و من كتاب له عليه السّلام إلى جرير بن عبد اللّه البجلى، لما أرسله إلى معاوية
أَمَّا بَعْدُ فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَاحْمِلْ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْفَصْلِ- وَ خُذْهُ بِالْأَمْرِ الْجَزْمِ- ثُمَّ خَيِّرْهُ بَيْنَ حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ أَوْ سِلْمٍ مُخْزِيَةٍ- فَإِنِ اخْتَارَ الْحَرْبَ فَانْبِذْ إِلَيْهِ- وَ إِنِ اخْتَارَ السِّلْمَ فَخُذْ بَيْعَتَهُ وَ السَّلَامُ أقول: روى أنّ جريرا أقام عند معاوية حين أرسله عليه السّلام حتّى أتّهمه الناس.
و قال: قد وقّتّ لجرير وقتا لا يقيم بعده إلّا مخدوعا أو عاصيا. و أبطىء حتّى أيس منه. فكتب إليه بعد ذلك هذا الكتاب. فلمّا انتهى إليه أتى معاوية فأقرءه إيّاه و قال: يا معاوية إنّه لا يطبع على قلب إلّا بذنب و لا يشرح إلّا بتوبة، و لا أظنّ قلبك إلّا مطبوعا، أراك قد وقفت بين الحقّ و الباطل كأنّك تنظر شيئا في يد غيرك.
فقال معاوية: ألقاك بالفصل في أوّل مجلس إنشاء اللّه. ثمّ أخذ في بيعة أهل الشام فلمّا انتظم أمره لقى جريرا و قال له: الحق بصاحبك و أعلمه بالحرب. فقدم جرير إلى عليّ عليه السّلام.
اللغة
البجلىّ: منسوب إلى بجيلة قبيلة. و المجلية من الإجلاء و هو الإخراج عن الوطن قهرا. و المخزية: المهينة و المذلّة. و روى مجزية- بالجيم- : أي كافية. والحرب و السلم مؤنّثان لكونهما في معنى المحاربة و المسالمة. و النبذ: الإلقاء و الرمى.
المعنى
و حاصل أمر جرير حمل معاوية على فصل الأمر و قطعه و جزم الحال معه بتخييره في أحد أمرين إمّا حرب يكون معها إجلاؤه، و إمّا سلم يكون فيها ذليلا مهانا مقهورا، و في ذكر الإجلاء و الإهانة على التقديرين تخويف و تهديد و إشعار بأنّه عليه السّلام في الأمرين ظاهر ظافر، و أنّه غالب قاهر لعلّه يتذكّر أو يخشى. ثمّ أمره على تقدير اختياره للحرب أن يرميه بالإعلام بها و يلقى الوعيد بايقاعها من قبله عليه السّلام و يجهر له بذلك من غير مداهنة و مداراة كقوله تعالى وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ«» و على تقدير اختياره للسلم يأخذ بيعته.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 4 ، صفحهى 359