google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
50 نامه هاشرح و ترجمه میر حبیب الله خوئینامه هاشرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 52/1 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )نامه امیر المومنین علی علیه السلام به مالک اشتر نخعی

نامه 53 صبحی صالح

53- و من كتاب له ( عليه‏ السلام  ) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر و أعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، و هو أطول عهد كتبه و أجمعه للمحاسن.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلَادِهَا

أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ إِيْثَارِ طَاعَتِهِ وَ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ الَّتِي لَا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا وَ لَا يَشْقَى إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وَ إِضَاعَتِهَا

وَ أَنْ يَنْصُرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِهِ وَ يَدِهِ وَ لِسَانِهِ فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ وَ إِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ

وَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَ يَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ

ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ وَ أَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ وَ يَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ

وَ إِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ

فَامْلِكْ هَوَاكَ وَ شُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ وَ أَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَ الْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَ اللُّطْفَ بِهِمْ

وَ لَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَ تَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ وَ يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَ الْخَطَإِ

فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَ صَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَ تَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَ صَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَ وَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ وَ اللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَ قَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَ ابْتَلَاكَ بِهِمْ

وَ لَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَ لَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَ رَحْمَتِهِ وَ لَا تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ وَ لَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ

وَ لَا تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً وَ لَا تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ وَ مَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ وَ تَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ

وَ إِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ وَ قُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ

فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ وَ يَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ وَ يَفِي‏ءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ

إِيَّاكَ وَ مُسَامَاةَ اللَّهِ فِي عَظَمَتِهِ وَ التَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ وَ يُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ

أَنْصِفِ اللَّهَ وَ أَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَ مِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ وَ مَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ

وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَ مَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ‏

وَ كَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ وَ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَ تَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَ هُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ

وَ لْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَ أَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَ أَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَ إِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ

وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ وَ أَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلَاءِ وَ أَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَ أَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ وَ أَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَ أَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وَ أَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ

وَ إِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وَ جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَ الْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ وَ مَيْلُكَ مَعَهُمْ

وَ لْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَ أَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ النَّاسِ فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا فَلَا تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ

وَ اللَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللَّهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ

أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ وَ اقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ وَ تَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَضِحُ لَكَ وَ لَا تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وَ إِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ

وَ لَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ وَ يَعِدُكَ الْفَقْرَ وَ لَا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الْأُمُورِ وَ لَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الْجُبْنَ وَ الْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ

إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً وَ مَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ وَ إِخْوَانُ الظَّلَمَةِ

وَ أَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَ نَفَاذِهِمْ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَ أَوْزَارِهِمْ وَ آثَامِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ وَ لَا آثِماً عَلَى إِثْمِهِ

أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَ أَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً وَ أَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وَ أَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَ حَفَلَاتِكَ

ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ وَ أَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ

وَ الْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَ الصِّدْقِ ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ وَ لَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ وَ تُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ

وَ لَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَ الْمُسِي‏ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ‏ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ وَ تَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ وَ أَلْزِمْ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ

وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَ تَخْفِيفِهِ الْمَئُونَاتِ عَلَيْهِمْ وَ تَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ

فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلًا

وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ

وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ وَ لَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأُلْفَةُ وَ صَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ وَ لَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَ الْأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا وَ الْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا

وَ أَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَ مُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ وَ إِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ

وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ وَ لَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ وَ مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ وَ مِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ وَ مِنْهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَ الرِّفْقِ

وَ مِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَ الْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ مُسْلِمَةِ النَّاسِ وَ مِنْهَا التُّجَّارُ وَ أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ                       

وَ مِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ

وَ كُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ وَ وَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً

فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللَّهِ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ وَ زَيْنُ الْوُلَاةِ وَ عِزُّ الدِّينِ وَ سُبُلُ الْأَمْنِ وَ لَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ

ثُمَّ لَا قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلَّا بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَ يَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ

ثُمَّ لَا قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلَّا بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَ الْعُمَّالِ وَ الْكُتَّابِ لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ وَ يَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ وَ يُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَ عَوَامِّهَا

وَ لَا قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ وَ يُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ وَ يَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ مَا لَا يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ

ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَ مَعُونَتُهُمْ

وَ فِي اللَّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ وَ لِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ وَ لَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاهْتِمَامِ وَ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَ تَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ وَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ:

فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِإِمَامِكَ وَ أَنْقَاهُمْ جَيْباً وَ أَفْضَلَهُمْ حِلْماً

مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ وَ يَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ وَ يَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَ يَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ وَ مِمَّنْ لَا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ وَ لَا يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ

ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَ الْأَحْسَابِ وَ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ السَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَ الشَّجَاعَةِ وَ السَّخَاءِ وَ السَّمَاحَةِ فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ وَ شُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ

ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا وَ لَا يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْ‏ءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ وَ لَا تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَ إِنْ قَلَّ فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ بِكَ

وَ لَا تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالًا عَلَى جَسِيمِهَا فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَ لِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ

وَ لْيَكُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ وَ أَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ بِمَا يَسَعُهُمْ وَ يَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ

وَ إِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلَاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلَادِ وَ ظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ

و إِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ وَ لَا تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلَّا بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَ قِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ وَ تَرْكِاسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ

فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ وَ وَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَ تَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ وَ تُحَرِّضُ النَّاكِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى وَ لَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَى غَيْرِهِ وَ لَا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلَائِهِ وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ صَغِيراً وَ لَا ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ عَظِيماً

وَ ارْدُدْ إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ وَ يَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ

فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ‏

فَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَ الرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ:

ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ وَ لَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَ لَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَ لَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْ‏ءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَ لَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ وَ لَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ

وَ أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَ آخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ وَ أَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ وَ أَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ وَ أَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَ لَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ وَ أُولَئِكَ قَلِيلٌ

ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ وَ افْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ وَ تَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ وَ أَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ

فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الْأَشْرَارِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى وَ تُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا:

ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً وَ لَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَ أَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَ الْخِيَانَةِ

وَ تَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَ الْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ الْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً وَ أَصَحُّ أَعْرَاضاً وَ أَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً وَ أَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً

ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَ غِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ

ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَ ابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَ الْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَ الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ

وَ تَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً

فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَ أَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَ قَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ:

وَ تَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَ صَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ وَ لَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَ أَهْلِهِ

وَ لْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ وَ مَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ وَ أَهْلَكَ الْعِبَادَ وَ لَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِيلًا

فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ

وَ لَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْ‏ءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ وَ تَزْيِينِ وِلَايَتِكَ

مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ وَ تَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ وَ الثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَ رِفْقِكَ بِهِمْ

فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ

وَ إِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا وَ إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ وَ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ وَ قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ:

ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ وَ اخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَ أَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلَافٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلَإٍ

وَ لَا تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمِّالِكَ عَلَيْكَ وَ إِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ فِيمَا يَأْخُذُ لَكَ وَ يُعْطِي مِنْكَ وَ لَا يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ وَ لَا يَعْجِزُ عَنْ إِطْلَاقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ

وَ لَا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ

ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَ اسْتِنَامَتِكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَ حُسْنِ خِدْمَتِهِمْ وَ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَ الْأَمَانَةِ شَيْ‏ءٌ

وَ لَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً وَ أَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ

وَ اجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا وَ لَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا وَ مَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ‏

ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَ أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً الْمُقِيمِ مِنْهُمْ وَ الْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَ الْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ

فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَ أَسْبَابُ الْمَرَافِقِ وَ جُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَ الْمَطَارِحِ فِي بَرِّكَ وَ بَحْرِكَ وَ سَهْلِكَ وَ جَبَلِكَ وَ حَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَ لَا يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ وَ صُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ

وَ تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَ فِي حَوَاشِي بِلَادِكَ وَ اعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً وَ شُحّاً قَبِيحاً وَ احْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وَ تَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ وَ ذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ وَ عَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ

فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )مَنَعَ مِنْهُ وَ لْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَ أَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَ الْمُبْتَاعِ

فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ وَ عَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ:

ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَ الْمُحْتَاجِينَ وَ أَهْلِ الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَ مُعْتَرّاً

وَ احْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ وَ اجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَ قِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى

وَ كُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ وَ لَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَ لَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ

وَ تَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ وَ تَحْقِرُهُ الرِّجَالُ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَ التَّوَاضُعِ فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ

ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الْإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَ كُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ

وَ تَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَ ذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَهُ وَ لَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ وَ ذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ وَ الْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ وَ قَدْ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ وَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ:

وَ اجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ وَ تَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَ تُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَ أَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَ شُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ

فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى ‏الله‏ عليه‏ وآله ‏وسلم  )يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ

ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَ الْعِيَّ وَ نَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ‏ وَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ

ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ

وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ

وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هوَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ

ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ

وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ

وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هِيَ لَهُ خَاصَّةً فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَ نَهَارِكَ وَ وَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ كَامِلًا غَيْرَ مَثْلُومٍ وَ لَا مَنْقُوصٍ بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ

وَ إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ لِلنَّاسِ فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَ لَا مُضَيِّعاً فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَ لَهُ الْحَاجَةُ

وَ قَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى‏ الله‏ عليه‏ وآله ‏وسلم  )حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ كَصَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ وَ كُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً

 وَ أَمَّا بَعْدُ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ وَ قِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ

وَ الِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ وَ يَعْظُمُ الصَّغِيرُ وَ يَقْبُحُ الْحَسَنُ وَ يَحْسُنُ الْقَبِيحُ وَ يُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ

وَ إِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ وَ لَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ

وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ

مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مِمَّا لَا مَئُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ:

ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَ بِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ وَ قِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ

وَ لَا تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَ حَامَّتِكَ قَطِيعَةً وَ لَا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ يَحْمِلُونَ مَئُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وَ عَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ

وَ أَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَ الْبَعِيدِ وَ كُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ وَ ابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ

وَ إِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ وَ اعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَ رِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وَ إِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ:

وَ لَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ و لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَ أَمْناً لِبِلَادِكَ

وَ لَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَ اتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ

وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ

فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْ‏ءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ

فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ وَ لَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ

وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى‏ مَنَعَتِهِ وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ فَلَا إِدْغَالَ وَ لَا مُدَالَسَةَ وَ لَا خِدَاعَ فِيهِ

وَ لَا تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ وَ لَا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَ التَّوْثِقَةِ

وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللَّهِ فِيهِ طِلْبَةٌ لَا تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَ لَا آخِرَتَكَ:

إِيَّاكَ وَ الدِّمَاءَ وَ سَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ وَ لَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ وَ لَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَ انْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

فَلَا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَ يُوهِنُهُ بَلْ يُزِيلُهُ وَ يَنْقُلُهُ وَ لَا عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ وَ لَا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ

وَ إِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وَ أَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً فَلَا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ:

وَ إِيَّاكَ وَ الْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَ الثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَ حُبَ‏ الْإِطْرَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ

وَ إِيَّاكَ وَ الْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ

فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ وَ التَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ وَ الْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَ النَّاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ‏

وَ إِيَّاكَ وَ الْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَ أَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ

وَ إِيَّاكَ وَ الِاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ وَ التَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ وَ عَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الْأُمُورِ وَ يُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ

امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ وَ سَوْرَةَ حَدِّكَ وَ سَطْوَةَ يَدِكَ وَ غَرْبَ لِسَانِكَ وَ احْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ وَ تَأْخِيرِ السَّطْوَةِ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الِاخْتِيَارَ وَ لَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ وَ الْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ

فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا وَ تَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا وَ اسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ لِكَيْلَا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا:

وَ أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ أَنْ يُوَفِّقَنِي وَ إِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَ إِلَى خَلْقِهِ

مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ وَ جَمِيلِ الْأَثَرِ فِي الْبِلَادِ وَ تَمَامِ النِّعْمَةِ وَ تَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ وَ أَنْ يَخْتِمَ لِي وَ لَكَ بِالسَّعَادَةِ وَ الشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‏

وَ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَ السَّلَامُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20  

المختار الثاني و الخمسون من كتبه عليه السلام‏

و من عهد له عليه السلام كتبه للاشتر النخعي رحمه الله، لما ولاه على مصر و أعمالها حين اضطرب أمر محمد بن أبى بكر، و هو أطول عهد و اجمع كتبه للمحاسن مالك بن الحارث الأشتر النخعي قد عده الشيخ رحمه الله في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام و قال في القسم الأول من الخلاصة: «و هو ما اجتمع فيه الصحاح و الحسان» مالك بن الأشتر قدس الله روحه و رضي الله عنه جليل القدر عظيم المنزلة كان اختصاصه بعلي عليه السلام أظهر من أن يخفي، و تأسف أمير المؤمنين لموته و قال: لقد كان لي مثل ما كنت لرسول الله صلى الله عليه و آله، انتهى، و قد روي عن الكشي فيه روايات:

فمنها ما عن الفضل بن شاذان أنه من التابعين الكبار و رؤسائهم و زهادهم.

و منها ما رواه مرسلا بقوله لما نعي الأشتر مالك بن الحارث النخعي أمير المؤمنين عليه السلام تأوه حزنا، ثم قال: رحم الله مالكا و ما مالك؟! عز علي به هالكا لو كان صخرا لكان صلدا و لو كان جبلا لكان فندا و كأنه قدمني قدا.

و منها ما رواه هو عن محمد بن علقمة بن الأسود النخعي، قال: خرجت في رهط اريد الحج، منهم مالك بن الحارث الأشتر و عبد الله بن الفضل التميمي و رفاعة بن شداد البجلي حتى قدمنا الربذة، فاذا امرأة على قارعة الطريق تقول:

يا عباد الله المسلمين هذا أبوذر صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله هلك غريبا ليس لي أحد يعينني عليه، قال: فنظر بعضنا إلى بعض و حمدنا الله على ما ساق إلينا و استرجعنا على عظيم المصيبة، ثم أقبلنا معها فجهزناه و تنافسنا في كفنه حتى خرج من بيننا بالسواء، ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه، ثم قدمنا الأشتر فصلى بنا عليه، ثم دفناه، فقام الأشتر على قبره ثم قال: اللهم هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله عبدك في العابدين و جاهد فيك المشركين، لم يغير و لم يبدل لكنه‏

رأى منكرا فغيره بلسانه و قلبه حتى جفي و نفى و حرم و احتقر ثم مات وحيدا غريبا، اللهم فاقصم من حرمه و نفاه عن مهاجره حرم رسولك، قال: فرفعنا أيدينا جميعا و قلنا آمين، ثم قدمت الشاة التي صنعت فقالت: إنه قد أقسم عليكم أن لا تبرحوا حتى تتغدوا فتغدينا و ارتحلنا.

و منها ما روي عن حلام دلف الغفاري و كانت له صحبة، قال: مكث أبو ذر بالربذة حتى مات فلما حضرته الوفاة قال لامرأته: اذبحي شاة من غنمك و اصنعيها فاذا نضجت فاقعدي على قارعة الطريق فاول ركب تريهم قولي يا عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله قد قضى نحبه و لقى ربه فأعينونى عليه و أجيبوه.

فان رسول الله صلى الله عليه و آله أخبرني أنى أموت في أرض غربة و أنه يلي غسلي و دفني و الصلاة على رجال من امته صالحون.

و منها ما في البحار من أنه مما كتب أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر لما نعي إليه محمد بن أبي بكر و كان مقيما بنصيبين، أما بعد فانك ممن أستظهر به على إقامة الدين و أقمع به نخوة الاثيم و أسد به الثغر المخوف، و قد كنت وليت محمد ابن أبي بكر مصر فخرج خوارج و كان حدثا لا علم له بالحرب فاستشهد فاقدم إلي لننظر في امور مصر و استخلف على عملك أهل الثقة و النصيحة من أصحابك و استخلف مالك بن شبيب بن عامر.

و قد ذكر جماعة من أهل السير أنه لما بلغ معاوية إرسال علي عليه السلام الأشتر إلى مصر عظم ذلك إليه و بعث إلى رجل من أهل الخراج و قيل: دس إليه مولى عمر، و قيل مولى عثمان فاغتاله فسقاه السم فهلك، و لما بلغ معاوية موته خطب الناس فقال: أما بعد فانه كان لعلي بن أبي طالب يمينان قطعت إحداهما يوم صفين و هو عمار بن ياسر و قد قطعت الاخرى اليوم و هو مالك بن الأشتر.

و في شرح ابن أبي الحديد أنه كان فارسا شجاعا رئيسا من أكابر الشيعة و عظمائها شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين عليه السلام و نصره و قال فيه بعد موته: رحم الله مالكا فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه و آله.

أقول: إن الأشتر كان رجل فذ من نخع أحد قبائل يمن و قد كان أكثر أهل يمن ذووا بصيرة في الدين و من المخلصين لأمير المؤمنين لوجوه:

1- أن مقاطعة يمن دخل تحت حماية فارس منذ زمان كسرى أنوشروان و أنها صارت تحت إدارة الفرس عشرات من السنين و اختلطت سكانها بالفرس فكانوا ذوي بصيرة و أجابوا إلى الاسلام عن طوع و إرادة و اتصلوا بأهل بيت النبي صلى الله عليه و آله فنشأ فيهم رجال من المخلصين لعلي عليه السلام العارفين بحقه أمثال مالك الأشتر النخعي و كميل بن زياد النخعي.

2- أن رسول الله صلى الله عليه و آله خص أهل يمن بأن بعث عليهم علي بن أبي طالب عليه السلام غير مرة، قال في «ص 415 ج 2 من سيرة ابن هشام ط مصر»:«غزوة علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى اليمن»:و غزوة علي بن أبي طالب رضوان الله عليه اليمن غزاها مرتين، قال ابن هشام: قال أبو عمرو المدني: بعث رسول الله صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب إلى اليمن و بعث خالد بن الوليد في جند آخر و قال: إن التقيتما فالأمير علي بن أبي طالب.

و كان علي عليه السلام سنة حجة الوداع في يمن و التحق برسول الله صلى الله عليه و آله في الحج و قد أحرم على إحرام رسول الله صلى الله عليه و آله فاشترك معه في الهدي الذي ساقه.

قال ابن هشام في سيرته «ص 389 ج 2 ط مصر»:قال ابن إسحاق: و حدثني عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه و آله كان بعث عليا رضي الله عنه إلى نجران فلقيه بمكة و قد أحرم فدخل على فاطمة بنت رسول الله رضي الله عنها فوجدها قد حلت و تهيأت فقال: ما لك يا بنت رسول الله؟

قالت: أمرنا رسول الله أن نحل بعمرة فحللنا، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و آله فلما فرغ من الخبر عن سفره قال له رسول الله صلى الله عليه و آله: انطلق فطف بالبيت و حل كما حل أصحابك قال: يا رسول الله إني أهللت كما أهللت فقال: ارجع فاحلل كما حل أصحابك قال: يا رسول الله إني قلت حين أحرمت: اللهم إني اهل بما أهل به نبيك و عبدك و رسولك محمد صلى الله عليه و آله، قال: فهل معك من هدي؟ قال: لا، فأشركه‏

رسول الله في هديه و ثبت على إحرامه مع رسول الله صلى الله عليه و آله حتى فرغا من الحج و نحر رسول الله صلى الله عليه و آله الهدي عنهما.

قال ابن إسحاق: و حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن دكانة قال: لما أقبل علي رضي الله عنه من اليمن لتلقى رسول الله صلى الله عليه و آله بمكة تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فاستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي رضي الله عنه، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فاذا عليهم الحلل قال: ويلك ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس، قال:ويلك انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه و آله قال: فانزع الحلل من الناس فردها في البز قال: و أظهر الجيش شكواه لما صنع بهم.

قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان ابن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب و كانت عند أبي سعيد الخدري عن أبي سعيد الخدري قال: اشتكى الناس عليا رضوان الله عليه فقام رسول الله فينا خطيبا فسمعته يقول:

أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يشكى، انتهى ما أردنا نقله عن السيرة لابن هشام.

فمما ذكرنا يظهر أن عرب يمن و قبائله الذين سكنوا كوفة بعد الفتح الاسلامي كانوا أهل بصيرة بالدين و أهل إخلاص لأهل بيت النبي و أمير المؤمنين عليه السلام، و من هذه الجهة لما جمع طلحة و الزبير الجموع في بصرة بغيا على حكومة علي عليه السلام خرج علي إليهم من مدينة بما لا يبلغ ألف نفس من كبار أصحاب النبي اعتمادا على نصرة أهل كوفة فاستنصر منهم فنصروه، فانهزم أصحاب الجمل و أكثر المهاجرين في الكوفة من قبائل يمن‏

موقعية مصر في الحكومة الاسلامية

مصر من البلاد العريقة في المدنية منذ آلاف من القرون، و قد كشف الباحثون‏ فيها آثار المدنية إلى ما يزيد عن عشرات من القرون، و برع فيها جمع من الفلاسفة الأول قد استمد يونان في عصره الذهبي من تعليمات شائعة فيها، ثم عقب ذلك بحكومة البطالسة فيها فأسسوا فيها دور الحكمة و ألفوا كتبا قيمة بقي منها نحو مجسطي، فكانت مصر متهيئة لبيان دقائق النظم الاجتماعية و القضائية و العسكرية أكثر من سائر البلاد.

و هذا هو السبب في تطويل هذا العهد و تعرضه لكافة شئون الحياة المادية و المعنوية، فان الاسلام حاو لكل ما يحتاج إليه بنو الانسان من النظم و القوانين لتربية الروح و المادة، و هذا أحد معاني الشريعة الكاملة الناسخة لما قبلها من الشرائع و الباقية إلى آخر الدهر.

و لكن العرب في الحجاز و سائر أقطار الجزيرة كانوا في سذاجة من العيش و بساطة من الفهم لا يستطيعون تحمل دقائق القوانين و تفاصيل النظم مما يتعلق بشتى أنواع المعاش من الزراعة و التجارة و القضاوة و غير ذلك، لعدم الانس بها في حياتهم و عدم ممارسة شئونها.

فدعاهم الاسلام في بادى‏ء الأمر على أبسط تعاليمها في العقيدة و الأخلاق، و أزكى شئون الانسانية من الاعتقاد بالصانع و عبادته و ملازمة الامور الخيرية من البر بالوالدين و صلة الأرحام و ترك الفحشاء و الكذب و غير ذلك، و لما نشر الاسلام إلى بلاد فارس وجد قوما عريقا في المدنية و أليفا بالنظم الاجتماعية ففسح أمامه مجالا لبسط تعاليمه الجذرية.

كما أنه إذا نشر الاسلام في مصر وجد أمامه قوم من الأقباط و بقايا الفلاسفة و البطالسة ما رسوا الحياة المدنية أكثر و أدق و لما وقعت في حوزة حكومة علي عليه السلام قام فيها بتعاليم هامة و عامة منها صدور هذا العهد، و إن كان علي عليه السلام يتفرس بعدم توفيق مالك نفسه لإجرائه.

و قد نفصله على خمسة عشر فصلا يمتاز بعضها عن بعض بما تضمنها من الشئون المختلفة و الاداب الممتازة في كل شأن من الشئون.

الفصل الاول‏

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه، حين ولاه مصر: جباية خراجها، و جهاد عدوها، و استصلاح أهلها، و عمارة بلادها. أمره بتقوى الله، و إيثار طاعته، و اتباع ما أمر به في كتابه:

من فرائضه و سننه، التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، و لا يشقى إلا مع جحودها و إضاعتها، و أن ينصر الله سبحانه بقلبه و يده و لسانه، فإنه- جل اسمه- قد تكفل بنصر من نصره، و إعزاز من أعزه. و أمره أن يكسر نفسه عند الشهوات، و ينزعها [يزعها] عند الجمحات فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله. ثم اعلم، يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور، و أن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، و يقولون فيك ما كنت‏

تقول فيهم، و إنما يستدل على الصالحين بما يجرى الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح فاملك هواك، و شح بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت.

اللغة

(الجباية): جبا الخراج: جمعه، (يزعها): يكفها، (جمح الفرس):

تغلب على راكبه و ذهب به لا ينثني- المنجد-.

الاعراب‏

حين ولاه مصر: ظرف اضيف إلى جملة فعلية متعلق بقوله: عهده.

المعنى‏

قد عقد لمالك‏ ولاية عامة على كل امور مصر و جمعها في أربع:

1- الامور المالية و الاقتصادية التي تتركز في ذلك العصر في جمع‏ الخراج‏ فان‏ مصر من الأراضي المفتوحة عنوة انتقل أراضيها العامرة إلى المسلمين فقرروا فيها الخراج‏.

2- في الامور العسكرية فأثبت له القيادة العامة على القوى المسلحة و الجامع لها جهاد الأعداء.

3- الامور الاجتماعية و النظم الحقوقية الراجعة إلى كل فرد فعبر عنها بقوله: (و استصلاح أهلها).

4- عمران‏ البلاد بالزراعة و الغرس و سائر ما يثمر للناس في معاشهم.

ثم ابتدء بما يلزم عليه في نفسه من التأديب و الحزم ليقدر على إجراء أمره‏ عليه السلام‏ و حصرها في امور:

1- تقوى الله و إيثار طاعته‏.

2- اتباع ما أمر الله فى كتابه من الفرائض و السنن‏.

3- نصرة الله‏ بالقلب و اليد و اللسان.

قال الشارح المعتزلي: نصرة الله باليد: الجهاد بالسيف، و بالقلب الاعتقاد للحق، و باللسان: قول الحق.

أقول: لا ينحصر نصرة الله باليد على الجهاد بالسيف فانها تحقق في كل أعمال الجوارح المرضية لله تعالى، و منها الجهاد بالسيف إذا حان وقته و حضر شرطه.

ثم وصاه بحفظ نفسه‏ عن التغلب عليه في اموره و أمر بكسر شهواته و ميوله نحو اللذائذ المادية و حذره منها أشد الحذر.

ثم خاطبه باسمه فقال: (ثم اعلم يا مالك اني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور) فقد أثبت عليه السلام لمصر في تاريخها الماضي‏ دول‏ و حكومات و وصفها بانها عدل و جور، فلا بد من الفحص عن هذه الدول و الفحص عن ماهى عادلة أو جائرة.

فهل المقصود من هذه الدول هي العمال الاسلاميين بعد فتح‏ مصر، و هل يصح التعبير عنهم بأنها دول عدل و لو باعتبار شمول السلطة الإسلامية من أواخر خلافة أبي بكر إلى أيام عمر و عثمان فالدول الجارية دولة عمر و عثمان مثلا، أو حكومة عمرو بن عاص فاتح مصر و من وليه من امثال ابن أبي السرح، و هل توصف واحدة منها بأنها عادلة؟ أو المراد من الدول الجارية المتتالية في مصر الدول قبل الإسلام في قرون كثيرة و أشكال شتى فلا بد من بيان إجمالى لهذه الدول، و هل يمكن تعرف دولة عادلة فيها أم لا.

فنقول: نتوجه إلى دول مصر في ضوء القرآن الكريم فانه قد تعرض لشرح بعض دولها إجمالا فيما يأتي.

1- دولة مصر المعاصر ليوسف النبي صلوات الله عليه المعبر عنها بدولة عزيز مصر.

ففي سورة يوسف الاية 30 «و قال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتاها

عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين‏».

و الظاهر أن عزيز مصر هو حاكمها و رئيسها في هذا العصر المعبر عنه بفرعون و قد قيل: إن عزيز مصر غير فرعون مصر بل هو رئيس جندها أو أحد أركان دولتها و لكن سياق الايات الواردة يأباها، فانظر إلى آية 42 في بيان رؤيا الملك:

«و قال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف و سبع سنبلات خضر و أخر يابسات‏- إلى آية- 50- و قال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فسئله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم‏- 51- قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه و إنه لمن الصادقين‏- إلى آية- 54- و قال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين‏».

فسياق هذه الايات يشهد بوضوح أن زوج زليخا و عزيز مصر رجل واحد و هو حاكم مطلق على امور مصر و ليس فوقه أحد، و يستفاد من نص الايات الأخيرة من سورة يوسف أن عزيز مصر لما اطلع على مقام يوسف و طهارته و عصمته و نبوته تنزل عن عرش مصر و فوض إليه امور مصر كافة فصار يوسف عزيز مصر، كما في آية 78 «يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين‏- إلى آية 88- قالوا يا أيها العزيز مسنا و أهلنا الضر و جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل و تصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين‏».

فعزيز مصر و هو زوج زليخا و إن لم يتنزل عن العرش رسما بحيث تتحول الحكومة من بيت إلى بيت لكنه آمن بيوسف و انقاد له و فوض إليه اموره، كما يستفاد من الاية 24- المؤمن- عن قول مؤمن آل فرعون موسى «و لقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا».

و هذا الذي ذكرناه و إن كان مخالفا لما اثبته التوراة في تاريخ يوسف‏ و تبعها التواريخ و لكن الالتزام بتحريف التوراة و التاريخ ليس بعيدا عن الصواب بعد ظهور القرآن المستند إلى الوحى، و بهذه الجهة قال الله تعالى في آية 102:

«ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك‏» و يتعارض القرآن مع التوراة في موارد شتى من قصة يوسف أشرنا إليها في تفسيرنا لسورة يوسف «كانون عفت قرآن» من أراد الاطلاع فليرجع إليه.

فعلى ضوء هذا التفسير كان دولة عزيز مصر في زمن يوسف عليه السلام دولة عادلة و دولة فرعون مصر المعاصر لموسى بن عمران دولة جائرة من كل النواحي منكرا لله تعالى و لعبادته و مناديا على رءوس الأشهاد «أنا ربكم الأعلى‏» و ظالما لبني إسرائيل إلى حيث يذبح أبنائهم و يستحيى نسائهم و يجر عليهم بلاء عظيما ليستأصلهم عن شافتهم حتى صارت من الأمثال السائرة العالمية في الجور و الظلم و العدوان.

هذا بالنظر إلى مجمل التاريخ المنعكس في الكتب السماوية.و قد انتهت حكومة مصر قبل الإسلام إلى بطالسة يونان فأثروا في بسط الفلسفة اليونانية فيها و أسسوا دورا لتعليم الفلسفة و مكتبة عامة بقيت إلى عصر الفتح الإسلامي و كان حاكم مصر و واليها في ذلك العصر مقوقس الذي كتب إليه رسول الله صلى الله عليه و آله كتابا يدعوه إلى قبول الإسلام مع الكتب التي بعثها إلى غير واحد من رؤساء و ملوك ذلك العصر، ففي سيرة ابن هشام «ص 392 ج 2 ط مصر».

قال ابن هشام: حدثني من أثق به عن أبي بكر الهذلي قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و آله خرج على أصحابه ذات يوم بعد عمرته التي صدعنها يوم الحديبية فقال: أيها الناس إن الله قد بعثني رحمة و كافة فلا تختلفوا على كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم، فقال أصحابه: و كيف اختلف الحواريون يا رسول الله؟ فقال:

دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضي و سلم، و أما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وجهه و تثاقل و شكا ذلك عيسى إلى الله، فأصبح المتثاقلون و كل واحد منهم يتكلم بلغة الامة التي بعث إليها، و بعث رسول الله صلى الله عليه و آله رسلا من أصحابه و كتب معهم كتابا إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام، فبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم، و بعث عبد الله بن حذافة السهمى إلى كسرى ملك فارس، و بعث عمرو بن امية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة، و بعث حاطب ابن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الاسكندرية- إلخ.

و مقوقس هذا رجل يوناني يحكم على مصر عقب ملوك بطالسة و كان تحت حماية ملوك الروم البيزانطية في ذلك العصر، فلما جاءه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إليه الكتاب لقيه ببشر و احترام و رده إلى رسول الله صلى الله عليه و آله مصحوبا بهدايا منها المارية القبطية التي قبلها رسول الله صلى الله عليه و آله بقبول حسن و سريها و اتخذها لفراشه و أولدها فولدت له إبراهيم ابن النبي و نالت حظوة عند رسول الله صلى الله عليه و آله.

و قد دخل مصر في حوزة الإسلام سنة العشرين من الهجرة و أقدم على فتحها عمرو بن العاص بعد ما استتب للمسلمين فتح سورية و تسلطوا عليها و فر هرقل ملك الروم الشرقية إلى قسطنطينية.

فلما سافر عمر إلى الشام للنظر في أمر معاوية و ما بلغه من سرفه لقيه عمرو بن العاص في قرية يقال لها: جابية قرب دمشق و أخلى به و عرض عليه زحفه إلى مصر بجيش من المسلمين معللا بأن فتح مصر يضاعف شوكة الإسلام، فمنعه عمر معللا بخوفه من جموع الروم الساكنين في مصر للدفاع عنها على حيش الإسلام، فأقام عمرو بن العاص في دمشق حتى استقر سلطة الإسلام على جميع بلاد الشام و رجع بعد فتح النوبة إلى فلسطين بأمر من عمر، و يهمه فتح مصر دائما حتى تهيأ جيشا و قصد مصر من دون تحصيل رخصة من عمر، و بلغ خبره إلى عمر فلم يرتضه و كتب إليه: «من عمر بن الخطاب إلى العاصي بن العاصي أما بعد فانك سرت إلى مصر و من معك و بها جموع الروم، و إنما معك نفر يسير و لعمري لو ثكلت امك و ما سرت بهم فإن لم يكن بلغت مصر فارجع بهم».

و أمر عقبة بن عامر الجهني بايصال هذا الكتاب إلى عمرو بن عاص معجلا فأسرع لإيصال المكتوب حتى أدركه في رفح، و هي مرحلة في طريق مصر منها إلى عسقلان يومان، فلما رآه عمرو بن العاص تفرس أنه قاصد من عمر ليرجع‏ فماطل في أخذ كتابه حتى بلغ عريش و كانت هي بلدة من مصر في ساحل بحر الروم و نهاية أرض الشام، فطلب عقبة و أخذ منه كتاب عمر و قرأه على الناس و قال: هذا العريش الذي نحن فيه من أى البلاد؟ قالوا: من بلاد مصر، فقال:لا ينبغي لنا أن نرجع لأن الخليفة شرط لرجوعنا عدم دخول مصر، فرحل في تخوم مصر حتى بلغ جيل [الحلال‏].

و وصل الخبر إلى مقوقس ملك مصر، فأرسل قائدا له يسمى مذقور الأعيرج بجيش لدفع المسلمين و تلاقى الفريقان في أرض فرما، و اشتد الحرب بينهما و قتل من الفريقين جمع كثير فهزم جمع الروم و تقدم عمرو بن العاص إلى قواصر و رحل إلى أم دنين و نزل فيها بقرب القاهرة، و هي بلدة في جنب فسطاط بينهما سور، و هي كانت دار الملك لمصر كما أنها عاصمة مصر في هذا العصر، ثم رجع أعيرج إلى الحرب مع عمرو بن عاص فتلاقيا في أم دنين و قتل خلق كثير من الجانبين و دامت الحرب مدة شهر كامل و لم يتيسر فتح مصر، و كتب عمرو بن عاص إلى عمر و استمد منه، فأرسل عمر أربعة من أبطال المسلمين و هم زبير بن العوام و المقداد ابن الأسود و عبادة بن صامت و مسلمة بن المخلد في اثنى عشر ألفا لمددهم فأسرعوا في السير و لحقوا بعمرو بن العاص فقوى جيش الإسلام و وهن أمر أعيرج و تحصن في قصر له و حوله خندق يتخلله معابر إلى القصر ملاها بقطعات حادة من الحديد لا يقدر العبور عليها الراكب و الراجل، و جهد المسلمون في فتح الحصن، و بلغ الخبر إلى مقوقس، فزحف بجيوش لحرب المسلمين و دام الحرب سبعة أشهر.

فقال الزبير: اضحى بنفسي في سبيل الله عسى أن يفتح هذا الحصن للمسلمين فصنع عدة مراقي و نصبها على الحصن فقال: إذا سمعتم تكبيري من فوق السور فارفعوا أصواتكم جميعا معي بالتكبير، فصعد الحصن بجمع من رجاله و هبط و فتح الباب فعرض مقوقس على المسلمين الصلح لما رأى من جهودهم في فتح الحصن و شرط لهم دينارين من الذهب كل سنة عن كل شخص في مصر، فطلبوا هذا الجزية من الروم الساكنين في أرض مصر و عرض على هرقل فلم يرض بذلك، و أمر مقوقس بالحرب‏ مع المسلمين و لكن مقوقس لم ينكث عهده و لحق القبط بالمسلمين، و لما استقر المسلمون في مصر صلحا أو عنوة على قول بعضهم و فتحوا الاسكندرية و دخلها عمرو ابن العاص فتن بها و أراد الإقامة فيها كمركز لجيوش الإسلام، فاستجاز من عمر في ضمن مكتوب أفصح فيه عن فتوحاته فأجابه بما يلي:لا تجعلوا بيني و بينكم ماء حتى إذا ما أردت أركب اليكم راحلتي حتى أقدم عليكم قدمت.

فلما قرأ مكتوب عمر رحل من اسكندرية إلى الفسطاط فسكنها و جعلها معسكر المسلمين فتنازع الجيش في مسكنهم حول فسطاط فأمر عمرو أربعة من امراء الجيش فخطوا لهم و عينوا حدود مساكنهم، و قد اشترك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله في حرب مصر أربعة عشر من المهاجرين يرأسهم زبير بن العوام، و ستة عشر من الأنصار يرأسهم عبادة بن صامت الأنصاري.

و لما ثم فتح مصر صار عمرو بن عاص واليا عليها و هو أول من صار واليا على مصر من المسلمين و هو قرشي من سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لوي، و كان يسافر إلى مصر تاجرا في أيام الجاهلية، و فتح مصر أيام عمر يوم الجمعة غرة محرم سنة العشرين من الهجرة، و بقى فيها واليا أربع سنين و شهورا، زار عمر خلالها مرتين.

كان في إسكندرية مصر رجل يسمى يحيى النحوي من أساقفة إسكندرية فهداه الله إلى الإسلام فكبر على الأساقفة فاجتمعوا حوله و ناظروه فأجابهم و دام على إسلامه، فلما فتح عمرو بن العاص المصر دخل عليه فاستقبله باكرام لما سمع من فضله و مجاوبته للنصارى في إثبات حقانية الإسلام و اتخذه نديما له يكتسب من فضله و حكمته.

فقال يوما لعمرو: قد حزت ما في الإسكندرية من الأموال و الخزائن و لا كلام لأحد معك في ذلك لكن هنا شي‏ء لا يفيدكم و نحتاج إليه فاعف عنه و دعه لنا، فقال عمرو: ما هو؟ قال: كتب الحكمة التي جمعها ملوك إسكندرية طيلة قرون خاصة يوناطيس الذي يدعوه أهل أروپا فيلاد لفس و كان محبا للحكمة، فأمر رجلا يسمى زهيرة بجمع الكتب و نصبه ضابطا لمكتبته، فاشترى الكتب من التجار بأثمان غالية حتى اجتمع في مكتبته أكثر من أربعة و خمسين ألف كتابا، و قلده ملوك البطالسة في جمع الكتب إلى ما خرج عن الاحصاء.

فعجب عمرو بن العاص من كلامه، و قال: لا بد من أن أكتب ذلك لعمر بن الخطاب و آخذ منه الجواب فكتب إليه، فأجابه: إن كان ما في هذه الكتب ما يوافق كتاب الله لا حاجة لنا بها و إن كان مخالفا له لا نرتضيها فأعدمها و امح أثرها فقسمها عمرو على حمامات إسكندرية ليصرفوها فيها بدلا من الوقود فأوقدوها خلال ستة أشهر حتى أفنوها.

و قد استنكر بعض المورخين الجدد من أهل مصر صدور الأمر من عمر باحراق كتب مكتبة إسكندرية لما صدر في الإسلام من الأمر بالفحص و البحث عن الحقائق و تحصيل العلم و لو بالصين.

أقول: و قد عرفت مما ذكرنا من ملخص تاريخ فتح مصر بيد المسلمين أنه لم يحكم في مصر إلى أيام أمير المؤمنين عليه السلام و إلى حين صدور هذا العهد التاريخي للأشتر النخعي إلا عمرو بن العاص و عبد الله بن سرح بن أبي سرح الذي ولاه عثمان على مصر بعد عزل فاتحه عمرو بن العاص فثار عليه الرومان، فاستعان عثمان بعمرو فسار إلى مصر و أخمد ثورة الرومان و أخرجهم من مصر و لكن لم يرض عثمان بعزل عبد الله فاشتركا في إدارة امور مصر و تنازعا و رجح عثمان عبد الله بن سرح عليه فرجع إلى المدينة ناقما على عثمان معينا لأعدائه و محرضا للقيام عليه حتى قتل و هما واليان على مصر.

و لا يصدق على حكومتهما باعتبار أنهما عاملان للخليفة لفظ الدولة و لا يمتازان بالعدل و الجور بل كلاهما من نسيج واحد و من أهل النفاق و من أعداء أهل البيت و المخالفين لولاية أمير المؤمنين عليه السلام و من الحكام الجائرين فان عمرو ابن العاص توجه في مصر إلى جمع المال و الادخاد حتى بلغ ثروته إلى حيث‏ ظهر للملأ اغتصابه لأموال المسلمين و أخذه من بيت المال فوق حقه و سهمه حتى بلغ خبره إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه معاتبا له:

أما بعد، فقد ظهر لي من مالك ما لم يكن في رزقك و لا كان لك مال قبل أن أستعملك، فأنى لك هذا؟ فوالله لو لم يهمني في ذات الله إلا من اختان في مال الله لكثر همي و انتثر أمري، و لقد كان عندي من المهاجرين الأولين من هو خير منك و لكني قلدتك رجاء غنائك فاكتب إلى من أين لك هذا المال؟ و عجل.

فأجابه عمرو بن العاص:

أما بعد، فقد فهمت كتاب أمير المؤمنين فأما ما ظهر لي من مال فإنا قدمنا بلادا رخيصة الأسعار و كثيرة الغزو، فجعلنا ما أصابنا في الفضول التي اتصل بأمير المؤمنين نباها و الله لو كانت خيانتك حلالا ما خنتك و قد ائتمنتنى فان لنا أحسابا إذا رجعنا إليها أغنتنا عن خيانتك، و ذكرت أن عندك من المهاجرين الأولين من هو خير مني فإذا كان ذاك فوالله ما دققت لك يا أمير المؤمنين بابا و لا فتحت لك قفلا.

فلما وصل جوابه إلى عمر كتب إليه ثانيا:

أما بعد فإني لست من تسطيرك الكتاب و تثقيفك الكلام في شي‏ء، و لكنكم معشر الامراء قعدتم على عيون الأموال و لن تقدموا عذرا، و إنما تأكلون النار و تتعجلون العار، و قد وجهت إليك محمد بن مسلمة فسلم إليه شطر مالك.

فأعطى الكتاب محمد بن مسلمة و بعثه إلى مصر، فلما وصل إلى مصر و حضر عند عمرو بن العاص أحضر له طعاما، فقال محمد: لو دعوتني إلى الضيافة و أحضرت لي طعاما لأكلته و لكن هذا الطعام مقدمة للشر فنحه عنى و احضر شطر مالك، و لا مناص لعمرو بن العاص من إطاعة أمر عمر، فأمر باحضار شطر من ماله من المواشي و الذهب و الفضة و أثاث الدار و غيرها، فلما نظر إليها رأى خزانة جزيلة فقال تأسفا:

لعن الله زمانا صرت فيه عاملا لعمر، و الله لقد رأيت عمر و أباه على كل واحد منهم عبائة قطوانية لا تجاوز ما يض ركبتيه و على عنقه حزمة[1] حطب و العاص بن وائل في مزردات الديباج.

و كان محمد بن مسلمة من شجعان الأنصار و المخلصين لحكومة عمر فاختاره من عمال غضبه و يبعثه إلى كبار الرجال لإجراء أوامره الرهيبة الشاقة فهو الذي أجرى أمره في تشطير أموال خالد بن الوليد في الشام و عزله من إمارة جيش الإسلام و تأديبه في محضر الأنام.

و هو الذي أجرى أمر عمر في سعد بن وقاص باحراق قصره الذي بناه في الكوفة و نصب فيه بابين من أبواب قصر مدائن.

و هو الذي فتك بكعب بن أشرف و قتله في عصر النبي صلى الله عليه و آله كما قال ابن هشام في سيرته.

فنقول: إن الدول التي وقع في صدر هذا العهد و وصفها عليه السلام بأن فيها عادل و جائر لا يصح أن تكون حكومة عمرو عاص و خلفه على مصر لأنها ليست دولة إلا بتكلف و لا يطلق عليها دول بلفظ الجمع مع أنهما جائران لاتباعهما عمر و عثمان و حالهما معلومة مع أنهما عريقان في النفاق و عداوة أهل البيت و خصوصا الثاني منهما.

فلا بد أن يكون المقصود من هذه الدول الحاكمة على مصر قبل الإسلام مما بقيت آثارها و أخبارها و عرفها خلق مصر و لو بالنقل عن الأسلاف أو بسبب ثبت أخبارها في كتب التاريخ، فوجه عليه السلام مالكا إلى هذا التاريخ العميق العريق في القدم و ملأ عهده هذا من القوانين السائدة في مصر القديمة و من بعض سير ملوكها العدول.

و لا ينافي توصيف بعض دول مصر بالعدالة مع كونهم و ثنيين، لأن عدالة الدولة بالنسبة إلى رعاياها و حفظ النظم و الحقوق لا يرتبط بمذهبها، و يمكن أن يعد ذلك من كراماته عليه السلام و إحاطته بالعلوم و الأخبار.

ثم نبهه عليه السلام إلى أن سيرة الحاكم و الوالي بمالها من التعلق إلى عموم‏ الناس‏ تنعكس في التاريخ و تلهج بها الألسن و كما أنك تقضي في أعمال الولاة قبلك يقضي عليك من يقوم مقامك، بعدك و دليل الصلحاء ما يجرى على لسان العباد باذن الله فلا تتوجه إلى ادخاد الأموال كما هو عادة طلاب الدنيا المفتونين بها بل‏ ليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح‏، و العمل الصالح‏ للوالي و عامله ما يوجب راحة رعيته و اجراء العدل فيما بينهم، و لذا أمر بمنع الهوى عن التأثير في أعماله و منع‏ النفس عما لا يحل له‏.

الترجمة

بنام خداوند بخشنده مهربان.

اين فرمان بنده خدا أمير مؤمنانست بمالك بن حارث الأشتر كه بايد آنرا در عهده خود بشناسد، و اين فرمان هنگامى شرف صدور يافته كه او را والى بر كشور مصر نموده تا خراج آن را بگيرد و با دشمن آن بجنگد و ملت آنرا اصلاح كند و بلاد آنرا آباد نمايد.

1- تقوا از خدا را شعار خود كند و طاعتش را غنيمت شمارد و از آنچه در كتابش از فرائض و سنن دستور داده پيروى نمايد، زيرا هيچكس بسعادت نرسيده مگر با پيروى از آنها، و كسى بدبخت نگردد مگر بانكار و ترك عمل بدانها.

2- خداوند سبحان را با دست و دل و زبان يارى كند، زيرا خداى جل اسمه ضامن يارى و عزت كسانيست كه او را يارى كنند و عزيز شمارند.

3- خود را از شهوترانى و سركشى نفس بازدارد، زيرا نفس بطبع خود بدخواه است مگر خدا رحم كند.

اى مالك من تو را بكشورى فرستادم كه پيش از تو دولتهاى عادل و ظالمى بخود ديده، مردم بهمان چشم تو را بينند كه تو واليان پيش از خود را بينى، و در باره تو همان را مى ‏گويند كه در باره آنها مي گوئى، خداوند مردمان نيك و شايسته را بزبان بندگان خود معرفى مي كند، بايد محبوبترين ذخيره در نظر تو پس انداز كردن عمل صالح باشد، هواى نفس خود را داشته باش و نسبت بخود از آنچه بر تو حلال نيست دريغ كن، زيرا دريغ كردن بخويشتن رعايت انصاف با او است در آنچه دوست دارى يا بد دارى.

الفصل الثاني من عهده عليه السلام للاشتر النخعي‏

و أشعر قلبك الرحمة للرعية، و المحبة لهم، و اللطف بهم، و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، و إما نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، و تعرض لهم العلل، و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطاء، فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه و صفحه، فإنك فوقهم، و والى الأمر عليك فوقك، و الله فوق من ولاك، و قد استكفاك أمرهم، و ابتلاك بهم، و لا تنصبن نفسك لحرب الله، فإنه لا يدي لك بنقمته، و لا غنى بك عن عفوه و رحمته، و لا تندمن على عفو، و لا تبجحن بعقوبة، و لا تسرعن إلى بادرة وجدت منها مندوحة، و لا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع، فإن ذلك إدغال في القلب، و منهكة للدين، و تقرب من الغير، و إذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك و قدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك‏ يطامن إليك من طماحك، و يكف عنك من غربك، و يفى‏ء إليك بما عزب عنك من عقلك.

إياك و مساماة الله في عظمته، و التشبه به في جبروته، فإن الله يذل كل جبار، و يهين كل مختال. أنصف الله و أنصف الناس من نفسك و من خاصة أهلك و من لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، و من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، و من خاصمه الله أدحض حجته، و كان لله حربا حتى ينزع و يتوب، و ليس شي‏ء أدعى إلى تغيير نعمة الله و تعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله يسمع دعوة المضطهدين، و هو للظالمين بالمرصاد. و ليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، و أعمها في العدل و أجمعها لرضى الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، و إن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة، و ليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مئونة في الرخاء و أقل معونة له في البلاء، و أكره للإنصاف، و أسال بالإلحاف، و أقل شكرا عند الإعطاء و أبطأ عذرا عند المنع، و أضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة، و إنما عماد الدين و جماع المسلمين و العدة للأعداء العامة من الأمة، فليكن صغوك لهم، و ميلك معهم.

و ليكن أبعد رعيتك منك، و أشنؤهم عندك أطلبهم لمعايب الناس، فإن في الناس عيوبا، الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر [منها] لك، و الله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت، يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك، أطلق عن الناس عقدة كل حقد، و اقطع عنك سبب كل وتر، و تغاب عن كل ما لا يصح لك، و لا تعجلن إلى تصديق ساع، فإن الساعى غاش و إن تشبه بالناصحين. و لا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل، و يعدك الفقر، و لا جبانا يضعفك عن الأمور، و لا حريصا يزين لك الشره بالجور، فإن البخل و الجبن و الحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله.

إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، و من شركهم في الاثام فلا يكونن لك بطانة، فإنهم أعوان الأثمة،و إخوان الظلمة، و أنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم و نفاذهم، و ليس عليه مثل آصارهم و أوزارهم ممن لم يعاون ظالما على ظلمه و لا آثما على إثمه، أولئك أخف عليك مئونة، و أحسن لك معونة، و أحنى عليك عطفا، و أقل لغيرك إلفا، فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك و حفلاتك، ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك، و أقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه، واقعا ذلك من هواك حيث وقع، و الصق بأهل الورع و الصدق ثم رضهم على أن لا يطروك، و لا يبجحوك بباطل لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو، و تدني من العزة. و لا يكونن المحسن و المسي‏ء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيدا لأهل الاحسان في الإحسان، و تدريبا لأهل الإساءة على الإساءة و ألزم كلا منهم ما ألزم نفسه.

و اعلم أنه ليس شي‏ء بأدعى إلى حسن ظن و [ال [راع‏]] برعيته من إحسانه إليهم، و تخفيفه المئونات عليهم، و ترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فإن حسن‏ الظن يقطع عنك نصبا طويلا، و إن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، و إن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده. و لا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، و اجتمعت بها الألفة، و صلحت عليها الرعية، و لا تحدثن سنة تضر بشي‏ء من ماضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها، و الوزر عليك بما نقضت منها. و أكثر مدارسة العلماء، و منافثة [مناقشة] الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، و إقامة ما استقام به الناس قبلك.

اللغة

(الضارى): المعتاد للصيد، الجرى‏ء عليه، (الصفح): الإعراض عن الذنب و غفرانه، (البجح) بسكون الجيم: الفرح و السرور، (البادرة): الحدة، (المندوحة): السعة في الأمر و عدم الضيق و الاضطرار، (الإدغال): إدخال الفساد في الأمر، (المنهكة): الضعف، (الابهة) و (المخيلة): الكبر، (يطامن):

يسكن، (طماح) النفس: جماحها عن المشتهيات، طمح البصر: ارتفع، (عزب) الفرس حدته و أول جريه، (المساماة): مفاعلة من السمو، (الجبروت):عظيم الكبر، (أدحض حجته): أبطلها، (ينزع): يرجع، (اجحف) به: ذهب به، (الالحاف). شدة السؤال و الاصرار فيه، (ملمات الدهر): ما يلم و ينزل من خطوبه و بلاياه، (جماع المسلمين): جمعهم و عامتهم (الصغو): الميل،(أشنأهم): أبغضهم، (الوتر): الحقد، (التغابي): التجاهل و التغافل، (بطانة) الرجل: خاصته الملاصقون به، (الاصار) جمع إصر: الاثام، (حفلاتك):

جلساتك في المجالس و المحافل، (الاطراء): المبالغة في المدح و الثناء، (الزهو):الكبر، (التدريب): التعويد، (المناقشة): المحادثة و البحث.

الاعراب‏

تغتنم أكلهم: جملة حالية عن اسم لا تكونن، مثل الذي تحب، صفة موصوف محذوف أى عفوا و صفحا مثل الذي تحب، و والى الأمر مبتدأ و فوقك ظرف مستقر خبر له و الجملة حالية، لا يدي، نافية للجنس و يدي مبنى على علامة النصب و هو الياء و حذف النون على التوسع و التشبيه بالمضاف.

إياك و مساماة الله، منصوب على التحذير، تغاب: أمر من تغابى يتغابى تغابيا للأشرار قبلك، قبلك ظرف مستقر حال عن الأشرار.

المعنى‏

قد تعرض عليه السلام هذا في الفصل من‏ عهده‏ للأشتر لبيان روابطه مع رعيته و المسوسين له من العامة و الخاصة في ثلاثة مراحل:

الاولى: رابطته باعتبار أنه وال على الناس و بيده القدرة و الأمر و النهى مع كل أحد، و بينها في امور:

1- أن يكون ملؤ قلبه‏ المحبة و اللطف و الرحمة لكافة الرعية.

2- عدم سوء الاستفادة عن قدرته‏ عليهم‏ فيصير ذئبا وقع على غنم يأكلهم لأن رعاياه، إما إخوانه‏ في الدين‏ ككافة المسلمين، و إما إخوانه‏ في‏ الإنسانية كالذمي و المعاهد.

3- الصفح عن خطاياهم و العفو عن ذنوبهم لنقصان التربية، و نبهه على ان نسبتهم إليه كنسبته إلى‏ الوالي الامر عليه و فوقه أيضا هو الله‏، فينبغي‏ الصفح‏ عنهم، كما أنه يرجو الصفح عنه من‏ الوالي الامر و فوقه من‏ الله‏ القادر، و بين أن تعذيب عباد الله بمنزلة الحرب‏ مع‏ الله‏ الذي لا قدرة تجاه عقوبته، و لا غنى عن عفوه و رحمته‏.

4- عدم الندامة على عفو المجرم مهما كان.

5- عدم السرور و الانشراح لعقوبة المجرم إذا اقتضاها الضرورة.

6- ملازمة الحلم و الاجتناب عن‏ بادرة الغضب.

7- لا تفسد قلبك بحديث الرياسة و السلطة.

8- و إذا أحدث السلطان فيه أبهة و طغيانا فلينظر إلى عظم ملك الله‏ حتى يخضع قلبه و يدرك عجز نفسه و يكف عن جريه في سبيل الأمارة، و يجد عقله الزائل في سكر الرياسة.

9- حذره عن اغتراره باحتفاف الناس حوله و انقيادهم له فتطغى نفسه كفرعون و يبارز الله في عظمته و جبروته‏، فانه يذله‏ الله‏ و يهينه كفرعون و يأخذه بنكال الاخرة و الالى و يصير عبرة لمن يخشى.

10- أمره برعاية الانصاف مع‏ الله‏ و خلقه، سواء بالنسبة إلى نفسه أو أهله أو من يهواه من رعيته، فلا يهضم حق الله و حق أحد من عباده لرعاية هؤلاء فانه‏ ظلم‏ و الله خصم للظالم، و من خاصمه الله أدحض حجته و كان لله حربا حتى يتوب و الظلم يوجب تغيير النعم و سلب الأمارة و الحكم.

11- أمره برعاية ما هو الأفضل‏ في‏ أداء الحق‏ و ما هو أعم لجميع‏ الرعية في‏ اجراء العدل‏ و ما هو أجمع لرضا الرعية في تمشية الامور و إن كان يوجب‏ سخط الخاصة من أرباب النفوذ و أصحاب المقامات السامية، و علل ذلك بأن غضب عامة الرعية و عدم رضاهم عن وضعهم يوجب الثورة و البلوى و لا يقدر الخاصة مهما كانوا مخلصين للحكومة و جادين في نصرته المقاومة تجاه سيول الثائرين و أهل البلوى كما حدث في زمان عثمان حيث إن سوء سياسته و عدم تأديته الحقوق العمومية صار سببا لنقمة عامة الجيش الإسلامي، فانحازوا من مصر و كوفة و اجتمعوا في المدينة و حصروا عثمان و لم يقدر خاصته كمروان بن حكم و سائر رجال بني امية مع كمال نفوذهم و دهائهم أن يصدوا سيل الثائرين و المهاجمين حتى قتل عثمان في داره و القي بجسده إلى البقيع و تبعه ما تبعه من الحوادث الهامة، و لكن إذا كان العموم راضيا و موافقا مع‏ الوالي‏ فسخط بعض الخواص لا يؤثر شيئا، لأن الفرد و الأفراد القليلين لا يقدرون على مقاومة الوالي إذا لا تساعدهم العموم.

ثم وصف‏ الخاصة الملاصقة بالوالي مع كمال أدبهم و تواضعهم بما يلي:

الف- هم‏ أثقل‏ الناس‏ على الوالي‏ من جهة المئونة و ما يتوقعون من معاش اشرافي يصاحب الخدم و الحشم و الغلمان و المماليك، كما كان‏ في‏ حال‏ الرخاء و العافية.

ب- هم‏ أقل‏ الناس‏ معونة عند حلول‏ البلاء و ضيق الحال.

ج- هم‏ أكره‏ الناس للعدل و الانصاف لأن وضعهم يقتضي التجاوز و التعدى بحقوق غيرهم.

د- هم أصر الناس على السؤال و تقديم التقاضا لحوائجهم حقا كانت أم باطلة.

ه- هم‏ أقل‏ الناس‏ شكرا للعطايا و أبطأ لقبول الاعتذار عند المنع‏.

و- هم‏ أضعف صبرا في النوائب و تجاه الحوادث فيفرون عن صف الجهاد عند شدة البأس، ثم وصف‏ العامة من‏ الناس بما يلى:

هم‏ عماد الدين‏ و حفاظه، و يتشكل منهم جامعة المسلمين‏ و السواد الأعظم و هم‏ العدة في الدفاع عن‏ الأعداء.

12- ثم وصف أهل النمامة و طلاب عيوب‏ الناس‏ و أمره بابعادة و شنئانه و نبه أن من مصلحة الوالي الستر على عيوب‏ الناس‏ و عدم التفتيش عنها حق لا يوجب نفورهم عنه و خوفهم منه.

13- أمره بقطع كل ما يوجب‏ حقد الناس‏ و تمكن البغضاء في صدورهم.

14- التجاهل عن امور لا يصح‏ للوالي الدخول فيها من أحوال‏ الناس‏ الخصوصية مما لا يصح‏ و يظهر له.

15- التوقف في‏ تصديق‏ من يسعى لديه عن غيره حتى يتفحص و يتحقق و وصف‏ الساعي‏ بأنه‏ غاش‏ في صورة ناصح.

16- النهى عن‏ المشورة مع‏ البخيل‏.

17- النهى عن‏ المشورة مع‏ الجبان‏.

18- النهى عن‏ المشورة مع‏ الحريص‏.

و قد أشار إلى أن‏ المشورة مع هؤلاء لا تهتدي إلى رأي صالح مصيب باعتبار ما ركز في طبع هؤلاء من مساوى الأخلاق التي تؤثر في رأيهم و تكدره، فالبخيل‏ يمنع عن الإيثار و البذل لكل أحد كما أن‏ الجبان‏ لا يرى الحرب و الجهاد مع الأعداء مصلحة في حال من الأحوال، لأن جبنه يدعوه إلى حفظ النفس و الإخفاء عن العدو كما أن‏ الحريص‏ الجامع للدنيا يدعو إلى‏ الشره‏.ثم نبه إلى أن هذه الذمائم ترجع إلى مبدء واحد و هو سوء الظن بالله‏ تعالى و قلة معرفته.

و اعلم أن‏ الوزير هو المعاون و الظهير كما قال الله تعالى حكاية عن موسى ابن عمران «رب اشرح لي صدري و يسر لي أمري و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي و اجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به‏ 25- 28 سورة طه» و قد خصص هذا العنوان بمن يعاون الرؤساء و الملوك حتى يتبادر من لفظ وزير فلان أنه سلطان، و والي‏ مصر باعتبار سعة ميدان نفوذه يساوي ملكا من الملوك و قد كان لكل فرعون من فراعنة مصر و كل ملك من ملوكه و كل وال من ولاته الاسلاميين وزراء و معاونون و هم أهيأ الناس للالتصاق بالوالي الجديد و كسب الجاه عنده و إشغال مقام الوزارة لديه و تقديم الهدايا و تحسين الثناء و بذل العون له بما لهم من التجربة و الاطلاع على مجارى الامور، و قلما يقدر وال جديد أو ملك جديد من التخلص عن أمثال هؤلاء، و لكنه صلوات الله عليه بين حال تلك العصابة المتمرنة على الظلم فقال: إذا كان‏ الوزير وزيرا للوالي الشرير فقد شركه في الاثام‏ و المظالم و لا يجوز الاعتماد عليه و اتخاذه‏ بطانة في امور الحكومة فانهم أعوان الأثمة و إخوان الظلمة.

ثم هداه إلى رجال آخرين يفضلون على أمثال هؤلاء من وجوه:

1- لهم مثل آرائهم و نفاذهم‏ في الامور مبرؤون من‏ الاصار و الأوزار لعدم المعاونة على الظلم‏ و الاثم فيكون‏ آرائهم‏ أصقل‏ و نفاذهم‏ أكثر.

2- اولئك أخف مئونة لانهم أهل صلاح و سداد و لم يعتادوا الاسراف في المعيشة و ادخار الأموال.

3- معونتهم للوالي أكثر من الوزراء السابقين لعدم اعتيادهم بالمسامحة في الامور.

4- لم يغير صفاء قلوبهم المطامع و المكائد فكان حبهم للوالي خالصا و عطفهم عليه عن صميم القلب.

5- لم يألفوا مع اناس آخرين هم أتباع و أعوان الأشرار الماضين فالفتهم مع غير الوالي‏ قليل.

ثم أمره بالانتخاب من‏ اولئك‏ الوزراء الصالحين فقال عليه السلام:

(ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك) على خلاف عادة الولاة الظلمة الطالبين لمن يؤيدهم على أهوائهم الباطلة، و قد ذكر الشارح المعتزلي هنا قصة لطيفة كما يلي:اتى الوليد بن عبد الملك برجل من الخوارج، فقال له: ما تقول في الحجاج؟

قال: و ما عسيت أن أقول فيه، هل هو إلا خطيئة من خطاياك، و شرر من نارك، فلعنك الله و لعن الحجاج معك و أقبل يشتمهما، فالتفت الوليد إلى عمر بن عبد العزيز فقال: ما تقول في هذا؟ قال: ما أقول فيه هذا رجل يشتمكم، فإما أن تشتموه كما شتمكم، و إما أن تعفوا عنه، فغضب الوليد و قال لعمر: ما أظنك إلا خارجيا، فقال عمر: و ما أظنك إلا مجنونا، و قام فخرج مغضبا، و لحقه خالدابن الريان صاحب شرطة الوليد، فقال له: ما دعاك إلى ما كلمت به أمير المؤمنين؟ لقد ضربت بيدي إلى قائم سيفي أنتظر متى يأمرني بضرب عنقك، قال:

أو كنت فاعلا لو أمرك؟ قال: نعم، فلما استخلف عمر جاء خالد بن الريان فوقف على رأسه متقلدا سيفه، فنظر إليه و قال: يا خالد ضع سيفك، فانك مطيعنا في كل أمر نأمرك به، و كان بين يديه كاتب كان للوليد، فقال له: ضع أنت قلمك فانك كنت تضر به و تنفع، اللهم إني قد وضعتهما فلا ترفعهما، قال: فوالله ما زالا وضيعين مهينين حتى ماتا.

أقول: عمر بن عبد العزيز لما تصدى للخلافة يعلم أن مظالم بني أمية شاعت في الأقطار الاسلامية و تلاطمت فكاد عرش الخلافة يسقط فدبر أحسن تدبير لتعليل تلك المظالم و قطع أيادى المولعين بها بكل وجه ممكن، و من أهم ما نفذه إسقاط سب أهل البيت من الخطب و رد فدك إلى بني فاطمة كما ذكرناه في مقامه و لم يأل جهدا في إصلاح الاجتماع و لكن لم يتركوه على سرير الخلافة إلا مما يقرب ثلاث سنين.

ثم أمره عليه السلام بالتقرب‏ بأهل الورع و الصدق‏ و تركهم على حالهم حرا لئلا ينحرفوا عن طريق‏ الورع و الصدق‏ فيطروه بالثناء و يمدحوه بما لا يستحق فان الإطراء يفسدهم و يؤثر في‏ الوالي‏ فيكسبه زهوا و غرورا فيفسد هو أيضا.

ثم أمره برعاية العدالة و الحق بينهم و ليس معناه أن ينظر إلى جميعهم بنظرة واحدة و يكون‏ المحسن و المسى‏ء سواء فانه يوجب‏ تزهيد أهل الاحسان في الاحسان و تدريب أهل الإسائة بالإسائة.

ثم نبهه على أن ألزم ما يكون يتوجه إليه‏ الوالى‏ جلب‏ حسن ظن الرعية و جلب عطفه و أدعى شي‏ء إلى ذلك أمران:

1- الاحسان‏ بالرعايا ببذل ما يحتاجون من المئونة و الحوائج.

2- تخفيف‏ ما يطلب منهم من الخراج و المئونات و ترك استكراههم على ما ليس‏ في عهدتهم لجلب‏ حسن‏ ظنهم و اعتمادهم على‏ الوالي فحسن الظن‏ بالوالي إذا عم الرعايا يسهل الأمر عليه في إرادتهم و لا يحتاج إلى بث العيون و المحافظين‏ عليهم‏، و حسن الظن‏ لا بد و أن يكون أثر التجربة و الامتحان.

ثم وصاه برعاية السنن الصالحة التي‏ عمل بها صدور الامة الاسلامية و شاعت بين المسلمين و ألفوا بها فلا يصح نقض‏ هذه السنن‏ و تبديلها بالبدع أو تركها رأسا و المقصود منها السنن‏ الحسنة التي عمل بها المسلمون اقتداء بالنبي صلى الله عليه و آله أو عملوها في مشهد من النبي فأقرهم عليها فصارت من‏ السنن‏ الاسلامية الثابتة.

الترجمة

1- دلت را نسبت برعيت پر از مهر و محبت و لطف كن، نسبت به آنها چون درنده آزار كننده‏اى مباش كه خوردن آنان را غنيمت شمارى، زيرا از دو كس بيرون نيستند يا برادر دينى تو هستند يا همنوع تو محسوبند و در معرض لغزش و خطا قرار دارند و از روى عمد و يا خطا گاهى تجاوز مى ‏كنند، باندازه‏اى در باره آنها گذشت و عفو منظوردار كه خود از خداوند توقع گذشت و عفو گناه خود را دارى، تو بالادست آنهائى و والى تو بالا دست تواست و خداوند بالا دست كسى است كه تو را والى كرده و كار آنها را بتو وانهاده و بوسيله آنها تو را در معرض امتحان قرار داده است.

2- هرگز بجنگ و ستيز با خدا بر مخيز زيرا تاب انتقام او را ندارى و از عفو و رحمتش بى ‏نياز نيستى.

3- هرگز از عفو خلافكار پشيمان مباش.

4- هرگز بر شكنجه و عقوبت مبال.

5- تا راه گريز دارى بتندى و تحكم مشتاب، مگو من فرماندهم و فرمانم اجراء مى ‏شود، زيرا اين خود فساد در دل و سستى در دين پديد مى ‏كند و دگرگونى و آشوب ببار مى ‏آورد.

6- چون از ملاحظه حكومت و مقاومت تكبر و سرافرازى بتو دست داد.نگاهى بملك بزرگ خدا كن كه بالا دست تو است و توجه كن كه خداوند بر تو قدرت دارد و تو در برابر او بر خود هم قدرت ندارى زيرا اين توجه سركشى ترافرونشاند و تندى ترا باز دارد و عقلي كه بر اثر خود بينى از سرت بدر رفته به تو باز گردد.

7- مبادا با خداوند در بزرگى و جبروت سر همسرى و همانندى داشته باشى زيرا خداوند هر جبارى را خوار و هر بالنده ‏اى را زبون مى ‏كند.

8- نسبت بخداوند و مردم از طرف خودت و خاندانت و دوستانت انصاف و عدالت را مراعات كن، اگر نكنى ستم ورزيده‏اى (و هر كس ببندگان خدا ستم كند خدا از طرف بندگانش خصم اوست و چون خدا با كسى خصومت كند دليلش را باطل نمايد و با او بجنگد تا برگردد و توبه كند)، هيچ چيز از ادامه ستمكارى مؤثرتر در زوال نعمت خداوند و تعجيل انتقام او نيست، زيرا خدا نفرين ستمكشان را خوب مى ‏شنود و در كمين ستمكاران است.

9- كارهائى را بيشتر دوست دار كه با حقيقت ‏تر و عادلانه‏ تر و رضايت عمومى رعايا را بهتر جلب مى‏ كند، زيرا خشم ملت رضايت مخصوصان دولت را پايمال مى ‏كند ولى خشم مخصوصان دولت با وجود رضايت عمومى ملت جبران و در گذشت مى ‏شود، مخصوصان و اطرافيان والى در هنگام صلح و آسايش هزينه بسيار سنگينى بر او تحميل مى‏ كنند و در هنگام گرفتارى كمتر باو كمك مى ‏دهند، از عدالت بيشتر بدشان مى ‏آيد و پرروتر در خواست عطا و مقام مى ‏كنند، چون به آنها چيزى داده شود كمتر شكر مى ‏كنند و اگر دريغ شود ديرتر عذر مى ‏پذيرند، و در پيشامدهاى ناگوار روزگار ناشكيباترند.همانا ستون ديانت و جامعه مسلمانان و ذخيره دفن دشمنان توده عمومى ملت باشند، بايد گوشت بسخن آنها و دلت با آنها باشد.

10- هر كس از رعايا نسبت بمردم عيب جوتر است او را از خود دور كن و دشمن‏تر بدار، زيرا طبعا در مردم عيبهائى هست كه بايست والي بيشتر از ديگران آنها را بپوشد، در مقام مباش كه عيب آنها را بدانى زيرا هر چه را بدانى بايد آنرا اصلاح كنى ولى آنچه از تو پنهانست خدا در باره آن حكم مى‏ كند تا، مى ‏توانى بديها را بپوش تا خدا عيب ترا از رعيت بپوشد.

11- با مردم بهيچ وجه كينه توزى مكن و خونى از آنها بر عهده مگير و از آنچه بر تو روشن نيست تغافل بورز.

12- در تصديق را پورتچيان سخن چين شتاب مكن، زيرا آنان در لباس خير خواه آب بشير مى‏ كنند.

13- چند طايفه را هم شور خود مكن.

الف- بخيل، زيرا تو را از فضل و احسان منصرف مى ‏كند و از تهى دستى بيم مى ‏دهد.

ب- ترسو، زيرا تو را در هر كارى بسستى و ضعف مى ‏كشاند.

ج- حريص و آزمند، زيرا دست اندازى بر خلاف حق را در نظر تو نمايش مى ‏دهد، بحل و ترس و حرص چند خصلت بدند كه ريشه همه آنها بد گمانى بخدا است.

14- بدترين وزيران تو كسانى ‏اند كه وزير واليان بدكار پيش از تو بوده ‏اند و با آنها در گناهان همكارى كرده ‏اند، مبادا اينان طرفداران و مخصوصان تو باشند زيرا كه يار گنهكاران و برادر ستمگرانند، تو مى‏ توانى بجاى آنها بهتر از آنها را بيابي، كسانى كه نظريات و نفوذ آنها را دارند ولى وزر و وبال آنها را ندارند و با ستمكاران و گنهكاران همكارى نكرده ‏اند، اين مردان پاكدامن هزينه كمترى بر تو تحميل مى ‏كنند و نسبت بتو مهربانترند و با بيگانه‏ ها كم الفت ترند، آنها را مخصوصان جلسه‏ هاى سرى و انجمنهاى علنى خود قرار ده سپس بر گزيده ‏تر آنها پيش تو كسى باشد كه حق را بى ‏پرده برابر تو بگويد و در مخالف خواست حق براى دوستانش ترا كمتر مساعدت كند چه دلخواه تو باشد چه نباشد.

15- به پاكدامنان و راستگويان بپيوند و آنها را چنان بار آور و بپرور كه تملق ترا نگويند و بكارهائى كه نكرده ‏اى بيهوده ستايش و خوشامد ترا نگويند، زيرا مدح خود پسندى آورد و بغرور كشاند.

16- مردمان درست و خوشرفتار و نادرست و بدكار را بيك چشم منگر و برابر مدان، زيرا در اين صورت مردان درست و خوشرفتار بخدمت كردن و درستى بى‏ رغبت مى‏ شوند و مردان بدكار و نادرست ببد كردارى تشويق و وادار مى‏ گردند، هر يك از اين دو را بپاداش كارشان كه خود براى خود خواسته‏ اند برسان.

17- بايد رعيت را بخود خوشبين و اميدوار كنى و بهترين راهش اينست كه به آنها احسان كنى و بار هزينه و مخارج آنها را تا مى ‏توانى سبك كنى و آنها را به چيزى كه در عهده آنها نيست بزور وادار نكنى، در اين زمينه طبعا تو هم برعيت خوشبين خواهى شد و خوشبينى تو به آنها رنج و اندوه فراوان و دنباله دارى را از دوشت بر مى‏ دارد.

18- نسبت بهر كس پيش تو آزمايش خوب داده بايد خوشبين باشى و هر كس آزمايش بد داده باو بدبين باش.

19- روش نيكى كه پيشروان و رهبران نخست اين امت بكار زده ‏اند و با آن توده را بهم پيوسته ‏اند و كار رعيت را اصلاح كرده‏ اند نقض مكن و روش تازه و بدى كه باين دستورات نيك گذشته لطمه مى‏زند پديد مياور تا آنانكه روشهاى نيك را گذاشته اجر برند و تو و بال نقض آنرا بگردن بگيرى.

20- در باره دستورات اصلاحى كشور و اداره كارهاى مردم كه پيش از تو بوده است با دانشمندان مطلع بسيار گفتگو كن و با فرزانگان خير خواه بسيار انجمن نما.

الفصل الثالث من عهده عليه السلام‏

و اعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، و لا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله، و منها كتاب العامة و الخاصة و منها قضاة العدل، و منها عمال الإنصاف و الرفق، و منها أهل الجزية و الخراج من أهل الذمة و مسلمة الناس، و منها التجار و أهل‏ الصناعات، و منها الطبقة السفلى من ذوى الحاجة و المسكنة، و كل قد سمى الله له سهمه، و وضع على حده فريضته في كتابه أو سنة نبيه- صلى الله عليه و آله- عهدا منه عندنا محفوظا. فالجنود بإذن الله حصون الرعية، و زين الولاة، و عز الدين و سبل الأمن، و ليس تقوم الرعية إلا بهم، ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوهم، و يعتمدون عليه فيما يصلحهم و يكون من وراء حاجتهم، ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة و العمال و الكتاب لما يحكمون من المعاقد، و يجمعون من المنافع، و يؤتمنون عليه من خواص الأمور و عوامها، و لا قوام لهم جميعا إلا بالتجار و ذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم، و يقيمونه من أسواقهم، و يكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم، ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة و المسكنة الذين يحق رفدهم و معونتهم، و في الله لكل سعة، و لكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه. و ليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله تعالى من ذلك إلا بالاهتمام و الاستعانة بالله، و توطين نفسه على لزوم الحق و الصبر

عليه فيما خف عليه أو ثقل.

اللغة

(الرعية): الماشية الراعية، الماشية المرعية، (الطبقة): المرتبة و من ذلك قولهم: الطبقة الاجتماعية و طبقة العمال و نحوها، (الجند): جمع أجناد و جنود و الواحد جندي: العسكر، (الكاتب) ج: كتاب: العالم و من عمله الكتابة- المنجد.

(الجزية): الخراج المعروف المجعول على رأس الذمي يأخذه الامام في كل عام، قال تعالى: «حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون» قيل: سميت بذلك لأنها قضاية منهم لما عليهم، و قيل: لأنها يجتزى بها و يكتفى بها منهم (الحصن):

واحد الحصون: و هو المكان المرتفع لا يقدر عليه لارتفاعه و منه: الفقهاء حصون الاسلام كحصن سور المدينة- مجمع البحرين.

(المعاقد) جمع معقد: و هو العقد و القرار في المعاملات و يطلق على الأوراق المتضمنة للمعاهدات.

الاعراب‏

لا يصلح بعضها إلا ببعض، جملة فعلية صفة لقوله طبقات، لا غنى ببعضها لاء المشبهة بليس و غنى اسمها، منها جنود الله جملة اسمية قدم خبرها لكونه ظرفا، و هكذا ما عطف عليها من سائر الجمل، أو سنة نبيه عطف على قوله فريضة عهدا منه منصوب على التميز الرافع للابهام عن النسبة من قوله: قد سمى الله سهمه و يحتمل أن يكون حالا، لا قوام للجنود: لاء نافية للجنس و الخبر محذوف أى لا قوام متحقق للجنود، ما لا يبلغه: لفظة ما اسمية: أى شيئا لا يبلغه، و في الله لكل سعة: سعة مبتدأ مؤخر، و في الله ظرف مستقر خبر له و لكل جار و مجرور متعلق بقوله سعة.

المعنى‏

قد تعرض عليه السلام في هذا الفصل من عهده المبارك لبيان‏ طبقات الناس‏

و الرعية و أثبت للرعية طبقات‏ سبعة و ليس المقصود من ذلك إثبات نظام‏ الطبقات‏ و تأييده فان نظام‏ الطبقات‏ مخالف‏ للعدل‏ و الديمقراطية الحاكمة بتساوى‏ الرعية في الحقوق.

فالبشر في تحوله الاجتماعي شرع من النظام القبلية و الاسرة المبني على أن الحكم المطلق ثابت لرئيس القبيلة و أبى الاسرة يحكم على الأفراد بما شاء يعز من شاء و يذل من شاء، فلا حياة للفرد إلا في ضمن القبيلة و يشترك معها في الخيرات و الشرور على ما يراه صاحب الاسرة و رئيس القبيلة، و هذا أدنى نظام اجتماعي وصل إليه البشر في تكامله الاجتماعي و انتقاله من الغاب إلى الصحراء، و قد ظل البشر في هذا النظام آلافا من السنين يسكن في ظل بيوت من الشعر أو الجلد و ينتقل من كور إلى كور، و قد أشار الله تعالى إلى هذا الدور في قوله:

و الله جعل لكم من بيوتكم سكنا و جعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم و يوم إقامتكم و من أصوافها و أوبارها و أشعارها أثاثا و متاعا إلى حين‏- النحل الاية 80».

و قد تحولت امم من هذا النظام إلى نظام مدنى أرقى قبل آلاف من السنين فقد ذكر بعضهم اكتشاف آثار المدنية في مصر من قبل خمسة عشر ألف عام و في الصين إلى ما قبل ذلك بالاف من القرون، ثم ازدهرت المدنية في بين النهرين و ضواحى ايران و فارس و ظل قبائل اروبا و إفريقا برابرة يعيشون تحت الخيام إلى هذه العصور الأخيرة إلا ما ظهرت من المدنية في يونان و بعض ضواحى البحر الأبيض و جزرها.

فنظام الطبقات يحصل للامم بعد التحول من النظام القبلي و مرجعه إلى اعتبار الامتيازات بين الأفراد و الأصناف و يبتنى على التبعيض في الحقوق العامة، كما شاع الان في ايفريقيا الجنوبية حيث إن الجنس الأبيض و هم الاسرة الحاكمة في البلاد يمتازون عن السودان و هم أكثر سكان البلاد الأصليين بحقوق واسعة، فنظام‏ الطبقات‏

يخالف التساوي و التاخي بين الأفراد و التساوي في الحقوق كما نادى به الإسلام في القرآن الشريف حيث يقول: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير- 13- الحجرات» و قد تعلق العرب على النظام الطبقاتي و اعتبار الامتياز من وجوه شتى: منها عدم تزويج بناتهم مع غير العرب و عدم تزويج القبائل بعضها مع بعض باعتبار علو شأنه، و قد اهتم النبي صلى الله عليه و آله بمحو النظام الطبقاتي و إلقاء هذه الامتيازات المتوهمة بكل جهده.

و مقصوده عليه السلام من قوله‏ (و اعلم أن للرعية طبقات) ليس اثبات‏ الطبقات‏ بهذا المعنى بل بيان اختلاف‏ الرعية في ما تتصديه من شئون الحياة البشرية حيث إن الانسان مدني بالطبع يحتاج إلى حوائج كثيرة في معاشه من المأكل و الملبس و المسكن و لا يقدر فرد واحد بل أفراد على إدارة كل هذه الامور فلا بد و أن ينقسم‏ الرعية بحسب مشاغله إلى‏ طبقات‏ و يتصدى كل طبقة شأنا من الشئون و شغلا من المشاغل، ثم يتبادل حاصل أعماله بعضهم مع بعض حتى يتم أمر معيشتهم و يكمل حوائج حياتهم و جعل‏ الرعية سبع‏ طبقات‏:

1- الجنود المحافظون للحدود و الثغور و المدافعون عن هجوم‏ الأعداء.

2- كتاب العامة المتصدون لكتابة العقود و المعاهدات و الحقوق و غيرها من المراسلات.

3- قضاة العدل‏ و رؤساء المحاكم المتصدون للترافع بين‏ الناس‏ و النظر في الدعاوى و اثبات الحق عن غيره بحسب الموازين القضائية المقررة.

4- عمال‏ الامور الحسبية المحافظون على‏ الانصاف و الرفق‏ بين‏ الناس‏ و هم الذين يجرون الأحكام القضائية و ينفذونها و يتعلق هذه الوظيفة في هذه العصور بادارة الشرطة العامة و ما يتبعها من المخافر.

5- أهل الجزية و الخراج من أهل الذمة و مسلمة الناس‏، قال ابن ميثم و قوله‏ من أهل الذمة و مسلمة الناس‏ تفصيل‏ للأهل‏ الأول، فأهل الذمة تفسير لأهل الجزية و مسلمة الناس‏ تفسير لأهل الخراج‏، و يجوز أن يكون‏

تفسيرا لأهل الجزية و الخراج‏ لأن للامام أن يقبل أرض‏ الخراج‏ من سائر المسلمين و أهل الذمة.

أقول: لا إشكال في اختصاص‏ أهل الجزية بالذميين، و أما أهل الخراج‏ أيضا كان أكثرهم في صدر الإسلام ذميا لأن المسلمين مشتغلون بامور الدين و تجهيز الجيوش و لا فرصة لهم في الاشتغال بزرع الأرض و حرسها فكل أرض يملكها المسلمون يكون في أيدى‏ أهل الذمة يعملون فيها و يؤدون خراجها، و لكن ظهر في‏ أهل الخراج‏ من المسلمين و زادوا تدريجا بوجهين:

الف- أن كثيرا من‏ أهل الذمة التابعين للإسلام أسلموا فيما بعد لما ظهر لهم من دلائل صدق الاسلام و حسن سلوكه.

ب- أنه بعد ما شاع الاسلام في كثير من المعمورة و انتشر في البلدان النائية العامرة كمصر و الشام فقد تصدى جمع من المسلمين لأمر الزراعة و الحرث و صاروا من‏ أهل الخراج‏.

6- التجار و أهل الصناعات‏ و الحرف الكثيرة التي عليها مدار حياة البشر و ادارة شتى شئونها من التجارة و البناية و العمارة و غيرها.

7- الطبقة السفلى من ذوى الحاجة و المسكنة، و التعبير عن هذه الطبقة بالسفلى‏ باعتبار أنها لا تقدم عملا نافعا في الاجتماع تتبادل به مع أعمال‏ الطبقات‏ الاخر فلا بد و أن تعيش من عمل‏ الطبقات‏ الاخر.

و قد بين عليه السلام في نظم‏ طبقات الرعية أنه لا محل للعاطل و من لا يعمل عملا يفيد الاجتماع في المجتمع الحي البشري، فما ترى بين الامة من جماعات لا يتصدون لهذه المشاغل و يعيشون ربما أرغد عيش بين‏ الرعية فهم كاللصوص و المغيرين.

فمنهم أرباب رءوس المال الذين يتحصلون الأرباح من رأس مالهم و يعاملون بالربا، و قد قال الله تعالى‏ «و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله‏- 278- البقرة».و قد شاع هذه الطبقة في هذه العصور يسكنون القصور و يعيشون بالهناء و السرور من دون أن يعملوا عملا للاجتماع.

و منهم أرباب الحيل و المخاديع ممن يدعى السحر و النيرنجات و الرمل و أمثال ذلك فيتوجه إليهم البسطاء من الناس و يبذلون في سبيل دعاويهم الباطلة الغالي و الرخيص من أموالهم.

و منهم أصحاب التعاويذ و الدراويش و من حذا حذوهم ممن يحصلون أموال البسطاء و الغافلين بأنواع المكائد و الحيل.

و منهم من يسأل بكفه و يدور في الأسواق و الدور و يستغيث بالناس لتحصيل المعاش و الرزق بالتكدي.

و لو عد في مثل هذه العصور طبقات الناس‏ في بلد إسلامي يوجد فيها طبقات‏ كثيرة لا تدخل في هذه السبعة.

ثم بين عليه السلام الموقع الاجتماعي لكل من هذه‏ الطبقات‏ و احتياج بعضها إلى بعض في إدارة شئون الحياة و إدامتها فوصف‏ الجنود بأنهم:

1- حصون الرعية و وسيلة الأمن‏ و الراحة لهم بحيث لا حفاظ و لا دفاع تجاه الأعداء المهاجمين أو اللصوص السالبين إلا بوجودهم.

2- زينة و ابهة للولاة تجاه العدو الخارجي و المخالف الداخلي فلولا وجود الجند لا يمكن للوالي تمشية الامور و تدريبها.

3- الجنود الاسلامية الذين يقومون في ميادين‏ الجهاد بنصرة الحق عز للدين تجاه الأعداء الكافرين.

4- الجنود سبل‏ للأمن‏ من وجوه شتى فلا يجترى‏ء اللص أن يسلب أموال‏ الناس‏ خوفا من‏ الجنود و لا يجترى‏ء العدو أن يهاجم على المسلمين و يسلبهم أموالهم خوفا من‏ الجنود.

و لا بد لمعاش الجندي و سد حوائجه من وجوه كافية يصل إليه دوما و هو الخراج‏ الذي يتحصل من الأراضي الخراجية و قد يكون أجناسا صالحة للمعيشة كحصة من حنطة الأرض الخراجية، و قد يكون درهما و دينارا يصرف في رفع‏ الحوائج، فوجود الجند إنما يقوم‏ على‏ الخراج‏ المقرر له فانه لو لا هذا الخراج‏ يحتاج إلى التخلي عن شغله و السعى وراء طلب المعيشة فلا يبقى جنديا فان‏ الجنود لا بد و أن يكونوا معدين للجهاد و مقاومة العدو في كل حين و تحصيل‏ الخراج‏ و ايصاله إلى الجند يحتاج إلى‏ الصنف الثالث من القضاة و العمال و الكتاب‏، فان‏ الخراج‏ إنما يؤخذ على طبق معاهدة بين‏ عمال‏ الأرض و الوالي‏ فلا بد من تنظيم أسناد ثم لا بد من‏ عمال‏ يحصلون‏ الخراج‏ من‏ عمال‏ الأرض طبق‏ المعاقدة المرضية و ربما ينشأ هناك خلافات بين‏ عمال الوالي‏ و عمال‏ الأراضي أو بعضهم مع بعض فلا بد من الرجوع إلى القاضي في حل هذه الخلافات، و هذه الجامعة المركبة من القوة الدفاعية و الماليه و القضائية و الكتاب‏ لا يقدرون على المعيشة إلا مع ما يقضي حوائج المعيشة من اللباس و الغذاء و أنواع الأثاث و الرياش التي يحتاج وجودها إلى من يصنعها و يهيؤها و إلى من ينقلها من بلد إلى بلد، و هم‏ التجار و ذوى الصناعات‏ فأهل الصنعة بفنونها و شعوبها منتشرة في شرق الأرض و غربها و يتخصص أهل كل بلد بصنعة خاصة بهم و الواسطة في حمل هذه المصنوعات من بلد إلى بلد هم‏ التجار الذين يتعرفون وجود كل صنعة في أي بلد و يتحملون المشاق في نقلها إلى أسواق اخرى حيث يضعونها في منال أيدى الطالبين، فالتجار و ذووا الصنعة ركن في الاجتماع المدني‏ لما يجتمعون عليه من مرافقهم و يقيمونه من أسواقهم و يكفونه من الترفق بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم‏.

ثم‏ بعد ذلك لا يخلو الاجتماع مهما كان صحيحا و منظما و عادلا من وجود ذوى العاهات و العجزة و الأشياخ الذين لا يقدرون على العمل، فهذه‏ الطبقة كالقشر من الشجرة فكما أنه لا يمكن وجود شجرة سالمة مثمرة من دون قشر، لا يمكن وجود اجتماع خال من هذه‏ الطبقة السفلى‏، فمنهم من أدى خدمته أيام شبابه و دوران صحته ثم عرضه الهرم أو اعترضه السقم فتعذر له العمل، فلا بد من رعايته بتحمل مئونته، و منهم من حرم من القوة لعاهة عرضته فلا بد من حفظ حرمته و رعاية كرامته، و هم الذين يحق رفدهم و معونتهم و تهية وسائل معيشتهم و يسع‏ رحمة الله‏ كل هذه‏ الطبقات‏ السبعة و لكل‏ منهم‏ على الوالي حق‏ الرعاية و المحافظة بقدر ما يصلحه‏.

الترجمة

اى مالك، بدانكه ملت از طبقه‏ هاى چندى تشكيل مى ‏شود كه بايد هر كدام را با ديگرى اصلاح كرد و همه با هم پيوسته و مرتبط و بهم نيازمندند.

الف- جنود الله، آرتشى كه در راه خدا و براى خدا مى ‏جنگد.

ب- نويسندگان عامه و خاصه، دفترداران عمومي و منشيان مخصوص كه براى رجال و بزرگان نامه ‏هاى خصوصى والي و كارگزاران عاليرتبه او را تنظيم مى ‏نمايند.

ج- قاضيان و دادگران عادل، دادستان‏ها و قاضيان محاكم.

د- كارمندان إنصاف و رفق: تشكيلات كل شهربانى و شهردارى، اداره أمر بمعروف و نهى از منكر.

ه- أهل جزيه و خراج از كفار ذمي و مسلمانان، بدهكاران ماليات سري و ماليات زمينهائى كه خالصه دولت اسلامي است و متصرفين آن بايد سهم در آمد زمين را بدولت بپردازند.

و- بازرگانان و پيشه‏ وران و صنعتگران.

ز- بيچارگان و زبونان كه نيازمندند و دست طلب دراز دارند: مردمان بيچاره كه سرمايه‏اى و كار و شغلى ندارند و يا نمى‏توانند كار كنند و باز نشسته‏اند و براى قوت خود محتاجند.

خداوند در كتاب خود قرآن مجيد و سنت پيغمبرش براى هر كدام از اين طبقات بخشى از ثروت كه در كشور است نام برده و در خور استحقاقش قرار معينى نهاده، اين دستور بودجه و پخش آن بما سپرده است و نزد ما مصون و محفوظ است.

لشكريان باذن خدا پناه رعيت و زينت واليان و عزت دين و وسيله أمنيت راهها مى ‏باشند، رعيت بى‏وجود آنها بر سرپا نمى‏ماند و آنها بر سر پا نمى ‏مانند مگر بوسيله دريافت حقوق خود كه خدا از خراج و ماليات براى آنها معين كرده و بپشت گرمى آن در جنگ با دشمنان نيرومند مى ‏شوند و زندگى خود را اصلاح مى ‏نمايند و رفع نياز مى ‏كنند.

اين دو دسته لشكريان و خراج‏گزاران را دسته سومى بايد اداره كند كه عبارتند از قاضيان (دستگاه دادگسترى) و كارمندان دولت (استانداران و فرمانداران و بخشداران) و نويسندگان (متصديان امور دفترى) براى آنكه معاملات و معاهدات را منعقد مى‏كنند و عوائد را جمع آورى مى‏كنند و كارهاى كلى و جزئي به آنها سپرده است.

زندگى همه اينها اداره نمى ‏شود مگر بوسيله بازرگانان و صنعتگران كه وسائل زندگى را جمع آورى مى ‏كنند و بازار داد و ستد بوجود مى ‏آورند و با دست خود أبزارهاى زندگانى را جمع آورى مى ‏كنند و مى‏ سازند كه ديگران نمى ‏توانند بسازند، سپس آن دسته پائين و بيچاره اند كه نيازمند و مسكينند، كسانى كه بايد به آنها بخشش كرد و براى خدا بدانها كمك نمود، هر كدام آنها را نزد والى جائى است و بر او لازم است باندازه‏اى كه زندگى آنها اصلاح شود به آنها كمك دهد.

والى از عهده اين خدمتى كه خدا بر او لازم كرده بر نيايد مگر بكوشش و استعانت از خداوند و وادار كردن خود بر درستكارى و صبر بر آن سبك باشد بر او يا سنگين.

الفصل الرابع من عهده عليه السلام‏

فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله و لرسوله و لإمامك، و أنقاهم جيبا، و أفضلهم حلما، ممن يبطى‏ء عن الغضب، و يستريح إلى العذر، و يرأف بالضعفاء، و ينبو على الأقوياء، و ممن لا يثيره العنف، و لا يقعد به الضعف.

ثم الصق بذوي الأحساب، و أهل البيوتات الصالحة و السوابق الحسنة، ثم أهل النجدة و الشجاعة و السخاء و السماحة، فإنهم جماع من الكرم، و شعب من العرف، ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما، و لا يتفاقمن في نفسك شي‏ء قويتهم به، و لا تحقرن لطفا تعاهدتهم به و إن قل، فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك و حسن الظن بك، و لا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها، فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به، و للجسيم موقعا لا يستغنون عنه. و ليكن آثر رءوس جندك عندك من واساهم في معونته، و أفضل عليهم من جدته، بما يسعهم و يسع من ورائهم من خلوف أهليهم، حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو، فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك.

اللغة

(جنود) جمع جند و الواحد جندي: العسكر، (أنقاهم جيبا): أطهرهم في القلب و النفس و ألزمهم للتقوى، (بطؤ) يبطى‏ء: ضد أسرع، (رؤف) رأفة:

رحمه أشد رحمة فهو رؤوف، (نبا) ينبو: تجافى و تباعد، (أثاره) هيجه، (العنف):الشدة و القساوة، (قعد به): أعجزه، (النجدة): الرفعة، (السماحة): البذل، (جماع الشي‏ء): جمعه، يقال: الخمر جماع الاثم أى جامعة لكل أصنافه، (فقم)

فقما الأمر: عظم، تفاقم الأمر: عظم و لم يجر على استواء- المنجد، (الخلوف):المتخلفون جمع خلف بالفتح.

الاعراب‏

أنصحهم في نفسك: في نفسك متعلق بقوله أنصحهم، جيبا: تميز لقوله أنقاهم رافع للابهام عن النسبة و كذلك حلما منصوب على التميز، من قوله أفضلهم عن الغضب: متعلق بقوله يبطى‏ء و يفيد المجاوزة أى يبطى‏ء متجاوزا عن الغضب، على الأقوياء: يفيد الاستعلاء، لا يقعد به الضعف: الباء للتعدية، ثم الصق:

يفيد التراخي أى ول من جنودك في الدرجة الثانية من ذوى الأحساب، ثم أهل النجدة: تراخ ثان، جماع: خبر إن أى مجمع الكرامة و شعب من الأعمال الحسنة، لا يتفاقمن: نهي مؤكد، اتكالا: مفعول له لقوله لا تدع، لليسير من لطفك: ظرف مستقر خبر إن قدم على اسمها و هو مرفوع موضعا، ينتفعون به:

جملة فعلية صفة لقوله موضعا، آثر: أفعل التفضيل من الاثرة يعني أحبهم و أخصهم إليك، جدته: اسم مصدر من الوجدان مثل عدة من الوعد: أى مما تمكن منه.

ورائهم: ظرف مستقر صلة لقوله من، من خلوف: بيان لقوله من ورائهم.

المعنى‏

قد تعرض عليه السلام في هذا الفصل لبيان ما يلزم أن يتصف به الجندي من الأوصاف حتى يستحق لمقام الولاية على السائرين و هذا هو من أهم امور النظام العسكري و قد انشأ في هذه العصور معاهد و مدارس لتعليم النظام و تربية الضباط و الامراء في الجيوش و تتضمن هذه التعليمات تمرينات و تدريبات عسكرية شاقة في دورات متعددة ينتهي كل منها إلى امتحانات صعبة ربما قل الناجحون منها.

و لكن الاسلام يتوجه إلى روحية الجندي أكثر مما يتوجه إلى تدريبه العملي، فان الجندي إنما يواجه العدو و يدافع عنه بروحه و ايمانه و قوة عقيدته أكثر مما يعتمد على قوة جسمه و أعماله، فقد كان رسول الله صلى الله عليه و آله يجمع المسلمين في صفوف صلاة الجماعة يعلمهم آي القرآن و يبين لهم طريق عبادة الرحمن و يؤيد اعتقادهم بالله و رسوله بالتمرين و التدريب على الاصول التعليمية للاسلام و يتخرج من بينهم رجال كأكبر قواد الجيوش في العالم يبارزون الأبطال المدربين في كليات العسكرية الرومانية و الفارسية فيقهرونهم و يغلبون عليهم حتى اشتهروا في هذه العصور بالبطولة و الشجاعة يقع الخوف في قلوب الأعداء من ذكر أسمائهم، و قد افتخر النبي صلى الله عليه و آله بقوله: «و نصرت بالرعب مسيرة شهر».

و هذه البطولة الفائقة تعتمد على قوة الروح و الايمان في القواد الاسلاميين أكثر مما تعتمد على قوة الجسم و التدريبات العملية، و قد وصف عليه السلام من يستحق مقام الولاية على الجند و ينبغي أن يكون أميرا بسبعة أوصاف:

1- أن يكون‏ أنصح‏ و أطوع‏ لله و رسوله و للامام‏ المفترض الطاعة من سائر الافراد، فلا يألوا جهدا في تحصيل رضا الله و رسوله و رضا إمامه مهما كلفه من الجهد و المشقة، و قد قدم هذا الاخلاص و النصح لرسول الله صلى الله عليه و آله سعد بن معاذ رئيس الأوس في قضية بدر حين عرض صلى الله عليه و آله على الأنصار الزحف لمقاتلة قريش في بدر فجمع أصحابه و عرض عليهم ما أراده، قال ابن هشام في سيرته «ص 374 ج 1 ط مصر»:

ثم نزل و أتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس فأخبرهم عن قريش- إلى أن قال: ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك و الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى «اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون» و لكن اذهب انت و ربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد- موضع بعيد مخوف- لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله: خيرا و دعا له به.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه و آله: أشيروا علي أيها الناس و إنما يريد الأنصار و ذلك أنهم عدد الناس و أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا برءاء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع أبنائنا و نسائنا، فكان رسول الله صلى الله عليه و آله يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصره‏ إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه و أن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم.

فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله، قال له سعد بن معاذ: و الله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل قال: فقد آمنا بك، و صدقناك، و شهدنا أن ما جئت به هو الحق، و أعطيناك على ذلك عهودنا و مواثيقنا على السمع و الطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد و ما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله.

2- أن يكون أطهر أفراد الجيش قلبا و سريرة و تجنبا عن الفواحش و المنكرات.

3- أن يكون أثبتهم‏ حلما و تسلطا على‏ نفسه‏ تجاه ما يثير الغضب‏ حتى لا يسوقه جبروت امارته على ارتكاب الشدة بالنسبة إلى من وقعوا تحت امرته بارتكاب ما يخالف هواه كما هو مقتضى طبع الامراء و أصحاب القوة و بسط اليد و النفوذ.

4- كان ممن يقبل الاعتذار عمن ارتكب خلافا و يتصف بالعفو و الصفح عن المذنب.

5- حين ما يكون جنديا موصوفا بشدة الشكيمة تجاه الأعداء مهيبا عند السائرين لإنفاذ أوامره، يكون رقيق القلب‏ يرأف بالضعفاء، كما وصف الله المؤمنين بقوله عز من قائل «أشداء على الكفار رحماء بينهم‏ 29- الفتح».

6- كان مقاوما للأقوياء المعتادين لإعمال النفوذ في الدولة لإحراز منافعهم و مقاصدهم و تحميل مظالمهم على‏ الضعفاء.

7- كان حليما و صبورا تجاه الشدائد و مفكرا في حل ما ينوبه من العقد و العقائد فلا يؤثر فيه‏ العنف‏ و شدة النائبة و صعوبة الحادثة فيثيره‏ و يجذبه إلى ارتكاب ما لا يليق به أو يجد في نفسه ضعفا فيتكاسل‏ و يقعد عن العمل و تدبير الأمرو الخطب الذي به حل.

هذا، و إحراز هذه الصفات الكريمة في الأفراد يحتاج إلى درس كامل عن أحوالهم و إلى تجارب و امتحانات متتالية و متطاولة ربما لا يتيسر بالنسبة إلى ما يحتاج إليه من الأفراد فقرر عليه السلام‏ ضابطتين تكونان كالأمارة و الدليل على وجود هذه الصفات العالية النفسانية.

الاول ضابطة الاسرة و البيت‏

و هى فصيلة من القبيلة تبقى دورا طويلا بعد التحول من النظام القبلي إلى النظام الدولي فكانت العرب تظل في النظام القبلي منذ قرون كثيرة حتى جاء نظام الاسلام فحول العرب إلى نظام حكومي أعلى ليس الحاكم فيه إرادة رئيس القبيلة و مقرراتها بل الحاكم فيه قانون الاسلام و الدستورات النبوية، و لكن الملة بقيت تحت تربية الاسرة و البيت فهي التي تكفل تربية الفرد و تعليمه بلا واسطة أو بوسيلة المكاتب أو المعلمين المخصوصين، فذوى الأحساب و أهل البيوتات الصالحة و السوابق الحسنة هم المؤدبون و المربون تربية صحيحة.

فاذا تم النظام الحكومي في الشعب و أكمل فيه وسائل التربية و التثقيف بانشاء دور التعليمات الابتدائية و المتوسطة و العالية و تشمل جميع الأفراد كما في الدول الراقية و الشعوب المترقية فينفصل الفرد عن البيت و الاسرة و ينتقل إلى تربية النظام الحكومي فيطالب بالشهادات المدرسية في كل دور و يعتمد في تعهده لأي شغل و مقام إلى ما في يده من الشهادات المدرسية و الكليات و المعاهد العلمية و لا ينظر إلى بيته و اسرته و إلى أبيه و امه لأن جهوده الذي بذله في سبيل التحصيل المنعكس في شهاداته المدرسية و أوراق دور علمه يثبت جوهر شخصيته و ما يستحقه من الرتب و الدرجات في النظام و سائر الشئون.

و لكن الحكومة الاسلامية الفنية في عصره عليه السلام لم تبلغ إلى حد يتكفل تربية الأفراد، و كان الاعتماد في صلاحية الأفراد إلى البيت و الأسرة، فالانتساب إلى بيت صالح و اسرة معروفة يقوم مقام الشهادة الصادرة من كلية علمية أو معهد رسمى كما كانت حكومة الفرس في أدوارها الطويلة قائمة على نظام الأسرة و البيوتات في تربية الأفراد و تأديبهم و إن بلغت من السعة و النفوذ إلى ما يوجب العجب و التحسين، و قد بين تلك الحكمة الاجتماعية الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطوطاليس في ما أجاب به الإسكندر الفاتح الشهير ننقله من الشرح المعتزلي بعينه، قال:

رسالة الاسكندر الى أرسطو و رد أرسطو عليه‏

و ينبغي أن نذكر في هذا الموضع رسالة أرسطو إلى الإسكندر في معنى المحافظة على أهل البيوتات و ذوي الأحساب، و أن يخصهم بالرياسة و الامرة، و لا يعدل عنهم إلى العامة و السفلة، فان في ذلك تشييدا لكلام أمير المؤمنين عليه السلام و وصيته.

لما ملك الاسكندر ايران‏شهر و هو العراق مملكة الأكاسرة و قتل دارا بن دارا كتب إلى أرسطو و هو ببلاد يونان:

عليك أيها الحكيم منا السلام، أما بعد، فان الأفلاك الدائرة، و العلل السمائية و إن كانت أسعدتنا بالامور التي أصبح الناس بها دائبين، فانا جد واجدين لمس الاضطرار إلى حكمتك، غير جاحدين لفضلك و الاقرار بمنزلتك و الاستنامة[1] إلى مشورتك و الاقتداء برأيك، و الاعتماد لأمرك و نهيك لما بلونا من جدا ذلك علينا، و ذقنا من جنا منفعته، حتى صار ذلك بنجوعه فينا و ترسخه في أذهاننا و عقولنا كالغذاء لنا، فما ننفك نعول عليه و نستمد منه استمداد الجداول من البحور، و تعويل الفروع على الاصول، و قوة الأشكال بالأشكال، و قد كان مما سبق إلينا من النصر و الفلح، و اتيح لنا من الظفر، و بلغنا في العدو من النكاية و البطش ما يعجز العقول عن وصفه، و يقصر شكر المنعم عن موقع الانعام به، و كان من ذلك أنا جاوزنا أرض سورية و الجزيرة، إلى بابل و أرض فارس، فلما حللنا بعقوة أهلها- العقوة ما حول الدار- و ساحة بلادهم، لم يكن إلا ريثما تلقنا برأس ملكهم هدية إلينا، و طلبا للحظوة عندنا، فأمرنا بصلب من جاء به، و شهرته لسوء بلائه، و قلة ارعوائه و وفائه ثم أمرنا بجمع من كان هناك من أولاد ملوكهم و أحرارهم و ذوي الشرف منهم، فرأينا رجالا عظيمة أجسامهم و أحلامهم، حاضرة ألبابهم و أذهانهم، رائعة مناظرهم و مناطقهم، دليلا على أن ما يظهر من روائهم و منطقهم أن وراء من قوة أيديهم، و شدة نجدتهم و بأسهم ما لم يكن ليكون لنا سبيل إلى غلبتهم، و إعطائهم بأيديهم، لو لا أن القضاء أدالنا منهم، و أظفرنا بهم، و أظهرنا عليهم، و لم نر بعيدا من الرأى في أمرهم أن نستأصل شافتهم، و نجتث أصلهم، و نلحقهم بمن مضى من أسلافهم، لتكون القلوب بذلك إلى الأمن من جرائرهم و بوائقهم، فرأينا أن لا نعجل باسعاف بادى‏ء الرأى في قتلهم دون الاستظهار عليهم بمشورتك فيهم، فارفع إلينا رأيك، فيما استشرناك فيه بعد صحته عندك، و تقليبك إياه بجلي نظرك، و سلام على أهل السلام فليكن علينا و عليك.

فكتب اليه أرسطو

لملك الملوك و عظيم العظماء، الإسكندر المؤيد بالنصر على الأعداء، المهدي له الظفر بالملوك، من أصغر عبيده و أقل خوله، ارسطوطاليس البخوع بالسجود، و التذلل في السلام، و الإذعان في الطاعة.

أما بعد، فانه لا قوة بالمنطق و إن احتشد الناطق فيه، و اجتهد في تثقيف معانيه و تأليف حروفه و مبانيه على الاحاطة بأقل ما تناله القدرة من بسط علو الملك و سمو ارتفاعه عن كل قول، و إبرازه على كل وصف، و اغترافه بكل إطناب، و قد كان تقرر عندي من مقدمات إعلام فضل الملك في صهلة سبقه، و بروز شأوه، و يمن نقيبته مذأدت إلى حاسة بصري صورة شخصه، و اضطرب في حس سمعي صوت لفظه، و وقع و همي على تعقيب نجاح رأيه، أيام كنت أودي إليه من تكلف تعليمي إياه ما أصبحت قاضيا على نفسي بالحاجة إلى تعلمه منه، و مهما يكن مني إليه في ذلك، فانما هو عقل مردود إلى عقله، مستنبطة أو اليه و تواليه من علمه‏ و حكمته، و قد جلا إلى كتاب الملك و مخاطبته إياى و مسألته لي عما لا يتخالجني الشك في لقاح ذلك و إنتاجه من عنده، فعنه صدر و عليه ورد، و أنا فيما اشير إليه على الملك- و إن اجتهدت فيه و احتشدت له، و تجاوزت حد الوسع و الطاقة مني في استنطاقه و استقصائه- كالعدم مع الوجود، بل كما لا يتجزأ في جنب معظم الأشياء و لكني غير ممتنع من اجابة الملك إلى ما سأل، مع علمي و يقيني بعظم غناه عني و شدة فاقتى إليه، و أنا راد إلى الملك ما اكتسبته منه، و مشير عليه بما أخذته عنه، فقائل له:

إن لكل تربة لا محالة قسما من الفضائل، و إن لفارس قسمها من النجدة و القوة و إنك إن تقتل أشرافهم تخلف الوضعاء على أعقابهم، و تورث سفلتهم على منازل عليتهم، و تغلب أدنيائهم على مراتب ذوي أخطارهم، و لم يبتل الملوك قط ببلاء هو أعظم عليهم و أشد توهينا لسلطانهم من غلبة السفلة، و ذل الوجوه فاحذر الحذر كله من أن تمكن تلك الطبقة من الغلبة و الحركة، فإنه إن نجم بعد اليوم على جندك و أهل بلادك ناجم دهمهم منه مالا روية فيه و لا بقية معه، فانصرف عن هذا الرأي إلى غيره و اعمد إلى من قبلك من اولئك العظماء و الأحرار، فوزع بينهم مملكتهم، و ألزم اسم الملك كل من وليته منهم ناحيته و اعقد التاج على رأسه، و إن صغر ملكه، فإن المتسمى بالملك لازم لاسمه، و المعقود التاج على رأسه لا يخضع لغيره، فليس ينشب ذلك أن يوقع كل ملك منهم بينه و بين صاحبه تدابرا و تقاطعا و تغالبا على الملك، و تفاخرا بالمال و الجند حتى ينسوا بذلك أضغانهم عليك و أوتارهم فيك، و يعود حربهم لك حربا بينهم، و حنقهم عليك حنقا منهم على أنفسهم، ثم لا يزدادون ذلك بصيرة إلا أحدثوا لك بها استقامة، و إن دنوت منهم دانوا لك، و إن نأيت عنهم تعززوا بك، حتى يثب من ملك منهم على جاره باسمك، و يسترهبه بجندك، و في ذلك شاغل لهم عنك و أمان لاحداثهم بعدك، و إن كان لا أمان للدهر، و لا ثقة بالأيام.

قد أديت إلى الملك ما رأيته لي حظا، و على حقا من إجابتي إياه إلى‏ ما سألني عنه، و محضته النصيحة فيه، و الملك أعلى عينا، و أنفذ روية، و أفضل رأيا و أبعد همة فيما استعان بي عليه، و كلفني بتبيينه و المشورة عليه فيه، لا زال الملك متعرفا من عوائد النعم، و عواقب الصنع، و توطيد الملك، و تنفيس الأجل، و درك الأمل، ما تأتي فيه قدرته على غاية قصوى ما تناله قدرة البشر، و السلام الذي لا انقضاء له، و لا انتهاء، و لا فناء، فليكن على الملك.

قالوا: فعمل الملك برأيه، و استخلف على إيران شهر أبناء الملوك و العظماء من أهل فارس فهم ملوك الطوائف الذين بقوا بعده و المملكة موزعة بينهم إلى أن جاء أردشير بن بابك فانتزع الملك منهم.

و ينبغي أن يلفت النظر إلى مكاتبة إسكندر و أرسطو هذه من وجوه:

1- ما يستفاد من كتاب إسكندر من إعجابه بالاسرة المالكة في إيران أيام داريوش حيث اعجب بهم و هابهم و خاف منهم بعد الغلبة عليهم حتى هم بقتلهم و استيصال شافتهم ليأمن بوائقهم على ملكه فيما بعد، ها بهم و هم أذلاء و اسراء تحت يديه، هابهم من قوة منطقهم و وفور تعقلهم و بسالتهم و شجاعتهم و اعترف بأن الغلبة عليهم كان قضاء مقدرا لا أمرا بشريا ميسرا، و يستفاد من ذلك أنه كان في الاسرة المالكة تربية و تثقيف لا يوجد مثلها حتى في يونان مركز الفلسفة في هذه العصور.

2- إن هذه التربية و الثقافة كانت مقصورة على الاسرة المالكة لا تتعداهم، و كانت عامة الناس في هذه المملكة الواسعة الأطراف فاقدين لكل شي‏ء لا يمسون من شئون الحياة إلا العمل تحت إرادة الحكام و نيل أدنى المعيشة مما يناله البهائم و الأنعام، فهم في الحقيقة كالغنم يرعاهم الاسرة المالكة تأكل منهم ما يشاء و تبقي ما يشاء، و هذا هو السر في إمكان الحكومة على هذه الشعوب الكثيرة في بلاد شاسعة الأطراف، و من هذه الجهة لا تهتم عامة الشعوب في الدفاع عن الوطن و لا تدخل لهم في هذا الأمر السياسي إلا ما يؤمرون به من جهة الامراء، فاذا ضعف الحكومة في ناحية أو شعب يهاجم عليها العدو و يتسلط عليها بلا منازع و مدافع و بقي هذا التلاشي بين الحكومة و الشعب في إيران إلى أيام الفتح العربي، فهاجم ما يقل‏ عن أربعين ألف جندي بدوي و غلب على الامبراطورية الممدودة من نواحي سورية و الشام إلى ثغور الهند و الصين.

3- يستحق العجب من تدبير الحكيم أرسطو لرد إسكندر الفاتح المغرور عن عزمه بقتل الاسرة المالكه في إيران، فقد أظهر في جوابه عن كتاب إسكندر كل خضوع و انقياد تجاه هذا الجبار العنيد ليستميله إلى إصغاء ما يملي عليه من سوء عاقبة هذا العزم الخبيث و دلل عليه بأن قتل الاسرة المالكة المدبرة في إيران الذين يحكمون و يديرون شئون امم شتى يزدادون على ملائين من البشر الذين لا يمسون من شئون الحياة إلا كالأنعام و الأغنام- يوجب تلاشى الامة البشرية و فنائهم و يولد منه الهرج و المرج المفنى لجماعات من البشر، فان البشر الغير المثقف الوحشي إذا كسب قوة و منعة يعيث في الأرض فسادا و خرابا و دمارا كما ارتكبه آتيلا الامر على القبائل الوحشية في اوروبا، و چنگيز الامر على قبائل وحشية في صين.

و نعود فنقول: إنه عليه السلام أشار في كلامه هذا إلى أن الاعتماد على الفرد يكتسب من ملاحظة أسرته و بيته الذي تولد و نشأ فيه.

الضابطة الثانية ما يستفاد من حال الفرد نفسه‏ ، فانه دخل في جماعة المسلمين في هذه الأيام خلق كثير من سائر الشعوب لا يعرف لهم اسرة و بيت و يعبرون عنهم بالموالي فكان الاعتماد عليهم يرجع إلى ما يستفاد من أخلاقهم فبين لذلك أربعة أوصاف:

1- النجدة، و هي صفة تنبى‏ء عن علو الهمة و تمنع الرجولية.

2- الشجاعة، و هي صفة تنبى‏ء عن الغيرة و سرعة الاقدام في الدفاع عما يجب حفظه.

3- السخاء، و هي صفة تنبى‏ء عن بسط اليد و عدم حب المال و الادخار و حب الإيثار على الأغيار.

4- السماحة، و هي صفة تنبى‏ء عن الاقتدار على جمع‏ الناس‏ و تأليفهم حوله‏ و التسلط عليهم بحسن الخلق و بسط الجود.

فهذه صفات شخصية إذا اجتمعت في فرد تؤهلها للامرة و توجب الاعتماد عليه في إعطاء الولاية على الجند.

ثم أشار في آخر هذا الفصل إلى أن أفضل رؤساء الجند و امراء الجيوش‏ من‏ يواسيهم‏ في المعونة و يوفر عليهم فيما يجده من المئونة و لا يقتصر على خصوص رواتبهم المقررة المحدودة بحيث يغنيهم لما يحتاجون إليه من مئونة أنفسهم و مئونة أهلهم المتخلفين‏ ورائهم‏ ينتظرون عونهم في كل حين‏ فيكون‏ حينئذ همهم هما واحدا في جهاد العدو و الدفاع عن حوزة الإسلام.

الترجمة

آن كس را از لشكريان خود بر قشون فرمانده كن كه داراى خصائل زير باشد:

1- در پيش خود از همه نسبت بخدا و رسول خدا صلى الله عليه و آله و نسبت به امام و رهبر تو با اخلاص‏تر و خيرخواه‏تر باشد.

2- از همه پاكدامن‏تر و پارساتر باشد.

3- از همه در حلم و بردبارى بيشتر باشد و از كسانى باشد كه خشم او را فرا نگيرد و بزودى از جاى خود بدر نرود.

4- عذر پذير باشد.

5- نسبت به بينوايان و ضعفاء رؤوف و مهربان باشد.

6- نسبت به افراد نيرومند و با نفوذ تأثير ناپذير و خوددار باشد.

7- از كسانى باشد كه سختى و دشوارى كارها او را از جاى بدر نبرد و از خود بيخود و بيچاره نسازد و ناتوانى و سستى او را زمين گير نگرداند.سپس خود را بمردمان خانواده ‏دار و آبرومند و منسوبان بخانواده‏هاى خوش سابقه و خوب نزديك كن و فرماندهان خود را از ميان آنها انتخاب كن.و از آن پس مردمان راد مرد و دلير را كه با سخاوت و مردم دارند در نظر بگير زيرا آنان جامع اوصاف كرامتند و همه خوبيها در وجود آنها هست.

سپس از همه كارهاشان وارسى كن و آنها را تحت نظر بگير چنانچه پدر و مادر از فرزند خود دلجوئى ميكنند و هيچ تقويت و نيرو بخشى بدانها در نظر تو مشكل و گره دار جلوه نكند و هيچ لطف و دلجوئى نسبت بدانها در چشمت خرد و كوچك نيايد و گر چه اندك و ناچيز باشد، زيرا اين خود براى آنها باعث خير خواهى و اخلاصمندى و خوشبينى بتو مى ‏گردد، از وارسى و تفقد كارهاى ريز و چشم نارس آنها صرف نظر نكن باعتماد اين كه كارهاى عمده و چشم گير آنها را بازرسى كردى، زيرا لطف و دلجوئى تو در كارهاى خرد و كوچك موقعيتى دارد كه از آن بهره‏مند شوند و در كارهاى مهم هم در جاى خود از بازرسى تو مستغنى نباشند.

بايد بر گزيده‏ترين فرماندهان قشونت در نزد تو كسانى باشند كه با افراد ديگر قشون همدردى دارند و بدانها كمك مى‏نمايند و از آنچه در دسترس دارند بدانها بذل ميكنند تا آنجا كه وسيله وسعت زندگى خود آنها و افراد خانواده آنها باشد كه در پشت سر خود بجا نهاده‏اند و چشم انتظار مخارج از آنها هستند تا اين كه يكدل و يك جهت در جهاد با دشمن بكوشند و پريشان خاطر نباشند راستى كه مهربانى و مهروزى تو با آنها مايه اين مى ‏شود كه از دل با تو مهر ورزند و مخلص تو باشند.

و يجدر بنا هنا أن نترجم مكاتبة إسكندر مع أرسطو في هذا المقام طلبا لمزيد النفع للقراء الكرام.

نامه اسكندر بارسطو و پاسخ أرسطو بنامه او چون اسكندر ايران شهر كه كشور عراق و مملكت خسروان پارس بود بچنگ آورد و دارا بن دارا را كشت بارسطو كه در يونان بود اين نامه را نوشت:

اى حكيم از طرف ما بر تو درود باد أما بعد، براستى كه چرخهاى گردان و علل‏ آسمان گر چه ما را بامورى سعادتمند كرده كه زبانزد همه مردم است ولى باز ما با كمال جد و كوشش به حكمت و فرزانگى تو خود را نيازمند مى ‏دانيم، فضليت تو را انكار نتوانيم و بمقام والاى تو اقرار داريم و بمشورت تو دلگرم هستيم و پيروى از رأى تو را لازم شمرده و بامر و نهى تو اعتماد داريم، چون سود آن را آزموده و نفع آن را چشيديم تا آنجا كه در ما ريشه كرده و در اذهان ما رسوخ نموده و غذاى خرد ما گرديده و هميشه بنظر تو اعتماد توانيم و چون نهرى از آن درياى دانش بهره‏مند مى ‏شويم و چون شاخه‏ اى هستيم از تنه تنومند و بنظرهاى تو نيرومند مى ‏شويم، چنان پيروزى و پيشتازى بما سبقت جست و ظفرمندى ما را نصيب آمد و در سركوبى و غلبه بر دشمن بدانجا رسيديم كه وصفش بگفت در نيايد و شكر اين نعمت از دست ما برنيايد و از اين جمله است كه ما از سرزمين سوريه و جزيره در گذشتيم تا به بابل و سرزمين فارس تاختيم و چون در بن خانه و عرصه بلاد آنها جاى گزين شديم ديرى نگذشت كه چند تن از خود آنان سر پادشاهشان را بدست خودشان براى ما پيشكش آوردند تا در نزد ما بهره‏مند گردند و بمقامى رسند، فرمان داديم آنانكه سر را آوردند بدار آويخته شدند زيرا سزاى بد رفتارى و بيوفائى آنها همين بود، سپس فرمان داديم تا همه شاهزادگان و رادمردانى كه در آن كشور بود گرد آوردند، مردمى ديديم تنومند و پهلوان و سر بزرگ و خردمند و آزموده، خوش منظر و خوش گفتار، و اين خود دليل است كه عقل و منطق نيرومندى در خود دارند و پهلوان و رادمرد و جنگجو هستند تا آنجا كه ما را راهى براى غلبه و پيروزى بر آنها وجود نداشته جز اين كه قضا و قدر بسود ما چرخيده و ما را بر آنها پيروز كرده و بر آنها مسلط نموده.

و بنظر خود اين را دور نمى‏ دانيم كه همه را از بن بر كنيم و از ريشه براندازيم و بگذشته‏هايشان ملحق سازيم تا از دست درازى و انتقامجوئى آنان آسوده خاطر و دل نهاده باشيم، و در نظر آورديم كه در كشتار آنان شتاب نكنيم تا رأى شما را در اين باره ندانيم و با شما مشورت نكنيم، شما رأى خود را در اين باره براى ما روشن سازيد، وزير و روى اين مطلب را بسنجيد، و همه درود درود گويان بر ما و شما باد.

ارسطو در پاسخ او چنين نوشت‏

بسوى شاه شاهان و بزرگ بزرگان، اسكندر كه در پيروزى بر دشمنان تأييد يافته و ظفر بر پادشاهان هديه پيشگاه او شده، از طرف خردترين بنده‏ها و كمترين وابسته‏ هاى او ارسطوطاليس كه در پيشگاهش پيشانى سايد، و درود و تذلل و فرمانبرى و انقياد وى را گردن نهاده.

أما بعد، گفت را هر چه گويا در آن مهارت بخرج دهد و در سنجش معانى و تأليف حروف و مبانيش بكوشد، احاطه بكمترين درجه قدرت و بسط علو سلطنت و فرازمندى رفعت تو نتواند، زيرا از هر گفتارى و توصيفى و تفصيلى برتر است.

از مقدمات اعلاميه فضيلت آن پادشاه در ميدان مسابقت و بروز مرتبة و يمن مقدم بر من مقرر گرديده است چنان درجه‏اى كه حس ديده‏ام پيكر او را ورانداز كرده و گوشم آوازه او را شنيده و كامبخشى راى او در وهمم صورت بسته، از همان دورانى كه من بظاهر مكلف باموزش او بودم خود را نيازمند آموختن حكمت او مى‏دانستم، و هر آنچه از من بوى القاء مى‏شد همانى بود كه از پرتو عقل او در من منعكس مى‏گرديد، و استنباطى بود كه بهم نظرى با او از علم و حكمتش رد و بدل مى‏كردم، از نامه پادشاه و خطاب وى با من و پرسش از من روشن است كه شكى ندارم نظر خود را در فكر من بيدار كرده و از رأى روشن خود در من نتيجه خواسته هم از او بمن نظرى صادر شود و هم از او دريافت گردد و باو بر گردد آنچه من بحضرت پادشاه اشاره كنم با همه كوشش و تلاشى كه در آن نمايم و از حد وسع و طاقت در آن بگذرم و در بازرسى و نكته سنجى آن بكوشم باز هم در برابر رأى منيرش چون عدم است نسبت بوجود و چون جزء لا يتجزى در برابر معظم أشياء، ولى در هر حال من از اجابت پادشاه سر بر نتابم و پرسش وى را بى‏پاسخ نگذارم، با اين كه مى‏دانم كه حضرتش از رأى من بى‏نياز است و من بدو بسيار نيازمند و محتاج، من‏ خود همان را كه از آن پادشاه بدست آورده و استفاده كردم بوى باز گردانم، و همان را كه از حكمتش دريافت نمودم بوى اشارت كنم و بحضرتش گويم.

بناچار هر خاكى و هر سرزمينى را بهره‏ايست از فضائل، و راستى كه سرزمين پارس را بهره‏ايست از بزرگوارى و نيرومندى، و براستى كه اگر تو مردم شرافتمند آن سرزمين را بكشى مردمى پست را جايگزين آنها مى‏سازى و خانمان و كشور بزرگانشان را بدست أوباش مى‏سپارى، و زبونان را بر آبرومندانشان چيره ميكنى و پادشاهان هرگز گرفتار بلائى نشوند كه بزرگتر و دردناكتر و بيشتر مايه توهين سلطنت آنان باشد از غلبه أوباش و بى‏آبرويان، بايد بسختى بر حذر باشى از اين كه طائفه أو باش را صاحب قدرت و حركت در أمر كشور سازى، زيرا چنانچه از اين أوباش شورشى بر عليه لشكر تو و أهل كشور تو رخ دهد بلائى بدانها رسد كه نتوان پيش بينى كرد و كسى را باقى نخواهند گذاشت، از اين نظر بر گرد و نظر بهترى پيش گير، و هر آن كس از اين بزرگان و شاهزادگان كه در دسترس توأند بخواه و بنواز و كشورشان را ميان آنها تقسيم كن، و هر كدام را فرمانرواى سرزمين كردى نام پادشاه بر او بنه و تاجى بر سر او بگذار و اگر چه قلمرو فرمان او كوچك باشد، زيرا هر كس را پادشاه خواندند بدين نام بچسبد و بر سر هر كه تاج نهند زير بار فرمان ديگرى نرود، و اين تدبير سبب گردد كه ميان آنها ستيزه و تفرقه و نزاع بر سر ملك و سلطنت در گيرد و با يكديگر از نظر مال و قشون مفاخرت آغازند تا آنكه كينه‏ هاى تو را فراموش كنند، و خونها كه از آنها ريختى بدست فراموشى سپارند، و جنگى كه بايد با تو بنمايند بميان خودشان بر گردد، و كينه بر تو كه بايست در سينه‏ها پرورند بكينه ميانه خودشان مبدل گردد، و سپس هر چه در اين زمينه بيناتر گردند و بمقام خود دل بسته‏تر شوند نسبت بتو خوش بين‏تر و راست كردارتر گردند، اگر بدانها نزديك شوى و از هر يك آنها دلجوئى كنى نسبت بتو اظهار اطاعت و انقياد كنند، و اگر از آنها دورى گزينى از تو عزت و آبرو خواستار شوند تا آنكه هر كدام بنام و باعتبار پشتيبانى تو بر همسايه خود بشورد و بوسيله لشكر تو او را بترساند و در اين كشمكش و ستيز از تو صرفنظر كنند و با تو در مقام ستيزه درنيايند و تو از گزند آنها در آسايش باشى، گر چه در اين روزگار آسايشى وجود ندارد و اعتمادى بگذشت زمانه نيست.

من آنچه را بهره دانش و فكرت خود مى ‏دانستم بپيشگاه پادشاه عرضه داشتم اين حقى بود بر عهده من كه مخلصانه در پاسخ آن حضرت نگاشتم و اندرز بى‏شائبه خود را بعرض رسانيدم، و در عين حال آن پادشاه از من بيناتر است و انديشه نافذتر و رأيى بهتر و همتى والاتر نسبت بدانچه در باره آن از من كمك خواسته و مرا بتوضيح و شور در آن واداشته دارد.

هميشه پادشاه از نعمتهاى واصله و احسانهاى بى ‏دريغ بر خوردار باد و ملكش پاينده و عمرش دراز و آرزويش رسا باد تا آنجا كه نيرويش بنهايت آنچه قدرت بشر رسا است بر آيد، درودى بى‏انتها و پيوسته و بى‏ نهايت و فنا ناپذير بر پادشاه باد.

مورخان گفته‏اند: پادشاه برأى ارسطو عمل كرد و نظر او را بكار بست و شاهزادگان و آزادگان پارس را بر سراسر كشور ايران جايگزين و فرمانروا ساخت، و آنان همان پادشاهان ملوك الطوائف بودند كه پس از او بجاى ماندند و كشور ايران ميان آنان تقسيم بود تا اردشير بن بابك آمد و كشور را از آنها گرفت و مملكت را متحد ساخت.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=