8 و من كتاب له ع إلى جرير بن عبد الله البجلي- لما أرسله إلى معاوية
أَمَّا بَعْدُ فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَاحْمِلْ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْفَصْلِ- وَ خُذْهُ بِالْأَمْرِ الْجَزْمِ- ثُمَّ خَيِّرْهُ بَيْنَ حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ أَوْ سِلْمٍ مُخْزِيَةٍ- فَإِنِ اخْتَارَ الْحَرْبَ فَانْبِذْ إِلَيْهِ- وَ إِنِ اخْتَارَ السِّلْمَ فَخُذْ بَيْعَتَهُ وَ السَّلَامُ قد تقدم ذكر نسب جرير بن عبد الله البجلي- . و قوله ع فاحمل معاوية على الفصل- أي لا تتركه متلكئا مترددا- يطمعك تارة و يؤيسك أخرى- بل احمله على أمر فيصل- إما البيعة أو أن يأذن بالحرب- .
و كذلك قوله و خذه بالأمر الجزم- أي الأمر المقطوع به- لا تكن ممن يقدم رجلا و يؤخر أخرى- و أصل الجزم القطع- . و حرب مجلية- تجلي المقهورين فيها عن ديارهم أي تخرجهم- . و سلم مخزية أي فاضحة- و إنما جعلها مخزية لأن معاوية امتنع أولا من البيعة- فإذا دخل في السلم فإنما يدخل فيها بالبيعة- و إذا بايع بعد الامتناع فقد دخل تحت الهضم- و رضي بالضيم و ذلك هو الخزي- .
قوله فانبذ إليه من قوله تعالى- فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ و أصله العهد و الهدنة- و عقد الحلف يكون بين الرجلين أو بين القبيلتين- ثم يبدو لهما في ذلك- فينتقلان إلى الحرب فينبذ أحدهما إلى الآخر عهده- كأنه كتاب مكتوب بينهما- قد نبذه أحدهما يوم الحرب و أبطله- فاستعير ذلك للمجاهرة بالعداوة و المكاشفة- و نسخ شريعة السلام السابقة بالحرب المعاقبة لها
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 14