نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 152 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 152 صبحی صالح

152- و من خطبة له ( عليه‏ السلام )

في صفات اللّه جل جلاله، و صفات أئمة الدين‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ
وَ بِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ
وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ
لَا تَسْتَلِمُهُ الْمَشَاعِرُ وَ لَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ
لِافْتِرَاقِ الصَّانِعِ وَ الْمَصْنُوعِ
وَ الْحَادِّ وَ الْمَحْدُودِ وَ الرَّبِّ وَ الْمَرْبُوبِ
الْأَحَدِ بِلَا تَأْوِيلِ عَدَدٍ
وَ الْخَالِقِ لَا بِمَعْنَى حَرَكَةٍ وَ نَصَبٍ
وَ السَّمِيعِ لَا بِأَدَاةٍ
وَ الْبَصِيرِ لَا بِتَفْرِيقِ آلَةٍ
وَ الشَّاهِدِ لَا بِمُمَاسَّةٍ
وَ الْبَائِنِ لَا بِتَرَاخِي مَسَافَةٍ
وَ الظَّاهِرِ لَا بِرُؤْيَةٍ وَ الْبَاطِنِ لَا بِلَطَافَةٍ
بَانَ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْقَهْرِ لَهَا وَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا
وَ بَانَتِ الْأَشْيَاءُ مِنْهُ بِالْخُضُوعِ لَهُ وَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ
مَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ حَدَّهُ
وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ
وَ مَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ
وَ مَنْ قَالَ كَيْفَ فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ
وَ مَنْ قَالَ أَيْنَ فَقَدْ حَيَّزَهُ
عَالِمٌ إِذْ لَا مَعْلُومٌ
وَ رَبٌّ إِذْ لَا مَرْبُوبٌ
وَ قَادِرٌ إِذْ لَا مَقْدُورٌ

أئمة الدين‏

منهاقَدْ طَلَعَ طَالِعٌ
وَ لَمَعَ لَامِعٌ وَ لَاحَ لَائِحٌ وَ اعْتَدَلَ مَائِلٌ
وَ اسْتَبْدَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ قَوْماً
وَ بِيَوْمٍ يَوْماً
وَ انْتَظَرْنَا الْغِيَرَ انْتِظَارَ الْمُجْدِبِ الْمَطَرَ
وَ إِنَّمَا الْأَئِمَّةُ قُوَّامُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ
وَ عُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ
وَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوهُ
وَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَ أَنْكَرُوهُ
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّكُمْ بِالْإِسْلَامِ وَ اسْتَخْلَصَكُمْ لَهُ
وَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْمُ سَلَامَةٍ وَ جِمَاعُ كَرَامَةٍ
اصْطَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَنْهَجَهُ وَ بَيَّنَ حُجَجَهُ
مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وَ بَاطِنِ حُكْمٍ
لَا تَفْنَى غَرَائِبُهُ
وَ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ
فِيهِ مَرَابِيعُ النِّعَمِ
وَ مَصَابِيحُ الظُّلَمِ
لَا تُفْتَحُ الْخَيْرَاتُ إِلَّا بِمَفَاتِيحِهِ
وَ لَا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِمَصَابِيحِهِ
قَدْ أَحْمَى حِمَاهُ وَ أَرْعَى مَرْعَاهُ
فِيهِ شِفَاءُ الْمُسْتَشْفِي
وَ كِفَايَةُ الْمُكْتَفِي

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج9  

و من خطبة له عليه السّلام
و هى المأة و الثاني و الخمسون من المختار في باب الخطب و شرحها في فصول

الفصل الاول

الحمد للَّه الدّال على وجوده بخلقه، و بمحدث خلقه على أزليّته، و باشتباههم على أن لا شبه له، لا تستلمه المشاعر، و لا تحجبه المساتر، لافتراق الصّانع و المصنوع، و الحادّ و المحدود، و الرّبّ و المربوب، الأحد بلا تأويل عدد، و الخالق لا بمعنى حركة و نصب، و السّميع لا بأداة، و البصير لا بتفريق آلة، و المشاهد لا بمماسّة، و البائن لا بتراخي مسافة، و الظّاهر لا برؤية، و الباطن لا بلطافة، بان من الأشياء بالقهر لها، و القدرة عليها، و بانت الأشياء منه بالخضوع له، و الرّجوع أليه، من وصفه فقد حدّه، و من حدّه فقد عدّه، و من عدّه فقد أبطل أزله، و من قال كيف‏فقد استوصفه، و من قال أين فقد حيّزه، عالم إذ لا معلوم، و ربّ إذ لا مربوب، و قادر إذ لا مقدور.

اللغة

قال الشّارح المعتزلي (الاستلام) في اللّغة لمس الحجر باليد و تقبيله و لا يهمر لأنّ أصله من السّلام و هى الحجارة كما يقال استنوق الجمل و بعضهم يهمزه انتهى، و قال الفيومى في المصباح: استلأمت الحجر قال ابن السّكيت: همزته العرب على غير قياس و الأصل استلمت لأنّه من السّلام و هى الحجارة، و قال ابن الاعرابي: الاستلام أصله مهموز من الملائمة و هى الاجتماع، و حكى الجوهرى القولين و مثله الفيروز آبادي، و في بعض النّسخ بدل لا تستلمه لا تلمسه و (النّصب) محرّكة التّعب.

الاعراب

جملة لا تستلمه المشاعر استيناف بيانيّ، و لفظ الأحد، و الخالق، و السّميع و البصير، و ما يتلوها من الصّفات يروى بالرّفع و الجرّ معا الأوّل على أنّه خبر لمبتدأ محذوف، و الثّاني على أنّه صفة للَّه.

المعنى

اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبة متضمّن لمباحث شريفة إلهيّة، و معارف نفيسة ربّانية، و مسائل عويصة حكميّة، و مطالب عليّة عقليّة لم يوجد مثلها في زبر الأوّلين و الآخرين، و لم يسمح بنظيرها عقول الحكماء السّابقين و اللّاحقين و صدّره بتحميد اللَّه سبحانه و تمجيده فقال: (الحمد للَّه) و قد مضى شرح هذه الجملة و تحقيق معنى الحمد و بيان وجه اختصاصه باللَّه سبحانه في شرح الفصل الأوّل من الخطبة الأولي، و نقول هنا مضافاإلى ما سبق: إنّ الحمد سواء كان عبارة عن التعظيم و الثّناء المطلق، أو عن الشكر المستلزم لتقدّم النّعمة و الاعتراف بها، فالمستحقّ له في الحقيقة ليس إلّا اللَّه سبحانه، و لذا أتى بتعريف الجنس و لام الاختصاص الدّالين على أنّ طبيعة الحمد مختصّة به تعالى.

أمّا على أنّه عبارة عن مطلق الثّناء و التّعظيم فلظهور أنّ استحقا قيّتهما إنّما يتحقّق لأجل حصول كمال أو برائة نقص، و كلّ كمال و جمال يوجد في العالم فانما هو رشح و تبع لجماله و كماله، و أما البراءة عن النقائص و العيوب فممّا يختص به تعالى، لأنّه وجود محض لا يخالطه عدم و نور صرف لا يشوبه ظلمة.

و أما على أنه عبارة عن الشكر المسبوق بالنعمة فلأنّ كلّ منعم دونه فانما ينعم بشي‏ء ممّا أنعم اللَّه، و مع ذلك فانما ينعم لأجل غرض من جلب منفعة أو دفع مضرّة أو طلب محمّدة، فهذا الجود و الانعام في الحقيقة معاملة و تجارة و إن عدّ في العرف جودا و انعاما، و أما الحقّ تعالى فلما لم يكن إنعامه لغرض و لا جوده لعوض إذ ليس لفعله المطلق غاية إلّا ذاته كما مرّ تحقيقه في شرح الخطبة الخامسة و الستين، فلا يستحقّ لأقسام الحمد و الشكر بالحقيقة إلّا هو، هذا و أردف الحمد بجملة من أوصاف الكمال و نعوت العظمة و الجلال.

الاول أنه (الدّالّ على وجوده بخلقه) و قد مرّ كيفيّة هذه الدّلالة في شرح الخطبة الخمسين و بيّنا هناك أنّ الاستدلال بهذه الطريقة من باب الاستدلال بالفعل على الفاعل، و مرجعه الى البرهان اللمّى.

(و) الثاني أنه الدّال (بمحدث خلقه على أزليّته) لما قد مرّ ثمة أيضا من أنّ الأجسام كلّها حادثة لأنّها غير خالية عن الحركة و السّكون، و كلّ حادث مفتقر إلى محدّث فان كان ذلك المحدث محدثا عاد القول فيه كالأوّل و يلزم التّسلسل أو كونه محدثا لنفسه و كلاهما باطل، فلا بدّ من محدث قديم لا بداية لوجوده و هو اللَّه تعالى و سبحانه.

(و) الثالث أنّه الدّالّ (باشتباههم على أن لا شبه له) يعني أنّه سبحانه بابداء المشابهة بين المخلوقات دلّ على أنّه لا مثل و لا شبيه.

و جهة المشابهة بينها إمّا الافتقار إلى المؤثّر كما ذهب إليه الشّارح البحراني حيث قال: أراد اشتباههم في الحاجة إلى المؤثّر و المدّبر، و تقرير هذا الطّريق أن نقول: إن كان تعالى غنيّا عن المؤثّر فلا شبيه له في الحاجة إليه لكن المقدّم حقّ فالتّالي مثله.

و اعترض عليه بأنّ فيه قصورا من وجهين: أحدهما أنّ المطلوب في تنزيه الحقّ تعالى عن الشّبيه هو نفى الشّبه عنه على الاطلاق لا نفى وجه من وجوه الشبّه فقط كالحاجة.
و ثانيهما أنّ نفى الحاجة عنه تعالى ممّا لا يحتاج إلى إثباته له من جهة تشابه الخلق فيها، بل مجرّد كونه واجب الوجود يلزمه نفى الحاجة عنه إلى غيره لزوما بيّنا، فالاستدلال عليه لغو من الكلام مستدرك، هذا.

و قال بعضهم: المراد بمشابهتهم الاشتباه في الجسميّة و الجنس و النّوع و الأشكال و المقادير و الألوان و نحو ذلك، و إذ ليس داخلا تحت جنس لبرائته عن التّركيب المستلزم للامكان، و لا تحت النّوع لافتقاره في التّخصيص بالعوارض إلى غيره، و لا بذى مادّة لاستلزامه التّركيب أيضا، فليس بذي شبيه في الامور المذكورة و هو قريب ممّا قاله البحراني لكنّ الأوّل أعمّ في نفى الشّبيه، و الأحسن منها ما في الحديث الأوّل من باب جوامع التوحيد من الكافي عن أمير المؤمنين عليه السّلام عند استنهاضه النّاس لحرب معاوية في المرّة الثّانية و هو قوله عليه السّلام: و حدّ الأشياء كلّها عند خلقه إبانة لها من شبهه و إبانة له من شبهها.

قال العلامة المجلسي في شرحه: أى جعل للأشياء حدودا و نهايات، أو أجزاء و ذاتيّات ليعلم بها أنّها من صفات المخلوقين و الخالق منزّه عن صفاتهم، أو خلق الممكنات الّتي من شأنها المحدوديّة ليعلم بذلك أنّه ليس كذلك كما قال تعالى: فخلقت الخلق لاعرف، إذ خلقها محدودة لأنّها لم تكن تمكن أن تكون غيرمحدودة لامتناع مشابهة الممكن الواجب في تلك الصّفات الّتي هي من لوازم وجوب الوجود، و لعلّ الأوسط أظهر.

الرابع أنّه (لا تستلمه المشاعر) أى لا تلمسه لأنّ مدركات المشاعر مقصورة على الأجسام و الأعراض القائمة بها، و هو سبحانه ليس بجسم و لا جسمانيّ، فامتنع إدراك المشاعر و لمسها له، و يحتمل أن يزاد بالمشاعر المدارك مطلقا سواء كانت قوّة ماديّة مدركة للحسيّات و الوهميات أو قوّة عقليّة مدركة للعقليّات و الفكريات اذ ليس للمدارك مطلقا إلى معرفة كنه ذاته سبيل، و لا على الوصول الى حقيقه صفاته دليل، كما مرّ في شرح الفصل الثاني من الخطبة الاولى.

(و) الخامس (لا تحجبه المساتر) أى الحجابات الّتي يستر بها، و في أكثر النّسخ: السواتر بدلها و معناهما واحد، و المراد أنه لا يحجبه حجاب و لا يستتر بشي‏ء من السواتر لأنّ الستر و الحجاب من لوازم ذى الجهة و الجسمية، و هو تعالى منزّه عن ذلك.

فان قلت: قد ورد في الحديث إنّ اللَّه احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار و أنّ الملاء الأعلى يطلبونه كما أنتم تطلبونه، فكيف التوفيق بينه و بين قول الامام عليه السّلام قلت: ليس المراد من احتجابه عن العقول و الأبصار أن يكون بينه و بين خلقه حجاب جسمانيّ مانع عن إدراكه و الوصول اليه تعالى، بل المراد بذلك احتجابه عنهم لقصور ذواتهم و نقصان عقولهم و قواهم، و كمال ذاته و شدّة نوره و قوّة ظهوره، فغاية ظهوره أوجب بطونه، و شدّة نوره أوجب احتجابه كنور الشمس و بصر الخفاش، و قد حقّقنا ذلك بما لا مزيد عليه في شرح الخطبة الرّابعة و الستين و شرح الفصل الثاني من الخطبة التسعين، و بما ذكرنا أيضا ظهر فساد ما ربما يتوهّم من أنه إذا لم يكن محجوبا بالسواتر لا بدّ و أن يعرفه كلّ أحد و يراه، هذا.

و قوله (لافتراق الصانع و المصنوع و الحادّ و المحدود و الربّ و المربوب)التعليل راجع الى الجملات المتقدّمة بأسرها، و المقصود أنّ لكلّ من الصانع و المصنوع صفات تخصّه و تليق به و يمتاز بها و بها يفارق الآخر فالمخلوقية و الحدوث و الاشتباه و الملموسيّة و المحجوبيّة بالسواتر من لواحق المصنوعات و الممكنات و أوصافها اللّايقة لها، و الخالقيّة و الأزليّة و التنزّه عن المشابهة و عن استلام المشاعر و احتجاب السّواتر من صفات الصّانع الأوّل و ممّا ينبغي له و يليق به، و يضادّ ما سبق من أوصاف الممكنات، فلو جرى فيه صفات المصنوعات أو في المصنوعات صفاته لارتفع الافتراق و وقع المساواة و المشابهة بينه و بينها، فيكون مشاركا لها في الحدوث المستلزم للامكان المستلزم للحاجة إلى الصّانع، فلم يكن بينه و بينها فصل و لا له عليها فضل، و كلّ ذلك أعني المساوات و المشابهة و عدم الفصل و الفضل ظاهر البطلان، هذا و المراد بالحادّ خالق الحدود و النّهايات، و الصّانع و الربّ بينهما تغاير بحسب الاعتبار و هو دخول المالكيّة في مفهوم الرّبوبيّة دون الصّنع.

السادس (الأحد لا بتأويل عدد) يعني أنّه أحدىّ الذّات ليس كمثله شي‏ء و أحدىّ الوجود لا جزء له ذهنا و لا عقلا و لا خارجا، و ليست وحدانيّته وحدانيّة عدديّة بمعنى أن يكون مبدء لكثرة تعدّ به كما يقال في أوّل العدد واحد، و قد مرّ تحقيق ذلك في شرح الخطبة الرّابعة و السّتين.

(و) السابع (الخالق لا بمعنى حركة و نصب) يعني أنّه سبحانه موجد للأشياء بنفس قدرته التّامة الكاملة و خلقه الابداع و الافاضة من دون حاجة إلى حركة ذهنيّة أو بدنيّة كما لساير الصّانعين، لأنّ الحركة من عوارض الأجسام، و هو منزّه عن الجسميّة كما لا حاجة في ايجاده إلى المباشرة و التعمّل حتّى يلحقه نصب و تعب، و إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.

(و) الثامن (السّميع لا بأداة) و هى الأذنان و الصّماخان و القوّة الكائنة تحتهما، لتعاليه عن الآلات الجسمانيّة، بل سمعه عبارة عن علمه بالمسموعات، فهو نوع مخصوص من العلم باعتبار تعلّقه بنوع من المعلوم، و قد تقدّم في شرح الفصل‏ السّادس من الخطبة الاولى أنّ السّمع و البصر من الصّفات الذّاتيّة له تعالى، و الاحتياج فيهما إلى الأداة و الآلة يوجب النّقص في الذّات و الاستكمال و الاستعانة بالآلات المنافي للوجوب الذّاتي.

(و) التاسع (البصير لا بتفريق آلة) أى بفتح العين أو بعث القوّة الباصرة و توزيعها على المبصرات قال الشّارح البحراني: و هذا المعنى على قول من جعل الابصار بآلة الشّعاع الخارج من العين المتّصل بسطح المرئي أظهر، فانّ توزيعه أظهر من توزيع الآلة على قول من يقول إنّ الادراك يحصل بانطباع صورة المرئي في العين، و معنى التّفريق على القول الثّاني هو تقليب الحدقة و توجيهها مرّة إلى هذا المبصر و مرّة إلى ذاك كما يقال فلان مفرّق الهمّة و الخاطر إذا وزّع فكره على حفظ أشياء متباينة و مراعاتها كالعلم و تحصيل المال و ظاهر تنزيهه تعالى عن الابصار بآلة الحسّ لكونها من توابع الجسميّة و لواحقها

(و) العاشر (المشاهد لا بمماسّة) و في بعض النّسخ الشّاهد بدل المشاهد، و المعنى واحد قال صدر المتألّهين في شرح الكافي في تحقيق ذلك: لأنّ التماس من خواصّ الأجسام، و المشاهدة بالمماسّة للمشهود نفسه كما في الذّائقة و اللّامسة، و للمتوسّط بين الشّاهد و المشهود كما في الشّامّة و السّامعة و الباصرة، و الحاصل أنّ إدراكات الحواسّ الظّاهرة الخمسة و مشاهداتها كلّها لا تتمّ إلّا بالمماسّة لجسم من الأجسام و إن كان المشهود له و الحاضر بالذّات عند النّفس شيئا آخر غير المموس بالذّات أو بالواسطة

(و) الحادى عشر (البائن لا بتراخى مسافة) يعني أنه مباين للأشياء و مغاير لها بنفس ذاته و صفاته، لأنّه في غاية التمام و الكمال، و ما سواه في نهاية الافتقار و النقصان، و ليس تباينه تباين أين و تباعد مكان بتراخى مسافة بينه و بين غيره، لأنّ ذلك من خواصّ الأينيّات، و هو الذى أيّن الأين بلا أين، و قد تقدّم نظير هذه الفقرة

في الفصل السادس من الخطبة الاولى، و شرحناه بما يوجب الانتفاع به في المقام فليراجع ثمة (و)

الثاني عشر (الظّاهر لا برؤية و)

الثالث عشر (الباطن لا بلطافة) يعني أنّ ظهوره سبحانه ليس كظهور ظاهر الأشياء بأن يكون مرئيا بحاسّة البصر، و لا بطونه كبطونها بأن يكون لطيفا لصغر حجمه أو لطافة قوامه كالهواء، بل نحو آخر من الظّهور و البطون على ما مرّ تحقيقه في شرح الخطبة التّاسعة و الأربعين و شرح الخطبة الرّابعة و السّتين فليتذكّر.

و الرابع عشر أنّه (بان من الأشياء بالقهر لها و القدرة عليها، و بانت الأشياء منه بالخضوع له و الرّجوع إليه) و هذه الفقرة في الحقيقة تفسير و توضيح للوصف الحادى عشر، فانّه عليه السّلام لمّا ذكر هناك أنّ بينونيّته ليست بتراخى مسافة أوضح هنا جهة البينونة بأنّه إنّما بان من الأشياء بغلبته و استيلائه عليها و قدرته على ايجادها و إعدامها كما هو اللّايق بشأن الواجب المتعال، و أنّ الأشياء إنّما بانت منه لخضوعها و ذلّها في قيد الامكان و رجوعها في وجودها و كمالاتها إلى وجوده كما هو مقتضى حال الممكن المفتقر.

الخامس عشر أنّه تعالى منزّه عن الصّفات الزّايدة على الذّات، و إليه أشار بقوله (من وصفه فقد حدّه و من حدّه فقد عدّه و من عدّه فقد أبطل أزله) قال العلامة المجلسي في مرآت العقول في شرح هذه الفقرة من حديث الكافي: إنّ من وصف اللَّه بالصّورة و الكيف فقد جعله جسما ذا حدود، و من جعله ذا حدود فقد جعله ذا أجزاء، و كلّ ذى أجزاء محتاج حادث، أو أنّ من وصف اللَّه و حاول تحديد كنهه فقد جعله ذا حد مركّب من جنس و فصل، فقد صار حقيقة مركّبة محتاجه إلى الأجزاء حادثة أو أنّ من وصف اللَّه بالصّفات الزّايدة فقد جعل ذاته محدودة بها، و من حدّه كذلك فقد جعله ذا عدد إذ اختلاف الصّفات إنّما يكون بتعدّد أجزاء الذّات أو قال بتعدّد الالهة إذ يكون كلّ صفة لقدمها إليها غير محتاج إلى علّة، و من كان مشاركا في الالهيّة لا يكون قديما فيحتاج إلى علّة، أو جعله‏مع صفاته ذا عدد و عروض الصّفات المغايرة الموجودة ينافي الأزليّة، لأنّ الاتّصاف نوع علاقة توجب احتياج كلّ منهما إلى الآخر، و هو ينافي وجوب الوجود و الأزليّة أو المعنى أنّه على تقدير زيادة الصّفات يلزم تركّب الصّانع إذ ظاهر أنّ الذّات بدون ملاحظة الصّفات ليست بصانع للعالم، فالصّانع المجموع فيلزم تركّبه المستلزم للحاجة و الامكان، و قيل: فقد عدّه من المخلوقين.

السادس عشر أنّه منزّه عن الكيف، و إليه أشار بقوله (و من قال كيف فقد استوصفه) أى طلب وصفه بصفات المحلوقين و جعل له وصفا زايدا على ذاته، و قد علمت أنّ ذلك ممتنع في حقّه إذ كلّ صفة وجوديّة زايدة على ذاته فهى من مقولة الكيف و من جنس الكيف النّفساني، فيلزم كون ذاته بذاته معرّاة عن صفة كماليّة، و يلزم له مخالطة الامكان و ينافي كونه واجب الوجود من جميع الجهات، و كلّ ذلك محال عليه تعالى هذا، و قد تقدّم في شرح الخطبة الرّابعة و الثّمانين تحقيق معنى الكيف و تفصيل تنزّهه تعالى عن الاتّصاف به.

السابع عشر أنّه سبحانه منزّه عن المكان، و إليه أشار بقوله (و من قال أين فقد حيّزه) لأنّ أين سؤال عن الحيّز و الجهة، فمن قال أين فقد جعله في حيّز مخصوص و هو محال في حقّ الواجب تعالى، لأنّه خالق الحيّز و المكان فيلزم افتقاره إلى ما هو مفتقر إليه، على أنّ كونه في حيّز معيّن يستلزم خلوّ ساير الأحياز و الأمكنة منه كما هو شأن الأجسام و الجسمانيّات، و هو باطل لأنّه في جميع الأحياز بالعلم و الاحاطة، و هو الذي في السّماء إله و في الأرض إله.
و اعلم أنّ هذه العبارة نظير قوله عليه السّلام في الفصل الخامس من الخطبة الأولى و من قال فيم فقد ضمنه، و قد ذكرنا في شرحه ما يوجب البصيرة في المقام.

الثامن عشر أنّه سبحانه (عالم إذ لا معلوم و ربّ إذ لا مربوب و قادر إذ لا مقدور) إذ ظرفيّة على توهم الزّمان أى كان موصوفا في الأزل بالعلم و الرّبوبيّة و القدرة، و لم يكن شي‏ء من المعلوم و المربوب و المقدور موجودا فيه.
أمّا أنّه كان عالما بالأشياء و لا معلوم فلأنّ علمه عين ذاته و تقدّم ذاته على‏معلوماته الحادثه ظاهر، و لا يتوقّف وجوده على وجود المعلوم كما مرّ تحقيقه في شرح الفصل السّابع من الخطبة الأولى عند تحقيق قوله: عالما بها قبل ابتدائها فليتذكّر.

و أمّا أنّه كان ربّا إذ لا مربوب لأنّ معنى الربّ هو المالك، و قد كان سبحانه مالكا لأزمّة الامكان و تصريفه من العدم إلى الوجود و من الوجود إلى العدم كيف شاء و متى أراد، و قيل: المراد إنّه كان قادرا على التربية إذ هو الكمال و فعليّتها منوطة على المصلحة.

و أمّا أنّه كان قادرا اذ لا مقدور فلأنّ القادر هو الذي إن شاء فعل و إن شاء ترك، و بعبارة اخرى هو الّذي يصحّ منه الفعل و الترك، و وجود هذا الوصف له لا يستلزم وجود المقدور و قال الصّدوق في التّوحيد: و القدرة مصدر قولك قدر قدرة أى ملك فهو قدير قادر مقتدر، و قدرته على ما لم يوجد و اقتداره على إيجاده هو قهره و ملكه له، و قد قال عزّ ذكره: «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» و يوم الدّين لم يوجد بعد.

الترجمة

از جمله خطب شريفه آن وليّ ربّ العالمين و وصيّ أمين خاتم النّبيّين است در تحميد و توحيد و تمجيد حضرت ذو الجلال و خداوند متعال مى‏ فرمايد: حمد و ثنا خداوندى را سزاست كه هدايت كننده است بوجود خود با ايجاد مخلوقات خود، و با حدوث مخلوقات خود بر أزليّت و سرمديّت خود، و با شبيه نمودن آن مخلوقات بيكديگر بر اين كه هيچ مثل و شبيه نيست مر او را، مسّ نمى‏ توانند بكنند او را حواسّ ظاهره و باطنه، و نمى‏ پوشاند او را پردها و حجابها بجهت ممتاز و مغاير بودن آفريننده و آفريده شده، و حد قرار دهنده و حد قرار داده شده، و تربيت كننده و تربيت داده شده، اين صفت دارد كه يكيست نه يكى كه از مقوله أعداد باشد، و خلق كننده است نه با حركت و مشقّت، و شنوا است نه با آلت گوش، و بينا است نه بابرگرداندن حدقه چشم، و حاضر است با أشيا نه با مجاورت و مماست، و جداست از آشيانه بدوري راه، و آشكار است نه بديدن چشمها، و پنهانست نه بسبب لطافت مقدار.
جدا شد ار أشيا با قهر و غلبه كردن بر آنها، و جدا شد أشيا از او بسبب خضوع و تواضع نمودن آنها بر او بسبب بازگشت آنها بسوى او، هر كس وصف كرد او را پس بتحقيق كه حد قرار داد او را، و هر كه حد قرار دهد بر او پس بتحقيق كه در شمار آورد او را، و كسى كه در شمار آورد او را پس بتحقيق كه باطل گردانيد أزليّت او را، و هر كس كه بگويد چگونه است او پس بتحقيق كه طلب وصف او نمود، و هر كه گفت او كجاست پس بتحقيق كه مكان قرار داد بأو، دانا بود در وقتى كه هيچ معلومى نبود، ربّ بود هنگامى كه هيچ مربوبى نبود، و صاحب قدرت بود زمانى كه هيچ مقدورى نبود

الفصل الثاني منها

قد طلع طالع، و لمع لامع، و لاح لائح، و اعتدل مائل، و استبدل اللَّه بقوم قوما، و بيوم يوما، و انتظرنا الغير انتظار المجدب المطر، و إنّما الأئمة قوّام اللَّه على خلقه، و عرفائه على عباده، لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم و عرفوه، و لا يدخل النّار إلّا من أنكرهم و أنكروه، إنّ اللَّه تعالى قد خصّكم بالإسلام، و استخلصكم له، و ذلك لأنّه اسم سلامة و جماع كرامة، اصطفى اللَّه تعالى منهجه، و بيّن حججه من ظاهر علم، و باطن حكم، لا تفني غرائبه، و لاتنقضي عجائبه، فيه مرابيع النّعم، و مصابيح الظّلم، لا تفتح الخيرات إلّا بمفاتحه، و لا تكشف الظّلمات إلّا بمصابيحه، قد أحمى حماه، و أرعى مرعاه، فيه شفاء المشتفي، و كفاية المكتفي.

اللغة

(الجدب) هو المحل وزنا و معنا و هو انقطاع المطر و يبس الأرض و أجدب القوم اجدابا أصابهم الجدب و (عرفت) على القوم من باب قتل عرافة بالكسر فأنا عارف أى مدبّر أمرهم و قائم بسياستهم، و عرفت عليهم بالضمّ لغة فأنا عريف و الجمع عرفاء، و قيل: العريف هو القيّم بامور القبيلة و الجماعة يلي أمورهم و يتعرّف الأمير منه أحوالهم فعيل بمعنى فاعل و (جماع) الشي‏ء بالكسر و التّخفيف جمعه يقال الخمر جماع الاثم و (المرابيع) الأمطار التي تجى‏ء في أوّل الرّبيع و (حمى) المكان من النّاس حميا من باب رمى منعه عنهم، و الحماية اسم منه و أحميته بالألف جعلته حمى لا يقرب و لا يجترء عليه و كلاء حمى محمى قال الشاعر:

و نرعى حمى الأقوام غير محرّم
علينا و لا يرعى حمانا الذي نحمى‏

قال الشّارح المعتزلي: قد حمى حماه، أى عرضه لأن يحمى كما تقول: أقتلت الرّجل أى عرضته لأن يضرب.

الاعراب

جملة لا يدخل الجنة، بدل من الجملة السابقة عليها، و لشدّة الاتّصال بينهما ترك العاطف على حدّ قوله تعالى: أمدّكم بما تعلمون أمدّكم بأنعام و بنين، و إضافة المنهج إلى الضمير إما نظير الاضافة في سعيد كرز، أو بمعنى اللّام، و الاضافة في قوله: من ظاهر علم و باطن حكم، من قبيل إضافة الصفة إلى موصوفها،و من في من ظاهر للتبيين و التفسير كما تقول دفعت إليه سلاحا من سيف و رمح و سهم أو للتميز و التقسيم.

المعنى

اعلم أنّ الشارح المعتزلي ذكر في شرح هذا الفصل من كلامه عليه السّلام أنه خطب بذلك بعد قتل عثمان حين أفضت الخلافة إليه.

إذا عرفت ذلك فأقول قوله عليه السّلام (قد طلع طالع و لمع لا مع و لاح لائح) يحتمل أن يكون المراد بالجملات الثلاث واحدا، أى طلع شمس الخلافة من مطلعها و سطع أنوار الامامة من منارها، و ظهر كوكب الولاية من افقه، و أن يكون المراد بالاولى ظهور خلافته و أمارته، و بالثّانية ظهورها من حيث هي حقّ له عليه السّلام و سطوع أنوار العدل بصيرورتها إليه، و بالثّالثة ظهور الحروب و الفتن الواقعة بعد انتقال الأمر إليه عليه السّلام (و اعتدل مائل) أى استقام ما اعوج من أركان الدّين و قوائم الشّرع المبين (و استبدل اللَّه بقوم) من أهل الضّلال و الفساد و هم الخلفاء الثلاث و أتباعهم (قوما) من أهل الصّلاح و الرّشاد و هم أمير المؤمنين و تابعوه (و بيوم) انتشر فيه الجور و الاعتساف (يوما) ظهر فيه العدل و الانصاف (و انتظرنا الغير) أى تغيّرات الدّهر و تقلّبات الزّمان قال العلّامة المجلسيّ (قد): و لعلّ انتظارها كناية عن العلم بوقوعه، أو الرّضا بما قضى اللَّه من ذلك، و المراد بالغير ما جرى قبل ذلك من قتل عثمان و انتقال الأمر اليه أو ما سيأتي من الحروب و الوقايع، و الأوّل أنسب بالتشبيه ب (انتظار المجدب المطر) لدلالته على شدّة شوقه بالتّغيرات و فرط رغبته لانتقال الأمر اليه ليتمكّن من إعلاء كلمة الاسلام و ترويج شرع سيّد الأنام عليه و آله آلاف التّحية و السّلام كما أنّ للمجدب شدّة الاشتياق إلى الأمطار ثمّ أشار إلى أنّ القيام بامور الأمّة وظيفة الأئمة فقط، و أنّ موالاتهم و متابعتهم واجبة فقال (و إنّ الائمة) أراد به نفسه الشّريف و الطيّبين من أولاده (قوّام اللَّه على‏خلقه) أى يقومون بمصالحهم و يدبّرون امورهم، أو أنّهم القائمون بأمر اللَّه و نهيه و أحكامه على خلقه، لكونهم خلفائه في أرضه و حججه على بريّته، و كمال هذا القيام عند ظهور صاحب الأمر عليه السّلام فانّه الزّمان الّذي تجتمع فيه الخلايق على الايمان، و يرتفع الشّرك بالكلّيّة.

كما يدلّ عليه ما في الكافي عن أبي خديجة عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام أنّه سئل عن القائم، فقال: كلّنا قائم بأمر اللَّه واحدا بعد واحد حتّى يجي‏ء صاحب السّيف فاذا جاء صاحب السّيف جاء بأمر غير الّذي كان (و عرفائه على عباده) كمال قال تعالى «وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ» روى في البحار من بصائر الدّرجات مسندا عن الهلقام عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: و على الأعراف رجال، قال عليه السّلام: نحن أولئك الرّجال الأئمة منّا يعرفون من يدخل النّار و من يدخل الجنّة كما تعرفون في قبائلكم الرّجل منكم يعرف من فيها من صالح أو طالح.

و فيه عن الهلقام أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن قول اللَّه عزّ و جلّ «وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ» ما يعني بقوله و على الأعراف رجال قال عليه السّلام: ألستم تعرفون عليكم عريفا على قبائلكم لتعرفوا من فيها من صالح أو طالح قلت: بلى، قال: فنحن أولئك الرّجال الّذين يعرفون كلّا بسيماهم.

و فيه من كتاب المقتضب لأحمد بن محمّد بن عياش بسنده عن أبان بن عمر ختن آل ميثم قال: كنت عند أبي عبد اللَّه عليه السّلام فدخل عليه سفيان بن مصعب العبدى فقال: جعلنى اللَّه فداك ما تقول في قوله تعالى ذكره «وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ» الآية قال: هم الأوصياء من آل محمّد الاثنا عشر لا يعرف اللَّه إلّا من عرفهم و عرفوه، قال فما الأعراف جعلت فداك قال: كتائب من مسك عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و الأوصياء يعرفون كلّا بسيماهم فقال سفيان: فلا أقول في ذلك شيئا فقال من قصيدة شعرا.

أيا ربعهم«» هل فيك لى اليوم مربع
و هل لليالى كنّ لى فيك مرجع‏

و فيها يقول:

و أنتم ولاة الحشر و النشر و الجزا
و أنتم ليوم المفزع الهول مفزع‏

و أنتم على الأعراف و هى كتائب‏
من المسك رياها بكم يتضوّع‏

ثمانية بالعرش اذ يحملونه
و من بعدهم هادون في الأرض أربع‏

(لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم و عرفوه و لا يدخل النّار إلّا من أنكرهم و أنكروه) هذه القضيّة قد نصّت عليها في الأخبار المعتبرة المتظافرة عن أهل بيت العصمة و الطّهارة، و ستطلع عليها و على تحقيق معناها في التّذييل الآتي.
ثمّ أشار إلى بغض ما منّ اللَّه تعالى به على المخاطبين، و هو أعظم نعمائه عليهم فقال (إنّ اللَّه قد خصّكم بالاسلام و استخلصكم له) أى استخصّكم له يعني أنّكم لكرامتكم عند اللَّه تعالى و علوّ منزلتكم خصّكم بهذه النّعمة العظمى و العطيّة الكبرى (و ذلك لأنّه اسم سلامة) قال الشّارح المعتزلي و البحراني: يعني أنّه مشتقّ من السّلامة، و تبعهما بعض الشّارحين فقال: ظاهر الكلام يعطى أنّ الاسلام من السّلامة مشتقّ فليس بمعنى الانقياد و الدّخول في السلم.

أقول: لا دلالة في كلامه عليه السّلام على اشتقاقه منه لو لم يكن دالّا على خلافه، بل الظّاهر أنّ معناه أنّ الاسلام اسم لمسمّى فيه سلامة من غضب الجبّار و من النّار، فانّ من فاز بالاسلام سلم من سخط اللَّه و عقوبته.
(و) هو أيضا (جماع كرامة) أى مجمعه إذ به يفاز الجنان، و يتحصل الرّضوان و النّعيم الأبد و اللّذة السّرمد (اصطفى اللَّه منهجه) أى اختار طريق الاسلام و ارتضاه من بين ساير الطرق و المناهج، و المراد بطريق الاسلام إما نفس الاسلام، و تسميته بالطريق باعتبار ايصاله إلى قرب الحقّ سبحانه و كونه محصّلا لرضاه تعالى، و قد عبّر عنه بالصّراط و هو الطّريق في قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ».
على بعض تفاسيره، و يدلّ على اختيار اللَّه سبحانه و اصطفائه له قوله تعالى:«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ».

و أمّا الطريق المخصوص به أعنى الطّريق الّذي لا بدّ لمن تديّن بدين الاسلام أن يسلكه و هى طريق الشّريعة أعني الفروع العمليّة، و الدّليل على اصطفائه عزّ و جلّ لها جعلها ناسخة لسائر الشّرايع و إبقائها بقاء الدّهر، شرع محمّد صلّى اللَّه عليه و آله مستمرّ إلى يوم القيامة (و بيّن حججه) أى أوضح الأدلّة الدّالة على حقيّته (من ظاهر علم و باطن حكم) أى تلك الأدلّة على قسمين: أحدهما علم ظاهر و هى الأدلّة النّقلية من الكتاب و السنّة، و ثانيهما حكمة باطنة و هي الأدلّة العقليّة.

أمّا تفسير الحكم بالحكمة فقد دلّ عليه ما في الصافي عن الكافي عن الباقر عليه السّلام قال: مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب و الحكمة و هو صبىّ صغير، ثمّ تلا قوله تعالى «يا يَحْيى‏ خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا».
و في مجمع البحرين في الحديث ادع اللَّه أن يملاء قلبي علما و حكما، أى حكمة.
و أمّا تفسير الحكمة بالعقل فقد نصّ عليه الكاظم عليه السّلام في رواية الصافي عن الكافي عنه عليه السّلام في تفسير قوله تعالى: «وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ».

قال: الفهم و العقل، فقد ظهر و اتّضح مما ذكرنا أنّ المراد بالحكم الباطن هو دليل العقل (لا تفنى غرائبه و لا تنقضي عجائبه) يعني أنّ غرائب الاسلام و عجائبه دائمة تجدّد يوما فيوما، ألا ترى كيف أعزّه اللَّه و أهله في بدو الأمر و أذّل الكفر و أهله و نصر اللَّه المسلمين على الكافرين و أظهرهم عليهم على قلّة الأوّلين و كثرة الآخرين و أيّد الاسلام بالملائكة المسوّمين يوم بدر و حنين، و نكص الشيطان اللّعين على عقبيه لما تراءت الفئتان و قال إِنِّي أَرى‏ ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رب‏العالمين، مضافة إلى المعجزات و الكرامات الصادرة من قادة المسلمين و نوّابهم الصّالحين في كلّ عصر و زمان، و أعظم تلك العجائب و أكمل تلك الغرايب ما يظهر في آخر الزّمان عند ظهور الدّولة الحقّة القائميّة «عج» و هذه كلّها من عجائب نفس الاسلام و مضافة إليه كما هو غير خفيّ لاولى الأفهام.

(فيه مرابيع النّعم) استعار لفظ المرابيع للبركات و الخيرات التي يفوز بها المسلمون في الآخرة و الاولى ببركة أخذهم الاسلام دينا أمّا في الدّنيا فكحقن الدّماء و الظفر بالأعداء و غنيمة الأموال و رفاه الحال، و أمّا في العقبى فالنّجاة من النّار و الأمن من غضب الجبّار و الفوز بجنّات تجري من تحتها الأنهار، و برضوان من اللَّه أكبر و هو أعظم النّعماء و أشرف الآلاء.

(و مصابيح الظّلم) لفظ المصابيح أيضا استعارة للمعارف الحقّة و العقائد الالهيّة، إذ تصفية القلب بها يرتفع ظلمات الشّبهات و يندفع رين الشكوكات عنه في الدّنيا بخلاف الّذين كفروا فقد خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ وَ عَلى‏ سَمْعِهِمْ وَ عَلى‏ أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ، و أمّا في الآخرة فبسبب تلك المعارف و بعض الأعمال الصّالحة الّتي هى من فروع الدّين و الاسلام يحصل نور للمؤمن في القبر و البرزخ و القيامة، هذا و يحتمل أن يكون لفظ المصابيح استعارة لأولياء الدّين و أئمّة اليقين قادة المسلمين إذ بهم يهتدي من ظلمات الجهل و الضّلال في الدّين و الدّنيا، و بأنوارهم يسلك سبيل الجنّة في الأخرى كما قال عزّ من قائل: «نُورُهُمْ يَسْعى‏ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ».

و قد مرّ الكلام في هذا المعنى مشبعا في شرح الفصل الأوّل من الخطبة الرّابعة فليراجع ثمة.
(لا تفتح الخيرات إلّا بمفاتحه) أراد بالخيرات النّعم الأخرويّة و اللّذائذ الدّائمة الباقية و الدّرجات العالية، و مفاتح الاسلام الفاتحة لها عبارة عن فروعات‏الاسلام و الأعمال الحسنة و العبادات الّتي كلّ منها سبب لجزاء مخصوص و موصلة الى درجة مخصوصة من درجات الجنان و مفاتح لأبوابها.

كما ورد في بعض الأخبار: أنّ للجنّة ثمانية أبواب: الباب الأوّل اسمه التّوبة، الثّاني الزّكاة، الثّالث الصّلاة، الرّابع الأمر و النّهى، الخامس الحجّ السّادس الورع، السّابع الجهاد، الثّامن الصّبر، فانّ الظّاهر منه أنّ التّوبة مفتاح للباب الأوّل و الزّكاة للثاني و هكذا.

(و لا تكشف الظلمات إلّا بمصابيحه) قد طهر توضيحه ممّا قدّمناه آنفا في شرح قوله: فيه مصابيح الظلم (قد أحمى حماه) المراد بحمى الاسلام المحرّمات الشّرعيّة و قد أحماها اللَّه سبحانه أى جعلها عرضة لأن تحمى، أى منع و نهى عن الاقتحام فيها.

و يدلّ على ما ذكرناه ما في الوسائل عن الصّدوق قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام خطب النّاس فقال في كلام ذكره: حلال بيّن، و حرام بيّن، و شبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له أترك، و المعاصى حمي اللَّه فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها و فيه عن الفضل بن الحسن الطبرسي في تفسيره الصّغير قال: في الحديث أنّ لكل ملك حمى و حمى اللَّه محارمه فمن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه.

و فيه عن الكراجكى في كتاب كنز الفوايد بسنده عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال قال جدّي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: أيّها النّاس حلالي حلال إلى يوم القيامة، و حرامي حرام إلى يوم القيامة، ألا و قد بينهما اللَّه عزّ و جلّ في الكتاب و بيّنتهما لكم في سنّتي و سيرتي، و بينهما شبهات من الشّيطان و بدع بعدى من تركها صلح له أمر دينه و صلحت له مرّوته و عرضه، و من تلبّس بها وقع فيها و اتبعها كان كمن رعى غنمه قرب الحمى، و من رعى ما شئته قرب الحمى نازعته نفسه إلى أن يرعاها في الحمى، ألا و إنّ لكلّ ملك حمى، ألا و إنّ حمى اللَّه عزّ و جلّ محارمه، فتوّقوا حمى اللَّه و محارمه.

(و أرعى مرعاه) المراد بمرعاه المباحات و المحلّلات الشّرعية، فانّ اللَّه سبحانه قد رخّص المكلّفين في الاقدام عليها و تناولها و التّمتع بها.
(فيه شفاء المشتفى و كفاية المكثفى) إذ به يحصل التّقرب الرّوحاني من الحقّ تعالى، و هو شفاء لكلّ داء و غنى لكلّ فقر، و إليه يؤمى ما في الحديث القدسي يابن آدم كلّكم ضالّ إلّا من هديته، و كلّكم مريض إلّا من شفيته، و كلّكم فقير إلّا من أغنيته

تنبيه

ما ذكرته في شرح هذه الفقرات الأخيرة أعني قوله: من ظاهر علم، إلى آخر الفصل هو الّذي ظهر لي في المقام و هو الأنسب بسياق الكلام.
و قال الشّارح المعتزلي و البحراني و تبعهما غيرهما: إنّ المراد بقوله: من ظاهر علم هو القرآن، و ما ذكره إلى آخر الفصل أوصاف له.

قال الشّارح المعتزلي و يعنى بظاهر علم و باطن حكم القرآن ألا تراه كيف أتى بعده بصفات و نعوت لا يكون إلّا للقرآن من قوله: لا تفنى غرايبه، أى آياته المحكمة و براهينه القاطعة، و لا تنقضى عجائبه، لأنّه مهما تأمّله الانسان استخرج منه بفكره غرايب و عجايب لم يكن عنده من قبل، فيه مرابيع النعم المرابيع سبب لظهور الكلاء، و كذلك تدبر القرآن سبب للنعم الدّينية و حصولها، قد أحمى حماه و أرعى مرعاه، أى عرض حمى القرآن و محارمه لأن يجتنب و عرض مرعاه لأن يرعى، أى يمكن من الانتفاع بما فيه من الزّواجر و المواعظ لأنه خاطبنا بلسان عربيّ مبين، و لم تقنع ببيان ما لا يعلم إلّا بالشرع حتى نبّه في أكثره على أدلّة العقل.

و قال الشارح البحراني: ثمّ أخذ عليه السّلام في إظهار منّة اللَّه عليهم بالقرآن الكريم و تخصيصهم به من بين ساير الكتب و اعدادهم لقبوله من ساير الامم.
ثمّ نبّه على بعض أسباب إكرامه تعالى لهم به أمّا من جهة اسمه فلأنّه مشتق من السّلامة بالدّخول في الطّاعة.

و أمّا من جهة معناه فمن وجوه: أحدها أنّه مجموع كرامة من اللَّه لخلقه لأنّ مدار جميع آياته على هداية الخلق إلى سبيل اللَّه القائدة إلى الجنّة الثّاني أنّ اللَّه اصطفى منهجه و هو طريقته الواضحة المؤدّية للسّالكين بالسير إلى رضوان اللَّه الثّالث أنّه بيّن حججه و هى الأدلّة و الأمارات و قسم الحجج إلى ظاهر علم و أشار به إلى ظواهر الشّريعة و أحكامها الفقهيّة و أدلّة تلك الأحكام، و باطن حكم و أشار به إلى ما يشتمل عليه الكتاب العزيز من الحكمة الالهية و أسرار التوحيد و علم الأخلاق و السياسات و غيرها الرابع أنّه لا تفنى عزائمه«» و أراد بالعزائم هنا الآيات المحكمة و براهينه العازمة أى القاطعة، و عدم فنائها إشارة إمّا إلى ثباتها و استقرارها على طول المدّة و تغير الأعصار، و إمّا إلى كثرتها عند البحث و التفتيش عنها الخامس و لا تنقضى عجايبه، لأنّه كلّما تأمله الانسان استخرج منه بفكره لطايف معجبة من أنواع العلوم لم يكن عنده من قبل.

السادس فيه مرابيع النعم، استعار لفظ المرابيع لما يحصل عليه الانسان من النعم ببركة القرآن و لزوم أوامره و نواهيه و حكمه و آدابه أمّا في الدّنيا فالنعم التي تحصل ببركته لحامليه من القرّاء و المفسّرين و غيرهم ظاهرة الكثرة، و أمّا بالنسبة إلى الآخرة فما يحصل عليه مقتبسو أنواره من الكمالات المعدّة في الآخرة من العلوم و الاخلاق الفاضلة أعظم نعمة و أتمّ فضل السابع أنّ فيه مصابيح الظلم استعار لفظ المصابيح لقوانيته و قواعده الهادية إلى اللَّه في سبيله.

الثامن أنه لا يفتح الخيرات إلا بمفاتحه، أراد الخيرات الحقيقية الباقية و استعار لفظ المفاتح لمناهجه و طرقه الموصلة إلى تلك الخيرات.

التاسع و لا ينكشف الظّلمات إلّا بمصابيحه أراد ظلمات الجهل و بالمصابيح قوانينه.
العاشر كونه قد أحمى حماه، استعار لفظ الحمى لحفظه و تدبّره و العمل بقوانينه، و وجه الاستعارة أنّ بذلك يكون حفظ الشّخص و حراسته أمّا في الدّنيا فمن أيدى كثير من الظّالمين لاحترامهم حملة القرآن و مفسّريه و من يتعلّق به، و أمّا في الآخرة فلحمايته حفظته و متدبّريه و العامل به من عذاب اللَّه كما يحمى الحمى من يلوذ به، و نسبة الأحماء إليه مجاز.

الحادى عشر و كذلك أرعى مرعاه أى هيّأه لأن رعاه، و استعار لفظ المرعى للعلوم و الحكم و الآداب الّتي يشتمل عليه القرآن، و وجه المشابهة أنّ هذه مراعى النفوس الانسانيّة و غذائها الّذي به يكون نشوها العقلى و نماؤها الفعلى، كما أنّ المراعى المحسوسة من النّبات غذاء للأبدان الحيوانيّة الّتى بها يقوم وجودها.
الثّانيعشر فيه شفاء المشتفى، أى طالب الشّفاء منه أمّا في الأبدان فبالتغوّذ به مع صدق النيّة فيه و سلامة الصّدور، و أمّا في النّفوس فلشفائها به من أمراض الجهل.

الثالث عشر و كفاية المكتفى، أراد بالمكتفى طالب الكفاية أما من الدّنيا فلأنّ حملة القرآن الطالبين به المطالب الدّنيوية هم أقدر و أكثر الناس على الاحتيال به في تحصيل مطالبهم و كفايتهم بها، و أمّا في الآخرة فلأنّ طالب الكفاية منها يكفيه تدبّر القرآن و لزوم مقاصده في تحصيل مطلوبه منها
تذييل
قد وعدناك تحقيق الكلام في قوله عليه السّلام: لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم و عرفوه و لا يدخل النار إلّا من أنكرهم و أنكروه، و قد تكلّم فيه الشارحان البحراني‏و المعتزلي على ما يقتضيه سليقتهما و بلغا فيه غاية و سعهما و بذلا منتهى الجهد إلّا أنّهما لقصور يديهما عن أخبار العترة الأطهار الأطياب لم يكشفا عن وجوه خرايده النّقاب، و خفى عليهما وجه التحقيق و مقتضى النّظر الدّقيق، فأحببت أن اشبع الكلام في المقام، لكونه حقيقا بذلك مع الاشارة إلى بعض ما قاله الشّارحان الفاضلان، و ينبغي أن نورد أوّلا جملة من الرّوايات الموافقة معنى لكلامه عليه السّلام ثمّ نتبعها بالمقصود.

فأقول: و باللَّه التّوفيق قال تعالى: «وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ» و للمفسّرين في تفسير الأعراف قولان: أحدهما أنّها سور بين الجنّة و النّار أو شرفها و أعاليها، أو الصّراط فيكون مأخوذا من عرف الدّيك و ثانيهما أنّ على معرفة أهل الجنّة و النّار رجال و الأخبار تدلّ على التّفسيرين، و ربّما يظهر من بعضها أنّه جمع عريف كشريف و أشراف، فيكون مرادفا للعرفاء، فلا بدّ على هذا التفسير من التّقدير أى على طريق الأعراف رجال أو على التجريد، هكذا قال العلّامة المجلسى: و هو انّما يستقيم إذا جعلنا الأعراف مأخوذا من المعرفة، و أمّا إذا كان جمعا لعريف فهذا التقدير لا يرفع الاشكال، إذ يكون محصّل المعنى أنّ على طريق عرفاء أهل الجنة و النّار رجال و الحال أنّ هذه الرّجال نفس الأعراف و العرفاء، فكيف يكونون على طريق العرفاء، و التجريد أيضا غير مستقيم كما لا يخفى فاللّازم حينئذ جعل الأعراف في الآية بمعنى السّور، أو المواضع العالية و نحوها، أو بمعنى المعرفة، و على ذلك فلا ينافي وصف الرّجال بكونهم أعرافا أيضا كما في الأخبار المتقدّمة و الآتية، لكونهم عرفاء العباد أعنى أنّ كلّا منهم عريف أو لكونهم عارفين باللَّه، أو لأنّهم سبيل معرفة اللَّه و نحو ذلك‏

قال في الصّافي: و الوجه في إطلاق لفظ الأعراف على الأئمة أنّ الأعراف إن كان اشتقاقها من المعرفة فالأنبياء و الأوصياء هم العارفون و المعروفون و المعرّفون اللَّه و النّاس للنّاس في هذه النشأة، و إن كان من العرف بمعنى المكان العالي المرتفع فهم الّذين من فرط معرفتهم و شدّة بصيرتهم كأنّهم في مكان عال مرتفع ينظرون إلى ساير النّاس في درجاتهم و دركاتهم، و يميزون السّعداء عن الأشقياء على معرفة منهم بهم و هم بعد في هذه النشأة إذا ظهر لك ذلك فلنورد بعض ما ورد من الأخبار المناسبة للمقام فأقول: روى في البحار من بصاير الدّرجات و منتخب البصاير معنعنا عن مقرن قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول: جاء ابن الكوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين و على الأعراف رجال يعرفون كلّا بسيماهم، فقال عليه السّلام نحن الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم، و نحن الأعراف الّذين لا يعرف اللَّه عزّ و جلّ إلّا بسبيل معرفتنا، و نحن الأعراف يعرفنا «يوقفنا» اللَّه عزّ و جلّ يوم القيامة على الصّراط، فلا يدخل الجنّة إلّا من عرفنا و نحن عرفناه، و لا يدخل النّار إلّا من أنكرنا و أنكرناه، إنّ اللَّه لو شاء لعرف العباد نفسه، و لكن جعلنا أبوابه و صراطه و سبيله و الوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا فانّهم عن الصّراط لناكبون، و لا سواء من اعتصم النّاس به، و لا سواء من ذهب حيث ذهب النّاس، ذهب الناس إلى عيون كدرة«» يفرغ بعضها في بعض، و ذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافية تجرى بامور لانفاد لها و لا انقطاع و فيه من البصاير و منتخب البصاير أيضا مرفوعا إلى الأصبغ بن نباتة عن سلمان الفارسي (ره) قال: اقسم باللَّه لسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و هو يقول لعليّ عليه السّلام: يا عليّ إنك و الأوصياء من بعدي أو قال من بعدك أعراف لا يعرف اللَّه إلّا بسبيل معرفتكم و أعراف لا يدخل الجنّة إلّا من عرفكم و عرفتموه، و لا يدخل النّار إلّا من أنكركمو أنكرتموه.

و فيه من الكتابين المذكورين عن المنبه عن الحسين بن علوان عن سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن هذه الآية «و على الأعراف رجال يعرفون كلّا بسيماهم» قال عليه السّلام: يا سعد آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم و عرفوه، و لا يدخل النّار إلّا من أنكرهم و أنكروه، و أعراف لا يعرف اللَّه إلّا بسبيل معرفتهم و فيه من البصاير عن عبد اللَّه بن عامر و ابن عيسى عن الجمال عن رجل عن نصر العطار قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام: يا عليّ ثلاث اقسم أنّهنّ حقّ: إنّك و الأوصياء عرفاء لا يعرف اللَّه إلّا بسبيل معرفتكم، و عرفاء لا يدخل الجنّة إلّا من عرفكم و عرفتموه، و عرفاء لا يدخل النّار إلّا من أنكركم و أنكرتموه و في الصّافي من المجمع و الجوامع عن أمير المؤمنين عليه السّلام نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة و النّار، فمن ينصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة، و من أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النّار و من تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي عن الصّادق عليه السّلام كلّ أمّة يحاسبها إمام زمانها و يعرف الأئمّة أوليائهم و أعدائهم بسيماهم، و هو قوله «و على الأعراف رجال يعرفون كلّا بسيماهم» فيعطوا أوليائهم كتابهم بيمينهم فيمرّوا إلى الجنّة بلا حساب و يعطوا اعدائهم كتابهم بشمالهم فيمرّوا على النّار بلا حساب هذا، و الأخبار في هذا المعنى كثيرة و فيما أوردناه كفاية إذا عرفت هذا فلنعد إلى تحقيق معنى قوله عليه السّلام: لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم و عرفوه، و لا يدخل النّار إلّا من أنكرهم و أنكروه فأقول: أما القضية الاولى فالمراد بها معرفة النّاس بالولاية و الامامة، و معرفتهم للنّاس بالتّشيع و المحبّة، لا المعرفة بأعيانهم فقط، و إنّما لا يدخل الجنّة غير هؤلاء، لأنّ الاذعان بالولاية أعني معرفة الأئمة حقّ المعرفة و الاعتقاد بامامتهم و بأنّهم مفترض الطاعة هو الرّكن الأعظم من الايمان، و شرط قبوليّة ساير الأعمال و العبادات، و بدونه لا ينتفع بشي‏ء منها كما مرّ تحقيق ذلك و تفصيلهو دللنا عليه في التّذنيب الثّالث من شرح الفصل الرّابع من الخطبة الاولى.

و يدلّ عليه أيضا الأخبار المتظافرة بل القريبة من التّواتر لو لم تكن متواترة الدّالة إلى أنّ من مات و لم يعرف إمامه مات ميتة الجاهليّة.
و من جملة تلك الأخبار ما في البحار من كنز الكراجكى مسندا عن الحسن ابن عبد اللَّه الرّازي عن أبيه عن عليّ بن موسى الرّضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من مات و ليس له إمام من ولدى مات ميتة جاهليّة يؤخذ بما عمل في الجاهليّة و الاسلام.

و من طريق العامّة عن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و قال: من مات و ليس في عنقه بيعة لامام أو ليس في عنقه عهد لامام مات ميتة جاهليّة و من عيون أخبار الرّضا فيما كتب الرّضا عليه السّلام للمأمون من شرايع الدّين: من مات لا يعرف أئمّته مات ميتة جاهليّة ثمّ المراد بالمعرفة في قوله عليه السّلام: إلّا من عرفهم و عرفوه، هو المعرفة في الدّنيا و في الآخرة، أمّا معرفة النّاس بالأئمة في هذه النشأة فبأن يعرفوا أنّ لكلّ زمان إماما و يعرفوا إمام زمانهم بخصوصه و هو حىّ ناطق يجب طاعته فيما يأمر و ينهى و أمّا معرفتهم بهم في النشأة الآخرة فانّ كلّ امّة تدعى مع امامه قال تعالى: «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا».

روى في البحار من تفسير عليّ بن إبراهيم بسنده عن الفضل عن أبي جعفر عليه السّلام في هذه الآية قال: يجي‏ء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في قرنه، و عليّ عليه السّلام في قرنه، و الحسن في قرنه، و الحسين في قرنه، و كلّ من مات بين ظهرانيّ قوم جاءوا معه، و قال عليّ ابن إبراهيم في هذه الآية ذلك يوم القيامة ينادى مناد ليقم أبو بكر و شيعته، و عمر و شيعته، و عثمان و شيعته، و عليّ عليه السّلام و شيعته، و قد مرّ في شرح الفصل الثالث من الخطبة السّادسة و الثّمانين الحديث الشّريف النّبوي في ورود الامّة على النّبيّ‏يوم القيامة على خمس رايات، و أنّ الرّاية الخامسة مع أمير المؤمنين عليه السّلام و معه شيعته، فليتذكّر.
و في البحار من أمالي الشّيخ بسنده عن كثير بن طارق قال سألت زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام عن قول اللَّه تعالى: «لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً».

فقال: يا كثير إنّك رجل صالح و لست بمتّهم و إنّي أخاف عليك أن تهلك أنّ كلّ إمام جائر فان أتباعهم إذا أمر بهم إلى النّار نادوا باسمه فقالوا يا فلان يا من أهلكناهم «كذا» الآن فخلصنا ممّا نحن فيه، ثمّ يدعون بالويل و الثّبور فعندها يقال لهم «لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا و ادعوا ثبورا كثيرا» قال زيد بن عليّ رحمه اللَّه: حدّثني أبي عليّ بن الحسين عن أبيه حسين بن عليّ عليهما السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام يا عليّ أنت و أصحابك في الجنّة أنت و أتباعك يا عليّ في الجنّة، هذا و بما ذكرناه من أنّ المراد بمعرفة الأئمة عليهم السّلام معرفتهم بالولاية و الامامة لا المعرفة بأعيانهم فقط ظهر لك أنّ هذه المعرفة مخصوصة بالفرقة المحقّة الاماميّة لا توجد في غيرهم.

فما حكاه الشّارح المعتزلي من أصحابه المعتزلة من أنّهم قائلون بصحة هذه القضيّة، و هى أنّه لا يدخل الجنّة إلّا من عرف الأئمة ألا ترى أنّهم يقولون الأئمة بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فلان و فلان و يعدّوهم واحدا واحدا، فلو أنّ انسانا لا يقول بذلك لكان عندهم فاسقا و الفاسق عندهم لا يدخل الجنّة أبدا أعنى من مات على فسقه، فقد ثبت أنّ هذه القضيّة و هى قوله عليه السّلام: لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم قضيّة صحيحة على مذهب المعتزلة انتهى فيه ما لا يخفى إذ مجرّد معرفتهم و تعدادهم واحدا واحدا لا يكفى في دخول الجنّة و لا يترتّب عليها ثمرة أصلا، و إنّما اللّازم معرفتهم بوصف الامامة و الخلافة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بلا فصل، و أنّ العصر لا يخلو من إمام إمّا ظاهر مشهور أوغائب مستور و إنّ امام زماننا الآن حيّ حاضر موجود و إن كان غايبا عن أعيننا، لاقتضاء الحكمة و هو الثّاني عشر من الأئمة و مهدي الامّة سلام اللَّه عليه و على آبائه الطاهرين، و هو ينافي القول بخلافة الأوّل و الثّاني و الثّالث كما هو مذهب المعتزلة و ساير العامّة، و ينافي إنكار وجود امام الزّمان عليه السّلام الآن كما عليه بنائهم استبعادا لغيبته بطول المدّة و الزّمان، هذا تمام الكلام في معرفة النّاس بالأئمة و أمّا معرفتهم عليهم السّلام بالنّاس فقد قلنا إنّ المراد بها أيضا معرفتهم لهم بالتّشيّع و المحبّة، لا المعرفة بذواتهم و أشخاصهم فقط و إلّا فهم يعرفون المنافقين و الكفّار كما يعرفون شيعتهم و المؤمنين الأبرار فان قلت: نحن نرى كثيرا من شيعتهم و محبّيهم لا تعرفهم الأئمّة و لا يرون أشخاصهم.

قلت: هذا اعتراض سخيف أورده الشّارح البحراني في هذا المقام، و أجاب عنه بقوله: لا يشترط في معرفتهم لمحبّيهم و معرفة محبّيهم لهم المعرفة الشّخصيّة العينيّة، بل الشّرط المعرفة على وجه كلّي و هو أن يعلموا أنّ كلّ من اعتقد حقّ امامتهم و اهتدى بما انتشر من هديهم فهو ولىّ لهم و مقيم لهذا الرّكن من الدّين فيكونون عارفين بمن يتولّاهم على هذا الوجه و يكون من يتولّاهم عارفا بهم لمعرفته بحقّية ولايتهم و اعتقاد ما يقولون و إن لم يشترط المشاهدة و المعرفة الشّخصيّة انتهى.

و لا يكاد ينقضي عجبي من هذا الفاضل كيف ضعف اعتقاده بأئمّة الدّين و شهداء النّاس أجمعين، و هذه العقيدة لا يرتضيها عوام الشّيعة و لا يستحسنها لأنفسهم لو عرضت عليهم، فكيف بالخواص و كيف يجتمع القول بعدم المعرفة الشّخصيّة مع القول بكونهم عليهم السّلام شهداء العباد يوم المعاد على ما دلّت عليه الأخبار الكثيرة المتقدّمة في شرح الخطبة الحادية و السّبعين و الشّهادة فرع المعرفة التّفصيليّة بلى و اللَّه إنّهم عليهم السّلام ليعرفون شيعتهم و محبّيهم و المؤمنين بهم تفصيلا بأشخاصهم و ذواتهم و أعيانهم، و يعرفون حالاتهم و درجاتهم و التفاوت في مقاماتهم و درجاتهم‏بحسب تفاوتهم في الايمان و المحبّة شدّة و ضعفا و نقصا و كمالا كما يعرفونهم بأسمائهم و أسماء آبائهم و عشايرهم و أنسابهم كلّ ذلك قد قامت عليه الأدلّة المعتبرة.

و دلّت عليه الأخبار القريبة من التواتر بل هى متواترة منها ما في البحار من كتاب بصائر الدّرجات للصفار عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن صالح بن سهل عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام أنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو مع أصحابه فسلّم ثمّ قال: أنا و اللَّه أحبّك و أتولّاك، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: ما أنت كما قلت ويلك إنّ اللَّه خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، ثمّ عرض علينا المحبّ لنا فو اللَّه ما رأيت روحك فيمن عرض علينا فأين كنت فسكت الرّجل عند ذلك و لم يراجعه و عن محمّد بن حمّاد الكوفي عن أبيه عن نصر بن مزاحم عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللَّه أخذ ميثاق شيعتنا من صلب آدم فنعرف بذلك حبّ المحبّ و إن أظهر خلاف ذلك بلسانه، و نعرف بغض المبغض و إن أظهر حبّنا أهل البيت و عن أحمد بن محمّد و محمّد بن الحسين معا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن بكير قال: كان أبو جعفر عليه السّلام يقول: إنّ اللَّه أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا و هم ذرّ يوم أخذ الميثاق على الذّر بالاقرار له بالرّبوبيّة و لمحمّد صلّى اللَّه عليه و آله بالنبوّة و عرض اللَّه على محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم امّته في الطّين و هم أظلّة، و خلقهم من الطّينة الّتي خلق منها آدم، و خلق اللَّه أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفى عام، و عرضهم عليه و عرّفهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و عرّفهم عليّا و نحن نعرفهم في لحن«» القول و عن ابن يزيد عن ابن فضال عن ظريف بن ناصح و غيره عمّن رواه عن حبابة الوالبية قالت: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام: إنّ لي ابن أخ و هو يعرف فضلكم و إني احبّ‏أن تعلّمنى أ من شيعتكم فقال: و ما اسمه قالت: قلت: فلان بن فلان، فقال عليه السّلام يا فلانة هات الناموس فجاءت بصحيفة تحملها كبيرة فنشرها ثمّ نظر فيها فقال: هو ذا اسمه و اسم أبيه ههنا و بسنده أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام إنّ حبابة الوالبية كانت إذا وفد الناس إلى معاوية وفدت هي إلى الحسين عليه السّلام و كانت امرأة شديدة الاجتهاد قد يبس جلدها على بطنها من العبادة و أنّها خرجت مرّة و معها ابن عمّ لها و هو غلام فدخلت به على الحسين عليه السّلام فقالت له: جعلت فداك فانظر هل تجد ابن عمّي هذا فيما عندكم و هل تجده ناجيا قال: فقال: نعم نجده عندنا و نجده ناجيا و بسنده عن أبي محمّد البزّاز قال: حدّثنى حذيفة بن أسيد الغفاري «رض» صاحب النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم قال: دخلت على عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السّلام فرأيته يحمل شيئا قلت: ما هذا قال: هذا ديوان شيعتنا، قلت: أرنى أنظر فيها اسمى، فقلت إنّي لست أقرء و انّ ابن أخى يقرأ، فدعى بكتاب فنظر فيه فقال ابن اخى: اسمى و ربّ الكعبة، قلت: ويلك أين اسمى فنظر فوجد اسمي بعد اسمه بثمانية أسماء و عن أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحكم عن ابن عميرة عن الحضرمي عن رجل من بني حنيفة قال: كنت مع عمّي فدخل على عليّ بن الحسين عليهما السّلام فرأى بين يديه صحايف ينظر فيها فقال له: أىّ شي‏ء هذه الصّحف جعلت فداك قال: هذا ديوان شيعتنا قال: أ فتأذن أطلب اسمى فيها قال: نعم، فقال: و انّي لست أقرء و ابن اخى معى على الباب فتأذن له يدخل حتّى يقرأ قال: نعم فأدخلني عمّي فنظرت في الكتاب فأوّل شي‏ء هجمت عليه اسمى فقلت: اسمى و ربّ الكعبة قال: ويحك فأين أنا فجزت بخمسة أسماء أو ستّة ثمّ وجدت اسم عمّي، فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: أخذ اللَّه ميثاقهم معنا على ولايتنا لا يزيدون و لا ينقصون إنّ اللَّه خلقنا من أعلى علّيين و خلق شيعتنا من طينتنا أسفل من ذلك، و خلق عدوّنا من سجّين، و خلق أوليائهم منهم من أسفل ذلك و عن عبد اللَّه بن محمّد عمّن رواه عن محمّد بن الحسن عن عمّه عليّ بن السّرى

الكرخي قال: كنت عند أبي عبد اللَّه عليه السّلام فدخل عليه شيخ و معه ابنه فقال له الشّيخ جعلت فداك أمن شيعتكم أنا فأخرج أبو عبد اللَّه عليه السّلام صحيفة مثل فخذ البعير فناوله طرفها ثمّ قال له: أدرج، فأدرجه حتّى أوقفه على حروف من حروف المعجم فاذا اسم ابنه قبل اسمه، فصاح الابن فرحا اسمي و اللَّه، فرحم الشّيخ ثمّ قال له: أدرج فأدرج فأوقفه أيضا على اسمه كذلك و عن محمّد بن عيسى عن عبد الصّمد بن بشير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: انتهى النّبي إلى السّماء السّابعة و انتهى إلى سدرة المنتهى قال: فقالت السّدرة ما جازني مخلوق قبلك، ثمّ دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى قال: فدفع إليه كتاب أصحاب اليمين و كتاب أصحاب الشّمال، فأخذ كتاب أصحاب اليمين بيمينه و فتحه و نظر فيه فاذا فيه أسماء أهل الجنّة و أسماء آبائهم و قبائلهم، ثمّ نزل و معه الصحيفتان فدفعهما إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و في البحار من كتاب الاختصاص معنعنا عن عبد اللَّه بن الفضل الهاشمي قال قال لي أبو عبد اللَّه عليه السّلام: يا عبد اللَّه بن الفضل إنّ اللَّه تبارك و تعالى خلقنا من نور عظمته، و صنعنا برحمته و خلق أرواحكم منّا، فنحن نحنّ إليكم و أنتم تحنّون إلينا، و اللَّه لو جهد أهل المشرق و المغرب أن يزيدوا في شيعتنا رجلا أو ينقصوا منهم رجلا ما قدروا على ذلك، و إنّهم لمكتوبون عندنا بأسمائهم و عشايرهم و أنسابهم، يا عبد اللَّه بن الفضل و لو شئت لأريتك اسمك في صحيفتنا قال: ثمّ دعى الصحيفة فنشرها فوجدتها بيضاء ليس فيها أثر الكتابة فقلت: يا ابن رسول اللَّه ما أرى فيها أثر الكتابة، قال: فمسح يده عليها فوجدتها مكتوبة فوجدت في أسفلها اسمى، فسجدت اللَّه شكرا، هذا و الأخبار في هذا الغرض كثيرة و قد عقد في البحار بابا عليها و فيما رويناه كفاية إنشاء اللَّه عزّ و جلّ و أمّا القضية الثانية أعنى قوله عليه السّلام: و لا يدخل النّار إلّا من أنكرهم و أنكروه، فهى لتضمّنها أداة الحصر منحلّة إلى قضيّتين كالقضيّة الاولى إحداهما ايجابيّة و الأخرى سلبيّة

أمّا الايجابيّة فهى أنّ المنكر لهم و من أنكروه في النّار، و هذه قضيّة صحيحة لا غبار عليها لما قدّمنا من أنّ من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميته الجاهليّة، و ميتة الجاهليّة مستلزمة لدخول النار، و قد مرّ في التذييل الثالث من شرح الفصل الرّابع من الخطبة الأولى رواية جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن أبيه قال: نزل جبرئيل على النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و قال: يا محمّد اللَّه يقرؤك السلام و يقول: خلقت السماوات السبع و ما فيهنّ و خلقت الأرضين السبع و من عليهنّ، و ما خلقت موضعا أعظم من الركن و المقام، و لو أنّ عبدا دعاني منذ خلقت السماوات و الأرض ثمّ لقينى جاحدا لولاية عليّ عليه السّلام لأكببته في سقر، و قد مرّ هناك روايات أخر بهذا المعنى فتذكّر و أمّا السلبيّة فهى أنّ من لا ينكرهم و لا ينكرونه فهو لا يدخل النار، و هى بظاهرها مستلزمة لعدم دخول أحد من غير المنكرين في النار و إن كان من مرتكبي الكبائر.

و قد أخذ الشارح البحراني بظاهرها حيث قال: لا يجوز أن يكون من أنكرهم فأنكروه أخسّ ممن يدخل النّار و إلّا لصدق على بعض من يتولّاهم و يعترف بصدق إمامتهم أنه يدخل النار لكن ذلك باطل لقول الرسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يحشر المرء مع من أحبّ، و لقوله لو أحبّ رجل حجرا لحشر معه، دلّ الخبر على أنّ محبّة الانسان لغيره مستلزم لحشره معه، و قد ثبت أنهم عليهم السّلام إلى الجنّة يحشرون فكذلك من أحبّهم و يعترف بحقيّة إمامتهم، و دخول الجنّة و دخول النار ممّا لا يجتمعان، فثبت أنّه لا واحد ممّن يحبّهم و يعترف بحقّهم يدخل النّار، و قد ظهر إذا صدق هذه الكليّة و وجه الحصر فيها، انتهى أقول: و يصدق هذه الكلّية و يدلّ عليها روايات كثيرة فوق حدّ الاحصاء: ففى البحار من كتاب فضايل الشّيعة للصّدوق باسناده عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: حبّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يأكل السيّئات كما تأكل النّار الحطب.

و من كنز جامع الفوايد و تأويل الآيات قال: روى شيخ الطّايفة باسناده‏عن زيد بن يونس الشّحام قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام، الرّجل من مواليكم عاص يشرب الخمر و يرتكب الموبق من الذّنب نتبرّء منه فقال عليه السّلام: تبرّؤا من فعله و لا تبرّؤا من خيره و ابغضوا عمله، فقلت: يسع لنا أن نقول: فاسق فاجر فقال: لا الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا و لأوليائنا أبي اللَّه أن يكون وليّنا فاسقا فاجرا و إن عمل ما عمل، و لكنّكم قولوا: فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النّفس خبيث الفعل طيّب الرّوح و البدن، لا و اللَّه لا يخرج وليّنا من الدّنيا إلّا اللَّه و رسوله و نحن عنه راضون، يحشر اللَّه على ما فيه من الذّنوب مبيضّا وجهه، مستورة عورته، آمنة روعته لا خوف عليه و لا حزن، و ذلك أنّه لا يخرج من الدّنيا حتى يصفى من الذّنوب إمّا بمصيبة في مال أو نفس أو ولد أو مرض و أدنى ما يصنع بوليّنا أن يريه اللَّه رؤيا مهولة فيصبح حزينا لما رآه فيكون ذلك كفّارة له، أو خوفا يرد عليه من أهل دولة الباطل أو يشدّد عليه عند الموت فيلقى اللَّه عزّ و جلّ طاهرا من الذّنوب آمنة روعته بمحمّد و أمير المؤمنين صلّى اللَّه عليهما، ثمّ يكون أمامه أحد الأمرين إمّا رحمة اللَّه الواسعة الّتي هي أوسع من أهل الأرض جميعا، أو شفاعة محمّد و أمير المؤمنين عليهما السّلام فعندها تصيبه رحمة اللَّه الواسعة الّتي كان أحقّ بها و أهلها و له إحسانها و فضلها.

و من كتاب المحتضر للحسن بن سليمان من كتاب سيّد حسن بن كبش عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ إنّ جبرئيل أخبرني عنك بأمر قرّت به عيني و فرح به قلبي، قال: يا محمّد قال اللَّه عزّ و جلّ: اقرء محمّدا منّي السّلام و أعلمه أنّ عليّا إمام الهدى، و مصباح الدّجى، و الحجّة على أهل الدّنيا، و أنّه الصّديق الأكبر و الفاروق الأعظم، و إنّي آليت و عزّتي و جلالي أن لا أدخل النّار أحدا تولّاه و سلّم له و للأوصياء من بعده، حقّ القول منّي لأملانّ جهنّم و أطباقها من أعدائه، و لأملئنّ الجنّة من أوليائه و شيعته و من كتاب اعلام الدّين للدّيلمي من كتاب الحسين بن سعيد عن صفوان عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: من أحبّنا و لقى اللَّه و عليه مثل زبد البحر ذنوبا كان حقّاعلى اللَّه أن يغفر له.

و من كتاب المناقب لابن شاذان باسناده عن أبي الصّلت الهروى قال: سمعت الرّضا عليه السّلام يحدّث عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول: سمعت اللَّه عزّ و جلّ يقول: عليّ بن أبي طالب حجّتي على خلقي و نوري في بلادي و أميني على علمي لا أدخل النّار من عرفه و إن عصاني، و لا أدخل الجنّة من أنكره و إن أطاعني.

و من كتاب بشارة المصطفى بسنده عن الحسين بن مصعب قال: سمعت جعفر بن محمّد عليه السّلام يقول: من أحبّنا و أحبّ محبّنا لا لغرض دنيا يصيبها منه، و عادى عدوّنا لا لأحنة كانت بينه و بينه، ثمّ جاء يوم القيامة و عليه من الذّنوب مثل رمل عالج و زبد البحر غفر اللَّه تعالى له.
و من تفسير العياشي عن بريد بن معاوية العجلي في حديث عن أبي جعفر عليه السّلام قال: فقال أبو جعفر عليه السّلام: و اللَّه لو أحبّنا حجر لحشر معنا.

و من عيون الأخبار باسناد التّميمي عن الرّضا عليه السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من أحبّنا أهل البيت حشره اللَّه آمنا يوم القيامة.
و بهذا الاسناد قال: قال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام من أحبّك كان مع النّبيين في درجتهم يوم القيامة و من مات و هو يبغضك فلا يبالي مات يهوديّا أو نصرانيّا.
و من أمالي الشّيخ عن أبي محمّد الفحّام عن عمّه عن أبيه قال: دخل سماعة بن مهران على الصّادق عليه السّلام فقال: يا سماعة من شرّ النّاس عند النّاس قال: نحن يا ابن رسول اللَّه، قال: فغضب حتّى احمرّت و جنتاه ثمّ استوى جالسا و كان متّكئا فقال يا سماعة من شرّ النّاس عند النّاس فقلت: و اللَّه ما كذبتك يا ابن رسول اللَّه نحن شرّ النّاس عند الناس لأنّهم سمّونا كفارا و رفضة، فنظر إلىّ ثمّ قال: كيف بكم إذا سيق بكم إلى الجنّة و سيق بهم إلى النّار فينظرون إليكم فيقولون «ما لَنا لا نَرى‏ رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ» يا سماعة بن مهران إنّه من أساء منكم إسائة مشينا إلى اللَّه تعالى يوم القيامة بأقدامنا فنشفع فيه فنشفّع و اللَّه لا يدخل النّار منكم عشرة رجال، و اللَّه لايدخل النّار منكم ثلاثة رجال، و اللَّه لا يدخل النّار منكم رجل واحد، فتنافسوا في الدّرجات و اكمدوا أعدائكم بالورع.

و من كتاب كنز جامع الفوايد و تأويل الآيات عن محمّد بن عليّ عن عمرو بن عثمان عن عمران عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام في قول اللَّه عزّ و جلّ: «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ».

فقال: إنّ اللَّه يغفر لكم جميعا الذّنوب، قال: فقلت: ليس هكذا نقرأ، فقال: يا أبا محمّد فاذا غفر الذّنوب جميعا فلمن يعذّب و اللَّه ما عني من عباده غيرنا و غير شيعتنا و ما نزلت إلّا هكذا إنّ اللَّه يغفر لكم جميعا الذّنوب.
و من تفسير العياشي بالاسناد عن جابر عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام أنّه قال: أهل النّار يقولون «ما لنا لا نرى رجالا كنّا نعدّهم من الأشرار» يعنونكم لا يرونكم في النّار لا يرون و اللَّه أحدا منكم في النّار.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم في قوله تعالى: «فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ» قال منكم يعني من الشّيعة «إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ» قال معناه أنّ من تولّى أمير المؤمنين عليه السّلام و تبرّء من أعدائه عليهم لعائن اللَّه و أحلّ حلاله و حرّم حرامه ثمّ دخل في الذنوب و لم يتب في الدّنيا عذّب لها في البرزخ و يخرج يوم القيامة و ليس له ذنب يسأل عنه يوم القيامة.
و في الصافي من المجمع عن الرّضا عليه السّلام قال في هذه الآية: إنّ من اعتقد الحقّ ثمّ أذنب و لم يتب في الدّنيا عذّب عليه في البرزخ و يخرج يوم القيامة و ليس له ذنب يسأل عنه.

إلى غير هذه مما لا نطيل بذكرها، و هذه الأخبار كما ترى تعارض الأخبار الواردة في كون مرتكبى الكبائر في النار تعارض العموم من وجه، لأنّ هذه‏تدلّ على أنّ العارف بحقّ الأئمة عليهم السّلام و المذعن بولايتهم لا يدخل النار و إن كان مرتكبا للكبائر، و تلك الأخبار مفيدة لكون ارتكابها موجبا لدخول النار و لو كان المرتكب من أهل الولاية و المعرفة، فيتعارضان في مادّة الاجتماع، و هو العارف المرتكب للكبائر، فان رجّحنا أخبار الكبائر و ألقيناها على عمومها لا بدّ من حمل هذه الأخبار الدّالة على أنّ العارف بهم لا يدخل النار على الدّخول بعنوان الخلود لظهور أنّ الخلود إنما هو في حقّ الكفار و المنافقين، و إن رجّحنا تلك الأخبار فلا بدّ من التخصيص في الأخبار الواردة في طرف الكبائر بحملها على غير أهل المحبّة و المعرفة.

و لو لا خوف الاحتياط و ايجاب الترجيح للجسارة في الدّين و لعدم المبالات في شرع سيّد المرسلين لرجّحنا أخبار الولاية و قلنا بما قاله الشارح البحراني بل أقول إنه لا تعارض بين أخبار الطرفين حقيقة إذ أخبار الولاية حاكمة على أخبار الكبائر، بل نسبة بعض الأخبار الأولة إلى الثّانية مثل نسبة الدّليل إلى الأصل، فانّ بعض هذه الأخبار كما عرفت مفيد لكون المعرفة حابطة للسيئات و آكلة لها أكل النار للحطب، و بعضها دالّ على أنّ أهل المعرفة يبتلى بمحن و مصائب يكون تمحيصا لذنوبه و كفارة لها، فعلى ذلك لا يبقى للعاصي معصية حتى توجب دخول النّار، و بعضها يفيد كون الولاية موجبة لمغفرة الذّنوب من اللَّه سبحانه تفضّلا أو كونها محصلة للشفاعة من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام يوم القيامة.

نعم يبقى الاشكال بين هذه الأخبار و بين الأخبار الدّالّة على حصول الشفاعة لبعض مرتكبي السيّئات بعد دخول النّار و المكث فيها بزمان قليل أو كثير بحسب اختلاف مراتب المعصية، و هى أيضا كثيرة و طريق الاحتياط هو الوقوف بين مرتبتي الخوف و الرّجاء و الورع و التّقوى في الدّين و سلوك نهج الشّرع المبين، وفّقنا اللَّه سبحانه لما يحبّ و يرضى و نسأله أن يعاملنا بفضله و لا يؤاخذنا بعد له إنّه لما يشاء قدير، و بالاجابة حقيق جدير.

الترجمة

از جمله فصلهاى آن خطبه است كه بعد از قتل عثمان و انتقال أمر خلافت بآن برج فلك امامت فرموده كه: بتحقيق طلوع كرد طلوع كننده و درخشيد درخشنده و ظاهر شد ظاهر شونده كه عبارتست از ظهور شمس خلافت از مطلع خود كه وجود مسعود آن بزرگوار است، و مستقيم و معتدل شد چيزى كه منحرف شده بود از اركان دين، و بدل كرد حق سبحانه و تعالى بقومي كه از أهل باطل بودند قومى را از اهل حق، و بروزى كه پر از جور و بدعت بود روزى را كه ظاهر شد در آن انصاف و عدالت، و منتظر بوديم ما تغيرات روزگار را مثل انتظار كشيدن قحطى رسيده بباران.
و جز اين نيست كه أئمه طاهرين سلام اللَّه عليهم أجمعين قائمين خدا هستند بر مخلوق او شناساندگان اويند بر بندگان او داخل نمى‏شود در بهشت عنبر سرشت مگر كسى كه بشناسد أئمه را و أئمه عليهم السّلام او را بشناسند، و داخل نمى‏شود در آتش سوزان مگر كسى كه نشناسد ايشان را و ايشان او را نشناسند.

بدرستى كه خداوند متعال مختصّ نمود شما را باسلام و خالص گردانيد شما را از براى آن اسلام، و اين از جهت آنست كه اسلام نام سلامتست و جامع كرامت، پسنديده است خدا از براى شما طريق اسلام را، و بيان فرموده است دلائل آن را از علمى كه ظاهر است از كتاب و سنّت، و از حكمتى كه باطن است از عقل و فطرت، فانى نمى‏شود غرائب آن و تمام نمى‏شود عجائب آن، در اوست بارانهاى بهارى، و چراغهاى ظلمتها، گشاده نمى‏شود خيرها مگر با كليدهاى آن، و كشف نمى‏شود ظلمتها مگر بچراغهاى آن.

بتحقيق كه منع فرمود قوروق اسلام را كه عبارتست از محرّمات شرعيّه، و مرخّص نمود چراگاه آنرا كه عبارتست از مباحات بينه، در اوست شفاى طلب شفا كننده، و كفايت طلب كفايت نماينده.

الفصل الثالث و الرابع منها

و هو في مهلة من اللَّه يهوي مع الغافلين، و يغدو مع المذنبين، بلا سبيل قاصد، و لا إمام قائد. الفصل الرابع منها حتّى إذا كشف لهم عن جزاء معصيتهم، و استخرجهم من جلابيب غفلتهم، استقبلوا مدبرا، و استدبروا مقبلا، فلم ينتفعوا بما أدركوا من طلبتهم، و لا بما قضوا من وطرهم، و إنّي أحذّركم و نفسي هذه المنزلة، فلينتفع امرء بنفسه، فإنّما البصير من سمع فتفكّر، و نظر فأبصر، و انتفع بالعبر، ثمّ سلك جددا واضحا، يتجنّب فيه الصرّعة في المهاوي، و الضّلال في المغاوي، و لا يعين على نفسه الغواة بتعسّف في حقّ، أو تحريف في نطق، أو تخوّف من صدق، فأفق أيّها السّامع من سكرتك، و استيقظ من غفلتك، و اختصر من عجلتك، و أنعم الفكر فيما جاءك على لسان النّبيّ الأمّيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ممّا لا بدّ منه، و لا محيص عنه، و خالف من خالف في ذلك إلى غيره، و دعه و ما رضى لنفسه، وضع فخرك، و احطط كبرك،و اذكر قبرك، فإنّ عليه ممرّك، و كما تدين تدان، و كما تزرع تحصد، و ما قدّمت اليوم تقدّم عليه غدا، فامهد لقدمك، و قدّم ليومك، فالحذر الحذر أيّها المستمع، و الجدّ الجدّ أيّها الغافل، «و لا ينبّئك مثل خبير» إنّ من عزائم اللَّه في الذّكر الحكيم الّتي عليها يثيب و يعاقب، و لها يرضى و يسخط، أنّه لا ينفع عبدا و إن أجهد نفسه و أخلص فعله، أن يخرج من الدّنيا لاقيا ربّه بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها أن يشرك باللَّه فيما افترض عليه من عبادته، أو يشفي غيظه بهلاك نفسه، أو يقرّ بأمر فعله غيره، أو يستنجح حاجة إلى النّاس باظهار بدعة في دينه، أو يلقى النّاس بوجهين، أو يمشى فيهم بلسانين، اعقل ذلك فإنّ المثل دليل على شبهه، إنّ البهائم همّها بطونها، و إنّ السّباع همّها العدوان على غيرها، و إنّ النّسآء همّهنّ زينة الحياة الدّنيا و الفساد فيها، إنّ المؤمنين مستكينون، إنّ المؤمنين مشفقون، إنّ المؤمنين خائفون.

اللغة

(هوى) يهوي من باب ضرب هويا بالضمّ و الفتح و هواء بالمدّ سقط من أعلى إلى أسفل و (الجلباب) ما يغطى به من ثوب و غيره و قيل ثوب أوسع من الخمار و دون الرّداء و (الطلبة) بالكسر اسم كالطّلب محرّكة و (الجدد) محرّكةما أشرق من الرّمل و الأرض الغليظة المستوية و بالضمّ جمع جدّة كغرف و غرفة و هو الطريق و (الصّرعة) بالفتح الطّرح على الأرض و (المهاوى) جمع المهواة و هو بفتح الميم ما بين الجبلين و قيل الحفرة و قيل الوهدة العميقة و (المغاوى) جمع المغوة قال الشّارح المعتزلي: و هي الشّبهة التي يغوى بها الانسان أى يضلّ و (الغواة) جمع غاو من غوى غيّا انهمك في الجهل و ضلّ و (استنجح) الحاجة و تنجّحها تنجزّها و استقضاها

الاعراب

جملة يهوى حال من فاعل الظّرف، و قوله: بتعسّف، متعلّق بقوله يعين، و قوله: الحذر الحذر و الجدّ الجدّ، منصوبات على الاغراء، و قوله: و لا ينبّئك مثل خبير، مثل صفة لمحذوف و كذلك خبير أى لا ينبّئك منبي‏ء مثل امرء خبير، و قوله: انّه لا ينفع عبدا، اسم إنّ على تأويله بالمصدر أى إنّ من عزائمه تعالى عدم نفع عبد، و قوله: أن يخرج، فاعل ينفع، و قوله: ان يشرك بدل من خصلة أو من هذه الخصال فتكون أو في الجملات المعطوفة بعدها بمعنى الواو، و جملة إنّ البهايم استيناف بيانيّ، و كذلك جملة إنّ المؤمنين آه

المعنى

اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه عليه السّلام متضمّن لفصلين اما الفصل الاول فقد قال الشّارح المعتزلي و غيره: انّه يصف فيه انسانا من أهل الضّلال غير معيّن كقوله عليه السّلام: رحم اللَّه امرء اتّقى ربّه و خاف ذنبه أقول: و هو إنّما يتمّ لو علم بعدم سبق ذكر مرجع للضّمير الآتى أعنى قوله: هو، في كلامه عليه السّلام حذفه السيّد على ديدنه في الكتاب، و أمّا على تقدير سبقه و حذفه كما هو الأظهر في النّسخ الّتي فيها عنوان هذا الفصل بقوله (منها) بل الظّاهر أيضا في نسخة الشّارح المعتزلي الّتي عنوانه فيها بمن خطبة له عليه السّلام فلا و كيف كان فقوله (و هو في مهلة من اللَّه يهوى مع الغافلين) أراد أنّ اللَّه سبحانه أمدّ في عمره و أمهله و أخّر أجله و كان ذلك سببا لغفلته فهو يسقط و يتردّى من‏درجة الكمال و السّلامة في مهابط الهلاك و مهوات الغفلة و ينخرط في سلك ساير الجهّال و الغافلين (و يغدو مع المذنبين) أى يصبح معهم و هو كناية عن موافقته لهم و ملازمته إيّاهم في ارتكاب المعاصي و انهماك الآثام و الذّنوب (بلا سبيل قاصد و لا إمام قائد) أى من دون أن يسلك سبيلا مستقيما يوصله إلى المطلوب و يتّبع إماما عادلا يقوده إلى الصّواب و أما الفصل الثاني متضمّن للنّصح و الموعظة و تذكير المخاطبين بالموت و تنبيههم من نوم الغفلة و هو قوله (حتّى إذا كشف لهم عن جزاء معصيتهم و استخرجهم من جلابيب غفلتهم) قال الشّارح البحراني: النفس ذو جهتين جهة تدبير أحوالها البدنيّة بما لها من القوّة العملية، و جهة استكمالها بقوّتها النظرية التي تتلقّى بها من العاليات كمالها، و بقدر خروجها عن حدّ العدل في استكمال قوّتها العملية تنقطع عن الجهة الأخرى و تكتنفها الهيآت البدنيّة فتكون في أغطية منها و جلابيب من الغفلة عن الجهة الاخرى بالانصباب إلى ما يقتنيه مما يعدّ خيرا في الدّنيا و بسبب انصبابها في هذه الجهة و تمكن تلك الهيآت البدنية منها يكون بعدها عن بارئها و نزولها في دركات الجحيم عن درجات النعيم و بالعكس كما قال صلّى اللَّه عليه و آله و: الدّنيا و الآخرة ضرّتان بقدر ما تقرب من إحداهما تبعد من الأخرى، و ظاهر إنّ بالموت تنقطع تلك الغفلة، و تنكشف تلك الحجب، فيؤمئذ يتذكر الانسان و أنى له الذّكرى، و يكون ما أثبته له يومئذ من تعلّق تلك الهيئات بنفسه و حطها له عن درجات الكمال من السلاسل و الأغلال هو جزاء معصيتهم المنكشف لهم، انتهى، هذا و تشبيه الغفلة بالجلباب من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، و وجه الشّبه إحاطتها بهم و ملازمتها لهم إحاطة الثوب بالبدن و لزومه له و قوله (استقبلوا مدبرا و استدبروا مقبلا) أراد بالمدبر الّذي استقبلوه ما كان غائبا عنهم من الشقاء و النكال و النقم، و بالمقبل الّذي استدبروه ما كان حاضرا لهم من الآلاء و الأموال و النعم (فلم ينتفعوا بما أدركوا من طلبتهم) أى اللّذات الدّنيوية التي كانت أعظم طلباتهم، لأنّهم تركوها وراء ظهورهم (و لا بما قضوا منوطرهم) أى الشهوات النفسانية الّتي كانت أهمّ حاجاتهم، لأنها قد زالت عنهم (و انّي أحذّركم و نفسي هذه المنزلة) أراد بها الحالة التي كان الموصوفون عليها من الغفلة و الجهالة، و تشريك نفسه عليه السّلام معهم في التحذير لتطييب قلوب السامعين و تسكين نفوسهم ليكونوا إلى الانقياد و الطاعة أقرب، و عن الآباء و النفرة أبعد، و في بغض النسخ بدل المنزلة المزلّة، فالمراد بها الدّنيا الّتي هي محلّ الزّيغ و الزّلل و الخطاء و الخطل و لمّا نبّههم بعدم الانتفاع بالمطالب و المآرب الدّنيوية أردف ذلك بالتنبيه على ما نفعه أعمّ، و صرف الهمّة إليه أهمّ فقال: (فلينتفع امرء بنفسه) بأن يصرفها فيما صرفها فيه أولوا الأبصار و الفكر و يوجّهها الى ما وجّهها إليه أرباب العقول و النظر و إليه أشار بقوله (فانّما البصير) العارف بما يصلحه و يفسده و الخبير المميّز بين ما يضرّه و ينفعه (من سمع) الآيات البيّنات (فتفكّر) فيها (و نظر) إلى البراهين الساطعات (فأبصر) ها و أمعن فيها (و انتفع بالعبر) أى نظر بعين الاعتبار إلى السلف الماضين من الجبابرة و الملوك و السلاطين و غيرهم من الناس أجمعين كيف انتقلوا من ذروة القصور إلى و هدة القبور، و من دار العزّ و المنعة إلى بيت الذّلّ و المحنة، و فارقوا من الأموال و الأوطان، و جانبوا الأقوام و الجيران، و صاحبوا الحيّات و الديدان، و كيف كانت الدّيار منهم بلاقع، و القبور لهم مضاجع و اندرست آثارهم، و انقطعت أخبارهم، و خربت ديارهم، و قسمت أموالهم، و نكحت أزواجهم، و حشر في اليتامى أولادهم، و أنكرهم صديقهم، و تركهم وحيدا شفيقهم، ففى أقلّ هذه عبرة لمن اعتبر، و تذكرة لمن اتّعظ و تذكّر (ثمّ سلك جددا) أى طريقا (واضحا) و هو الصراط المستقيم، و النهج القويم أى جادّة الشريعة و منهج الدّين الموصل لسالكه إلى حظاير القدس، و مجالس الانس بشرط أن (يتجنّب) و يتباعد (فيه) عن اليمين و الشمال فانّ الطريق الوسطى هى الجادّة و اليمين و الشمال مزلّة و مضلّة توجبان (الصّرعة في المهاوى و الضلالفي المغاوي) كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: ضرب اللَّه مثلا صراطا مستقيما و على جنبتى الصّراط أبواب مفتّحة، و عليها ستور مرخاة و على رأس الصّراط داع يقول جوزوا و لا تعرّجوا، قال: فالصّراط هو الدّين و هو الجدد الواضح هنا، و الدّاعى هو القرآن و الأبواب المفتّحة محارم اللَّه، و هي المهاوى و المغاوى هنا، و السّتور المرخاة هى حدود اللَّه و نواهيه.
و لمّا نبّه عليه السّلام على ما ينفع المرء و يصلحه نبّه على ما يضرّه و يفسده فقال عليه السّلام (و لا يعين على نفسه الغواة) أى أهل الضّلالات و المنهمكين في الجهالات (بتعسّف في حقّ) قال الشّارح البحراني: أى لا يحملهم على مرّ الحقّ و صعبه، فانّ الحقّ له درجات بعضها سهل من بعض، فالاستقصاء فيه على غير أهله يوجب لهم النّفرة عمّن يقوله و يأمر به، و العداوة له و القول فيه، و قريب منه ما قاله الشّارح المعتزلي أى يتعسّف في حقّ يقوله أو يأمر به فانّ الرّفق أنجح.

أقول: و ظاهر كلامهما يفيد أنّهما فهما من التّعسف من كلامه عليه السّلام تشديد التّكليف على الغواة و التّضييق عليهم في الأحكام، فيكون محصّل مقصوده عليه السّلام على ما قالاه الرّفق بهم عند الأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر، لئلّا يجلب العداوة منهم لنفسه بتركه فيصيبه منهم مكروه و ضرر و هذا معنى لا بأس به، و قد مرّ نظيره في قوله عليه السّلام في الفصل الثّاني من الكلام السّادس عشر: من أبدى صفحته للحقّ هلك عند جهلة النّاس، إلّا أنّ الظّاهر أنّه عليه السّلام أراد معنى آخر أى لا يعين الغاوين بما ضرره عايد إليه، و هو تعسّفه في حقّ و عدم كشفه لهم و تبليغه عليهم و إرجاعهم إليه، و ذلك لما رأى من تركهم للحقّ و عدو لهم عنه و انهما كهم في الغيّ و الضّلال و رغبتهم في الباطل، فيتعسّف تطييبا لنفوسهم و تحصيلا لرضاهم، و عود ضرر هذا التّعسف إليه معلوم حيث يشترى رضاء المخلوق بسخط الخالق.

فعلى ما قلناه يكون المراد بالضّرر الضّرر الأخروى، و بالتّعسف العدول و الانحراف عن قول الحقّ و العمل به (أو تحريف في نطق) أى يحرّف الكلم‏عن مواضعه، و يكذب مداراة معهم و منازلة أذواقهم (أو تخوّف من صدق) أى يتكلّف الخوف من قول الصّدق و إن لم يكن خائفا في الواقع، و عود ضرر التّحريف و التّخوف على المحرّف و المتخوّف لاستلزامها مداهنة الغواة، و قد ذمّ اللَّه أقواما بترك الصّدق و الجهاد في الحقّ بقوله: «إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ».

فاللّازم على المرء أن لا يأخذه في اللَّه لومة لائم، و لا يكون له من ردع من خالف الحقّ و خابط الغيّ و زجره من أوهان و لا ايهان ثمّ أمر السّامعين بأوامر نافعة و نصحهم بمواعظ بالغة فقال (فأفق أيّها السّامع من سكرتك و استيقظ من) رقدتك و (غفلتك) استعار لفظ السّكرة الغفلة باعتبار كون الغفلة موجبة لترك أعمال العقل كما أنّ السّكرة كذلك، و هى استعارة تحقيقيّة و ذكر الافاقة ترشيح، و شبه الغفلة بالنّوم باعتبار أن لا التفات للغافل كالنّائم، و هى استعارة بالكناية و ذكر الاستيقاظ تخييل (و اختصر من عجلتك) و سرعتك في امور الدّنيا أى قصّر الاهتمام بها، فانّ بقائها يسير و زوالها قريب (و أنعم الفكر) أى أمعن النّظر (فيما جاءك) و كثر دورانه (على لسان النّبيّ الأمىّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قد مضى تفسير الامّي من النّهاية في شرح الخطبة الثامنة و الثّمانين و أقول هنا: روى في الاحتجاج عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام في قوله تعالى: «وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ».

إنّ الأميّ منسوب إلى امّه أى هو كما خرج من بطن امّه لا يقرأ و لا يكتب فزعم بعض النّاس و منهم الشّارح المعتزلي أنّ وصف النّبيّ به كان أيضا بذلك الاعتبار، أى لا يحسن أن يقرأ و يكتب، و هو زعم فاسد، بل وصفه باعتبار نسبته إلى امّ القرى أعنى مكّة زادها اللَّه شرفا و عزّا و يدلّ على ما ذكرنا ما رواه في الصّافي في تفسير قوله تعالى:«الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ».

من علل الشّرايع عن الجواد عليه السّلام أنّه سئل عن ذلك فقال: ما يقول النّاس قيل يزعمون أنّه سمّى الامّي لأنّه لم يحسن أن يكتب، فقال عليه السّلام: كذبوا عليهم لعنة اللَّه أنّي ذلك و اللَّه يقول: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ».

فكيف كان يعلّمهم ما لا يحسن، و اللَّه لقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يقرأ و يكتب باثنين و سبعين أو قال بثلاث و سبعين لسانا، و انّما سمّى الامّى لأنّه كان من أهل مكّة و مكّة من أمّهات القرى، و ذلك قوله تعالى: «لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى‏ وَ مَنْ حَوْلَها». هذا و بيّن ما جاء على لسان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بقوله (ممّا لا بدّ منه و لا محيص عنه) أى الموت الذي ليس منه مناص و لا خلاص و لا مهرب و لا مفرّ (و خالف من خالف في ذلك إلى غيره) يعني أنّ من خالف في امعان النّظر في الموت و أهاويل الفناء و الفوت و أعرض عنه و التفت إلى غيره و اتّبع هواه و أطال أمله و مناه، كادحا سعيا لدنياه في لذّات طربه و بدوات اربه فخالفه (و دعه و ما رضى لنفسه) فانّ الموافقة له توجب فوات الثّواب و أليم العذاب، و تجرّ الشّقاء الأبد و الخزى السّرمد (وضع فخرك) فانّ من صنع شيئا للمفاخرة حشره اللَّه يوم القيامة أسود، رواه في عقاب الأعمال عن أمير المؤمنين عليه السّلام (و احطط كبرك) لأنّ من مشى على الأرض اختيالا لعنته الأرض و من تحتها و من فوقها، رواه في عقاب الأعمال عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم.

و فيه أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللَّه: ويل لمن في الأرض يعارض‏جبّار السّماوات و الأرض هذا و قد تقدّم الكلام في شرح الخطبة المأة و السّابعة و الأربعين في تحقيق معنى الكبر و كونه من أعظم الموبقات و ما في ذمّه من الأخبار و الآيات، و كذلك الكلام في حسن التّواضع مفصّلا و مستوفا فليراجع ثمة (و اذكر قبرك) و ما فيه من الوحدة و الوحشة و الغربة و الظلمة و الحسرة و النّدامة (فانّ عليه ممرّك) و مجازك و لا بدّ لمن يمرّ على منزل موحش مظلم أن يذكره و يتزوّد له و يهتمّ بأخذ الزّاد و تكميل الاستعداد ليتمكّن من الوصول إلى المطلوب و النّجاح بالمقصود (و كما تدين تدان) أى كما تجزي تجزى و هو من باب المشاكلة، و المقصود أنّك كما تعمل للَّه سبحانه و تعالى و تعامل معه فاللَّه يعامل معك إنّ خيرا فخيرا و إن شرا فشرّا و لنعم ما قيل:من يفعل الحسنات اللَّه يشكرها و الشرّ بالشرّ عند اللَّه مثلان‏

(و كما تزرع تحصد) فانّ من زرع النّواة حصد النّخل باسقات، و من زرع الفجور حصد الثّبور، و من توانا عن الزّرع في أوانه حرم الحصاد في ابانه
إذا أنت لم تزرع و أدركت حاصدا ندمت على التقصير في زمن البذر

(و ما قدّمت اليوم) لنفسك أو عليها (تقدم عليه غدا) و تقام فيه (فا) جهد نفسك في تحصيل الخير و تجنّب الشرّوا (مهد لقدمك) أى مهّد و هيّى‏ء لموضع قدمك من الحسنات و الأعمال الصالحات (و قدّم) الزّاد (ليوم) معاد (ك) و إياك و التفريط فتقع في الحسرة و تعقب الندامة و ملامة النفس اللّوامة لدي الحساب يوم القيامة (فالحذر الحذر) من التقصير و الغفلة (أيها المستمتع) المفتون (و الجدّ الجدّ) للتقوى و الطاعة (أيها الغافل) المغرور (و لا ينبّئك) أحد (مثل) واعظ (خبير) و عارف بصير بأحوال الآخرة و أهوالها و لما أمرهم بالحذر و الجد و نبّههم على أنّ المنبئ لهم خبير و بصير بما يحذر منه و يجد عليه، عقّب ذلك بالتنبيه على بعض ما يجب الحذر منه و الجدّ على تركه فقال (إنّ من عزائم اللَّه) أى الأحكام التي لا يجوز مخالفتها في حال من الأحوال‏على ما مر تفصيلا في شرح الفصل السابع عشر من الخطبة الاولى (في الذكر الحكيم) أى القرآن الكريم أو اللّوح المحفوظ كما قيل، و على الأوّل فلا ينافيه عدم ورود بعض ما يذكره من العزائم فيه بخصوصه لامكان استفادته من عمومات الكتاب أو فحاويه حسبما تطلع عليه انشاء اللَّه و وصف العزائم بقوله (الّتى عليها يثيب و يعاقب و لها يرضى و يسخط) أى يرضى و يثيب على الأخذ بها و امتثالها، و يسخط و يعاقب على مخالفتها و تركها (أنه) الضمير للشأن (لا ينفع عبدا و إن أجهد نفسه و أخلص فعله) أمّا إجهاد النفس فيتصوّر في حقّ كلّ من ارتكب باحدى الخصال الخمس الآتية، و أمّا إخلاص الفعل فانّما يتصوّر في المرتكب بغير الاولى من الأربع الباقية، و أمّا الأولى فلا لظهور أنّ الاخلاص لا يجتمع مع الرّيا فيكون الشّرطيّة الثّانية بملاحظة الأغلب أو من باب التغليب فتدبّر (أن يخرج من الدّنيا) أى لا ينفع خروجه منها حالكونه (لاقيأ ربّه بخصلة) واحدة (من هذه الخصال) و الحال أنّه (لم يتب منها) و لم يندم عليها، و هذه الخصال خمس: إحداها (أن يشرك باللَّه فيما افترض عليه من عبادته) أى يرائي في عمله و لم يخلصه للَّه سبحانه، و الدليل من الكتاب الحكيم على حرمته قوله تعالى: «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» و قوله «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ».

و قد مضى تحقيق الكلام في الرياء و تفصيل أقسامه في شرح الفصل الأوّل من الخطبة الرابعة و العشرين الثانية ما أشار إليها بقوله (أو يشفى غيظه بهلاك نفسه) أى يقتل نفسه‏لافراط قوّته الغضبيّة بحيث لا يطفى نار غضبه إلّا به، و الدليل على حرمته قوله تعالى «وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ».

روى في عقاب الأعمال عن أبي ولاد الحنّاط قال سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول: من قتل نفسه متعمّدا فهو في نار جهنّم خالدا فيها، هذا و يحتمل أن يكون المراد بهلاك نفسه الهلاك الاخروى أى لا يتشفّى من غيظه إلّا بأن يكتسب إثما و يوبق نفسه مثل أن يكون بينه و بين آخر بغضاء و عداوة فيغتابه أو يفترى عليه أو ينمّ عليه أو يسعى به إلى الملوك أو يسبّه و نحو ذلك ممّا فيه أليم العذاب و نصّ على حرمته محكم الكتاب، هذا و في بعض النّسخ بهلاك نفس بدل نفسه فيكون المراد أنّه لا يسكت غضبه إلّا بالقتل، و يدلّ على حرمته و عقابه صريحا قوله تعالى: «وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً».

و روى في عقاب الأعمال بسنده عن حمران قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قول اللَّه عزّ و جلّ: «مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً».
و إنّما قتل واحدا، فقال عليه السّلام: يوضع في موضع من جهنّم إليه ينتهى شدّة عذاب أهلها لو قتل النّاس جميعا كان إنّها يدخل ذلك المكان، قلت: فانّه قتل آخر قال: و يصاعف عليه.

و عن أبي عمير قال: حدّثني غير واحد عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة بين عينيه مكتوب آيس من رحمة اللَّه.

منهاج‏البراعةفي‏شرح‏نهج‏البلاغة(الخوئي)، ج 9 ، صفحه‏ى 219

وطرهم) أى الشهوات النفسانية الّتي كانت أهمّ حاجاتهم، لأنها قد زالت عنهم (و انّي أحذّركم و نفسي هذه المنزلة) أراد بها الحالة التي كان الموصوفون عليها من الغفلة و الجهالة، و تشريك نفسه عليه السّلام معهم في التحذير لتطييب قلوب السامعين و تسكين نفوسهم ليكونوا إلى الانقياد و الطاعة أقرب، و عن الآباء و النفرة أبعد، و في بغض النسخ بدل المنزلة المزلّة، فالمراد بها الدّنيا الّتي هي محلّ الزّيغ و الزّلل و الخطاء و الخطل و لمّا نبّههم بعدم الانتفاع بالمطالب و المآرب الدّنيوية أردف ذلك بالتنبيه على ما نفعه أعمّ، و صرف الهمّة إليه أهمّ فقال: (فلينتفع امرء بنفسه) بأن يصرفها فيما صرفها فيه أولوا الأبصار و الفكر و يوجّهها الى ما وجّهها إليه أرباب العقول و النظر و إليه أشار بقوله (فانّما البصير) العارف بما يصلحه و يفسده و الخبير المميّز بين ما يضرّه و ينفعه (من سمع) الآيات البيّنات (فتفكّر) فيها (و نظر) إلى البراهين الساطعات (فأبصر) ها و أمعن فيها (و انتفع بالعبر) أى نظر بعين الاعتبار إلى السلف الماضين من الجبابرة و الملوك و السلاطين و غيرهم من الناس أجمعين كيف انتقلوا من ذروة القصور إلى و هدة القبور، و من دار العزّ و المنعة إلى بيت الذّلّ و المحنة، و فارقوا من الأموال و الأوطان، و جانبوا الأقوام و الجيران، و صاحبوا الحيّات و الديدان، و كيف كانت الدّيار منهم بلاقع، و القبور لهم مضاجع و اندرست آثارهم، و انقطعت أخبارهم، و خربت ديارهم، و قسمت أموالهم، و نكحت أزواجهم، و حشر في اليتامى أولادهم، و أنكرهم صديقهم، و تركهم وحيدا شفيقهم، ففى أقلّ هذه عبرة لمن اعتبر، و تذكرة لمن اتّعظ و تذكّر (ثمّ سلك جددا) أى طريقا (واضحا) و هو الصراط المستقيم، و النهج القويم أى جادّة الشريعة و منهج الدّين الموصل لسالكه إلى حظاير القدس، و مجالس الانس بشرط أن (يتجنّب) و يتباعد (فيه) عن اليمين و الشمال فانّ الطريق الوسطى هى الجادّة و اليمين و الشمال مزلّة و مضلّة توجبان (الصّرعة في المهاوى و الضلال

و عن جابر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: أوّل ما يحكم اللَّه في القيامة في الدّماء فيوقف ابنا آدم فيفصل بينهما، ثمّ الّذين يلونهم من أصحاب الدّماء حتّى لا يبقى منهم أحد، ثمّ النّاس بعد ذلك فيأتي المقتول قاتله فيشخب دمه في وجهه فيقول: هذا قتلنى، فيقول أنت قتلته فلا يستطيع أن يكتم اللَّه حديثا و عن سعيد الأزرق عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام في رجل قتل رجلا مؤمنا يقال له: مت أىّ ميتة شئت إن شئت يهوديا و ان شئت نصرانيّا، و إن شئت مجوسيّا الثالثة ما أشار اليها بقوله (أو يقرّ بأمر فعله غيره) الظّاهر أنّ المراد به أن يحكى أمرا قبيحا ارتكبه غيره، و يدلّ على أنّه حرام و معصية قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» روى في عقاب الأعمال عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: قلت له: جعلت فداك الرّجل من اخواني بلغني عنه الشي‏ء الذي أكرهه فأسأله عنه فينكر ذلك، و قد أخبرني عنه قوم ثقات، فقال لي: يا محمّد كذّب سمعك و بصرك عن أخيك و إن شهد عندك خمسون قسامة و قال لك قولا فصدّقه و كذّبهم، و لا تذيعنّ عليه شيئا تشينه به و تهدم به مروّته، فتكون من الذين قال اللَّه عزّ و جلّ «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ» الآية و عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: من روى عن مؤمن رواية يريد بها شينه و هدم مروّته ليسقطه من أعين النّاس أخرجه اللَّه عزّ و جلّ من ولايته إلى ولاية الشّيطان.

قال الشّارح البحراني: و روى بعض الشّارحين يعرّ بالعين المهملة قال: و معناه أن يقذف غيره بأمر قد فعله هو فيكون غيره منصوبا مفعولا به و العامل يعرّ يقال عرّه يعرّه أى عابه و لطخه أقول: و على هذا فيدلّ على حرمته ما يدل على حرمة البهت و الافتراء، قال تعالى:«إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ».

روى في عقاب الأعمال عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: من اتّهم مؤمنا أو مؤمنة بما ليس فيهما بعثه اللَّه يوم القيامة في طينة خبال حتّى يخرج ممّا قال، قلت: و ما طينة خبال قال: صديد يخرج من فروج الزّناة، بل يدلّ عليه جميع ما ورد في حرمة الغيبة إذ ذلك قسم من الغيبة بل من أعظم أقسامها كما لا يخفى.

الرابعة ما أشار اليها بقوله (أو يستنجح حاجة إلى النّاس باظهار بدعة في دينه) يعني أنّه يبدع في الدّين طلبا لنجاح حاجته، و من المعلوم أنّ كلّ بدعة ضلالة و الضّلالة في النّار قال تعالى: «وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً» و قال «وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ».

و استنجاح الحاجة بالبدعة أشدّ خزيا و أعظم مقتا، كما يدلّ عليه ما في عقاب الأعمال عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: صونوا دينكم بالورع، و قوّوه بالتّقوى و الاستغناء باللَّه عزّ و جلّ عن طلب الحوائج من السّلطان، و اعلموا أنّه أيّما مؤمن خضع لصاحب سلطان أو لمن يخالفه على دينه طلبا لما في يديه أخمله اللَّه و مقته عليه و وكله اللَّه إليه، و إن هو غلب على شي‏ء من دنياه و صار في يده منه شي‏ء نزع اللَّه البركة منه و لم يأجره على شي‏ء ينفقه في حجّة و لا عمرة و لا عتق و فيه عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: كان رجل في الزّمن الأوّل طلب الدّنيا من حلال فلم يقدر عليها، فطلبها من حرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشّيطان فقال له: يا هذا إنّك قد طلبت الدّنيا من حلال فلم تقدر عليها و طلبتها من حرام فلم تقدر عليها أفلا أدلّك على شي‏ء يكثر به مالك و دنياك و تكثر به بعك قال: بلى، قال: تبتدع دينا و تدعو إليه النّاس، ففعل، فاستجاب له‏النّاس فأطاعوه و أصاب من الدّنيا، ثمّ إنّه فكّر فقال: ما صنعت ابتدعت دينا و دعوت النّاس إليه و ما أرى لى توبة إلّا أن آتى من دعوته إليه فأردّه، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه فيقول: إنّ الذى دعوتكم اليه باطل و إنّما ابتدعته فجعلوا يقولون: كذبت هذا الحقّ و لكنّك شككت في دينك فرجعت عنه، فلمّا رأى ذلك عمد إلى سلسلة فوتد لها و تدا ثمّ جعلها في عنقه و قال: لا احلّها حتّى يتوب اللَّه عزّ و جلّ علىّ، فأوحى اللَّه عزّ و جلّ إلى نبيّ من الأنبياء قل لفلان: و عزّتي لو دعوتني حتّى ينقطع أو صالك ما استجبت لك حتّى تردّ من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه.

الخامسة ما أشار إليها بقوله (أو يلقى النّاس بوجهين أو يمشى فيهم بلسانين) قال الشّارح البحرانيّ: أى يلقى كلّا من الصّديقين مثلا بغير ما يلقى به الآخر ليفرق بينهما، أو بين العدوّين ليضري بينهما، و بالجملة أن يقول بلسانه ما ليس في قلبه فيدخل في زمرة المنافقين و وعيد المنافقين في القرآن: «إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ».
أقول: و يدخل أيضا في زمرة المغتابين فيشمله الآيات المفيدة لحرمة الغيبة و يدلّ على حرمته من السّنة ما رواه في الكافي بسنده عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: من لقى المسلمين بوجهين و لسانين جاء يوم القيامة و له لسانان من نار و عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين، يطرى أخاه شاهدا و يأكله غائبا إن أعطى حسده، و ان ابتلى خذله و عن عبد الرّحمان بن حماد رفعه قال: قال اللَّه تبارك و تعالى لعيسى: يا عيسى ليكن لسانك في السّر و العلانية لسانا واحدا و كذلك قلبك إنّي احذّرك نفسك و كفى بي خبيرا، لا يصلح لسانان في فم واحد، و لا سيفان في غمد واحد، و لا قلبان في صدر واحد، و كذلك الأذهان، و رواها جميعا في عقاب الأعمال نحوها.

و في عقاب الأعمال عن زيد بن عليّ عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله‏ و عن جابر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: أوّل ما يحكم اللَّه في القيامة في الدّماء فيوقف ابنا آدم فيفصل بينهما، ثمّ الّذين يلونهم من أصحاب الدّماء حتّى لا يبقى منهم أحد، ثمّ النّاس بعد ذلك فيأتي المقتول قاتله فيشخب دمه في وجهه فيقول: هذا قتلنى، فيقول أنت قتلته فلا يستطيع أن يكتم اللَّه حديثا و عن سعيد الأزرق عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام في رجل قتل رجلا مؤمنا يقال له: مت أىّ ميتة شئت إن شئت يهوديا و ان شئت نصرانيّا، و إن شئت مجوسيّا الثالثة ما أشار اليها بقوله (أو يقرّ بأمر فعله غيره) الظّاهر أنّ المراد به أن يحكى أمرا قبيحا ارتكبه غيره، و يدلّ على أنّه حرام و معصية قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» روى في عقاب الأعمال عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: قلت له: جعلت فداك الرّجل من اخواني بلغني عنه الشي‏ء الذي أكرهه فأسأله عنه فينكر ذلك، و قد أخبرني عنه قوم ثقات، فقال لي: يا محمّد كذّب سمعك و بصرك عن أخيك و إن شهد عندك خمسون قسامة و قال لك قولا فصدّقه و كذّبهم، و لا تذيعنّ عليه شيئا تشينه به و تهدم به مروّته، فتكون من الذين قال اللَّه عزّ و جلّ «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ» الآية و عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: من روى عن مؤمن رواية يريد بها شينه و هدم مروّته ليسقطه من أعين النّاس أخرجه اللَّه عزّ و جلّ من ولايته إلى ولاية الشّيطان.

قال الشّارح البحراني: و روى بعض الشّارحين يعرّ بالعين المهملة قال: و معناه أن يقذف غيره بأمر قد فعله هو فيكون غيره منصوبا مفعولا به و العامل يعرّ يقال عرّه يعرّه أى عابه و لطخه أقول: و على هذا فيدلّ على حرمته ما يدل على حرمة البهت و الافتراء، قال تعالى:

يجي‏ء يوم القيامة ذو الوجهين دالعا لسانه في قفاه و آخر من قدامه يلتهبان نارا حتّى يلهبا جسده ثمّ يقال له: هذا الّذي كان في الدّنيا ذا وجهين و ذا لسانين يعرف بذلك يوم القيامة.
(اعقل ذلك) أشار به إلى ما يذكره بقوله إنّ البهايم آه (فانّ المثل دليل على شبهه) لمّا كان أكثر الأفهام قاصرة عن إدراك الماهيّة العقليّة للشّي‏ء إلّا في مادّة محسوسة كمن لا يعرف حقيقة العلم مثلا فيقال له إنّه مثل اللّبن حيث إنّه غذاء للرّوح النّاقص و يصير به كاملا كما يتغذّي باللّبن الطّفل النّاقص و به يصير كماله و هكذا، لا جرم جرت عادة اللَّه تعالى و عادة رسله و أوليائه في بيان الأحكام للنّاس و تبليغ التكاليف اليهم على ضرب الأمثال تقريبا للأفهام و أكثر القرآن أمثال ضربت للنّاس ظواهرها حكاية عن حقايقها المكشوفة عند ذوى البصاير قال صدر المتألّهين: كثر في القرآن ضرب الأمثال لأنّ الدّنيا عالم الملك و الشّهادة، و الآخرة عالم الغيب و الملكوت، و ما من صورة في هذا العالم إلّا و لها حقيقة في عالم الآخرة و ما من معنى حقيقى في الآخرة إلّا و له مثال و صورة في الدّنيا، إذ العوالم و النّشئات مطابقة تطابق النفس و الجسد، و شرح أحوال الآخرة لمن كان بعد في الدّنيا لا يمكن إلّا بمثال، و لذلك وجدت القرآن مشحونا بالأمثال كقوله: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ» «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» مثله «كَمَثَلِ الْكَلْبِ» مثلهم «كَمَثَلِ الْحِمارِ».

و ليس للأنبياء أن يتكلّموا مع الخلق إلّا بضرب الأمثال، لأنّهم كلّفوا أن يكلّموا النّاس على قدر عقولهم، و قدر عقولهم أنّهم في النوم و النائم لا يكشف له شي‏ء إلّا بمثل، فاذا ماتوا انتبهوا و عرفوا أنّ المثل صادق، فالأنبياء هم المعبرون لما عليه أهل الدّنيا من الأحوال و الصّفات و ما يؤل عليه عاقبتها في يقظة الآخرة بكسوة الأمثال الدّنيوية إذا عرفت ذلك فأقول: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا كان مقصوده التمثيل و أداءغرضه بضرب المثل، و المثل ينتفع به العام و الخاص، و كان نصيب العامى من كلّ مثل أن يدرك ظاهره المحسوس و يقف عليه و ينتفع به ترغيبا و ترهيبا لما فيه من نوع مطابقة لأصله و نصيب الخاصى أن يدرك باطنه و يعبّر من ظاهره إلى سرّه و من محسوسه الجزئي إلى معقوله الكلّى كما قال تعالى: «وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ».

أراد عليه السّلام أن يكون انتفاع المخاطبين بالمثل الذي يضربه على وجه الكمال و نحو الخصوص، فلذلك قال عليه السّلام: مقدّمة و تنبيها لهم: اعقل ذلك فانّ المثل دليل على شبهه، أي أفهم ما أقول و تدبّر فيه و لا تقصر نظرك إلى ظاهره، بل تفكّر في معناه حتّى تصل من قشره إلى لبّه، و يمكن لك الاستدلال بالمثل على ممثّله و الانتقال من ظاهره إلى باطنه و الوصول من قشره إلى لبّه و المثل الّذي ضربه هو قوله (إنّ البهايم همّها بطونها) لكمال قوّتها الشّهوية فاهتمامها دائما بالطعام و الشّراب و الأكل و الشّرب و النزو و السّفاد (و إنّ السّباع همّها العدوان) لافراط قوّتها الغضبيّة فلذّتها أبدا في الاضراء و الافتراس و الغلبة و الانتقام (و إنّ النّساء همهنّ زينة الحياة الدّنيا) لفرط قوّتها الشّهويّة (و الفساد فيها) لشدّة قوّتها الغضبيّة و غرضه عليه السّلام من هذا المثل التنبيه على أنّ كمال الانسان الّذي به فارق غيره هو إدراك ما يخرج عن عالم الحواس و الاحاطة بالمعلومات و التنزّه عن التّعلّقات و التّرقّي إلى الملاء الأعلى، فمن ذهل عن ذلك و عطل نفسه عن تحصيله و أهمله و لم يجاوز عالم المحسوسات فهو الذي أهلك نفسه و أبطل قوّة استعداده بالاعراض عن الآيات و التأمّل فيها، و نزل عن مرتبة الانسانية و أخلد إلى الأرض فان كان تابعا لقوّته الشهويّة البهيميّة فهو نازل عن حقيقة الانسانيّة إلى درجة البهايم، و وافق الأنعام فمثله كمثل الحمار بل البهايم أشرف منه و هو أضلّ منها كما قال تعالى. «أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ‏أَضَلُّ سَبِيلًا» و ذلك لأنّها ما ابطلت استعدادها لما كان لها و ما أضلّت عن سبيلها الّتي كانت عليها، بل ما من دابّة إلّا هو آخذ بناصيتها، بخلاف هذا، فانّه أبطل كماله و انسانيّته و تبع شهوة بطنه و فرجه و آثر البهيميّة و ان كان تابعا لقوته الغضبيّة فهو منحطّ إلى درجة السّبعيّة فمثله كمثل الكلب أو الخنزير أو الضّبع و نحوها و إن كان تابعا لشهوته و غضبه معا فقد انحطّ من كمال الرجوليّة إلى مرتبة الأنوثيّة.

فقد تلخّص مما ذكرنا أنّ غرضه عليه السّلام من التمثيل التنفير عن اتّباع الشهوة و الغضب بالتنبيه على أنّ الخارج فيهما عن حدّ العدل إلى مرتبة الافراط إمّا أن تشبه البهيمة أو السبع أو المرأة، و كلّ منها مما يرغب العاقل عنه و لا يرضى به لنفسه، و لذلك قال أوّلا: اعقل ذلك ثمّ إنّه عليه السّلام لما نفّر عن اتباع هاتين القوّتين عقّب ذلك بصفات المؤمنين ترغيبا إليها فقال عليه السّلام: (إنّ المؤمنين مستكينون) أى خاضعون للَّه متواضعون له (إنّ المؤمنين مشفقون) كما قال سبحانه: «وَ الَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها- أي الساعة- وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ» و قال في موضع آخر: «وَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ» و قال «وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ».
(إنَّ المؤمنين خائفون) كما قال تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» و قال «وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى‏ رَبِّهِمْ راجِعُونَ أُولئِكَ يُسارِعُونَ‏فِي الْخَيْراتِ وَ هُمْ لَها سابِقُونَ». هذا و انما أتى عليه السّلام في الجملات الثلاث الأخيرة بالأسماء الظاهرة مع اقتضاء الظاهر الاتيان في الأخيرتين بالضمير لغرض زيادة تمكين المسند إليه عند السامع كما في قوله تعالى: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ» و في قوله «وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ».
و هو من محسّنات البلاغة.

تذييل

قال الشّارح المعتزلي في شرح هذا الفصل من كلامه عليه السّلام: إنّما رمز بباطن هذا الكلام إلى الرّؤساء يوم الجمل، لأنّهم حاولوا أن يشفوا غيظهم باهلاكه و إهلاك غيره من المسلمين، و عزوه بأمرهم فعلوه و هو التّأليب على عثمان و حصره و استنجحوا حاجتهم إلى أهل البصرة باظهار البدعة و الفتنة و لقوا النّاس بوجهين و لسانين، لأنّهم بايعوه و أظهروا الرّضا به، ثمّ دبّوا له فجعل دبوبهم هذه مماثلة للشّرك باللَّه سبحانه في أنّها لا تغفر إلّا بالتّوبة، و هذا هو معنى قوله: اعقل ذلك فانّ المثل دليل على شبهه، و روى فانّ المثل واحد الأمثال أى هذا الحكم بعدم المغفرة لمن أتى شيئا من هذه الأشياء عام و الواحد منها دليل على ما يماثله و يشابهه.

فان قلت: فهذا تصريح بمذهب الامامية في طلحة و الزّبير و عايشة قلت: كلّا فانّ هذه الخطبة خطب بها و هو سائر إلى البصرة و لم يقع الحرب بعد، و رمز فيها إلى المذكورين و قال إن لم يتوبوا و قد ثبت أنّهم تابوا، و الأخبار عنهم بالتّوبة مستفيضة، ثمّ أراد أن يؤمى إلى ذكر النّساء للحال الّتي كان وقع إليها من استنجاد أعدائه بالامرأة فذكر قبل ذكر النّساء أنواعا من الحيوان تمهيدا لقاعدة

ذكر النساء فقال: إنّ البهايم همّها بطونها كالحمر و البقر و الابل، و إنّ السبّاع همّها العدوان على غيرها كالاسود الضّارية و النّمور و الفهود و البزاة و الصّقور، و إنّ النساء همّهنّ زينة الحياة الدّنيا و الفساد فيها انتهى أقول: أمّا ما ذكره الشّارح من كون هذا الكلام رمزا إلى قادة الضلال يوم الجمل فغير بعيد، و اتّصافهم بالخصال الخمس التي هى من أوصاف أهل النفاق و الضلال معلوم و مبرهن.

و أمّا جوابه عن الاعتراض الذي اعترض به فسخيف جدّا أمّا أوّلا فلأنّ صدور هذه الخطبة عنه عليه السّلام حين مسيره إلى البصرة و قبل وقوع الحرب لا يرفع الايراد بعد تحقّق اتّصاف الرّؤساء بالخصال المذكورة و أمّا ثانيا فلأنه عليه السّلام لم يقل إن لم يتوبوا بل قال و لم يتب، و كونه رمزا إلى عدم توبتهم و أنهم يموتون بلا توبة أظهر من أن يكون رمزا إلى حصول التوبة و أمّا ثالثا فلأنّ أخبار توبتهم التي ادعى استفاضتها بعد تسليم كونها مستفيضة مما تفرّدت العامّة بروايتها، و لا يتمّ بها الاحتجاج قبال الاماميّة، و قد قدّمنا في شرح الكلام الثامن بطلان توبة الزبير، و في شرح الكلام الثاني عشر بطلان توبة الطلحة، و في شرح الكلام التاسع و السبعين بطلان توبة الخاطئة، و قد مرّ تحقيق بطلان توبة الأوّلين أيضا في شرح الكلام المأة و السابعة و الثلاثين بما لا مزيد عليه فليتذكّر.

الترجمة

بعض ديگر از آن خطبه شريفه در صفت بعض أهل ضلالست مى‏ فرمايد: و آن شخص معصيت كار در مهلت است از پروردگار فرو مى ‏افتد با غافلان، و صباح مى‏ كند با گنه كاران، بدون راه راست و بدون پيشوائى كه كشنده خلايق است بطرف حضرت ربّ العزّة و بعض ديگر از اين خطبه متضمّن نصيحت و موعظه است مر مخاطبين را مى‏ فرمايد:

تا آنكه چون كشف كند خداى تعالى از جزاء معصيت ايشان، و خارج مي كند ايشان را از لباسهاى غفلت ايشان استقبال مى‏ كنند بچيزى كه ادبار كرده بود و غايب بود از ايشان كه عبارتست از عقوبات آخرت، و استدبار مى‏ كنند بچيزى كه حاضر بود ايشان را كه عبارتست از لذايذ دنيا، پس نفع نبردند از آنچه دريافتند از مطلوب خودشان، و نه به آنچه كه رسيدند از حاجت خود، و بدرستى كه من مى‏ ترسانم شما را و نفس خود مرا از اين حالت غفلت، پس بايد كه منتفع بشود مرد بنفس خود، پس بدرستى كه صاحب بصيرت شخصى است كه بشنود پس تفكر نمايد، و نظر كند پس بينا گردد، و منتفع بشود با عبرتهاى روزگار پس از آن راه برود در راه راست آشكار كه دورى ورزد در آن راه از افتادن مواضع پستى و تباهى و از گمراه شدن در مواضع گمراهى، و اعانت نكند بر ضرر خود گمراهان را بجهة كج روى در امر حق يا بجهة تغيير دادن در گفتار، يا بجهة اظهار خوف در راستى و صداقت پس افاقه حاصل كن اى شنونده از بيهوشى خود را بيدار باش از خواب غفلت خود، و مختصر كن از تعجيل و شتاب خودت، و نيك تأمّل نما در آنچه آمده بتو بر زبان پيغمبرى كه از أهل مكه معظمه است از آنچه ناچار است از آن و هيچ گريزى نيست از آن، و مخالفت كن با كسى كه مخالفت كند در آن، و متوجّه بشود بطرف غير آن، و مگذار او را به آن چه كه پسنديده است او را از براى خودش، و بگذار فخر خودت را، و پست كن كبر خود را، و ذكر كن قبر خود را پس بدرستى كه بر آن قبر است عبور تو، و همچنان كه جزا مى‏دهى جزا داده مى‏شوى، و همچنان كه زراعت مى‏كنى مى‏دروى، و آنچه كه پيش فرستاده امروز مى‏ آئى بر او فردا پس مهيّا كن از براى آمدن خود بدار بقا، و مقدّم كن از براى روز حاجت خود، پس البته حذر كن و بترس أى گوش دهنده، و البتّه جدّ و جهد كن أى غفلت كننده، و آگاه نكند تو را هيچ كس مانند كسى كه آگاهست از كارها، بدرستى كه از جمله أوامر محتومه پروردگار در ذكر محكم و استوار كه بر اخذ آن ثواب مى‏ دهد، و بر ترك آن عقاب مى ‏نمايد، و از براى اطاعت آن خوشنود مى‏ شود، و بجهةمخالفت آن غضب مى‏ كند.

اينست كه هيچ نفع نمى ‏بخشد بنده را اگر چه بمشقت اندازد نفس خود را و خالص نمايد فعل خود را اين كه خارج بشود از دنيا در حالتى كه ملاقات كند پروردگار خود را با يك خصلت از اين خصلتهاى ذميمه در حالتى كه توبه ننموده باشد از آن: آنكه شرك آورد بخدا در آنچه كه واجب نموده است بر او از عبادت خود، يا شفا بدهد غيظ خود را با هلاك كردن نفس خود، يا اقرار كند بكارى كه ديگرى او را نموده، يا خواهش روا كردن حاجتى نموده باشد بسوى خلق با اظهار بدعت در دين خود، يا ملاقات كند مردمان را بدو روئى و نفاق، يا مشى كند در ميان ايشان با دو زباني و عدم وفاق درك كن و بهم اين مثل را كه خواهم زد از براى تو پس بدرستى كه مثل دليل است بر مشابه خود، و آن مثل اينست كه: چهار پايان قصد آنها شكمهاى آنهاست، و بدرستى كه درندگان قصد ايشان ستم و عدوانست، و بدرستى كه زنان قصد ايشان زينت زندگاني اين جهان و فساد كردنست در آن، بدرستى كه مؤمنان متواضعانند، بدرستى كه مؤمنان ترسندگانند از غضب پروردگار، بدرستى كه مؤمنان خائفند از سخط آفريدگار، اللّهمّ وفّقنا بمحمّد و آله الأطهار

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.