و من خطبه له علیه السّلام
روى أن صاحبا لأمیر المؤمنین علیه السلام- یقال له: همام- کان رجلا عابدا، فقال له: یا أمیر المؤمنین، صف لى المتقین حتى کأنى أنظر إلیهم فتثاقل علیه السلام عن جوابه، ثم قال: یا همّام اتّق اللّه و أحسن فإنّ اللّه مع الّذین اتّقوا و الّذین هم محسنون) فلم یقنع همام بهذا القول حتى عزم علیه، فحمد اللّه و أثنى علیه، و صلّى على النبی صلّى اللّه علیه و آله، ثم قال: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ حِینَ خَلَقَهُمْ- غَنِیّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِیَتِهِمْ- لِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ مَعْصِیَهُ مَنْ عَصَاهُ- وَ لَا تَنْفَعُهُ طَاعَهُ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَسَمَ بَیْنَهُمْ مَعَایِشَهُمْ- وَ وَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْیَا مَوَاضِعَهُمْ- فَالْمُتَّقُونَ فِیهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ- مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ وَ مَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ وَ مَشْیُهُمُ التَّوَاضُعُ- غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ- وَ وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ- نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِی الْبَلَاءِ- کَالَّتِی نُزِّلَتْ فِی الرَّخَاءِ- وَ لَوْ لَا الْأَجَلُ الَّذِی کَتَبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ- لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِی أَجْسَادِهِمْ طَرْفَهَ عَیْنٍ- شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ- عَظُمَ الْخَالِقُ فِی أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِی أَعْیُنِهِمْ- فَهُمْ وَ الْجَنَّهُ کَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِیهَا مُنَعَّمُونَ- وَ هُمْ وَ النَّارُ کَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِیهَا مُعَذَّبُونَ- قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَهٌ وَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَهٌ- وَ أَجْسَادُهُمْ نَحِیفَهٌ وَ حَاجَاتُهُمْ خَفِیفَهٌ وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِیفَهٌ- صَبَرُوا أَیَّاماً قَصِیرَهً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَهً طَوِیلَهً- تِجَارَهٌ مُرْبِحَهٌ یَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ- أَرَادَتْهُمُ الدُّنْیَا فَلَمْ یُرِیدُوهَا- وَ أَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا- أَمَّا اللَّیْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ- تَالِینَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ یُرَتِّلُونَهَا تَرْتِیلًا- یُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَ یَسْتَثِیرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ- فَإِذَا مَرُّوا بِآیَهٍ فِیهَا تَشْوِیقٌ رَکَنُوا إِلَیْهَا طَمَعاً- وَ تَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَیْهَا شَوْقاً وَ ظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْیُنِهِمْ- وَ إِذَا مَرُّوا بِآیَهٍ فِیهَا تَخْوِیفٌ- أَصْغَوْا إِلَیْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ- وَ ظَنُّوا أَنَّ زَفِیرَ جَهَنَّمَ وَ شَهِیقَهَا فِی أُصُولِ آذَانِهِمْ- فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ- مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَ أَکُفِّهِمْ وَ رُکَبِهِمْ وَ أَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ- یَطْلُبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِی فَکَاکِ رِقَابِهِمْ- وَ أَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِیَاءُ- قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْیَ الْقِدَاحِ- یَنْظُرُ إِلَیْهِمُ النَّاظِرُ فَیَحْسَبُهُمْ مَرْضَى- وَ مَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ وَ یَقُولُ قَدْ خُولِطُوا- وَ لَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِیمٌ- لَا یَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِیلَ- وَ لَا یَسْتَکْثِرُونَ الْکَثِیرَ- فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ وَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ- إِذَا زُکِّیَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا یُقَالُ لَهُ فَیَقُولُ- أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِی مِنْ غَیْرِی وَ رَبِّی أَعْلَمُ بِی مِنِّی بِنَفْسِی- اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِی بِمَا یَقُولُونَ- وَ اجْعَلْنِی أَفْضَلَ مِمَّا یَظُنُّونَ وَ اغْفِرْ لِی مَا لَا یَعْلَمُونَ فَمِنْ عَلَامَهِ أَحَدِهِمْ أَنَّکَ تَرَى لَهُ قُوَّهً فِی دِینٍ- وَ حَزْماً فِی لِینٍ وَ إِیمَاناً فِی یَقِینٍ وَ حِرْصاً فِی عِلْمٍ- وَ عِلْماً فِی حِلْمٍ وَ قَصْداً فِی غِنًى وَ خُشُوعاً فِی عِبَادَهٍ- وَ تَجَمُّلًا فِی فَاقَهٍ وَ صَبْراً فِی شِدَّهٍ وَ طَلَباً فِی حَلَالٍ- وَ نَشَاطاً فِی هُدًى وَ تَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ- یَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَهَ وَ هُوَ عَلَى وَجَلٍ- یُمْسِی وَ هَمُّهُ الشُّکْرُ وَ یُصْبِحُ وَ هَمُّهُ الذِّکْرُ- یَبِیتُ حَذِراً وَ یُصْبِحُ فَرِحاً- حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَهِ- وَ فَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَ الرَّحْمَهِ- إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَیْهِ نَفْسُهُ فِیمَا تَکْرَهُ- لَمْ یُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِیمَا تُحِبُّ- قُرَّهُ عَیْنِهِ فِیمَا لَا یَزُولُ وَ زَهَادَتُهُ فِیمَا لَا یَبْقَى- یَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ وَ الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ- تَرَاهُ قَرِیباً أَمَلُهُ قَلِیلًا زَلَلُهُ خَاشِعاً قَلْبُهُ- قَانِعَهً نَفْسُهُ مَنْزُوراً أَکْلُهُ سَهْلًا أَمْرُهُ- حَرِیزاً دِینُهُ مَیِّتَهً شَهْوَتُهُ مَکْظُوماً غَیْظُهُ- الْخَیْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ وَ الشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ- إِنْ کَانَ فِی الْغَافِلِینَ کُتِبَ فِی الذَّاکِرِینَ- وَ إِنْ کَانَ فِی الذَّاکِرِینَ لَمْ یُکْتَبْ مِنَ الْغَافِلِینَ- یَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَ یُعْطِی مَنْ حَرَمَهُ- وَ یَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ بَعِیداً فُحْشُهُ- لَیِّناً قَوْلُهُ غَائِباً مُنْکَرُهُ حَاضِراً مَعْرُوفُهُ- مُقْبِلًا خَیْرُهُ مُدْبِراً شَرُّهُ- فِی الزَّلَازِلِ وَقُورٌ وَ فِی الْمَکَارِهِ صَبُورٌ- وَ فِی الرَّخَاءِ شَکُورٌ لَا یَحِیفُ عَلَى مَنْ یُبْغِضُ- وَ لَا یَأْثَمُ فِیمَنْ یُحِبُّ- یَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ یُشْهَدَ عَلَیْهِ- لَا یُضِیعُ مَا اسْتُحْفِظَ وَ لَا یَنْسَى مَا ذُکِّرَ- وَ لَا یُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ وَ لَا یُضَارُّ بِالْجَارِ- وَ لَا یَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ وَ لَا یَدْخُلُ فِی الْبَاطِلِ- وَ لَا یَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ- إِنْ صَمَتَ لَمْ یَغُمَّهُ صَمْتُهُ وَ إِنْ ضَحِکَ لَمْ یَعْلُ صَوْتُهُ- وَ إِنْ بُغِیَ عَلَیْهِ صَبَرَ حَتَّى یَکُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِی یَنْتَقِمُ لَهُ- نَفْسُهُ مِنْهُ فِی عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَهٍ- أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِآخِرَتِهِ وَ أَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ- بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَ نَزَاهَهٌ- وَ دُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِینٌ وَ رَحْمَهٌ- لَیْسَ تَبَاعُدُهُ بِکِبْرٍ وَ عَظَمَهٍ وَ لَا دُنُوُّهُ بِمَکْرٍ وَ خَدِیعَهٍ- قَالَ فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَهً کَانَتْ نَفْسُهُ فِیهَا- فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع
أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ کُنْتُ أَخَافُهَا عَلَیْهِ- ثُمَّ قَالَ أَ هَکَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَهُ بِأَهْلِهَا- فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ فَمَا بَالُکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ- فَقَالَ ع وَیْحَکَ إِنَّ لِکُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لَا یَعْدُوهُ- وَ سَبَباً لَا یَتَجَاوَزُهُ فَمَهْلًا لَا تَعُدْ لِمِثْلِهَا- فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّیْطَانُ عَلَى لِسَانِکَ
المعنى
أقول: و من هاهنا اختلفت نسخ النهج فکثیر منها تکون هذه الخطبه فیها أوّل المجلد الثانی منه بعد الخطبه المسمّاه بالقاصعه، و یکون عقیب کلامه للبرج بن مسهر الطائى قوله: و من خطبه له علیه السّلام الحمد للّه الّذى لا تدرکه الشواهد و لا تحویه المشاهد، و کثیر من النسخ تکون هذه الخطبه فیها متّصله بکلامه علیه السّلام للبرج بن مسهر و یتأخّر تلک الخطبه فیکون بعد قوله: و من کلامه له علیه السّلام و هو یلی غسل رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و یتّصل ذلک إلى تمام الخطبه المسمّاه بالقاصعه. ثمّ یلیه قوله: باب المختار من کتب أمیر المؤمنین و رسائله، و علیه جماعه الشارحین کالإمام قطب الدین أبى الحسن الکیدرىّ و الفاضل عبد الحمید بن أبى الحدید، و وافقتهم هذا الترتیب لغلبه الظنّ باعتمادهم على النسخ الصحیحه. فأمّا همام هذه فهو همام بن شریح بن یزید بن مرّه بن عمرو بن جابر بن عوف الأصهب، و کان من شیعه على علیه السّلام، و أولیائه ناسکا عابدا، و تثاقله علیه السّلام عن جوابه لما رأى من استعداد نفسه لأثر الموعظه، و خوفه علیه أن یخرج به خوف اللّه إلى انزعاج نفسه و صعوقها. فأمره بتقوى اللّه: أى فی نفسه أن یصیبها فادح بسبب سؤاله، و أحسن: أى أحسن إلیها بترک تکلیفها فوق طوقها، و لذلک قال علیه السّلام حین صعق همام: أما و اللّه لقد کنت أخافها علیه. فحیث لم یقنع همام إلّا بما سأل، و عزم علیه بذلک: أى ألحّ علیه فی السؤال و أقسم، أجابه.
فإن قلت: کیف جاز منه علیه السّلام أن یجیبه مع غلبه ظنّه بهلاکه و هو کالطبیب إنّما یعطى کلّا من المرضى بحسب احتمال طبیعته من الدواء.
قلت: إنّه لم یکن یغلب على ظنّه علیه السّلام إلّا الصعقه عن الوجد الشدید فأمّا أنّ تلک الصعقه فیها موته فلم یکن مظنونا له. و إنّما قدّم بیان کونه تعالى غنیّا عن الخلق فی طاعتهم و آمنا منهم فی معصیتهم لأنّه لمّا کانت أوامره تعالى بأسرها أو أکثرها یعود إلى الأمر بتقواه و طاعته و کان أشرف ما یتقرّب إلیه البشر بالتقوى، و هو فی معرض صفه المتّقین فرّبما خطر ببعض أوهام الجاهلین أنّ للّه تعالى فی تقواه و طاعته منفعه، و له بمعصیته مضرّه فصدّره الخطبه بتنزیهه تعالى عن الانتفاع و التضرّر. و قد مرّ برهان ذلک غیر مرّه. و قوله: فقسم. إلى قوله: مواضعهم. تقریر و تأکید لکمال غناه عنهم لأنّه إذا کان وجوده هو مبدء خلقهم و قسمه معایشهم و وضعهم من الدنیا فی مراتبهم و منازلهم من غنىّ و فقیر و شریف و وضیع فهو الغنىّ المطلق عنهم، و إلیه الإشاره بقوله تعالى «نَحْنُ قَسَمْنا بَیْنَهُمْ مَعِیشَتَهُمْ فِی الْحَیاهِ الدُّنْیا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ»«» ثمّ أخذ فی غرض الخطبه، و هو وصف المتّقین فوصفهم بالوصف المجمل.
فقال: فالمتّقون فیها هم أهل الفضایل: أى الّذین استجمعوا الفضایل المتعلّقه بإصلاح قوّتى العلم و العمل،
ثمّ شرع فی تفصیل تلک الفضایل و نسقها:
فالاولى: الصواب فی القول
و هو فضیله العدل المتعلّقه باللسان، و حاصله أن لا یسکت عمّا ینبغی أن یقال فیکون مفرّطا، و لا یقول ما ینبغی أن یسکت عنه فیکون مفرطا بل یضع کلّا من الکلام فی موضعه اللایق به، و هو أخصّ من الصدق لجواز أن یصدق الإنسان فیما لا ینبغی من القول.
الثانیه: و ملبسهم الاقتصاد
و هو فضیله العدل فی الملبوس فلا یلبس ما یلحقه بدرجه المترفین، و لا ما یلحقه بأهل الخسّه و الدناءه ممّا یخرج به عن عرف الزاهدین فی الدنیا.
الثالثه: مشى التواضع
و التواضع ملکه تحت العفّه تعود إلى العدل بین رذیلتى المهانه و الکبر، و مشى التواضع مستلزم للسکون و الوقار عن تواضع نفسهم.
الرابعه: غضّ الأبصار عمّا حرّم اللّه
و هو ثمره العفّه.
الخامسه: و قوفهم أسماعهم على سماع العلم النافع
و هو فضیله العدل فی قوّه السمع، و العلوم النافعه ما هو کمال القوّه النظریّه من العلم الإلهى و ما یناسبه، و ما هو کمال للقوّه العملیّه و هى الحکمه العملیّه کما سبق بیانها.
السادسه: نزول أنفسهم منهم فی البلاء کنزولها فی الرخاء
أى لا تقنط من بلاء ینزل بها و لا یبطر برخاء یصیبها بل مقامها فی الحالین مقام الشکر. و الّذى صفه مصدر محذوف، و الضمیر العاید إلیه محذوف أیضا، و التقدیر نزلت کالنزول الّذى نزلته فی الرخاء، و یحتمل أن یکون المراد بالّذى الّذین محذف النون کما فی قوله تعالى «کَالَّذِینَ مِنْ» و یکون المقصود تشبیههم حال نزول أنفسهم منهم فی البلاء بالّذین نزلت أنفسهم منهم فی الرخاء، و المعنى واحد.
السابعه: غلبه الشوق إلى ثواب اللّه و الخوف من عقابه على نفوسهم
إلى غایه أنّ أرواحهم لا تستقرّ فی أجسادهم من ذلک لولا الآجال الّتی کتبت لهم، و هذا الشوق و الخوف إذا بلغ إلى حدّ الملکه فإنّه یستلزم دوام الجدّ فی العمل و الإعراض عن الدنیا، و مبدءهما تصوّر عظمه الخالق، و بقدر ذلک یکون تصوّر عظمه وعده و وعیده، و بحسب قوّه ذلک التصوّر یکون قوّه الخوف و الرجاء، و هما بابان عظیمان للجنّه.
الثامنه: عظم الخالق فی أنفسهم
و ذلک بحسب الجواذب الإلهیّه إلى الاستغراق فی معرفته و محبّته، و بحسب تفاوت ذلک الاستغراق یکون تفاوت تصوّر العظمه، و بحسب تصوّر عظمته تعالى یکون تصوّرهم لأصغریّه ما دونه و نسبته إلیه فی أعین بصائرهم.
و قوله: فهم و الجنّه کمن رآها. إلى قوله: معذّبون. إشاره إلى أنّ العارف و إن کان فی الدنیا بجسده فهو فی مشاهدته بعین بصیرته لأحوال الجنّه و سعادتها و أحوال النار و شقاوتها کالّذین شاهدوا الجنّه بعین حسّهم و تنعّموا فیها، و کالّذین شاهدوا النار و عذّبوا فیها. و هى مرتبه عین الیقین. فحسب هذه المرتبه کانت شدّه شوقهم إلى الجنّه و شدّه خوفهم من النار.
التاسعه: حزن قلوبهم
و ذلک ثمره خوف الغالب.
العاشره: کونهم مأمونى الشرّ
و ذلک أنّ مبدء الشرور محبّه الدنیا و أباطیلها و العارفون بمعزل عن ذلک.
الحادیه عشر: نحافه أجسادهم
و مبدء ذلک کثره الصیام و السهر و جشوبه المطعم و خشونه الملبس و هجر الملاذّ الدنیویّه.
الثانیه عشر: خفّه حاجتهم
و ذلک لاقتصارهم من حوائج الدنیا على القدر الضرورىّ من ملبس و مأکل، و لا أخفّ من هذه الحاجه.
الثالثه عشر: عفّه أنفسهم
و ملکه العفّه فضیله القوّه الشهویّه، و هى الوسط بین رذیلتى خمود الشهوه و الفجور.
الرابعه عشر: الصبر على المکاره أیّام حیاتهم من ترک الملاذّ الدنیویّه، و احتمال أذى الخلق، و قد عرفت أنّ الصبر مقاومه النفس الأمّاره بالسوء لئلّا ینقاد إلى قبائح اللذّات، و إنّما ذکر قصر مدّه الصبر و استعقابه للراحه الطویله ترغیبا فیه، و تلک الراحه بالسعاده فی الجنّه کما قال تعالى «وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّهً وَ حَرِیراً» الآیه. و قوله: تجاره مربحه. استعار لفظ التجاره لأعمالهم الصالحه و امتثال أوامر اللّه، و وجه المشابهه کونهم متعوّضین بمتاع الدنیا و بحرکاتهم فی العباده متاع الآخره، و رشّح بلفظ الربح لأفضلیّه متاع الآخره و زیادته فی النفاسه على ما ترکوه، و ظاهر أنّ ذلک بتیسیر اللّه لأسبابه و إعدادهم له بالجواذب الإلهیّه.
الخامسه عشر: عدم إرادتهم للدنیا مع إرادتها لهم
و هو إشاره إلى الزهد الحقیقىّ، و هو ملکه تحت العفّه، و کنّى بإرادتها عن کونهم أهلا لأن یکونوا فیها رؤساءاً و أشرافا کقضاه و وزراء و نحو ذلک، و کونها بمعرض أن تصل إلیهم لو أرادوها، و یحتمل أن یرید أرادهم أهل الدنیا فحذف المضاف.
السادسه عشر: افتداء من أسرته لنفسه منها
و هو إشاره إلى من ترکها و زهد فیها بعد الانهماک فیها و الاستمتاع بها ففکّ بذلک الترک و الإعراض و التمرّن على طاعه اللّه أغلال الهیئات الردیئه المکتسبه منها من عنقه، و لفظ الأسر استعاره فی تمکّن تلک الهیئات من نفوسهم، و لفظ الفدیه استعاره لتبدیل ذلک الاستمتاع بها بالإعراض عنها و المواظبه على طاعه اللّه، و إنّما عطف بالواو فی قوله: و لم یریدوها، و بالفاء فی قوله: ففدوا. لأنّ زهد الإنسان فی الدنیا کما یکون متأخّرا عن إقبالها علیه کذلک قد یکون متقدّما علیه لقوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: و من جعل الآخره أکبر همّه جمع اللّه علیه همّه و أتته الدنیا و هى راغمه. فلم یحسن العطف هنا بالفاء، و أمّا الفدیه فلمّا لم یکن إلّا بعد الأسر لا جرم عطفها بالفاء.
السابعه عشر: کونهم صافیّن أقدامهم باللیل یتلون القرآن و یرتّلونه.
إلى قوله: آذانهم. و ذلک إشاره إلى تطویع نفوسهم الأمّاره بالسوء بالعبادات، و شرح لکیفیّه استثارتهم للقرآن العزیز فی تلاوته و غایه ترتیلهم له بفهم مقاصده و تحزینهم لأنفسهم به عند ذکر الوعیدات من جمله استثارتهم لإدواء دائهم، و لمّا کان داؤهم هو الجهل و سائر رذائل العملیّه کان دواء الجهل بالعلم، و دواء کلّ رذیله الحصول على الفضیله المضادّه. فهم بتلاوه القرآن یستثیرون بالتحزین الخوف من وعید اللّه المضادّ للانهماک فی الدنیا، و دوائه العلم الّذى هو دواء الجهل، و کذلک کلّ فضیله حثّ القرآن علیها فهى دواء لما یضادّها من الرذائل، و باقى الکلام شرح لکیفیّه التحزین و التشویق. و قوله: فهم حانون على أوساطهم. ذکر لکیفیّه رکوعهم.
و قوله: مفترشون لجباههم. إلى قوله: أقدامهم. إشاره إلى کیفیّه سجودهم، و ذکر الأعضاء السبعه. و قوله: یطّلبون. إلى قوله: رقابهم. إشاره إلى غایتهم من عبادتهم تلک.
الثامنه عشر:- من صفات النهار- کونهم حکماء
و أراد الحکمه الشرعیّه و ما فیها من کمال القوّه العلمیّه و العملیّه لکونها المتعارفه بین الصحابه و التابعین، و روى: حلماء. و الحلم فضیله تحت ملکه الشجاعه هى الوسط بین رذیلتى المهانه و الإفراط فی الغضب، و إنّما خصّ اللیل بالصلاه لکونها أولى بها من النهار کما سبق.
التاسعه عشر: کونهم علماء
و أراد کمال القوّه النظریّه بالعلم النظرىّ و هو معرفه الصانع و صفاته.
العشرون: کونهم أبرار
و البرّ یعود إلى العفیف لمقابلته الفاجر.
الحادیه و العشرون: کونهم أتقیاء
و المراد بالتقوى هاهنا الخوف من اللّه. و قد مرّ ذکر العفّه و الخوف، و إنّما کرّرها هنا فی إعداد صفاتهم بالنهار و ذکرها هناک فی صفاتهم المطلقه.
قوله: و قد براهم الخوف. إلى قوله: عظیم. شرح لفعل الخوف الغالب بهم، و إنّما یفعل الخوف ذلک لاشتغال النفس المدبّره للبدن به عن النظر فی صلاح البدن، و وقوف القوّه الشهویّه و الغاذیّه عن إدّاء بدل ما یتحلّل، و شبّه برى الخوف لهم ببرى القداح و وجه التشبیه شدّه النحافه، و یتبع ذلک تغیّر السحنات و الضعف عن الانفعالات النفسانیّه من الخوف و الحزن حتّى یحسبهم الناظر مرضى و إن لم یکن بهم مرض، و یقول قد خولطوا إشاره إلى ما یعرض لبعض العارفین عند اتّصال نفسه بالملأ الأعلى و اشتغالها عن تدبیر البدن و ضبط حرکاته من أن یتکلّم بکلام خارج عن المتعارف مستبشع بین أهل الشریعه الظاهره فینسب ذلک منه إلى الاختلاط و الجنون و تاره إلى الکفر و الخروج عن الدین کما نقل عن الحسین بن منصور الحلّاج و غیره.
و قوله: و لقد خالطهم أمر عظیم. و هو اشتغال أسرارهم بملاحظه جلال اللّه و مطالعه أنوار الملأ الأعلى.
الثانیه و العشرون: کونهم لا یرضون القلیل.
إلى قوله: الکثیر، و ذلک لتصوّرهم شرف غایتهم المقصوده بأعمالهم. و قوله: فهم لأنفسهم متّهمون. إلى قوله: ما لا یعلمون. فتهمتهم لأنفسهم و خوفهم من أعمالهم یعود إلى شکّهم فیما یحکم به أوهامهم من حسن عبادتهم، و کونها مقبوله أو واقعه على الوجه المطلوب الموصل إلى اللّه تعالى فإنّ هذا الوهم یکون مبدءا للعجب بالعباده و التقاصر عن الازدیاد من العمل.
و التشکّک فی ذلک و تهمه النفس بانقیادها فی ذلک الحکم للنفس الأمّاره یستلزم خوفها أن تکون تلک الأعمال قاصره عن الوجه المطلوب و غیر واقعه علیه فیکون باعثا على العمل و کاسرا للعجب به، و قد عرفت أن العجب من المهلکات کما قال علیه السّلام: ثلاث مهلکات: شحّ مطاع و هوى متّبع و إعجاب المرء بنفسه. و کذلک خوفهم من تزکیه الناس لهم هو الدواء لما ینشأ عن تلک التزکیه من الکبر و العجب بما یزکّون به. فیکون جواب أحدهم عند تزکیته: إنّى أعلم بنفسى من غیرى. إلى آخره.
ثمّ شرع بعد ذلک فی علاماتهم الّتی بجملتها یعرف أحدهم.
و الصفات السابقه و إن کان کثیر منها مما یخصّ أحدهم و یعرف به إلّا أنّ بعضها قد یدخله الریاء فلا یدخل على التقوى الحقّه فجمعها هاهنا و نسقها:
فالأولى: القوّه فی الدین
و ذلک أن یقاوم فی دینه الوسواس الخنّاس و لا یدخل فیه خداع الناس، و هذا إنّما یکون فی دین العالم.
الثانیه: الحزم فی الأمور
الدنیویّه و التثبّت فیها ممزوجا باللین للخلق و عدم الفظاظه علیهم کما فی المثل: لا تکن حلوا فتسترط و لا مرّا فتلفظ. و هى فضیله العدل فی المعامله مع الخلق، و قد علمت أنّ اللین قد یکون للتواضع المطلوب بقوله «وَ اخْفِضْ جَناحَکَ لِمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ»«» و قد یکون عن مهانه و ضعف یقین، و الأوّل هو المطلوب و هو المقارن للحزم فی الدین و مصالح النفس، و الثانی رذیله و لا یمکن معه الحزم لانفعال المهین عن کلّ جاذب.
الثالثه: الإیمان فی الیقین
و لمّا کان الإیمان عباره عن التصدیق بالصانع و بما وردت به الشریعه، و کان ذلک التصدیق قابلا للشدّه و الضعف، فتاره یکون عن التقلید و هو الاعتقاد المطابق لا لموجب، و تاره یکون عن العلم و هو الاعتقاد المطابق لموجب هو الدلیل، و تاره عن العلم به مع العلم بأنّه لا یکون إلّا کذلک، و هو علم الیقین- و محقّقوا الساکین لا یقفون عند هذه المرتبه بل یطلبون الیقین بالمشاهده بعد طرح حجب الدنیا و الإعراض عنها- أراد أنّ علمهم علم یقین لا یتطرّق إلیه احتمال.
الرابعه:
الحرص فی العلم و الازدیاد منه.
الخامسه: مزج العلم و هو فضیله القوّه الملکیّه بالحلم
و هو من فضایل القوّه السبعیّه.
السادسه: القصد فی الغنى
و هو فضیله العدل فی استعمال متاع الدنیا و حذف الفضول عن قدر الضروره.
السابعه: الخشوع فی العباده
و هو من ثمره الفکر فی جلال المعبود و ملاحظه عظمته الّذی هو روح العباده.
الثامنه: التحمّل فی الفاقه
و ذلک بترک الشکوى إلى الخلق و الطلب منهم، و إظهار الغنى عنهم. و ذلک ینشأ عن القناعه و الرضا بالقضاء و علوّا الهمّه، و یعین على ذلک ملاحظه الوعد الأجلّ و ما اعدّ للمتّقین.
التاسعه:
و کذلک الصبر فی الشدّه.
العاشره:
الطلب فی الحلال، و ینشأ عن العفّه.
الحادیه عشر: النشاط فی الهدى
و سلوک سبیل اللّه. و ینشأ عن قوّه الاعتقاد فیما وعد المتّقون و تصوّر شرف الغایه.
الثانیه عشر: عمل الصالحات على وجل
أى من أن یکون على غیر الوجه اللایق فلا یقبل کما روى عن زین العابدین علیه السّلام أنّه کان فی التلبیه و هو على راحلته فخرّ مغشیّاً علیه فلمّا أفاق قیل له ذلک. فقال: خشیت أن یقول لی ربّى: لا لبّیک و لا سعدیک.
الثالثه عشر: أن یکون همّهم عند المساء الشکر
على ما رزقوا بالنهار و ما لم یرزقوا، و یصبحوا و همّهم الذکر للّه لیذکرهم فیرزقهم من الکمالات النفسانیّه و البدنیّه کما قال تعالى «فَاذْکُرُونِی أَذْکُرْکُمْ وَ اشْکُرُوا لِی وَ لا تَکْفُرُونِ».
الرابعه عشر: أن یبیت حذرا و یصبح فرحا. إلى قوله: الرحمه
تفسیر لمحذور و ما به الفرح، و لیس مقصوده تخصیص البیات بالحذر و الصباح بالفرح کما یقول أحدنا یمسى فلان و یصبح حذرا فرحا، و کذلک تخصیصه الشکر بالمساء و الذکر بالصباح یحتمل أن لا یکون مقصودا.
الخامسه عشر: قوله إن استصعبت. إلى قوله: تحبّ.
إشاره إلى مقاومته لنفسه الأمّاره بالسوء عند استصعابها علیه، و قهره لها على ما تکره و عدم مطاوعته لها فی میولها الطبیعیّه و محابّها.
السادسه عشر: أن یرى قرّه عینه فیما لا یزول
من الکمالات النفسانیّه الباقیه کالعلم و الحکمه و مکارم الأخلاق المستلزمه للذّات الباقیه و السعاده الدائمه، و قرّه عینه کنایه عن لذّته و ابتهاجه لاستلزامها لقرار العین و بردها برؤیه المطلوب، و زهادته فیما لا یبقى من متاع الدنیا.
السابعه عشر: أن یمزج بالحلم العلم
فلا یجهل و یطیش، و القول بالعمل فلا یقول ما لا یفعل فلا یأمر بمعروف و یقف دونه و لا ینهى عن منکر ثمّ یفعله، و لا یعد فیخلف فیدخل فی مقت اللّه کما قال تعالى «کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ».
الثامنه عشر: قصر أمله و قربه
و ذلک لکثره ذکر الموت و الوصول إلى اللّه.
التاسعه عشر: قلّه زلله
قد عرفت أنّ زلل العارفین یکون من باب ترک الأولى لأنّ صدور الخیرات عنهم صادر ملکه و الجواذب فیهم إلى الزلل و الخطیئات نادره تکون لضروره منهم أو سهو، و لا شکّ فی قلّته.
العشرون: خشوع قلبه
عن تصوّر عظمته المعبود و جلاله.
الحادیه و العشرون: قناعه نفسه
و ینشأ عن ملاحظه حکمه اللّه فی قدرته و قسمته الأرزاق، و یعین علیها تصوّر فوائدها الحاضره و غایتها فی الآخره.
الثانیه و العشرون: قلّه أکله
و ذلک لما یتصوّر فی البطنه من ذهاب الفطنه و زوال الرقّه و حدوث القسوه و الکسل عن العمل.
الثالثه و العشرون: سهوله أمره
أى لا یتکلّف لأحد و لا یکلّف أحدا.
الرابعه و العشرون: حرز دینه
فلا یهمل منه شیئا و لا یطرق إلیه خللا.
الخامسه و العشرون: موت شهوته
و لفظ الموت مستعار لخمود شهوته عمّا حرّم علیه. و یعود إلى العفّه.
السادسه و العشرون: کظم غیظه
و هو من فضائل القوّه الغضبیّه.
السابعه و العشرون: کونه مأمول الخیر
و ذلک لأکثریّه خیریّته، مأمون الشرور و ذلک لعلم الخلق بعدم قصده للشرور.
الثامنه و العشرون: قوله: إن کان فی الغافلین.
إلى قوله: الغافلین: أى إن رآه الناس فی عداد الغافلین عن ذکر اللّه لترکه الذکر باللسان کتب عند اللّه من الذاکرین لاشتغال قلبه بالذکر و إن ترکه بلسانه، و إن کان من الذاکرین بلسانه بینهم فظاهر أنّه لا یکتب من الغافلین. و لذکر اللّه ممادح کثیره و هو باب عظیم من أبواب الجنّه و الاتّصال لجناب اللّه، و قد أشرنا إلى فضیلته و أسراره.
التاسعه و العشرون: عفوه عمّن ظلمه
و العفو فضیله تحت الشجاعه، و خصّ من ظلمه لیتحقّق عفوه مع قوّه الداعى إلى الانتقام.
الثلاثون: و یعطى من حرمه
و هى فضیله تحت السخاء.
الحادیه و الثلاثون: و یصل من قطعه
و المواصله فضیله تحت العفّه.
الثانیه و الثلاثون: بعد فحشه
و أراد ببعد الفحش عنه أنّه قلّما یخرج فی أقواله إلى ما لا ینبغی.
الثالثه و الثلاثون: لیّنه فی القول
عند محاوره الناس و وعظهم و معاملتهم، و هو من أجزاء التواضع.
الرابعه و الثلاثون: غیبه منکره
و حضور معروفه، و ذلک للزومه حدود اللّه.
الخامسه و الثلاثون: إقبال خیره و إدبار شرّه
و هو کقوله: الخیر منه مأمول و الشرّ منه مأمون، و یحتمل باقبال خیره أخذه فی الازدیاد من الطاعه و تشمیره فیها، و بقدر ذلک یکون إدباره عن الشرّ لأنّ من استقبل أمرا و سعى فیه بعد عمّا یضادّه و أدبر عنه.
السادسه و الثلاثون: وقاره فی الزلازل
و کنّى بها عن الامور العظام و الفتن الکبار المستلزمه لاضطراب القلوب و أحوال الناس. و الوقار ملکه تحت الشجاعه.
السابعه و الثلاثون: کثره صبره فی المکاره
و ذلک عن ثباته و علوّ همّته عن أحوال الدنیا.
الثامنه و الثلاثون: کثره شکره فی الرخاء
و ذلک لمحبّه المنعم الأوّل- جلّت قدرته- فیزداد شکره فی رخائه و إن قلّ.
التاسعه و الثلاثون: کونه لا یحیف على من یبغض
و هو سلب للحیف و الظلم مع قیام الداعى إلیهما و هو البغض لمن یتمکّن من حیفه و ظلمه.
الأربعون: کونه لا یأثم فیمن یحبّ
و هو سلب لرذیله الفجور عنه باتّباع الهوى فیمن یحبّ إمّا بإعطائه ما لا یستحقّ أو دفع ما یستحقّ علیه عنه کما یفعله قضاه السوء و امراء الجور. فالمتّقى لا یأثم بشیء من ذلک مع قیام الداعى إلیه و هو المحبّه لمن یحبّه بل یکون على فضیله العدل فی الکلّ على السواء.
الحادیه و الأربعون: اعترافه بالحقّ قبل أن یشهدوا علیه
و ذلک لتحرّزه فی دینه من الکذب. إذ الشهاده إنّما یحتاج إلیها مع إنکار الحقّ، و ذلک کذب.
الثانیه و الأربعون: کونه لا یضیع أماناته و لا یفرط فیما استحفظه
اللّه من دینه و کتابه، و ذلک لورعه و لزوم حدود اللّه.
الثالثه و الأربعون: و لا ینسى ما ذکر
من آیات اللّه و عبره و أمثاله و لا یترک العمل بها، و ذلک لمداومته ملاحظتها و کثره إخطارها بباله و العمل بها لغایته المطلوبه منه.
الرابعه و الأربعون: و لا ینابز بالألقاب
و ذلک لملاحظته النهى فی الذکر الحکیم «وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ»«» و لسرّ ذلک النهى و هو کون ذلک مستلزما لإثاره الفتن و التباغض بین الناس، و الفرقه المضادّه لمطلوب الشارع.
الخامسه و الأربعون: و لا یضارّ بالجار
لملاحظه وصیّه اللّه تعالى «وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِکُوا بِهِ»«» و وصیّه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلم فی المرفوع إلیه: أوصانى ربّى بالجار حتّى ظننت أنّه یورّثه، و لغایه ذلک و هى الالفه و الاتّحاد فی الدین.
السادسه و الأربعون: و لا یشمت بالمصائب
و ذلک لعلمه بأسرار القدر، و ملاحظته لأسباب المصائب، و أنّه فی معرض أن تصیبه فیتصوّر أمثالها فی نفسه فلا یفرح بنزولها على غیره.
السابعه و الأربعون: أنّه لا یدخل الباطل و لا یخرج عن الحقّ
أى لا یدخل فیما یبعّد عن اللّه تعالى من باطل الدنیا و لا یخرج عمّا یقرّب إلیه من مطالبه الحقّه، و ذلک لتصوّر شرف غایته.
الثامنه و الأربعون: کونه لا یغمّه صمته
لوضعه کلّا من الصمت و الکلام فی موضعه، و إنّما یستلزم الغمّ الصمت عمّا ینبغی من القول و هو صمت فی غیر موضعه.
التاسعه و الأربعون: کونه لا یعلو ضحکه
و ذلک لغلبه ذکر الموت و ما بعده على قلبه، و ممّا نقل من صفات الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلم: کان أکثر ضحکه التبسّم، و قد یفتر أحیانا، و لم یکن من أهل القهقهه و الکرکره. و هما کیفیّتان للضحک.
الخمسون: صبره فی البغى علیه إلى غایه انتقام اللّه له
و ذلک منه نظرا إلى ثمره الصبر و إلى الوعد الکریم ذلک «ذلِکَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِیَ عَلَیْهِ لَیَنْصُرَنَّهُ»«» الآیه و قوله «وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ».
الحادیه و الخمسون: کون نفسه منه فی عناء
أى نفسه الأمّاره بالسوء لمقاومته لها و قهرها و مراقبته إیّاها، و الناس من أذاه فی راحه لذلک.
الثانیه و الخمسون: کون بعده عمّن تباعد عنه لزهده
فیما فی أیدى الناس و نزاهته عنه لا عن کبر و تعظیم علیهم، و کذلک دنوّه ممن دنا منه عن لین و رحمه منه لهم لا بمکر بهم و خدیعه لهم عن بعض المطالب کما هو عاده الخبیث المکّار.
و هذه الصفات و العلامات قد یتداخل بعضها بعضا، و لکن تورد بعباره أخرى أو یذکر مفرده ثمّ یذکر ثانیا مرکّبه مع غیرها. و بالجمله فهذه الخطبه من جلیل و بلیغ وصفه و لذلک فعلت بهمّام ما فعلت. فأمّا جوابه علیه السّلام لمن سأله بقوله: ویحک إنّ لکلّ أجل وقتا لا یعدوه: أى ینتهى إلیه و یکون غایه له لا یتجاوزها و لا یتأخّر عنها، و الضمیر فی یعدوه للأجل. و سببا لا یتجاوزه: أى و لذلک الأجل سبب: أى علّه فاعله لا یتعدّاها إلى غیرها من الأسباب فمنها ما یکون موعظه بالغه کهذه. فهو جواب مقنع للسامع مع أنّه حقّ و صدق، و هو إشاره إلى السبب الأبعد لبقائه علیه السّلام عند سماع المواعظ البالغه و هو الأجل المحکوم به للقضاء الإلهىّ، و أمّا السبب القریب للفرق بینه و بین همّام و نحوه فقوّه نفسه القدسیّه على قبول الواردات الإلهیّه و تعوّده بها و بلوغ ریاضته حدّ السکینه عند ورود أکثرها و ضعف نفس همّام عمّا ورد علیه من خوف اللّه و رجائه. و لم یجب علیه السّلام بمثل هذا الجواب لاستلزامه تفضیل نفسه، أو لقصور فهم السائل. و نهیه له عن مثل هذا السؤال و التنفیر عنه کونه من نفثات الشیطان لوضعه فی غیر موضعه و هو من آثار الشیطان. و باللّه العصمه و التوفیق.
شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۳ ، صفحهى ۴۱۰
بازدیدها: ۱۲