نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 30 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 30 صبحی صالح

30- و من كتاب له ( عليه ‏السلام  ) إلى معاوية

فَاتَّقِ اللَّهَ فِيمَا لَدَيْكَ وَ انْظُرْ فِي حَقِّهِ عَلَيْكَ وَ ارْجِعْ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا لَا تُعْذَرُ بِجَهَالَتِهِ

فَإِنَّ لِلطَّاعَةِ أَعْلَاماً وَاضِحَةً وَ سُبُلًا نَيِّرَةً وَ مَحَجَّةً نَهْجَةً وَ غَايَةً مُطَّلَبَةً يَرِدُهَا الْأَكْيَاسُ وَ يُخَالِفُهَا الْأَنْكَاسُ مَنْ نَكَبَ عَنْهَا جَارَ عَنِ الْحَقِّ وَ خَبَطَ فِي التِّيهِ وَ غَيَّرَ اللَّهُ نِعْمَتَهُ وَ أَحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ

فَنَفْسَكَ نَفْسَكَ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ سَبِيلَكَ وَ حَيْثُ تَنَاهَتْ بِكَ أُمُورُكَ فَقَدْ أَجْرَيْتَ إِلَى غَايَةِ خُسْرٍ وَ مَحَلَّةِ كُفْرٍ

فَإِنَّ نَفْسَكَ قَدْ أَوْلَجَتْكَ شَرّاً وَ أَقْحَمَتْكَ غَيّاً وَ أَوْرَدَتْكَ الْمَهَالِكَ وَ أَوْعَرَتْ عَلَيْكَ الْمَسَالِكَ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج19  

و من كتاب له عليه السلام الى معاوية- و هو المختار الثلاثون من باب المختار من كتبه و رسائله‏

فاتق الله فيما لديك، و انظر في حقه عليك، و ارجع إلى معرفة ما لا تعذر بجهالته فإن للطاعة أعلاما واضحة، و سبلا نيرة، و مهجة نهجة [نهجة- معا]، و غاية مطلبة يردها الأكياس و يخالفها الأنكاس، من نكب عنها جار عن الحق، و خبط في التيه، و غير الله نعمته، و أحل به نقمته، فنفسك نفسك فقد

بين الله لك سبيلك، و حيث تناهت بك أمورك فقد أجريت إلى غاية خسر، و محلة كفر، و إن نفسك قد أوحلتك شرا، و أقحمتك غيا، و أوردتك المهالك، و أوعرت عليك المسالك.

المصدر

هذا الفصل اختاره الشريف الرضي رضوان الله عليه على دأبه من كتاب له عليه السلام إلى معاوية و هذه صورته الكاملة:

أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر مشاغبتي، و تستقبح مواربتي، و تزعمني متجبرا، و عن حق الله مقصرا، فسبحان الله، كيف تستجيز الغيبة؟ و تستحسن العضيهة؟ و إني لم اشاغب إلا في أمر بمعروف، أو نهى عن منكر و لم أتجبر [و لم أضجر- نسخة] إلا على باغ مارق، أو ملحد منافق، و لم آخذ في ذلك إلا بقول الله سبحانه: لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم‏.

و أما التقصير في حق الله تعالى فمعاذ الله! و المقصر في حق الله جل ثناؤه من عطل الحقوق المؤكدة، و ركن إلى الأهواء المبتدعة، و أخلد إلى الضلالة المحيرة.

و من العجب أن تصف يا معاوية الإحسان، و تخالف البرهان، و تنكث الوثائق التي هي لله عز جل طلبة، و على عباده حجة، مع نبذ الإسلام، و تضييع الأحكام و طمس الأعلام، و الجرى في الهوى، و التهوس في الردى.

فاتق الله فيما لديك، و انظر في حقه عليك- إلى آخر الفصل المختار من النهج، و إن للناس جماعة يد الله عليها، و غضب الله على من خالفها، فنفسك نفسك قبل حلول رمسك، فإنك إلى الله راجع، و إلى حشره مهطع، و سيبهظك كربه و يحل بك غمه، يوم لا يغنى النادم ندمه، و لا يقبل من المعتذر عذره، يوم لا يغنى‏ مولى عن مولى شيئا و لا هم ينصرون.

قلت: إن كلامه عليه السلام أما بعد فقد بلغنى كتابك تذكر مشاغبتى، صريح في أن هذا الكتاب جواب عن كتاب كتبه معاوية إليه و لكن لم نظفر عليه مع كثرة الفحص و التتبع، و كتاب أمير المؤمنين علي عليه السلام هذا نقله الشارح المعتزلي و الشارح البحراني في المقام و علم الهدى ابن المولى المحسن الفيض في معادن الحكمة «ص 159 ج 1» و أحمد زكى صفوت في جمهرة رسائل العرب «ص 433 ج 1» و لم ينقلوا كتاب معاوية بل الأخيرين نقلا كتاب أمير المؤمنين عليه السلام هذا من الأولين و أتى به المجلسي في ثامن البحار «ص 540» ناقلا عن البحراني أيضا.

اللغة

(مشاغبتى) الشغب تهييج الشر كالتشغيب و شاغبه شاره، (مواربتى) المواربة:

المداهاة و المخاتلة كما في القاموس، و في غير واحد من النسخ موازرتى، (متجبرا) بالجيم و الباء الموحدة كما في عدة نسخ و في نسخ اخرى متحيرا بالحاء المهملة و الياء المثناة من تحت و الأول أنسب بما يأتي من قوله عليه السلام: و لم أتجبر إلا على باغ مارق، و منه يعلم رجحان أتجبر على أضجر أيضا.

(العضيهة): بالفتح البهية و هي الإفك و البهتان كما قاله الجوهرى في الصحاح قال المتوكل الليثي:

احذر وصال اللئيم إن له‏ عضها إذا حبل وصله انقطعا

و البيت من الحماسة (الحماسة 442) قال المرزوقي في شرحه عليها: العضه ذكر القبيح كذبا و زورا، و يقال عضهته إذا رميته بالزور، و أعضه الرجل أتى بالعضيهة و هي الإفك، و من كلامهم يا للعضيهة و يا للأفيكة.

(ركن) إليه من بابى علم و نصر أى مال إليه و سكن و وثق به.

(أخلد إلى الضلالة) قال الجوهرى: أخلدت إلى فلان أى ركنت إليه، و منه قوله تعالى: و لكنه أخلد إلى الأرض‏، (الطمس) ازالة الأثر بالمحو، قال تعالى:

فإذا النجوم طمست‏ ربنا اطمس على أموالهم‏ أى أزل صورتها و لو نشاء لطمسنا على أعينهم‏ أى أزلنا ضوأها و صورتها كما يطمس الأثر قاله الراغب في المفردات.

(التهوس في الردى) تهوس: مشى ثقيلا في أرض لينة كما عن اللسان، و قال الجوهري في الصحاح: الهوس السوق اللين، يقال: هست الإبل فهاست أى ترعى و تسير.

(المحجة) الطريق الواضحة، و (النهجة) الطريق الواضحة أيضا و أنهج الطريق أي استبان و صار نهجا واضحا بينا، أى جادة مستبينة.

(مطلبة) بتشديد اللام المفتوحة، كما في نسخة الرضي أى مطلوبة، و في غير واحدة من النسخ مطلوبة، و قال المجلسي في البحار: النسخ المصححة متفقة على تشديد الطاء، فالكلمة على هذا من اطلب كافتعل، يقال: اطلبه أى طلبه قال الجوهري في الصحاح: طلبت الشي‏ء طلبا و كذلك اطلبته على افتعلته، و قال الشارح البحراني: مطلبة بتشديد الطاء و فتح اللام، أى مطلوبة جدا منهم بناء على أن كثرة المباني تدل على كثرة المعاني، قال الرضي في شرح الشافية:اعلم أن المزيد فيه لغير الإلحاق لا بد لزيادته من معنى لأنها إذا لم يكن لغرض لفظي، كما كانت في الإلحاق، و لا لمعنى كانت عبثا. انتهى.

و قرأها الشارح المعتزلي على سكون الطاء و كسر اللام، حيث قال: قوله غاية مطلبة أى مساعفة لطالبها بما يطلبه، تقول: طلب فلان منى كذا فأطلبته أى اسعفته به، ثم خطأ الراوندي بقوله: قال الراوندي: مطلبة بمعنى متطلبة يقال: طلبت كذا و تطلبته و هذا ليس بشي‏ء يخرج الكلام أن يكون له معنى. انتهى.

قلت: التطلب طلب الشي‏ء مرة بعد اخرى مع تكلف، و يأبى سياق الكلام عن حمله على هذا المعنى، و لذا قال الشارح المذكور ردا على الراوندي:و هذا ليس بشي‏ء يخرج الكلام عن أن يكون له معنى.

ثم إن ما اختاره الشارح المعتزلي ليس بسديد أيضا لأن قول أمير المؤمنين عليه السلام: يردها الأكياس و ما بعده يبين لنا أن الكلمة بمعنى المطلوبة سواء كانت بتشديد اللام، كما في نسخة الرضي، أو بتشديد الطاء و فتح اللام كما في البحار.

و عاضد ما اختاره الشارح المذكور الفاضل أحمد زكي صفوت في جمهرة رسائل العرب بقوله: و يجوز أن تكون مطلبة بسكون الطاء و كسر اللام من أطلبه إذا أعطاه ما طلبه أى تؤتى أصحابها ما يطلبون من ثواب الله و رحمته و هذا أحسن. انتهى. و لقد علمت ما فيه.

(الأكياس) جمع كيس كجيد أى العاقل و يجمع على الكيسى أيضا إجراء له مجرى ضده أحمق و حمقى، قال إبراهيم النخعي لمنصور بن المعتمر:سل مسألة الحمقى، و احفظ حفظ الكيسى كما في البيان و التبيين (ج 1 ص 299).

تشبيه (الأنكاس) جمع النكس بكسر النون فالسكون قال رجل من بنى أسد:

و ما أنا بالنكس الدنى و لا الذي‏ إذا صدعني ذو المودة أحرب‏

و البيت من أبيات الحماسة (الحماسة 91) و قال المرزوقي في شرحه: النكس أصله في السهام و نقل إلى الضعيف من الرجال، يقال: نكسته نكسا ثم يسمى المنكوس نكسا، كما يقال: نقضته نقضا ثم يسمى المنقوض نقضا بكسر النون كأن السهم انكسر فوقه فنكس فسمى نكسا، فيقول: ما أنا بالمستضعف اللئيم و لا الذي إذا انحرف عنه من يواده دعا بالويل و الحرب فقال و احرباه.

و في الحماسة 397، قالت امرأة من بني الحارث:

فارس ما غادروه ملحما غير زميل و لا نكس و كل‏

و قال المرزوقى في شرحه: النكس المقصر عن غاية النجدة و الكرامة و أصله في السهام و هو الذي انكسر فجعل أسفله أعلاه فلا يزال ضعيفا.

و في الحماسة 714، قال عمرو بن الإطنابة.

ليسوا بأنكاس و لا ميل إذا ما الحرب شبت أشعلوا بالشاعل‏

و قال المرزوقي في شرحه: الأنكاس جمع النكس، و النكس أصله في السهام تنكسر فيجعل أسفلها أعلاها فتضعف، انتهى. قلت: و يقال للأحمق أنكس‏ شبيها بذلك السهم النكس، و في المفردات للراغب: النكس السهم الذي انكسر فوقه فجعل أعلاه أسفله فيكون رديئا و لرداءته يشبه به الرجل الدنى، (نكب عنها) من باب نصر و فرح أى عدل عنها، يقال: نكبت الريح إذا مالت عن مهاب الرياح، فالريح نكباء.

و الفعل في نسخة الرضى كان بتشديد الكاف و قد اخترناه، يقال: نكب عن الطريق بالتشديد إذا عدل و تنحى، و نكب الشي‏ء نحاه، لازم متعد، و يقال: نكبه الطريق، و نكب به الطريق، و نكب به عن الطريق أى عدله و نحاه، و في المقام بمعناه الأول.

(جار عن الحق) من الجور كما مضى في المختار المقدم قوله عليه السلام:و سفه الاراء الجائرة، قال الجوهرى: الجور الميل عن القصد يقال: جار عن الطريق، انتهى كلامه.

(خبط) مشى على غير هدى و استقامة، و (التيه): الضلال، (نقمته) بفتح النون و كسر القاف كما في نسخة الرضى، و فيها وجهان آخران بفتح النون و سكون القاف، و بكسر النون و سكون القاف أيضا و هي اسم من الانتقام و هي المكافأة بالعقوبة يقال: حلت به النقمة، تجمع على نقم و نقم و نقمات.

(تناهت) أى بلغت، قال الجوهري: الإنهاء الإبلاغ و أنهيت الخبر فانتهى و تناهى أى بلغ.

(أجريت) يقال: أجرى فلان إلى غاية كذا أى قصدها بفعله و أصله من إجراء الخيل للمسابقة، و المحلة: المنزلة.

(أوحلتك) بالواو فالحاء المهملة كما في نسخة الرضي رضوان الله عليه و في نسخ قد أولجتك، و في بعضها: قد أوجلتك، و المختار هو الأول، أى أورطتك في الوحل، قال الجوهري: الوحل بالتحريك الطين، و وحل الرجل بالكسر وقع في الوحل، و أوحله غيره.

(أقحمتك) أى أدخلتك، و الاقتحام الدخول في الأمر بشدة و عنف،و يقال: أقحم فرسه النهر، أى أوقعه و أدخله فيه بعنف.

(الغي): الضلال و الانهماك في الباطل، و قال الراغب في المفردات: الغي جهل من اعتقاد فاسد و ذلك أن الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقادا لا صالحا و لا فاسدا، و قد يكون من اعتقاد شي‏ء فاسد و هذا النحو الثاني يقال له غي، قال تعالى: ما ضل صاحبكم و ما غوى‏ … و إخوانهم يمدونهم في الغي‏، و قوله:فسوف يلقون غيا أى عذابا فسماه الغي لما كان الغي هو سببه و ذلك كتسمية الشي‏ء بما هو سببه كقولهم للنبات: ندى.

(اوعرت) من الوعر اى الصعب وزنا و معنى: يقال: مكان وعر و طريق وعر و مطلب وعر، و أوعرت عليك المسالك أى اخشنت و صعبت (رمسك) الرمس القبر، قال الفيومى في المصباح: رمست الميت رمسا من باب قتل و في لغة من باب ضرب دفنته، و الرمس: التراب تسمية بالمصدر ثم سمي القبر به و الجمع رموس مثل فلس و فلوس، قال مسور بن زيادة الحارثى:

أبعد الذي بالنعف نعف كويكب‏ رهينة رمس ذى تراب و جندل‏

و البيت من الحماسة (64) قال المرزوقي في الشرح: الرمس القبر، و الأصل في الرمس التغطية يقال: رمسته بالتراب و منه الرياح الروامس، و قال المتلمس:

أ لم تر أن المرأ رهن منية صريع لعافي الطير أو سوف يرمس‏

و البيت من الحماسة أيضا (الحماسة 220) و قال المرزوقي: و معنى يرمس يدفن و الرمس الدفن و الرياح الروامس منه و توسعوا في الدفن فقيل: ارمس هذا الحديث، كما يقال: ادفن.

(مهطع) قال ابن الأثير في النهاية: في حديث علي عليه السلام سراعا إلى أمره مهطعين إلى معادة: الإهطاع الاسراع في العدو، و قال الراغب: هطع الرجل ببصره إذا صوبه، و بعير مهطع إذا صوب عنقه، قال تعالى: مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم‏ …- مهطعين إلى الداع‏ انتهى، و الإهطاع لا يكون إلا مع خوف و ذل و خشوع يقال: أهطع في السير إذا أسرع و أقبل مسرعا خائفا كهطع كما يستفاد من قوله‏ تعالى: و لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم‏ (إبراهيم: 44)، و قوله تعالى:يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر (القمر: 9)، و قوله تعالى: فما ل الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين و عن الشمال عزين‏ قال أحمد بن يحيى: المهطع الذي ينظر في ذل و خشوع لا يقلع بصره كما في مجمع البيان، و قال: قال الزجاج: المهطع المقبل ببصره على الشي‏ء لا يزايله و ذلك من نظر العدو.

و في القاموس هطع كمنع هطعا و هطوعا أسرع مقبلا خائفا أو أقبل ببصره على الشي‏ء لا يقلع عنه.(سيبهظك) قال الجوهرى في الصحاح: بهظه الحمل يبهظه بهظا أى أثقله و عجز عنه فهو مبهوظ و هذا أمر باهظ أى شاق، قال زياد بن حمل كما في الحماسة أو زياد بن منقذ كما في مادة قزم من صحاح اللغة في أبيات منها:

و كان عهدى بها و المشي يبهضها من القريب و منها النوم و السأم‏

قال المرزوقي: و معنى يبهضها يثقل عليها و يشق.

الاعراب‏

(معاذ الله) منصوب مفعول مطلق لفعله المحذوف العامل فيه كسبحان الله قال الجوهرى في الصحاح: قولهم: معاذ الله أى أعوذ بالله معاذا، تجعله بدلا من اللفظ بالفعل لأنه مصدر و إن كان غير مستعمل مثل سبحان الله و يقال أيضا معاذة الله و معاذة وجه الله و معاذ وجه الله و هو مثل المعنى و المعناة و المأتى و المأتاة، و يقال عوذ بالله منك أى أعوذ بالله منك.

(فان للطاعة) الفاء في مقام التعليل لقوله: لا تعذر بجهالته، و ضمير يردها و يخالفها و عنها راجع إلى السبل و المهجة، و أمكن أن يرجع إلى الطاعة

و الغاية أيضا على توسع.(فنفسك نفسك) منصوب من باب الإغراء و هو أن تحمل المخاطب على فعل شي‏ء محبوب نحو قول الشاعر:

أخاك أخاك إن من لا أخا له‏ كساع إلى الهيجا بغير سلاح‏

و الفعل يقدر في كل موضع بحسبه ففى الشعر يقتضى الزم مثلا و في الغزال الغزال يناسب ارم، و ههنا احفظ و ارحم و انقذ و نحوهما.

قوله: (و حيث تناهت بك امورك) أفاد الفاضل الشارح المعتزلي بقوله:

الأولى أن لا يكون هذا معطوفا و لا متصلا بقوله: فقد بين الله لك سبيلك، بل يكون كقولهم لمن يأمرونه بالوقوف: حيث أنت، أى قف حيث أنت فلا يذكرون الفعل، و مثله قولهم: مكانك، أى قف مكانك.

المعنى‏

قوله عليه السلام: (فاتق الله فيما لديك) ما كان لديه هو تولى امور المسلمين غصبا و طغيانا، فإن ما كان في يده هو حق الله و حق رسوله و حق اولي الأمر و حقه سبحانه مفوض إلى نبيه أو وصي نبيه و لا يتولى ذلك المنصب إلا نبي أو وصي أو شقى، و الشقي من غصب حق الإمام الحق أى حق الله و رسوله، و لذا أمره الأمير عليه السلام باتقائه الله في ذلك، و صرح باسم الله سبحانه لأنه عليه السلام كأنما يقول له: اتق الله في‏ تصرفك حقه سبحانه عدوانا، كما نقول نحن لمن خان زيدا مثلا: استح من زيد في خيانتك في عرضه و ماله.

قوله عليه السلام: (و انظر في حقه عليك) حقه تعالى عليه أن لا يعصيه فيما أمره، و مما أمره به هو قوله سبحانه: أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم‏ (النساء: 60) اللهم إلا أن يقال ان الاية مصدرة بقوله:يا أيها الذين آمنوا و مذيلة بقوله سبحانه: إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر فمعاوية و أترابه خارجة عن الخطاب رأسا.

و في رسالة إمامنا سيد الساجدين و زين العابدين علي بن الحسين صلوات الله عليهما المعروفة برسالة الحقوق، قد نقلها كاملة المحدث الخبير ابن شعبة الحراني قدس سره في تحف العقول: اعلم رحمك الله أن لله عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها، أو سكنة سكنتها، أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلبتها، أو آلة تصرفت بها، بعضها أكبر من بعض، و أكبر حقوق الله عليك ما أوجبه لنفسه تبارك و تعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق و منه تفرع.

فالويل ثم الويل لمن لم يطع الله سبحانه في حقه عليه، فضلا عن أن يغاصب حقه.

قوله عليه السلام: (و ارجع إلى معرفة ما لا تعذر بجهالته) أمره أن يرجع‏ إلى معرفة ما لا يقبل عذره‏ بجهالته‏ من وجوب طاعة الله سبحانه و رسوله و طاعة الإمام الحق، و لما أخرجته هوى النفس عن الطاعة إلى العصيان و الطغيان و عن نور المعرفة إلى ظلمة الجهالة و حيرة الضلالة، أمره بالرجوع إلى معرفة ما أى الحق الذي لا يسمع تجاهله فيه.

قوله عليه السلام‏ (فإن للطاعة أعلاما واضحة- إلخ) الأعلام‏ جمع العلم بفتحتين و هو شي‏ء منصوب في الطريق يهتدى به و غاية الطاعة القرب منه تعالى و الغاية ما إليه الحركة، و وصف عليه السلام‏ الأعلام بالواضحة و تالييها بالنيرة و النهجة لحسم العذر أصلا و سد طرق العذر من جميع الجوانب، فان السبل‏ إذا كانت‏ نيرة و المهجة نهجة و أعلامها واضحة و كانت غايتها مطلبة، فمن أين يعتذر المتمرد عن الطاعة، و ما مستمسكه في العذر، و بأي باب يدخل لذلك؟ و قد دريت من بحثنا عن الإمامة في المختار 237 من باب الخطب (ص 35- إلى ص 175 من ج 16) أن القرآن و رسول الله صلى الله عليه و آله و آله هم الأئمة الحق و الأعلام الواضحة و السبل النيرة و المهجة النهجة لا غير، فراجع إلى ذلك المبحث الشريف حتى يتبين لك بالعيان أن الال هم الذين اختارهم الله و اجتباهم و اصطفاهم أعلاما واضحة للطريقة التي هي أقوم، إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم.

قوله عليه السلام: (يردها الأكياس و يخالفها الأنكاس) قد دريت في اللغة أن‏ الأكياس‏ بمعنى العقلاء، و إنما يردها الأكياس‏ لأن العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان، و أن‏ الأنكاس‏ جمع النكس و هو الرجل الدني المنكوس على ما بين في اللغة مشبعا، و إنما يخالفها الأنكاس‏ لأنهم لدناءة طبعهم، و قصور همتهم ألفوا بقاذورات الدنيا الدنية و أوساخ الامال النفسانية الشيطانية فهم ناكسوا رؤوسهم إلى اللذائذ الحيوانية الداثرة الفانية أقرب شي‏ء شبها بهم الأنعام السائمة، و في كتاب العقل و الجهل من الكافي: بإسناده عن محمد بن عبد الجبار عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما العقل؟ قال: ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان، قال: قلت: فالذي كان في معاوية؟

فقال:تلك النكراء تلك الشيطنة و هي شبيهة بالعقل و ليست بالعقل، و قد مضى بحثنا عن هذا الحديث و شرحه في المختار السابع باب الكتب و الرسائل فراجع إلى (ص 225 ج 17).

و قد تقدم في رسالتنا في لقاء الله تعالى أن حشر الخلائق حسب أعمالهم، و أن كل أحد إلى غاية سعيه و عمله و إلى ما يحبه و يهواه، فحيث إن‏ الأنكاس‏ أدبروا ههنا عن أمر الله تعالى و طاعته و لقائه و أقبلوا إلى الشهوات النفسانية و لم يرفعوا رؤوسهم عن معلفهم و مرعيهم فهم في النشأة الاخرة أيضا ناكسون لأن الدنيا مزرعة الاخرة قال عز من قائل: نحن قدرنا بينكم الموت و ما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم و ننشئكم في ما لا تعلمون و لقد علمتم النشأة الأولى فلو لا تذكرون‏ (الواقعة 61- 63)، و في الكافي كما في الصافي عن السجاد عليه السلام: العجب كل العجب لمن أنكر النشأة الاخرى و هو يرى النشأة الاولى.

و قال عز من قائل: و لو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم ربنا أبصرنا و سمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون‏ (الم السجدة: 13).

و روى ثقة الإسلام الكليني في باب ظلمة قلب المنافق و إن أعطى اللسان و نور قلب المؤمن و إن قصر بلسانه من كتاب الإيمان و الكفر (ص 309 ج 2 من المعرب) بإسناده عن المفضل عن سعد عن أبي جعفر عليه السلام: قال إن القلوب أربعة: قلب فيه‏ نفاق و ايمان، و قلب منكوس، و قلب مطبوع، و قلب أزهر أجرد فقلت: ما الأزهر؟

قال: فيه كهيئة السراج، فأما المطبوع فقلب المنافق، و أما الأزهر فقلب المؤمن إن أعطاه شكر و إن ابتلاه صبر، و أما المنكوس فقلب المشرك ثم قرأ هذه الاية: أ فمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم‏ (الملك: 22) فأما القلب الذي فيه إيمان و نفاق فهم قوم كانوا بالطائف فإن أدرك أحدهم أجله على نفاقه هلك و إن أدركه على إيمانه نجى.

و قال العلم الحجة المولى صالح المازندراني قدس سره في بيانه: (ص 130 ج 10) القلب المنكوس كالكوز المقلوب- إلى أن قال: و قيل: القلب المنكوس القلب الناظر إلى الدنيا و المتوجه إليها لأن الدنيا تحت الاخرة و الاخرة فوقها فالناظر إليها منكوس رأسه، و الاية من باب التمثيل بالأشياء المحسوسة تقريبا للفهم و الاستشهاد باعتبار أن المشرك يمشي مكبا على وجهه لكون قلبه مكبوبا، مقلوبا و المؤمن يمشى سويا لكون قلبه على وجه الفطرة مستقيما عارفا بالحق كما يرشد إليه قوله تعالى: على صراط مستقيم*.

قوله عليه السلام: (من نكب عنها- إلخ) أى‏ من‏ عدل و تتحى‏ عنها مال عن الوسط و العدل و القصد، و مشى على غير هداية و استقامة في الضلال.

قوله عليه السلام: (و غير الله نعمته و أحل به نقمته فنفسك نفسك) إنما أمره بحفظ نفسه و كرره تأكيدا و تشديدا لما قال سبحانه: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‏ (الرعد: 12)، و قال تعالى: فما كان الله ليظلمهم و لكن كانوا أنفسهم يظلمون* (التوبة: 71).

في باب محاسبة العمل من كتاب الايمان و الكفر من الكافي (ص 329 ج 2 من المعرب): قال أبو عبد الله عليه السلام لرجل: إنك قد جعلت طبيب نفسك، و بين لك الداء، و عرفت آية الصحة، و دللت على الدواء، فانظر كيف قيامك على نفسك.

و في ذلك الباب عنه عليه السلام أيضا: اقصر نفسك عما يضرها من قبل أن تفارقك واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك فإن نفسك رهينة بعملك.

و فيه عنه عليه السلام أيضا قال: كتب رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه يا أبا ذر أطرفنى بشي‏ء من العلم، فكتب إليه: أن العلم كثير و لكن إن قدرت أن لا تسيئ إلى من تحبه فافعل، قال: فقال له الرجل: و هل رأيت أحدا يسيئ إلى من يحبه؟

فقال له: نعم نفسك أحب الأنفس إليك فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها.

قوله عليه السلام: (و حيث تناهت بك امورك‏- إلخ) قال بعضهم: حيث‏ عطف على‏ سبيلك‏، أى‏ فقد بين الله لك‏ مالك و منقلبك، قال تعالى: و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‏، فهو عليه السلام يحذره عن عاقبته الوخيمة، و يخوفه عن جزاء أعماله الفاضحة، ثم كأنما قيل: و إلى ما تناهت به اموره و أى شي‏ء يترتب على أفعاله؟ فأجاب عليه السلام: فإنه‏ قد أجري إلى غاية خسر إلخ، فما تناهت به اموره جزاء أعماله السيئة.

هذا غاية ما يمكن أن يقرر معنى العبارة على قول هذا البعض، و لكن الإنصاف أن الصواب هو ما أفاده الفاضل الشارح المعتزلي كما تقدم في بيان الإعراب، أى قف‏ حيث‏ أنت لأنك‏ قد أجريت إلى غاية خسر فالفاء في‏ فقد في معرض التعليل للفعل المحذوف أعنى قف، و الكلام على هذا الوجه خال عن التكلف دون الأول.

و لا يخفى لطافة قوله عليه السلام: و إن نفسك قد أوحلتك شرا، و قد علمت أن معنى‏ أوحلتك‏ أو رطتك في الوحل، فالويل ثم الويل لمن أطاع نفسه و نسى حظه، فإن النفس لأمارة بالسوء ينسي مطيعه ذكر الله تعالى كما قال تعالى: استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله‏، و قال تعالى: و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى و قد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسى و كذلك نجزي من أسرف و لم يؤمن بآيات ربه و لعذاب الآخرة أشد و أبقى‏ (طه: 125).

هذا آخر المجلد الخامس من تكملة منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة و به انتهى المنهاج إلى المجلد التاسع عشر، و لله الحمد على ما أولانا، و له الشكر بما تفضل علينا من إفاضة مننه، و إسبال نعمه علينا، و كيف أشكره تعالى حق شكره و ليس من شكر أشكره به إلا و هو نعمة جزيلة أنعم بها علي، اللهم ارزقنا قلبا ذاكرا و لسانا شاكرا، اللهم ثبت قلوبنا على دينك، اللهم ارزقنا نعمة الحضور عندك، اللهم يا عاصم قلوب المؤمنين خلصنا من شرور أنفسنا و وفقنا بالتنعم من مأدبتك القرآن الفرقان العظيم، و باتباع سنة نبيك الكريم، و اطاعتك و اطاعة رسولك و اولى الأمر الذين هم وسائط فيضك و أبواب رحمتك يا أرحم الراحمين.

و قد حصل الفراغ من تأليف هذا السفر الكريم بيد العبد الراجى لقاء ربه الرحيم: نجم الدين الحسن بن عبد الله الطبري الاملي في الامل، ليلة الأربعاء الثامنة عشر من ربيع المولود من شهور سنة تسع و ثمانين و ثلاثمائة بعد الألف من هجرة خاتم النبيين صلى الله عليه و على آله الطيبين الطاهرين، و الحمد لله، و آخر دعويهم أن الحمد لله رب العالمين.

الترجمة

اين نامه‏ ايست كه أمير عليه السلام بمعاوية نوشت:

در آنچه كه در دست دارى از خدا بترس، و حق خدا را بر خود بنگر و بشناختن آنچه كه عذرت در ندانستن آن پذيرفته نمى ‏شود باز گرد، زيرا براى بندگى و طاعت نشانها و پرچمهاى روشن، و راههاى هويدا، و جاده آشكار و نتيجه و غايت مطلوبست خردمندان بدان در آيند، و سفلگان از آن روى گردانند، هر كه از آنها بازگشت از حق برگشت، و در وادى گمراهى بسر برد، و خداى نعمتش را بر وى دگرگون كرد، و او را در عذابش افكند پس خويشتن را درياب و خود را باش كه خدا راه را برايت روشن كرد، و چون كارها بدست تو افتاد نهايت زيان را از دست خويش جارى كردى و در وادى كفر در آمدى، نفست تو را به شر كشانيد و از دست وى بگل درماندى و تو را بگمراهى در آورد و به نابودي ها رسانيد و راهها را بر تو دشوار كرد.

إلى هنا انتهى الجزء التاسع عشر من هذه الطبعة النفيسة القيمة و تم تصحيحه و ترتيبه بيد العبد- السيد ابراهيم الميانجى- عفى عنه و عن والديه فى اليوم السابع من شهر رجب الأصب- 1389- و يليه انشاء الله الجزء العشرون و أوله: المختار الحادى و الثلاثون و الحمد لله كما هو أهله.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.