خطبه 124 صبحی صالح
124- و من كلام له ( عليه السلام ) في حث أصحابه على القتال
فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ
وَ أَخِّرُوا الْحَاسِرَ
وَ عَضُّوا عَلَى الْأَضْرَاسِ
فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ
وَ الْتَوُوا فِي أَطْرَافِ الرِّمَاحِ
فَإِنَّهُ أَمْوَرُ لِلْأَسِنَّةِ
وَ غُضُّوا الْأَبْصَارَ فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ
وَ أَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ
وَ أَمِيتُوا الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ
وَ رَايَتَكُمْ فَلَا تُمِيلُوهَا وَ لَا تُخِلُّوهَا
وَ لَا تَجْعَلُوهَا إِلَّا بِأَيْدِي شُجْعَانِكُمْ
وَ الْمَانِعِينَ الذِّمَارَ مِنْكُمْ
فَإِنَّ الصَّابِرِينَ عَلَى نُزُولِ الْحَقَائِقِ هُمُ الَّذِينَ يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِمْ
وَ يَكْتَنِفُونَهَا حِفَافَيْهَا
وَ وَرَاءَهَاوَ أَمَامَهَا
لَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْهَا فَيُسْلِمُوهَا
وَ لَا يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهَا فَيُفْرِدُوهَا
أَجْزَأَ امْرُؤٌ قِرْنَهُ
وَ آسَى أَخَاهُ بِنَفْسِهِ
وَ لَمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إِلَى أَخِيهِ
فَيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ قِرْنُهُ وَ قِرْنُ أَخِيهِ
وَ ايْمُ اللَّهِ لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ سَيْفِ الْعَاجِلَةِ لَا تَسْلَمُوا مِنْ سَيْفِ الْآخِرَةِ
وَ أَنْتُمْ لَهَامِيمُ الْعَرَبِ وَ السَّنَامُ الْأَعْظَمُ
إِنَّ فِي الْفِرَارِ مَوْجِدَةَ اللَّهِ
وَ الذُّلَّ اللَّازِمَ
وَ الْعَارَ الْبَاقِيَ
وَ إِنَّ الْفَارَّ لَغَيْرُ مَزِيدٍ فِي عُمُرِهِ
وَ لَا مَحْجُوزٍ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ يَوْمِهِ
مَنِ الرَّائِحُ إِلَى اللَّهِ كَالظَّمْآنِ يَرِدُ الْمَاءَ
الْجَنَّةُ تَحْتَ أَطْرَافِ الْعَوَالِي
الْيَوْمَ تُبْلَى الْأَخْبَارُ
وَ اللَّهِ لَأَنَا أَشْوَقُ إِلَى لِقَائِهِمْ مِنْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ
اللَّهُمَّ فَإِنْ رَدُّوا الْحَقَّ فَافْضُضْ جَمَاعَتَهُمْ
وَ شَتِّتْ كَلِمَتَهُمْ
وَ أَبْسِلْهُمْ بِخَطَايَاهُمْ
إِنَّهُمْ لَنْ يَزُولُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ دُونَ طَعْنٍ دِرَاكٍ يَخْرُجُ مِنْهُمُ النَّسِيمُ
وَ ضَرْبٍ يَفْلِقُ الْهَامَ
وَ يُطِيحُ الْعِظَامَ
وَ يُنْدِرُ السَّوَاعِدَ وَ الْأَقْدَامَ
وَ حَتَّى يُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ تَتْبَعُهَا الْمَنَاسِرُ
وَ يُرْجَمُوا بِالْكَتَائِبِ تَقْفُوهَا الْحَلَائِبُ
وَ حَتَّى يُجَرَّ بِبِلَادِهِمُ الْخَمِيسُ يَتْلُوهُ الْخَمِيسُ
وَ حَتَّى تَدْعَقَ الْخُيُولُ فِي نَوَاحِرِ أَرْضِهِمْ
وَ بِأَعْنَانِ مَسَارِبِهِمْ وَ مَسَارِحِهِمْ
قال السيد الشريف أقول الدعق الدق أي تدق الخيول بحوافرها أرضهم
و نواحر أرضهم متقابلاتها
و يقال منازل بني فلان تتناحر أي تتقابل
و من كلام له عليه السّلام فى حثّ اصحابه على القتال و هو المأة و الرابع و العشرون من المختار في باب الخطب
قاله للاصحاب فى صفين و قد رواه غير واحد باختلاف تعرفه انشاء الله فقدّموا الدّارع، و أخّروا الحاسر، و عضّوا على الأضراس فإنّه أنبا للسّيوف عن الهام، و التووا في أطراف الرّماح فإنّه أمور للأسنّة، و غضّوا الأبصار فإنّه أربط للجاش و أسكن للقلوب، و أميتوا الأصوات فإنّه أطرد للفشل، و رايتكم فلا تميلوها و لا تخلوّها و لا تجعلوها إلّا بأيدي شجعانكم و المانعين الذّمار منكم، فإنّ الصّابرين على نزول الحقائق هم الّذين يحفّون براياتهم و يكتنفونها حفافيها و ورائها و أمامها، لا يتأخّرون عنها فيسلموها، و لا يتقدّمون عليها فيفردوها، أجزء امرء قرنه، و آسى أخاه بنفسه، و لم يكل قرنه إلى أخيه، فيجتمع عليه قرنه و قرن أخيه، و أيم اللّه لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلموا من سيف الآخرة، و أنتم لهاميم العرب، و السّنام الأعظم، إنّ في الفرار موجدة اللّه و الذّلّ اللّازم، و العار الباقي، و إنّ الفارّ لغير مزيد في عمره، و لا محجوز بينه و بين يومه، من رائح إلى اللّه كالظمآن يرد الماء، الجنّة تحت أطراف العوالي، اليوم تبلى الأخبار، و اللّه لأنا أشوق إلى لقائهم منهم إلى ديارهم، أللّهمّ فإن ردّوا الحقّ فافضض جماعتهم، و شتّت كلمتهم، و أبسلهم بخطاياهم، إنّهم لن يزولوا عن موافقهم دون طعن دراك يخرج منه النّسيم، و ضرب يفلق الهام، و يطيح العظام، و يندر السّواعد و الأقدام، و حتّى يرموا بالمناسر تتبعها المناسر، و يرجموا بالكتائب، تقفوها الحلائب، و حتّى يجرّ ببلادهم الخميس يتلوه الخميس و حتّى تدعق الخيول في نواحر أرضهم، و بأعنان مساربهم و مسارحهم. قال السيد ره: الدعق، الدقّ، اى تدقّ الخيول بحوافرها أرضهم، و نواحر أرضهم، متقابلاتها يقال: منازل بني فلان تتناحر أى تتقابل.
اللغة
(الدارع) لابس الدّرع و (الحاسر) الذي لا درع عليه و لا مغفر و (نبا) السّيف عن الضريبة كلّ عنها و ارتد و لم يمض و (التوى) انعطف و (المور) التحريك و الاضطراب قال تعالى: يوم تمور السماء مورا، و (الذمار) بالكسر ما يلزمك حفظه و حمايته، و عن الجوهرى فلان حامى الذّمار أى إذا ذمر و غضب حمى و في شرح المعتزلي الذّمار ما وراء الرّجل مما يحقّ عليه أن يحميه و سمّى ذمارا لأنّه يجب على أهله التذمّر له أى الغضب.
و (الحقائق) جمع الحقيقة بمعنى ما يحق للرّجل أن يحميه، أو بمعنى الراية كما ذكره في القاموس و حكى عن الصحاح، و قال الشارح المعتزلي و تبعه غيره إنّ الحقائق جمع حاقة و هى الأمر الصعب الشديد، و منه قوله تعالى: الحاقّة ما الحاقّة يعني السّاعة، و في كونه جمعا لها نظر و (الحفاف) وزان كتاب الجانب و في (امرء) ثلاث لغات: فتح الراء دائما و ضمّها دائما، و اختلافها باختلاف حركة الآخر، تقول: هذا امرء و رأيت امرأ و مررت بامرء و (القرن) بالكسر كفوك في الشجاعة أو عامّ لكلّ كفو و (آس) أخاه بالهمزة أى جعله اسوة لنفسه و يجوز و اسيت زيدا بالواو و هى لغة ضعيفة و (اللّهاميم) جمع اللّهموم بالضم كعنقود و عناقيد الجواد من النّاس و الخيل و (سنام) الابل معروف و (الموجدة) الغضب و السخط و في بعض النسخ (و الذّل اللّاذم) بالذّال المعجمة أيضا بمعنى اللازم بالزاء يقال: لذمت المكان أى لزمته و (العوالي) جمعالعالية و هي أعلى القناة أو رأسها أو نصفها الذي يلي السنان.
و (تبلى الأخبار) هنا بالبا الموحّدة و في بعض النسخ بالياه المثنّاة التحتانيّة و (أبسلته) أسلمته إلى الهلكة و (النسيم) الريح اللينة، و في بعض النسخ النسم أى طعن يخرق الجوف بحيث يتنفّس المطعون من الطعنة، و روى القشم بالقاف و الشين المعجمة و هو اللحم و الشحم و (فلقت) الشيء افلقه بكسر اللّام فلقا شققته و (المناسر) جمع المنسر بفتح الميم و كسر السّين و بالعكس أيضا قطعة من الجيش تكون امام الجيش الأعظم و (الحلائب) بالحاء المهملة جمع حليبة و هى الطائفة المجتمعة من حلب القوم حلبا من باب نصر أى اجتمعوا من كلّ وجه و يقال احلبوا إذا جاءوا من كلّ أوب للنصرة و (الخميس) الجيش لأنه خمس فرق: المقدّمة، و القلب، و الميمنة و الميسرة، و الساقة و (المسارب) و (المسارح) جمع المسربة و المسرح و هو المرعى قال الشارح المعتزلي: (و نواحر أرضهم) قد فسّره الرضىّ و يمكن أن يفسّر بأمر آخر، و هو أن يريد أقصى أرضهم و آخرها من قولهم لآخر ليلة في الشهر ناحرة و المسارب ما يسرب فيه المال الراعى، و المسارح ما يسرح فيه و الفرق بين سرح و سرب أنّ السروح إنما يكون في أول النهار، و ليس ذلك بشرط في السروب.
الأعراب
جملة لا يتأخرّون عنها آه، بدل من جملة يكتنفونها كما في قوله تعالى: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ.
و قوله: اجزء امرء قرنه آه، قال الشارح المعتزلي: من الناس من يجعل هذه الصيغة و هى صيغة الاخبار بالفعل الماضي في معنى الأمر كأنه قال ليجزى كلّ امرء قرنه لأنه إذا جاز الأمر بصيغة الاخبار في المستقبل جاز الأمر بصيغة الماضي، و قد جاز الأول نحو قوله:وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ.
فوجب أن يجوز الثاني، و من النّاس من قال معنى ذلك هلّا اجزء امرء قرنه فيكون تحضيضا محذوف الصّيغة، انتهى أقول: معنى التحضيض في الماضي التوبيخ و اللّوم على ترك الفعل و في المضارع الحضّ على الفعل و الطلب له، و هذا الكلام له عليه السّلام كما ترى وارد في معرض الحثّ و الترغيب لا اللّوم و التوبيخ، فلا بدّ أن يجعل هلّا هنا على تقدير حذفها حرف عرض، و قوله: من رائح إلى اللّه رائح خبر لمبتدأ محذوف و الجملة صلة من، و في بعض النسخ الرائح إلى اللّه كالظمآن، و هو الأوفق، و يجوز على الأوّل كون خبر من لفظ كالظمآن و جملة يرد صفة للظمآن، و يجوز كون كالظمآن صفة لرائح و خبر من جملة يرد، و على ذلك فلا بدّ أن يراد بالماء الحياة الأبد على سبيل المجاز و في بعض النسخ كالظمآن يرد إلى الجنّة، و هو يؤيّد كون جملة يرد خبرا كما هو ظاهر.
المعنى
اعلم أنّ الشارح المعتزلي بعد تقطيعه في الشرح هذا الكلام له عليه السّلام على فصول ثلاثة قال في شرح الفصل الثّاني منه و هو قوله: اجزء امرء قرنه إلى قوله و ابسلهم بخطاياهم: و هذه الألفاظ لا يتلو بعضها بعضا و إنما هى منتزعة من كلام طويل انتزعها الرضيّ (ره) و اطرح ما عداها أقول: و ما ظفرت بعد على تمامه، و المستفاد من الروايات الآتية في التكملة الآتية أنه ليس منتزعا من كلام واحد، بل منتزع من كلام متعدّد حسبما تطلع عليه و كيف كان فالغرض منه حثّ أصحابه على الجهاد و تحريضهم و تعليمهم آداب الحرب و رسومها قال عليه السّلام (فقدّموا الدارع) اللّابس للدّرع (و أخّروا الحاسر) العارى عنه لأنّ سورة الحرب و شدّتها تلتقى و تصادف، الأول فالأول، فوجب أن يكون أوّل القوم مستلئما و يقدم المستلئم«» على غير المستلئم (و عضّوا على الأضراس فانه أنبأ للسّيوف عن الهام) كما مضى توضيحه في شرح الكلام الحادى عشر مع ما فيه من إظهار الغيظ و الخنق على الخصم (و التووا في أطراف الرّماح فانّه أمور للأسنة) أى إذا وصلت إليكم أطراف الرماح فانعطفوا ليزلق و يتحرّك فلا ينفذ، و حمله الشارح البحراني (ره) على الالتواء عند إرسال الرّمح و رميه إلى العدوّ بأن يميل صدره و يده فانّ ذلك أنفذ و ليس بشيء (و غضّوا الأبصار فانه أربط للجاش) و رواع القلب إذا اضطرب (و أسكن للقلوب) من الفزع و إنما أمرهم بغضّها لئلّا يروا من العدوّ ما يهولهم و يدهشهم، و كيلا يرى العدوّ منهم جبنا و فشلا قد مضى ذلك أيضا في شرح الكلام الحادى عشر (و أميتوا الأصوات) أراد به قلّة الكلام و ترك رفع الأصوات (فانه أطرد للفشل) و الجبن و الجبان يصيح و يرعد و يبرق كما مرّ في الكلام التاسع (و رايتكم فلا تميلوها) لأنّ ميلها من أسباب انكسار العسكر، لأنهم ينظرون إليها (و لا تخلوها) من محام لها (و لا تجعلوها إلّا بأيدى شجعانكم) لضعف الجبناء عن إمساكها.
كما ضعف الأوّل و الثّاني عن إمساكها يوم خيبر و انهزما بأقبح وجه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله كرّار غير فرّار يفتح اللّه عليه، فلما كان الغد طاولت الأعناق لها، و كلّ رجا أن يدفعها إليه فلم يدفعها إلّا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، و في هذا المعنى قال الشارح المعتزلي في قصيدته التي قالها في فتح خيبر:
و ما أنس لا أنس اللذين تقدّما
و فرّهما و الفرّ قد علما حوب
و للراية العظمى و قد ذهبا بها
ملابس ذلّ فوقها و جلابيب
يشلها من آل موسى شمردل
طويل نجاد السيف اجيد يعبوب
إلى أن قال
دعا قصب العلياء يملكها امرؤ
بغير أفاعيل الدّنائة مقضوب
يرى أنّ طول الحرب و البؤس راحة
و انّ دوام السلم و الخفض تعذيب
فللّه عينا من رآه مبارزا
و للحرب كأس بالمنيّة مقطوب
إلى آخر ما قال، و قوله (و المانعين الذّمار منكم) أى الذابّين عمّن يجب عليهم حفظه و حمايته، فانّ من كان كذلك لا يترك الراية حتى يظفر أو يقتل و علّله بقوله (فانّ الصّابرين على نزول الحقائق) أى نزول الرايات منازلها أو نزول ما يعرض لهم في الحرب من الحالات التي يجب و يحقّ الحماية عنها، أو نزول الامور الصّعبة الشديدة كما ذكره الشارح المعتزلي (هم الذين يحفّون براياتهم) و يحيطون بها (و يكتنفونها حفا فيها) و جانبيها أى اليمين و اليسار (و ورائها و أمامها لا يتأخّرون عنها فيسلموها و لا يتقدّمون عليها فيفردوها) بل يلازمونها أشدّ الملازمة و يراقبونها كمال المراقبة و يحاربون حولها و يضربون خلفها و أمامها.
ثمّ قال (أجزء امرء قرنه و آسا أخاه بنفسه و لم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه و قرن أخيه) و هو أمر لهم بالمواساة يقول: ليجزي و ليكفى كلّ امرء منكم قرنه و كفوه و ليواس أخاه بنفسه، و لم يدع قرنه ينضمّ إلى قرن أخيه فيصيرا معا في مقاومة الأخ المذكور، فانّ ذلك قبيح كاسب للّائمة، ناش عن دنائة الهمّة، إذ اولو العزم و ذوو الهمم العالية لا يرضى أحد منهم بأن يقاتل أخوه اثنين و هو ممسك يده قد خلّى قرنه إلى أخيه هاربا منه أو قائما ينظر إليه ثمّ أقسم بالقسم البارّ فقال (و أيم اللّه لئن فررتم من سيف العاجلة) لحبّ البقاء و الحياة (لا تسلموا من سيف الآخرة) أى من عذاب اللّه و عقابه سبحانه على فراركم و تخاذلكم، و تسميته العذاب بالسيف إما مبنىّ على الاستعارة أو على المشاكلة (و أنتم لها ميم العرب) أى ساداتها و أجوادها (و السنام الأعظم) أراد شرفهم و علوّ نسبهم على سبيل الاستعارة أو التشبيه البليغ لأنّ السنام أعلى أعضاء البعير و أرفعها (إنّ في الفرار) من الجهاد (موجدة اللّه) سبحانه و غضبه يوم الحساب (و الذلّ اللّازم و العار الباقي) في الأعقاب (و انّ الفارّ لغير مزيد في عمره و لا محجوز بينه و بين يومه) يعني انّ الفرار لا يزيد في عمر الفارّ و لا يحجز بينه و بين اليوم الذي قدّر فيه موته كما قال تعالى في حقّ المنافقين المعتلّين في الرّجوع يوم الأحزاب بأن بيوتهم عورة: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً.
يعنى قل للّذين استأذنوك في الرّجوع و اعتلّوا بأنّ بيوتهم يخاف عليها: لن ينفعكم الفرار من الموت أو القتل، إن كان حضر آجالكم فانه لا بدّ من واحد منهما و لا ينفعكم الهرب و الفرار، و إن لم يحضر آجالكم و سلمتم من الموت أو القتل في هذه الوقعة لم تمتّعوا في الدّنيا إلّا أياما قلائل.
ثمّ أكّد الحثّ عليهم بالترغيب و التشويق فقال (من) هو (رائح إلى اللّه) و ذاهب إلى رضوان اللّه سبحانه (كالظمآن) العطشان (يرد الماء) و يروى غلته (الجنّة تحت أطراف العوالي) و أسنّة الرّماح و تحت ظلال السيوف (اليوم تبلى الأخبار) أى أخبار الحرب من الثبات و الفرار و يمتحن السرائر و الضمائر من الايمان و النفاق و الشجاعة و الجبن و غيرها، أو يمتحن الأخيار من الأشرار (و اللّه لأنا أشوق) و أرغب (إلى لقائهم) أي الأعداء (منهم إلى ديارهم) ثمّ دعا عليهم بقوله: (أللّهم فان ردّوا الحقّ) و أرادوا إبطاله (فافضض جماعتهم و شتّت كلمتهم) أي بدّل اجتماعهم بالافتراق و اتّفاق قولهم بالاختلاف و النفاق الموجب للهزيمة (و أبسلهم بخطاياهم) أى اهلكهم و أسلمهم إلى الهلاك و لا تنصرهم بما اكتسبوا من الاثم و الخطاء كما قال سبحانه: وَ ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ ذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَ لا شَفِيعٌ وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ثمّ أشار إلى جدّ الخصم في الجهاد تهييجا لأصحابه على المقاومة و الثبات فقال عليه السّلام (انهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك) متدارك متتابع يتلو بعضه بعضا (يخرج منه النسيم) و الريح اللينة لسعته كما قال الشاعر:
طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر
لها نفد لو لا الشعاع أضاها
ملكت بها كفّى فانهرت فتقها
يرى قائم من دونها ما وراءها
يعني أنّ هذه الطعنة لا تّساعها يرى الانسان المقابل لها ببصره ما وراها، و انه لو لا شعاع الدّم لبان منها الضوء (و ضرب يفلق الهام) و يشقق الرءوس (و يطيح العظام و يندر السواعد و الأقدام) أى يسقطها من مواضعها و محالها (و حتّى يرموا بالمناسر) و الجيوش (تتبعها المناسر) الاخر (و يرجموا) أى يغزوا (بالكتائب) و طوائف الجيوش (تقفوها) و تتبعها (الجلائب) و الطوائف الاخرى المجتمعة من كلّ صقع و ناحية لنصرها و المحاماة عنها (و حتّى يجرّ ببلادهم الخميس يتلوه) و يعقّبه (الخميس) الآخر (و حتّى تدعق الخيول) و تدقّ بحوافرها (في نواحر أرضهم) أى متقابلاتها أو أواخرها (و بأعنان مساربهم و مسارحهم) أى أطراف مراعيهم و نواحيها
تكملة
هذا الكلام رواه المحدّث العلامة المجلسي (ره) بطرق متعدّدة و اختلاف كثير أحببت أن أورد ما رواه طلبا لمزيد الفائدة فأقول: روى (قده) في البحار من الكافي في حديث مالك بن أعين قال: حرّض أمير المؤمنين عليه السّلام النّاس بصفّين فقال: انّ اللّه عزّ و جلّ قد دلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، و تشفى بكم على الخير، الايمان باللّه و الجهاد في سبيل اللّه و جعل ثوابه مغفرة للذنب و مساكن طيبة في جنّات عدن و قال جلّ و عزّ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ فسوّوا صفوفكم كالبنيان المرصوص، فقدّموا الدارع و أخّروا الحاسر، و عضّوا على النواجذ، فانه أبنا للسيوف عن الهام، و التووا على أطراف الرماح فانّه امور للأسنّة، و غضّوا الأبصار فانّه أربط للجاش و أسكن للقلوب، و أميتو الأصوات فانه أطرد للفشل و أولى بالوقار، و لا تميلوا براياتكم و لا تزيلوها، و لا تجعلوها إلّا مع شجعانكم، فانّ المانع للذّمار و الصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ، و لا تمثلوا بقتيل، و إذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سرّا «سترا ظ» و لا تدخلوا دارا، و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلّا ما وجدتم في عسكرهم، و لا تهيجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم و سببن امرائكم و صلحائكم، فانهنّ ضعاف القوى و الأنفس و العقول، و قد كنا نؤمر بالكفّ عنهنّ و هنّ مشركات و ان كان الرّجل ليتناول المرأة فيعيّر بها و عقبه من بعده و اعلموا أنّ أهل الحفاظ هم الذين يحفّون براياتكم و يكتنفونها، و يصيرون حفافيها و ورائها و أمامها، و لا يضيعونها و لا يتأخّرون عنها فيسلموها و لا يتقدّمون عليها فيفردوها رحم اللّه امرأ واسا أخاه بنفسه، و لم يكل قرنه إلى أخيه، فيجتمع عليه قرنه و قرن أخيه فيكتسب بذلك اللّائمة، و يأتي بدنائة، و كيف لا يكون كذلك و هو يقاتل الاثنين، و هذا ممسك يده قد خلى قرنه على أخيه هاربا ينظر إليه و هذا فمن يفعله يمقته اللّه فلا تعرّضوا لمقت اللّه عزّ و جلّ فانما ممرّكم إلى اللّه و قد قال اللّه عزّ و جلّ: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا و أيم اللّه لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيوف الآجلة، فاستعينوا بالصبر و الصّدق فانما ينزل النصر بعد الصّبر فجاهدوا في اللّه حقّ جهاده و لا قوّة إلّا باللّه.
و فى كلام له آخر
و إذا لقيتم هؤلاء القوم غدا فلا تقاتلوهم حتّى يقاتلونكم، فاذا بدءوا بكم فانهدوا إليهم و عليكم السكينة و الوقار، و عضّوا على الأضراس فانه أنبأ للسيوف عن الهام، و غضّوا الأبصار، و مدّوا جباه الخيول و وجوه الرّجال، و أقلّوا الكلام فانه أطرد للفشل، و أذهب بالوهل، و وطنوا أنفسكم على المبارزة و المنازلة و المجادلة، و اثبتوا، و اذكروا اللّه عزّ و جلّ كثيرا فانّ المانع للذمّار عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ الذين يحفّون براياتهم و يضربون حافتيها و أمامها، و إذا حملتم فافعلوا فعل رجل واحد، و عليكم بالتحامى فانّ الحرب سجال لا يشدّون عليكم كرّة بعد فرّة، و لا حملة بعد جولة، و من ألقى اليكم السّلام فاقبلوا منه و استعينوا بالصّبر فانّ بعد الصّبر النّصر من اللّه عزّ و جلّ.
إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
و في البحار من الارشاد قال من كلامه عليه السّلام أيضا في هذا المعنى أى فى تحضيضه على القتال يوم صفّين: معشر النّاس إنّ اللّه قد دلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم، و تشفى بكم على الخير العظيم: الايمان باللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الجهاد في سبيله، و جعل ثوابه مغفرة الذّنوب و مساكن طيّبة في جنات عدن ثمّ أخبركم أنه يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ فقدّموا الدّارع و أخّروا الحاسر و عضّوا على الأضراس فانّه أنبأ للسيوف عن الهام و التووا في أطراف الرماح فانه أمور للأسنّة، و غضّوا الأبصار فانه أربط للجاش و أسكن للقلوب، و أميتوا الأصوات فانّه أطرد للفشل و أولى بالوقار، و رايتكم فلا تميلوها و لا تخلّوها و لا تجعلوها إلّا في أيدي شجعانكم، فانّ المانعين للذّمار الصّابرين على نزول الحقائق أهل الحفاظ الذين يحفّون براياتهم و يكتنفونها، رحم اللّه امرء منكم آسى أخاه بنفسه و لم يكل قرنه إلى أخيه فيجمع عليه قرنه و قرن أخيه فيكتسب بذلك اللائمة، و يأتي به دنائة و لا تعرّضوا لمقت اللّه، و لا تفرّوا من الموت فانّ اللّه تعالى يقول:
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا و أيم اللّه لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلموا من سيف الآجلة، فاستعينوا بالصبر و الصّلاة و الصّدق في النّية فانّ اللّه تعالى بعد الصبّر ينزل النصر، هذا و قد مرّ أكثر الفقرات الأخيرة من هذا الكلام الذى نحن بصدد شرحه في رواية نصر بن مزاحم عن الشّعبي في شرح الخطبة الخامسة و الثّلاثين عند ذكر كيفية التحكيم فليراجع ثمة.
بيان ما لعله يحتاج إلى التفسير من ألفاظ الروايتين فأقول قال الجوهرىّ «رصّصت» الشيء رصّا ألصقت بعضه ببعض و منه بنيان مرصوص و «الحفاظ» بالكسر الذّب عن المحارم و «حفافيها» متعلّق بقوله: يكتنفونها أو بقوله: يصيرون أيضا على سبيل التنازع، قال في البحار و في بعض النسخ ورائها بدون العطف فهما الامام و الوراء و «نهد» الرّجل نهض و العدوّه صمد لهم.
و قوله عليه السّلام «و مدّوا جباه الخيول و وجوه الرّجال» قال في البحار لعلّ المراد بهما تسوية الصّفوف و اقامتها راكبين و راجلين، أو كناية عن تحريكها و توجيهها إلى جانب العدوّ و «الوهل» الضعف و الفزع، و قوله «فانّ الحرب سجال» أى مرّة لنا و مرّة علينا، و أصله إنّ المستقين بالسجل يكون لكلّ واحد منهم سجلّ، و السجل الدلو الكبير و «السّلام» الاستسلام، و قد مرّ تفسير ساير ما يحتاج إلى التفسير في شرح المتن
تذكرة
قد قدّمنا في شرح الكلام الخامس و السّتين شطرا من وقايع صفّين، و أوردنا تمام وقايعها في شرحه و شرح ساير الخطب المتقدّمة عليه حسبما مرّت الاشارة اليها هنالك، من أراد الاطلاع عليها فليراجع ثمّة
الترجمة
از جمله كلام بلاغت نظام آن جنابست در تحريص و ترغيب أصحاب خود بر مقاتله و محاربه معاويه و أصحاب او كه فرموده: پس مقدم داريد زره پوش را، و مؤخّر نمائيد عارى از زره را، و بگزيد بر دندانها يعنى دندانها را بالاى همديگر محكم بگذاريد، پس بدرستى كه استحكامى دندانها باز گرداننده تر است شمشيرها را از فرق، و پيچيده شويد در أطراف نيزها پس بتحقيق كه آن پيچيدگى حركت دهنده تر است نيزها را از نفوذ آنها، و فرو خوابانيد ديدهها را پس بدرستى كه آن موجب زيادتى ثبات دل بى آرام است و شدّت سكون قلبها است، و ترك كنيد بلندى آوازها را پس بدرستى كه آن راننده تر است جبن را.
و علم خودتان را پس ميل ندهيد آنرا و خالى نگذاريد آنرا و مگردانيد آنرا مگر بر دست شجاعان خودتان، و مگر بر دست كسانى كه باز دارندگانند بى غيرتى را از شما در روز هيجا، پس بدرستى كسانى كه صبر نماينده اند بر نزول حقيقة كارهائى كه حقيق است بحمايت ايشان اشخاصى هستند كه احاطه مي كنند بعلمهاى خود، و دور آنها را مى گيرند از دو جانب چپ و راست آنها و از پس آنها و پيش آنها يعنى محافظت مي كنند علمها را از چهار طرف و پس نمى افتند از آن علمها تا تسليم كنند آنها را بر أعداء، و پيش نمى روند از آنها تا اين كه تنها گذارند آنها را بايد كه كفايت كند مرد كفو خودش را در كار زار، و مواساة كند با برادر خودش بنفس خود، و واگذار ننمايد قرين و كفو خود را ببرادر خود تا مجتمع شود بر او قرين او و قرين برادر او، و بخدا سوگند اگر بگريزيد شما از شمشير دنيا سلامت نمانيد از شمشير آخرت و حال آنكه شما أشراف عرب هستيد و كوهانهائى بزرگتر أرباب أدب مى باشيد، بدرستى كه در گريختن از جنگ غضب پروردگار است، و ذلّت و خوارى هميشگى است و عار و سركوبى باقى است، و بدرستى كه فرار كننده از جنگ زياده كننده نيست در عمر خود، و باز داشته شده نيست ميان خود و ميان روز موعود خودكسى كه رونده است بسوى آفريدگار مثل تشنه ايست كه وارد شود بر آب بهشت عنبر سرشت، در زير أطراف نيزهاى بلند مقدار است، امروز آشكار مى شود خبرها.
بار پروردگارا اگر رد كنند اين قوم بد بنياد حق را پس پراكنده نما جماعت ايشان را، و متفرّق گردان سخنان باطل ايشان را، و هلاك بگردان ايشان را بگناهان خودشان، ايشان هرگز زايل نمى شوند از موقفهاى خودشان بى زدن نيزه پى در پى كه خارج بشود از او بجهت گشادى او نسيم، و بى ضربتى كه بشكافد كاسه سر را و بيندازد استخوانها را و بيفكند بازوها و قدمها را، و تا آنكه انداخته شوند بلشكرهائى كه مقدمه لشكر ديگر باشند كه تابع شود بايشان مقدّمة الجيش ديگر، و سنگسار شوند بلشكرهاى گران كه تبعيت نمايد بايشان لشكران جمع شده از هر طرف تا آنكه كشيده شود بشهرهاى ايشان سپاهى كه در عقب آن باشد سپاهى ديگر، و تا آنكه بكوبند اسبان بسمهاى خود در اواخر بلاد ايشان و بنواحى مراعى و چراگاههاى ايشان، يعني اگر جد و كوشش نشود در جهاد ايشان دست از طغيان خود بر نخواهند داشت.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»