خطبه 90 صبحی صالح
90- و من خطبة له ( عليه السلام ) و تشتمل على قدم الخالق و عظم مخلوقاته، و يختمها بالوعظ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ
وَ الْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ
الَّذِي لَمْ يَزَلْ قَائِماً دَائِماً
إِذْ لَا سَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ
وَ لَا حُجُبٌ ذَاتُ إِرْتَاجٍ
وَ لَا لَيْلٌ دَاجٍ
وَ لَا بَحْرٌ سَاجٍ
وَ لَا جَبَلٌ ذُو فِجَاجٍ
وَ لَا فَجٌّ ذُو اعْوِجَاجٍ
وَ لَا أَرْضٌ ذَاتُ مِهَادٍ
وَ لَا خَلْقٌ ذُو اعْتِمَادٍ
ذَلِكَ مُبْتَدِعُ الْخَلْقِ وَ وَارِثُهُ
وَ إِلَهُ الْخَلْقِ وَ رَازِقُهُ
وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ دَائِبَانِ فِي مَرْضَاتِهِ
يُبْلِيَانِ كُلَّ جَدِيدٍ
وَ يُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ
قَسَمَ أَرْزَاقَهُمْ
وَ أَحْصَى آثَارَهُمْ وَ أَعْمَالَهُمْ
وَ عَدَدَ أَنْفُسِهِمْ
وَ خَائِنَةَ أَعْيُنِهِمْ
وَ مَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ مِنَ الضَّمِيرِ
وَ مُسْتَقَرَّهُمْ وَ مُسْتَوْدَعَهُمْ مِنَ الْأَرْحَامِ
وَ الظُّهُورِ إِلَى أَنْ تَتَنَاهَى بِهِمُ الْغَايَاتُ
هُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ نِقْمَتُهُ عَلَى أَعْدَائِهِ فِي سَعَةِ رَحْمَتِهِ
وَ اتَّسَعَتْ رَحْمَتُهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي شِدَّةِ نِقْمَتِهِ
قَاهِرُ مَنْ عَازَّهُ
وَ مُدَمِّرُ مَنْ شَاقَّهُ
وَ مُذِلُّ مَنْ نَاوَاهُ
وَ غَالِبُ مَنْ عَادَاهُ
مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ
وَ مَنْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ
وَ مَنْ أَقْرَضَهُ قَضَاهُ
وَ مَنْ شَكَرَهُ جَزَاهُ
عِبَادَ اللَّهِ
زِنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُوزَنُوا
وَ حَاسِبُوهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَاسَبُوا
وَ تَنَفَّسُوا قَبْلَ ضِيقِ الْخِنَاقِ
وَ انْقَادُوا قَبْلَ عُنْفِ السِّيَاقِ
وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَنْ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِنْهَا وَاعِظٌ وَ زَاجِرٌ
لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا لَا زَاجِرٌ وَ لَا وَاعِظٌ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج6
و من خطبة له عليه السّلام و هى التاسعة و الثمانون من المختار فى باب الخطب
الحمد للّه المعروف من غير رؤية، و الخالق من غير رويّة، الّذي لم يزل قائما دائما، إذ لا سماء ذات أبراج، و لا حجب ذات أرتاج، و لا ليل داج، و لا بحر ساج، و لا جبل ذو فجاج، و لا فجّ ذو اعوجاج، و لا أرض ذات مهاد، و لا خلق ذو اعتماد، ذلك مبتدع الخلق و وارثه، و إله الخلق و رازقه، و الشّمس و القمر دائبان في مرضاته، يبليان كلّ جديد، و يقرّبان كل بعيد، قسّم أرزاقهم، و أحصى آثارهم و أعمالهم و عدد أنفاسهم و خائنة أعينهم و ما تخفي صدورهم من الضّمير، و مستقرّهم و مستودعهم من الأرحام و الظّهور، إلى أن تتناهى بهم الغايات، هو الّذي اشتدّت نقمته على أعدائه في سعة رحمته، و اتّسعت رحمته لأوليائه في شدّة نقمته، قاهر من عازّه، و مدمِّر من شاقّه، و مذلّ من ناواه، و غالب من عاداه، من توكّل عليه كفاه، و من سأله أعطاه، و من أقرضه قضاه، و من شكره جزاه، عباد اللَّه زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا و حاسبوها من قبل أن تحاسبوا، و تنفّسوا قبل ضيق الخناق، و انقادوا قبل عنف السّياق، و اعلموا أنّه من لم يعن على نفسه حتّى يكون له منها واعظ و زاجر، لم يكن له من غيرها زاجر و لا واعظ.
اللغة
(الرّوية) من روات في الأمر أى تفكّرت فيه و أصلها رؤيته و استعمالها في لسان العرب بغير همز و مثلها برية و (الأبراج) جمع البرج كالأركان و الرّكن لفظا و معنى و (الارتاج) إما مصدر باب الأفعال من ارتج الباب أغلقه أو جمع الرّتج محرّكة كالاسباب و السّبب و هو الباب العظيم.«» قال الشّارح المعتزلي: و يبعد رواية من رواه ذات ارتاج لأنّ فعالا قلّ أن يجمع على أفعال «انتهى» و أراد به أن أرتاج على تقدير جمعيّته واحدة رتاج و جمعه عليه قليل، و فيه أنه يرتفع الاستبعاد بجعله جمعا للرتج حسبما قلنا و هو كثير.
و (دجى) اللّيل دجّوا و دجوا أظلم فهو داج و ليلة داجية و (سجى) البحر سجوا سكن و (الفجاج) جمع الفجّ فهو الطريق الواسع بين جبلين و (المهاد) الفراش و (عازه) معازة غالبه قال سبحانه: و عزّني في الخطاب أى غلبني و (دمّره) تدميرا أهلكه و (شاقّه) مشاقّة و شقاقا خالفه و عاداه و (ناواه) أى عاداه و اللفظة مهموزة و إنما لينها لملاحظة السّجع و أصلها من النواء و هو النّهوض لأنّ كلّ المتعاديين ينهض إلى قتال الآخر و (العسف) بالضمّ ضدّ الرفق.
الاعراب
قوله: إذ لا سماء إذ ظرف للزمان الماضي و ملازم للاضافة إلى الجمل، و لا بمعنى ليس، و سماء اسمها و خبرها محذوف منصوبا على الاعمال كما هو مذهب أهل الحجاز، أو سماء مرفوع على الابتداء و خبره موجود بالرّفع على الاهمال و هو مذهب بني تميم و الأوّل أقوى، و جملة و الشّمس و القمراه مستأنفة، و جملة يبليان في محلّ النّصب على الحال من ضمير دائبان، و عدد أنفاسهم في بعض النسخ بجرّ أنفاسهم على إضافة العدد إليها و كونه اسما فيكون عطفا على آثارهم و في بعضها بنصبها على كونه مفعولا لعدد و جعله فعلا مجرّدا من باب قتل أو مزيدا من باب التفعيل أى أحصى أنفاسهم و على هذا فتكون الجملة معطوفة على الجملة السّابقة، و خائنة بالنّصب عطف على آثارهم أو أنفاسهم على الاحتمال الثّاني أو عدد على الاحتمال الأوّل، و كذلك مستقرّهم و مستودعهم، و من الأرحام و الظّهور متعلّق بالمستقرّ و المستودع على إرادة التّكرار و قوله: حتّى يكون قيد للمنفيّ أعنى يعن دون النفى.
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام صدّر هذه الخطبة الشّريفة بجملة من الصّفات الجمالية و الجلالية الالهية، و ذيّلها بالموعظة و النّصيحة و الحثّ على التزوّد و الاستعداد للآخرة فقال عليه السّلام: (الحمد للّه المعروف من غير رؤية) يعني أنّه سبحانه معروف بدلائل الملك و الملكوت و آثار القدرة و الجبروت و مدرك بحقايق الايمان من غير رؤية و مشاهدة بالعيان، لكونها من لواحق الامكان كما مرّ توضيحا و تحقيقا في شرح الخطبة التاسعة و الأربعين (و الخالق من غير روية) أراد أنّه تعالى خالق للأشياء بنفس قدرته التّامة الكاملة غير محتاج في خلقها إلى رويّة و فكرة كما يحتاج إليها نوع الانسان في إيجاد شيء، و ذلك انّ فايدة القوّة المفكّرة تحصيل المطالب المجهولة من المبادي المعلومة و الجهل محال على اللَّه سبحانه (الذي لم يزل قائما دائما) أمّا دوامه سبحانه فلأنّ وجوب الوجود يستحيل عليه العدم في الأزل و الأبد، و أمّا قيامه فالمراد به إما الدّوام و البقاء و إمّا القيام بأمور العالم و القيمومة على كلّ شيء بمراعاة حاله و درجة كماله و الحافظ لكلّ شيء و المدبّر لأمره أو الرّقيب على كلّ شيء و الحافظ عليه و به فسرّ قوله سبحانه: أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ و الأوّل أنسب بقوله (إذ لا سماء ذات أبراج) لأنّ القيمومة بالمعنى الأوّل من صفات الذّات و بالمعنى الثاني من صفات الفعل و بعد السّماء و وجود العالم لأنّه إذا لم يكن العالم مخلوقا بعد لم يصدق عليه أنه قائم بأمره إلّا بالقوّة لا بالفعل فافهم و المراد بالابراج إمّا الأركان كما هي معناها في اللغة و إمّا ما فسّر به قوله تعالى: «وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ».
و لهم في تفسيره ثلاثة أقوال:
أحدها أنها هي البروج الاثنا عشر التي فيها عجيب الحكمة إذ سير الشّمس فيها و مصالح العالم السّفلى مرتبطة بسير الشّمس
و ثانيها أن البروج هي منازل القمر
و ثالثها أنّها هي عظام الكواكب سميّت بروجا لظهورها و سيأتي تفصيل الكلام في ذلك في شرح الفصل الرابع من الخطبة الآتية (و لا حجب ذات ارتاج) أى ذات أبواب أو ذات أغلاق.
و اعلم أنّه قد كثر في الأخبار العاميّة و الخاصيّة ذكر الحجب و السّرادقات و تظافرت الأخبار في وجودها و من جملة تلك الرّوايات رواية الحسن البكري التي تقدّمت في التذييل الأوّل من تذييلات الفصل الثامن من فصول الخطبة الأولى.
و منها ما في البحار من الدّر المنثور للسيوطي عن سهل بن سعد و عبد اللَّه بن عمر قالا: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: دون اللَّه سبعون ألف حجاب من نور و ظلمة ما يسمع من نفس من حسن تلك الحجب إلّا زهقت نفسه.
و منها ما فيه عن شرح النهج للكيدرى عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم في حديث المعراج قال: فخرجت من سدرة المنتهى حتّى وصلت إلى حجاب من حجب العزّة ثمّ إلى حجاب آخر حتّى قطعت سبعين حجابا و أنا على البراق و بين كلّ حجاب و حجاب مسيرة خمسمائة سنة إلى أن قال: و رأيت في علّيّين بحارا و أنوارا و حجبا غيرها لو لا تلك لاحترق كلّ ما تحت العرش من نور العرش.
قال: و في الحديث أنّ جبرئيل عليه السّلام: قال: للّه دون العرش سبعون حجابا لو دنونا من أحدها لاحترقتنا سبحات وجه ربّنا.
أقول: قال النّوويّ في المحكىّ عن شرح صحيح مسلم: سبحات بضم السّين و الباء أى نوره و أراد بالوجه الذّات، و قال في البحار: سبحات اللَّه جلاله و عظمته و هي في الأصل جمع سبحة، و قيل: أضواء وجهه، و قيل: سبحات الوجه محاسنه لأنك إذا رأيت الوجه الحسن قلت سبحان اللَّه هذا.
و الأخبار في هذا المعنى كثيرة روى شطرا منها في البحار و قال بعد روايتها: و التحقيق أنّ لتلك الأخبار ظهرا و بطنا و كلاهما حقّ.
فأما ظهرها فانّه سبحانه كما خلق العرش و الكرسي مع عدم احتياجه إليهما كذلك خلق عندهما حجبا و أستارا و سرادقات، و حشاها من أنواره الغريبة المخلوقة له ليظهر لمن يشاهدها من الملائكة و بعض النّبيّين و لمن يسمعها من غيرهم عظمة قدرته و جلال هيبته وسعة فيضه و رحمته، و لعلّ اختلاف الأعداد باعتبار أنّ في بعض الاطلاقات اعتبرت الأنواع، و في بعضها الأصناف و الأشخاص أو ضمّ بعضها إلى بعض في بعض التعبيرات أو اكتفى بذكر بعضها في بعض الرّوايات.
و أمّا بطنها فلأنّ الحجب المانعة عن وصول الخلق إلى معرفة كنه ذاته و صفاته سبحانه امور كثيرة: منها ما يرجع إلى نقص المخلوق و قواه و مداركه بسبب الامكان و الافتقار و الاحتياج و الحدوث و ما يتبع ذلك من جهات النّقص و العجز و هي الحجب الظلمانية.
و منها ما يرجع إلى نوريّته و تجرّده و تقدّسه و وجوب وجوده و كمال عظمته و جلاله و ساير ما يتبع ذلك و هي الحجب النورانية و ارتفاع تلك الحجب بنوعيه محال، فلو ارتفعت لم يبق بغير ذات الحق شيء، أو المراد بكشفها رفعها في الجملة بالتخلّى عن الصفات الشهوانية و الأخلاق الحيوانيّة و التخلّق بالأخلاق الرّبانية بكثرة العبادات و الرّياضات و المجاهدات و ممارسة العلوم الحقّة، فترتفع الحجب بينه و بين اللَّه سبحانه في الجملة فيحرق ما يظهر عليهم من أنوار جلاله تعيّناتهم و إراداتهم و شهواتهم فيرون بعين اليقين كما له سبحانه و نقصهم، و بقائه و فنائهم، و عزّه، و ذلّهم، و غناه و افتقارهم، بل يرون وجودهم المستعار في جنب وجوده الكامل عدما، و قدرتهم الناقصة في جنب قدرته الكاملة عجزا بل يتخلّون عن إرادتهم و علمهم و قدرتهم فيتصرّف فيهم إرادته و قدرته و علمه سبحانه، فلا يشاءون إلّا أن يشاء اللَّه، و لا يريدون سوى ما أراد اللَّه، و يتصرّفون في الأشياء بقدرة اللَّه، فيحيون الموتى و يردّون الشمس و يشقّون القمر كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانيّة بل بقوّة ربانيّة، و المعنى الذي يمكن فهمه و لا ينافي أصول الدّين من الفناء في اللَّه و البقاء باللّه هو هذا المعنى.
و بعبارة اخرى الحجب النّورانية الموانع التي للعبد عن الوصول إلى قربه و غاية ما يمكنه من معرفته سبحانه من جهة العبادات كالرّياء و العجب و السّمعة و أشباهها و الظلمانية ما يحجبه من المعاصى عن الوصول إليه، فاذا ارتفعت تلك الحجب تجلّى اللَّه له في قلبه و أحرق محبّته ما سواه حتّى نفسه عن نفسه، و كلّ ذلك لا يوجب عدم الايمان بظواهرها، إلّا بمعارضة نصوص صحيحة صريحة صارفة عنها، و أوّل الالحاد سلوك التأويل من غير دليل و اللَّه الهادى إلى سواء السّبيل، انتهى كلامه رفع مقامه هذا.
و الأشبه أن يراد بقوله عليه السّلام: و لا حجب ذات ارتاج المعاني الظاهرة لها و إن أمكن إرادة معانيها الباطنة في الجملة، و أما احتمال أن يراد بالحجب السّماوات كما في شرحي المعتزلي و البحراني فبعيد مع سبق قوله عليه السّلام إذ لا سماء ذات ابراج (و لا ليل داج) اى مظلم (و لا بحر ساج) اى ساكن (و لا جبل ذو فجاج و لا فجّ ذو اعوجاج) و هو مأخوذ من قوله سبحانه: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً أى طرقا واسعة، و قيل: طرقا مختلفة عن ابن عبّاس، و قيل: سبلا في الصّحارى و فجاجا في الجبال (و لا أرض ذات مهاد) و هو ماخوذ من قوله سبحانه: وَ الْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ أى مهّدناها ليستقرّوا عليها فنعم الماهدون نحن، و في سورة النّباء.
أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً أى وطا و قرارا و مهيئا للتصرّف فيه من غير أذيّة، و المصدر بمعنى المفعول أو الحمل على المبالغة أو المعنى ذات مهاد (و لا خلق ذو اعتماد) أى صاحب قوّة و بطش.
(ذلك) المتّصف بالصّفات الأزليّة و الموصوف بأوصاف السّر مديّة (مبتدع الخلق) و مخترعه على غير مثال سبق أو موجده من العدم المحض (و وارثه) الباقى بعد فنائه (و إله الخلق) و معبوده (و رازقه) بجميل آلائه و جزيل نعمائه (و الشمس و القمر دائبان في مرضاته) هو مأخوذ من قوله سبحانه: وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ و أصل الدئب هو مرور الشيء في العمل على عادة مطّردة أراد عليه السّلام أنّ الشّمس و القمر يدأبان في سيرهما و إنارتهما و تأثيرهما في إزالة الظلمة و في إصلاح النبات و الحيوان على ما فيه رضاؤه سبحانه و يقتضيه حكمته البالغة و يرتضيه تدبيره التام الكامل (يبليان كلّ جديد و يقرّبان كلّ بعيد) نسبة إبلاء الجديد و تقريب البعيد إليهما باعتبار كون حركاتهما من الأسباب المعدّة لحدوث الحوادث في هذا العالم و فيهما تنبيه على وجوب التّجافي عن الدّنيا و الاستعداد للآخرة، و إشارة إلى أنّ ما يتجدّد و يحدث من لذات الدنيا و زخارفها فهو في معرض البلى و الزّوال و أنّ ما يستبعده أهل الغفلة من الموت و الفناء قريب إليه و إن كان بعيدا في نظره (قسّم أرزاقهم) بينهم على وفق ما جرى عليه قلم التقدير و كتبه يد التّدبير في الكتاب المكنون و اللّوح المحفوظ كما قال سبحانه: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.
(و أحصى آثارهم و أعمالهم) و إحصائهما كناية عن العلم بهما كما قال سبحانه: وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ أى ما قدَّموا من الأَعمال و ما سنّوه بعدهم حسنة كانت أو قبيحة و منه: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ و قيل آثارهم أى أقدامهم في الأرض و أراد مشيهم إلى العبادة و خطاهم إلى المساجد (و عدد أنفاسهم و خائنة أعينهم و ما تخفى صدورهم من الضمير) و هو اقتباس من قوله تعالى:
يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ قال في مجمع البيان: أى خيانتها و هى مسارقة النظر إلى ما لا يحلّ النّظر إليه و الخائنة مصدر كما أنّ الكاذبة و اللاغية بمعنى الكذب و اللّغو و قيل إنّ تقديره يعلم الأعين الخائنة، و قيل هو الرمز بالعين و فيه أقوال اخر (و مستقرّهم و مستودعهم من الأرحام و الظهور) و فيه ملامحة إلى قوله سبحانه: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَ مُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ.
أى يعلم موضع قرارها و الموضع الذى أودعها فيه من أرحام الأمّهات و أصلاب الآباء و ظهورهم، و يعلم كلّ أحوالهم من حين ابتدائهم (إلى أن تتناهى بهم الغايات) و يقف كلّ عند غايته المكتوبة من خير أو شرّ (هو الذى اشتدّت نقمته على أعدائه في سعة رحمته و اتّسعت رحمته لأوليائه في شدّة نقمته) لا يخفى ما في هذه القرينة من حسن المقابلة.
قال الشارح البحراني: و أشار بذلك إلى كمال ذاته بالنّسبة إلى ملوك الدنيا مثلا، فانّ أحدهم في حالة غضبه على عدوّه لا يتّسع لرحمة و لا رحمة غيره، و كذلك في رحمته لأوليائه لا يجتمع معها غضبه عليهم و لمّا ثبت أنه تعالى هو الغنّى المطلق المنزّة عن صفات المخلوقين و أنّه المعطي لكلّ قابل ما يستحقّه من غير توقّف في وجوده على أمر من ذاته، و كان أعداء اللَّه مستعدّون ببعدهم عنه لقبول سخطه و شدّة نقمته في الآخرة، لا جرم أولاهم ذلك و ان كانوا في الدّنيا في سعة رحمته و شمول نعمته، و كذلك أولياؤه لما استعدّ و القبول رحمته و شمول نعمته أفاضها عليهم فهم في حظيرة قدسه على غاية من البهجة و السّعادة و ضروب الكرامة و إن كانوا بأجسادهم في ضروب من العذاب و شقاوة الفقر و الضنك في الدّنيا، و ذلك لا يملكه إلّا حليم لا يشغله غضب عن رحمته، عدل حكيم لا تمنعه رحمته عن انزال عقوبته سبحانه ليس إلّا هو.
(قاهر من عازه) أى غالبه و عتى عن أمره كفرعون إذ قال أنا ربّكم الأعلى فأخذه اللَّه نكال الآخرة و الأولى و غيره من العتاة و الطغاة، حيث قصم اللَّه سبحانه ظهرهم و كسر عظمهم و قهرهم بالموت و الاذلال، و أنزل عليهم شديد النكال (و مد مرّ من شاقه) أى مهلك من كان مشاقا له و منحرفا عن طريق الهدى إلى سمت الرّدى (و مذلّ من ناواه) يجعله محتاجا إلى غيره (و غالب من عاداه) أى المستولى عليه بقهره (من توكّل عليه كفاه) كما قال في كتابه العزيز: وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ أى الكافي له يكفيه أمر دنياه و آخرته (و من سأله أعطاه) إذ لا تفنى خزائنه السؤال، و لا تدخل عليها نقص و لا زوال.
و في الحديث القدسي: يا عبادي لو أنّ أوّلكم و آخركم و انسكم و جنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي شيئا إلّا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر.
أى لا ينقص شيئا و إنما ضرب المثل بالمخيط و البحر لأنّه و إن كان يرجع شيء قليل محسوس لكن لقلّته بالنّسبة إلى أعظم المرئيات عيانا لا يرى و لا يعدّ شيئا فكأنّه لم ينقص منه شيء.
(و من أقرضه قضاه) أى من أنفق ماله في سبيله و طاعته أعطاه اللَّه عوض ما انفق و إنّما سمّى الانفاق قرضا تلطفا للدّعاء إلى فعله و تأكيدا للجزاء عليه، فانّ القرض يوجب الجزاء و هو مأخوذ من قوله سبحانه في سورة البقرة: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَ اللَّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
روى الطبرسيّ عن الصادق عليه السّلام أنه قال: لما نزلت هذه الآية: «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها.
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: ربّ زدنى فأنزل اللَّه: «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: زدني فأنزل اللَّه سبحانه: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً.
و الكثير عند اللَّه لا يحصى.
قال الكلبي في سبب نزول هذه الآية: إنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم قال: من تصدّق بصدقة فله مثلاها في الجنّة، فقال أبو الدحداح الأنصارى و اسمه عمرو بن الدحداح: يا رسول اللَّه إنّ لى حديقتين إن تصدقت باحديهما فانّ لي مثليها في الجنّة: قال: نعم، قال: و أمّ الدّحداح معى قال: نعم، قال: و الصبية معى قال: نعم، فتصدّق بأفضل حديقته فدفعها إلى رسول اللَّه فنزلت الآية فضاعف اللَّه له صدقته ألفى ألف، و ذلك قوله أضعافا كثيرة قال: فرجع أبو الدحداح فوجد أمّ الدّحداح و الصّبية في الحديقة التي جعلها صدقة فقام على باب الحديقة و تحرّج أن يدخلها فنادى يا أمّ الدّحداح، قالت: لبيك يا أبا الدّحداح، قال إنّى جعلت حديقتى هذه صدقة و اشتريت مثليها في الجنّة و أمّ الدّحداح معي و الصّبية معي قالت: بارك اللَّه لك فيما شريت و فيما اشتريت فخرجوا منها و أسلموا الحديقة إلى النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فقال النبيّ: كم من نخلة متدلّ عذوقها لأبي الدحداح في الجنّة.
و في منهج الصادقين قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: كم من عذق«» رواح و دار فياح في الجنّة لأبي الدّحداح.
(و من شكره جزاه) أى من اعترف بنعمته سبحانه و فعل ما يجب فعله من الطاعة و ترك ما يجب تركه من المعصية أعطاه اللَّه سبحانه بشكره الجزاء الجميل و الثواب الجزيل.
ثمّ إنه بعد ما ذكر جملة من النعوت الجلالية و الصفات الجمالية للّه سبحانه أردف ذلك بالعظة و النصيحة فقال: (عباد اللَّه زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا) أى زنوها في الدنيا قبل الوزن في الآخرة فأما الوزن في الدّنيا فهو اعتبار الأعمال و ضبطها بميزان العدل أى مراعاة الاستقامة على حاقّ الوسط المصون من طرفى التفريط و الافراط، فانّ اليمين و الشمال مضلّة و الطريق الوسطى هي الجادّة، و أمّا الوزن الأخروى فقد أشير إليه في قوله سبحانه: وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ.
قال الطبرسيّ في معناه قيل: إنّ الوزن عبارة عن العدل في الآخرة و أنه لا ظلم فيها و قيل: إنّ اللَّه ينصب ميزانا له لسان و كفّتان يوم القيامة فيوزن به أعمال العباد الحسنات و السيئات، ثمّ اختلفوا في كيفيّة الوزن لأنّ الأعمال أعراض لا يجوز وزنها فقيل: توزن صحايف الأعمال، و قيل: يظهر علامات الحسنات و السّيئآت في الكفّتين فيراها الانسان، و قيل: تظهر الحسنات في صورة حسنة و السيّئآت في صورة سيئة، و قيل: توزن نفس المؤمن و نفس الكافر، و قيل: المراد بالوزن ظهور مقدار المؤمن في العظم و مقدار الكافر في الذلّة كما قال سبحانه: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً.
(و حاسبوها من قبل أن تحاسبوا) أى حاسبوها في الدّنيا قبل المحاسبة في الآخرة أما المحاسبة الاخروية فقد مرّ في شرح الكلام الحادى و الثمانين تحقيق الكلام فيها و أما المحاسبة الدّنيوية فهي عبارة عن ضبط الانسان على نفسه أعمالها الخيرية و الشّرية ليزكّيها بما ينبغي لها و يعاقبها على فعل ما لا ينبغي و ستطلع على مزيد توضيح لها في ضمن الأخبار الآتية (و تنفّسوا قبل ضيق الخناق) و هو استعارة لانتهاز الفرصة للعمل قبل تعذّره بطول الأجل و تعلّق حبائل الموت و انشاب أظفار المنيّة و الفوت (و انقادوا) لأوامر اللَّه سبحانه و نواهيه (قبل عنف السياق) أى قبل السّوق العنيف و هو سوق ملك الموت بالجذبة المكربة التي تقدّمت الاشارة إليها في شرح الفصل السّابع من فصول الخطبة الثّانية و الثمانين.
(و اعلموا أنّه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ و زاجر لم يكن له من غيرها زاجر و لا واعظ) يعني من لم يعنه اللَّه سبحانه على نفسه حتّى يجعل له منها واعظا و زاجرا لم ينفعه الزّجر و الوعظ من غيرها.
و المراد باعانة اللَّه له أن يعدّ نفسه النّاطقة لقبول الخيرات و يؤيّدها على نفسه الأمّارة بالسّوء حتى تكون مقهورة عندها فيحصل له الاستعداد لقبول المواعظ و الزواجر و يكمل له الانتفاع بها.
روى في الوسائل عن محمّد بن إدريس في السّرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي قال: كان عليّ بن الحسين عليه السّلام يقول: ابن آدم إنّك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، و ما كانت المحاسبة من همّتك، و ما كان الخوف لك شعارا و الحزن لك دثارا، ابن آدم إنّك ميّت و مبعوث و موقوف بين يدي اللَّه عزّ و جلّ فأعدّ جوابا.
ايقاظ فى ذكر نبذ من الاخبار الواردة فى محاسبة النفس و بيان كيفية المحاسبة فأقول:
روى في الوسائل من الكافي باسناده عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال: ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فان عمل حسنا استزاد اللَّه و إن عمل سيّئا استغفر اللَّه منه و تاب إليه.
و من الخصال و معاني الأخبار للصدوق مسندا عن عطا عن أبي ذر «ره» في حديث قال: قلت: يا رسول اللَّه فما كانت صحف إبراهيم قال صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: كانت أمثالا كلّها أيها الملك المبتلى المغرور إنّي لم ابعثك لتجمع الدّنيا بعضها على بعض،و لكن بعثتك لتردّ عنّي دعوة المظلوم فانّي لا أردّها و إن كانت من كافر، و على العاقل ما لم يكن مغلوبا أن تكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربّه، و ساعة يحاسب فيها نفسه، و ساعة يتفكّر فيها صنع اللَّه إليه، و ساعة يخلو فيها بحظّ نفسه من الحلال فانّ هذه الساعة عون لتلك السّاعات و استجمام للقلوب و تفريغ لها.
و من مجالس الشيخ باسناده عن أبي ذر «ره» في وصيّة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أنه قال: يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تحاسب فانّه أهون لحاسبك غدا، وزن نفسك قبل أن توزن، و تجهّز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى على اللَّه خافية إلى أن قال: يا أبا ذر لا يكون الرّجل من المتّقين حتّى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه و من أين مشربه و من أين ملبسه من حلال أو من حرام، يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال اللَّه من أين أدخله النّار.
و من تفسير العسكري عن آبائه عن عليّ عن النّبيّ سلام اللَّه عليه و عليهم قال عليه السّلام: أكيس الكيّسين من حاسب نفسه و عمل لما بعد الموت، فقال رجل يا أمير المؤمنين كيف يحاسب نفسه قال: إذا أصبح ثمّ أمسى رجع إلى نفسه و قال: يا نفس إنّ هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا و اللَّه يسألك عنه بما أفنيته فما الذي عملت فيه أذكرت اللَّه أم حمدته أقضيت حوائج مؤمن فيه أنفسّت عنه كربة أحفظته بظهر الغيب في أهله و ولده أحفظته بعد الموت في مخلفيه أكففت عن غيبة أخ مؤمن أعنت مسلما ما الذي صنعت فيه فيذكر ما كان منه فان ذكر أنه جرى منه خير حمد اللَّه و كبّره على توفيقه، و إن ذكر معصية أو تقصيرا استغفر اللَّه و عزم على ترك معاودته.
و عن عليّ بن موسى بن طاوس في كتاب محاسبة النّفس قال: و رأيت في كتاب مسعدة بن زياد من اصول الشيعة فيما رواه عن الصّادق عليه السّلام عن أبيه قال: اللّيل إذا أقبل نادى مناد بصوت يسمعه الخلايق إلّا الثقلين يابن آدم إنّي خلق جديد إنّي على ما فيّ شهيد فخذ منّي فانّي لو طلعت الشّمس لم أرجع إلى الدّنيا و لم تزدد فيّ من حسنة و لم تستعتب فيّ من سيئة، و كذلك يقول النّهار إذا أدبر اللّيل، و باللّه التّوفيق.
الترجمة
از جمله خطب شريفه آن امام أنام است عليه الصّلاة و السّلام كه فاتحه اش متضمّن است بعض صفات كماليه الهيّه را و خاتمه اش مشتمل است بر موعظه و نصيحت مى فرمايد: حمد و ثنا خداوند معبود بحقى را سزاست كه شناخته شده است بى حسّ و بصر، و خلق نموده بى فكر و نظر، آن چنان پروردگارى كه دايم است با لذات و متصف است ببقا و ثبات در وقتى كه نبود هيچ آسمان صاحب برجها، و نه حجابهاى صاحب درها، و نه شب تاريك، و نه بحر ساكن غير متحرك، و نه كوهى كه صاحب راههاى فراخ است، و نه راههاى فراخ كه متصف است باعوجاج و كجى، و نه زمينى كه صاحب فرش است و قرار، و نه خلقى كه صاحب قوّتست و اقتدار.
اين ذات موصوف بصفات كمالات آفريننده خلايق است و وارث ايشان، و معبود مخلوقاتست و رزق دهنده ايشان، و آفتاب تابنده و ماه درخشنده حركت كنندهاند بعادت مستمره بر طبق رضاى او در حالتى كه فانى ميكنند هر جديد را، و نزديك مىنمايند هر بعيد را، قسمت فرموده است روزىهاى خلق را، و شمرده است اثرها و عملهاى ايشان را، و تعداد نموده نفسهاى ايشان را، و عالم است بخيانت چشمهاى ايشان و به آن چه پنهان مي كند سينه هاى ايشان از آنچه كه در دل مى گيرند از قصد عصيان و غير آن، و دانا است بقرارگاه و محلّ وديعه ايشان از ارحام ما دران و أصلاب پدران تا آنكه بنهايت مى رسد ايشان را غايتها، يعنى خبير است بجميع احوال و اعمال ايشان از ابتداء تا انتهاء.
آن خداوندى كه شديد است عقوبت او بر اعداء خود در وسعت رحمت او، و وسعت دارد رحمت او بر اولياء خود در شدّت عقوبت او، قهر كننده كسيست كه غلبگى جويد بر او، و هلاك كننده كسيست كه نزاع كند با او، و ذليل كننده كسى است كه عناد ورزد با او، و غلبه كننده كسيست كه عداوت نمايد او را، هر كه توكل كرد بر او كفايت نمود او را، و هر كس سؤال كرد از او عطا فرمود او را، و هر كه قرض داد باو و مال خود را در راه او صرف نمود عوض داد باو، و هر كه شكرانه نعمت او را بجا آورد جزاى خير داد باو.
اى بندگان خدا بسنجيد نفسهاى خود را بميزان عدل در دنيا پيش از آنكه سنجيده شويد بميزان عمل در آخرت، و محاسبه كنيد با نفسهاى خود پيش از آنكه بمقام محاسبه آورده شويد در قيامت، و نفس زنيد و فرصت غنيمت شماريد پيش از تنگ شدن گلو، و مطيع و منقاد باشيد پيش از رانده شدن با مشقت بسوى آخرت.
و بدانيد آن كسى كه اعانت فرموده نشده بر نفس خود تا آنكه باشد او را از آن نفس پند دهنده، و زجر كننده نيست او را از غير نفس او زجر كننده و نه پند دهنده، يعنى كسى كه اعانت نفرموده باشد خداوند او را بر غلبه نفس أمّاره او تا اين كه مستعد و قابل شود بر قبول موعظه و نصيحت از پيش خود، ثمرى نمى بخشد او را موعظه و نصيحت ديگران، و اللَّه أعلم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»