْ حَقَائِقُ الْإِيمَانِ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ
وَ قَطَعَهُمُ الْإِيقَانُ بِهِ إِلَى الْوَلَهِ إِلَيْهِ
وَ لَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِهِ
قَدْ ذَاقُوا حَلَاوَةَ مَعْرِفَتِهِ
وَ شَرِبُوا بِالْكَأْسِ الرَّوِيَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ
وَ تَمَكَّنَتْ مِنْ سُوَيْدَاءِ
قُلُوبِهِمْ وَشِيجَةُ خِيفَتِهِ
فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَةِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهِمْ
وَ لَمْ يُنْفِدْ طُولُ الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ مَادَّةَ تَضَرُّعِهِمْ
وَ لَا أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِيمُ الزُّلْفَةِ رِبَقَ خُشُوعِهِمْ
وَ لَمْ يَتَوَلَّهُمُ الْإِعْجَابُ فَيَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ
وَ لَا تَرَكَتْ لَهُمُ اسْتِكَانَةُ الْإِجْلَالِ نَصِيباً فِي تَعْظِيمِ حَسَنَاتِهِمْ
وَ لَمْ تَجْرِ الْفَتَرَاتُ فِيهِمْ عَلَى طُولِ دُءُوبِهِمْ
وَ لَمْ تَغِضْ رَغَبَاتُهُمْ فَيُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ
وَ لَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاةِ أَسَلَاتُ أَلْسِنَتِهِمْ
وَ لَا مَلَكَتْهُمُ الْأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ الْجُؤَارِ إِلَيْهِ أَصْوَاتُهُمْ
وَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي مَقَاوِمِ الطَّاعَةِ مَنَاكِبُهُمْ
وَ لَمْ يَثْنُوا إِلَى رَاحَةِ التَّقْصِيرِ فِي أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ.
وَ لَا تَعْدُو عَلَى عَزِيمَةِ جِدِّهِمْ بَلَادَةُ الْغَفَلَاتِ
وَ لَا تَنْتَضِلُ فِي هِمَمِهِمْ خَدَائِعُ الشَّهَوَاتِ
قَدِاتَّخَذُوا ذَا الْعَرْشِ ذَخِيرَةً لِيَوْمِ فَاقَتِهِمْ
وَ يَمَّمُوهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْخَلْقِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ بِرَغْبَتِهِمْ
لَا يَقْطَعُونَ أَمَدَ غَايَةِ عِبَادَتِهِ
وَ لَا يَرْجِعُ بِهِمُ الِاسْتِهْتَارُ بِلُزُومِ طَاعَتِهِ
إِلَّا إِلَى مَوَادَّ مِنْ قُلُوبِهِمْ غَيْرِ مُنْقَطِعَةٍ مِنْ رَجَائِهِ وَ مَخَافَتِهِ
لَمْ تَنْقَطِعْ أَسْبَابُ الشَّفَقَةِ مِنْهُمْ
فَيَنُوا فِي جِدِّهِمْ
وَ لَمْ تَأْسِرْهُمُ الْأَطْمَاعُ فَيُؤْثِرُوا وَشِيكَ السَّعْيِ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ
لَمْ يَسْتَعْظِمُوا مَا مَضَى مِنْ أَعْمَالِهِمْ
وَ لَوِ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ لَنَسَخَ الرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ
وَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي رَبِّهِمْ بِاسْتِحْوَاذِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ
وَ لَمْ يُفَرِّقْهُمْ سُوءُ التَّقَاطُعِ
وَ لَا تَوَلَّاهُمْ غِلُّ التَّحَاسُدِ
وَ لَا تَشَعَّبَتْهُمْ مَصَارِفُ الرِّيَبِ
وَ لَا اقْتَسَمَتْهُمْ أَخْيَافُ الْهِمَمِ
فَهُمْ أُسَرَاءُ إِيمَانٍ
لَمْ يَفُكَّهُمْ مِنْ رِبْقَتِهِ زَيْغٌ وَ لَا عُدُولٌ وَ لَا وَنًى وَ لَا فُتُورٌ
وَ لَيْسَ فِي أَطْبَاقِ السَّمَاءِ مَوْضِعُ إِهَابٍ إِلَّا وَ عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ
أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ
يَزْدَادُونَ عَلَى طُولِ الطَّاعَةِ بِرَبِّهِمْ عِلْماً
وَ تَزْدَادُ عِزَّةُ رَبِّهِمْ فِي قُلُوبِهِمْ عِظَماً
و منها في صفة الأرض و دحوها على الماء
كَبَسَ الْأَرْضَ عَلَى مَوْرِ أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ
وَ لُجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَةٍ
تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ أَمْوَاجِهَا
وَ تَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِهَا
وَ تَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا
فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلَاطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا
وَ سَكَنَ هَيْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا
وَ ذَلَّ مُسْتَخْذِياً
إِذْ تَمَعَّكَتْ عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا
فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ
سَاجِياً مَقْهُوراً
وَ فِي حَكَمَةِ الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً
وَ سَكَنَتِ الْأَرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ
وَ رَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ وَ اعْتِلَائِهِ
وَ شُمُوخِ أَنْفِهِ وَ سُمُوِّ غُلَوَائِهِ
وَ كَعَمَتْهُ عَلَى كِظَّةِ جَرْيَتِهِ
فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ
وَ لَبَدَ بَعْدَ زَيَفَانِ وَثَبَاتِهِ
فَلَمَّا سَكَنَ هَيْجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا
وَ حَمْلِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ الْبُذَّخِ عَلَى أَكْتَافِهَا
فَجَّرَ يَنَابِيعَ الْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ أُنُوفِهَا
وَ فَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ بِيدِهَا وَ أَخَادِيدِهَا
وَ عَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسِيَاتِ مِنْ جَلَامِيدِهَا
وَ ذَوَاتِ الشَّنَاخِيبِ الشُّمِّ مِنْ صَيَاخِيدِهَا
فَسَكَنَتْ مِنَ الْمَيَدَانِ لِرُسُوبِ الْجِبَالِ فِي قِطَعِ أَدِيمِهَا وَ تَغَلْغُلِهَا
مُتَسَرِّبَةً فِي جَوْبَاتِ خَيَاشِيمِهَا
وَ رُكُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ الْأَرَضِينَ وَ جَرَاثِيمِهَا
وَ فَسَحَ بَيْنَ الْجَوِّ وَ بَيْنَهَا
وَ أَعَدَّ الْهَوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاكِنِهَا
وَ أَخْرَجَ إِلَيْهَا أَهْلَهَا عَلَى تَمَامِ مَرَافِقِهَا
ثُمَّ لَمْ يَدَعْ جُرُزَ الْأَرْضِ الَّتِي تَقْصُرُ مِيَاهُ الْعُيُونِ عَنْ رَوَابِيهَا
وَ لَا تَجِدُ جَدَاوِلُ الْأَنْهَارِ ذَرِيعَةً إِلَى بُلُوغِهَا
حَتَّى أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ تُحْيِي مَوَاتَهَا
وَ تَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا
أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمَعِهِ
وَ تَبَايُنِ قَزَعِهِ
حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُالْمُزْنِ فِيهِ
وَ الْتَمَعَ بَرْقُهُ فِي كُفَفِهِ
وَ لَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ
وَ مُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ
أَرْسَلَهُ سَحّاً مُتَدَارِكاً
قَدْ أَسَفَّ هَيْدَبُهُ
تَمْرِيهِ الْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِيبِهِ
وَ دُفَعَ شَآبِيبِهِ.
فَلَمَّا أَلْقَتِ السَّحَابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا
وَ بَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا
أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الْأَرْضِ النَّبَاتَ
وَ مِنْ زُعْرِ الْجِبَالِ الْأَعْشَابَ
فَهِيَ تَبْهَجُ بِزِينَةِ رِيَاضِهَا
وَ تَزْدَهِي بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ أَزَاهِيرِهَا
وَ حِلْيَةِ مَا سُمِطَتْ بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا
وَ جَعَلَ ذَلِكَ بَلَاغاً لِلْأَنَامِ
وَ رِزْقاً لِلْأَنْعَامِ
وَ خَرَقَ الْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا
وَ أَقَامَ الْمَنَارَ لِلسَّالِكِينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا
فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ
وَ أَنْفَذَ أَمْرَهُ
اخْتَارَ آدَمَ ( عليه السلام )خِيرَةً مِنْ خَلْقِهِ
وَ جَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ
وَ أَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ
وَ أَرْغَدَ فِيهَا أُكُلَهُ
وَ أَوْعَزَ إِلَيْهِ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ
وَ أَعْلَمَهُ أَنَّ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ التَّعَرُّضَ لِمَعْصِيَتِهِ
وَ الْمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ
فَأَقْدَمَ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ
مُوَافَاةً لِسَابِقِ عِلْمِهِ
فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِيَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ
وَ لِيُقِيمَ الْحُجَّةَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ
وَ لَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ
مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ
وَ يَصِلُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ
بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ
وَ مُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالَاتِهِ
قَرْناً فَقَرْناً
حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم )حُجَّتُهُ
وَ بَلَغَ الْمَقْطَعَ عُذْرُهُ وَ نُذُرُهُ
وَ قَدَّرَ الْأَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَ قَلَّلَهَا
وَ قَسَّمَهَا عَلَى الضِّيقِ وَ السَّعَةِ فَعَدَلَ فِيهَا
لِيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَ بِمَيْسُورِهَا وَ مَعْسُورِهَا
وَ لِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ الشُّكْرَ وَ الصَّبْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وَ فَقِيرِهَا
ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ فَاقَتِهَا
وَ بِسَلَامَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا
وَ بِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا
وَ خَلَقَ الْآجَالَ فَأَطَالَهَا وَ قَصَّرَهَا
وَ قَدَّمَهَا وَ أَخَّرَهَا
وَ وَصَلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا
وَ جَعَلَهُ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا
وَ قَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا
عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِينَ
وَ نَجْوَى الْمُتَخَافِتِينَ
وَ خَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ
وَ عُقَدِ عَزِيمَاتِ الْيَقِينِ
وَ مَسَارِقِ إِيمَاضِ الْجُفُونِ
وَ مَا ضَمِنَتْهُ أَكْنَانُ الْقُلُوبِ
وَ غَيَابَاتُ الْغُيُوبِ
وَ مَا أَصْغَتْ لِاسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ الْأَسْمَاعِ
وَ مَصَايِفُ الذَّرِّ
وَ مَشَاتِي الْهَوَامِّ
وَ رَجْعِ الْحَنِينِ مِنَ الْمُولَهَاتِ
وَ هَمْسِ الْأَقْدَامِ
وَ مُنْفَسَحِ الثَّمَرَةِ مِنْ وَلَائِجِ غُلُفِ الْأَكْمَامِ
وَ مُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غِيرَانِ الْجِبَالِ وَ أَوْدِيَتِهَا
وَ مُخْتَبَإِ الْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ الْأَشْجَارِ وَ أَلْحِيَتِهَا
وَ مَغْرِزِ الْأَوْرَاقِ مِنَ الْأَفْنَانِ
وَ مَحَطِّ الْأَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ الْأَصْلَابِ
وَ نَاشِئَةِ الْغُيُومِ وَ مُتَلَاحِمِهَا
وَ دُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ فِي مُتَرَاكِمِهَا
وَ مَا تَسْفِي الْأَعَاصِيرُ بِذُيُولِهَا
وَ تَعْفُو الْأَمْطَارُ بِسُيُولِهَا
وَ عَوْمِ بَنَاتِ الْأَرْضِ فِي كُثْبَانِ الرِّمَالِ
وَ مُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الْأَجْنِحَةِ بِذُرَا شَنَاخِيبِ الْجِبَالِ
وَ تَغْرِيدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِي دَيَاجِيرِ الْأَوْكَارِ
وَ مَا أَوْعَبَتْهُ الْأَصْدَافُ
وَ حَضَنَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ
وَ مَا غَشِيَتْهُ سُدْفَةُ لَيْلٍ
أَوْ ذَرَّ عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَارٍ
وَ مَا اعْتَقَبَتْ عَلَيْهِ أَطْبَاقُ الدَّيَاجِيرِ
وَ سُبُحَاتُ النُّورِ
وَ أَثَرِ كُلِّ خَطْوَةٍ
وَ حِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ
وَ رَجْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ
وَ تَحْرِيكِ كُلِّ شَفَةٍ
وَ مُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ
وَ مِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّةٍ وَ هَمَاهِمِ كُلِّ نَفْسٍ هَامَّةٍ
وَ مَا عَلَيْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ
أَوْ سَاقِطِ وَرَقَةٍ
أَوْ قَرَارَةِ نُطْفَةٍ
أَوْ نُقَاعَةِ دَمٍ وَ مُضْغَةٍ
أَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وَ سُلَالَةٍ
لَمْ يَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ
وَ لَا اعْتَرَضَتْهُ فِي حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ
وَ لَا اعْتَوَرَتْهُ فِي تَنْفِيذِ الْأُمُورِ وَ تَدَابِيرِ الْمَخْلُوقِينَ مَلَالَةٌ وَ لَا فَتْرَةٌ
بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ
وَ أَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ
وَ وَسِعَهُمْ عَدْلُهُ
وَ غَمَرَهُمْ فَضْلُهُ
مَعَ تَقْصِيرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ
دعاء
اللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِيلِ
وَ التَّعْدَادِ الْكَثِيرِ
إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُولٍ
وَ إِنْ تُرْجَ فَخَيْرُ مَرْجُوٍّ
اللَّهُمَّ وَ قَدْ بَسَطْتَ لِي فِيمَا لَا أَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ
وَ لَا أُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَدٍ سِوَاكَ
وَ لَا أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ الْخَيْبَةِ وَ مَوَاضِعِ الرِّيبَةِ
وَ عَدَلْتَ بِلِسَانِي عَنْ مَدَائِحِ الْآدَمِيِّينَ وَ الثَّنَاءِ عَلَى الْمَرْبُوبِينَ الْمَخْلُوقِينَ
اللَّهُمَّ وَ لِكُلِّ مُثْنٍ عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ
أَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاءٍ
وَ قَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلًا عَلَى ذَخَائِرِ الرَّحْمَةِ وَ كُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ
اللَّهُمَّ وَ هَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ لَكَ
وَ لَمْ يَرَ مُسْتَحِقّاً لِهَذِهِ الْمَحَامِدِ وَ الْمَمَادِحِ غَيْرَكَ
وَ بِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لَا يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلَّا فَضْلُكَ
وَ لَا يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلَّا مَنُّكَ وَ جُودُكَ
فَهَبْ لَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ رِضَاكَ
وَ أَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الْأَيْدِي إِلَى سِوَاكَ
إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج7
الجزء السابع
تتمة باب المختار من خطب أمير المؤمنين ع و أوامره
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تتمة خطبه نودم
الفصل السادس
منها فى صفة الارض و دحوها على الماء كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة، و لجج بحار زاخرة، تلتطم أو اذيّ أمواجها، و تصطفق متقاذفات أثباجها، و ترغو زبدا كالفحول عند هياجها، فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها، و سكن هيج ارتمائه إذ وطئته بكلكلها، و ذلّ مستخذئا إذ تمعّكت عليه بكواهلها، فأصبح بعد اصطحاب أمواجه ساجيا مقهورا، و في حكمة الذّلّ منقادا أسيرا، و سكنت الأرض مدحوّة في لجّة تيّاره، و ردّت من نخوة بأوه و اعتلائه، و شموخ أنفه و سموّ غلوائه، و كعمته على كظّة جريته، فهمد بعد نزقاته، و لبد بعد زيفان و ثباته، فلمّا سكن هيج الماء من تحت أكنافها، و حمل شواهق الجبال البذّخ على أكنافها، فجر ينابيع العيون من عرانين أنوفها، و فرّقها في سهوب بيدها و أخاديدها، و عدّل حركاتها بالرّاسيات من جلاميدها، و ذوات الشّناخيب الشّمّ من صيا خيدها، فسكنت من الميدان برسوب الجبال في قطع أديمها و تغلغلها، متسرّبة في جوبات خياشيمها و ركوبها أعناق سهول الأرضين و جراثيمها، و فسح بين الجوّ و بينها، و أعدّ الهواء متنسّما لساكنها، و أخرج إليها أهلها على تمام مرافقها، ثمّ لم يدع جرز الأرض الّتي تقصر مياه العيون عن روابيها، و لا تجد جداول الأنهار ذريعة إلى بلوغها، حتّى أنشأ لها ناشئة سحاب تحيي مواتها، و تستخرج نباتها، ألّف غمامها بعد افتراق لمعه، و تباين قزعه، حتّى إذا تمخّضت لجّة المزن فيه، و التمع برقه في كففه، و لم ينم و ميضه في كنهور ربابه، و متراكم سحابه، أرسله سحّا متداركا قد أسف هيدبه، تمريه الجنوب درر أهاضيبه، و دفع شئابيبه، فلمّا ألقت السّحاب برك بوانيها، و بعاع ما استقلت به من العبء المحمول عليها، أخرج به من هو امد الأرض النّبات، و من زعر الجبال
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 4
الأعشاب فهى تبهج بزينة رياضها، و تزد هي بما ألبسته من ريط أزاهيرها، و حلية ما سمّطت به من ناضر أنوارها، و جعل ذلك بلاغا للأنام، و رزقا للأنعام، و خرق الفجاج في آفاقها، و أقام المنار للسّالكين في جوادّ طرقها.
اللغة
(دحا) اللّه الأرض يدحوها دحوا بسطها و دحيا لغة و (كبس) الرّجل رأسه في قميصه اذا أدخله فيه و كبس البئر و النهر اذا طنّها بالتراب و فى شرح المعتزلي كبس الأرض أى أدخلها الماء بقوّة و اعتماد شديد و (استفحل) الأمر تفاقم و اشتدّ و (اللّجج) جمع اللّجة و هي معظم الماء قال سبحانه: فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ و (الأواذى) جمع الآذى بالمدّ و التشديد و هو الموج الشديد و (الصفق) الضرب يسمع له صوت و الصرف و الرّد و (الثبج) بتقديم الثاء المثلّثة على الباء الموحّدة معظم البحر و الجمع أثباج كسبب و أسباب و فى شرح المعتزلي أصل الثبج ما بين الكاهل الى الظهر و المراد أعالى الأمواج و (ترغو زبدا) من الرغا و هو صوت الابل و قيل من الرّغوة مثلّثة و هى الزّبد يعلو الشيء عند غليانه يقال: رغا اللّبن أى صارت له رغوة ففيه تجريد و (جماح) الماء غليانه من جمح الفرس اذا غلب فارسه و لم يملكه و (هيج) الماء ثورانه و فورته و (الارتماء) الترامى و التقاذف و أصل (الوطى) الدّوس بالقدم و (الكلكل) بالتخفيف الصدر قال امرء القيس:
فقلت له لما تمطّى بصلبه و أردف اعجازا و ناء بكلكل
و ربما جاء في ضرورة الشّعر بتشديد اللام الثانية و (ذلّ) أى صار ذليلا أو ذلو لا ضدّ الصّعب و فى بعض النسخ كلّ أى عرض له الكلال من كلّ السّيف اذا لم يقطع و (المستخذى) بغير همز كما فى النسخ الخاضع و المنقاد و قد يهمز على الأصل
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 5
و (تمعّكت) الدابة تمرّغت فى التراب و (الكاهل) ما بين الكتفين و (الاصطخاب) افتعال من الصخب و هو كثرة الصّياح و اضطراب الأصوات و (الحكمة) محرّكة وزان قصبة حديدة فى اللّجام تكون على حنك الفرس تذلّلها لراكبها حتّى تمنعها الجماح و نحوه مأخوذة من الحكم و هو المنع يقال: حكمت عليه بكذا اذا منعته من خلافه فلم يقدر على الخروج منه و (التيّار) الموج و قيل أعظم الموج، و لجّته أعمقه و (النخوة) الافتخار و التعظم و الانفة و الحمية و (البأو) الكبر و الفخر يقال بأى كسعى و كدعا قليل بأوا و بأواء فخر و تكبّر و نفسه رفعها و فخربها و (شمخ) الجبل شموخا علا و طال و الرّجل بأنفه تكبّر و (الغلواء) بضم الغين المعجمة و فتح اللّام و قد تسكن الغلو و أوّل الشّباب و سرعته و مثله الغلوان بالضمّ و (كعمت) البعير من باب منع شددت فاه بالكعام و هو على وزن كتاب شيء يجعل فى فيه اذا هاج لئلّا يعضّ أويأ كل و (الكظة) شيء يعترى الممتلى من الطعام يقول: كظه الطعام ملأه حتى لا يطيق التنفس و اكتظّ المسيل بالماء ضاق به لكثرته أو هو من الكظاظ وزان كتاب و هو الشدّة و التّعب و طول الملازمة و (الجرية) بكسر الجيم مصدر جرى الماء أو حالة الجريان و (همدت) الريح سكنت و همود النار خمودها و (نزق) الفرس من باب نصر و ضرب و سمع نزقا و نزوقا نزى و وثب و النزقات دفعاته و (لبد) بالأرض من باب نصر لبودا لزمها و أقام بها و منها اللبد وزان صرد و كتف لمن لا يبرح منزله و لا يطلب معاشا و (زاف) البعير يزيف زيفا و زيفانا تبختر فى مشيته و فى بعض النسخ بعد زفيان و ثباته بتقديم الفاء على الياء و هو شدّة هبوب الريح يقال: زفت الريح السحاب اذا طردته و (الوثبة) الطفرة و (الأكناف) بالنون جمع الكنف محركة كالأسباب و السبب و هو الجانب و الناحية و (شواهق) الجبال عواليها و (البذخ) جمع الباذخ و هو العالى و (الينبوع) ما انفجر من الأرض من الماء و قيل الجدول الكثير الماء و (عرنين الانف) أوّله تحت مجتمع الحاجبين و (السّهب) الفلاة البعيدة الأكناف و الأطراف و (البيد) بالكسر جمع بيداء و هى الفلاة التي تبيد سالكها
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 6
أى ينقطع و يهلك و (الأخاديد) جمع الأخدود و هو الشقّ فى الأرض قال تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ.
و (الراسيات) جمع الراسية من رسى السّفينة وقفت على البحر و ارسيته قال تعالى: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها.
و (الجلاميد) جمع جلمدوزان جعفر و هو الصخر كالجلمود بضمّ و (الشناخيب) جمع شنخوب بالضّم أيضا و هو أعلى الجبل و (الشم) جمع الشميم أى المرتفع و (الصياخيد) جمع الصّيخود و هي الصخرة الصلبة (فى قطع) اديمها فى بعض النسخ وزان عنب جمع قطعة بالكسر و هى الطائفة من الشيء تقطع و الطائفة من الأرض اذا كانت مفروزة و في بعضها بسكون الطاء وزان حبر و هي طنفسة«» يجعلها الراكب تحته و يغطى كتفي البعير و جمعه قطوع و أقطاع و (أديم) الأرض وجهها و الأديم أيضا الجلد المدبوغ و (التغلغل) الدخول و (السّرب) محركة بيت في الأرض لا منفذله يقال: تسرب الوحش و انسرب فى جحره أى دخل و (الجوبة) الحفرة و الفرجة و (الخيشوم) أقصى الانف و (جرثومة) الشيء أصله و قيل التراب المجتمع في اصول الشجرة و هو الأنسب و (فسح) له من باب منع أى وسّع و (المتنسّم) موضع التنسّم و التّنفس من تنسّم اذ اطلب النسيم و استنشقه و (مرافق) الدّار ما يستعين به أهلها و يحتاج اليه في التعيش و في القاموس مرافق الدار مصاب الماء و نحوها و (الجرز) بضمتين الأرض التي لانبات بها و لا ماء و قال تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ و (الرابية) ما ارتفع من الأرض و كذلك الربوة بالضمّ و (الجدول) وزان جعفر النهر الصغير و (ناشئة) السّحاب أوّل ما ينشأ منه أى يبتدء ظهوره، و يقال: نشأت
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 7
السّحاب اذا ارتفعت و (الغمام) جمع غمامة بالفتح فيهما و هي السحابة البيضاء و (اللّمع) على وزن صرد جمع لمعة و هي فى الأصل قطعة من النبت اذا اخذت في اليبس كأنها تلمع و تضىء من بين ساير البقاع و (القزع) جمع قزعة بالتحريك فيهما و هي القطعة من الغيم و في الحديث كأنهم قزع الخريف و (تمخضت) أى تحركت بقوّة من المخض و هو تحريك السقاء الذى فيه اللّبن ليخرج زبده و (المزن) بضم الميم جمع مزنة و هي السحابة و (كففه) حواشيه و جوانبه و طرف كل شيء كفه بالضمّ و عن الاصمعى كلّ ما استطال كحاشية الثوب و الرّمل فهو كفة بالضمّ و كلّ ما استدار ككفة الميزان فهو كفة بالكسر و يجوز فيه الفتح و (و ميض) البرق لمعانه و (الكنهور) وزان سفرجل قطع من السحاب كالجبال أو المتراكم منه و (الرباب) السّحاب الأبيض جمع ربابة و في شرح المعتزلي يقال: أنه السحاب الذي تراه كأنه دون السحاب و قد يكون أسود و قد يكون أبيض و (المتراكم) و المرتكم المجتمع و (السحّ) الصب و السّيلان من فوق و (تدارك) القوم اذا لحق آخرهم أولهم و (اسفّ) الطائر دنا من الأرض و (الهيدب) السحاب المتدلي أو ذيله من هدبت العين طال هدبها و تدلّى أشفارها و (تمريه) الجنوب من مري الناقة يمريها اى مسح ضرعها فامرت هى أى درّ لبنها و عدّى ههنا إلى مفعولين و في بعض النسخ تمري بدون الضمير هكذا قال في البحار و الأنسب عندي أن يجعل تمري على تقدير وجود الضمير كما في اكثر النسخ بمعنى تستخرج يقال: مرى الشيء اذا استخرجه و هو احد معانيه كما فى القاموس و (الدرر) كعنب جمع درّة بالكسر و هو الصبّ و الاندقاق و (الأهاضيب) جمع هضاب و هو جمع هضب و هو المطر و (دفع) جمع دفعة بضم الدال فيهما و هي المرة من المطر و (الشآبيب) جمع شؤبوب و هو ما ينزل من المطر دفعة بشدّة و قوّة و (البرك) الصدر و (البوانى) قوائم الناقة و في شرح المعتزلي بوانيها بفتح النون تثنية بوان على فعال بكسر الفاء و هو عمود الخيمة و الجمع بون، قال فى البحار في النسخ القديمة المصححة على صيغة الجمع و في النهاية فسّر البوانى بأركان البنية و فى القاموس بقوائم الناقة قال:
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 8
و البواني أضلاع الزور«» و قوائم الناقة«» و القي بوانيه أقام و ثبت (و البعاع) كالسحاب ثقلة من المطر و (استقلت) أى نهضت و ارتفعت و استقلت به حملته و رفعته و (العب) بالكسر وزان حبر الحمل و الثقل و (الهوامد) من الأرض التي لانبات بها و (زعر) الجبال بالضمّ جمع أزعر كحمر و أحمر و هى القليلة النبات و أصله من الزعر بالتحريك و هو قلة الشعر في الرأس يقال رجل أزعر و (الأعشاب) جمع عشب كقفل و هو الرطب من الكلاء و (بهج) يبهج من باب منع سرّ و فرح و في بعض النسخ بضمّ الهاء من باب شرف أى حسن و (تزدهى) افتعال من الزّهو و هو الكبر و الفخر و (البسته) في بعض النسخ بالبناء على الفاعل و في بعضها بالبناء على المفعول و (الريط) جمع ريطة بالفتح فيها و هي كلّ ملأة غير ذات لفقين اى قطعتين كلها نسج واحد و قطعة واحدة، أو كلّ ثوب رقيق ليّن و (الأزاهير) جمع أزهار جمع زهرة بالفتح و هي النبات أو نورها و قيل الأصفر منه و أصل الزهرة الحسن و البهجة و (الحلية) ما يتزيّن به من مصوغ الذهب و الفضة و المعدنيات و (سمّطت) بالسين المهملة على البناء للمفعول من باب التفعيل أى علّقت و في بعض النسخ الصحيحة بالشين المعجمة من الشمط محرّكة و هو بياض الرأس يخالط سواده فمن النبات ما يخالط سواده النور الأبيض و في القاموس شمطه يشمطه خلطه و الاناء ملأه و النخلة انتشر بسرها و الشجر انتشر ورقه و الشميط من النبات ما بعضه هائج و بعضه أخضر و (البلاغ) ما يبتلغ به و يتوسل إلى الشيء المطلوب و (الفج) الطريق الواسع بين الجبلين و الفجاج جمعه و (الجادّة) وسط الطريق و معظمه
الاعراب
على في قوله عليه السّلام على مور بمعنى في كما في قوله تعالى: دخل المدينة على حين غفلة، و جملة تلتطم منصوبة المحلّ على الحالية، و او اذي بالرفع فاعله، و ترغو زبدا إن كان ترغو من الرغا فزبدا منصوب بمقدّر أى ترغو قاذفة زبدا، و إن كان من
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 9
الرّغوة فانتصابه به على التجريد أى ترمى زبدا و يشعر بتضمّنه معنى ترمى قوله عليه السّلام فى الخطبة الاولى: فرمى بالزّبد ركامه، فافهم و مدحوّة منصوبة على الحال، و فى لجّة إما للظر فئة أو بمعنى على و الأوّل أولى إذ الأصل الحقيقة و قوله: ردّت فاعله ضمير مستكن عايد إلى الأرض و مفعوله محذوف و هو الضمير الراجع إلى جماع الماء و الباء فى قوله، بالراسيات تحتمل الصلة و السّببية كما سنشير اليه، و ذوات الشناخيب بالكسر عطف على جلاميدها، و تغلغلها و ركوبها بالجرّ معطوفان على الرسوب، و قوله: متسربة حال مؤكدة من ضمير تغلغلها على حدّ قوله تعالى: ولّى مدبرا، و على في قوله على تمام مرافقها للاستعلاء متعلّق بمحذوف أى مستقرّين و متمكّنين على تمام مرافقها، و أرسله جواب إذا تمخضت، و سحّا حال من مفعول أرسل و المصدر بمعنى الفاعل و قوله: تمريه الجنوب در رءاها ضيبه، الضمير فى تمريه مفعول بالواسطة و الجنوب فاعله و الدّرر مفعول به أى تمري الجنوب منه درر أهاضيبه، و الاضافة في برك بوانيها لأدنى ملابسة
المعنى
اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه عليه السّلام مسوق للاشارة إلى قدرته سبحانه و تدبيره في كيفيّة ايجاد الأرض و دحوها على الماء و خلقة الغمام و المطر و البرق و النبات و الأنهار و الأزهار و متضمّن لما أعدّ اللّه للناس فيها من المنافع العظيمة و الفوايد الجسيمة، و الرفد الروافغ، و النعم السوابغ و هو قوله عليه السّلام: (كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة) استعار لفظ الكبس لخلقه لها غائصا معظمها في الماء كما يغوص و يكبس بعض الزقّ المنفوخ و نحوه في الماء بالاعتماد عليه، و وصف الأمواج بالاستفحال لشدّتها أو لكونها كالفحول في الصّولة (و لجج بحار زاخرة) أى كثيرة مائها مرتفعة أمواجها حال كونها (تلتطم أو اذي أمواجها) أى تضرب شدايد أمواجها بعضها بعضا (و تصطفق متقاذفات أثباجها) أى تردّ متراميات أمواجها العالية المعظمة (و ترغو زبدا كالفحول عند هياجها) أى تصوت قاذفة زبدا
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 10
أو ترمى زبدا عند اضطرابه و غليانه كالفحول الهايجة (فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها) استعار لفظ الجماع لغليان الماء و اضطرابه و جريانه على غير نسق كما يجمح الفرس الجموح بحيث لا يتمكن من ردّه و منعه يقول عليه السّلام: ذلّ اضطراب الماء لثقل حمل الأرض عليه (و سكن هيج ارتمائه إذ وطئته بكلكها) أى سكن ثوران تراميه و تقاذفه حين و طئته الأرض و داسته بصدرها تشبيها لها بالناقة و تخصيص الصدر بالذكر لقوته (و ذلّ مستخذيا إذ تمعّكت عليه بكواهلها) أى صار ذليلا منقادا حين تمرغت عليه الأرض كالدابة المتمرغة و تخصيص الكواهل بالذكر للقوّة أيضا (فأصبح بعد اصطخاب أمواجه) و اضطرابها (ساجيا مقهورا) أى ساكنا مغلوبا (و فى حكمة الذلّ منقادا اسيرا) كالدابة المذللة بالحكمة المنقادة لصاحبها، هذا و محصل كلامه عليه السّلام من قوله: فخضع إلى هنا أنّ هيجان الماء و غليانه و موجه سكن بوضع الأرض عليه و استشكل فيه بأنّ ذلك خلاف ما نشاهده و خلاف ما يقتضيه العقل لأنّ الماء السّاكن إذا جعل فيه جسم ثقيل اضطرب و تموّج و صعد علوّا فكيف الماء المتموّج يسكن بطرح الجسم الثقيل فيه و اجيب بأنّ الماء إذا كان تموّجه من قبل ريح هايجة جاز أن يسكن هيجانه بجسم يحول بينه و بين تلك الرّيح، و لذلك إذا جعلنا في الاناء ماء، و روّحناه بمروحة يموّجه فانه يتحرّك، فان جعلنا على سطح الماء جسما يملأ حافات الاناء و روّحناه بالمروحة فانّ الماء لا يتحرّك لأنّ ذلك الجسم قد حال بين الهواء المجتلب بالمروحة و بين سطح الماء، فمن الجائز أن يكون الماء الأوّل هائجا لاجل ريح محرّكة له فاذا وضعت الأرض عليه حال بين سطح الماء و بين تلك الريح و قد مرّ في كلامه عليه السّلام فى الفصل الثامن من فصول الخطبة الأولى ذكر هذه الرّيح و هو قوله عليه السّلام: ثمّ أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها و أدام مربها إلى أن قال:
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 11
أمرها بتصفيق الماء الزخّار و اثارة موج البحار فمخضه مخض السّقاء و عصفت به عصفها بالفضاء، إلى آخر ما مرّ قال المحدّث العلّامة المجلسيّ ره في البحار بعد ذكر هذا الاشكال و الجواب: و الأولى أن يقال: إنّ غرضه عليه السّلام ليس نفي التموّج مطلقا بل نفى الشديد الذى كان للماء اذ حمله سبحانه على متن الريح العاصفة و الزعزع القاصفة بقدرته الكاملة و أنشأ ريحا تمخّضه مخض السقاء فكانت كرة الماء تدفق من جميع الجوانب و ترد الرّيح أوّله على آخره و ساجيه على مائره كما مرّ في كلامه عليه السّلام أى فى الفصل المذكور من الخطبة الأولى، ثمّ لما كبس الأرض بحيث لم يحط الماء بجميعها فلا ريب فى انقطاع الهبوب و التمويج من ذلك الجانب المماسّ للأرض من الماء و أيضا لمّا منعت الأرض سيلان الماء من ذلك الجانب إذ ليست الأرض كالهواء المنفتق المتحرّك الذى كان ينتهي اليه ذلك الحدّ من الماء كان ذلك أيضا من أسباب ضعف التموّج و قلّة التّلاطم و أيضا لمّا تفرقت كرة الماء فى أطراف الأرض و مال الماء بطبعه الى المواضع المنخفضة من الأرض و صار البحر الواحد المجتمع بحارا متعدّدة و ان اتّصل بعضها ببعض و احاطت السواحل بأطراف البحار بحيث منعت الهبوب إلّا من جهة السّطح الظاهر سكنت الفورة الشديدة بذلك التفرّق و قلّة التعمّق و انقطاع الهبوب، و كلّ ذلك من أسباب السّكون الذى أشار اليه عليه السّلام و أقول: و ممّا يبيّن ذلك أنه إذا فرضنا حوضا يكون فرسخا في فرسخ و قدّرنا بناء عمارة عظيمة في وسطه فلا ريب في أنّه يقلّ بذلك أمواجه، و كلّما وصل موج من جانب من الجوانب اليه يرتدع و يرجع ثمّ إنّ هذه الوجوه إنما تبدى جريا على قواعد الطبيعيّين و خيالاتهم الواهية و إلّا فبعد ما ذكره عليه السّلام لا حاجة لنا الى إبداء وجه، بل يمكن أن يكون لخلق الأرض و كبسها في الماء نوع آخر من التأثير في سكونه لا تحيط به عقولنا الضعيفة كما قال عليه السّلام: (و سكنت الأرض) حال كونها (مدحوّة) مبسوطة (فى لجّة تياره)
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 12
أى أعمق موجه و معظمه (و ردّت الماء من نخوة بأوه و اعتلائه) أى فخره و ترفعه (و شموخ انفه و سمّو غلوائه) أى تكبّره و علوّ غلوّه و هذه كلّها استعارات للماء في هيجانه و اضطرابه بملاحظة مشابهته بالانسان المتجبّر المتكبّر التياه في حركاته و أفعاله و الغرض بيان سكون الأرض في الماء المتلاطم و منعها إيّاه من تموّجه و هيجانه (و كعمته على كظّة جريته) و المراد بكظّة الجرية ما يشاهد من الماء الكثير في جريانه من الثقل نحو ما يعتري المملي من الطعام، أو أراد به شدّة جريانه و طول ملازمته له، أو التعب العارض له من الجريان على سبيل الاستعارة تشبيها له بالانسان المتعب من كثرة المزاولة لفعل (فهمد بعد نزقاته) أراد به سكونه بعد و ثباته و (لبد بعد زيفان و ثباته) أى أقام بعد تبختره في طفراته (فلما سكن هيج الماء من تحت أكنافها) يعنى أطراف الأرض و جوانبها (و حمل شواهق الجبال البذخ على اكتافها) استعار عليه السّلام لفظ الاكتاف للأرض لكونها محلا لحمل ما يثقل من الجبال كما أنّ كتف الانسان و غيره من الحيوان محلّ، لحمل الأثقال (فجر ينابيع العيون) لعله عليه السّلام اعتبر في الينبوع الجريان بالفعل فيكون من قبيل اضافة الخاص الى العام، أو التكرير للمبالغة، و إن كان الينبوع بمعنى الجدول الكثير الماء على ما مرّ فهو مستغن عن التكلّف و قوله: (من عرانين انوفها) من باب الاستعارة تشبيها للجبال بالانسان و لأعاليها و رؤوسها بعرنينه و أنفه، و انما خصّ الجبال بتفجّر العيون فيها لأنّ العيون اكثر ما يتفجّر من الجبال و الأماكن المرتفعة و أثر القدرة فيها أظهر و نفعها أتمّ (و فرقها) أى الينابيع (فى سهوب بيدها و أخاديدها) المراد بالأخاديد مجارى الأنهار (و عدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها) قال المحدّث المجلسيّ «قد» لعلّ تعديل الحركات بالراسيات أى الجبال الثابتات جعلها عذيلا للحركات بحيث لا تغلبه أسباب الحركة فيستفاد سكونها فالباء صلة
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 13
لا سببية، أو المعنى سوّى الحركات في الجهات أى جعل الميول متساوية بالجبال فسكنت لعدم المرجّح فالباء سببية، و يحتمل أن يكون المراد أنه جعلها بالجبال بحيث قد تتحرّك بالزلازل و قد لا تتحرّك و لم يجعل الحركة غالبة على السّكون مع احتمال كونها دائما متحرّكة بحركة ضعيفة غير محسوسة، و من ذهب الى استناد الحركة السريعة الى الأرض لا يحتاج إلى تكلّف و كيف كان فالمعنى أنه سبحانه عدل حركات الأرض بالجبال الثابته من صخورها و ب (ذوات الشناخيب الشمّ من صياخيدها) أى بصاحبات الرءوس المرتفعة من صخورها الصلبة (فسكنت) الأرض (من الميدان) و الاضطراب (برسوب الجبال فى قطع اديمها) أى دخولها في قطعات وجه الأرض و أعماقها (و تغلغلها متسربة في جوبات خياشيمها) أى دخولها حال كونها نافذة فى حفرات انوف الأرض و فرجاتها (و ركوبها أعناق سهول الأرضين و جراثيمها) استعار لفظ الركوب للجبال و الأعناق للأرضين كناية عن الحاقهما بالقاهر و المقهور و ذكر السّهول ترشيح، و لعلّ المراد بجراثيمها المواضع المرتفعة منها و مفاد هذه الفقرات أنّ الأرض كانت متحرّكة مضطربة قبل خلق الجبال فسكنت بها، و ظاهره أنّ لنفوذ الجبال فى أعماق الأرض و ظهورها و ارتفاعها عن الأرض كليهما مدخلا في سكونها و قد مرّ الكلام فى ذلك في شرح الفصل الثالث من فصول الخطبة الاولى فتذكر (و فسح بين الجوّ و بينها) لعلّ في الكلام تقدير مضاف أى وسّع بين منتهى الجوّ و بينها، أو المراد بالجوّ منتهاه إى السّطح المقعر للسماء (و أعدّ الهواء متنسّما لساكنها) أى جعل الهواء محلّا لطلب النسيم و استنشاقه و فائدته ترويح القلب حتّى لا يتأذّى بغلبة الحرارة (و أخرج اليها أهلها على تمام مرافقها) و المراد به ايجادهم و إسكانهم فيها بعد تهيئة ما يصلحهم لمعاشهم و التزوّد لمعادهم (ثمّ لم يدع) سبحانه و تعالى (جرز الأرض التي) لا نبات بها و لا ماء من حيث إنها (تقصر مياه العيون عن) سقى (روابيها) و مرتفعاتها (و لا تجدجد اول الأنهار ذريعة)
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 14
و وسيلة (الى بلوغها) و الوصول إليها (حتى أنشألها ناشئة سحاب تحيى مواتها) من باب المجاز في الاسناد (و) كذلك (تستخرج نباتها) لأنّ المحيى و المخرج هو اللّه سبحانه و السحاب سبب قال اللّه تعالى: وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ.
و قال: وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ.
(الف) تعالى (غمامها) الضمير راجع إلى الأرض كساير الضمائر و الاضافة لأدنى ملابسة و المراد أنه سبحانه ركب السحاب المعدّة لسقيها (بعد افتراق لمعه و تباين قزعه) أى بعد ما كانت أجزائها اللّامعة متفرّقة و قطعاتها متباينة متباعدة (حتى اذا تمخضت لجّة المزن فيه) الضمير راجع الى المزن أى حتى اذا تحرّكت اللجّة أى معظم الماء المستودع في الغيم و استعدّت للنّزول (و التمع برقه في كففه) أى أضاء البرق في جوانبه و حواشيه (و لم ينم و ميضه) أى لم ينقطع لمعان البرق (في كنهور ربابه) أى فى القطع العظيمة من سحابه البيض (و متراكم سحابه) أى المجتمع الذى ركب بعضه بعضا (أرسله) اللّه سبحانه (سحّامتدار كا) أى حالكونه يصبّ الماء صبّا متلاحقا (قد أسفّ هيدبه) و دنا من الأرض ما تدلّى منه حالكونه (تمريه الجنوب درر أهاضيبه) أى تستخرج منه الجنوب أمطاره المنصبّة، و الجنوب ريح مهبها من مطلع سهيل إلى مطلع الثريّا، و هى أدرّ للمطر و لذا خصّها بالذكر و قوله عليه السّلام (و دفع شآبيبه) أراد به الدّفعات من المطر المنزلة بشدّة و قوّة (فلما ألقت السحاب برك بوانيها) استعار عليه السّلام لفظ البرك و البوان للسحاب و اسند إليه الالقاء تشبيها لها بالجمل الذى أثقله الحمل فرمى بصدره الأرض، أو بالخيمة التي جرّ عمودها على اختلاف التفسرين المتقدّمين (و بعاع ما استقلّت به من العبء
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 15
المحمول عليها) أى ثقل ما ارتفعت به من الحمل المحمول عليها يعنى المطر (أخرج) سبحانه (به) أى بذلك العبء (من هو امد الأرض) التي لا حياة بها و لا عود (النبات) كما قال تعالى: وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.
(و من زعر الجبال) أى المواضع القليلة النّبات منها (الأعشاب) و الرّطب من الكلا (فهى) أى الأرض (تبهج) و تفرح (بزينة رياضها) و مستنقع مياهها (و تزدهى) و تفتخر (بما البسته من ريط أزاهيرها) أى بأشجار البست الأرض إيّاها لباس انوارها و على ما فى بعض النسخ من كون البسته بصيغة المجهول فالمعنى أنّ الأرض تفتخر بما اكتسبت به من النبات و الأزهار و الأنوار فيكون لفظة من على هذا بيانا لما كما أنها على الأوّل صلة لألبسته، و الثاني أظهر (و) تتكبّر ب (حلية ما سمّطت) و علّقت (به من ناضر أنوارها) أى أنوارها المتصفة بالنضرة و الحسن و الطراوة (و جعل) اللّه سبحانه (ذلك) أى ما انبت من الأرض (بلاغا للأنام) يبتلغون به و يتوسلون إلى مقاصدهم و مطالبهم (و رزقا للأنعام) تأكل منه و ترعى عند جوعها و حاجتها قال تعالى: وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ.
(و خرق الفجاج فى آفاقها) أى خلق الطرق على الهيئة المخصوصة بين الجبال فى نواحى الأرض و أطرافها قال سبحانه: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ و قال: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً.
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 16
(و أقام المنار للسالكين فى جواد طرقها) و المراد بالمنار العلامات التي يهتدى بها السالكون من الجبال و التلال أو النجوم، و الأول أظهر بملاحظة المقام و اعلم أنّ هذا الفصل لمّا كان متضمّنا لبعض ما في عالم العناصر من دلائل القدرة و بدائع الحكمة و عجائب الصنعة و ما أودع اللّه سبحانه فيه من المنافع العامة و الفوائد التّامة لا جرم أحببت تذييل المقام بهدايات فيها دراية على مقتضى الترتيب الذّكري الّذي جرى عليه هذا الفصل فأقول: و باللّه التكلان و هو المستعان
الهداية الاولى فى دلايل القدرة في الأرض
و المنافع المعدّة فيها للخلق و هى كثيرة لا تحصى لكنّا نقتصر على البعض بما ورد فى الكتاب و أفاده أولو الألباب فمنها أنه سبحانه جعلها مدحوّة على الماء و بارزة منه مع اقتضاء طبعها الغوص فيه و إحاطة البحار بها، و ذلك لحكمة الافتراش و أن يكون بساطا للنّاس كما قال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً و قال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً و قال: اللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً.
فلو كانت غائصة فى الماء لبطل تلك الحكمة فأخرج سبحانه بعض جوانبها من الماء كالجزيرة البارزة حتى صلحت لأن تكون فراشا و مهادا و منها- كونها ساكنة فى حيزها الطبيعى و هو وسط الأفلاك لأنّ الأثقال بالطبع تميل إلى تحت كما أنّ الخفاف بالطبع تميل إلى فوق، و الفوق من جميع الجوانب مايلي السماء و التحت مايلي المركز، فكما أنه يستبعد حركة الارض فيما بيننا إلى جهة السماء فكذلك يستبعد هبوطها في مقابلة ذلك لأنّ ذلك الهبوط صعود أيضا إلى السماء فاذن لاحاجة فى سكون الأرض و قرارها إلى علاقة من فوقها
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 17
و لا دعامة من تحتها، بل يكفي في ذلك ما أعطاها فالقها، و ركز فيها من الميل الطبيعى إلى الوسط الحقيقى بقدرته إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ.
و منها- توسّطها فى الصلابة و اللّين: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها.
اذ لو كانت في غاية الصلابة كالحجر لكان المشى و النوم عليها ممّا يولم البدن و لتعذرت الزراعة عليها و لا متنع إجراء الأنهار و حفر الآبار فيها و لم يمكن اتخاذ الأبنية و الآنية منها لتعذّر تركيبها، و لو كانت فى غاية اللين بحيث تغوص فيه الرّجل كالماء لا متنع الاستقرار و الافتراش و النوم و المشى و استحال الزرع و الحرث و منها أنه جعل لونها الغبراء لتكون قابلة للانارة و الضياء إذ ما كان فى غاية اللّطافة و الشفّافية لا يستقرّ النور عليه، و ما كان كذلك فانه لا يتسخّن بالشمس فكان يبرد جدّا و لا يمكن جواره، هكذا قال الرازى و صدر المتألهين. و الأولى ما فى شرح البحرانى «قد» من أنها لو كانت مخلوقة في غاية الشفافية و اللطافة فامّا أن تكون مع ذلك جسما سيّالا كالهواء لم يتمكن من الاستقرار عليه، أو يكون جسما ثابتا صقيلا براقا احترق الحيوان و ما عليها بسبب انعكاس أشعة الشمس عليها كما يحرق القطن إذا قرب من المرايا المحاذية للشّمس و البلور، لكنها خلقها غبراء ليستقرّ النّور على وجهها فيحصل فيها نوع من السخونة، و خلقها كثيفة لئلّا تنعكس الأشعة منها على ما فيها فتحرقه، فصارت معتدلة في الحرّ و البرد تصلح أن تكون فراشا و مسكنا للحيوان و منها كونها يتولّد منها النبات و الحيوان و المعادن وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ.
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 18
و منها أن يتخمّر الرّطب بها فيحصل التماسك في أبدان المركبات و منها اختلاف بقاعها فمنها أرض رخوة و صلبة و رملة و سبخة و عذبة و حزنة و سهلة، و قال تعالى وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ.
و منها اختلاف ألوانها فأحمر و أبيض و أسود و رمادي اللّون و أغبر، قال سبحانه وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ و منها انصداعها بالنبات وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ و منها كونها خازنة للماء المنزّل من السماء وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ.
و منها إجراء العيون و الأنهار فيها أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَ جَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً.
و منها أنّ لها طبع السماحة و الجود تدفع إليها حبّة واحدة و هي تردّها عليك سبعمائة كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ.
و منها موتها في الشّتآء و حياتها فى الرّبيع فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ.
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 19
و منها انبثات الدّواب المختلفة فيها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما.
و منها كونها مبدء الخلايق و منشأها مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى.
و جعل ظهرها مقرّ الأحيا و بطنها موطن الأموات أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَ أَمْواتاً.
و منها ما فيها من النباتات المختلفة الألوان و الأنواع و المنافع وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.
فبعضها للانسان و بعضها للحيوان كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ.
و ما للانسان بعضها طعام و بعضها إدام و بعضها فواكه و بعضها دواء و بعضها لباس كالقطن و الكتان و منها ما فيها من الأحجار المختلفة، فبعضها للزينة كالدّرّ و الياقوت و العقيق و نحوها، و بعضها للحاجة كما تستخرج منه النّار، فانظر الى قلّة الأوّل و كثرة الثاني، ثمّ انظر إلى قلّة المنفعة بذلك الخطير و كثرة المنفعة بذلك الحقير إلى غير ذلك من آثار القدرة و دلائل الصنع و العظمة و العجائب و الغرائب التي يعجز عن إدراك معشارها عقول البشر، و يحتار فى البلوغ إليها الأذهان و الفكر
الثانية في انفجار الينابيع و العيون من الأرض
المشار إليه بقوله عليه السّلام: فجر
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 20
ينابيع الأرض من عرانين انوفها، فأقول: ظاهر قوله سبحانه: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ و قوله: أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ.
هو كون ماء العيون و الأنهار هو الماء المنزل من السحاب، و به صرّح جمع من الأصحاب فى باب طهورية الماء بقول مطلق بعد الاستدلال عليها بقوله سبحانه: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً.
و يدلّ عليه ما رواه علىّ بن إبراهيم فى تفسيره قال فى رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ.
فهي الأنهار و العيون و الآبار، و محصّل ذلك أنّ القادر المختار أنزل بقدرته الكاملة و حكمته البالغة من السّماء ماء فأسكنه فى الأرض و أخرج منه فى العيون و الآبار و القنى و الأنهار ما اقتضاه الحكمة و التدبير فى بقاء نوع الانسان و الحيوان و إصلاح النّباتات و الزراعات و غير ذلك من وجوه الحاجات، و إليه ذهب أبو البركات البغدادى حيث قال: إنّ هذه المياه متولّدة من أجزاء مائية متولّدة من أجزاء متفرّقة في ثقب أعماق الأرض و منافذها إذا اجتمعت، و يدلّ عليه أنّ مياه العيون و الأنهار تزيد بزيادة الثلوج و الأمطار و قالت الحكماء: إنّ البخار إذا احتبس في داخل من الأرض لما فيها من ثقب و فرج يميل إلى جهة فيبرد بها فينقلب مياها مختلطة بأجزاء بخارية، فاذا كثر لوصول مدد متدافع إليه بحيث لا تسعه الأرض أوجب انشقاق الأرض و انفجرت منه العيون.
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 21
أمّا الجارية على الولاء فهى إما لدفع تاليها سابقها أولا نجذابه إليه لضرورة عدم الخلاء بأن يكون البخار الذي انقلب ماء و فاض إلى وجه الأرض ينجذب إلى مكانه ما يقوم مقامه لئلّا يكون خلاء فينقلب هو أيضا ماء و يفيض، و هكذا استتبع كلّ جزء منه جزء آخر و أما العيون الرّاكدة فهي حادثة من أبخرة لم تبلغ من قوّتها و كثرة موادّها أن يحصل منها معاونة شديدة أو يدفع اللّاحق السابق و أما مياه القنى و الآبار فهى متولّدة من أبخرة ناقصة القوّة عن أن يشقّ الأرض، فاذا ازيل ثقل الأرض عن وجهها صادفت منفذا تندفع إليه بأدنى حركة فان لم يجعل هناك مسيل فهو البئر، و إن جعل فهو القناة، و نسبة القنا إلى الآبار كنسبة العيون السيالة إلى الراكدة، و إنما كثر تفجّر العيون فى الجبال و الأماكن المرتفعة لشدّة احتقان الأبخرة تحتها بالنسبة إلى ساير الأماكن الهابطة الرّخوة، فانّ الأرض إذا كانت رخوة نفضت «نفذت خ ل» فلا يكاد يجتمع منه قدر ما يعتدّ به و قال الشيخ: هذه الأبخرة إذا انبعث عيونا أمدّت البحار بصبّ الأنهار إليها ثمّ ارتفع من البحار و البطائح و الأنهار و بطون الجبال خاصة أبخرة اخرى، ثمّ قطرت ثانيا إليها فقامت بدل ما يتحلّل منها على الدّور دائما
الثالثة
في حكمة خلق الهواء المشار إليها بقوله: و أعدّا لهواء متنسما لساكنها، فأقول: فيه نفع عظيم للانسان و الحيوان، لأنّه من ضروريّات العيش لأنها مادّة النفس الذى لو انقطع ساعة عن الحيوان لمات، و قيل هنا: إنّ كلّ ما كانت الحاجة إليه أشدّ كان وجدانه أسهل و لمّا كان احتياج الانسان إلى الهواء أعظم الحاجات حتّى لو انقطع عنه لحظة لمات لا جرم كان وجدانه أسهل من وجدان كلّ شيء، و بعد الهواء الماء، فانّ الحاجة إليه أيضا شديدة فلا جرم سهل أيضا وجدان الماء، و لكن وجدان الهواء أسهل لأنّ الماء لا بدّ فيه من تكلّف الاغتراف بخلاف الهواء
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 22
فانّ الآلات المهيّاة لجذبه حاضرة أبدا ثمّ بعد الماء الحاجة إلى الطعام شديدة و لكن دون الحاجة إلى الماء فلا جرم كان تحصيل الطعام أصعب من تحصيل الماء و بعد الطعام الحاجة إلى تحصيل المعاجين و الادوية النّادرة قليلة فلا جرم عزّت هذه الأشياء، و بعد المعاجين الحاجة إلى أنواع الجواهر من الياقوت و الزبرجد نادرة جدّا فلا جرم كانت فى نهاية العزّة، فثبت أنّ كلّ ما كان الاحتياج إليه أشدّ كان وجدانه أسهل و كلّ ما كان الحاجة إليه أقلّ كان وجدانه أصعب، و ما ذاك إلّا رحمة منه سبحانه على العباد قال الشاعر:
سبحان من خصّ القليل بعزّة و النّاس مستغنون عن أجناسه
و أذّل أنفاس الهواء و كلّ ذى
نفس لمحتاج الى انفاسه
الرابعة في دلايل القدرة و براهين الجلال و الجبروت
في خلق السّحاب و المطر و البرد و الثلج و الرّعد و البرق و الصواعق قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ.
قال الرازيّ: في كونها خوفا و طمعا وجوه الاول عند لمعان البرق يخاف وقوع الصّواعق و يطمع في نزول الغيث الثاني أنه يخاف من المطر من له فيه ضرر كالمسافر و كمن في خزينته التمر و الزبيب و يطمع فيه من له نفع الثالث أنّ كلّ شيء يحصل فى الدنيا فهو خير بالنسبة إلى قوم و شرّ بالنسبة إلى آخر فكذلك المطر خير في حقّ من يحتاج في أوانه و شرّ في حقّ من يضرّه ذلك إما بحسب المكان أو بحسب الزّمان ثمّ اعلم أنّ حدوث البرق دليل عجيب على قدرة اللّه سبحانه و بيانه أنّ السحاب
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 23
لا شك أنه جسم مركب من أجزاء مائية و أجزاء هوائية «نارية ظ» و لا شكّ أنّ الغالب عليه الاجزاء المائية و الماء جسم بارد رطب و النّار جسم حارّ يابس، فظهور الضّد من الضدّ التام على خلاف العقل فلا بدّ من صانع مختار يظهر الضدّ من الضدّ فان قيل: لم لا يجوز أن يقال: إنّ الرّيح احتقن في داخل جرم السحاب و استولى البرد على ظاهره فانجمد السطح الظاهر منه، ثمّ إنّ ذلك الرّيح يمزقه تمزيقا عنيفا فيتولّد من ذلك التمزيق الشّديد حركة عنيفة و الحركة العنيفة موجبة للسخونة و هي البرق فالجواب أنّ كلّ ما ذكرتموه خلاف المعقول من وجوه: الأوّل أنه لو كان الأمر كذلك لوجب أن يقال أينما حصل البرق فلا بدّ و أن يحصل الرعد و هو الصوت الحاصل من تمزّق السحاب و معلوم أنه ليس الأمر كذلك فانه كثيرا ما يحدث البرق القوى من غير حدوث الرعد الثّانى أنّ السخونة الحاصلة بسبب قوّة الحركة مقابلة بالطبيعة المائية الموجبة للبرد، و عند حصول هذا المعارض القوى كيف تحدث النّارية بل نقول: النيران العظيمة ينتفي لصبّ الماء عليها و السّحاب كلّه ماء فكيف يمكن أن يحدث فيه شعلة ضعيفة نارية الثالث من مذهبكم أنّ النار الصرفة لا لون لها البتة فهب أنه حصلت النارية بسبب قوّة المحاكة الحاصلة في أجزاء السحاب، لكن من أين حدث ذلك اللّون الأحمر، فثبت أنّ السبب الذي ذكروه ضعيف و أنّ حدوث النّار الحاصلة فى جرم السحاب مع كونه ماء خالصا لا يمكن إلّا بقدرة القادر الحكيم و قال في قوله: و ينشىء السحاب الثقال: السحاب اسم الجنس و الواحدة سحابة، و الثقال جمع ثقيلة أى الثقال بالماء و اعلم أنّ هذا أيضا من دلائل القدرة و العظمة، و ذلك لأنّ هذه الأجزاء المائية إمّا يقال إنّها حدثت في جوّ الهواء أو يقال إنها تصاعدت من وجه الأرض فان كان الأول وجب أن يكون حدوثها باحداث محدث حكيم قادر و هو المطلوب
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 24
و إن كان الثاني و هو أن يقال إنّ تلك الأجزاء تصاعدت من الأرض فلمّا وصلت إلى الطبقة الباردة من الهواء بردت فثقلت و رجعت إلى الأرض فنقول: هذا باطل، و ذلك لأنّ الأمطار مختلفة، فتارة تكون القطرات كبيرة، و تارة صغيرة، و تارة تكون متقاربة، و اخرى تكون متباعدة، و تارة تدوم مدّة نزول المطر زمانا طويلا، و تارة قليلا، فاختلاف الأمطار في هذه الصفات مع أنّ طبيعة الأرض واحدة و طبيعة الأشعّة المسخنة للبخارات واحدة لا بدّ و أن يكون بتخصيص الفاعل المختار و أيضا فالتجربة دلّت على أنّ للدّعاء و التضرّع في نزول الغيث أثرا عظيما و لذلك شرعت صلاة الاستسقاء فعلمنا أنّ المؤثّر فيه قدرة الفاعل لا الطبيعة الخاصة و في الصافي في قوله: وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، روى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه سئل عن الرعد فقال: ملك موكّل بالسحاب معه مخاريق من النّار يسوق بها السحاب و فى الفقيه روى أنّ الرّعد صوت ملك أكبر من الذباب و أصغر من الزنبور و فيه عن الصادق عليه السّلام أنّه بمنزلة الرجل يكون فى الابل فيزجرها هاى هاى كهيئة ذلك و قوله وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ من خوفه و اجلاله وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ من عباده فيهلكه وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ.
حيث يكذبون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما يصفه تعالى من التفرّد بالالوهيّة وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ.
أى المماحلة و المكايدة لأعدائه و قيل: من المحل أى شديد القوّة و قال عليّ بن إبراهيم القمّي أى شديد الغضب هذا و قال الرّازي في تفسير قوله سبحانه: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 25
مِنْ خِلالِهِ: قال أهل الطبايع: إنّ تكوّن السحاب و المطر و الثلج و البرد و الطلّ و الصقيع فى أكثر الأمر يكون من تكاثف البخار، و فى الأقلّ من تكاثف الهواء، أمّا الأول فالبخار الصّاعد أن كان قليلا و كان في الهواء، من الحرارة ما يحلّل ذلك البخار فحينئذ ينحلّ و ينقلب هواء، و أمّا إن كان البخار كثيرا و لم يكن فى الهواء من الحرارة ما يحلّله فتلك الأبخرة المتصاعدة إمّا أن يبلغ في صعودها إلى الطبقة الباردة من الهواء أولا تبلغ، فان بلغت فامّا أن يكون البرد قويّا أو لا يكون، فان لم يكن البرد هناك قويا تكاثف ذلك البخار بذلك القدر من البرد و اجتمع و تقاطر فالبخار المجتمع هو السحاب، و المتقاطر هو المطر و الديمة، و الوابل إنما يكون من أمثال هذه الغيوم و أمّا إن كان البرد شديدا فلا يخلو إمّا أن يصل البرد إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها و انحلالها حبّات كبارا، أو بعد صيرورتها كذلك، فان كان على الوجه الأوّل نزل ثلجا، و إن كان على الوجه الثاني نزل بردا و أمّا إذا لم تبلغ الأبخرة إلى الطبقة فهي إمّا أن تكون قليلة أو تكون كثيرة، فان كانت كثيرة فهي تنعقد سحابا ماطرا و قد لا تنعقد، أمّا الأوّل فذاك لأحد أسباب خمسة أولها إذا منع هبوب الرّياح عن تصاعد تلك الأبخرة و ثانيها أن تكون الرّياح ضاغطة لها إلى اجتماع بسبب وقوف جبال قدام الرّيح و ثالثها أن تكون هناك رياح متقابلة متضادّة فتمتنع صعود الأبخرة حينئذ و رابعها أن يعرض للجزء المتقدم وقوف لثقله و بطوء حركته ثمّ تلتصق به سائر الأجزاء الكثيرة المدد و خامسها لشدّة برد الهواء القريب من الأرض فقد يشاهد البخار يصعد في بعض الجبال صعودا يسيرا حتى كأنّه مكبة موضوعة على و هدة و يكون الناظر إليها فوق تلك الغمامة و الذين يكونون تحت الغمامة يمطرون و الذين يكونون فوقها يكونون في الشمس أمّا إذا كانت الأبخرة القليلة الارتفاع قليلة لطيفة فاذا ضربها برد الليل
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 26
كثفها و عقدها ماء يكون محسوسا و نزل نزولا متفرّقا لا يحسّ به إلّا عند اجتماع شيء يعتدّ به، فان لم يجمد كان طلّا، و إن جمد كان صقيعا و نسبة الصقيع إلى الطلّ نسبة الثلج إلى المطر و امّا أن تكون السحاب من انقباض الهواء و ذلك عند ما يبرد الهواء و ينقبض و حينئذ تحصل منه الأقسام المذكورة و الجواب انّا لما دللنا على حدوث الأجسام و توسّلنا بذلك إلى كونه قادرا مختارا يمكنه ايجاد الاجسام لم يمكنا القطع بما ذكرتموه، لاحتمال أنّه سبحانه خلق أجزاء السحاب دفعة لا بالطريق الذى ذكرتموه، و أيضا فهب أنّ الأمر كما ذكرتم و لكن الأجسام بالاتفاق ممكنة في ذواتها فلا بدّ لها من مؤثر، ثمّ إنّها متماثلة فاختصاص كلّ واحد منها بصفة معينّة من الصعود و الهبوط و اللّطافة و الكثافة و الحرارة و البرودة لا بدّ له من مخصّص، فاذا كان هو سبحانه خالقا لتلك الطبايع و تلك الطبايع مؤثّرة في هذه الأحوال و خالق السّبب و خالق المسبّب فكان سبحانه: هو الذي يزجى سحابا، لأنّه هو الذي خلق تلك الطبايع المحركة لتلك الأبخرة من باطن الأرض إلى جوّ الهواء، ثمّ إنّ تلك الأبخرة إذا ترادفت في صعودها و التصق بعضها بالبعض فهو سبحانه هو الذي: جعلها ركاما، فثبت على جميع التقريرات أنّ وجه الاستدلال بهذه الأشياء على القدرة و الحكمة ظاهر بيّن انتهى و تحقيق المقام هو ما ذكره بما لا مزيد عليه و أقول: دلائل القدرة في خلق السحاب مضافا إلى ما ذكره هو أنّ الماء بطبعه ثقيل يقتضي النزول فبقاؤه في الجوّ خلاف الطبع، و لذلك إذا انفصل منه قطرة نزلت دفعة فلا بدّ من قادر قاهر يمسكه في الجوّ على ثقله بقهره و قدرته و أيضا، لو دام السحاب لعظم ضرره حيث يسترضوء الشمس و تكثر الأمطار و تبتلّ المركبات فتفسد، و لو انقطع لعظم ضرره لافضائه الى القحط فيهلك المواشى و الانسان، فكان تقديره بالمقدار المعلوم مقتضى الحكمة و المصلحة
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 27
و أيضا ترى السّحاب يرشي الماء على الأرض و يرسله قطرات متفاضلة لا يدرك قطرة منها قطرة و لا يعلم عددها إلّا الذي أوجدها، ثمّ إنّ كلّ قطرة منها عيّنت لجزء من الأرض و لحيوان معيّن فيها من طيرو وحش و دود مكتوب عليها بخطّ غيبيّ غير محسوس أنه رزق الحيوان الفلاني في الموضع الفلاني في الوقت الفلاني هذا، مع ما في انعقاد البرد الصّلب من الماء اللّطيف و فى تناثر الثلوج كالقطن المندوف من العجائب التي لا تحصى، كلّ ذلك عناية من اللّه سبحانه و رحمة منه على العباد، و فيها هداية لمن استهدى و دراية لمن ابتغى الرشاد
الخامسة في دلايل القدرة و العظمة في إنبات النبات و الأشجار
قال سبحانه: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ و قال وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ، وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ، رِزْقاً لِلْعِبادِ وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ.
و دلايل القدرة في ذلك من وجوه: الأوّل أنّ الماء ثقيل بطبعه كما قلنا سابقا إنّه إذا انفصل قطرة منه من المزن تنزل إلى الأرض و لا تبقى في الجوّ بمقتضى طبعه فانظر الى قدرته تعالى كيف رقا الماء المصبوب في أسفل الأشجار مع هذا الطبع و الثقل إلى أعالى أغصانها، فهوى الى سفل ثمّ ارتفع إلى فوق فى داخل تجاويف الأشجار شيئا فشيئا بحيث ينتشر فى جميع الأوراق فغذاء كلّ جزء من كلّ ورقة تجرى إليه في تجاويف العروق، ففى كلّ ورقة عرق ممتد طولا و ينشعب منه عروق صغار كثيرة عرضا و طولا، فكان الكبير نهل و ما انشعب عنها جداول، ثمّ ينشعب من الجداول سواقي أصغر منها ثمّ ينتشر منها
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 28
خيوط عنكبوت دقيقة خارجة عن ادراك البصر حتى تنبسط فى جميع عرض الورق فيصل الماء فى أجوافها إلى ساير أجزاء الورق لتسقيها و تغذيها بمنزلة العروق المبثوثة في بدن الانسان و الحيوان لتوصل الغذاء إلى كلّ جزء منه و كذلك إلى ساير أجزاء الفواكه، فانّ الماء المتحرّك بطبعه إلى سفل كيف انجذب الى فوق من غير حامل أو قاسر، فعلم أنّ له جاذبا آخر و مجرّكا خارجا عن الحسّ ليسخّره و يدبّره و ينتهى بالأخرة إلى مدبّر السماوات و الأرض جلّت عظمته و تعالى شأنه.
الثاني أنّ أصناف النبات و الأشجار لما كانت محتاجة إلى الغذاء الدائم في بقاء نضرته و طراوته كحاجة الحيوان إلى الغذاء و لم يكن لها أفواه كأفواه الحيوان جعل لها أصول مركوزة في الأرض لتنزع منها الغذا فتؤدّيه اليها فصارت الأرض كالأمّ المرّبية و صارت اصولها كالأفواه الملتقمة للأرض، و أيضا لو لا تلك الأصول لما انتصب تلك الأشجار الطّوال العظام و لم يكن لها ثبات و دوام في الريح العاصف، فهي لها بمنزلة عمد الفساطيط و الخيم تمدّ بالأطناب من كلّ جانب لتثبت منتصبة فلا تسقط و لا تميل، ثمّ انظر إلى هذه العروق الصغار المنشعبة من الأصول المركوزة و أنها على دقّتها و ضعفها كيف تجرى فى أعماق الأرض و تسير فيها على صلبها عرضا و طولا الثالث إخراج أنواع مختلفه من النّبات و أصناف متشتّة من الأشجار من حبّ و عنب و قضب و زيتون و نخل و رمّان و فواكه كثيرة مختلفة الأشكال و الألوان و الطعوم و الروايح يفضل بعضها على بعض في الاكل مع أنّها جميعا يسقى بماء واحد و يخرج من أرض واحدة فان قلت: سبب اختلافها بذورها و حبوبها قلنا: هل يكفى ذلك في ترتّب هذه الآثار فانّ الحبوب على اختلافها متشابهة فى الصورة و الجوهر فكيف يصير بهذا الاختلاف موجبة لهذه الأنواع المتباعدة المتباينة في الصور الجوهرية و الكيفيّات و الخاصيّة، فهل كان في النواة نخلة مطوّقة بعنا قيد الرطب
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 29
سلّمنا أنّ اختلافها من المرجّحات لكن نسوق الكلام إلى موجد هذه الاختلافات و فاعلها، فانظر إلى اختلاف طبايع النبات و خواصها و منافعها فهذا يغذي و هذا يقوي، و هذا يقتل و هذا يحيي و هذا داء و هذا دواء و هذا يسخّن و هذا يبرّد، و هذا يسهل الصّفرا و هذا يولد السّوداء، و هذا يقمع البلغم و هذا يولده، و هذا يستحيل دما و هذا يطفيه، و هذا يسكر و هذا ينوم، و هذا يفرّح و هذا يضعف، إلى غير هذا ممّا لو أردنا استقصاء العجايب المودعة فيها انقضت الأيام و مع ذلك فالحكم الباطنة و المصالح الكامنة فيها أكثر جدّا مما وصلت اليه عقولنا القاصرة، فهذه هي دلائل القدرة و علامات العظمة و آثار الصنع و الحكمة في الأشياء المذكورة نبّهنا عليها على وجه الاختصار إذ الاستقصاء فيها خارج عن الطّوع و الاختيار، فسبحان من أقام الحجّة على مخلوقاته بما أراهم من بدايع آياته و جعلها تذكرة لاولى الألباب، و هو أعلم بالصواب
الترجمة
بعض ديگر از اين خطبه در صفت زمين و گسترانيدن او است بر روى آب مىفرمايد: فرو برد حضرت بارى تعالى زمين را بر بالاى موجهاى با شدّت و صولت و بر روى لجّههاى درياهاى پر شدّت بر آمده در حالتى كه مىزدند موجهاى با شدّت آنها بعضى بعضى را و ردّ مىكردند يكديگر را دفع كنندههاى موجهاى بزرگ و بلند آنها، و مىانداختند كف را مانند شتران نر در وقت هيجان آنها، پس فروتنى نمود سركشى آب موج زننده و ردّ كننده يكديگر بجهة سنگينى باران زمين و ساكن گرديد هيجان مدافعه آن وقتى كه در نور ديد زمين آن آب را بسينه خود، و خوار شد آب در حالتى كه خاضع و فروتن بود وقتى كه غلطيد زمين بر او بدوشهاى خود مانند غلطيدن حيوان در خاك پس گرديد آب بعد از اضطراب و شدّة موجهاى او ساكن و ذليل و در حلقه
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 30
آهنين لجام ذلت گردن نهاده و گرفتار، و ساكن شد زمين در حالتى كه گسترانيده شده بود در ميان موج عميق آن آب، و باز گردانيد آبرا از نخوت فخر و بلندى آن و از پر بادى دماغ آن و بلندى از اندازه گذشتن آن، و ببست آبرا بر پرى روان شدن آن، پس ساكن شد آب بعد از سبكى و جهيدنهاى خود، و ايستاد بعد از تبختر كردن در جستنهاى خود، پس چون ساكن گرديد هيجان آب از زير أطراف زمين و بار فرمود حق تعالى كوههاى بلند بالا را بر دوشهاى زمين، روان گردانيد چشمهاى آبرا از بالاى بينيهاى زمين، و پراكنده ساخت آن چشمها را در بيابانهاى گشاده آن و مجارى نهرهاى آن، و تعديل فرمود حركتهاى زمين را بكوههاى ثابت شونده از سنگهاى آن، و بكوههائى كه صاحب سرهاى بلندند از سختيهاى سنگهاى آن پس ساكن شد زمين از اضطراب بجهة فرو رفتن كوهها در قطعهاى سطح آن، و بسبب در آمدن كوهها در عمق زمين در حالتى كه در آمدهاند در خانهاى اندرون بينيهاى زمين بواسطه سوار شدن كوهها بر گردنهاى زمينهاى هموار و بر بلنديهاى آن، و فراخ كرد حق تعالى ميان هوا و ميان زمين را و مهيّا فرمود هوا را محل تنفس كشيدن از براى ساكنين آن، و بيرون آورد بسوى زمين اهل آنرا بر تماميت منافع و مصالح آن پس از آن ترك نكرد زمين بىگياه را كه قاصر باشد آبهاى چشمهها از سيراب نمودن بلنديهاى آن زمين، و نمىيابد رودخانهها وسيله رسيدن بدان زمين، تا اين كه ايجاد فرمود أز براى آن أبرى ظاهر شده كه زنده ميكند مردهاى آنرا و بيرون مىآورد گياه آنرا، جمع و تركيب فرمود ابرهاى سفيد آنرا بعد از تفرّق قطعهاى درخشان آن ابر و مباينت پارهاى آن تا اين كه چون متحرّك شد معظم ابرهاى سفيد در آن ابر، و درخشان گشت برق آن در جوانب و اطراف آن، و خواب نكرد يعنى ساكن نشد لمعان آن در
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 31
ميان پارهاى ابر سفيد آن، و ميان متراكم ابر كشيده آن فرستاد حق تعالى آن ابر را در حالتى كه ريزاننده آبست و دريابنده بعضى بعضى را بتحقيق كه نزديك شد بزمين ابريكه بواسطه ثقل مايل است بزمين كه بيرون مىآورد باد جنوب از ابر بارانهاى بهم ريخته او را، و دفعه دفعههاى بارانهاى با شدّت او را پس چون افكند ابر سينه كه قريب باضلاع او است چون شتر گران بار كه سينه خود بر زمين نهد، و انداخت گرانى چيزى را كه بلند شده بود با او از باد گرانى كه بار شده بود بر آن، بيرون آورد بآن آب از موضع بىگياه زمين گياه روئيده را و از كوههاى كم گياه گياههاى تر و تازه را.
پس آن زمين بهجت مىنمايد بزينت مرغزارهاى خود، و تفاخر ميكند به آن چه كه پوشانيده شده باو از چادرهاى شكوفهاى نور دهنده خوش شكل خوش بوى خود، و تكبر مىنمايد بزيور آنچه كه معلّق شده بآن از شكوفهاى با نضرت و طراوت آن، و گردانيده است حق سبحانه و تعالى آنرا كه بيرون آورده از زمين مايه وصول عالميان بمقصود خودشان، و روزى از براى چهارپايان، و شكافت حضرت بارى راههاى گشاده را در اطراف زمين، و بر پا نمود نشانهها از براى سالكين بر ميانهاى راههاى زمين
الفصل السابع
فلمّا مهّد أرضه، و أنفذ أمره، اختار آدم عليه السّلام خيرة من خلقه، و جعله أوّل جبّلته، و أسكنه جنّته، و أرغد فيها أكله، و أوعز إليه فيما نهاه عنه، و أعلمه أنّ فى الإقدام عليه التّعرّض لمعصيته، و المخاطرة بمنزلته، فأقدم على ما نهاه عنه موافاة لسابق علمه، فأهبطه بعد التّوبة ليعمر أرضه بنسله، و ليقيم الحجّة به على عباده، و لم يخلهم
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 32
بعد أن قبضه ممّا يؤكّد عليهم حجّة ربوبيّته، و يصل بينهم و بين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه، و متحمّلي و دائع رسالاته، قرنا فقرنا، حتّى تمّت بنبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حجّته، و بلغ المقطع عذره و نذره، و قدّر الأرزاق، فكثّرها و قلّلها، و قسّمها على الضّيق و السّعة، فعدل فيها، ليبتلي من أراد بميسورها و معسورها، و ليختبر بذلك الشّكر و الصّبر من غنيّها و فقيرها، ثمّ قرن بسعتها عقابيل فاقتها، و بسلامتها طوارق آفاتها، و بفرج أفراجها غصص أتراحها، و خلق الآجال، فأطالها و قصّرها، و قدّمها و أخّرها، و وصل بالموت أسبابها، و جعله خالجا لأشطانها، و قاطعا لمرائر أقرانها.
اللغة
(الخيرة) على وزن العنبة المختار، و قد يسكن الياء و في القاموس خار الرجل على غيره خيرة و خيرا و خيرة، فضّله على غيره كخيرة، و في شرح المعتزلي الخيرة اسم من اختاره اللّه يقال: محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خيرة اللّه و (الجبلّة) بكسر الجيم و الباء و تشديد اللّام الخلقة و الطبيعة و قيل في قوله تعالى: خَلَقَكُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ.
أى ذوي الجبلّة، و يحتمل أن يكون من قبيل الخلق بمعنى المخلوق، و قيل الجبلّة الجماعة من الناس و (الاكل) بضمّتين الرزق و الحظّ قال تعالى: أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها.
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 33
و (أوعزت) الى فلان فى فعل أو ترك أى تقدّمت و امرت و (خاطر) بنفسه و ماله أشفاهما على خطر و ألقاهما في المهلكة قال في المغرب: (تعهد) الصيغة و تعاهدها أتاها و أصلحها و حقيقته جدّد العهد بها و (القرن) أهل كلّ زمان مأخوذ من الاقتران فكأنّه المقدار الذى يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم و أحوالهم فقيل: أربعون سنة و قيل ثمانون سنة و قيل: مأئة و (مقطع) الشيء منتهاه كأنه قطع من هناك و (العذر و النذر) إما مصدران بمعنى الاعذار و الانذار أو ما بيّن للمكلّفين من الأعذار في عقوبته لهم إن عصوه، و ما أنذرهم به من الحوادث و قوله: (فعدل) بالتخفيف و في بعض النسخ بالتشديد و (الميسور و المعسور) مصدران بمعنى اليسر و العسر كالمفتون بمعنى الفتنة، و يمتنع عند سيبويه مجيء المصدر على وزن مفعول قال: الميسور الزمان الذى يوسر فيه و (العقابيل) جمع عقبول و عقبولة و هي قروح صغار تخرج غبّ الحمى بالشفة و (الفرج) جمع فرجة و هي التفصّى من الهمّ و (الغصص) جمع غصّة و هى ما اعترض في الحلق و (الاتراح) جمع الترح محركة كأسباب و سبب الهمّ و الهلاك و الانقطاع و (خلجه) يخلجه من باب نصر جذبه و (الأشطان) جمع الشطن بالتحريك و هو الحبل أو الطويل منه و (المرائر) جمع مرير و مريرة و هي الحبال المفتولة على اكثر من طاق و قيل: الحبال الشّديدة الفتل و قيل: الطوال الدّقاق منها و (الأقران) جمع قرن بالتحريك و هو حبل يجمع به البعيران.
الاعراب
قوله: خيرة منصوب إمّا على المصدر أو على كونه اسما منه كما حكيناه عن القاموس و عن شرح المعتزلي، فيكون المعنى اختاره اختيارا أى فضّله تفضيلا و اختاره خيارا، و انتصاب اسم المصدر بالفعل أيضا غير عزيز يقال: توضّأ وضوء و تطيّر طيرة و افتدى فدية، و على كونه بمعنى المختار فهو منصوب على الحال، و موافاة منصوب على الحدث بحذف العامل أى فوا فى المعصية موافاة و طابق بها سابق العلم مطابقة، و لا يجوز جعله مفعولا له حتى يكون علة للفعل لاستلزامه
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 34
كون علمه السّابق علّة لاقدامه على المعصية و هو لا يستقيم على اصول العدلية
المعنى
اعلم أنّ هذا الفصل متضمن لتمجيد اللّه سبحانه باعتبار خلقه آدم عليه السّلام و تفضيله على غيره و اتمام نعمته عليه و مقابلته بالعصيان و مقابلة عصيانه بقبول توبته و اهباطه إلى الأرض و إكرام ذرّيته بعده ببعث الأنبياء فيهم و قسمته بينهم معيشتهم و آجالهم بالقلّة و الكثرة و الضيق و السعة و ابتلائه لهم بذلك فقوله عليه السّلام (فلمّا مهّد أرضه) أى سوّاها و أصلحها أو بسطها على الماء و لعلّ المراد هنا إتمام خلق الأرض على ما تقتضيه المصلحة في نظام امور ساكنيها و فى شرح البحرانى أى جعلها مهادا كقوله تعالى: أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً.
أو جعلها مهدا كقوله تعالى: جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً.
و على التقدير الأوّل أراد أنه خلقها بحيث يسهل على العباد أن يتصرّفوا فيها بالقعود و القيام و الزراعة و ساير جهات المنفعة، و على التقدير الثاني يكون لفظ المهد استعارة لها بملاحظة تشبيهها بمهد الصبيّ في كونها محلّ الراحة و النوم (و انفذ أمره) أى أمضى أمره التكوينى في ايجاد المخلوقات و إتمامها و كان من تمامها خلقة نوع الانسان و ترجيحه على الأشباه و الأقران كما أشار إليه بقوله (اختار) أبا البشر (آدم) على نبيّنا و آله و عليه السّلام (خيرة من خلقه) و فضّله سبحانه و ذرّيته على ساير مخلوقاته كما قال عزّ من قائل: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
و قد اشير إلى بعض جهات التفضيل و الاصطفاء في الآيات الشريفة
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 35
فمنها أنه سبحانه شرّفه بالاستخلاف كما قال: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.
و منها اضافة روحه إليه كما قال: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي.
و منها اضافة خلقته إلى يديه كما قال: قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ.
و منها أمر الملائكة بالسجود له كما قال: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ.
و منها تعليمه الأسماء و ايثاره بذلك على ملائكة السّماء كما قال: وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها.
و منها تكرمته و ذرّيته بما اشير إليه بقوله: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا.
و منها جعلهم قابلا لاتيان الطّاعات و حمل الأمانات كما قال: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ و منها تصويره لهم بالصور الحسنة كما قال: صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ.
و منها تعليمهم البيان كما قال:
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 36
خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ.
و منها تعديل الأعضاء و استقامة القامة كما قال: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.
و منها التّعليم بالقلم كما قال: اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ.
و منها كونه نسخة جامعة لما في الملك و الملكوت و كتابا مبينا لاسرار القدرة و الجبروت، و لذلك عقّب بيان خلقته بقوله: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ.
و إلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين عليه السّلام فيما نسب اليه:
دوائك فيك فلا تبصر و دائك منك فلا تشعر
و أنت الكتاب المبين الذي
بأحرفه تظهر المضمر
أ تزعم أنك جرم صغير و فيك انطوى العالم الاكبر
فقد ظهر بذلك كلّه أنه سبحانه اختاره على غيره (و جعله أوّل جبلته) أى أوّل شخص من نوع الانسان و أوّل خليفة خلقت في الأرض. و فيه ردّ على من قال بقدم الأنواع المتوالدة (و أسكنه جنّته) و أبا جهاله بقوله: وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ.
(و أرغد فيها اكله) أى جعله واسعا طيّبا و قال له و لزوجته: كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما.
(و أوعز إليه فيما نهاه عنه) أى تقدّم إليه في الأكل من الشجرة و نهاه عن ذلك و عاهده في ذلك كما قال:
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 37
وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً.
(و أعلمه أنّ في الاقدام عليه) أى على ما نهاه عنه (التعرّض لمعصيته) كما قال: وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ.
(و المخاطرة بمنزلته) أى اشراف منزلته على خطر و انحطاط درجته كما قال: فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى.
فالضمير في منزلته راجع إلى آدم، و يحتمل رجوعه إليه سبحانه كضمير معصيته على الظاهر (فأقدم على ما نهاه عنه) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى.
و قد مرّ تأويل تلك المعصية و أضرابها في شرح الفصل الثاني عشر و الفصل الثالث عشر من فصول الخطبة الأولى و لا حاجة إلى الاعادة و قوله: (موافاة لسابق علمه) أراد أنه وافى بالمعصية و طابق بها سابق العلم فأقدم على المنهيّ عنه بما قدر عليه و كتب في حقّه في القضاء الالهى السابق على وجوده يدلّ عليه ما ورد في بعض الأخبار أنّ آدم عليه السّلام حجّ لموسى عليه السّلام فقال موسى: أنت خلقك اللّه بيده و نفخ فيك من روحه و أسجد لك ملائكته و أسكنك جنّته فلم عصيته قال آدم عليه السّلام له: أنت موسى الذي اتّخذك اللّه كليما و أنزل عليك التّوراة قال له: نعم قال له: كم من سنة وجدت الذنب قدّر علىّ قبل فعله
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 38
قال: كتب عليك قبل أن تفعله بخمسين ألف عام، قال: يا موسى أ تلومني على أمر قد كتب علىّ فعله قبل أن أفعله بخمسين ألف سنة فان قلت: إذا كانت المعصية مكتوبة عليه مقدّرة في حقه ثابتة في العلم الالهى قبل وجوده، فلا بدّ أن يكون مجبورا فيها غير متمكن من تركها قلت: العلم ليس علّة للمعلوم بل حكاية له و كونها مقدّرة في حقّه لا يستلزم اضطراره إذا لم يكن ذلك قدرا حتما و قضاء لازما، و إلّا لما استحقّ اللّوم و العتاب بقوله: أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ.
و لم ينسبا العصيان إلى أنفسهما و لم يقولا: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ.
فان قلت: كيف لم يكن قدرا حتما و المستفاد من بعض الأخبار أنّ أكلهما منها كانا بمشيّة حتم و إرادة ملزمة، و هو ما رواه في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن عليّ بن معبد عن واصل بن سليمان عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: أمر اللّه و لم يشأ و شاء و لم يأمر، أمر إبليس أن يسجد لآدم عليه السّلام و شاء أن لا يسجد و لو شاء لسجد، و نهى آدم عليه السّلام من أكل الشجرة و شاء أن يأكل منها و لو لم يشأ لم يأكل و عن عليّ بن إبراهيم أيضا عن المختار بن محمّد الهمداني و محمّد بن الحسن عن عبد اللّه بن الحسن العلويّ جميعا عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السّلام قال: إنّ للّه إرادتين و مشيّتين: إرادة حتم، و إرادة عزم، ينهى و هو يشاء و يأمر و هو لا يشاء، أو ما رأيت أنّه نهى آدم و زوجته أن يأكلا من الشجرة و شاء ذلك، و لو لم
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 39
يشأ أن يأكلا لما غلبت شهوتهما مشية اللّه تعالى، و أمر إبراهيم عليه السّلام أن يذبح إسحاق و لم يشأ أن يذبحه و لو شاء لما غلبت مشيّة إبراهيم عليه السّلام مشيّة اللّه«» قلت: ظاهر الخبرين و إن كان يفيد أنّ صدور الأكل منهما إنّما كان عن مشيته الملزمة و أنّه لو لم يشإ الأكل أى شاء عدم الأكل لما امكن لهما الاقدام عليه و إلّا لزم غلبة مشيّتهما مشيّته سبحانه فيلزم منه العجز تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، إلّا أنّه يمكن توجيههما على وجه يطابق الأصول العدليّة و لا ينافيها.
فنقول: أمّا الرّواية الأولى فقد وجّهت بوجوه: الأوّل حملها على التّقيّة لكونها موافقة لأصول الجبريّة«»
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 40
الثاني أن يقال المراد بالمشيّة العلم فالمقصود أنه أمر بشيء و لم يعلم وقوع ذلك الشيء لعدم وقوعه فلا يتعلّق علمه بوقوعه، و شاء يعنى علم وقوع شيء و لم يأمر به لكونه غير مرضيّ له الثالث أن يقال: المراد بمشية الطاعة هداياته و ألطافه الخاصة التي ليست من ضروريات التكليف، و بمشية المعصية خذلانه و عدم فعل تلك الألطاف بالنسبة إليه و شيء منهما لا يوجب جبره على الفعل و الترك و لا ينافي استحقاق الثواب و العقاب الرابع ما قيل: إنّ المراد تهية أسباب فعل العبد بعد إرادة العبد ذلك الفعل الخامس أنه اسناد للفعل إلى العلّة البعيدة، فانّ العبد و قدرته و إرادته لما كانت مخلوقة للّه تعالى فهو جلّ و علا علّة بعيدة لجميع أفعاله السادس أن يقال: إنّ المراد بمشيّته عدم جبره على فعل الطاعة أو ترك المعصية، و بعبارة اخرى سمّى عدم المشية مشية العدم، فمعنى الحديث أنه أمر اللّه بشيء على وجه الاختيار و أرادة على وجه التفويض و الاختيار، و لم يشأ ذلك الشيء مشيّة جبر و لم يرد إرادة قسر، و شاء و لم يأمر يعنى شاء شيئا مشية تكليفيّة و أرادة إرادة تخييرية و لم يأمر به على وجه القسر و لم يرده على وجه الجبر ثمّ أوضح ذلك بقوله: أمر إبليس أن يسجد لآدم عليه السّلام على سبيل الاختيار و أراد منه السجود من غير القسر و الاجبار، و شاء أن لا يسجد بالجبر و القسر و لو شاء لسجد أى لو شاء سجوده لآدم على الجبر و القسر لسجد له، لأنّ الأفعال القسرية لا تخلف عن الفاعل و حيث لم يسجد علم انتفاء المشية القسرية و الارادة الجبرية، و نهى آدم عليه السّلام عن أكل الشجرة على وجه الاختيار و كره منه أكل ثمرتها من غير الالجاء و الاجبار و شاء أن يأكل منها أى شاء أن يكون الأكل أمرا اختياريا و أراد أن لا يكون مجبورا في تركه و في قبول النهى عنه، و لو لم يشأ لم يأكل أى لو لم يشأ أن يكون له اختيار في أكله و كان مجبورا على تركه لم يأكل، لأنّ المجبور على ترك الشيء و مسلوب الاختيار عن فعله لا يقدر على الاتيان به، و حيث أكل علم أنه صاحب القدرة و الاختيار فيه و أنّه تعالى أراد أن يكون فعل العبد
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 41
و تركه بقدرته و اختياره حفظا لنظام التكليف و تحقيقا لمعنى الثواب و العقاب و أمّا الروّاية الثّانية فقد وجّهها الصدوق «ره» بمثل التوجيه السّادس في الرواية السّابقة قال ره في محكيّ كلامه عن كتاب التّوحيد بعد ايراد الرواية: إنّ اللّه تعالى نهى آدم و زوجته عن أن يأكلا من الشجرة و قد علم انهما يأكلان منها لكنه عزّ و جلّ شاء أن لا يحول بينهما و بين الأكل بالجبر و القدرة كما منعهما من الأكل منها بالنهى و الزجر، فهذا معنى مشيته فيهما، و لو شاء عزّ و جلّ منعهما عن الأكل بالجبر ثمّ أكلا منها لكان مشيّتهما قد غلبت مشيّة اللّه كما قال العالم عليه السّلام، تعالى اللّه عن العجز علوّا كبيرا انتهى.
أقول: و ساير الوجوه السّابقة جارية هنا أيضا كما لا يخفى، و لعلّنا نشبع الكلام على هذا المرام عند تحقيق مسألة الجبر و التفويض و الأمر بين الأمرين في مقام مناسب لذلك إنشاء اللّه، هذا.
و قوله عليه السّلام: (فأهبطه بعد التوبة) نصّ صريح في كون التوبة قبل الاهباط و هو المطابق للترتيب الذكرى في آية طه قال تعالى: فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ.
إلّا أنا استظهرنا في التنبيه الأوّل من تنبيهات الفصل الثالث عشر من فصول الخطبة الاولى أنّ الاهباط كان قبل التوبة لدلالة الأخبار الكثيرة على ذلك، و يمكن الجمع بين الأدلّة بحمل ما دلّ على تقدم التوبة على الهبوط على نفس التوبة، و ما دلّ على تأخّرها عنها على قبولها و يقال: بتأخّره عن التوبة، أو حمل ما دلّ على تأخّرها على التوبة الكاملة، و اللّه العالم و كيف كان فانما أهبطه سبحانه (ليعمر أرضه بنسله و ليقيم الحجّة به على عباده) قد مرّ كيفية ابتداء النسل في شرح الفصل الرابع عشر من الخطبة الأولى و أمّا إقامة الحجّة به على عباده فالمراد به كونه خليفة للّه سبحانه في أرضه
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 42
و حجّته على خلقه ممن كان معه من أولاده و من أتى بعده من الذين كانوا على شرعه و قال الشارح المعتزلي: المراد باقامة الحجّة به أنّه إذا كان أبوهم اخرج من الجنّة بخطيئة واحدة فأخلق بها أن لا يدخلها ذو خطايا جمّة، و الأظهر ما قلناه (و لم يخلهم بعد أن قبضه) اللّه سبحانه إليه (مما يؤكّد عليهم حجّة ربوبيّته و يصل بينهم و بين معرفته) أراد أنه لم يخل الخلق بعد قبض آدم اليه من الحجج المؤكّدة لأدلّة ربوبيّته و الموصلة للخلق إلى معرفته، و في الاتيان بلفظ التّاكيد إشارة إلى أنّ أدلّة الرّبوبيّة و آيات القدرة و براهين التّوحيد و شواهد التفريد للخالق تعالى ساطعة قائمة، و آثار الجلال و الجبروت في الأنفس و الآفاق للحقّ سبحانه نيّرة واضحة، و إنما الغرض من بعث الرّسل و إنزال الكتب محض التأكيد و التأييد، و إلّا فالأدلّة العقليّة في مقام الحجيّة كافية وافية.
و قوله: (بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه و متحمّلى و دائع رسالاته قرنا فقرنا) أى أصلحهم و جدّد العهد بهم في كلّ قرن قرن بالحجج الجارية على ألسن الأنبياء و الرّسل، و المودعة في الصحف و الكتب حسبما مرّ توضيحه في شرح الفصل الرّابع عشر من الخطبة الاولى في الرّواية الطويلة لأبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام (حتّى تمّت بنبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حجّته) و أكمل به دينه و ختم به أنبيائه و رسله (و بلغ المقطع عذره و نذره) أى بلغ الغاية و النهاية اعذاره و انذاره، و قيل المراد بالعذر ما بيّن اللّه سبحانه للمكلّفين من الأعذار في عقوبته لهم إن عصوه، و بالنّذر ما أنذرهم به من الحوادث و خوّفهم به، و قد مرّ (و قدّر الأرزاق) في حقّ الخلايق و كتبها في أمّ الكتاب كما قال سبحانه: وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ.
قيل: أى في السّماء تقدير رزقكم أى ما قسّمه لكم مكتوب في اللّوح المحفوظ لأنّه في السّماء (فكثّرها و قلّلها) أى كثّرها في حقّ طائفة و قلّلها في حقّ
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 43
طائفة اخرى على ما يقتضيه الحكمة، أو كثّرها و قلّلها بالنسبة إلى شخص واحد بحسب اختلاف الأزمان و الحالات (و قسّمها على الضّيق و السّعة) لما كان المتبادر من القسمة البسط على التساوي بيّن ما أراده بذكر الضيق و السّعة، و لمّا كان ذلك موهما للجور أردفه بذكر العدل و قال: (فعدل فيها) أى في تلك القسمة ثمّ أشار إلى نكتة العدل و حكمته بقوله (ليبتلى من أراد بميسورها و معسورها و ليختبر بذلك الشكر و الصبر من غنيّها و فقيرها) نشر على ترتيب اللّف على الظاهر و الضمير فيهما راجع إلي الأرزاق و في الاضافة توسّع، و يحتمل عوده إلى الأشخاص المفهوم من المقام أو إلى الدّنيا أو إلى الأرض و لعلّ احداهما أنسب ببعض الضمائر الآتية، و قد مرّ تحقيق معنى اختبار اللّه سبحانه و ابتلائه في شرح الخطبة الثانية و الستين.
و محصّل المراد أنّه سبحانه يبسط الرّزق لمن يشاء من عباده و يقدر له و يجعل بعضهم غنيّا و بعضهم فقيرا و يختبر بذلك الشكر من الأغنياء و الصبر من الفقراء، لاعظام مثوباتهم و إعلاء درجاتهم إن شكروا و قنعوا، و تشديد عقوباتهم و احتطاط مقاماتهم إن كفروا و جزعوا، و يجيء لذلك إنشاء اللّه مزيد توضيح في شرح الخطبة القاصعة (ثمّ قرن بسعتها عقابيل فاقتها) لا يخفى ما في تشبيه الفاقة و هى الفقر و الحاجة أو آثارها بالعقابيل من اللّطف، لكونها مما يقبح في المنظر و تخرج في العضو الذى لا يتيسّر ستره عن النّاس و تشتمل على فوائد خفيّة، و كذلك الفقر و ما يتبعه، و أيضا تكون غالبا بعد التلذّذ و التنعمّ (و بسلامتها طوارق آفاتها) أراد بها متجدّدات المصائب و ما يأتي بغتة من الطروق و هو الاتيان باللّيل (و بفرج أفراجها غصص أتراحها) أراد أنّ التفصّي من همومها مقارن لغصصها، و نشاطها معقّب لهلاكها قال الأعشى:
و لكن أرى الدّهر الذى هو خائن اذا صلحت كفاى عاد فأفسدا
شباب و شيب و افتقار و ثروة
فللّه هذا الدّهر كيف تردّدا
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 44
و قال الحريرىّ:
وقع الشّوائب شيّب و الدّهر بالناس قلّب
إن دان يوما لشخص
ففي غد يتغلّب
فلا تثق بوميض من برقه فهو خلّب
و قال آخر:
استقدر اللّه خيرا و ارضينّ به فبينما العسر إذ دارت مياسير
و بينما المرء في الأحياء مغتبط
إذ صار في الرّمس تعفوه الأعاصير
(و خلق الآجال فأطالها و قصّرها و قدّمها و أخّرها) قال في البحار: الأجل محرّكة مدّة الشيء و غاية الوقت في الموت«» و حلول الدّين، و تعليق الاطالة و التقصير على الأوّل واضح، و أما التقديم و التأخير فيمكن أن يكون باعتبار أنّ لكلّ مدة غاية و حينئذ يرجع التقديم إلى التقصير و الاطالة إلى التأخير، و يكون العطف للتفسير تأكيدا، و يحتمل أن يكون المراد بالتقديم جعل بعض الأعمار سابقا على بعض و تقديم بعض الامم على بعض مثلا، فيكون تاسيسا، و يمكن أن يراد بتقديم الآجال قطع بعض الأعمار لبعض الأسباب كقطع الرّحم مثلا كما ورد في الأخبار و بتأخيرها مدّها لبعض الاسباب فيعود الضمير في قدّمها و أخّرها إلى الأجل بالمعنى الثاني على وجه الاستخدام أو نوع من التجوّز في التعليق كما مرّ (و وصل بالموت أسبابها) الضمير راجع إلى الآجال، و المراد باتّصال أسبابها به على كون الأجل بمعنى مدّة العمر هو اتصال أسباب انقضاء الآجال به، و على المعنى الثاني هو اتصال أسباب نفس الآجال به، و المراد بالأسباب على ذلك هى بعض الأمراض المفضية إلى الموت و نحوها من الأسباب المؤدّية إليه.
(و جعله خالجا لأشطانها) أى جعل الموت جاذبا لحبائل الآجال إليه و أراد بها الأعمار تشبيها لها بالأشطان في الطول و الامتداد، و استعار لفظ الخلج للموت
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 45
باعتبار استلزام الموت لقرب الأجل كما أنّ الجاذب يقرب المجذوب إلى نفسه (و قاطعا لمرائر أقرانها) قال المجلسيّ و لعلّ المراد بمرائر أقران الآجال الأعمار التي يرجى امتدادها لقوّة المزاج أو البنية و نحوها، و اللّه العالم
الترجمة
پس چون بسط فرمود و گسترانيد حقّ سبحانه و تعالى زمين خود را، و اجراء كرد امر خود را اختيار نمود جانب آدم عليه السّلام را اختيار كردنى، يا اين كه برگزيد او را برگزيده شده از ميان خلقان و گردانيد او را أوّل طبيعتى از نوع انسان و ساكن فرمود او را در بهشت خود و وسعت داد در آنجا رزق او را و مقدّم داشت بسوى وى در آنچه نهى كرد او را از آن يعنى أكل از شجره، و اعلام كرد او را كه در اقدام نمودن بر آن فعل متعرّض شدنست بمعصيت او و در خطر افكندن و ضايع ساختن است منزلت و مرتبت او، پس اقدام كرد جناب آدم بر آنچه كه نهى فرموده بود خدا از آن، و موافقت كرد اين موافقت نمودنى با علم سابق حضرت بارى پس فرود آورد او را بزمين بعد از توبه و انابت تا اين كه آباد نمايد زمين خود را با نسل او، و تا اين كه اقامه حجت نمايد با او به بندگان خود، و خالى نگذاشت بندگان خود را بعد از قبض فرمودن روح آدم عليه السّلام از چيزى كه مؤكّد شود حجت پروردگارى او را و وصل كند ميان ايشان و ميان معرفت او بلكه تجديد عهد فرمود با ايشان بحجتها و دليلها بر زبان برگزيدگان از پيغمبران خود و متحملان امانتهاى پيغامهاى خود در قرنى بعد از قرنى. تا اين كه تمام شد بپيغمبر ما كه محمّد بن عبد اللّه صلوات اللّه عليه و آله است حجّة بالغه او، و بنهايت رسيد عذر او در عذاب عاصيان و ترساندن او از آتش سوزان و مقدّر فرمود روزيها را پس بسيار گردانيد آنرا بر بعضى و كم گردانيد آنرا بر بعض آخر، و قسمت كرد آنها را بر تنگى و وسعت، پس عدالت كرد در آن قسمت تا اين كه امتحان نمايد هر كه را بخواهد با آسانى روزى و دشوارى آن و تا اين كه اختيار نمايد با اين شكر و صبر را از توانگر و درويش آن
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 46
پس از آن مقارن ساخت بفراخى روزيها تبخالهاى فقر و فاقه آن، و بسلامتيهاى آن مصيبتهاى ناگهان آنرا، و بگشادگيهاى شاديهاى آن غصّهاى هلاكتهاى آنرا و خلق كرد اجلها را پس دراز نمود آنرا و كوتاه گردانيد و مقدّم فرمود بعض آنرا و تأخير انداخت بعض ديگر را و چشانيد بمرگ اسباب اجلها را، و گردانيد مرگ را كشنده ريسمانهاى اجلها و برنده ريسمانهاى محكم پرتاب آنها
الفصل الثامن
عالم السّرّ من ضمائر المضمرين، و نجوى المتخافتين، و خواطر رجم الظنون، و عقد عزيمات اليقين، و مسارق إيماض الجفون، و ما ضمنته أكنان القلوب، و غيابات الغيوب، و ما أصغت لاستراقه مصائخ الأسماع، و مصائف الذّرّ، و مشاتى الهوامّ، و رجع الحنين من المولهات و همس الأقدام، و منفسح الثمرة من و لائج غلف الأكمام، و منقمع الوحوش من غيران الجبال و أوديتها، و مختبئ البعوض بين سوق الأشجار و ألحيتها، و مغرز الأوراق من الأفنان، و محطّ الأمشاج من مسارب الأصلاب، و ناشئة الغيوم و متلاحمها، و درور قطر السّحاب في متراكمها، و ما تسفى الأعاصير بذيولها، و تعفو الأمطار بسيولها، و عوم نبات الأرض في كثبان الرّمال، و مستقرّ ذوات الأجنحة بذرى شناخيب الجبال، و تغريد ذوات المنطق في دياجير الأوكار، و ما أوعته الأصداف و حضنت عليه أمواج البحار،
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 47
و ما غشيته سدفة ليل أو ذرّ عليه شارق نهار، و ما اعتقبت عليه أطباق الدّياجير و سبّحات النّور، و أثر كلّ خطوة، و حسّ كلّ حركة، و رجع كلّ كلمة، و تحريك كلّ شفة، و مستقرّ كلّ نسمة، و مثقال كلّ ذرّة، و هماهم كلّ نفس هامّة، و ما عليها من ثمر شجرة، أو ساقط ورقة، أو قرارة نطفة، أو نقاعة دم و مضغة، أو ناشئة خلق و سلالة، لم يلحقه في ذلك كلفة، و لا اعترضته في حفظ ما ابتدعه من خلقه عارضة، و لا اعتورته في تنفيذ الأمور و تدابير المخلوقين ملالة و لا فترة، بل نفذ فيهم علمه، و أحصيهم عدّه، و وسعهم عدله، و غمرهم فضله، مع تقصيرهم عن كنه ما هو أهله. أللّهمّ أنت أهل الوصف الجميل، و التّعداد الكثير، إن تؤمل فخير مأمول، و إن ترج فأكرم مرجوّ، ألّلهمّ و قد بسطت لي فيما لا أمدح به غيرك، و لا أثني به على أحد سواك، و لا أوجّهه إلى معادن الخيبة، و مواضع الرّيبة، و عدلت بلساني عن مدائح الآدميّين، و الثّنآء على المربوبين المخلوقين، ألّلهمّ و لكلّ مثن على من أثنى عليه مثوبة من جزاء، أو عارفة من عطاء، و قد رجوتك دليلا على ذخائر الرّحمة، و كنوز المغفرة.
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 48
ألّلهمّ و هذا مقام من أفردك بالتّوحيد الّذي هو لك، و لم ير مستحقّا لهذه المحامد و الممادح غيرك، و بي فاقة إليك، لا يجبر مسكنتها إلّا فضلك، و لا ينعش من خلّتها إلّا منّك وجودك، فهب لنا فى هذا المقام رضاك، و أغننا عن مدّ الأيدي إلى سواك، إنّك على كلّ شيء قدير.
اللغة
(السر) هو ما يكتم و هو خلاف الاعلان و (ضمير) الانسان قلبه و باطنه و الجمع ضمائر على التشبيه بسريرة و سرائر لأنّ باب فعيل إذا كان اسما لمذكر يجمع كجمع رغيف و أرغفة و رغفان قاله الفيومى، و في القاموس الضمير السّر و داخل الخاطر و (النجوى) اسم مصدر بمعنى المسارة من انتجى القوم و تناجوا تسارّوا و (التخافت) كالاخفات خلاف الجهر قال الشّاعر:
أخاطب جهرا إذ لهنّ تخافت و شتّان بين الجهر و المنطق الخفت
و (الخاطر) ما يخطر في القلب من تدبير أمر و نحوه و (العقد) جمع عقده بالضمّ و عقدة كلّ شيء الموضع الذي عقد منه و احكم و (أومضت) المرأة إذا سارقت النظر و أومض البرق إذا لمع لمعا خفيفا و أومض فلان أشار اشارة خفية و (الاكنان) و الاكنّة جمع الكنّ و هو اسم لكلّ ما يستتر فيه الانسان لدفع الحرّ و البرد من الأبنية و نحوها و ستر كلّ شيء و وقائه قال تعالى: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً.
قال الشّارح المعتزلي: و يروى أكنة القلوب و هى غلقها و اغطيتها قال تعالى وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ.
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 49
و (غيابة) البئر قعره قال تعالى: وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ.
و غيابة كلّ شيء ما يسترك منه و (استراق) السّمع الاستماع في خفيّة قال تعالى: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ.
و (الذّر) جمع ذرّة و هى صغار النّمل و (الهوام) جمع الهامّة و هو كلّ ذات سمّ يقتل كبعض الحيّات و ما لا يقتل فهو السّامة كالزنبور و قد يطلق الهوام على ما يدبّ من الحيوان كالحشرات و (منفسح) الثمرة بالنون و الحاء المهملة من باب الانفعال موضع انفساحها، و يروى متفسخ الثمرة بالتاء و السّين المشدّدة و الخاء المعجمة من باب التّفعل يقال: تفسّخ الشعر عن الجلد زال و (الولايج) المواضع السّاترة جمع و ليجة و هي كالكهف يستتر فيه المارّة من مطر أو غيره و يقال: أيضا في جمعه و لج و اولاج و (الغلف) بضمّة أو ضمّتين جمع غلاف ككتاب و يوجد في النّسخ على الوجهين و (الاكمام) جمع الكمّ بالكسر و هو وعاء الطلع و غطاء النّور و يجمع أيضا على الأكمة و كمام.
و (منقمع) الوحوش من باب الانفعال محلّ الانقماع و الاختفاء، و في بعض النسخ من باب التفعّل بمعناه و (الغيران) جمع غار و هو ما ينحت في الجبل شبه المغارة فاذا اتّسع قيل كهف، و قيل: الغار الجحر يأوى إليه الوحش أو كلّ مطمئنّ في الأرض أو المنخفض من الجبل و (الالحية) جمع اللّحاء ككساء و هي قشر الشجر و (الامشاج) قيل: مفرد و قيل جمع مشج بالفتح أو بالتحريك أو مشيج وزان يتيم و أيتام أى المختلط و (المسارب) المواضع الذي يتسرّب فيها المني أى يسيل أو يختفى من قولهم تسرب الوحش إذا دخل في سربه أى جحره و اختفى او مجاري المنى من السرب بمعنى الطريق، و تفسيرها بالاخلاط التي بتولّد منها المني كما احتمله الشّارح البحرانى بعيد (في متراكمها) في بعض النسخ و متراكمها بالواو
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 50
و (الأعاصير) جمع الأعصار و هو بالكسر الريح التي تهب صاعدا من الأرض نحو السّماء كالعمود و قيل: التي فيها نار و قيل: التي فيها العصار و هو الغبار الشديد و (العوم) السباحة و سير السّفينة و (بنات الأرض) بتقديم الباء على النون على ما في أكثر النسخ و في بعضها بالعكس و (ذرى) جمع ذروة بالكسر و الضمّ (و غرد) الطائر كفرح و غرّد تغريدا رفع صوته و طرب به و (الحضن) بالكسر ما دون الابط إلى الكشح أو الصدر و العضدان و ما بينهما، و حضن الصبيّ من باب نصر جعله في حضنه.
و (ذرت) الشمس تذر و ذروا أى طلعت و شرقت و (شرقت) الشمس و أشرقت أى أضاءت و (التّعداد) بالفتح مصدر للمبالغة و التكثير و قال الكوفيون أصله التفعيل الذي يفيد المبالغة قلبت ياؤه الفا و بالكسر شاذّ و (المحامد) جمع المحمدة بفتح العين و كسرها يقال: حمده كسمعه حمدا و محمدا و محمدا و محمدة و محمدة أثنا عليه
الاعراب
عالم السّر خبر لمبتدأ محذوف بدلالة المقام، و كلمة من في قوله: من ضماير المضمرين بيانية إن كان الضمير بمعنى السرّ و هو الأظهر و بمعنى في على حدّ قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ.
ان كان بمعنى القلب، و نجوى المتخافتين على كون من بيانيّة عطف على الضّماير، و على كونها بمعنى في يكون عطفا على السّر و الأوّل أظهر لأنّ نجوى المتخافتين و ما يتلوه من المعطوفات كلّها من قبيل الاسرار، و قوله: من ولايج غلف الاكمام حرف من بيانيّة أو تبعيضية على رواية منفسح بالنون و الحاء المهملة وصلة أو بيانية على روايته بالتاء و الخاء المعجمة، و إضافة الغلف إلى الاكمام من قبيل إضافة العام إلى الخاص لإفادة الاختصاص إذ كلّ كمّ غلاف دون العكس، و جملة لم يلحقه إما حال من فأعل عالم السرّ المصدر به الفصل أو استيناف بيانيّ و الثّاني أظهر
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 51
و قوله: فخير مأمول خبر لمبتدأ محذوف، و قوله: بسطت لى فيما لا أمدح كلمة في إما زائدة أو للظرفيّة المجازية، و مفعول بسطت محذوف أى بسطت لي القدرة أو اللّسان أو الكلام فيما لا أمدح، و الباء في قوله: عدلت بلساني للتعدية، و دليلا منصوب إمّا على الحال من مفعول رجوتك أو مفعول له، و من في قوله: من خلّتها زائدة، و الفاء في قوله: فهب لنا فصيحة
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام لما ذكر في الفصول السّابقة عجائب قدرته تعالى و بدايع صنعته و دلائل حكمته و براهين عظمته أردفها بهذا الفصل للتنبيه على عموم علمه سبحانه بجزئيات الامور و خفايا الأسرار، و قد مضى بعض الكلام في هذا المعنى في الخطبة الخامسة و الثمانين و الخطبة التاسعة و الأربعين، و مرّ تحقيق عموم علمه بجميع الأشياء في تنبيه الفصل السّابع من فصول الخطبة الاولى، إلّا أنّ هذا الفصل قد تضمن ما لم يتضمنه الخطب السابقة، فانّ فيه مع جزالة اللّفظ و عظم خطر المعنى و فصاحة العبارة و غزارة«» الفحوى الاشارة إلى أصناف خلقه و أنواع بريّته و عجائب ربوبيته، و قد أحصا عليه السّلام فيه من خفيّات المخلوقات و خبيّات الموجودات و مكنونات المصنوعات مالا يوجد في كلام غيره بل لا يقدر عليه«» سواه، تنبيها بذلك على برهان علمه تعالى بها، لأنّ خلقه لها و حفظه و تربيته لكلّ منها و إظهار بدايع الحكمة في كلّ صفة من أوصافها و حال من أحوالها لا يتعقّل إلّا ممّن هو عالم بها مدرك لحقايقها، كما قال عزّ من قائل: أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.
قال الشّارح المعتزلي و لنعم ما قال: لو سمع أرسطاطالس القائل بأنه تعالى لا يعلم الجزئيات هذا الكلام له عليه السّلام لخشع قلبه وقفّ شعره و اضطرب فكره، ألا ترى ما عليه من الرّوا و المهابة و العظمة و الفخامة و المتانة و الجزالة مع ما قد اشرب
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 52
من الحلاوة و الطلاوة و اللطف و السلاسة، لا أرى كلاما يشبه هذا إلا أن يكون كلام الخالق سبحانه، فانّ هذا الكلام نبعة من تلك الشجرة، و جدول من ذلك البحر، و جذوة من تلك النار كأنّه شرح قوله تعالى: وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.
فلنعد إلى شرح كلامه عليه السّلام لعجز اللسان و قصور البيان عن احصاء فضائله و استقصاء خصائصه فأقول قوله: (عالم السّر من ضمائر المضمرين) أراد به أنه خبير بمكتوبات السرائر و محيط بمكنونات الضمائر، لا يعزب عن علمه شيء منها كما قال عزّ من قائل: وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى.
(و نجوى المتخافتين) أى مسارة الذين يسرّون المنطق كما قال تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ.
(و خواطر رجم الظنون) يعنى ما يخطر بالقلب ممّا يسبق إليه الظّنون من غير برهان (و عقد عزيمات اليقين) أى محكمات العقائد الناشئة عن اليقين التي عقد عليها القلب و اطمأنّ إليها النّفس (و مسارق ايماض الجفون) يعنى خفيات«» إشارة الجفون، أو المراد بالجفون العيون مجازا و بالمسارق النظرات الخفية التي للعيون كانّها تسرق النظر لاخفائها فيكون المقصود علمه بالنّظرات الخفيّة للعيون حين تومض أى تلمع لمعا خفيفا يبرز لمعانها تارة و يختفى اخرى عند فتح
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 53
الجفون و طبقها كوميض البرق (و ما ضمنته اكنان القلوب) أى أستارها و أغطيتها (و غيابات الغيوب) أى ستراتها و حجاباتها المانعة من ادراك ما فيها (و ما أصغت لاستراقه مصائخ الاسماع) يعنى تسمعت و مالت إلى استماعه خفية مخارق الاسماع التي تسمع و تصاخ بها (و مصائف الذرّ و مشاتي الهوام) يعنى المواضع التي يصيف فيها أى يقيم بالصّيف صغار النمل و المواضع التي تشتو فيها أى تأوى بالشتاء حشرات الأرض (و رجع الحنين من المولهات) أراد به ترجيع الصوت و ترديد شدة البكاء من النوق و كلّ انثى حيل بينها و بين أولادها (و همس الأقدام) أخفى ما يكون من صوتها (و منفسح الثمرة من ولايج غلف الأكمام) أى موضع نموّها أو محلّ انقطاعها من بطانة الأكمام و المواضع المستترة منها (و منقمع الوحوش) محلّ اختفائها (من غير ان الجبال) و أغوارها أى جحراتها التي تأوى إليها الوحش (و أوديتها) الضمير راجع إلى الجبال و في الاضافة توسع (و مختبئى البعوض) موضع اختفاء البق (بين سوق الأشجار و ألحيتها) أى بين جذعها و قشرها (و مغرز الأوراق من الأفنان) محلّ و صلها من الاغصان (و محط الامشاج من مسارب الأصلاب) اى انحدار الاخلاط أو محلّ انحدارها«» من مجارى الأصلاب و مسيلها أو مخفاها قيل في قوله تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ.
أى أخلاط من الطبايع من الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة، و قيل: من الأجزاء المختلفة في الاستعداد، و قيل: أمشاج أى أطوار طورا نطفة و طورا علقة و هكذا، و قيل: أى أخلاط من ماء الرجل و ماء المرأة و كلّ منهما مختلفة الاجزاء في الرقة و القوام و الخواص و لذلك يصير كلّ جزء منهما مادّة عضو و قيل: ألوان فانّ ماء الرّجل أبيض و ماء المرأة أصفر فاذا اختلطا اخضّرا، و كلامه عليه السّلام
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 54
يؤيد بعض الوجوه كما لا يخفى فيكون محطّ الأمشاج مقرّ النطفة من الرّحم أو من الأصلاب على بعض الوجوه في المسارب فافهم (و ناشئة الغيوم و متلاحمها) أراد أوّل ما ينشأ منها و لم يتكامل اجتماعها و ما يلتصق بعضها ببعض و يلتحم (و درور قطر السحاب في متراكمها) أى سيلان المطر في متكاثف السّحاب و مجتمعها (و ما تسفى الأعاصير) أى تذروه و تثيره من التراب و نحوه (بذيولها) بأطرافها التي تجرّها على الأرض و لطف الاستعارة ظاهر (و تعفو الأمطار بسيولها) اى تمحوه و تدرسه من الآثار بمائها الكثير السّائل (و عوم بنات الأرض في كثبان الرّمال) أراد عليه السّلام ببنات الأرض الحشرات و الهوام التي تكون في تلال الرّمال و تنشأ فيها، استعار لحركتها فيها لفظ العوم الذي هو السّباحة فى الماء بمشابهة عدم استقرارها أو غوصها فيها، و على ما في بعض النسخ من تقديم النون فلفظ العوم استعارة لحركة عروق النباتات فيها كأرجل السّابحين و أيديهم في الماء (و مستقرّ ذوات الأجنحة من الطيور بذرى شناخيب الجبال) و أعالى رؤوسها (و تغريد ذوات المنطق) أى تطريب صاحبات النطق من الأطيار و رفع أصواتها بالغناء (في دياجير الأوكار) و ظلماتها (و ما أوعته الأصداف) أى حفظته و جمعته من اللّئالي (و حضنت عليه أمواج البحار) من السمك و العنبر و غيرهما، استعار لفظ الحضن للأمواج في انطباقها بملاحظة شبهها و بالحواضن في ضمّ فرخها و بيضها إلى حضنها (و ما غشيته) و غطته (سدفة ليل) و ظلمتها (أو ذرّ عليه شارق نهار) أى طلع عليه الشّمس المضيئة بالنهار (و ما اعتقبت) و تعاقبت (عليه أطباق الدياجير) و أغطية الظلم (و سبحات النور) أى ما يجرى و يسبح عليه النور من سبح الفرس و هو جريه، و المراد بما تعاقب عليه النور و الظلمة ما تغطيه ظلمة بعد نور و نور بعد ظلمة، و يحتمل أن يراد تعاقب أفراد كلّ منهما (و أثر كلّ خطوة) أى علامة كلّ مشية تبقى فى الأرض (و حسّ كلّ حركة) و صوتها الخفى (و رجع كلّ كلمة) أراد به ما ترجع به من
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 55
الكلام إلى نفسك و تردّده في فكرك، أو جواب الكلمة أو ترديد الصوت و ترجيعه عند التلفظ بالكلمة أو إرجاع النفس للتلفظ بكلمة بعد الوقف على كلمة.
(و تحريك كلّ شفة و مستقر كلّ نسمة) أى كلّ انسان أو كلّ دابة فيها روح، و مستقرّها إما الصّلب أو الرّحم أو القبر أو مكانه في الدّنيا أو في الآخرة أو الأعم (و مثقال كلّ ذرّة) يعني وزنها لا المثقال المعروف كما قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
(و هما هم كلّ نفس هامة) أراد عليه السّلام ترديدات الصّوت في الحلق أو تردّداته في الصدر من الهم و الحزن من كلّ نفس ذات همة تعزم على أمر (و ما عليها) أى على الأرض المفهومة بقرينة المقام و إن لم يسبق لها ذكر في الكلام على حدّ قوله تعالى: كلّ من عليها فان (من ثمرة شجرة أو ساقط ورقة أو قرارة نطفة) مستقرّها (أو نقاعة دم) أى نقرة يجتمع فيها الدّم (و مضغة) قطعة لحم بقدر ما يمضغ (أو ناشئة خلق) أى الصّورة ينشئها سبحانه في البدن أو الرّوح التي ينفخها فيه (و سلالة) و هي في الأصل ما استلّ و استخرج من شيء و سمّي الولد و نطفة الانسان سلالة باعتبار أنّهما استلا منه، و في هذه الفقرات إشارة إلى قوله تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ.
ثمّ إنّه بعد بيان عموم علمه بالمخلوقات على اختلاف أنواعها و أصنافها نبّه على تنزّهه سبحانه في ذلك عن صفات البشر فقال (لم يلحقه في ذلك) أى في علمه بالجزئيات المذكورة أو في خلقه لها على اختلاف موادّها و ماهيّاتها و خواصّها و حالاتها (كلفة) و مشقّة (و لا اعترضته) و منعته (في حفظ ما ابتدع من خلقه
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 56
عارضة) أى حالة أو خصلة مانعة عن الحفظ (و لا اعتورته) قيل أحاطت به (في تنفيذ الامور) و إمضائها (و تدابير المخلوقين) و إجراء امورهم على وفق المصلحة و العلم بالعواقب (ملالة) و ضجر (و لا فترة) أى كسر بعد حدّة و لين بعد شدّة (بل نفذ فيهم علمه) و أحاط بطواهرهم و بواطنهم لا يعزب عنه شيء منهم (و أحصاهم عدّه) و في بعض النسخ عدوه (و وسعهم عدله و غمرهم) أى غطاهم و شملهم و سترهم (فضله) و نواله (مع تقصيرهم عن كنه ما هو أهله) و حقيقة ما هو مستحقه من الثناء الجميل و الوصف على جهة التعظيم و التبجيل، و أن يعبد حقّ العبادة، و يعرف حقّ المعرفة و فيه تنبيه على حقارة ثنائهم و عبادتهم في جنب جلاله و عظمته و استحقاقه لما هو أهله ليدوم شكرهم و ثنائهم و لا يستكثروا شيئا من طاعاتهم و عباداتهم، ثمّ إنه لما حمد اللّه و أثنا عليه و وصفه بأوصاف الكمال و نعوت الكبرياء و الجلال أردفه بالدّعاء و السؤال و التضرّع و الابتهال فقال: (اللهمّ أنت أهل الوصف الجميل) دون غيرك لاتّصافك بالصّفات الحسنى و الأمثال العليا (و التعداد الكثير) من النعم و الآلاء و المنن و العطايا (إن تؤمل) للكرم و الامتنان (ف) أنت (خير مأمول و إن ترج) للرحمة و الغفران (ف) أنت (أكرم مرجوّ) لأنّ كرمك لا يضيق عن سؤال أحد و يدك بالعطاء أعلى من كلّ يد (اللّهمّ و قد بسطت لي) القدرة (فيما) كناية عن بلاغة الكلام و فصاحة البيان و عذوبة اللّسان (لا أمدح به غيرك و لا اثنى به على أحد سواك) لاختصاصك بالفضل و الكمال و تفرّدك بالعظمة و الجلال (و لا اوجّهه) أى لا أصرف ما أعطيتنى من الفصاحة و البلاغة في الحمد و المدح (إلى معادن الخيبة و مواضع الريبة) يعنى أني اقصر حمدى و ثنائى عليك و لا أصرفه إلى أحد غيرك من المخلوقين علما منّي بأنّهم معادن الخيبة و مظانّ الحرمان، لأنّ عطاياهم قليلة فانية، مع أنّهم لا يعطون غالبا فان اعطوا قلّوا و إن لم يعطوا ملّوا، و عرفانا منّى بأنهم مواضع الرّيبة و التهمة لعدم الاعتماد على إعطائهم و عدم الوثوق بمواعيدهم، لكونهم عاجزين
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 57
محتاجين مفتقرين مثل السّائلين عنهم، فمن توجّه بحاجة إليهم و أناخ مطايا الرجاء في بابهم فقد تعرّض للحرمان و استحقّ فوت الاحسان اللهمّ (و) قد (عدلت بلسانى عن مدايح الآدميين) إلى مدائحك (و الثناء على المربوبين المخلوقين) إلى الثناء عليك (اللّهم و لكلّ مثن) و مادح (على من) مدحه و (أثنا عليه مثوبة من جزاء) مكافاة على ثنائه (أو عارفة من عطاء) مقابلة لمدحه (و قد رجوتك) و قصرت رجائى عليك لكونك (دليلا على ذخائر الرحمة) موصلا إلى أسبابها بالتوفيق و التأييد و العناية و المراد بها عظايم العطايا المذخورة ليوم الحاجة و المعدّة لحال الفاقة (و) أملتك هاديا إلى (كنوز المغفرة) أراد بها خزاين الغفران و معادن الاحسان و كونه سبحانه هاديا و دليلا عليهما باعتبار أنه بيده مفاتيح الكرم و الجود و هو وليّ الرّحمة و المغفرة لكلّ موجد موجود (اللّهمّ و هذا) المقام الذى أنا فيه مشغول بتعظيمك و توحيدك و خطيب بمحاسن محامدك (مقام من أفردك بالتوحيد الذي هولك) و التمجيد الذى هو مختصّ بك (و لم ير مستحقّا لهذه المحامد و الممادح غيرك) لانحصار أوصاف الجمال و نعوت الكمال التي بها يستحقّ الحمد و الثناء فيك (و بي) فقر و (فاقة إليك) و هي الحاجة إلى كرمه و إحسانه و رحمته و غفرانه و مرضاته و رضوانه مما لا ينجحها أحد من المخلوقين و لا يقدر على رفعها إلّا ربّ العالمين و لذلك قصره عليه و قال: (لا يجبر مسكنتها إلّا فضلك و لا ينعش من خلّتها إلّا منّك وجودك) أى لا يصلح ذلّ تلك الفاقة و سوء حالها إلّا فضلك و لا يرفع خصاصتها إلّا منك (فهب لنا في هذا المقام رضاك، و أغننا عن مدّ الأيدي إلى سواك، إنّك على كلّ شيء قدير) و بالاجابة حقيق جدير.
قال الشارح المسكين: و أنا أتأسّى في هذا المقام بجدّي أمير المؤمنين و سيد الوصيّين، و أتوسّل به إلى حضرة ذي الجلال، و اناديه بلسان التضرّع و الابتهال، و أقول:
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 58
يا ربّي و ربّ كلّ شيء قد كثرت ذنوبي، و جمّت خطيئتي، و أوقرت الخطايا ظهري، و أنت الغفور الرّحيم، العزيز الكريم، و كثير ما أسألك يسير في وجدك و خطير ما أستوهبك حقير في وسعك، فاجعل ما أوضحته فى شرح هذه الخطبة الشريفة من دلائل توحيدك، و براهين تفريدك، و كشفت الغطاء عنه من شواهد ربوبيّتك، و أدلّة قدرتك، و أسرار تدبيرك و حكمتك، ذخيرة مأمولة ليوم فقري و فاقتي، و عدّة مرجوّة لحال مسكنتي و حاجتي، و ممحاة لكباير سيأتي، و وسيلة لارتفاع درجتي، و لا تقطع رجائي منك، و لا تبت سببى عنك، و تفضّل علىّ باتمام شرح الكتاب بمحمّد و آله الأطياب، إنّك أنت المفضّل الوهّاب.
الترجمة
خداوند تعالى عالم راز و سرّ است از ضميرهاى صاحبان ضمير، و از نجواى راز گويندگان، و از خاطرهاى انداخته شده ظن و گمان، يعني خاطرهائى كه سبقت نمايد بسوى أن ظنّها، و از آنچه منعقد مىشود در قلب از عزيمتهاى يقين، و از نظرهاى خفيه چشمها در وقت نگريستن، و از آنچه كه در بر گرفته است او را پردهاى قلبها و حجابهاى غيبها، و از آنچه كه گوش داده است از براى نهان شنيدن آن مواضع سوراخ گوشها، و از جايهاى تابستاني موران و از جاىهاى زمستانى جنبندگان، و از باز گردانيدن آواز آه و ناله از مادران جدا شده از فرزندان و از صوت نهان قدمها و از جاى روئيدن ميوه از مداخل و بواطن غلافهائى كه در آن ميوه مخلوق مىشود، و از محل اختفاء وحشها از غارهاى كوهها، و از رودخانهاى آنها، و از موضع پنهان شدن پشّها در ميان ساقهاى درختان و پوستهاى آنها، و از مكان رستن برگها از شاخها و از محلّ فرود آمدن اخلاط نطفه از مجاري صلبها، و از تازه بر آمده ابرها و بهم پيوسته آنها، و از ريزان شدن قطرها از أبرها و بهم بر نشسته آنها، و از آنچه كه مىپاشد آنرا گردبادها بدامنهاى خود، و محو مىكند آنرا بارانها بسيلهاى خود، و از فرو رفتن و سير نمودن حشرات الأرض در تلّهاى ريگها، و از محل استقرار صاحبان بالها ببلندىهاى سرهاى كوهها،
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 59
و از آواز گردانيدن بنغمات و سرود صاحبان نطق از مرغان در تاريكىهاى آشيانها و از آنچه كه حفظ نموده است آنرا صدفها، يعنى از لؤلؤ و مرواريد، و دايگى نموده است آنرا موجهاى درياها يعنى از عنبر و ماهى، و از آنچه كه پوشيده آنرا تاريكى شب يا طلوع نموده بر آن روشنى دهنده روز، و از آنچه كه پى در پى مىآيد بر او طبقهاى ظلمتها و مجارى نور، و از علامت هركام، و از حسّ و حركت هر جسمى از اجسام، و از باز گردانيدن جواب هر كلمه، و از حركت دادن هر لب، و از قرارگاه هر آفريده، و از مقدار هر ذرّه، و از آوازهاى پنهان هر نفس صاحب همّت، و از آنچه كه بر زمين است از ميوه درختى يا از افتاده برگى يا از آرام گرفتن نطفه يا نقاعه كه محلّ اجتماع خونست و مضغه، يا صورتى كه آفريده شده در بدن و نطفه كه بيرون كشيده شده از پشت حيوان.
نرسيده است بذات بارى تعالى در اين چيزها كه آفريده مشقتى، و عارض نشده است او را در حفظ آنچه كه ايجاد فرموده از مخلوقات عارضه، و احاطه نكرده او را در اجراء امورات و تدبير مخلوقات ملالت و كدورتي، و نه ضعف و فتورى، بلكه نافذ شده در ايشان علم او، و بشماره در آورده ايشان را شمردن او، و فرا گرفته است ايشان را عدالت او، و پوشيده گناهان ايشان را فضل او با وجود تقصير كردن ايشان از پايان رسانيدن آنچه كه خداوند سبحانه سزاوار او است از مراتب معرفت و عبادت.
بار پروردگارا توئى سزاوار اوصاف حسنه بىشمار و اهل شمار نمودن شمارههاى بسيار اگر اميد گرفته شوى تو، پس تو بهترين اميد داشته شدهائى، و اگر رجا بتو باشد پس تو گرامىترين رجا داشته شدگانى بار خدايا و بتحقيق كه گسترانيدى از براى من قدرت را در آنچه كه مدح نميكنم با او غير تو را، و ثنا نميكنم با او بر أحدى غير از تو، و متوجّه نميكنم مدح و ثناء خود را بسوى مخلوقين كه معدنهاى نوميدى و محلهاى تهمت مىباشند و باز داشته زبان مرا از مدحهاى آدميان و ثنا گفتن بر مخلوقان كه تربيت يافته
منهاجالبراعةفيشرحنهجالبلاغة(الخوئي)، ج 7 ، صفحهى 60
نعمت تو اند.
بار خدايا هر ثنا كننده را بر كسى كه در حقّ او ثنا گفته ثوابى هست از پاداش آن يا خوبى از عطا كردن، و بتحقيق كه اميد گرفتم بتو از جهت اين كه تو رهنمائى بر ذخيرهاى بخشش، و خزانهاى مغفرت و آمرزش بار خدايا اين مقامى كه مشغول هستم بذكر حمد و ثناى تو مقام كسيست كه منحصر دانست تو را بيگانگى كه اختصاص دارد بتو، و نديد كسى را كه مستحق باشد مر اين ستايشها و ثناها را غير از ذات تو، و مراست حاجتى بسوى تو كه جبر و اصلاح نمىكند ذلّت آنرا مگر فضل تو، و بر نمىدارد فقر وفاقت آنرا مگر عطا وجود تو پس ببخش ما را در اين مقام رضا و خشنودى خود را، و مستغنى كن ما را از دراز نمودن دستها بسوى غير تو، بدرستى كه تو بر آن چه مىخواهى صاحب قدرت مىباشى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»