google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
20 نامه هاشرح و ترجمه میر حبیب الله خوئینامه هاشرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 26 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 26 صبحی صالح

26- و من عهد له ( عليه ‏السلام  ) إلى بعض عماله و قد بعثه على الصدقة

أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي سَرَائِرِ أَمْرِهِ وَ خَفِيَّاتِ عَمَلِهِ حَيْثُ لَا شَهِيدَ غَيْرُهُ وَ لَا وَكِيلَ دُونَهُ

وَ أَمَرَهُ أَلَّا يَعْمَلَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا ظَهَرَ فَيُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ فِيمَا أَسَرَّ وَ مَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ سِرُّهُ وَ عَلَانِيَتُهُ وَ فِعْلُهُ وَ مَقَالَتُهُ فَقَدْ أَدَّى الْأَمَانَةَ وَ أَخْلَصَ الْعِبَادَةَ

وَ أَمَرَهُ أَلَّا يَجْبَهَهُمْ وَ لَا يَعْضَهَهُمْ وَ لَا يَرْغَبَ عَنْهُمْ تَفَضُّلًا بِالْإِمَارَةِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمُ الْإِخْوَانُ فِي الدِّينِ وَ الْأَعْوَانُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ

وَ إِنَّ لَكَ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَ حَقّاً مَعْلُوماً وَ شُرَكَاءَ أَهْلَ مَسْكَنَةٍ وَ ضُعَفَاءَ ذَوِي فَاقَةٍ وَ إِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ وَ إِلَّا تَفْعَلْ فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ خُصُوماً يَوْمَ الْقِيَامَةِ  وَ بُؤْسَى لِمَنْ خَصْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ الْفُقَرَاءُ وَ الْمَسَاكِينُ وَ السَّائِلُونَ وَ الْمَدْفُوعُونَ وَ الْغَارِمُونَ وَ ابْنُ السَّبِيلِ

وَ مَنِ اسْتَهَانَ بِالْأَمَانَةِ وَ رَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ وَ لَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ وَ دِينَهُ عَنْهَا فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ الذُّلَّ وَ الْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ أَذَلُّ وَ أَخْزَى

وَ إِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الْأُمَّةِ وَ أَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الْأَئِمَّةِ وَ السَّلَامُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج 19  

و من عهد له عليه الصلاة و السلام الى بعض عماله و قد بعثه على الصدقة- و هو المختار السادس و العشرون من باب كتبه عليه السلام و رسائله‏

أمره بتقوى الله في سرائر اموره و خفيات أعماله حيث لا شهيد غيره، و لا وكيل دونه. و أمره أن لا يعمل بشيى‏ء من طاعة الله فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسر، و من لم يختلف سره و علانيته و فعله و مقالته فقد أدى الأمانة، و أخلص العبادة. و أمره ألا يجبههم و لا يعضههم و لا يرغب عنهم تفضلا بالإمارة عليهم فإنهم الإخوان في الدين، و الأعوان على استخراج الحقوق. و إن لك في هذه الصدقة نصيبا مفروضا، و حقا معلوما، و شركاء أهل مسكنة، و ضعفاء ذوي فاقة، و إنا موفوك حقك فوفهم حقوقهم، و إلا فإنك من أكثر الناس خصوما يوم القيامة و بؤسا لمن خصمه عند الله الفقراء و المساكين و السائلون و المدفوعون و الغارم و ابن السبيل، و من استهان بالأمانة و رتع في الخيانة و لم‏ ينزه نفسه و دينه عنها فقد أخل بنفسه في الدنيا و هو في الاخرة أذل و أخزى، و إن أعظم الخيانة خيانة الأمنة، و أفظع الغش غش الأئمة.

المصدر

رواه القاضي نعمان المصري رحمه الله تعالى المتوفى 363 ه ق- مسندا في دعائم الاسلام كما في الباب 12 من كتاب الزكاة من مستدرك الوسائل للمحدث المتضلع الحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي- ره- (ص 516 ج 1)، و في باب أدب المصدق من كتاب الزكاة من البحار للعلامة المجلسي- ره- (ص 22 ج 20 من الطبع الكمبانى) و نقله من النهج في المجلد الثامن من البحار (ص 642) و المنقول عن الدعائم أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام أوصي مخنف بن سليم الأزدي و قد بعثه علي الصدقة بوصية طويلة أمره فيها بتقوى الله ربه في سرائر اموره و خفيات أعماله و أن يتلقاهم (يلقاهم- نسخة) ببسط الوجه و لين الجانب، و أمره أن يلزم التواضع و يجتنب التكبر فان الله يرفع المتواضعين و يضع المتكبرين.

ثم قال له (و قال له. خ) يا مخنف بن سليم إن لك في هذه الصدقة حقا و نصيبا مفروضا (نصيبا و حقا مفروضا. خ) و لك فيها شركاء فقراء و مساكين و غارمون و مجاهدون و أبناء سبيل و مملوكون و متألفون و إنا موفوك حقك فوفهم حقوقهم و إلا فانك من أكثر الناس يوم القيامة خصما و بؤسا لامرى‏ء خصمه مثل هؤلاء. انتهى.

أقول: لم نجد الوصية بطولها فيما عندنا من الجوامع الروائية و غيرها مع كثرة الفحص و الجد في الطلب، و لم يحضرنا دعائم الاسلام و لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

اللغة

(لا يجبههم) أي لا يزجرهم أصله من الجبه بمعنى مقابلة الانسان بما يكرهه. قال ابن الأثير في النهاية: الجبه هو الاستقبال بالمكروه و أصله من اصابة الجبهة يقال: جبهته إذا أصبت جبهته. انتهى قوله. و قال الشارح المعتزلي: و أن لا يجبههم: لا يواجههم بما يكرهونه و أصل الجبه لقاء الجبهة أو ضربها فلما كان المواجه غيره بالكلام القبيح كالضارب جبهته سمى بذلك جبها. انتهى. و في القاموس: جبهه كمنعه ضرب جبهته و رده أو لقيه بما يكره. انتهى. و في منتهى الأرب جبهه (من باب فتح): زد بر پيشانى او و رد كرد آن را، و بمكروه پيش آمد او را و نابايست آورد بر وى. انتهى. و قال امية بن أبي الصلت في ابن له عقه:[1]

غذوتك مولودا و علتك يافعاتعل بما ادني إليك و تنهل‏
إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت‏لشكوك إلا ساهرا أتململ‏
كأني أنا المطروق دونك بالذي‏طرقت به دوني و عيني تهمل‏
فلما بلغت السن و الغاية التي‏إليها مدى ما كنت فيك اؤمل‏
جعلت جزائي منك جبها و غلظةكأنك أنت المنعم المتفضل‏
فليتك إذ لم ترع حق ابوتي‏فعلت كما الجار المجاور يفعل‏
تراه معدا للخلاف كأنه‏برد على أهل الصواب موكل‏

(و لا يعضههم) اى لا يرميهم بالبهتان و الكذب و في القاموس عضه كمن عضها و يحرك و عضيهة و عضهة بالكسر كذب و سحر و نم و جاء بالإفك و البهتان كأعضه و فلانا بهته و قال فيه ما لم يكن انتهى. و قال المتوكل الليثي (الحماسة 442 من شرح المرزوقي).

احذر وصال اللئيم إن له‏عضها إذا حبل وصله انقطعا

و قال المرزوقي في شرحه: احذر مواصلة اللئيم و مؤاخاته لأنه إذا انقطع حبل وصله و انصرم ما يجمعك و إياه من وده يتكذب عليك و يخلق من الإفك فيك ما لم تكتسبه لا بيدك و لا لسانك، و العضه ذكر القبيح كذبا و زورا و يقال:عضهته إذا رميته بالزور. و أعضه الرجل أتى بالعضيهة و هي الإفك، و من كلامهم يا للعضيهة و يا للأفيكة.

(بؤسا) قال الجوهرى في الصحاح نقلا عن أبي زيد في كتاب الهمزة: بئس الرجل يبأس بؤسا و بئيسا اشتدت حاجته فهو بائس. أنشد أبو عمرو:

بيضاء من أهل المدينة لم تذق‏بئسا و لم تتبع حمولة مجحد

و هو اسم وضع موضع المصدر. و قال الشارح المعتزلي: قال الراوندى بؤسا أى عذابا و شدة ثم خطأه بقوله: فظنه منونا و ليس كذلك بل هو بؤسى على وزن فعلى كفضلى و نعمى و هي لفظة مؤنثة يقال: بؤسى بفلان، قال الشاعر:

أرى الحلم بؤسى للفتى في حياته‏و لا عيش إلا ما حباك به الجهل‏

انتهى قوله. و أقول: نسخة الرضي تطابق ما اختاره الراوندى و اللغة أيضا توافقه و انتصابه على المصدر كما يقال سحقا لك و بعدا لك، فما صححه الراوندى ليس بخطاء. نعم ما فسره الراوندي بقوله: أى عذابا و شدة، مخدوش لأن العذاب و الشدة ليس من معانى البؤس بل هما من معانى البأس.

(الفقراء و المساكين) قال عز من قائل: إنما الصدقات للفقراء و المساكين‏ الاية «التوبة 60» قد ذهب جماعة إلى انهما مترادفان، و لكن الحق كما هو الظاهر من كلام الحق تعالى أنهما متغايران و ذهب إليه أكثر العلماء و لكنهم اختلفوا في معناهما على أقوال كثيرة بعد ما اتفقوا على استحقاقهما من الزكاة و الأصح أن المسكين أسوأ حالا من الفقير و أنه المحتاج الذي يسأل و الفقير المحتاج الذي لا يسأل، لما رواه الكليني قدس سره في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه سأله عن الفقير و المسكين فقال: الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل.

و عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قول الله عز و جل: إنما الصدقات للفقراء و المساكين‏، قال: الفقير الذي لا يسأل الناس و المسكين أجهد منه و البائس أجهدهم.

أقول: يعطى معنى المسكين الذي قاله الامام عليه السلام من أنه الذي أجهد منه قوله تعالى: أو مسكينا ذا متربة و ذكر أهل اللغة و التفسير: المتربة الحاجة الشديدة. و من أنه الذي يسأل قوله تعالى: فانطلقوا و هم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين‏- القلم- 26»، و قوله تعالى: و إذا حضر القسمة أولوا القربى و اليتامى و المساكين فارزقوهم منه و قولوا لهم قولا معروفا- النساء- 10» و قوله تعالى: و لا يأتل أولوا الفضل منكم و السعة أن يؤتوا أولي القربى و المساكين و المهاجرين في سبيل الله‏ الاية- النور- 23».

و يعطى معنى الفقير من أنه الذي لا يسأل قوله تعالى: للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا- البقرة- 277» و قوله تعالى:إن تبدوا الصدقات فنعما هي و إن تخفوها و تؤتوها الفقراء فهو خير لكم‏- البقرة- 275»، و قوله تعالى: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا- الاية- الحشر- 9».

ثم إن المسكين بحسب النسبة أعم من الفقير لأن الفقير مقابل الغنى أي الذي ليس له مال و المسكين من كانت به المسكنة أيضا. و بعد في المقام بحث طويل الذيل أعرضنا عنه لخروجه من موضوع الكتاب و خوفا من الاسهاب و الاطناب، فراجع إلى تفاسير القرآن الكريم و في زكاة الكتب الفقهية، و قد أشبع الكلام السيد صاحب المدارك عند قول المحقق- ره- في زكاة الشرائع: أصناف المستحقين للزكاة سبعة: الفقراء و المساكين إلخ. (ص 277 من الطبع الرحلي على الحجر).

(المدفوعون) جمع المدفوع من دفعه إذا نحاه و أبعده و رده. قيل: المراد منه هنا الفقير لأن كل أحد يكرهه و يدفعه عن نفسه و سيأتي بقية الكلام فيه في المعنى.

و قال المجلسي- ره- في البحار (ص 643 ج 8 من الطبع الكمباني) و في بعض النسخ: المدقعون بالقاف، قال في القاموس: المدقع كمحسن الملصق‏

بالدقعاء و هو التراب. انتهى.

و أقول: منه قول رسول الله صلى الله عليه و آله للنساء: إنكن إذا جعتن دقعتن و إذا شبعتن خجلتن، و لكن الصواب ما اخترناه و هو الذي موافق لنسخة الرضي- ره-.

(الغارم) الذي علاه الدين لا يجد القضاء. (رتع) كمنع اى أكل و شرب ما شاء في خصب و سعة. (فقد أخل بنفسه في الدنيا و هو في الاخرة أذل و أخزى) هذا هو المطابق للنسخة التي قوبلت بنسخة الشريف الرضي- ره- و هو أخل بالخاء المعجمة من غير ذكر الخزي كما في بعض النسخ، و من غير ذكر الذل و الخزى كما في نسخ اخرى. و في أكثر النسخ المطبوعة فقد أحل بنفسه في الدنيا الذل و الخزي بالحاء المهملة في أحل، و في بعضها الاخر فقد أذل نفسه في الدنيا الخزي.

و في نسخة اخرى مخطوطة، فقد أحل بنفسه في الدنيا الخزي. و جعل بعضهم الخزى بضم الخاء و فتح الزاي جمع الخزية بفتح الخاء أى البلية و لكن الصواب ما اخترناه موافقا للرضي- ره-.

قال في القاموس: أخل بالشي‏ء أجحف و بالمكان و غيره غاب عنه و تركه و الوالى بالثغور قلل الجند بها و بالرجل لم يف له و الخلة الحاجة و الفقر و الخصاصة، و في المثل: الخلة تدعو إلى السلة أى إلى السرقة. خل و اخل بالضم احتاج و رجل مخل و مختل و خليل و أخل معدم فقير و اختل إليه احتاج و ما أخلك الله إليه ما أحوجك و الأخل الأفقر. و ما يناسب المقام هو المعنى الأول أعنى الإجحاف. (الأمنة) قال الجوهرى في الصحاح: الأمنة الأمن و منه أمنة نعاسا و الأمنة أيضا الذين يثق بكل أحد و في منتهى الأرب: أمنة محركة بي بيمي و راستى ضد خيانت و بمعنى امنة كهمزه است ثم قال: امنة كهمزة آنكه بر هر كس ايمن باشد و اعتماد كند و آنكه بروى هر كس اعتماد كند در هر كارى انتهى.

و هذا المعنى الأخير هو المراد إن قلنا أن المصدر مضاف إلى الفاعل، و إن قلنا أنه مضاف إلى المفعول به فمعناها هو الذي يثق بكل أحد كما سيأتي.

و في عدة نسخ من المخطوطة و المطبوعة الامة مكان الأمنة إلا نسخة الرضي رضوان الله عليه و هي التي اخترناها.

الاعراب‏

كلمة أمره في المواضع الثلاثة من العهد مشكولة في نسخة عندنا قوبلت بنسخة الرضي بفتح الهمزة و الميم و الراء، و في غيرها من النسخ التي عندنا آمره بمد الهمزة و ضم الميم و الراء، فعلى الأول فعل ماض مغايب و على الثاني متكلم من المضارع، و الصواب هو الأول و ذلك لأن اسلوب كلامه عليه السلام في هذا العهد على وزان عهده الذي كتبه إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر و هو: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد عبد الله على أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر أمره بتقوى الله و الطاعة في السر و العلانية- إلى أن قال عليه السلام: و أمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة و الجماعة- إلى أن قال عليه السلام: و أمره أن يجبى خراج الأرض- إلى أن قال عليه السلام: و أمره أن يحكم بين الناس بالحق- إلى آخر العهد. أتي به في جمهرة رسائل العرب (ص 532 ج 1) ناقلا عن تاريخ الطبرى (ص 231 ج 5) و شرح ابن أبي الحديد (ص 25 ج 2) فضمير أمر يرجع إلى الاسم الظاهر و هو عبد الله علي أمير المؤمنين عليه السلام و كذا الكلام في هذا العهد لأنه كما دريت طويل و لم يذكره الرضي كاملا، و كانت الكلمة على نسخة الرضى على هيئة الماضي فالمختار هو المتعين.

(فيخالف) الفعل منصوب لأنه وقع بعد الفاء التي وقعت جوابا للنفى أعنى لا يعمل و قد قرر في النحو أن المضارع ينصب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء التي وقعت جوابا لنفى أو طلب، قال ابن مالك في باب اعراب الفعل من الألفية:

و بعد فا جواب نفى أو طلب‏محضين أن و سترها حتم نصب‏

(تفضلا) انتصب على المفعول له. و الظاهر أن قوله بالامارة متعلق بلا يرغب و إن امكن تعلقه بالأفعال الثلاثة جميعا. (فانهم الأخوان) تعليل لما أمره ثالثا. قال الشارح الفاضل المعتزلي: انتصب أهل مسكنة لأنه صفة شركاء و في التحقيق أن شركاء صفة أيضا موصوفها محذوف فيكون صفة بعد صفة و قال: قال‏ الراوندي: انتصب أهل مسكنة لأنه بدل من شركاء. ثم خطأه بقوله: و هذا غلط لأنه لا يعطي معناه ليكون بدلا منه. انتهى.و أقول: إن ذوي فاقة بدل لقوله ضعفاء و لا ضير في كون أهل مسكنة بدلا لقوله شركاء فان أهل مسكنة في المقام هو المقصود بالذات قال ابن مالك:

التابع المقصود بالحكم بلاواسطة هو المسمى بدلا

و كونه مقصودا بالذات لا يستلزم أن يكون المتبوع ساقطا رأسا أو يجعل في حكم الساقط كما يشاهد في بعض كتب النحو إلا في بدل الغلط و ذلك لأن في ذكر المتبوع أعنى المبدل منه فائدة لا محالة لم تحصل لو لم يذكر صونا لكلام الفصحاء عن اللغو و لا سيما كلامه تعالى و كلام نبيه صلى الله عليه و آله فادعاء كونه غير مقصود بالنسبة مع كونه منسوبا إليه في الظاهر و اشتماله على فائدة يصح أن ينسب إليه لأجلها دعوى خلاف الظاهر، كما أفاده العالم الأديب الرضي رحمه الله تعالى في شرحه على الكافية. و تلك الفائدة هي تقوية الحكم و تقريره لأنه بمنزلة إسناد الحكم إلى المحكوم عليه مرتين كما أفاده الفاضل العالم السيد عليخان رحمه الله تعالى في شرحه على الصمدية.

ثم إن قول الفاضل الشارح: لأنه لا يعطى معناه ليكون بدلا منه، لا يجرى في بدل الغلط، على أن بعض النحاة ذهب إلى أن اثنين في قوله تعالى: و لا تتخذوا إلهين اثنين‏ بدل كل معللا بقوله: لعدم اشتراط بدل الكل أن يكون متحدا مع المبدل في المفهوم بل في المصداق فمن حكم أنه بدل بعض متمسكا بأن مفهومه بعض من مفهوم إلهين فقد أخطأ، أتى به الفاضل الميرزه أبو طالب في تعليقته على باب النعت من شرح السيوطي على الألفية. (فقد أخل) جواب لقوله: و من استهان. (و أفظع) منصوب بأن معطوف على أعظم.

(خيانة الأمنة) مصدر مضاف إلى الفاعل، أو مصدر مضاف إلى المفعول به و إن كان الأول أولى، و أما إذا كانت الامة مكان الأمنة فالثانى ليس إلا.

المعنى‏

قد أوصى أمير المؤمنين عليه السلام مخنف بن سليم الأزدي بهذه الوصية لما بعثه على الصدقة. قال الاسترابادي في كتاب رجاله الكبير: مخنف بن سليم الأزدي عربي كوفي و في [د] مخنف بن سليم [الأزدي [ى‏]- جخ‏] من خواصه عربى. و في [ق‏] في أصحابه من اليمن مخنف بن سليم الأزدي و كذا في [صه‏] نقلا عنه و في الجامع مخنف بن سليم الأزدي بن الحارث بن عوف بن ثعلبة بن الدول بن سعد بن مناة ابن غامد الغامدى ولاه علي بن أبي طالب عليه السلام اصفهان روى عنه ابنه أبو رملة و اسمه عامر عداده في أهل البصرة و قيل في أهل الكعبة. مخنف بكسر الميم و سكون الخاء المعجمة و فتح النون و بالفاء. سليم بضم السين و فتح اللام. و الدول بضم الدال و باللام. و غامد بالغين المعجمة و رملة بفتح الراء و باللام. انتهى كلام الأسترابادي.

و أقول: ما حصل لنا من الجوامع و المجاميع أن أمير المؤمنين عليه السلام أوصى مخنف بن سليم بهذه الوصية لما بعثه على الصدقة، و كتب إليه كتابا لما كان عامله على اصبهان و همدان و ذلك أن الأمير عليه السلام لما أجمع أن يسير إلى الشام لقتال معاوية كتب إلى عماله يستفزهم فكتب إلى مخنف:

سلام عليك فاني أحمد اليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن جهاد من صدف عن الحق رغبة عنه، و هب في نعاس العمي و الضلال اختيارا به، فريضة على العارفين، إن الله يرضي عمن أرضاه و يسخط على من عصاه. و إنا قد هممنا بالسير إلى هؤلاء القوم الذين عملوا في عباد الله بغير ما أنزل الله، و استأثروا بالفي‏ء و عطلوا الحدود، و أماتوا الحق، و أظهروا في الأرض الفساد، و اتخذوا الفاسقين وليجة من دون المؤمنين، فاذا ولي الله أعظم أحداثهم أبغضوه و أقصوه و حرموه و إذا ظالم ساعدهم على ظلمهم أحبوه و أدنوه و بروه، فقد أصروا على ظلمهم و أجمعوا على الخلاف و قديما صدوا عن الحق و تعاونوا على الاثم و كانوا ظالمين فاذا أتيت بكتابى هذا فاستخلف على عملك أوثق أصحابك في نفسك و أقبل إلينا لعلك تلقى معنا هذا العدو المحل فتأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر، و تجامع المحق، و تباين المبطل فإنه لا غنى بنا و لا بك عن أجر الجهاد و حسبنا الله و نعم الوكيل.و كتبه عبيد الله بن أبي رافع في سنة سبع و ثلاثين.

فاستخلف مخنف على اصبهان الحارث بن أبي الحارث بن الربيع، و استعمل على همدان سعيد بن وهب و كلاهما من قومه، و أقبل حتى شهد مع على عليه السلام صفين.نقله في جمهرة رسائل العرب (ص 458 ج 1) عن شرح ابن أبي الحديد (ص 282 ج 1).

قوله عليه السلام: (أمره بتقوى الله‏ إلخ) أمره‏ عليه السلام في هذا الوصية بأوامر بعضها يبين وظيفته مع الخالق تعالى و بعضها يبين وظيفته مع الخلق، و ذكر للأول أمرين أحدهما قوله عليه السلام: أمره بتقوى الله‏ إلخ، و قد تقدم منا أنه عليه السلام كان يوصى في أكثر كتبه و عهوده و وصاياه أولا بتقوى الله‏ و كان هذا من دأبه عليه السلام امتثالا لأمر الله سبحانه و اقتداء بكلامه حيث قال: و لقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و إياكم أن اتقوا الله‏ (النساء 132) فراجع إلى شرح المختار الثاني عشر من باب الكتب (ص 84 ج 18) و إلى شرح المختار الخامس و العشرين.

و قد أفاد بعض الأماجد أن جميع خيرات الدنيا و الاخرة جمعت في كلمة واحدة هي التقوى. انظر إلى القرآن ما علق عليها من خير و ثواب و أضاف إليها من سعادة و كرامة دنيوية و اخروية:

الأول الثناء عليها قال الله سبحانه: و إن تصبروا و تتقوا فإن ذلك من عزم الأمور.

الثاني الحفظ و الحراسة من الأعداء و الماكرين قال الله تعالى: و إن تصبروا و تتقوا لا يضركم كيدهم شيئا.

الثالث التأييد و النصر قال الله تعالى: إن الله مع الذين اتقوا.

الرابع النجاة من النار قال الله سبحانه: ثم ننجي الذين اتقوا.

الخامس الخلود في الجنة قال الله تعالى: أعدت للمتقين‏.

السادس النجاة من الشدائد و الرزق الحلال قال الله تعالى: و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب‏.

السابع إصلاح العمل قال عز شأنه: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم‏.

الثامن غفران الذنب قال الله جل جلاله: و يغفر لكم ذنوبكم*.

التاسع محبة الله تعالى عز اسمه: إن الله يحب المتقين‏.

العاشر قبول الأعمال قال الله عم نواله: إنما يتقبل الله من المتقين‏.

الحادى عشر الاكرام و الإعزاز قال الله تبارك و تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏.

الثاني عشر البشارة عند الموت قال الله عظم شأنه: الذين آمنوا و كانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة.

و لأجل اجتماع تلك الخصال قال الله سبحانه: و لقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و إياكم أن اتقوا الله‏.

و أفاد نحوه مع زيادات من روايات و إشارات الشيخ العالم الرباني جمال الدين أحمد بن فهد الحلي قدس سره في أواخر كتاب عدة الداعى و نجاح الساعى (ص 226) فراجع.

و المروي في مجمع البيان في تفسير القرآن عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال: جماع التقوى في قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون‏ (النحل 91). قال:

و قيل: المتقي الذي اتقى ما حرم عليه و فعل ما أوجب عليه. و قيل: هو الذي يتقى بصالح أعماله عذاب الله. و سأل عمر بن الخطاب كعب الأخبار عن التقوى فقال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ فقال: نعم، قال: فما عملت فيه؟ قال: حذرت و تشمرت فقال كعب: ذلك التقوى. و نظمه بعض الناس فقال:

خل الذنوب صغيرهاو كبيرها فهو التقى‏
و اصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى‏
لا تحقرن صغيرةإن الجبال من الحصى‏

و روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال: انما سمي المتقون لتركهم مالا بأس به حذرا للوقوع فيما به بأس. و قال عمر بن عبد العزيز: التقى ملجم كالمحرم في الحرم.

و قال بعضهم: التقوى أن لا يراك الله حيث نهاك و لا يفقدك حيث أمرك. انتهى ما في المجمع في المقام، و قد أتي به في أول سورة البقرة.

و أقول: ما نقله من سؤال عمر عن التقوى أتى به السيوطى في الدر المنثور أيضا لكنه قال: أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن أبي هريرة أن رجلا قال له: ما التقوى؟ قال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم قال: فكيف صنعت؟ قال إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه قال: ذاك التقوى انتهى. فليتأمل.

ثم إن قول الشاعر: لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى، كأنه يشير إلى قول رسول الله صلى الله عليه و آله حيث نزل بأرض قرعاء فقال لأصحابه: ايتونا بحطب فقالوا:

يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب قال: فليأت كل انسان بما قدر عليه فجاءوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: هكذا تجتمع الذنوب ثم قال: إياكم و المحقرات من الذنوب فان لكل شي‏ء طالبا ألا و إن طالبها يكتب ما قدموا و آثارهم و كل شي‏ء أحصيناه في امام مبين. رواه الكليني قدس سره في الكافي. و أتى به الفيض في باب استصغار الذنب و الاصرار عليه من الوافي (ص 168 ج 3).

و في أول سورة البقرة من تفسير الدر المنثور روايات و حكايات مفيدة في التقوى و لكن رأسها ما وصفه إمام المتقين علي أمير المؤمنين عليه السلام لهمام بن شريح بن يزيد بن مرة رضوان الله عليه و هو المختار 191 من باب الخطب من النهج أوله:روى أن صاحبا لأمير المؤمنين عليه السلام يقال له همام كان رجلا عابدا- إلخ. و قد

رواه ثقة الاسلام الكليني في باب المؤمن و علاماته و صفاته من اصول الكافي ص 979 ج 2 من الكافي المشكول. و رواه الصدوق- ره- في المجالس أيضا. و الشيخ الكراجكي- ره- في كنز الفوائد. و هو مروي أيضا في كتاب سليم بن قيس الكوفي ص 190 من طبع النجف. و راجع أيضا إلى باب صفات الشيعة و أصنافهم من المجلد الخامس عشر من البحار (ص 154 من الطبع الكمبانى). و إلى باب صفات المؤمن و علاماته من الوافي (ص 33 ج 3). و مرآة العقول (ص 201 ج 2) من المطبوع على الحجر.

ثم أوصى عليه السلام أن يكون تقواه‏ في سرائر أمره‏ و خفيات‏ عمله و ذلك لأن الانسان يأبى عن إتيان الفواحش في مرئى الناس صونا عن أن يتطرق إليه ما لا يرضى مما يضره و يمنعه من الوصول إلى ما يهويه و يشتهيه. ثم علل ذلك تنبيها له بقوله: (حيث لا شهيد غيره و لا وكيل دونه) فمن عرف أنه تعالى‏ شهيد و وكيل‏ لا غير و أنه بده اللازم و معه اينما كان فهو لا يفعل إلا ما أجازه تعالى و أمره به فهذا العرفان و الشهود أشد بمراحل من الحضور مع الناس بل أين هذا من ذلك فلا يرتكب المعاصى إلا الغافل الذي لا يدري أنه من هو و بين يدي من هو و مع من هو، فهو من الذين قال عز من قائل: استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله. و بما قدمناه دريت أن ما ذهب إليه الشارح المعتزلي و فسر كلامه عليه السلام‏ حيث لا شهيد و لا وكيل‏ بقوله يعنى يوم القيمة و هم، لأنه تعالى‏ شهيد و وكيل‏ في الدنيا و الاخرة. و تفسير الكلام هو ما بيناه لا غير و ما فسره الشارح المذكور يشابه كلام الظاهريين من المتكلمين.

و روى ثقة الإسلام الكليني- ره- في الجامع الكافي عن إسحاق بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه السلام: يا إسحاق خف الله كأنك تراه و إن كنت لا تراه فانه يراك، و ان كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت و إن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين عليك. و ما أجاد قول العارف عبد الرحمن الجامي في سبحة الأبرار حيث قال:

در مقامي كه كنى قصد گناه‏گر كند كودكى از دور نگاه‏
شرم دارى ز گنه در گذرى‏پرده عصمت خود را ندرى‏
شرم بادت ز خداوند جهان‏كه بود واقف أسرار جهان‏
بر تو باشد نظرش بيگه و گاه‏تو كنى در نظرش قصد گناه‏

و قد مضى بحثنا عن رؤيته تعالى في المختار الثامن من كتبه عليه السلام و رسائله (ص 242 ج 17) فراجع. و سيأتي نقل رسالتنا منفردة في لقائه تعالى فارتقب.

قوله: عليه السلام‏ (و أمره أن لا يعمل‏- إلخ) هذا ثانى الأمرين الذين ذكرهما بيانا لوظيفة العبد مع خالقه تعالى و حاصله أن العبد يجب له الاجتناب من الرياء و السمعة و النفاق، ثم عرف الأمين و المخلص ترغيبا للعباد إليهما بقوله: (و من لم يختلف سره‏- إلخ.) و قد روى ثقة الإسلام الكليني قدس سره في الجامع الكافي باسناده عن مسع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ما زاد خشوع الجسد على القلب فهو عندنا نفاق. رواه في آخر باب صفة النفاق و المنافق من كتاب الايمان و الكفر من اصول الكافي (ص 289 ج 2 من الكافي المشكول).

و الظاهر أن المراد بالأمانة في المقام هو أمانة العامل على الصدقات بأن يقال:لما كان عليه السلام‏ بعث‏ مخنف بن سليم‏ على الصدقة و اتخذه أمينا على حفظها في غيابه و بعض الناس يخالف سرهم علانيتهم قال ذلك تحريضا للأمين إلى أداء الأمانة و إخلاص‏ العبادة. و لكلامه هذا أثر تام لمن يبعث على عمل و حفظ مال و نحوهما حيث لا يعلم ما يعمل إلا الله الشهيد الحفيظ.

قوله عليه السلام: (و أمره أن لا يجبههم‏- إلخ) أخذ عليه السلام في بيان وظيفة العامل مع الخلق أمره أن لا يواجههم بما يكرهونه و لا يقول فيهم ما لم يكن فيهم بأن يقول مثلا: ما تعلق به الزكاة من أموالكم كان أكثر من ذلك و انما كتمتموها منى أو ما تدعون من أنكم أديتم الزكاة لا أتقبل منكم و إنما تقولون به فرارا من الزكاة و نحوها، و أن لا يعرض‏ عنهم تفضلا بالإمارة عليهم‏ أى لا يوجب إمارته عليهم هذه الامور كما هو دأب من غرته الإمارة. ثم علل عليه السلام ما أمره به بقوله:

(فإنهم الاخوان في الدين و الأعوان على استخراج الحقوق) فالاعراض عنهم و مقابلتهم بما يكرهون و الإفك فيهم يوجب تفرقهم و تنفر طباعهم، و تعطيل‏ الحقوق‏ و تفرقة الاخوان‏ مستلزمة لتخريب البلدان، و تضييع‏ الحقوق‏ يؤدى إلى مفاسد كثيرة، و قد أكد عليه السلام في مواضع كثيرة بتأدية حقوق الإخوان و مراعاة أحوالهم، و بين منزلتهم ببيانات شافية وافية، و كلامه عليه السلام في ذلك في النهج مشحون.

قوله عليه السلام: (و إن لك في هذه الصدقة- إلخ) و ذلك لأن مخنف كان عامله‏ على الصدقة و قد قال عز من قائل في سورة التوبة: إنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل فريضة من الله و الله عليم حكيم‏.

ثم قال له: إن لك و لغيرك في هذه الصدقات نصيبا مفروضا فوف حقوقهم كما أنا موفوك حقك فكما تحب أخذ حقك كاملا محفوظا فاحفظ حقوقهم و لا تخنهم و أدها إليهم، و وصف الشركاء بأهل مسكنة و الضعفاء بذوى فاقة تحريضا للعامل على الشفقة عليهم و حفظ أموالهم و تأدية حقوقهم و عدم خيانته إياهم.

ثم حذره عن سوء الخاتمه و نكال الاخرة بقوله: (و إلا فانك‏- إلخ) أى و إن لم توف حقوقهم‏ فإنك من أكثر الناس خصوما يوم القيامة. اى يكون خصومك‏ أكثر الناس‏ و هم مستحقوا الزكاة من الفقراء و المساكين و غيرهم من أصناف المستحقين.

ثم شدد التحذير بقوله‏ (و بؤسا لمن خصمه‏- إلخ) و الخصم هم أصناف المستحقين للزكاة كما هو الظاهر من كلامه عليه السلام و هم في القرآن الكريم ثمانية إلا أن المحقق- ره- مال في الشرائع و جماعة إلى أنهم سبعة أصناف ظنا منهم أن الفقراء و المساكين صنف واحد و أن هذين اللفظين أعنى الفقراء و المساكين مترادفان و قد دريت في بيان اللغة أنه و هم و الحق أنهما متغايران كما اختاره أكثر العلماء.

و ذكر أمير المؤمنين عليه السلام أربعة أصناف منهم بلفظ القرآن و هم: الفقراء و المساكين و الغارمون و ابن السبيل‏ و أشار إلى العاملين بقوله: و إن لك في هذه الصدقة نصيبا مفروضا، فهؤلاء خمسة أصناف و بقيت ثلاثة أصناف منهم و هم المؤلفة قلوبهم و الرقاب و في سبيل الله، و بقي من كلامه عليه السلام أيضا السائلون و المدفوعون‏.

فقال الشارح البحرينى: أنه عليه السلام قد ذكر ههنا في معرض ايجاب الشفقة و الرحمة له خمسة: و هم‏ الفقراء و المساكين‏ و يدخل فيه‏ السائلون‏، ثم‏ المدفوعون‏ و يشبه أن يريد بهم العاملين عليها و سماهم مدفوعين باعتبار أنم يدفعون لجباية الصدقات أو لأنهم إذا أتوا إلى من لا زكاة عليه فسألوه هل عليه زكاة أم لا دفعهم عن نفسه و ذكرهم هنا بهذا الوصف لكونه وصف ذل و انقهار و كونه عليه السلام في معرض الأمر بالشفقة عليهم. قال بعض الشارحين: أراد بهم الفقراء السائلين لكونهم يدفعون عند السؤال، ثم‏ الغارم و ابن السبيل‏ و انما ذكر هؤلاء الخمسة أو الأربعة لكونهم أضعف حالا من الباقين. انتهى كلامه.

و لكنك علمت بما قدمنا أن الأمير عليه السلام أشار إلى العاملين عليها بقوله‏ و إن لك في هذه الصدقة نصيبا مفروضا فلا حاجة إلى التكلف الذي ارتكبه.

و قال الشارح المعتزلي: إنه عليه السلام إنما أراد أن يذكر الأصناف المذكورة في الاية فترك ذكر المؤلفة قلوبهم لأن سهمهم سقط بعد موت رسول الله صلى الله عليه و آله فقد كان يدفع إليهم حين الإسلام ضعيف‏[2] و قد أعزه الله سبحانه فاستغنى عن تأليف قلوب المشركين و بقيت سبعة أصناف و هم الفقراء و المساكين و العاملون عليها و الرقاب و الغارمون و في سبيل الله و ابن السبيل، فأما العاملون عليها فقد ذكره عليه السلام في قوله: و إن لك في هذه الصدقة نصيبا مفروضا، فبقيت ستة أصناف أتى عليه السلام بألفاظ القرآن في أربعه أصناف منها و هى: الفقراء و المساكين و الغارم و ابن السبيل‏ و أبدل لفظتين و هما الرقاب و في سبيل الله بلفظتين و هما السائلون و المدفوعون‏.

و قال: و السائلون‏ ههنا الرقاب المذكورون في الاية و هم المكاتبون يتعذر عليهم أداء مال الكتابة فيسئلون الناس ليتخلصوا من ربقة الرق و قيل: هم الاسارى يطلبون فكاك أنفسهم. و المدفوعون‏ ههناهم الذين عناهم الله تعالى في الاية بقوله: و في سبيل الله، و هم فقراء الغزاة سماهم مدفوعين لفقرهم و المدفوع و المدفع الفقير لأن كل أحد يكرهه و يدفعه عن نفسه، و قيل: هم الحجيج المنقطع بهم سماهم مدفوعين لأنهم دفعوا عن إتمام حجهم أو دفعوا عن العود إلى أهلهم.انتهى كلامه.

و أقول: إن في اختصاص سهم المؤلفة قلوبهم بزمان النبي صلى الله عليه و آله كلاما أولا، و كذا في اختصاص المؤلفة قلوبهم بالمشركين ثانيا، و كذا في اختصاص الرقاب بالمكاتبين ثالثا، و كذا في اختصاص سبيل الله بفقراء الغزاة رابعا، و في كل واحد منها بحث فقهى يطول بالورود فيها الكتاب و ينجر إلى الاسهاب و انما الغرض الاشارة إليها حتى يراجع إلى محالها من شاء. ثم إن اسلوب كلامه عليه السلام على نسخة النهج يحكى بأنه ليس في مقام بيان أصناف مستحقي الزكاة حتى يوجه كلامه بتلك الوجوه، بل أتى بأربعة أصناف منهم هم أسوء حالا من غيرهم ترغيبا للعامل الى مراعاة أحوالهم و الشفقة عليهم.

و السائلون و المدفوعون الفقراء و المساكين‏ إلا أن السائل و المدفوع أسوء حالا من‏ الفقراء و المسكين و المدفوع هو المطرود الذي يدفعه الناس و يطردونه و هو أسوء حالا من السائل و يؤيده ما نقلنا من البحار آنفا من أن هذه الكلمة في بعض النسخ كانت المدقعين مكان المدفوعين و المدقع الملصق بالتراب. فكأنه عليه السلام قال: بؤسا لمن خصمه عند الله‏ هؤلاء الذين بلغوا إلى هذا المبلغ من الفقر و الضعف و العجز.

نعم على نسخة الدعائم كما تقدم في المصدر قد أتى بجميع أصناف المستحقين حيث قال: و إن لك في هذه الصدقة حقا- إلى قوله: و لك فيها شركاء فقراء و مساكين و غارمون و مجاهدون و أبناء سبيل و مملوكون و متألفون- إلخ فعلى نسخة الدعائم معنى العبارة بين لا يقبل التأويل و التوجيه. و بعد اللتيا و التي فان‏ أبيت إلا حمل كلامه في النهج على أصناف المستحقين أيضا فلا بد من شمول السائلين و المدفوعين على الأصناف الثلاثة الباقية أعنى المؤلفة قلوبهم و الرقاب و في سبيل الله بأحد الوجوه المتقدمة أو نحوها، و لا وجه لإخراج المؤلفة قلوبهم.

ثم إنه عليه السلام قال في الوصية المتقدمة لعامله: (ثم احذر إلينا ما اجتمع عندك نصيره حيث أمر الله به) و قال لعامله في هذه الوصية: (و انا موفوك حقك فوفهم حقوقهم) و ظاهر كلامه ههنا يشعر بأنه عليه السلام أمر عامله هذا أعنى مخنف أن ينقل الصدقات إلى مستحقى بلدها اصفهان أو همدان و نواحيهما، و قد مر بعض المسائل الفقهية المربوطة في الوصية المتقدمة منها جواز نقل مال الزكاة من بلد إلى بلد آخر فراجع.

قوله عليه السلام: (و من استهان بالأمانة- إلخ) لا يخفى لطف كلامه عليه السلام: تشبيه‏ (و رتع في الخيانة) فكانه عليه السلام شبه الخائن بدابة ترعى في مرعى لا تتدبر في مأكلها و مشربها و سوء خاتمتها.

قوله عليه السلام: (فقد أخل بنفسه) أى أجحف بنفسها فالخائن لا يخون إلا نفسه و كل نفس بما كسبت رهينة و إذا كشف الغطاء عن هذه النفس الدنية في يوم تبلى السرائر فهى أذل و أخزى لأنها ليست في الاخرة إلا ما كانت في الاولى و لا نتعبك بالبحث عن الجزاء في المعاد و إن شئت فراجع إلى كتابنا المسمى بالقيامة و نكتفي ههنا بنقل حديث شريف من الكلمة العلياء خاتم الأنبياء محمد المصطفى صلى الله عليه و آله يهدى إلى الرشد لمن كان له قلب، رواه حملة الأحاديث في جوامعهم الروائية و نحن نأتي به من كتاب الأمالي للعالم الجليل قدوة المحدثين الشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي قدس سره و هو الحديث الرابع من المجلس الأول منه رواه باسناده عن العلاء بن محمد بن الفضل عن أبيه عن جده قال قال قيس بن عاصم: وفدت مع جماعة من بنى تميم إلى النبى صلى الله عليه و آله فدخلت و عنده الصلصال بن الدلهمس فقلت: يا نبي الله عظنا موعظة ننتفع بها فانا قوم نعبر في البرية، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: يا قيس إن مع العز ذلا، و إن مع الحياة موتا و إن‏ مع الدنيا آخرة و إن لكل شي‏ء حسيبا و على كل شي‏ء رقيبا و إن لكل حسنة ثوابا و لكل سيئة عقابا، و لكل أجل كتابا و إنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك و هو حى و تدفن معه و أنت ميت فان كان كريما أكرمك و إن كان لئيما أسلمك ثم لا يحشر إلا معك و لا تبعث إلا منه و لا تسئل إلا عنه فلا تجعله إلا صالحا فانه إن صلح انست به و إن فسد لا تستوحش إلا منه و هو فعلك. فقال: يا نبى الله احب أن يكون هذا الكلام في أبيات من الشعر نفخر به على من يلينا من العرب و ندخره فأمر النبي صلى الله عليه و آله من يأتيه بحسان قال: فأقبلت افكر فيما أشبه هذه العظة من الشعر فاستتب لي القول قبل مجي‏ء الحسان فقلت: يا رسول الله قد حضرتنى أبيات أحسبها توافق ما تريد فقلت:

تخير خليطا من فعالك انماقرين الفتى في القبر ما كان يفعل‏
و لا بد بعد الموت من أن تعده‏ليوم ينادى المرء فيه فيقبل‏
فان كنت مشغولا بشي‏ء فلا تكن‏بغير الذي يرضى به الله تشغل‏
فلن يصحب الانسان من بعد موته‏و من قبله إلا الذي كان يعمل‏
ألا إنما الانسان ضيف لأهله‏يقيم قليلا بينهم ثم يرحل‏

و هذا الحديث و إن كان كله نورا و كل واحدة من جملها تفتح بابا من الحقيقة و تشير إلى سر لأهله و مع ذلك فينبغي لك التأمل جدا في قوله صلى الله عليه و آله:و إن مع الدنيا آخرة و لم يقل: و إن بعد الدنيا آخرة حتى يجعل الاخرة في طول الدنيا الزمانى فافهم، و في قوله: من قرين يدفن معك و هو حى، و قوله: لا يحشر إلا معك، و قوله: لا تستوحش إلا منه، لا سيما في قوله: و هو فعلك أى ذلك القرين الحى المحشور معك هو فعلك. و نعم ما قيل:

نهفته معنى نازك بسى است در خط يارتو فهم آن نكنى اى أديب من دانم‏

و في آخر الباب الخامس من إرشاد القلوب للديلمى- ره-: قال قيس بن عاصم وفدت على رسول الله صلى الله عليه و آله في جماعة من تميم فقال لي: اغتسل بماء و سدر فاغتسلت ثم رجعت إليه فقلت: يا رسول الله عظنا موعظة ننتفع بها فقال: يا قيس إن‏ مع العز ذلا- إلخ، انتهى. و قال ابن الأثير في اسد الغابة: إنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه و آله أن يغتسل بماء و سدر.

و من الحديث يعلم أن قيس بن عاصم كان رجلا فهيما عاقلا لائقا بأن يخاطب بهذه الجمل و يلقى إليه تلك الصحيفة المكرمة و الموعظة الحسنة بل الحكمة العالية المتعالية، و كان وفوده إلى النبي صلى الله عليه و آله سنة تسع من الهجرة و هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه و آله: هذا سيد أهل الوبر. و كان سيدا شريفا جوادا عاقلا مشهورا بالحلم، و هو الذي رثاه عبدة الطبيب بقوله:

عليك سلام الله قيس بن عاصم‏و رحمته ما شاء أن يترحما
تحية من أوليته منك نعمةإذا زار عن شحط بلادك سلما
فما كان قيس هلكه هلك واحدو لكنه بنيان قوم تهدما

و كان قيس بن عاصم قد حرم على نفسه الخمر في الجاهلية و كان سبب ذلك أنه غمز عنكة ابنته و هو سكران و سب أبويها، و رأى القمر فتكلم، و أعطى الخمار كثيرا من ماله، فلما أفاق اخبر بذلك فحرمها على نفسه و قال فيها أشعارا منها قوله:

رأيت الخمر صالحة و فيهاخصال تفسد الرجل الحليما
فلا و الله أشربها صحيحاو لا أشفى بها أبدا سقيما
و لا أعطى بها ثمنا حياتى‏و لا أدعو لها أبدا نديما
فان الخمر تفضح شاربيهاو تجنيهم بها الأمر العظيما

و أراد بالرجل الحليم نفسه فإنه كان بالحلم مشهورا، قيل للأحنف بن قيس ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم المنقرى رأيته يوما قاعدا بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه يحدث قومه إذ اتي برجل مكتوف، و آخر مقتول فقيل له: هذا ابن أخيك قتل ابنك، قال: فو الله ما حل حبوته و لا قطع كلامه، فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه، فقال: يا ابن أخى بئس ما فعلت أثمت بربك و قطعت رحمك و قتلت ابن عمك و رميت نفسك بسهمك ثم قال لابن له آخر: قم‏ يا بنى فوار أخاك و حل كتاف ابن عمك و سق إلى امك مائة ناقة دية ابنها فانها غريبة.

و لما حضرته الوفاة دعا بنيه فقال: يا بني احفظوا عني فلا أحد أنصح لكم منى إذا مت فسودوا كباركم و لا تسودوا صغاركم فيسفه الناس كباركم و تهونون عليهم، و عليكم بإصلاح المال فإنه منبهة للكريم و يستغنى به عن اللئيم، و إياكم و مسألة الناس فإنها آخر كسب الرجل و أوصى عند موته فقال: إذا أنا مت فلا تنوحوا على فإن رسول الله صلى الله عليه و آله لم ينح عليه.

و كان قيس هذا أول من وأد و جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: إنى و أدت ثمانى بنات لي في الجاهلية فقال: اعتق عن كل واحدة منهن رقبة قال: إنى صاحب إبل قال صلى الله عليه و آله: إن شئت عن كل واحدة منهن بدنة. كما في الإصابة.

و في اسد الغابة: روي عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه و آله: إنى و أدت اثنتي عشرة بنتا أو ثلاث عشرة بنتا فقال له النبي صلى الله عليه و آله: اعتق عن كل واحدة منهن نسمة. و في المقام ينبغي أن يبحث عن الدية و لكن الكلام يجر الكلام.

و يليق أن ينظر في شأن قيس هذا حيث كان أول الأمر ممن يأد بناته قال عز من قائل: و إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا و هو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أ يمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون‏ (النحل 60) ثم هدي بالقرآن الكريم إلى الدين القويم، نعم إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم، و كان ممن حرم على نفسه الخمر في الجاهلية و من أمره هذا و من حلمه و كلامه يعلم فخامة قدره و قدر ذكائه و فطنته.

و قد كان غير واحد من اولى الدراية حرموا على أنفسهم الخمر في الجاهلية منهم عثمان بن مظعون و قال: لا أشرب شرابا يذهب عقلى، و يضحك بى من هو أدنى منى، و يحملني أن أنكح كريمتى.

و منهم العباس بن مرداس فانه قيل له: ألا تأخذ من الشراب فإنه يزيد في قوتك و جرأتك، قال: لا اصبح سيد قومى و أمسى سفيهها لا و الله لا يدخل جوفي شي‏ء يحول بينى و بين عقلى أبدا. و قد أتى بعدة منهم ابن الأثير في ترجمة العباس هذا من اسد الغابة.

قوله عليه السلام: (و ان أعظم الخيانة- إلخ) و ذلك لأن‏ الخيانة في نفسها قبيحة و إن كان في حق من لا يثق بك، فهى في حق من اعتمد عليك و وثق بك و استأمنك أقبح و أفحش و أعظم‏ عقوبة و نكالا في الاولى و الاخرة، و كذلك الكلام في‏ الغش‏.

و كذلك على نسخة الامة مكان الأمنة و لكن في الأمنة لطفا ليس في الامة كما هو مختارنا الموافق لنسخة الرضى رضوان الله عليه. و معنى العبارة على هذا الوجه يصح إن كان المصدر مضافا إلى المفعول و قد اختاره الفاضل الشارح المعتزلي حيث قال: و خيانة الامة مصدر مضاف إلى المفعول به لأن الساعي اذا خان فقد خان الامة كلها، و كذلك‏ غش الأئمة مصدر مضاف إلى المفعول أيضا لأن الساعى إذا غش في الصدقة فقد غش الامام انتهى.

و أقول: قد تقدم أن العبارة إذا كانت الامة فالجملة الاولى لا تحتمل إلا إضافة المصدر إلى المفعول به، و تجعل الثانية على وزانها أيضا حتى يصير الكلام على نسق واحد. و لكن حق التدبر في الكلام و سياق العهد و اسلوبه تنادي بأن الصواب هو الأمنة و أن الاضافة في الجملتين إلى الفاعل أولى إن لم تكن متعينة.

و انظريا باغى الرشاد و طالب السداد في هذا العهد الشريف حيث صدره عليه السلام بتقوى الله في بواطن الامور و الأعمال مشيرا إلى أن الله هو الشهيد الوكيل فينبغي لعبد الله أن يكون عند الله مطلقا و لا يكون من الغافلين أولا، ثم أمر بترك الرياء و النفاق المؤدى إلى الاخلاص ثانيا، ثم أمر بالشفقة على الرعية و نهى عن التكبر و التطاول عليهم بسبب الإمارة عليهم ثالثا، ثم أوصى في حفظ حقوقهم و تأديتها إليهم إن أحب ألا يكون‏ خصمه عند الله يوم القيامة هؤلاء المساكين رابعا، ثم حذر من استهان بالأمانة بعذاب الاخرة، و خيانته لنفسه خامسا، و كما صدر عهده بتقوى الله تعالى كذا عقبه بالزهد في الدنيا و تزكية النفس عن الأدران النفسانية و الأوساخ الدنيوية حيث قال: و لم ينزه نفسه و دينه عنها إلخ. سادسا، و ختمه بذم‏ خيانة الأمنة و غش الأئمة سابعا. نعم هكذا و الله كلام من اجتباه الله تعالى ليستنقذ عباده من الضلالة و الجهالة. و الحمد لله ولي التوفيق و بيده أزمة التحقيق.ثم إن لمستحقى الزكاة من الأصناف الثمانية شروطا مذكورة مشروحة في الكتب الفقهية فلا نتعبك بعنوانها و البحث عنها.

الترجمة

از جمله عهد آن حضرت عليه السلام است كه آنرا به يكى از عمالش هنگامى كه او را براى جمع زكاة فرستاده مرقوم فرمود: امر كرد او را كه در امور پنهان و اعمال پوشيده‏ اش با تقوى باشد چه گواهى جز خدا و وكيلى سواى او نيست.

و امر كرد او را كه در آشكار طاعتى بجا نياورد كه در پنهان خلاف آنرا مرتكب شود، و هر كه پنهان و آشكارش و كردار و گفتارش دو گونه و خلاف هم نيست امانت را ادا كرد و عبادت را به اخلاص گذرانده.

و امر كرد او را كه دست رد به پيشانى مردم نزند و نابايست و ناخوش بر آنها پيش نياورد، و بدانها بهتان نزند و بر آنها دروغ نبندد. و از جهت إمارت و حكومت بر آنان از ايشان روى برنگرداند چه آنان برادران دينى و ياوران بر گرفتن حقوق هستند.

و همانا كه براى تو در اين زكاة بهره واجب و حقى معلوم است، و مر تو را انبازان درويش، و ناتوان تهيدست در اين مال است، و ما حق تو را بتمام مى ‏دهيم پس تو هم حق ايشان را بتمام و كمال بپرداز، و گرنه خصم تو در روز رستاخيز مردم بسيار خواهند بود. و بدا بكسى كه خصم او نزد خدا فقرا و مساكين و سائلان و رانده‏ شدگان و وامداران و رهگذريان باشند، و آنكه امانت را خوار دارد و در خيانت چرا كند و خودش را و دينش را از آن پاك نسازد بخودش در دنيا ستم كرد و در آخرت هم خويشتن را زبون و رسوا ساخت. و همانا كه بزرگترين خيانت خيانت كسى است كه ديگران بر وى اعتماد دارند، و زشت‏ترين غش كردن غش كردن پيشوايان است.[3][4]

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

_____________________________________________

[1] ( 1) الابيات من الحماسة فراجع الى شرح الحماسة للمرزوقى. الحماسة 254. منه.

[2] ( 1) كذا فى الطبع على الحجر و كأن الصواب: حين كان الاسلام ضعيفا منه ..

[3] ( 1) اين وجه ترجمه باعتبار اضافه مصدر به فاعل است و اگر مصدر را مضاف به مفعول به بدانيم: ترجمه آن چنين مى‏شود كه: همانا بزرگترين خيانت خيانت به كسانى است كه بشخص وى وثوق و اعتماد دارند، و زشت‏ترين غش كردن غش كردن به پيشوايان است.

[4] هاشمى خويى، ميرزا حبيب الله، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى) – تهران، چاپ: چهارم، 1400 ق.

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=