خطبه 214 صبحی صالح
214- و من خطبة له ( عليه السلام ) يصف جوهر الرسول، و يصف العلماء، و يعظ بالتقوى
وَ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ عَدَلَ وَ حَكَمٌ فَصَلَ
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ سَيِّدُ عِبَادِهِ كُلَّمَا نَسَخَ اللَّهُ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا
لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ وَ لَا ضَرَبَ فِيهِ فَاجِرٌ
أَلَا وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ لِلْخَيْرِ أَهْلًا وَ لِلْحَقِّ دَعَائِمَ وَ لِلطَّاعَةِ عِصَماً وَ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ كُلِّ طَاعَةٍ عَوْناً مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ يَقُولُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ وَ يُثَبِّتُ الْأَفْئِدَةَ فِيهِ كِفَاءٌ لِمُكْتَفٍ وَ شِفَاءٌ لِمُشْتَفٍ
صفة العلماء
وَ اعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُسْتَحْفَظِينَ عِلْمَهُ يَصُونُونَ مَصُونَهُ وَ يُفَجِّرُونَ عُيُونَهُ يَتَوَاصَلُونَ بِالْوِلَايَةِ وَ يَتَلَاقَوْنَ بِالْمَحَبَّةِ وَ يَتَسَاقَوْنَ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ وَ يَصْدُرُونَ بِرِيَّةٍ
لَا تَشُوبُهُمُ الرِّيبَةُ وَ لَا تُسْرِعُ فِيهِمُ الْغِيبَةُ عَلَى ذَلِكَ عَقَدَ خَلْقَهُمْ وَ أَخْلَاقَهُمْ فَعَلَيْهِ يَتَحَابُّونَ وَ بِهِ يَتَوَاصَلُونَ فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ الْبَذْرِ يُنْتَقَى فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَ يُلْقَى قَدْ مَيَّزَهُ التَّخْلِيصُ وَ هَذَّبَهُ التَّمْحِيصُ
العظة بالتقوى
فَلْيَقْبَلِ امْرُؤٌ كَرَامَةً بِقَبُولِهَا وَ لْيَحْذَرْ قَارِعَةً قَبْلَ حُلُولِهَا وَ لْيَنْظُرِ امْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ وَ قَلِيلِ مُقَامِهِ فِي مَنْزِلٍ حَتَّى يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلًا فَلْيَصْنَعْ لِمُتَحَوَّلِهِ وَ مَعَارِفِ مُنْتَقَلِهِ فَطُوبَى لِذِي قَلْبٍ سَلِيمٍ أَطَاعَ مَنْ يَهْدِيهِ وَ تَجَنَّبَ مَنْ يُرْدِيهِ وَ أَصَابَ سَبِيلَ السَّلَامَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ
وَ طَاعَةِ هَادٍ أَمَرَهُ وَ بَادَرَ الْهُدَى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ وَ تُقْطَعَ أَسْبَابُهُ وَ اسْتَفْتَحَ التَّوْبَةَ وَ أَمَاطَ الْحَوْبَةَ
فَقَدْ أُقِيمَ عَلَى الطَّرِيقِ وَ هُدِيَ نَهْجَ السَّبِيلِ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج14
و من خطبة له عليه السلام و هى المأتان و الثالثة عشر من المختار فى باب الخطب
و أشهد أنه عدل عدل، و حكم فصل، و أشهد أن محمدا عبده و سيد عباده، كلما نسخ الله الخلق فرقتين جعله في خيرهما، لم يسهم فيه عاهر، و لا ضرب فيه فاجر. ألا و إن الله قد جعل للخير أهلا، و للحق دعائم، و للطاعة عصما، و إن لكم عند كل طاعة عونا من الله يقول على الألسنة، و يثبت الأفئدة، فيه كفاء لمكتف، و شفاء لمشتف. و اعلموا أن عباد الله المستحفظين علمه، يصونون مصونه، و يفجرون عيونه، يتواصلون بالولاية، و يتلاقون بالمحبة، و يتساقون بكأس روية، و يصدرون برية، لا تشوبهم الريبة، و لا تسرع فيهم الغيبة، على ذلك عقد خلقهم و أخلاقهم، فعليه يتحابون، و به يتواصلون، فكانوا كتفاضل البذر ينتقى، فيؤخذ منه و يلقى، قد ميزه التلخيص، و هذبه التمحيص، فليقبل امرء كرامة بقبولها، و ليحذر قارعة قبل حلولها، و لينظر امرء في قصير أيامه، و قليل مقامه، في منزل حتى يستبدل به منزلا، فليصنع لمتحوله، و معارف منتقله، فطوبى لذي قلب سليم أطاع من يهديه، و تجنب من يرديه، و أصاب سبيل السلامة بنصر من بصره، و طاعة هاد أمره، و بادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه، و تقطع أسبابه، و استفتح التوبة، و أماط الحوبة، فقد أقيم على الطريق، و هدي نهج السبيل.
اللغة
(نسخت) الكتاب نسخا من باب منع نقلته و انتسخته كذلك، و نسخت الشمس الظل أى أزالته قال ابن فارس: و كل شيء خلف شيئا فقد انتسخه فيقال انتسخت الشمس الظل و الشيب الشباب أى أزاله و كتاب منسوخ و منتسخ منقول، و النسخة الكتاب المنقول و تناسخ الأزمنة و القرون تتابعها و تداولها، لأن كل واحد ينسخ حكم ما قبله و يثبت الحكم لنفسه، و منه تناسخ المواريث لأن الارث لا يقسم على حكم الميت الأول بل على حكم الثاني و كذلك ما بعده.
و (يسهم) بالبناء على المفعول من اسهمت له أعطيته سهما أى نصيبا و (عهر) عهرا من باب تعب زنا و فجر فهو عاهر و عهر عهورا من باب قعد لغة و في الحديث:الولد للفراش و للعاهر الحجر، أى إنما يثبت الولد لصاحب الفراش و هو الزوج و للعاهر الجنبة «الخيبة» و لا يثبت له نسب و هو كما يقال له التراب أى الخيبة لأن بعض العرب كان يثبت النسب من الزنا فأبطله الشرع.
استعاره و (الدعامة) بالكسر ما يستند به الحائط إذا مال يمنعه من السقوط و الجمع دعائم كعمائم، و يستعار بسيد القوم فيقال هود عامة القوم كما يقال: هو عمادهم، و (عصمه) الله من المكروه من باب ضرب حفظه و وقاه، و الاسم العصمة بالكسر و يجمع على عصم وزان عنب و جمع الجمع أعصم و عصمة و جمع جمع الجمع أعصام.
و (كفى) الشيء يكفى كفاية فهو كاف إذا حصل به الاستغناء عن غيره ازدواج قال الشارح المعتزلي: فيه كفاء لمكتف و شفاء لمشتف، الوجه فيه كفاية فان الهمز لا وجه له ههنا لأنه من باب آخر و لكنه أتى بالهمزة للازدواج بين كفاء و شفاء كما قالوا: الغدايا و العشايا، و كما قال عليه السلام، مأزورات غير مأجورات، تأتى بالهمزة و الوجه الواو للازدواج.
و (الولاية) بفتح الواو المحبة و النصرة و (الكأس) بهمزة ساكنة و يجوز تخفيفها القدح المملو من الشراب و لا تسمى كأسا إلا و فيها شراب و هي مؤنثة سماعية و (ريى) من الماء و اللبن كرضى ريا و ريا و تروى و ارتوى و الاسم الرى بالكسر، و ماء روي كغنى و رواء كسماء كثير مرو و (القارعة) الداهية لأنها تقرع الناس بشدتها و منه سمى الموت قارعة و كذلك القيامة لمزيد هو لها و (معارف) الدار ما يعرفها المتوسم بها واحدها معرف مثل معاهد الدار و معالم الدار و (طوبى) مصدر من الطيب قلبت ياؤه واوا لضمة ما قبلها أو اسم شجرة في الجنة.
الاعراب
قوله: كلما نسخ الله بنسخ كل على الظرف، و الفاء في قوله فليقبل فصيحة، و قوله: حتى يستبدل، متعلق بقوله و لينظر، و قوله: فطوبى لذي قلب سليم الفاء فصيحة، و طوبى مرفوع على الابتداء خبره لذي قلب و لهج السبيل بالنصب على نزع الخافض.
المعنى
اعلم أن هذه الخطبة مسوقة لوصف حال عباد الله الصالحين و أوليائه الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون، و ختمها بالذكرى و الموعظة و افتتحها بالشهادة بعدل الله عز و جل و فصله ثم بنعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و تزكية نسبه و أصله فقال:
مجاز (و أشهد أنه عدل عدل) قال الشارح المعتزلي: الضمير في أنه راجع إلى القضاء و القدر المذكور في صدر هذه الخطبة و لم يذكره الرضي رحمه الله، قال:
و نسبة العدل إلى القضاء على طريق المجاز، و هو بالحقيقة منسوب إلى ذي القضاء و القاضى به هو الله تعالى اه، و محصله أنه تعالى عدل مبالغة أو عادل حقيقة في جميع أفعاله و أحكامه لكون الظلم قبيحا عقلا و نقلا فيستحيل في حقه.
قال الشارح البحراني: و الباري تعالى عادل بالنظر إلى حكمه و قضائه أى لا يقضى في ملكه بأمر إلا و هو علي وفق النظام الكلي و الحكمة البالغة، و يدخل في ذلك جميع أفعاله و أقواله، فانه لا يصدر منها شيء إلا و هو كذلك و أما الجزئيات المعدودة شرورا و صورة جور في هذا العالم، فانها إذا اعتبرت شرورا نسبة و مع ذلك فهى من لوازم الخير و العدل لابد منها، و لا يمكن أن يكون الخير و العدل من دونها كما لا يمكن أن يكون الانسان إنسانا إلا و هو ذو غضب و شهوة يلزمهما الفساد و الشر الجزئي، و لما كان الخير أكثر و كان ترك خير الكثير لأجل الشر القليل شرا كثيرا في الجود و الحكمة وجب تلك الشرور الجزئية لوجود ملزوماتها، و أشار بقوله عدل إلى ايجاد العدل بالفعل، انتهى.
(و حكم فصل) أى حاكم بالحق فصل بين الحق و الباطل بما بعث به رسوله من كتابه العزيز، و إنه لقول فصل و ما هو بالهزل، و يفصل أيضا بين عباده يوم القيامة فيما هم فيه يختلفون كما قال عز من قائل «إن يوم الفصل كان ميقاتا» و قال «إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون» أى يقضى فيميز الحق من الباطل تمييز المحق من المبطل و الطيب من الخبيث فيما كانوا يختلفون فيه
من أمر الدين، و فى آية أخرى إن الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئين و النصارى و المجوس و الذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة أى بالحكومة بينهم و اظهار الحق من المبطل و جزاء كل بما يليق به.
(و أشهد أن محمدا) صلى الله عليه و آله و سلم (عبده و سيد عباده).
أما أنه عبده فقد شهد به الكتاب العزيز فى مواضع عديدة مقدما على شهادته عليه السلام قال سبحانه «الحمد لله الذى انزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا» و قال تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا و قال فأوحى إلى عبده ما أوحى و قال هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور إلى غير ذلك مما لا حاجة إلى ذكره و قد تقدم بيان حقيقة العبودية فى شرح الخطبة الحادية و السبعين تفصيلا فليراجع ثمة، و اجمال ما قدمناه هنا أن العبد لا يكون عبدا حقيقة إلا أن لا يرى لنفسه مالا و لا له فى أموره تدبيرا، و يكون أوقاته مستغرقة بخدمة مولاه، و هكذا كان حال سيدنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و الطيبين من آله سلام الله عليهم فانهم رأوا جميع ما فى أيديهم مال الله فصرفوه فى عيال الله و هم الفقراء و المساكين، و وكلوا جميع امورهم الى الله رضاء بقضائه فشكروا على نعمائه و صبروا على بلائه و كانت أوقاتهم مصروفة إلى عبادته و قيام أوامره و نواهيه و طاعته.
و أما أنه سيد عباده فلا ريب فيه، و الظاهر أن المراد به جميع البشر لا خصوص عباد الله الصالحين الكملين من الأنبياء و الرسل و من دونهم، لدلالة الأدلة على العموم حسبما عرفت تفصيلا فى تضاعيف الشرح و أقول هنا مضافا إلى ما قدمنا:
روى فى البحار من الكافى باسناده عن صالح بن سهل عن أبي عبد الله عليه السلام ان بعض قريش قال: سئل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بأي شيء سبقت ولد آدم؟ قال: إننى أول من أقر بربى إن الله أخذ ميثاق النبيين و أشهدهم على أنفسهم أ لست بربكم قالوا بلى فكنت أول من أجاب.
و فيه من الخصال فى وصية النبى صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام يا على إن الله عز و جل أشرف على الدنيا فاختارنى منها على رجال العالمين، ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين بعدى، ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين.
و فيه من تفسير فرات بن إبراهيم بسنده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لما اسرى بي إلى السماء قال لي العزيز الجبار: يا محمد اني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها و اشتققت لك اسما من أسمائي لا اذكر في مكان إلا و أنت معي، فأنا محمود و أنت محمد الحديث و فيه من العيون عن الهروى عن الرضا عليه السلام في حديث طويل قال: إن آدم على نبينا و آله و عليه السلام لما أكرم الله تعالى باسجاد ملائكته و بادخال الجنة قال في نفسه: هل خلق الله بشرا أفضل مني، فعلم الله عز و جل ما وقع في نفسه فناداه ارفع رأسك يا آدم فانظر إلى ساق عرشي، فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين و زوجته فاطمة سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة، فقال آدم:
يا رب من هؤلاء؟ فقال عز و جل: هؤلاء من ذريتك و هم خير منك و من جميع خلقي و لولاهم ما خلقتك و لا خلقت الجنة و النار و لا السماء و الأرض إلى آخر ما تقدم روايته في التذنيب الثاني من شرح الفصل الثاني عشر من الخطبة الاولى.
و فيه أيضا من اكمال الدين عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن موسى عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أنا سيد من خلق الله و أنا خير من جبرئيل و ميكائيل و حملة العرش و جميع الملائكة المقربين و أنبياء الله المرسلين، و أنا صاحب الشفاعة و الحوض الشريف و أنا و على أبوا هذه الائمة، «الامة» من عرفنا فقد عرف الله، و من أنكرنا فقد أنكر الله عز و جل الحديث.
و فى شرح المعتزلي عنه صلى الله عليه و آله و سلم قال: أنا سيد ولد آدم و لا فخر.
و عنه صلى الله عليه و آله و سلم أيضا: ادعوا لى سيد العرب عليا، فقالت عايشة: أ لست سيد العرب؟ فقال صلى الله عليه و آله و سلم: أنا سيد البشر و علي سيد العرب.
و الأخبار في هذا المعنى فوق حد الاحصاء و لا حاجة إلى الاطالة بروايتها.
قال الصدوق في الهداية: يجب أن يعتقد أن النبوة حق كما اعتقدنا أن التوحيد حق، و أن الأنبياء الذين بعثهم الله مأئة ألف نبي و أربعة و عشرون ألف نبي، جاءوا بالحق من عند الحق، و أن قولهم قول الله و أمرهم أمر الله و طاعتهم طاعة الله و معصيتهم معصية الله، و أنهم لم ينطقوا إلا من الله عز و جل و عن وجهه و أن سادة الأنبياء خمسة الذين عليهم دارة الرحى و هم أصحاب الشرائع و هم أولو العزم:
نوح، و إبراهيم، و موسى، و عيسى، و محمد صلوات الله عليهم و أن محمدا صلوات الله عليه سيدهم و أفضلهم، و أنه جاء بالحق و صدق المرسلين، و أن الذين آمنوا به و عزروه و نصروه و اتبعوا النور الذى انزل معه اولئك هم المفلحون، و يجب أن يعتقد أن الله تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أفضل من محمد صلى الله عليه و آله و سلم و من بعده الأئمة صلوات الله عليهم، و أنهم أحب الخلق إلى الله عز و جل و أكرمهم عليه و أولهم اقرارا به لما أخذ الله ميثاق النبيين في الذر إلى آخر ما قال:
(كلما نسخ الله الخلق فرقتين) أى خلفهم حيث نقلهم من البطن الأول إلى البطن الثاني و قسمهم إلى فرقتين فرقة خير و فرقة شر (جعله في خيرهما) حسبما عرفت تفصيلا في شرح الخطبة الثالثة و التسعين قال الشارح المعتزلي: و هذا المعني قد ورد مرفوعا في عدة أحاديث نحو قوله صلى الله عليه و آله و سلم: ما افترقت فرقتان منذ نسل آدم ولده إلا كنت في خيرهما، و نحو قوله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل و اصطفى من ولد إسماعيل مضر و اصطفى من مضر كنانة و اصطفى من كنانة قريش و اصطفى من قريش هاشما و اصطفاني من بني هاشم.
(لم يسهم فيه عاهر) أى لم يجعل في نسبه الشريف ذا سهم و نصيب (و لا ضرب فيه فاجر) أى لم يكن لفاجر فيه شرك، يقال: ضرب في كذا بنصيب إذا كان شريكا فيه و المراد طهارة نسبه الشامخ من شوب دنس الجاهلية و نجس السفاح أى تناسخته كرايم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام و كان نورا في الأصلاب الشامخة
و الأرحام المطهرة، لم تدنس نسبه الجاهلية بأنجاسها و لم تلبسه من مدلهمات ثيابها و قد عرفت تفصيله أيضا في شرح الخطبة الثالثة و التسعين، هذا.
و لما فرغ عليه السلام من وصف النبي صلى الله عليه و آله و سلم رغب المخاطبين في دخولهم في زمرة أهل الخير و الحق و الطاعة بقوله:(ألا و ان الله قد جعل للخير أهلا) و هم الأبرار المتقون و أهل الزهد و الصلاح من المؤمنين قال سبحانه يا أيها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا و اعبدوا ربكم و افعلوا الخير لعلكم تفلحون أى تحروا ما هو خير و أصلح فيما تأتون و تذرون كنوا فل الطاعات و صلة الأرحام و مكارم الأخلاق.
و قال الصادق عليه السلام جعل الخير كله في بيت و مفتاحه الزهد في الدنيا، و خير الخير هو رضوان الله تعالى، و شر الشر سخطه و النار.
و الخيرات الاخروية إنما تكسب بالخيرات الدنيوية و لذلك أمر الله سبحانه بها في الاية السابقة بقوله «و افعلوا الخير» و في قوله «فاستبقوا الخيرات» أى الأعمال الصالحة و الطاعات المفروضة و المندوبة و رئيس أهل الخير هم الأئمة عليهم الصلاة و السلام كما أشير اليه في زيارتهم الجامعة بقوله: إن ذكر الخير كنتم أوله و أصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه.
(و للحق دعائم) الظاهر أن المراد بالحق ضد الباطل و بدعائمه الأئمة عليهم السلام لأنهم أئمة الحق بهم قوامه و دوامه و ثباته و غيرهم أئمة الباطل كما اشير إلى ذلك في قوله تعالى و ممن خلقنا أمة يهدون بالحق و به يعدلون و قوله أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في الحديث المتفق عليه بين الفريقين: الحق مع علي و هو مع الحق أينما دار و من طرق الخاصة مستفيضا بل متواترا كما قيل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام عنه صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: الحق مع الأئمة الاثنى عشر، و في زيارتهم الجامعة: الحق معكم و فيكم و منكم و اليكم و أنتم أهله و معدنه.
و فى رواية الكافى عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ليس عند أحد من الناس حق و لا صواب و لا أحد من الناس يقضى بقضاء حق إلا ما خرج منا أهل البيت، و إذا تشعبت بهم الأمور كان الخطاء منهم و الصواب من علي عليه السلام و قوله (و للطاعة عصما) يحتمل أن يكون المراد بالعصمة ما يعتصم به كما فسر به قوله تعالى و لا تمسكوا بعصم الكوافر أى بما يعتصم به الكافرات من عقد و سبب أى لا تمسكوا بنكاح الكوافر، و سمى النكاح عصمة لأنها لغة المنع و المرأة بالنكاح ممنوعة من غير زوجها.
و على ذلك فالمراد بعصم الطاعة هم الأئمة عليهم السلام و القرآن إذ بهما يعتصم و يتمسك في الطاعات أما الأئمة عليهم السلام فلاستناد الطاعة و العبادة إليهم لأنهم عليهم السلام نشروا شرايع الأحكام و بموالاتهم علمنا الله معالم ديننا، و بموالاتهم تقبل الطاعة المفترضة كما ورد في فقرات الزيارة الجامعة و في رواية الكافي المتقدمة في شرح الفصل الخامس من الخطبة الثانية عن مروان بن مياح عن الصادق عليه السلام قال: و بعبادتنا عبد الله و لولا نحن ما عبد الله، و فى غير واحد من أخبارهم: بنا عرف الله و بنا عبد الله و سبحنا فسبحت الملائكة و هللنا فهللت الملائكة، و الحاصل أنهم أساس الدين و عماد اليقين و أما القرآن فلكونه مدرك التكاليف و الطاعات كما قال تعالى إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم أى طريق الشريعة و الطاعة و لذلك أمر الله بالاعتصام به في قوله: و اعتصموا بحبل الله أى بالقرآن استعير له الحبل لأن الاعتصام و التمسك به سبب النجاة من الردى كما أن التمسك بالحبل سبب النجاة من الردى.
و يحتمل أن يكون المراد بها أى بالعصمة الحفظ و الوقاية كما في قولهم عصمه الله من المكروه أى حفظه و وقاه، و عصمة الله للعبد منعه و حفظه له من المعصية و على ذلك فالمراد بعصم الطاعة الخواص الكامنة لها المانعة له من هلكات الدنيا و عقوبات الاخرة كما قال تعالى: و الذين آمنوا و عملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم و لنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون و الاتيان بصيغة الجمع أعني عصما إما باعتبار تعدد أنواع الطاعة أو تعدد خواصها أو كثرة ما يعصم بها منها من أنواع العقوبات، فان كل طاعة فله عصمة من نوع مخصوص أو أنواع من العذاب، و بقبالها الذنب و المعصية، فان لكل ذنب أثرا خاصا في جلب نوع مخصوص أو أنواع من السخط كما اشير إلى ذلك في الدعاء اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم، اللهم اغفر لى الذنوب التى تحبس الدعاء، اللهم اغفر لى الذنوب التى تنزل البلاء، اللهم اغفر لى الذنوب التى تقطع الرجاء، هذا.
و أنت بعد الخبرة بما حققناه فى شرح هذه الفقرة و سابقتيه تعرف أن ما قلناه أولى:مما قاله الشارح البحراني في شرح تلك الفقرات حيث قال: قوله عليه السلام ألا و ان الله- إلى قوله عصما- ترغيب للسامعين أن يكونوا من أهل الجنة و دعائم الحق و عصم الطاعة.
و مما قاله الشارح المعتزلي من أن دعائم الحق الأدلة الموصلة إليه المثبت له في القلوب و عصم الطاعة هى الادمان على فعلها و التمرن على الاتيان بها، لأن المرون على الفعل يكسب الفاعل ملكة تقتضى سهولته عليه.
و مما قاله بعض الشراح من أن المراد بعصم الطاعة العبادات التي توجب التوفيق من الله سبحانه و ترك المعاصى الموجبة لسلبه أو الملائكة العاصمة للعباد عن اتباع الشياطين انتهى، فافهم جيدا.
قوله عليه السلام (و ان لكم عند كل طاعة عونا من الله) الظاهر أن المراد بالعون توفيق الله و لطفه المخصوص في حق المطيعين، فان الاتيان بالطاعات إنما هو بعونه و توفيقه كما أن المعاصى بخذلانه و سلب توفيقه كما اشير إلى ذلك في قوله تعالى و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و اشير إليه أيضا فى أخبارهم عليهم السلام.
روى في البحار من توحيد الصدوق باسناده عن جابر الجعفى عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن معنى لا حول و لا قوة إلا بالله، فقال عليه السلام: لا حول لنا عن معصية الله إلا بعون الله، و لا قوة لنا على طاعة الله إلا بتوفيق الله عز و جل.
و فيه من كنز الكراجكى قال الصادق عليه السلام: ما كل من نوى شيئا قدر عليه، و لا كل من قدر على شيء وفق له، و لا كل من وفق لشيء أصاب به فاذا اجتمعت النية و القدرة و التوفيق و الاصابة فهنا لك تمت السعادة.
و فيه أيضا من التوحيد عن الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام عن قوله «و ما توفيقى إلا بالله» و قوله «إن ينصركم الله فلا غالب لكم و إن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده» فقال عليه السلام: إذا فعل العبد ما أمره الله عز و جل به من الطاعة كان فعله وفقا لأمر الله عز و جل و سمى العبد به موفقا، و إذا أراد العبد أن يدخل في شيء من معاصى الله فحال الله تبارك و تعالى بينه و بين المعصية كان تركه لها بتوفيق الله تعالى، و متى خلى بينه و بين المعصية فلم يحل بينه و بينها حتي يرتكبها فقد خذله و لم ينصره و لم يوفقه.
فقد ظهر بما ذكرنا أن طاعة الله عز و جل لا يتمكن منها إلا بعونه و توفيقه لأن التوفيق عبارة عن أن يجمع بين جميع الأسباب التي يحتاج إليها في حصول الفعل، و لهذا لا يقال فيمن أعان غيره وفقه لأنه لا يقدر أن يجمع بين جميع الأسباب المحتاجة إليها في حصول الفعل و لانحصار التوفيق فيه تعالى جيء بكلمة الحصر في قوله إياك نستعين أى نستوفق و نطلب المعونة على عبادتك و على امور ما كلها منك و ان غيرك «كذا» إذا لا يقدر عليه أحد سواك، و إذا حصل التوفيق و شمله اللطف و علم أن له في فعل العبادة الثواب العظيم زاد ذلك في نشاطه و رغبته، فيسهل للعبد حينئذ القيام بوظايف الطاعات لأنه يعين عليها و يقوى الأعضاء و الجوارح على الاتيان بها.
مجاز و لتقويته لها قال عليه السلام (يقول على الألسنة) فاسند إليه القول توسعا لكونه ممدا له و لكونه سببا لتثبيت القلوب و اطمينانها قال عليه السلام (و يثبت الأفئدة) فأسند التثبيت إليه مجازا لأنه في الحقيقة فعل الله سبحانه كما قال تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و قال لنثبت به فؤادك.
و إلى هذا التثبيت و توضيحه اشير في قوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون.
روى في البحار من محاسن البرقي عن أبيه عن فضالة عن أبي بصير عن خثيمة بن عبد الرحمن الجعفى قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن القلب ينقلب من لدن موضعه إلى حنجرته ما لم يصب الحق فاذا أصاب الحق قر ثم ضم أصابعه و قرء هذه الاية: فمن يرد الله أن يهديه، الاية.
و فى البحار أيضا من التوحيد و العيون عن ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن حمدان بن سليمان قال: سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن قول الله عز و جل فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام قال عليه السلام: من يرد الله أن يهديه بايمانه في الدنيا إلى جنته و دار كرامته في الاخرة يشرح صدره للتسليم بالله و الثقة به و السكون إلى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن، و من يرد أن يضله عن جنته و دار كرامته في الاخرة لكفره به و عصيانه له في الدنيا يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يشك في كفره و يضطرب من اعتقاده قلبه حتى يصير كأنما يصعد في السماء، كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون فقد علم بما ذكرنا كله أن لله سبحانه في حق عباده المطيعين المقربين الذين لا يشاءون الا أن يشاء الله و لا يريدون إلا ما أراد الله ألطافا خاصة و عناية مخصوصة يستولى على قلوبهم بلطفه، و يتصرف في جوارحهم بأمره ففى كل آن يحصل منه التوفيق و الافاضات على أرواحهم و التصرف في أبدانهم فيطمئن به قلوبهم و ينظرون بنور الله و يبطشون بقوة الله كما قال تعالى فيهم: فبى يسمع و بى يبصر و بى ينطق و بى يمشى و بى يبطش، و قال عز و جل: كنت سمعه و بصره و يده و رجله و لسانه.
(فيه كفاء لمكتف و شفاء لمشتف) يعنى في عون الله عز و جل غناء لمن استغنى،إذ مع عونه لا يبقى افتقار إلى غيره، و شفاء لمن استشفى لأنه تعالى الكافي الشافي لا كافي سواه كما قال و من يتوكل على الله فهو حسبه و لا شافي غيره كما قال و إذا مرضت فهو يشفين و لا يحصل الغنى و الشفاء إلا بعونه و حوله و قوته و لذلك أمر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم باكثار الحوقلة عند الفقر و المرض.
كما رواه في الروضة من الكافي عن على بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من ألح عليه الفقر فليكثر من قول لا حول و لا قوة الا بالله العلى العظيم.
و قال عليه السلام فقد النبى صلى الله عليه و آله و سلم رجلا من الأنصار، فقال: ما غيبك عنا؟، فقال:الفقر يا رسول الله و طول السقم فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ألا أعلمك كلاما إذا قلته ذهب عنك الفقر و السقم؟ فقال: بلى يا رسول الله فقال: إذا أصبحت و أمسيت فقل لا حول و لا قوة إلا بالله توكلت على الحى الذى لا يموت و الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة و لا ولدا و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولى من الذل و كبره تكبيرا، فقال الرجل: فو الله ما قلته إلا ثلاثة أيام حتى ذهب عنى الفقر و السقم.
ثم شرع في وصف عباد الله الكملين ترغيبا للمخاطبين إلى اقتفاء آثارهم و اقتباس أنوارهم و سلوك مسالكهم فقال عليه السلام:(و اعلموا أن عباد الله المستحفظين علمه) المستحفظين في أكثر النسخ بصيغة المفعول أى الذين طلب منهم الحفظ، و في بعضها بصيغة الفاعل أى الطالبين للحفظ.
و المراد بهم إما الأئمة عليهم السلام خصوصا أو هم مع خيار شيعتهم لاتصافهم جميعا بالاستحفاظ و بغيره من الأوصاف الاتية و إن كان اتصافهم بها آكد و أقوى لكونهم عليهم السلام حفظة لسره و خزنة لعلمه كما ورد في فقرات الزيارة الجامعة، و فيها أيضا و ائتمنكم على سره، و قد وصفهم عليه السلام بذلك في الفصل الرابع من الخطبة الثانية حيث قال: هم موضع سره و لجاء أمره و عيبة علمه، و قدمنا هنا لك مطالب نفيسة، و إلى ذلك الحفظ اشير فى قوله تعالى و تعيها أذن واعية أى تحفظها أذن من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظها بتذكرة و اشاعته و التفكر فيه و العمل بمقتضاه.
روى في الصافى من مجمع البيان عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال لعلى عليه السلام: يا على إن الله تعالى أمرنى أن ادنيك و لا اقصيك و أن اعلمك و تعي و حق على الله أن تعي فنزل: «و تعيها اذن واعية».
و فيه منه و من العيون و الجوامع عنه صلى الله عليه و آله و سلم أنه لما نزلت هذه الاية قال صلى الله عليه و آله و سلم:سألت الله عز و جل أن يجعلها اذنك يا على.
و فى رواية لما نزلت قال: اللهم اجعلها اذن على، قال علي عليه السلام: فما سمعت شيئا من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فنسيته، و زاد في اخرى: و ما كان لى ان انسى و فى الكافى عن الصادق عليه السلام لما نزلت هذه الاية قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: هى أذنك يا على.
و بالجملة فالأئمة سلام الله عليهم خزنة علم الله أمرهم الله بحفظه كما أن خيار شيعتهم أوعية علومهم المتلقاة من الله عز و جل، و هم أيضا طلبوا منهم حفظها عن الضياع و النسيان.
(يصونون مصونه و يفجرون عيونه) أى يحفظون ما يجب حفظه لكونه من الأسرار التي لا يجوز اظهارها أصلا، فان حديثهم صعب مستصعب لا يحتمله ملك مقرب و لا نبي مرسل و لا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان على ما عرفت تحقيقه في شرح الفصل الرابع من الخطبة الثانية.
أو لا يجوز اظهارها إلا للأوحدى من شيعتهم الحافظين لها و إليه أشار على ابن الحسين عليهما السلام بقوله: لو علم أبو ذر ما فى قلب سلمان لقتله.
و يفجرون ينابيعه و يظهرون ما ليس من قبيل الأسرار بل من قبيل التكاليف و الأحكام و نحوها و يعلمونها غيرهم.
استعاره بالكنايه- استعاره تخييلية- استعاره ترشيحية [و يفجرون عيونه] و تشبيه العلم بالعين استعارة بالكناية و ذكر العيون تخييل و التفجير ترشيح الجامع أن في العلم حياة الأرواح كما أن في الماء حياة الأبدان، و إنما شبه
بماء العين بخصوصه لكونه زلالا صافيا و فيه من العذوبة و الصفاء ما ليس في ساير المياه، فكان أبلغ في التشبيه و قد وقع نظير ذلك التشبيه في قوله تعالى إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين يعنى إن غاب إمامكم فمن يأتيكم بعلم الامام كما فسربه في عدة روايات و لما أشار عليه السلام إلى كمال المستحفظين في الحكمة النظرية عقبه بالتنبيه على كمالهم في الحكمة العملية فقال:
(يتواصلون بالولاية) أى بالمحبة و النصرة أو القرب و الصداقة يعنى أن مواصلتهم عن وجه الصدق و الصفا و الود و الوفا، لا عن وجه النفاق كما هو الغالب في وصل أبناء الزمان، و يحتمل أن يكون المراد ب الولاية القرابة فيكون المراد بالجملة التواصل بالأرحام و صلة الرحم و الأول أظهر.
(و يتلاقون بالمحبة) هذه الجملة كالتفسير للجملة السابقة أى يكون ملاقاتهم عن حب كل منهم لصاحبه.
فقد قال أبو عبد الله في رواية الكافي عن صفوان الجمال عنه عليه السلام: ما التقى مؤمنان قط إلا كان أفضلهما أشد حبا لأخيه.
و فيه أيضا عن شعيب العقرقوفي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأصحابه:
اتقوا الله و كونوا اخوة بررة متحابين في الله متواصلين متراحمين تزاوروا و تلاقوا و تذاكروا أمرنا و أحيوه.
(و يتساقون بكأس روية) أى يسقى كل منهم للاخر بكأس العلم و المعرفة التي بها رواء كل غليل.
أما الأئمة فلأن كلا منهم أخذ علمه عن الاخر حتى انتهى إلى أمير المؤمنين و أخذه عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أخذه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن الله بوحى أو إلهام.
و يشهد بذلك ما رواه في الكافي عن الحكم بن عتيبة قال لقى رجل الحسين بن على عليهما السلام بالثعلبية و هو يريد كربلا فدخل عليه فسلم فقال له الحسين عليه السلام:
من أى البلاد أنت؟ قال: من أهل الكوفة، قال عليه السلام: أما و الله يا أخا أهل الكوفة لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل من دارنا و نزله بالوحى على جدى، يا أخا أهل الكوفة أ فمستقى الناس العلم من عندنا فعلموا و جهلنا؟ هذا ما لا يكون.
و فيه عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: نزل جبرئيل على محمد صلى الله عليه و آله و سلم برمانتين من الجنة فلقيه علي عليه السلام فقال: ما هاتان الرمانتان اللتان فى يدك؟
فقال: أما هذه فالنبوة ليس لك فيها نصيب، و أما هذه فالعلم، ثم فلقها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بنصفين فأعطاه نصفها و أخذ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نصفها ثم قال: أنت شريكى فيه و أنا شريكك فيه قال: فلم يعلم و الله رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حرفا مما علمه الله عز و جل إلا و قد علمه عليا، ثم انتهى العلم إلينا، ثم وضع يده على صدره.
و فيه عن هشام بن سالم و حماد بن عثمان و غيره قالوا سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: حديثى حديث أبي، و حديث أبي حديث جدى، و حديث جدى حديث الحسين عليه السلام، و حديث الحسين عليه السلام حديث الحسن عليه السلام، و حديث الحسن عليه السلام حديث أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه، و حديث أمير المؤمنين عليه السلام حديث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و حديث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قول الله عز و جل.
و أما أصحاب الأئمة عليهم السلام فلأنهم قد استقوا من منهل علومهم عليهم السلام و تعلموها منهم و علموها غيرهم بأمرهم عليهم السلام.
كما يشير إليه ما رواه في الكافي عن يزيد بن عبد الملك عن أبى عبد الله عليه السلام قال: تزاوروا فان في زيارتكم إحياء لقلوبكم و ذكرا لأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض فان أخذتم بها رشدتم و نجوتم، و إن تركتموها ظللتم و هلكتم فخذوا بها و أنا بنجاتكم زعيم.
و فى الوسائل عن الكافي عن محمد بن حكيم قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: فقهنا فى الدين و أغنانا الله بكم من الناس حتى أن الجماعة منا ليكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه إلا يحضره المسألة و يحضره جوابها فيما من الله علينا بكم.
فقد ظهر بذلك أن المستحفظين علم الله عز و جل من الأئمة عليهم السلام و أصحابهم يأخذون العلوم الحقة و المعارف اليقينية من عين صافية و يستقون بكأس مروية (و يصدرون) عنها (برية) لا ظمأ بعدها.
و أما غيرهم فقد استقوا من سراب بقيعة يحسبه الظمان ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا و وجد الله عنده فوفاه حسابه و الله سريع الحساب.
(لا تشوبهم الريبة) يحتمل أن يكون المراد نفى الشك عنهم لشدة يقينهم و مزيد تقواهم و رسوخهم في الايمان.
قال الرضا عليه السلام فيما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عنه عليه السلام:الايمان فوق الاسلام بدرجة، و التقوى فوق الايمان بدرجة، و اليقين فوق التقوى بدرجة، و لم يقسم بين العباد شيء أقل من اليقين.
و يحتمل أن يكون المراد نفى التهمة و سوء الظن أى لا يتهم بعضهم بعضا لأنه اذا اتهم المؤمن أخاه انماث الايمان من قلبه كما ينماث الملح فى الماء، رواه في الكافي عن إبراهيم بن عمر اليمانى عن أبي عبد الله عليه السلام.
(و لا تسرع فيهم الغيبة) أى إذا أراد أحد غيبتهم فلا يتسرع غيبته إليهم كما يتسرع إلى غيرهم بطهارة نفوسهم من القبايح و المساوى الموجبة لسرعتها بما لهم من ملكة العصمة و العدالة (على ذلك) أى على ما ذكر من الأوصاف الكمالية (عقد) الله (خلقهم و أخلاقهم) يعنى أن اتصافهم بتلك الكمالات ليس بتكلف، بل هي مقتضى سجيتهم و هم مجبولون عليها لأن طينتهم عليهم السلام من أعلا عليين و شيعتهم مخلوقة من فاضل طينتهم عجينة بنور ولايتهم.
كما قال الصادق عليه السلام: شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا و عجنوا بنور ولايتنا.
و فى الكافى باسناده عن أبي حمزة الثمالى قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إن الله عز و جل خلقنا من أعلا عليين و خلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه و خلق أبدانهم من دون ذلك و قلوبهم تهوى إلينا لأنها خلقت مما خلقنا منه، ثم تلى هذه الاية كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين و ما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون.
(فعليه) أى على ذلك العقد (يتحابون و به يتواصلون) لأن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف و ما تخالف منها اختلف كما في النبوى صلى الله عليه و آله و سلم.
فقد قيل: إن المراد به ان الأرواح خلقت مجتمعة على قسمين مؤتلفة و مختلفة كالجنود التي يقابل بعضها بعضا ثم فرقت في الأجساد، فإذا كان الايتلاف و المواخات أولا كان التعارف و التوالف بعد الاستقرار في البدن و إذا كان التناكر و التخالف هناك كان التنافر و التناكر هناك.
و لعله إلى ذلك ينظر ما رواه في الكافي عن حمزة بن محمد الطيار عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: لم تتواخوا على هذا الأمر إنما تعارفتم عليه.
و مثله عن ابن مسكان و سماعة جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لم تتواخوا على هذا الأمر و إنما تعارفتم عليه.
يعنى أن المواخاة على الولاية و الاخوة في الايمان كانت ثابتة بينكم في عالم الأرواح و لم تقع هذا اليوم و في هذه النشأة و إنما الواقع في هذه النشأة هو التعارف الكاشف عن مواخاة عالم الأرواح الناشي منه.
تشبيه المعقول بالمعقول- استعاره مرشحة- استعاره مجردة (فكانوا) في تفاضلهم على ساير الناس (كتفاضل البذر) و هو أول ما يعزل من البذر للزراعة من الحبوب (ينتقى) و يزكى (فيؤخذ منه) الردى (و يلقى) فلا يبقى منه إلا الجيد الخالص (قد ميزه) الانتقاء و (التخليص و هذبه التمحيص) و التميز.
و محصله أن تفاضلهم كتفاضل البذر المنتقى جيده و الملقى رديه، و هو من تشبيه المعقول بالمعقول، و تعقيبه بالانتقاء و الالقاء ترشيح لأنهما من خواص المسند به و بالتخليص و التمحيص تجريد لكونهما من ملايمات المشبه، فهو من قبيل التشبيه المرشح المجرد، و قد مر توضيحه في ديباجة الشرح عند ذكر أقسام الاستعارات.
و قد وقع نظير هذا التشبيه في حديث أبي عبد الله عليه السلام المروى في البحار عن العياشى عن الوشا باسناد له يرسله إليه عليه السلام قال: و الله لتمحصن و الله لتميزن و الله لتغربلن حتى لا يبقى منكم إلا الأندر، قلت: و ما الأندر؟ قال: البيدر، و هو أن يدخل الرجل قبة الطعام يطين[1] عليه ثم يخرجه و قد تأكل بعضه و لا يزال ينقيه ثم يكن عليه ثم يخرجه حتى يفعل ذلك ثلاث مرات حتى يبقى ما لا يضره شيء.
ثم أصل التمحيص التخليص و كثيرا ما يستعمل في التخليص الحاصل بالاختبار و الامتحان، قال تعالى و ليبتلي الله ما في صدوركم و ليمحص ما في قلوبكم أى ليمتحن الله ما في صدوركم و يظهر سرايرها من الاخلاص و النفاق فيجازى المخلص باخلاصه و المنافق بنفاقه لأن المجازات إنما هي بعد ظهور السراير و إلا فهو سبحانه عالم بالسرائر و الضماير قبل ظهورها كما هو عالم بها بعد ظهورها، و ليمحص أى و ليكشف و يميز ما في قلوبكم من الطيب و الخبيث.
و قال أيضا و ليعلم الله الذين آمنوا و يتخذ منكم شهداء و الله لا يحب الظالمين و ليمحص الله الذين آمنوا و يمحق الكافرين أى و ليبتلى الله الذين آمنوا و ليخلصهم من الذنوب أو ينجيهم من الذنوب بالابتلاء و يهلك الكافرين بالذنوب عند الابتلاء.
و فى الكافي عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ويل لطغاة العرب من أمر قد اقترب، قلت: جعلت فداك كم مع القائم عليه السلام من العرب؟
قال: نفر يسير، قلت: و الله إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير، قال عليه السلام لا بد للناس من أن يمحصوا و يميزوا و يغربلوا و يستخرج في الغربال خلق كثير.
و حاصل المرام أن المستحفظين علم الله قد امتازوا عن ساير الناس و تفاضلوا عليهم و خرجوا تام العيار من قالب الامتحان لكونهم المخلصين في توحيد الله و التامين في محبة الله، و إخلاصهم العمل لله، هذا.
و لما فرغ من شرح حال المستحفظين فرع عليه قوله (فليقبل امرء كرامة بقبولها) أى ليقبل كرامة الله و إفضاله و عوائد موائده بقبول هذه المكارم و الصفات الجميلة، يعنى إذا كان المستحفظون متخلقين بهذه المكارم و الأخلاق الحسنة فليتقبلها المؤمن بقبول حسن و ليحتذى حذوهم حتى يدخل في زمرتهم و يفوز بالكرامة العظيمة و النعمة الدائمة المعدة في حق المخلصين المكرمين على ما بشر به في الكتاب الكريم في قوله إنكم لذائقوا العذاب الأليم و ما تجزون إلا ما كنتم تعملون إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم فواكه و هم مكرمون في جنات النعيم على سرر متقابلين يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة الايات هذا و لما لم يمكن تحصيل المكارم و نيل هذه الكرامات إلا بالتجافي عن دار الغرور و الانابة إلى دار الخلود و الاستعداد للموت قبل حلول الفوت، عقبه بقوله:(و ليحذر قارعة) أى داهية الموت (قبل حلولها و لينظر امرء في قصير أيامه و قليل مقامه في منزل) أى ليتفكر في أيامه القصيرة و إقامته القليلة في دار الدنيا (حتى) يتنبه من نوم الغفلة و (يستبدل به منزلا) غيره، و هى دار الخلود التي ليس لأيامه نفاد و لا لاقامته انقطاع (فليصنع لمتحوله) أى ليصنع المعروف و يعمل بالصالحات لمحل انقلابه (و معارف منتقله) أى معالم موضع انتقاله.
ثم رغب عليه السلام إلى متابعته و متابعة الطيبين من أولاده الأئمة الهداة عليه و عليهم السلام بقوله:(فطوبى لذى قلب سليم) من حب الدنيا و شوب الشرك و الريا و كدر المعاصى و هو الذى اشير إليه فى قوله تعالى يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم (أطاع من يهديه) من أئمة الهدى (و تجنب من) يهلكه و (يرديه) من أئمة الضلال و الردى (و أصاب سبيل السلامة) و هى الجادة الوسطى المحفوظة من رذيلتى الافراط و التفريط و الصراط المستقيم المؤدى إلى جنته و المبلغ إلى رضوانه
و رحمته (بنصر من بصره) أى بعون امامه الحق الذى جعله بارشاده صاحب بصر و بصيرة فى سلوك سبيل السلامة (و طاعة هاد أمره) بالمعروف و نهاه عن المنكر فاهتدى بأمره إلى الجادة المستقيمة.
(و بادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه) عليه (و تقطع أسبابه) عنه بموته، فان الموت إذا حل ارتفع التكاليف المحصلة للسعادة و انسد أبواب الهداية.
(و استفتح) باب (التوبة و أماط الحوبة) أى أزال الاثم و الخطية و نحاها عن لوح نفسه بممحاة استغفاره و توبته (فقد اقيم على الطريق و هدى نهج السبيل) الواضح أى أقامكم الله على ذلك و هداكم الله بما نزل في كتابه على نبيه من محكمات آياته كما أفصح عنه بقوله قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق و إلى طريق مستقيم و قال إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم فلم يبق بعد تلك الاقامة و الهداية معذرة للمذنب و لا عتبى للمستعتب.
تذييل
قال الشارح المعتزلي فى شرح قوله عليه السلام: لم يسهم فيه عاهر و لا ضرب فيه فاجر:في هذا الكلام رمز إلى جماعة من الصحابة في أنسابهم طعن كما يقال إن آل سعد بن أبي وقاص ليسوا من بنى زهرة بن كلاب و أنهم من بنى عذرة من قحطان، و كما قالوا: إن آل الزبير بن العوام من أرض مصر من القبط و ليسوا من بني اسد بن عبد العزى، و كما يقال في قوم آخرين نرفع هذا الكتاب عن ذكر ما يطعن فى أنسابهم كى لا يظن بنا أنا نحب القالة في الناس إلى أن قال:قال أبو عثمان يعنى الجاحظ: و بلغ عمر بن الخطاب أن اناسا من رواة الأشعار و حملة الاثار يعيبون الناس و يثلبونهم في أسلافهم، فقام على المنبر و قال: إياكم و ذكر العيوب و البحث عن الاصول فلو قلت لا يخرج اليوم من هذه الأبواب من لا وصمة فيه، لم يخرج منكم أحد، فقام رجل من قريش نكره أن نذكره فقال:إذا كنت أنا و أنت يا أمير المؤمنين نخرج، فقال: كذبت بل كان يقال لك: ياقين ابن قين اقعد.
قال الشارح: قلت: الرجل الذى قام هو المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومى كان عمر يبغضه لبغضه أباه خالدا، و لأن المهاجر كان علوى الرأى جدا و كان أخوه عبد الرحمن بخلافه شهد المهاجر صفين مع علي عليه السلام و شهدها عبد الرحمن مع معاوية و كان مهاجر مع علي عليه السلام يوم الجمل و فقئت ذلك اليوم عينه، و لا الكلام الذي بلغ عمر بلغه عن مهاجر، و كان الوليد بن المغيرة مع جلالته في قريش حدادا يصنع الدروع و غيرها بيده.
قال: و روى أبو الحسن المداينى هذا الخبر في كتاب امهات الخلفاء، و قال:إنه روى عند جعفر بن محمد عليه السلام بالمدينة، فقال عليه السلام: لا تلمه يا ابن أخي إنه أشفق أن يحدج بقضية نفيل بن عبد العزى و صهاك امة الزبير بن عبد المطلب، ثم قال عليه السلام: رحم الله عمر فانه لم يعد السنة و تلا «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم» انتهى كلام الشارح.
اقول قول الصادق عليه السلام: إنه أشفق أن يحدج بقضية نفيل آه إشارة إلى ما قدمنا في شرح الفصل الثاني من الخطبة الثالثة المعروفة بالشقشقية من نسب عمر تفصيلا و عرفت هناك أن نسبه الكثيف أنجس من جميع أنساب أولاد البغايا المدنسة بأنجاس الجاهلية لم يسبقه في ذلك سابق و لم يلحقه لاحق، و أقول هنا مضافا إلى ما سبق:روى الشيخ الكليني في كتاب الروضة من الكافي عن الحسين عن أحمد بن هلال عن زرعة عن سماعة قال:
تعرض رجل من ولد عمر بن الخطاب بجارية رجل عقيلي فقالت له: إن هذا العمري قد أذانى، فقال لها: عديه و ادخليه الدهليز، فأدخلته فشد عليه فقتله و ألقاه في الطريق فاجتمع البكريون و العمريون و العثمانيون و قالوا: ما لصاحبنا كفو أن يقتل به إلا جعفر بن محمد، و ما قتل صاحبنا غيره، و كان أبو عبد الله عليه السلام قد مضى نحو قبا، فلقيته بما اجتمع القوم عليه، فقال عليه السلام: دعهم، فلما جاء و رأوه
وثبوا عليه، و قالوا: ما قتل صاحبنا أحد غيرك و ما يقتل به أحد غيرك، فقال عليه السلام:ليكلمنى منكم جماعة فاعتزل قوم منهم فأخذ بأيديهم و أدخلهم المسجد، فخرجوا و هم يقولون: شيخنا أبو عبد الله جعفر بن محمد معاذ الله أن يكون مثله يفعل هذا و لا يأمر به انصرفوا.
قال: فمضيت معه فقلت: جعلت فداك ما كان أقرب رضاهم من سخطهم قال عليه السلام: نعم دعوتهم فقلت: أمسكوا و إلا أخرجت الصحيفة.
فقلت: و ما هذه الصحيفة جعلني الله فداك؟
فقال عليه السلام: إن ام الخطاب كانت أمة للزبير بن عبد المطلب، فسطر بها نفيل فأحبلها، فطلبه الزبير فخرج هاربا إلى الطايف، فخرج الزبير خلفه، فبصرت به ثقيف فقالوا: يا با عبد الله ما تعمل ههنا؟ قال: جاريتي سطر بها نفيلكم، فهرب منه إلى الشام، و خرج الزبير في تجارة له إلى الشام، فدخل على ملك الدومة فقال له: يا با عبد الله لي اليك حاجة، قال: و ما حاجتك أيها الملك؟ فقال:
رجل من أهلك قد أخذت ولده فاحب أن يرده عليه، قال: ليظهر لي حتى أعرفه، فلما أن كان من الغد دخل إلى الملك، فلما رآه الملك ضحك فقال: ما يضحكك أيها الملك؟ قال: ما أظن هذا الرجل ولدته عربية لما رآك قد دخلت لم يملك استه أن جعل يضرط، فقال أيها الملك إذا صرت إلى مكة قضيت حاجتك، فلما قدم الزبير تحمل عليه ببطون قريش كلها أن يدفع اليه ابنه فأبي، ثم تحمل عليه بعبد المطلب فقال: ما بيني و بينه عمل أما علمتم ما فعل في ابني فلان، و لكن امضوا أنتم اليه فكلموه، فقصدوه و كلموه فقال: لهم: إن الشيطان له دولة و إن ابن هذا ابن الشيطان و لست آمن أن يترأس علينا، و لكن ادخلوه من باب المسجد على على أن أحمي له حديدة و أخط فى وجهه خطوطا و أكتب عليه و على ابنه أن لا يتصدر في مجلس و لا يتأمر على أولادنا و لا يضرب معنا بسهم، قال: ففعلوا و خط وجهه بالحديدة و كتب عليه الكتاب عندنا، فقلت لهم: إن أمسكتم و إلا أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم، فأمسكوا.
بيان
قول عبد المطلب: أما علمتم ما فعل في ابني فلان أراد به العباس و كني عنه الامام عليه السلام تقية من خلفاء العباسية.و هو إشارة إلى ما رواه في الروضة أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال:إن نثيلة كانت أمة لأم الزبير و أبي طالب و عبد الله فأخذها عبد المطلب فأولدها فلانا فقال له الزبير هذه الجارية ورثناها من امنا و ابنك هذا عبد لنا، فتحمل عليه ببطون قريش، قال: فقال: قد أجبتك على خلة على أن لا يتصدر ابنك هذا معنا في مجلس و لا يضرب معنا بسهم، فكتب عليه كتابا و أشهد عليه.
الترجمة
از جمله خطبه اى بلاغت نظام آن امام عليه السلام است مى فرمايد:
شهادت مى دهم بر اين كه بتحقيق خداوند تعالى عادلى است كه عدالت كرده در احكام و أفعال خود، و حاكمى است كه فصل فرموده ميان حق و باطل، و شهادت مى دهم بر اين كه محمد صلى الله عليه و آله و سلم بنده او و فرستاده اوست و آقاى بندگان اوست، هر وقتى كه نقل كرد خلق را از أصلاب بأرحام و قسمت كرد ايشان را بدو فرقه، گردانيد آن بزرگوار را در بهترين آن دو فرقه، صاحب سهم نشد در نسب شريف آن زناكارى، و شريك و صاحب نصيب نگرديد در اصل آن فاسق فاجرى.
آگاه باشيد كه بتحقيق خداى تعالى قرار داده است از براى عمل خير كه طاعات و قرباتست اهل معينى، و از براى عقايد و أعمال حقه ستونها و پايهائى، و از براى عبادت و اطاعت حافظان و نگاه دارندگانى يا حفظهائى از مهالك دنيا و آخرت و بتحقيق كه شما راست نزد هر طاعتى معينى و ناصرى از جانب خدا كه مىگويد بزبانها و برقرار مىگرداند دلها را و در آن معين كفايت است از براى اكتفا كننده و شفاست از براى طالب شفا.
و بدانيد كه بتحقيق بندگان خدا كه از ايشان طلب حفظ علم او شده حفظ مي كنند آن علمى را كه لازم الحفظ و از قبيل اسرار است، و جارى مي كنند چشمهاى آن علمى را كه بايد بمردم اظهار نمود از قبيل تكاليف و احكام، وصلت مى كنند ايشان با يكديگر با نصرت و يارى، و ملاقات ميكنند با آشتى و محبت، و سيراب مى كنند يكديگر را با كاسه سيراب كننده علم و معرفت، و باز مى گردند با سيرابى مخلوط نمىشود باعتقادات ايشان شك و شبهه، و نشتابد بسوى ايشان غيبت كنندگان بجهت طهارت نفوس ايشان، بر اين أوصاف بسته و عقد كرده است خداى تعالى خلقت و اخلاق ايشان را پس بالاى اين عقد خلقى و خلقتى با همديگر در مقام محابه مىباشند و بسبب آن در مقام وصالند، پس هستند ايشان در زيادتي مرتبه و تفاوت درجه نسبت بسايرين مثل زيادتى تخم نسبت ببقيه آن در حالتى كه امتياز داده است او را خالص گردانيدن و پاكيزه كرده او را تميز كردن.
پس بايد قبول نمايد مرد كرامت را بسبب قبول اين صفات، و بايد بپرهيزد از مرگ با شدت پيش از حلول آن، پس بايد نگاه كند مرد در كوتاهى روزگارش و كمى درنگش در منزلى تا آنكه بدل كند بان منزل منزل ديگر را، پس بايد كارى كند از براى مكان رجوع خود، و از براى علامات محل انتقال خود.
پس خوشحالى از براى صاحب قلب با سلامتى است كه اطاعت كرد كسى را كه هدايت كند او را، و بيگانگى كرد از كسى كه هلاك نمايد او را، و رسيده راه سلامت را بسبب نصرت و يارى كسى كه صاحب بصيرت كرد او را، و اطاعت هدايت كننده كه امر كرد او را و مبادرت نمود بهدايت پيش از آنى كه بسته شود درهاى آن، و بريده شود اسباب آن، و طلب نمود گشودن در توبه را، و ازاله نمود گناه را پس بتحقيق كه اقامه شد براه حق و هدايت شد بر راه راست
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی