نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 6 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه 6 صبحی صالح

6- و من كتاب له ( عليه‏ السلام  ) إلى معاوية

إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ‏

عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ وَ لَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ

وَ إِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَ سَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا

فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى

وَ لَعَمْرِي يَا مُعَاوِيَةُ لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَ لَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ إِلَّا أَنْ تَتَجَنَّى فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ وَ السَّلَامُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج17  

و من كتاب له عليه السلام الى معاوية و هو الكتاب السادس من باب المختار من كتبه عليه السلام و رسائله‏

إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، و لا للغائب أن يرد، و إنما الشورى للمهاجرين و الأنصار، فإن اجتمعوا على رجل و سموه إماما كان ذلك لله رضى، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، و ولاه الله ما تولى. و لعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، و لتعلمن أني كنت في عزلة عنه، إلا أن تتجنى، فتجن ما بدا لك- و السلام‏.

اللغة

(الشورى) فعلى من المشاورة و هي المفاوضه في الكلام ليظهر الحق، قوله تعالى: و أمرهم شورى بينهم‏ (حمعسق- 38) أي لا يتفردون بأمر حتى يشاوروا غيرهم فيه، قال الفيومي في المصباح: شاورته في كذا و استشرته: راجعته لأرى رأيه فيه، فأشار علي بكذا أراني ما عنده فيه من المصلحة فكانت إشارته حسنة و الاسم: المشورة، و تشاور القوم و اشتوروا و الشورى اسم منه، و أمرهم شورى بينهم أي لا يستأثر أحد بشي‏ء دون غيره. انتهى.

(العزلة) بالضم اسم بمعنى الاعتزال.«تتجنى» من الجناية. التجني: طلب الجناية و هو أن يدعي عليك أحد ذنبا لم تفعله. تجنى عليه أي رماه باثم لم يفعله.

«فتجن» أمر من تتجنى بلا كلام فالكلمة بالفتحات. و قد ذهب غير واحد من الشراح و المترجمين إلى أنها بضم الجيم و النون فعل مضارع من جنه إذا ستره كتمد من مد أي تستر و تخفى ما ظهر لك، و لكنها و هم بلا ارتياب، و كانت العبارة في نسختنا المصححة العتيقة و في نسخة صديقنا اللاجوردي قد قوبلت بنسخة الرضي- رحمه الله- هي الأول على أن تتجنى قرينة قوية على أنها أمر منها، و اسلوب العبارة ينادي بأعلى صوتها على أنها أمر و أول ما تبادر ذهننا إليه قبل الفحص و الاستقراء أنها أمر من تتجنى.

الاعراب‏

الضمير في أنه للشأن، على ما بايعوهم عليه، متعلقة بقوله بايعني، اللام من لعمري لام الابتداء و عمري مبتداء و خبر المبتدأ محذوف لا يجوز إظهاره كأنه قال:لعمري قسمي أو لعمري ما أقسم به، و العمر و العمر بالفتح و الضم لغتان، و معناهما البقاء و لا يجي‏ء عمر في اليمين إلا مفتوح العين. و الباء في بطعن للسببية متعلقة بقوله خرج، و اللام في لئن موطئة للقسم و جواب لعمري لتجدني، و جواب الشرط ما دل عليه هذا الجواب، و المعنى: و بقائي لئن نظرت بعقلك فقد تجدني أبرأ الناس من دم عثمان، على و زان قول شبيب بن عوانة (الحماسة 337):

لعمري لئن سر الأعادي و أظهروا شماتا لقد مروا بربعك خاليا

أي: و بقائي لئن كان الأعادي مسرورين بموتك شامتين بذويك و عشيرتك لفقدهم لك، فقد وقعت الشماتة في وقتها و حينها و وافاهم السرور لحادث أمر عظم موقعه، لأنهم مروا بربعك خاليا كما أفاده المرزوقي في شرح الحماسة.و لتعلمن عطف على لتجدني.

«دون هواك» كلمة دون تكون هنا بمعنى سوى كما جاء في وصفه تعالى:ليس دونه منتهى، أي ليس سواه سبحانه من ينتهي إليه أمل الاملين، فهو تعالى منتهى رغبة الراغبين. و تكون بمعنى القدام كقول قيس الخطيم الأوسي (الحماسة 36):

ملكت بها كفي فأنهرت فتقها يرى قائما من دونها ما ورائها

و تكون بمعنى الظرف نحو هذا دون ذلك أي أقرب منه. أو شي‏ء من دون بالتنوين أي حقير ساقط، و على الأول قوله‏ (الحماسة 127):

ألم تريا أني حميت حقيقتي‏ و باشرت حد الموت و الموت دونها

و بهذا المعنى تصغر و يقال: دوين على نحو قولهم: قبيل و بعيد و فويق قال خلف بن خليفة (الحماسة 296):

و بالدير أشجاني و كم من شج له‏ دوين المصلى بالبقيع شجون‏

و تكون بمعنى عند و غير و خذ نحو دونكها أي خذها و بمعنى نقيض فوق و بمعنى الشريف و الخسيس و الوعيد.«إلا أن تتجنى» استثناء منقطع. «فتجن ما بدا لك» ما منصوب محلا بالمفعولية.

المعنى‏

هذا الكتاب‏ بعض ما كتب‏ عليه السلام إلى معاوية مع جرير بن عبد الله البجلي و روى الكتاب بتمامه نصر بن مزاحم المنقري الكوفي مسندا في صفين (ص 18 الطبع الناصري 1301 ه) و هذا الكتاب مروي أيضا في كتاب الفتن و المحن من البحار ص 434 و سنتلوه عليك بحذافيره.

قال نصر في صفين: إن أمير المؤمنين عليا عليه السلام لما قدم من البصرة و دخل الكوفة و أقام بها بعث إلى العمال في الافاق «يعني بهم العمال لعثمان على البلاد» و كان أهم الوجوه إليه الشام.

و روى عن محمد بن عبيد الله القرشي، عن الجرجاني قال: لما بويع علي عليه السلام و كتب إلى العمال في الافاق كتب إلى جرير بن عبد الله البجلي و كان جرير عاملا لعثمان على ثغر همدان فكتب إليه مع زحر بن قيس الجعفي:

«كتاب على عليه السلام الى جرير بن عبد الله البجلى»

أما بعد فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم و إذا أراد الله‏ بقوم سوء فلا مرد له و ما لهم من دونه من وال، و إني اخبرك عن نبا من سرنا إليه من جموح طلحة و الزبير عند نكثهم بيعتهم و ما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف، إني هبطت من المدينة بالمهاجرين و الأنصار حتى إذا كنت بالعذيب بعثت إلى أهل الكوفة بالحسن بن علي، و عبد الله بن عباس، و عمار بن ياسر، و قيس بن سعد ابن عبادة، فاستنفروهم فأجابوا فسرت بهم حتى نزلت بظهر البصرة، فأعذرت في الدعاء، و أقلت العثرة، و ناشدتهم عقد بيعتهم، فأبوا إلا قتالي، فاستعنت بالله عليهم فقتل من قتل، و ولوا مدبرين إلى مصرهم، فسألوني ما كنت دعوتهم إليه قبل اللقاء فقبلت العافية، و رفعت السيف، و استعملت عليهم عبد الله بن عباس، و سرت إلى الكوفة و قد بعثت إليكم زحر بن قيس فاسأل عما بدا لك.

أقول: كتابه هذا إلى جرير ليس بمذكور في النهج و هذا الكتاب مذكور أيضا في كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة الدينوري المتوفى سنة- 213 ه- و بين النسختين اختلاف يسير لا يعبأ به.

ثم إن زحر بن قيس هذا هو الذي كان في خيل عمر بن سعد يوم الطف و كان ممن حمل الاسازى و رءوس الشهداء من أهل بيت الطهارة و النبوة إلى الشام و ما جرى بينه و بين الإمام السجاد عليه السلام و سائر أقواله و أفعاله مذكور في كتب المقاتل، نعوذ بالله تعالى من سوء الخاتمة.

قال نصر: فلما قرأ جرير الكتاب قام فقال: أيها الناس هذا كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و هو المأمون على الدين و الدنيا، و قد كان من أمره و أمر عدوه ما نحمد الله عليه، و قد بايعه السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان، و لو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين كان أحقهم بها، ألا و إن البقاء في الجماعة، و الفناء في الفرقة و علي حاملكم على الحق ما استقمتم، فإن ملتم أقام ميلكم، فقال الناس: سمعا و طاعة رضينا رضينا، فأجاب جرير و كتب جواب كتابه بالطاعة.

قال: و كان مع علي رجل من طي‏ء ابن اخت لجرير، فحمل زحر بن قيس‏ شعرا له إلى خاله جرير و هو:

جرير بن عبد الله لا تردد الهدى‏ و بايع عليا إنني لك ناصح‏
فان عليا خير من وطأ الحصى‏ سوى أحمد و الموت غاد و رائح‏
ودع عنك قول الناكثين فإنما اولاك أبا عمرو كلاب نوابح‏
و بايعه إن بايعته بنصيحة و لا يك معها في ضميرك فادح‏
فانك إن تطلب به الدين تعطه‏ و إن تطلب الدنيا فبيعك رابح‏
و إن قلت عثمان بن عفان حقه‏ علي عظيم و الشكور مناصح‏
فحق علي إذ وليك كحقه‏ علي عظيم و الشكور مناصح‏
فحق علي إذ وليك كحقه‏ و شكرك ما أوليت في الناس صالح‏
و إن قلت لا نرضى عليا إمامنا فدع عنك بحرا ضل فيه السوابح‏
أبى الله إلا أنه خير دهره‏ و أفضل من ضمت عليه الأباطح‏

قال: ثم قام زحر بن قيس خطيبا فكان مما حفظ من كلامه أن قال:

الحمد لله الذي اختار الحمد لنفسه، و تولاه دون خلقه، لا شريك له في الحمد، و لا نظير له في المجد، و لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائم الدائم، إله السماء و الأرض، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق الوضح، و الحق الناطق، داعيا إلى الخير، و قائدا إلى الهدى.

ثم قال: أيها الناس إن عليا قد كتب إليكم كتابا لا يقال بعده إلا رجيع من القول، و لكن لا بد من رد الكلام، إن الناس بايعوا عليا بالمدينة من غير محاباة له ببيعتهم، لعلمه بكتاب الله و سنن الحق، و إن طلحة و الزبير نقضا بيعته على غير حدث، و ألبا عليه الناس ثم لم يرضيا حتى نصبا له الحرب، و أخرجا ام المؤمنين، فلقيهما فأعذر في الدعاء، و أحسن في البقية، و حمل الناس على ما يعرفون، هذا عيان ما غاب عنكم، و لإن سألتم الزيادة زدناكم و لا قوة إلا بالله و نقل كلامه الدينوري في الإمامة و السياسة و بين النسختين اختلاف في الجملة.

قال نصر: و قال جرير في ذلك:

أتانا كتاب علي فلم‏ نرد الكتاب بأرض العجم‏
و لم نعص ما فيه لما أتا و لما نضام و لما نلم‏
و نحن ولاة على ثغرها نضيم العزيز و نحمى الذمم‏
نساقيهم الموت عند اللفاء بكأس المنايا و نشفي القرم‏
طحناهم طحنة بالقنا و ضرب سيوف تطير اللمم‏
مضينا يقينا على ديننا و دين النبي مجلي الظلم‏
أمين الإله و برهانه‏ و عدل البرية و المعتصم‏
رسول المليك و من بعده‏ خليفتنا القائم المدعم‏
عليا عنيت وصي النبي‏ نجالد عنه غواة الامم‏
له الفضل و السبق و المكرمات‏ و بيت النبوة لا يهتضم‏

أقول: قد قدمنا في مواضع أن كثيرا من سنام المسلمين في صدر الإسلام و صفوا أمير المؤمنين عليه السلام بأنه وصي النبي، و قلنا إن هذه الكلمة الصادرة من هؤلاء الذين أدرك كثير منهم. النبي صلى الله عليه و آله مما ينبغي أن يعتنى بها و يبجلها من يطلب طريق الحق و يبحث عنه. و لعمري أن هذه الدفيقة حجة على من كان له قلب إلا أن ختم الله على قلبه و نعم ما قال العارف الرومي:

چشم باز و گوش باز و اين عمى‏ حيرتم از چشم بندي خدا

نصر: عمر بن سعد عن نمير بن و علة، عن عامر الشعبي أن عليا عليه السلام حين قدم من البصرة نزع جريرا عن همدان فجاء حتى نزل الكوفة فأراد علي عليه السلام أن يبعث إلى معاوية رسولا، فقال له جرير: ابعثني إلى معاوية فإنه لم يزل لي مستنصحا و ودا نأتيه فأدعوه على أن يسلم لك هذا الأمر و يجامعك على الحق على أن يكون أميرا من امرائك و عاملا من عمالك ما عمل بطاعة الله و اتبع ما في كتاب الله، و أدعو أهل الشام إلى طاعتك و ولايتك و جلهم قومي و أهل بلادي و قد رجوت أن لا يعصوني.

فقال له عليه السلام الأشتر: لا تبعثه و دعه و لا تصدقه فوالله إني لأظن هواه‏ هواهم و نيته نيتهم.

فقال له علي عليه السلام: دعه حتى ننظر ما يرجع به إلينا، فبعثه علي عليه السلام و قال له حين أراد أن يبعثه: إن حولي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله من أهل الدين و الرأي من قد رأيت، و قد اخترتك عليهم لقول رسول الله صلى الله عليه و آله فيك: إنك من خير ذي يمن، ايت معاوية بكتابي فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون، و إلا فانبذ إليه و أعلمه أني لا أرضى به أميرا و أن العامة لا ترضى به خليفة.

فانطلق جرير حتى أتى الشام و نزل بمعاوية فدخل عليه، فحمد الله و أثنى عليه و قال: أما بعد يا معاوية فانه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين و أهل المصرين و أهل الحجاز و أهل اليمن و أهل مصر و أهل العروض و عمان و أهل البحرين و اليمامة، فلم يبق إلا أهل هذه الحصون التي أنت فيها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها، و قد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك و يهديك إلى مبايعة هذا الرجل، و دفع إليه الكتاب كتاب علي بن أبي طالب عليه السلام و فيه‏:

صورة كتابه عليه السلام الكاملة الى معاوية على ما فى كتاب نصر فى صفين (ص 18 من الطبع الناصرى) و كتاب الامامة و السياسة لابن قتيبة الدينورى (ص 93 ج 1 طبع مصر 1377 ه) بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن بيعتي لزمتك بالمدينة و أنت بالشام لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوا عليه فلم يكن للشاهد أن يختار، و لا للغائب أن يرد، و إنما الشورى للمهاجرين و الأنصار، فاذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان ذلك لله رضى، فان خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه، فان أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين و ولاه الله ما تولى و يصليه جهنم و سائت مصيرا، و إن طلحة و الزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي و كان نقضهما كردهما، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق و ظهر أمر الله و هم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإن أحب الامور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء، فان تعرضت له قاتلتك، و استعنت الله عليك و قد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس، ثم حاكم القوم إلي‏ أحملك و إياهم على كتاب الله، فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن و لعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك، لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان، و اعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، و لا تعرض فيهم الشورى و قد أرسلت إليك و إلى من قبلك جرير بن عبد الله، و هو من أهل الإيمان و الهجرة فبايع و لا قوة إلا بالله.

أقول: و لا يخفى عليك أن بين نسخة النهج و بين نسخة صفين لنصر تفاوتا في الجملة كما أن بين نسختي نصر و الدينوري اختلافا يسيرا لا يعبأ به.

ثم إن قوله عليه السلام: و قد أكثرت في قتلة عثمان‏- الى قوله: فخدعة الصبي عن اللبن‏، مذكور في ذيل كتابه الاخر إلى معاوية أيضا، و هو الكتاب الرابع و الستون أوله: أما بعد فانا كنا نحن و أنتم على ما ذكرت من الالفة- إلخ.

قال نصر: فلما قرأ معاوية الكتاب قام جرير فقال:الحمد لله المحمود بالعوائد، المأمول منه الزوايد، المرتجى منه الثواب المستعان على النوائب، أحمده و أستعينه في الامور التي تحير دونه الألباب و تضمحل عندها الأرباب، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كل شي‏ء هالك إلا وجهه له الحكم و إليه ترجعون، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بعد الفترة و بعد الرسل الماضية، و القرون الخالية، و الأبدان البالية، و الجبلة الطاغية، فبلغ الرسالة، و نصح الامة، و أدى الحق الذي استودعه الله و أمره بأدائه إلى امته، صلى الله عليه و آله و سلم من مبتعث و منتجب.

ثم قال: أيها الناس إن أمر عثمان قد أعيى من شهده فما ظنكم بما غاب عنه، و إن الناس بايعوا عليا غير و اترو لا موتور. و كان طلحة و الزبير ممن بايعه ثم نكثا بيعته على غير حدث، ألا و إن هذا الدين لا يحتمل الفتن، ألا و إن العرب لا تحتمل السيف، و قد كانت بالبصرة أمس ملحمة إن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس، و قد بايعت العامة عليا و لو ملكنا و الله امورنا لم نختر لها غيره، و من خالف هذا استعتب، فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس، فان قلت: استعملني‏ عثمان ثم لم يعزلني فان هذا أمر لو جاز لم يقم لله دين، و كان لكل امرى‏ء ما في يديه، و لكن الله لم يجعل للاخر من الولاة حق الأول، و جعل تلك امورا موطاة، و حقوقا ينسخ بعضها بعضا.

فقال معاوية: انظر و ننظر و أستطلع رأي أهل الشام.

أقول: الظاهر أن هذا الكتاب هو أول كتاب أرسله عليه السلام إلى معاوية يدعوه إلى بيعته إلا أن الرضي رضي الله عنه قال في آخر هذا الباب (الكتاب 75) و من كتاب له عليه السلام إلى معاوية في أول ما بويع له، ذكره الواقدي في كتاب الجمل، من عبد الله أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان فقد علمت إعذاري فيكم و إعراضي عنكم- إلخ.

و قال ابن قتيبة الدينوري في كتاب الإمامة و السياسة المعروف بتاريخ الخلفاء (ص 82 ج 1 طبع مصر 1377 ه): و ذكروا أنه لما فرغ من وقعة الجمل بايع له القوم جميعا و بايع له أهل العراق و استقام له الأمر بها، فكتب إلى معاوية أما بعد فإن القضاء السابق و القدر النافذ ينزل من السماء كقطر المطر فتمضى أحكامه عز و جل و تنفذ مشيئته بغير تحاب المخلوقين و لا رضى الادميين، و قد بلغك ما كان من قتل عثمان و بيعة الناس عامة إياي و مصارع الناكثين لي، فادخل فيما دخل الناس فيه، و إلا فأنا الذي عرفت و حولي من تعلمه، و السلام.

و يمكن أن يكون هذه الكتب الثلاث كتابا واحدا فتفرق كما قدمنا كثيرا من نظائره، و مما يؤيده أن الدينوري بعد نقل الكتاب قال: ثم إن معاوية انتخب رجلا من عبس و كان له لسان، فكتب إلى علي عليه السلام كتابا عنوانه: من معاوية إلى علي، و داخله: بسم الله الرحمن الرحيم لا غير، فلما قدم الرسول دفع الكتاب إلى علي فعرف علي عليه السلام ما فيه و أن معاوية محارب له و أنه لا يجيبه إلى شي‏ء مما يريد.

و قد نقل قريبا من هذا الكلام الشارح المعتزلي في شرح نسخة النهج و هو:فلما جاء معاوية هذا الكتاب «يعني به الكتاب المذكور في النهج» وصل بين‏ طومارين أبيضين ثم طواهما و كتب عنوانهما من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب- قال جرير: و دفعهما معاوية إلي لا أعلم ما فيهما و لا أظنهما إلا جوابا و بعث معي رجلا من بني عبس لا أدري ما معه فخرجنا حتى قدمنا الكوفة و اجتمع الناس في المسجد لا يشكون أنها بيعة أهل الشام، فلما فتح علي عليه السلام الكتاب لم يجد شيئا- إلخ، و الله تعالى أعلم.

و قد روي أنه عليه السلام كتب إلى معاوية مع جرير: أني قد عزلتك ففوض الأمر إلى جرير، و السلام.

و قال: لجرير: صن نفسك عن خداعه فان سلم إليك الأمر و توجه إلي فأقم أنت بالشام، و ان تعلل بشي‏ء فارجع، فلما جاءه تعلل بمشاورة أهل الشام و غير ذلك، فرجع جرير فكتب معاوية في أثره على ظهر كتابه عليه السلام: من ولاك حتى تعزلني، و السلام.

قوله عليه السلام‏ (إنه بايعني‏- إلى قوله: على ما بايعوهم عليه) و اعلم أن بيعة الناس أمير المؤمنين عليا عليه السلام و إطباقهم على إمامته كان أشد و أوكد بمراحل من إطباقهم على إمامة الثلاثة قبله عليه السلام، كما أشرنا إلى نبذة من شواهده في المباحث الماضية، و كفى في ذلك قوله عليه السلام: فتداكوا علي تداك الابل الهيم يوم ورودها قد أرسلها راعيها و خلعت مثانيها، حتى ظننت أنهم قاتلي أو بعضهم قاتل بعض لدي‏ (الخطبة 54 من النهج).

و قوله عليه السلام: و بسطتم يدي فكففتها و مددتموها فقبضتها، ثم تداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها، حتى انقطعت النعل و سقطت الرداء و وطى‏ء الضعيف و بلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير، و هدج إليها الكبير و تحامل نحوها العليل، و حسرت إليها الكعاب‏ (الخطبة 227 من النهج).

ثم إن ذلك الكلام لا يدل على أنه عليه السلام أثبت خلافته ببيعة الناس و إجماعهم بل احتج على القوم باتفاق الناس و إجماعهم على خلافته على وجه التسليم و المماشاة و حسب مقتضى عقيدتهم بأنهم لما اعتقدوا أن مبنى الخلافة و نصب الإمام على البيعة دون النص لزمهم قبول خلافته و امامته و التسليم و الانقياد لأمره.

و لو احتج عليهم بالنص لم يقبلوا منه و لم يسلموا له و إلا فخلافته بلا فصل ثبتت بنص الله تعالى و رسوله، و قد أشرنا إلى ذلك في شرح الخطبة السابعة و الثلاثين و المأتين من أن الإمام يجب أن يكون منصوبا من الله تعالى، لأن الامامة عهده تعالى و لا يناله إلا من اجتبيه.

ثم إنه عليه السلام لو تمسك لإمامته بالنص لكان هذا طعنا على الذين سبقوه بالخلافة الظاهرية، فإذا تفسد حاله مع الذين بايعوه من المهاجرين و الأنصار في المدينة و كان المقام لا يناسب سوق الاحتجاج على سبيل النص، و لو لا مراعاة المقام لكان يصرح بما هو الحق الصريح، و الشقشقية حجة بالغة على ذلك.

قوله عليه السلام: (فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يرد) هذه نتيجة لما قدم أي إذا بايعني القوم على الوجه الذي بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان و ما اختار أحد من الشاهدين في المدينة غير ما بايعوه و كذا لم يرد أحد من الغائبين عن المدينة من بايعوه بل الكل انقادوا و تسلموا فكذا لم يكن للشاهد أن يختار غيري‏ و لا للغائب أن يردني‏، بل يجب على الشاهد و الغائب جميعا الاطاعة و الانقياد.

ثم إن فيه تعريضا و طعنا على الناكثين طلحة و الزبير و أتباعهما، و على معاوية و أهل الشام من أتباعه لأن الشاهد أي الناكثين اختاروا غيره عليه السلام و الغائب أي معاوية و أهل الشام لم يقبلوا بيعته.

ثم يمكن أن يستفاد من قوله عليه السلام‏ (أن يرد) أن لا يكون هذا الكتاب أول كتاب كتبه إلى معاوية بأن يكون الأول هو الكتاب 75 من هذا الباب أو الذي نقله الدينوري في الامامة و السياسة، و لما رد معاوية كتابه و لم يقبل البيعة قال عليه السلام: و لا للغائب أن يرد، فتأمل.

قوله عليه السلام‏ (و إنما الشورى- الى قوله: و ولاه ما تولى) الشورى المشورة و إنما تفيد حصر الشورى في المهاجرين و الأنصار، و إنما حصر الشورى‏ فيهما لأنهما أهل الحل و العقد من أمة محمد صلى الله عليه و آله فمتى اتفقت كلمتهم على أمر و أجمعوا عليه كان ذلك حقا مرضيا لله تعالى فيجب على الناس اتباعه.

و من ذلك إطباقهم على إمامة علي عليه السلام كما أشار إليه بقوله: فان اجتمعوا على رجل فسموه إماما فان خرج من أمرهم‏ أحد بطعن‏ عليهم أو على من بايعوه بالامامة كمن طعن عليه عليه السلام بدم عثمان، أو ببدعة كنكث الناكثين و من بايع معاوية بالخلافة بعد ما أجمع المهاجرون و الأنصار على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام‏ ردوه‏ عما خرج إليه‏ إلى ما خرج منه‏.

فان امتنع ذلك الخارج عن الرجوع‏ إلى ما خرج منه قاتلوه‏، لأنه اتبع‏ غير سبيل المؤمنين‏ و حيث أبى و اتبع‏ غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى‏ أي يخلي بينه و بين ما اختاره لنفسه و يكله إلى من انتصر به و اتكل عليه.

و هذا إشارة الى قوله تعالى: و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت مصيرا (النساء: 116).

و انما تهدده بكلامه هذا و توعده بالعقوبة لئلا يتبع‏ غير سبيل المؤمنين‏ و نبهه على أنه إن خالف سبيلهم‏ بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه و قاتلوه‏ على أن الله يوليه ما تولى و يصليه جهنم.

ثم إن كلامه هذا أيضا على مقتضى عقيدة القوم مداراة و مماشاة معهم بما اعتقدوا من أن أمر الخلافة إنما هو بالبيعة من أهل العقد و الحل لا بالنص، و إلا فامامته بلا فصل كانت ثابتة بالبراهين القطعية فالقياس جدلي على اصطلاح أهل الميزان، لأنه اعتبر في مقدماته التسليم من الخصم أي تبكيت الخصم و إلزامه بما سلم به.

قوله عليه السلام: (و لعمري‏- الى قوله: في عزلة عنه) قد قدمنا في أبحاثنا السالفة نقل كلام عمار بن ياسر رضوان الله عليه و شبث و غيرهما من أن معاوية لم يجد شيئا يستغوي به الناس و يستميل به أهواءهم و يستخلص به طاعتهم إلا قوله.قتل إمامكم عثمان مظلوما فنحن نطلب بدمه.

و قد روى أبو جعفر الطبري في التاريخ باسناده عن زيد بن وهب الجهني أن عمار بن ياسر قال في صفين: أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين- يعني بهم معاوية و أتباعهم- يبغون دم ابن عفان و يزعمون أنه قتل مظلوما، و الله ما طلبتم و لكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها و استمرءوها و علموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم و بين ما يتمرغون فيه من دنياهم، و لم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحفون بها طاعة الناس و الولاية عليهم فخدعوا أتباعهم أن قالوا: إمامنا قتل مظلوما، ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا و تلك مكيدة بلغوا بها ما ترون، و لولا هي ما تبعهم من الناس رجلان. إلخ.

و قال عمار أيضا: أيها الناس و الله ما أسلموا- يعني معاوية و أتباعه كما مضى من قبل مسندا- و لكنهم استسلموا و أسروا الكفر فلما وجدوا له أعوانا أظهروه. و الظاهر أنه أخذ هذا القول منه عليه السلام كما سيأتي في الكلام 16 من هذا الباب.

ثم قد مضى في الخطبة 238 قوله عليه السلام: و الله لقد دفعت عنه‏- يعني عن عثمان- حتى خشيت أن أكون آثما. و قوله المنقول عن الطبري (ص 410 ج 3 طبع مصر 1357 ه) في عثمان: و الله ما زلت أذب عنه حتى أني لأستحي، و كذا برهنا في مواضع كثيرة من مباحثنا الماضية على أنه عليه السلام كان أبرأ الناس من دم عثمان.

ثم لما كانت هوى النفس قائدة إلى خلاف الحق، لأنها قرين سوء يزين كل قبيح و يقبح كل حسن و كاسفة بيضاء العقل كما قيل: «إنارة العقل مكسوف بطوع الهوى» أقسم عليه السلام بعمره لئن نظر معاوية فيما جرى على عثمان بعقله الناصع من الهوى ليجدنه أبرأ الناس من دمه، و ليعلمن أنه عليه السلام كان في عزلة عن دم عثمان.

قوله عليه السلام: (إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك و السلام) يعني به أنك لو خالفت هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان إلا أن تعزيني إلى الجناية افتراءو تدعي علي ذنبا لم أفعله فافتر على ما ظهر لك من الذنوب و الجفايات.

ثم إن أمير المؤمنين عليه السلام لما كان أبرأ الناس من دم عثمان و كان منزها عن جناية و ذنب رأى أن معاوية أراد استغواء الناس بذلك الافتراء، و أن الانسان المبرى عن الشين لا يبالي بأقاويل كاذبة تقال فيه، لأن الباطل يذهب جفاء قال:فتجن ما بدا لك.

و بوجه آخر أنه عليه السلام قال لمعاوية: إذا كنت تعلم أني أبرأ الناس من دم عثمان و مع ذلك تفوه بما خلافه معلوم لك و لا تستحي بالافتراء فان شئت أن تدعي علي أية جناية كانت، و أردت أن تنسب إلي أي ذنب كان: فافعل، و لا يخفى أن كلامه عليه السلام ينبى‏ء عن استخفاف أمر معاوية و استحقار تجنيه عليه.

و أما على مختار القوم، أي كون تجن مضارع جن فالمعنى أنك لو خالفت هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان إلا أن تعزيني إلى الجناية افتراء و تدعي علي ذنبا لم أفعله، ثم تأخذ ذلك الاختلاق وسيلة لأن تستر و تخفي ما ظهر لك من براءتي من دم عثمان، يعني أن براءتي من دم عثمان ظاهرة لك غير خفية إلا أنك تريد إخفاءه و الافتراء علي بدمه حتى تجعله ذريعة لك فتستغوي بها الناس و لكن الصواب هو الوجه الأول لما دريت في بيان اللغة.

قوله عليه السلام: (و السلام) أي‏ و السلام‏ على من اتبع الهدى، أو و السلام‏ على أهله أو غيرهما مما يناسبهما.

قال الفاضل الشارح المعتزلي: و اعلم أن هذا الفصل دال بصريحه على كون الاختيار طريقا إلى الإمامه كما يذكره أصحابنا المتكلمون، لأنه احتج على معاوية بيعته أهل الحل و العقد له، و لم يراع في ذلك إجماع المسلمين كلهم و قياسه على بيعة أهل الحل و العقد لأبي بكر، فانه ما روعي فيها إجماع المسلمين، لأن سعد بن عبادة لم يبايع و لا واحد من أهل بيته و ولده، و لأن عليا و بني هاشم و من انضوى إليهم لم يبايعوا في مبدء الأمر و امتنعوا، و لم يتوقف المسلمون في تصحيح إمامة أبي بكر و تنفيذ أحكامه على بيعتهم، و هذا دليل على صحة الإختيار و كونه‏ طريقا إلى الإمامة و أنه لا يقدح في إمامته امتناع معاوية من البيعة و أهل الشام.

فأما الإمامية فتحمل هذا الكتاب منه على التقية و تقول إنه ما كان يمكنه أن يصرح لمعاوية في مكتوبه بباطن الحال و يقول له: أنا منصوص علي من رسول الله صلى الله عليه و آله و معهود إلى المسلمين أن أكون خليفة فيهم بلا فصل، فيكون في ذلك طعن على الأئمة المتقدمين و تفسد حاله مع الذين بايعوه من أهل المدينة.

و هذا القول من الإمامية دعوى لو عضدها دليل لوجب أن يقال بها و يصار إليها، و لكن لا دليل لهم على ما يدهبون إليه من الاصول التي تسوقهم إلى حمل هذا الكلام على التقية.

ثم قال: فأما قوله: و قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون ثم حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على كتاب الله‏، فيجب أن يذكر في شرحه ما يقول المتكلمون في هذه الواقعة.

قال أصحابنا المعتزلة: هذا الكلام حق و صواب لأن أولياء الدم يجب أن يبايعوا الإمام و يدخلوا تحت طاعته ثم يرفعوا خصومهم إليه، فان حكم بالحق استديمت إمامته، و إن حاد عن الحق انتقضت خلافته، و اولياء عثمان الذين هم بنوه لم يبايعوا عليا و لا دخلوا تحت طاعته، و كذلك معاوية ابن عم عثمان لم يبايع و لا أطاع، فمطالبتهم له بأن يقتص لهم من قاتلي عثمان قبل بيعتهم إياه و طاعتهم له ظلم منهم و عدوان.

ثم قال: فإن قلت: هب أن القصاص من قتلة عثمان موقوف على ما ذكره أما كان يجب عليه لا من طريق القصاص أن ينهى عن المنكر و أنتم تذهبون إلى أن النبي عن المنكر واجب على من هو سوقه فكيف على الامام الأعظم؟.

قلت: هذا غير وارد ههنا لأن النهي عن المنكر إنما يجب قبل وقوع المنكر لكيلا يقع، فاذا وقع المنكر فأي نهي يكون عنه، و قد نهي علي عليه السلام أهل مصر و غيرهم عن قتل عثمان قبل قتله مرارا، و نابذهم بيده و لسانه و بأولاده فلم يغن شيئا، و تفاقم الأمر حتى قتل، و لا يجب بعد القتل إلا القصاص، فاذا امتنع أولياء الدم من طاعة الامام لم يجب عليه أن يقتص من القاتلين، لأن القصاص حقهم و قد سقط ببغيهم على الإمام و خروجهم عن طاعته، و قد قلنا نحن فيما تقدم أن القصاص إنما يجب على من باشر القتل، و الذين باشروا قتل عثمان قتلوا يوم قتل عثمان في دار عثمان و الذين كان معاوية يطالبه بدم عثمان لم يباشروا القتل و إنما كثروا السواد و حصروا عثمان في الدار و أجلبوا عليه و شتموه و توعدوه و منهم من تسور عليه داره و لم ينزل إليه، و منهم من نزل فحضر قتله و لم يشرك فيه و كل هؤلاء لا يجب عليهم القصاص في الشرع.

أقول: أما قوله إن الاختيار طريق إلى الإمامة فيرده ما برهنا في عدة مواضع من مباحثنا السالفة من أن الإمامة أجل قدرا، و أعظم شأنا، و أعلا مكانا و أمنع جانبا، و أبعد غورا، من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها برأيهم، أو يقيموا إماما باختيارهم، بل انها رئاسة إلهية يجب على الله تعالى نصب من اجتبيه لها.

و أما قوله: و قياسه على بيعة أهل الحل و العقد لأبي بكر- إلخ، فيرده أن خلافة أبي بكر لم يكن بحق حتى يقاس بها، و إعراض سعد بن عبادة و أتباعه و علي عليه السلام و أشياعه عن بيعته كان على بصيرة في أمر الخلافة.

و أما قوله عليه السلام: و هذا القول‏ من الامامية دعوى لو عضدها دليل لوجب أن يقال بها- إلخ فقد قلنا آنفا في شرح هذا الكتاب إن كلامه عليه السلام هذا إنما هو على مقتضى عقيدة القوم حيث ذهبوا إلى أن أمر الامامة و الخلافة إنما هو بالبيعة لا بالنص، و أنه سيق على القياس الجدلي أعني إلزام الخصم بما اعتقد و سلم به فلا حاجة إلى حمل كلامه عليه السلام على التقية.

و إسناد هذا القول إلى الامامية لا يخلو من دغدغة، و لو مال إليه واحد منهم فقد أخطأ و لا يصح إسناده إلى الجميع و قد سبقنا بهذه الدقيقة المجلسي رحمه الله في البحار ص 528 ج 8 من الطبع الكمباني.

و أما الأدلة على كونه عليه السلام خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله بلا فصل فتجل عن الاحصاء من العقلية و النقلبة، و قد ألف بغاة الحقيقة و الهداية في ذلك رسائل شتى و صنف أهل الفحص و التتبع من الفريقين جوامع عديدة حاوية للأخبار المأثورة عن النبي صلى الله عليه و آله في خلافته بلا فصل، و كذا في خلافة سائر الأئمة واحدا بعد واحد و لو ثنينا البيان على تفصيل ذلك لطال بنا الخطب و عظم علينا الأمر.

و لعمري‏ أن الرجل يحب أن يتشابه بالجهال، و إلا فالأمر أبلج من الشمس في رابعة النهار، و قد قدمنا أن رسول الله صلى الله عليه و آله كان أشفق على الناس من الوالد على ولده حتى أنه أرشدهم إلى امور كانت دون مرتبة ولاية الأمر بمراحل كتعليمهم تقليهم الأظفار، و آداب طلى النورة، و تسريح اللحى، و أخذ الشوارب و لبس الثياب حتى أرشدهم في قضاء الحاجة إلى امور كثيرة مندوبة و غير مندوبة فكيف يسكت عن أجل الأشياء قدرا و أشدها حاجة أعني النص على الامام الذي يتولي امورهم بعده.

و أما قوله عليه السلام: و قد أكثرت في قتلة عثمان‏- إلخ، فمذكور في ذلك الكتاب كما نقلنا صورته الكاملة عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم.

ثم إن ما نقل الفاضل الشارح من أصحابه من أن أولياء الدم يجب أن يبايعوا الإمام و يدخلوا تحت طاعته ثم يرافعوا خصومهم إليه فان حكم بالحق استديمت إمامته، و إن حاد عن الحق انتقضت خلافته- إلخ. اعتراف منهم بانتقاض خلافة عثمان من أول ما بويع له بالخلافة، لأنه عطل الحد الواجب في عبيد الله ابن عمر قاتل جفينة و الهرمزان و ابنة أبي لؤلؤة، و قد قدمنا الكلام في ذلك في شرح الخطبة 236 و المختار الأول من باب الكتب و الرسائل، فراجع.

الترجمة

اين يكى از نامه‏ هاى أمير المؤمنين على عليه السلام است كه بسوى معاويه ارسال داشت:

همانا گروهى كه بر وجهي با أبو بكر و عمر و عثمان بيعت كردند بر آن وجه نيز با من بيعت كردند، پس حاضر- در مدينه- را نشايد كه ديگري را بامامت بر گزيند و غائب را نسزد كه از بر گزيده قوم بامامت سر باز زند.

(اين گفتار تعريض است به عمل طلحه و زبير و پيروانشان كه در مدينه بودند و بيعت كردند و نكث و نقض عهد كردند، و بكار معاويه و أتباع او كه در مدينه نبودند و از اختيار قوم و اجماع ايشان اعراض كردند).

و جز اين نيست كه مشورت در أمر خلافت براى مهاجرين و أنصار است كه آنان أهل حل و عقد از امت محمد و پيشوا و زعماى آنانند پس اگر آنان اجتماع كردند بر مردمى و او را امام خود ناميدند آن كار مرضي خداوند است، پس اگر كسى بسبب طعنى بر آنان يا بر كسى كه با او بامامت بيعت كردند، يا بسبب بدعتي در آن كار از امرشان بدر مى ‏رفت او را بسوى آنچه كه از او بدر رفت بر مى ‏گردانيدند و اگر إبا مي كرد با او كار زار مى ‏كردند چه او جز راه مؤمنين را پيروى كرده است و خداوند او را بخودش وا مى ‏گذارد.

(مراد اين است كه برخي به آن حضرت بر قتل عثمان طعن مى‏ زدند، و برخى بدعت نهادند كه معاويه را براى منصب خلافت نصب كردند، و امام عليه السلام در اين نامه تعريضا بمعاويه ارائه مى‏ دهد كه اگر سبيل مؤمنين را اتباع نكند و از اجماع مهاجر و أنصار بر امامت آن بزرگوار روي بر گرداند نخست آن قوم او را بقبول آن أمر و رجوع از خود كامى و خود سرى دعوت كنند، و اگر گردن كشد و ياغى شود با وى بقتال قيام كنند).

هر آينه قسم بزندگانى من اى معاويه! اگر بديده خرد بنگرى نه بهواى نفس أماره‏ات مرا برى ‏ترين مردم از خون عثمان مى ‏يابى، و خواهى دانست كه من از ريختن خونش بر كنار بودم جز اين كه خواهى جنايتى بافترا و بهتان بمن نسبت دهى تا آنرا دست آويز خود گردانى و آنچه را كه بر تو هويدا است بپوشانى.

(اين معنى بنا بر آن وجه است كه تجن مضارع جن باشد كه بسيارى بر آن رفته‏اند اگر چه صحيح اين است تجن امر از تتجنى است، خلاصه بنا بر مضارع‏ بودنش مراد اين كه بر معاويه معلوم بود كه امام عليه السلام از قتل عثمان دفاع ميكرد و مردم را از آن تحذير مى‏فرمود و از ريختن خونش بر كناره بود، جز اين كه مى‏خواست بهانه‏اى در دست گيرد تا بدشمنى و كينه توزى اين امر روشن و أمثال آنرا بپوشاند و انكار كند و حضرتش را بخون عثمان بيالايد).

درود بر آنكه راه حق را پيروى كند.

(و بنا بر نسخه صحيح كه تجن را امر از تتجنى بگيريم معنى چنين است) پس هر چه از افتراء و بهتان كه بخاطرت مى ‏رسد و خواهى بمن نسبت دهى بده «كه گفته‏اند: دروازه شهر را توان بست و دهن مردم را نتوان بست». و در لغت و شرح اين وجه أخير متعين و صحيح دانسته شد.

بدانكه إمام عليه السلام اين نامه را بنا بر عقيده قوم و حسب مقتضي مقام كه مماشات با آنان است تقرير فرمود كه چنانچه خلافت آن سه تن بعقيده قوم به بيعت أهل حل و عقد بود و ديگران آنرا قبول كردند و نقض بيعت نكردند و بدعت در دين ننهادند، مى‏بايستى در باره آن حضرت نيز كه أهل حل و عقد از مهاجر و أنصار بر امامت او گردن نهادند و اتفاق كردند مخالفت ننمايند، و گرنه خلافت بلا فصل آن بزرگوار و امامت حضرتش بنص خدا و رسول ثابت و مبرهن است.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.