نامه 64 شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

 64 و من كتاب له ع إلى معاوية جوابا عن كتابه

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وَ أَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ-  مِنَ الْأُلْفَةِ وَ الْجَمَاعَةِ-  فَفَرَّقَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ أَمْسِ أَنَّا آمَنَّا وَ كَفَرْتُمْ-  وَ الْيَوْمَ أَنَّا اسْتَقَمْنَا وَ فُتِنْتُمْ-  وَ مَا أَسْلَمَ مُسْلِمُكُمْ إِلَّا كَرْهاً-  وَ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَنْفُ الْإِسْلَامِ كُلُّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ص حَرْباً-  وَ ذَكَرْتَ أَنِّي قَتَلْتُ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرَ-  وَ شَرَّدْتُ بِعَائِشَةَ وَ نَزَلْتُ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ-  وَ ذَلِكَ أَمْرٌ غِبْتَ عَنْهُ فَلَا عَلَيْكَ وَ لَا الْعُذْرُ فِيهِ إِلَيْكَ-  وَ ذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي فِي جَمْعِ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ-  وَ قَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ-  فَإِنْ كَانَ فِيكَ عَجَلٌ فَاسْتَرْفِهْ-  فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ فَذَلِكَ جَدِيرٌ-  أَنْ يَكُونَ اللَّهُ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِلنِّقْمَةِ مِنْكَ-  وَ إِنْ تَزُرْنِي فَكَمَا قَالَ أَخُو بَنِي أَسَدٍ- 

  مُسْتَقْبِلِينَ رِيَاحَ الصَّيْفِ تَضْرِبُهُمْ
بِحَاصِبٍ بَيْنَ أَغْوَارٍ وَ جُلْمُودِ

 وَ عِنْدِي السَّيْفُ الَّذِي أَعْضَضْتُهُ بِجَدِّكَ-  وَ خَالِكَ وَ أَخِيكَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ-  فَإِنَّكَ وَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ الْأَغْلَفُ الْقَلْبِ الْمُقَارِبُ الْعَقْلِ-  وَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَكَ-  إِنَّكَ رَقِيتَ سُلَّماً أَطْلَعَكَ مَطْلَعَ سُوءٍ عَلَيْكَ لَا لَكَ-  لِأَنَّكَ نَشَدْتَ غَيْرَ ضَالَّتِكَ وَ رَعَيْتَ غَيْرَ سَائِمَتِكَ-  وَ طَلَبْتَ أَمْراً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَ لَا فِي مَعْدِنِهِ-  فَمَا أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعْلِكَ-وَ قَرِيبٌ مَا أَشْبَهْتَ مِنْ أَعْمَامٍ وَ أَخْوَالٍ-  حَمَلَتْهُمُ الشَّقَاوَةُ وَ تَمَنِّي الْبَاطِلِ عَلَى الْجُحُودِ بِمُحَمَّدٍ ص-  فَصُرِعُوا مَصَارِعَهُمْ حَيْثُ عَلِمْتَ-  لَمْ يَدْفَعُوا عَظِيماً وَ لَمْ يَمْنَعُوا حَرِيماً-  بِوَقْعِ سُيُوفٍ مَا خَلَا مِنْهَا الْوَغَى-  وَ لَمْ تُمَاشِهَا الْهُوَيْنَى-  وَ قَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثْمَانَ-  فَادْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ ثُمَّ حَاكِمِ الْقَوْمَ إِلَيَّ-  أَحْمِلْكَ وَ إِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى-  وَ أَمَّا تِلْكَ الَّتِي تُرِيدُ-  فَإِنَّهَا خُدْعَةُ الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْفِصَالِ-  وَ السَّلَامُ لِأَهْلِهِ

كتاب معاوية إلى علي

أما الكتاب الذي كتبه إليه معاوية-  و هذا الكتاب جوابه فهو-  من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب-  أما بعد فإنا بني عبد مناف-  لم نزل ننزع من قليب واحد و نجري في حلبة واحدة-  ليس لبعضنا على بعض فضل-  و لا لقائمنا على قاعدنا فخر-  كلمتنا مؤتلفة و ألفتنا جامعة و دارنا واحدة-  يجمعنا كرم العرق و يحوينا شرف النجار-  و يحنو قوينا على ضعيفنا و يواسي غنينا فقيرنا-  قد خلصت قلوبنا من وغل الحسد-  و طهرت أنفسنا من خبث النية-  فلم نزل كذلك حتى كان منك ما كان من الإدهان-  في أمر ابن عمك و الحسد له-  و نصرة الناس عليه حتى قتل بمشهد منك-  لا تدفع عنه بلسان و لا يد-  فليتك‏ أظهرت نصره حيث أسررت خبره-  فكنت كالمتعلق بين الناس بعذر و إن ضعف-  و المتبرئ من دمه بدفع و إن وهن-  و لكنك جلست في دارك تدس إليه الدواهي-  و ترسل إليه الأفاعي-  حتى إذا قضيت وطرك منه-  أظهرت شماتة و أبديت طلاقة-  و حسرت للأمر عن ساعدك و شمرت عن ساقك-  و دعوت الناس إلى نفسك-  و أكرهت أعيان المسلمين على بيعتك-  ثم كان منك بعد ما كان-  من قتلك شيخي المسلمين-  أبي محمد طلحة و أبي عبد الله الزبير-  و هما من الموعودين بالجنة-  و المبشر قاتل أحدهما بالنار في الآخرة-  هذا إلى تشريدك بأم المؤمنين عائشة-  و إحلالها محل الهون-  متبذلة بين أيدي الأعراب و فسقة أهل الكوفة-  فمن بين مشهر لها و بين شامت بها و بين ساخر منها-  ترى ابن عمك كان بهذه لو رآه راضيا-  أم كان يكون عليك ساخطا و لك عنه زاجرا-  أن تؤذي أهله و تشرد بحليلته و تسفك دماء أهل ملته-  ثم تركك دار الهجرة التي قال رسول الله ص عنها إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد-  فلعمري لقد صح وعده و صدق قوله-  و لقد نفت خبثها-  و طردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها-  فأقمت بين المصرين و بعدت عن بركة الحرمين-  و رضيت بالكوفة بدلا من المدينة-  و بمجاورة الخورنق و الحيرة عوضا من مجاورة خاتم النبوة-  و من قبل ذلك ما عبت خليفتي رسول الله ص أيام حياتهما-  فقعدت عنهما و ألبت عليهما و امتنعت من بيعتهما-  و رمت أمرا لم يرك الله تعالى له أهلا-  و رقيت سلما وعرا و حاولت مقاما دحضا-  و ادعيت ما لم تجد عليه ناصرا-  و لعمري لو وليتها حينئذ لما ازدادت-  إلا فسادا و اضطرابا-  و لا أعقبت ولايتكها إلا انتشارا و ارتدادا-  لأنك الشامخ بأنفه الذاهب بنفسه-  المستطيل على الناس بلسانه و يده-  و ها أنا سائر إليك في جمع‏من المهاجرين و الأنصار-  تحفهم سيوف شامية و رماح قحطانية-  حتى يحاكموك إلى الله-  فانظر لنفسك و للمسلمين و ادفع إلي قتلة عثمان-  فإنهم خاصتك و خلصاؤك و المحدقون بك-  فإن أبيت إلا سلوك سبيل اللجاج-  و الإصرار على الغي و الضلال-  فاعلم أن هذه الآية إنما نزلت فيك-  و في أهل العراق معك وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً-  يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ-  فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ.

ثم نعود إلى تفسير ألفاظ الفصل و معانيه-  قال ع لعمري إنا كنا بيتا واحدا في الجاهلية-  لأنا بنو عبد مناف إلا أن الفرقة بيننا و بينكم-  حصلت منذ بعث الله محمدا ص فإنا آمنا و كفرتم-  ثم تأكدت الفرقة اليوم-  بأنا استقمنا على منهاج الحق و فتنتم- . ثم قال و ما أسلم من أسلم منكم إلا كرها-  كأبي سفيان و أولاده يزيد و معاوية-  و غيرهم من بني عبد شمس- . قال و بعد أن كان أنف الإسلام محاربا لرسول الله ص-  أي في أول الإسلام-  يقال كان ذلك في أنف دولة بني فلان أي في أولها-  و أنف كل شي‏ء أوله و طرفه-  و كان أبو سفيان و أهله من بني عبد شمس-  أشد الناس على رسول الله ص في أول الهجرة-  إلى أن فتح مكة-  ثم أجابه عن قوله قتلت طلحة و الزبير و شردت بعائشة-  و نزلت بين المصرين-  بكلام مختصر أعرض فيه عنه‏هوانا به-  فقال هذا أمر غبت عنه-  فليس عليك كان العدوان الذي تزعم-  و لا العذر إليك لو وجب على العذر عنه- .

فأما الجواب المفصل فأن يقال-  إن طلحة و الزبير قتلا أنفسهما ببغيهما و نكثهما-  و لو استقاما على الطريقة لسلما-  و من قتله الحق فدمه هدر-  و أما كونهما شيخين من شيوخ الإسلام فغير مدفوع-  و لكن العيب يحدث-  و أصحابنا يذهبون إلى أنهما تابا و فارقا الدنيا-  نادمين على ما صنعا-  و كذلك نقول نحن فإن الأخبار كثرت بذلك-  فهما من أهل الجنة لتوبتهما-  و لو لا توبتهما لكانا هالكين كما هلك غيرهما-  فإن الله تعالى لا يحابي أحدا في الطاعة و التقوى-  لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ- . و أما الوعد لهما بالجنة فمشروط بسلامة العاقبة-  و الكلام في سلامتهما-  و إذا ثبتت توبتهما فقد صح الوعد لهما و تحقق- 

وقوله بشر قاتل ابن صفية بالنار-  فقد اختلف فيه-  فقال قوم من أرباب السير و علماء الحديث-  هو كلام أمير المؤمنين ع غير مرفوع-  و قوم منهم جعلوه مرفوعا-  و على كل حال فهو حق-  لأن ابن جرموز قلته موليا خارجا من الصف-  مفارقا للحرب-  فقد قتله على توبة و إنابة و رجوع من الباطل-  و قاتل من هذه حاله فاسق مستحق للنار-  و أما أم المؤمنين عائشة فقد صحت توبتها-  و الأخبار الواردة في توبتها-  أكثر من الأخبار الواردة في توبة طلحة و الزبير-  لأنها عاشت زمانا طويلا و هما لم يبقيا-  و الذي جرى لها كان خطأ منها-  فأي ذنب لأمير المؤمنين ع في ذلك-  و لو أقامت في منزلها-  لم تبتذل بين الأعراب و أهل الكوفة-  على أن أمير المؤمنين ع أكرمها و صانها و عظم من شأنها-  و من أحب أن يقف على ما فعله معها-  فليطالع كتب السيرة-  و لو كانت فعلت بعمر ما فعلت به-  و شقت عصا الأمة عليه ثم ظفر بها-  لقتلها و مزقها إربا إربا-  و لكن عليا كان حليما كريما- .

 

و أما قوله لو عاش رسول الله ص-  فبربك هل كان يرضى لك أن تؤذي حليلته-  فلعلي ع أن يقلب الكلام عليه فيقول-  أ فتراه لو عاش أ كان يرضى لحليلته أن تؤذي أخاه و وصيه-  و أيضا أ تراه لو عاش أ كان يرضى لك يا ابن أبي سفيان-  أن تنازع عليا الخلافة و تفرق جماعة هذه الأمة-  و أيضا أ تراه لو عاش-  أ كان يرضى لطلحة و الزبير أن يبايعا-  ثم ينكثا لا لسبب بل قالا جئنا نطلب الدراهم-  فقد قيل لنا إن بالبصرة أموالا كثيرة-  هذا كلام يقوله مثلهما- .

فأما قوله تركت دار الهجرة فلا عيب عليه-  إذا انقضت عليه أطراف الإسلام بالبغي و الفساد-  أن يخرج من المدينة إليها و يهذب أهلها-  و ليس كل من خرج من المدينة كان خبثا-  فقد خرج عنها عمر مرارا إلى الشام-  ثم لعلي ع أن يقلب عليه الكلام فيقول له-  و أنت يا معاوية فقد نفتك المدينة أيضا عنها-  فأنت إذا خبث و كذلك طلحة و الزبير و عائشة-  الذين تتعصب لهم و تحتج على الناس بهم-  و قد خرج عن المدينة الصالحون-  كابن مسعود و أبي ذر و غيرهما-  و ماتوا في بلاد نائية عنها و أما قوله بعدت عن حرمة الحرمين-  و مجاورة قبر رسول الله ص-  فكلام إقناعي ضعيف-  و الواجب على الإمام أن يقدم الأهم فالأهم-  من مصالح الإسلام-  و تقديم قتال أهل البغي على المقام بين الحرمين أولى-  فأما ما ذكره من خذلانه عثمان و شماتته به-  و دعائه الناس بعد قتله إلى نفسه-  و إكراهه طلحة و الزبير و غيرهما على بيعته-  فكله دعوى و الأمر بخلافها-  و من نظر كتب السير عرف أنه قد بهته-  و ادعى عليه ما لم يقع منه- .

و أما قوله التويت على أبي بكر و عمر و قعدت عنهما-  و حاولت الخلافة بعد رسول الله ص-  فإن عليا ع لم يكن يجحد ذلك و لا ينكره-  و لا ريب‏أنه كان يدعى الأمر بعد وفاة رسول الله ص لنفسه-  على الجملة-  أما لنص كما تقوله الشيعة-  أو لأمر آخر كما يقوله أصحابنا-  فأما قوله لو وليتها حينئذ لفسد الأمر و اضطرب الإسلام-  فهذا علم غيب لا يعلمه إلا الله-  و لعله لو وليها حينئذ لاستقام الأمر-  و صلح الإسلام و تمهد-  فإنه ما وقع الاضطراب عند ولايته بعد عثمان-  إلا لأن أمره هان عندهم بتأخره عن الخلافة-  و تقدم غيره عليه-  فصغر شأنه في النفوس-  و قرر من تقدمه في قلوب الناس-  أنه لا يصلح لها كل الصلاحية-  و الناس على ما يحصل في نفوسهم-  و لو كان وليها ابتداء و هو على تلك الحالة-  التي كان عليها أيام حياة رسول الله ص-  و تلك المنزلة الرفيعة و الاختصاص الذي كان له-  لكان الأمر غير الذي رأيناه عند ولايته بعد عثمان-  و أما قوله لأنك الشامخ بأنفه الذاهب بنفسه-  فقد أسرف في وصفه بما وصفه به-  و لا شك أن عليا ع كان عنده زهو لكن لا هكذا-  و كان ع مع زهوه ألطف الناس خلقا- .

ثم نرجع إلى تفسير ألفاظه ع-  قوله و ذكرت أنك زائري في جمع من المهاجرين و الأنصار-  و قد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك-  هذا الكلام تكذيب له في قوله-  في جمع من المهاجرين و الأنصار أي ليس معك مهاجر-  لأن أكثر من معك ممن رأى رسول الله ص هم أبناء الطلقاء-  و من أسلم بعد الفتح و قد قال النبي ص لا هجرة بعد الفتح- . و عبر عن يوم الفتح بعبارة حسنة-  فيها تقريع لمعاوية و أهله بالكفر-  و أنهم ليسوا من ذوي السوابق-  فقال قد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك-  يعني يزيد بن أبي سفيان أسر يوم الفتح في باب الخندمة-  و كان خرج في نفر من قريش-  يحاربون و يمنعون‏من دخول مكة-  فقتل منهم قوم و أسر يزيد بن أبي سفيان-  أسره خالد بن الوليد-  فخلصه أبو سفيان منه و أدخله داره-  فأمن لأن رسول الله ص قال يومئذ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن

ذكر الخبر عن فتح مكة

و يجب أن نذكر في هذا الموضع-  ملخص ما ذكره الواقدي في كتاب المغازي-  في فتح مكة فإن الموضع يقتضيه-  لقوله ع ما أسلم مسلمكم إلا كرها-  و قوله يوم أسر أخوك- . قال محمد بن عمر الواقدي في كتاب المغازي-  كان رسول الله ص-  قد هادن قريشا في عام الحديبية عشر سنين-  و جعل خزاعة داخلة معه-  و جعلت قريش بني بكر بن عبد مناة من كنانة داخلة معهم-  و كان بين بني بكر و بين خزاعة-  تراث في الجاهلية و دماء-  و قد كانت خزاعة من قبل حالفت عبد المطلب بن هاشم-  و كان معها كتاب منه و كان رسول الله ص يعرف ذلك-  فلما تم صلح الحديبية و أمن الناس-  سمع غلام من خزاعة إنسانا من بني كنانة-  يقال له أنس بن زنيم الدؤلي-  ينشد هجاء له في رسول الله ص-  فضربه فشجه-  فخرج أنس إلى قومه فأراهم شجته فثار بينهم الشر-  و تذاكروا أحقادهم القديمة-  و القوم مجاورون بمكة-  فاستنجدت بكر بن عبد مناة قريشا على خزاعة-  فمن قريش من كره ذلك و قال لا انقض عهد محمد-  و منهم من خف إليه و كان أبو سفيان أحد من كره ذلك-  و كان صفوان بن أمية و حويطب بن عبد العزى-  و مكرز بن حفص‏ممن أعان بني بكر-  و دسوا إليهم الرجال بالسلاح سرا-  و بيتوا خزاعة ليلا فأوقعوا بهم-  فقتلوا منهم عشرين رجلا-  فلما أصبحوا عاتبوا قريشا-  فجحدت قريش أنها أعانت بكرا و كذبت في ذلك-  و تبرأ أبو سفيان و قوم من قريش مما جرى-  و شخص قوم من خزاعة إلى المدينة مستصرخين برسول الله ص-  فدخلوا عليه و هو في المسجد-  فقام عمرو بن سالم الخزاعي فأنشده- 

  لا هم إني ناشد محمدا
حلف أبينا و أبيه الأتلدا

لكنت والدا و كنا ولدا
ثمت أسلمنا و لم ننزع يدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا
و نقضوا ميثاقك المؤكدا

هم بيتونا بالوتير هجدا
نتلو القران ركعا و سجدا

و زعموا أن لست تدعو أحدا
و هم أذل و أقل عددا

فانصر هداك الله نصرا أيدا
و ادع عباد الله يأتوا مددا

في فيلق كالبحر يجري مزبدا
فيهم رسول الله قد تجردا
قرم لقوم من قروم أصيدا

ثم ذكروا له ما أثار الشر-  و قالوا له إن أنس بن زنيم هجاك-  و إن صفوان بن أمية-  و فلانا و فلانا-  دسوا إلينا رجال قريش مستنصرين-  فبيتونا بمنزلنا بالوتير فقتلونا-  و جئناك مستصرخين بك-  فزعموا أن رسول الله ص قام مغضبا يجر رداءه و يقول-  لا نصرت إن لم أنصر خزاعة فيما أنصر منه نفسي- .

قلت-  فصادف ذلك من رسول الله ص إيثارا و حبا لنقض العهد-  لأنه كان يريد أن يفتح مكة و هم بها في عام الحديبية فصد-  ثم هم بها في عمرة القضية-  ثم وقف لأجل العهد و الميثاق الذي كان عقده معهم-  فلما جرى ما جرى على خزاعة اغتنمها- . قال الواقدي-  فكتب إلى جميع الناس في أقطار الحجاز و غيرها-  يأمرهم أن يكونوا بالمدينة في رمضان من سنة ثمان للهجرة-  فوافته الوفود و القبائل من كل جهة-  فخرج من المدينة بالناس-  يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان في عشرة آلاف-  فكان المهاجرون سبعمائة و معهم من الخيل ثلاثمائة فرس-  و كانت الأنصار أربعة آلاف معهم من الخيل خمسمائة-  و كانت مزينة ألفا فيها من الخيل مائة فرس-  و كانت أسلم أربعمائة فيها من الخيل ثلاثون فرسا-  و كانت جهينة ثمانمائة معها خمسون فرسا-  و من سائر الناس تمام عشرة آلاف-  و هم بنو ضمرة و بنو غفار و أشجع-  و بنو سليم و بنو كعب بن عمرو و غيرهم-  و عقد للمهاجرين ثلاثة ألوية-  لواء مع علي و لواء مع الزبير-  و لواء مع سعد بن أبي وقاص-  و كانت الرايات في الأنصار و غيرهم-  و كتم عن الناس الخبر فلم يعلم به إلا خواصه-  و أما قريش بمكة فندمت على ما صنعت بخزاعة-  و عرفت أن ذلك انقضاء ما بينهم و بين النبي ص من العهد-  و مشى الحارث بن هشام و عبد الله بن أبي ربيعة-  إلى أبي سفيان فقالا له-  إن هذا أمر لا بد له أن يصلح-  و الله إن لم يصلح لا يروعكم إلا محمد في أصحابه-  و قال أبو سفيان قد رأت هند بنت عتبة رؤيا-  كرهتها و أفظعتها و خفت من شرها-  قالوا ما رأت قال رأت كان دما أقبل من الحجون يسيل-  حتى وقف بالخندمة مليا-  ثم كان ذلك الدم لم يكن-  فكره القوم ذلك و قالوا هذا شر- .

قال الواقدي-  فلما رأى أبو سفيان ما رأى من الشر قال-  هذا و الله أمر لم أشهده‏و لم أغب عنه-  لا يحمل هذا إلا علي-  و لا و الله ما شوورت و لا هونت حيث بلغني-  و الله ليغزونا محمد إن صدق ظني و هو صادق-  و ما لي بد أن آتي محمدا فأكلمه أن يزيد في الهدنة-  و يجدد العهد قبل أن يبلغه هذا الأمر-  قالت قريش قد و الله أصبت-  و ندمت قريش على ما صنعت بخزاعة-  و عرفت أن رسول الله ص لا بد أن يغزوها-  فخرج أبو سفيان و خرج معه مولى له على راحلتين-  و أسرع السير-  و هو يرى أنه أول من خرج من مكة إلى رسول الله ص قال الواقدي و قد روى الخبر على وجه آخر-  و هو أنه لما قدم ركب خزاعة على رسول الله ص-  فأخبروه بمن قتل منهم- 

قال لهم بمن تهمتكم و طلبتكم-  قالوا بنو بكر بن عبد مناة-  قال كلها قالوا لا و لكن تهمتنا بنو نفاثة قصرة-  و رأسهم نوفل بن معاوية النفاثي-  فقال هذا بطن من بكر-  فأنا باعث إلى أهل مكة فسائلهم عن هذا الأمر-  و مخيرهم في خصال-  فبعث إليهم ضمرة يخيرهم بين إحدى خلال ثلاث-  بين أن يدوا خزاعة أو يبرءوا من حلف نفاثة-  أو ينبذ إليهم على سواء-  فأتاهم ضمرة فخيرهم بين الخلال الثلاث-  فقال قريظة بن عبد عمرو الأعمى-  أما أن ندي قتلى خزاعة-  فإنا إن وديناهم لم يبق لنا سبد و لا لبد-  و أما أن نبرأ من حلف نفاثة-  فإنه ليس قبيلة تحج هذا البيت أشد تعظيما له من نفاثة-  و هم حلفاؤنا فلا نبرأ من حلفهم-  و لكنا ننبذ إليه على سواء-  فعاد ضمرة إلى رسول الله ص بذلك-  و ندمت قريش أن ردت ضمرة بما ردته به- . قال الواقدي و قد روي غير ذلك-  روي أن قريشا لما ندمت على قتل خزاعة-  و قالت محمد غازينا- 

قال لهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح-  و هو يومئذ كافر مرتد عندهم-  أن عندي رأيا أن محمدا ليس يغزوكم-  حتى يعذر إليكم و يخيركم في خصال-  كلها أهون عليكم من غزوة-  قالوا ما هي قال يرسل إليكم أن تدوا قتلى خزاعة-  أو تبرءوا من حلف من نقض العهد و هم بنو نفاثة-  أو ينبذ إليكم العهد-  فقال القوم أحر بما قال ابن أبي سرح أن يكون-  فقال سهيل بن عمرو-  ما خصلة أيسر علينا من أن نبرأ من حلف نفاثة-  فقال شيبة بن عثمان العبدري-  حطت أخوالك خزاعة و غضبت لهم-  قال سهيل و أي قريش لم تلد خزاعة-  قال شيبة لا و لكن ندي قتلى خزاعة فهو أهون علينا-  فقال قريظة بن عبد عمرو-  لا و الله لا نديهم و لا نبرأ عن نفاثة أبر العرب بنا-  و أعمرهم لبيت ربنا-  و لكن ننبذ إليهم على سواء-  فقال أبو سفيان ما هذا بشي‏ء و ما الرأي إلا جحد هذا الأمر-  أن تكون قريش دخلت في نقض العهد أو قطع مدة-  فإن قطعه قوم بغير هوى منا و لا مشورة فما علينا- 

قالوا هذا هو الرأي لا رأي إلا الجحد لكل ما كان من ذلك-  فقال أنا أقسم أني لم أشهد و لم أوامر و أنا صادق-  لقد كرهت ما صنعتم و عرفت أن سيكون له يوم غماس-  قالت قريش لأبي سفيان فاخرج أنت بذلك فخرج- . قال الواقدي و حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي-  عن عطاء بن أبي مروان قال-  قال رسول الله ص لعائشة صبيحة الليلة-  التي أوقعت فيها نفاثة و قريش بخزاعة بالوتير-  يا عائشة لقد حدث الليلة في خزاعة أمر-  فقالت عائشة يا رسول الله-  أ ترى قريشا تجترئ على نقض العهد بينك و بينهم-  أ ينقضون و قد أفناهم السيف-  فقال العهد لأمر يريده الله بهم-  فقالت خير أم شر يا رسول الله فقال خير- .

 قال الواقدي و حدثني عبد الحميد بن جعفر قال حدثني عمران بن أبي أنس عن ابن عباس قال قام رسول الله ص و هو يجر طرف ردائه و يقول-لا نصرت إن لم أنصر بني كعب يعني خزاعة-  فيما أنصر منه نفسي- .

قال الواقدي و حدثني حرام بن هشام عن أبيه قال-  قال رسول الله ص لكأنكم بأبي سفيان قد جاءكم يقول-  جدد العهد و زد في الهدنة و هو راجع بسخطه-  و قال لبني خزاعة عمرو بن سالم و أصحابه-  ارجعوا و تفرقوا في الأودية-  و قام فدخل على عائشة و هو مغضب فدعا بماء فدخل يغتسل  قالت عائشة فأسمعه يقول و هو يصب الماء على رجليه-  لا نصرت أن لم أنصر بني كعب- .

قال الواقدي فأما أبو سفيان فخرج من مكة و هو متخوف-  أن يكون عمرو بن سالم-  و رهطه من خزاعة سبقوه إلى المدينة-  و كان القوم لما رجعوا من المدينة و أتوا الأبواء-  تفرقوا كما أوصاهم رسول الله ص-  فذهبت طائفة إلى الساحل تعارض الطريق-  و لزم بديل بن أم أصرم الطريق في نفر معه-  فلقيهم أبو سفيان فلما رآهم أشفق أن يكونوا-  لقوا محمدا ص بل كان اليقين عنده-  فقام للقوم منذ كم عهدكم بيثرب قالوا لا عهد لنا بها-  فعرف أنهم كتموه فقال-  أ ما معكم من تمر يثرب شي‏ء تطعموناه-  فإن لتمر يثرب فضلا على تمر تهامة-  قالوا لا-  ثم أبت نفسه أن تقر فقال يا بديل هل جئت محمدا-  قال لا و لكني سرت في بلاد خزاعة من هذا الساحل-  في قتيل كان بينهم حتى أصلحت بينهم-  قال يقول أبو سفيان إنك و الله ما علمت بر واصل-  فلما راح بديل و أصحابه جاء أبو سفيان إلى أبعار إبلهم-  ففتها فإذا فيها النوى-  و وجد في منزلهم نوى من تمر عجوة كأنه ألسنة العصافير-  فقال أحلف بالله لقد جاء القوم محمدا-  و أقبل حتى قدم المدينة فدخل على النبي ص-  فقال يا محمد إني كنت غائبا في صلح الحديبية-  فاشدد العهد و زدنا في المدة-  فقال رسول الله ص و لذلك قدمت يا أبا سفيان-  قال نعم قال فهل كان قبلكم حدث-

 فقال معاذ الله-  فقال رسول الله-  فنحن على موثقنا و صلحنا يوم الحديبية لا نغير و لا نبدل-  فقام من عنده فدخل على ابنته أم حبيبة-  فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله ص طوته دونه-  فقال أ رغبت بهذا الفراش عني أم رغبت بي عنه-  فقالت بل هو فراش رسول الله ص-  و أنت امرؤ نجس مشرك-  قال يا بنية لقد أصابك بعدي شر-  فقالت إن الله هداني للإسلام-  و أنت يا أبت سيد قريش و كبيرها-  كيف يخفى عنك فضل الإسلام-  و تعبد حجرا لا يسمع و لا يبصر-  فقال يا عجبا و هذا منك أيضا-  أ أترك ما كان يعبد آبائي و أتبع دين محمد-  ثم قام من عندها فلقي أبا بكر فكلمه-  و قال تكلم أنت محمدا و تجير أنت بين الناس-  فقال أبو بكر جواري جوار رسول الله ص-  ثم لقي عمر فكلمه بمثل ما كلم به أبا بكر فقال عمر-  و الله لو وجدت السنور تقاتلكم لأعنتها عليكم- 

قال أبو سفيان جزيت من ذي رحم شرا-  ثم دخل على عثمان بن عفان فقال له-  إنه ليس في القوم أحد أمس بي رحما منك-  فزدني الهدنة و جدد العهد-  فإن صاحبك لا يرد عليك أبدا-  و الله ما رأيت رجلا قط أشد إكراما لصاحب من محمد لأصحابه-  فقال عثمان جواري جوار رسول الله ص-  فجاء أبو سفيان حتى دخل على فاطمة بنت رسول الله ص-  فكلمها و قال أجيري بين الناس-  فقالت إنما أنا امرأة-  قال إن جوارك جائز-  و قد أجارت أختك أبا العاص بن الربيع-  فأجاز محمد ذلك-  فقالت فاطمة ذلك إلى رسول الله ص و أبت عليه-  فقال مري أحد هذين ابنيك يجير بين الناس-  قالت إنهما صبيان و ليس يجير الصبي-  فلما أبت عليه أتى عليا ع فقال يا أبا حسن-  أجر بين الناس و كلم محمدا ليزيد في المدة-  فقال علي ع ويحك يا أبا سفيان-  إن رسول الله ص قد عزمألا يفعل-  و ليس أحد يستطيع أن يكلمه في شي‏ء يكرهه-  قال أبو سفيان فما الرأي عندك فتشير لأمري-  فإنه قد ضاق علي فمرني بأمر ترى أنه نافعي- 

قال علي ع و الله ما أجد لك شيئا-  مثل أن تقوم فتجير بين الناس-  فإنك سيد كنانة-  قال أ ترى ذلك مغنيا عني شيئا-  قال علي إني لا أظن ذلك و الله و لكني لا أجد لك غيره-  فقام أبو سفيان بين ظهري الناس فصاح-  ألا إني قد أجرت بين الناس و لا أظن محمدا يحقرني-  ثم دخل على رسول الله ص فقال-  يا محمد ما أظن أن ترد جواري-  فقال ع أنت تقول ذلك يا أبا سفيان-  و يقال إنه لما صاح لم يأت النبي ص-  و ركب راحلته و انطلق إلى مكة-  و يروى أنه أيضا أتى سعد بن عبادة فكلمه في ذلك-  و قال يا أبا ثابت قد عرفت الذي كان بيني و بينك-  و إني كنت لك في حرمنا جارا و كنت لي بيثرب مثل ذلك-  و أنت سيد هذه المدرة فأجر بين الناس و زدني في المدة-  فقال سعد جواري جوار رسول الله ص-  ما يجير أحد على رسول الله ص-  فلما انطلق أبو سفيان إلى مكة-  و قد كان طالت غيبته عن قريش و أبطأ فاتهموه و قالوا-  نراه قد صبا و اتبع محمدا سرا و كتم إسلامه-  فلما دخل على هند ليلا قالت-  قد احتبست حتى اتهمك قومك-  فإن كنت جئتهم بنجح فأنت الرجل-  و قد كان دنا منها ليغشاها-  فأخبرها الخبر و قال لم أجد إلا ما قال لي علي-  فضربت برجلها في صدوره و قالت-  قبحت من رسول قوم- .

قال الواقدي فحدثني عبد الله بن عثمان-  عن أبي سليمان عن أبيه قال-  لما أصبح أبو سفيان حلق رأسه عند الصنمين-  أساف و نائلة و ذبح لهما-  و جعل يمسح بالدم رءوسهما و يقول-  لا أفارق عبادتكما حتى أموت على ما مات عليه أبي-  قال فعل ذلك ليبرئ نفسه مما اتهمته قريش به‏

قال الواقدي و قالت قريش لأبي سفيان-  ما صنعت و ما وراءك-  و هل جئتنا بكتاب من محمد و زيادة في المدة-  فإنا لا نأمن من أن يغزونا-  فقال و الله لقد أبى علي-  و لقد كلمت عليه أصحابه فما قدرت على شي‏ء منهم-  و رموني بكلمة منهم واحدة-  إلا أن عليا قال لما ضاقت بي الأمور-  أنت سيد كنانة فأجر بين الناس فناديت بالجوار-  ثم دخلت على محمد فقلت إني قد أجرت بين الناس-  و ما أظن محمدا يرد جواري-  فقال محمد أنت تقول ذاك يا أبا سفيان-  لم يزد على ذلك-  قالوا ما زاد علي على أن يلعب بك تلعبا-  قال فو الله ما وجدت غير ذلك- .

 قال الواقدي فحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم قال لما خرج أبو سفيان عن المدينة-  قال رسول الله ص لعائشة-  جهزينا و أخفي أمركو قال رسول الله ص اللهم خذ عن قريش الأخبار و العيون حتى نأتيهم بغتةو روي أنه قال اللهم خذ على أبصارهم فلا يروني إلا بغتة-  و لا يسمعون بي إلا فجأة-  قال و أخذ رسول الله ص الأنقاب و جعل عليها الرجال-  و منع من يخرج من المدينة-  فدخل أبو بكر على عائشة و هي تجهز رسول الله ص-  تعمل له قمحا سويقا و دقيقا و تمرا-  فقال لها أ هم رسول الله ص بغزو قالت لا أدري-  قال إن كان هم بسفر فآذنينا نتهيأ له-  قالت لا أدري لعله أراد بني سليم-  لعله أراد ثقيفا أو هوازن فاستعجمت عليه-  فدخل على رسول الله ص فقال-  يا رسول الله أردت سفرا قال نعم قال أ فأتجهز قال نعم-  قال و أين تريد قال قريشا و أخف ذلك يا أبا بكر-  و أمر رسول الله ص الناس فتجهزوا-  و طوى عنهم الوجه الذي يريد- 

و قال له أبو بكر يا رسول الله أ و ليس بيننا و بينهم مدة-  فقال إنهم غدروا و نقضوا العهدفأنا غازيهم-  فاطو ما ذكرت لك-  فكان الناس بين ظان يظن أنه يريد سليما-  و ظان يظن أنه يريد هوازن و ظان يظن أنه يريد ثقيفا-  و ظان يظن أنه يريد الشام-  و بعث رسول الله ص أبا قتادة بن ربعي في نفر إلى بطن-  ليظن الناس أن رسول الله ص قدم أمامه أولئك الرجال-  لتوجهه إلى تلك الجهة و لتذهب بذلك الأخبار- .

قال الواقدي حدثني المنذر بن سعد-  عن يزيد بن رومان قال-  لما أجمع رسول الله ص المسير إلى قريش-  و علم بذلك من علم من الناس-  كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش-  يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله ص في أمرهم-  و أعطى الكتاب امرأة من مزينة-  و جعل لها على ذلك جعلا على أن تبلغه قريشا-  فجعلت الكتاب في رأسها-  ثم فتلت عليه قرونها و خرجت به-  و أتى الخبر إلى النبي ص من السماء بما صنع حاطب-  فبعث عليا ع و الزبير فقال-  أدركا امرأة من مزينة-  قد كتب معها حاطب كتابا يحذر قريشا-  فخرجا و أدركاها بذي الحليفة-  فاستنزلاها و التمسا الكتاب في رحلها فلم يجدا شيئا-  فقالا لها نحلف بالله ما كذب رسول الله ص-  و لا كذبنا-  و لتخرجن الكتاب أو لنكشفنك-  فلما رأت منهما الجد حلت قرونها-  و استخرجت الكتاب فدفعته إليهما-  فأقبلا به إلى رسول الله ص-  فدعا حاطبا و قال له ما حملك على هذا-  فقال يا رسول الله و الله إني لمسلم مؤمن بالله و رسوله-  ما غيرت و لا بدلت-  و لكني كنت امرأ ليس لي في القوم أصل و لا عشيرة-  و كان لي بين أظهرهم أهل و ولد فصانعتهم-  فقال عمر قاتلك الله ترى رسول الله ص يأخذ بالأنقاب-  و تكتب إلى قريش تحذرهم-  دعني يا رسول الله أضرب عنقه فإنه قد نافق-  فقال رسول الله ص‏و ما يدريك يا عمر-  لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال- 

اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم-  قال الواقدي فلما خرج رسول الله ص من المدينة-  بالألوية المعقودة و الرايات-  بعد العصر من يوم الأربعاء لعشر خلون من شهر رمضان-  لم يحل عقده حتى انتهى إلى الصلصل-  و المسلمون يقودون الخيل و قد امتطوا الإبل-  و قدم أمامه الزبير بن العوام في مائتين-  قال فلما كان بالبيداء نظر إلى عنان السماء-  فقال إني لأرى السحاب تستهل بنصر بني كعب يعني خزاعة- . قال الواقدي-  و جاء كعب بن مالك ليعلم أي جهة يقصد-  فبرك بين يديه على ركبتيه ثم أنشده- 

قضينا من تهامة كل نحب
و خيبر ثم أحمينا السيوفا

فسائلها و لو نطقت لقالت‏
قواضبهن دوسا أو ثقيفا

فلست بحاضر إن لم تروها
بساحة داركم منها ألوفا

فننتزع الخيام ببطن وج‏
و نترك دوركم منها خلوفا

قال فتبسم رسول الله ص و لم يزد على ذلك-  فجعل الناس يقولون و الله ما بين لك رسول الله ص شيئا-  فلم تزل الناس كذلك حتى نزلوا بمر الظهران- . قال الواقدي و خرج العباس بن عبد المطلب-  و مخرمة بن نوفل-  من مكة يطلبان رسول الله ص-  ظنا منهما أنه بالمدينة يريدان الإسلام-  فلقياه بالسقيا- .

قال الواقدي فلما كانت الليلة التي أصبح فيها بالجحفة-  رأى فيها أبو بكر في منامه أن النبي ص و أصحابه-  قد دنوا من مكة فخرجت عليهم كلبة تهر-  فلما دنوا منها استلقت على قفاها-  و إذا أطباؤها تشخب لبنا-  فقصها على رسول الله ص-  فقال ذهب كلبهم و أقبل درهم-  و هم سائلونا بأرحامهم و أنتم لاقون بعضهم-  فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه قال الواقدي و إلى أن وصل مر الظهران-  لم يبلغ قريشا حرف واحد من حاله-  فلما نزل بمر الظهران أمر أصحابه أن يوقدوا النار-  فأوقدوا عشرة آلاف نار-  و أجمعت قريش أن يبعثوا أبا سفيان يتجسس لهم الأخبار-  فخرج هو و حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء-  قال و قد كان العباس بن عبد المطلب قال-  وا سوء صباح قريش-  و الله إن دخلها رسول الله ص عنوة-  إنه لهلاك قريش آخر الدهر-  قال العباس فأخذت بغلة رسول الله ص الشهباء فركبتها-  و قلت ألتمس حطابا أو إنسانا أبعثه إلى قريش-  فيلقوا رسول الله ص قبل أن يدخلها عليهم عنوة-  فو الله إني لفي الأراك ليلا أبتغي ذلك إذ سمعت كلاما يقول-  و الله إن رأيت كالليلة نارا- 

قال يقول بديل بن ورقاء-  إنها نيران خزاعة جاشها الحرب-  قال يقول أبو سفيان خزاعة أذل-  من أن تكون هذه نيرانها و عسكرها-  فعرفت صوته فقلت أبا حنظلة-  فعرف صوتي فقال لبيك أبا الفضل-  فقلت ويحك هذا رسول الله ص في عشرة آلاف و هو مصبحكم-  فقال بأبي و أمي فهل من حيلة فقلت نعم-  تركب عجز هذه البغلة فأذهب بك إلى رسول الله ص-  فإنه إن ظفر بك دون ذلك ليقتلنك-  قال و الله أنا أرى ذلك فركب خلفي-  و رحل‏بديل و حكيم فتوجهت به-  فلما مررت به على نار من نيران المسلمين قالوا من هذا-  فإذا رأوني قالوا عم رسول الله ص على بغلة رسول الله-  حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فلما رآني قال من هذا- 

قلت العباس فذهب ينظر فرأى أبا سفيان خلفي-  فقال أبو سفيان عدو الله-  الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد و لا عقد-  ثم خرج يشتد نحو رسول الله ص-  و ركضت البغلة-  حتى اجتمعنا جميعا على باب قبة رسول الله ص-  فدخلت و دخل عمر بن الخطاب على أثري-  فقال عمر يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله-  قد أمكن الله منه بغير عقد و لا عهد فدعني أضرب عنقه-  فقلت يا رسول الله إني قد أجرته-  ثم لزمت رسول الله ص فقلت-  و الله لا يناجيه الليلة أحد دوني-  فلما أكثر عمر فيه قلت مهلا يا عمر-  فإنه لو كان رجلا من عدي بن كعب ما قلت هذا-  و لكنه أحد بني عبد مناف-  فقال عمر مهلا يا أبا الفضل-  فو الله لإسلامك كان أحب إلي من إسلام الخطاب-  أو قال من إسلام رجل من ولد الخطاب لو أسلم-  فقال رسول الله ص اذهب به فقد أجرناه-  فليبت عندك حتى تغدو به علينا إذا أصبحت-  فلما أصبحت غدوت به-  فلما رآه رسول الله ص قال ويحك يا أبا سفيان-  أ لم يأن لك أن تعلم لا إله إلا الله-  قال بأبي أنت ما أحلمك و أكرمك و أعظم عفوك-  قد كان يقع في نفسي أن لو كان مع الله إله آخر لأغنى- 

قال يا أبا سفيان أ لم يأن لك أن تعلم أني رسول الله-  قال بأبي أنت ما أحلمك و أكرمك و أعظم عفوك-  أما هذه فو الله إن في النفس منها لشيئا بعد-  قال العباس فقلت ويحك-  تشهد و قل لا إله الله محمد رسول الله قبل أن تقتل-  فتشهد-  و قال العباس يا رسول الله-  إنك قد عرفت أبا سفيان و فيه الشرف و الفخر فاجعل له شيئا- 

 فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن-  و من أغلق داره فهو آمن-  ثم قال خذه فاحبسه بمضيق الوادي إلى خطم الجبل-حتى تمر عليه جنود الله فيراها-  قال العباس فعدلت به في مضيق الوادي إلى خطم الجبل-  فحبسته هناك فقال أ غدرا يا بني هاشم-  فقلت له إن أهل النبوة لا يغدرون-  و إنما حبستك لحاجة-  قال فهلا بدأت بها أولا فأعلمتنيها فكان أفرخ لروعي-  ثم مرت به القبائل على قادتها و الكتائب على راياتها-  فكان أول من مر به خالد بن الوليد في بني سليم و هم ألف-  و لهم لواءان يحمل أحدهما العباس بن مرداس-  و الآخر خفاف بن ندبة و راية يحملها المقداد-  فقال أبو سفيان يا أبا الفضل من هؤلاء-  قال هؤلاء بنو سليم و عليهم خالد بن الوليد-  قال الغلام قال نعم-  فلما حاذى خالد العباس و أبا سفيان كبر ثلاثا-  و كبروا معه ثم مضوا-  و مر على أثره الزبير بن العوام في خمسمائة-  فيهم جماعة من المهاجرين و قوم من أفناء الناس-  و معه راية سوداء فلما حاذاهما كبر ثلاثا و كبر أصحابه-  فقال من هذا-  قال هذا الزبير قال ابن أختك قال نعم-  قال ثم مرت به بنو غفار في ثلاثمائة يحمل رايتهم أبو ذر-  و يقال إيماء بن رحضة-  فلما حاذوهما كبروا ثلاثا- 

قال يا أبا الفضل من هؤلاء قال بنو غفار-  قال ما لي و لبني غفار-  ثم مرت به أسلم في أربعمائة-  يحمل لواءها يزيد بن الخصيب-  و لواء آخر مع ناجية بن الأعجم فلما حاذوه كبروا ثلاثا-  فسأل عنهم فقال هؤلاء أسلم فقال ما لي و لأسلم-  ما كان بيننا و بينهم ترة قط-  ثم مرت بنو كعب بن عمرو بن خزاعة في خمسمائة-  يحمل رايتهم بشر بن سفيان-  فقال من هؤلاء قال كعب بن عمرو قال نعم حلفاء محمد-  فلما حاذوه كبروا ثلاثا-  ثم مرت مزينة في ألف فيها ثلاثة ألوية-  مع النعمان بن مقرن و بلال بن الحارث و عبد الله بن عمرو-  فلما حاذوهما كبروا-  قال من هؤلاء قال مزينة قال يا أبا الفضل ما لي و لمزينة-  قد جاءتني تقعقع من شواهقها-ثم مرت جهينة في ثمانمائة فيها أربعة ألوية-  مع معبد بن خالد و سويد بن صخر و رافع بن مكيث-  و عبد الله بن بدر-  فلما حاذوه كبروا ثلاثا فسأل عنهم فقيل جهينة-  ثم مرت بنو كنانة و بنو ليث و ضمرة و سعد بن أبي بكر-  في مائتين يحمل لواءهم أبو واقد الليثي-  فلما حاذوه كبروا ثلاثا- 

قال من هؤلاء قال بنو بكر قال نعم أهل شؤم هؤلاء-  الذين غزانا محمد لأجلهم-  أما و الله ما شوورت فيهم و لا علمته-  و لقد كنت له كارها حيث بلغني و لكنه أمر حم-  قال العباس لقد خار الله لك في غزو محمد إياكم-  و دخلتم في الإسلام كافة-  ثم مرت أشجع-  و هم آخر من مر به قبل أن تأتي كتيبة رسول الله ص-  و هم ثلاثة يحمل لواءهم معقل بن سنان-  و لواء آخر مع نعيم بن مسعود فكبروا-  قال من هؤلاء قال أشجع-  فقال هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد-  قال العباس نعم و لكن الله أدخل الإسلام قلوبهم-  و ذلك من فضل الله-  فسكت و قال أ ما مر محمد بعد قال لا-  و لو رأيت الكتيبة التي هو فيها-  لرأيت الحديد و الخيل و الرجال و ما ليس لأحد به طاقة-  فلما طلعت كتيبة رسول الله ص الخضراء-  طلع سواد شديد و غبرة من سنابك الخيل-  و جعل الناس يمرون كل ذلك يقول أ ما مر محمد بعد-  فيقول العباس لا حتى مر رسول الله ص-  يسير على ناقته القصوى بين أبي بكر و أسيد بن حضير-  و هو يحدثهما- 

و قال له العباس هذا رسول الله ص في كتيبته الخضراء-  فانظر-  قال و كان في تلك الكتيبة وجوه المهاجرين و الأنصار-  و فيها الألوية و الرايات-  و كلهم منغمسون في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق-  و لعمر بن الخطاب فيها زجل و عليه الحديد و صوته عال و هو يزعها-  فقال يا أبا الفضل من هذا المتكلم-  قال هذاعمر بن الخطاب-  قال لقد أمر أمر بني عدي بعد قلة و ذلة-  فقال إن الله يرفع من يشاء بما يشاء-  و إن عمر ممن رفعه الإسلام-  و كان في الكتيبة ألفا دارع-  و راية رسول الله ص مع سعد بن عبادة و هو أمام الكتيبة-  فلما حاذاهما سعد نادى يا أبا سفيان- 

   اليوم يوم الملحمة
اليوم تسبى الحرمة

اليوم أذل الله قريشا- فلما حاذاهما رسول الله ص ناداه أبو سفيان- يا رسول الله أمرت بقتل قومك أن سعدا قال-

اليوم يوم الملحمة
اليوم تسبى الحرمة

 اليوم أذل الله قريشا-  و إني أنشدك الله في قومك فأنت أبر الناس-  و أرحم الناس و أوصل الناس-  فقال عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف-  يا رسول الله إنا لا نأمن سعدا أن يكون له في قريش صولة- فوقف رسول الله ص و ناداه-  يا أبا سفيان بل اليوم يوم المرحمة-  اليوم أعز الله قريشا-  و أرسل إلى سعد فعزله عن اللواء-  و اختلف فيمن دفع إليه اللواء-  فقيل دفعه إلى علي بن أبي طالب ع-  فذهب به حتى دخل مكة فغرزه عند الركن-  و هو قول ضرار بن الخطاب الفهري-  و قيل دفعه إلى قيس بن سعد بن عبادة-  و رأى رسول الله ص أنه لم يخرجه عن سعد حيث دفعه إلى ولده-  فذهب به حتى غرزه بالحجون-  قال و قال أبو سفيان للعباس-  ما رأيت مثل هذه الكتيبة قط و لا أخبرنيه مخبر-  سبحان الله ما لأحد بهؤلاء طاقة و لا يدان-  لقد أصبح ملك ابن أخيك يا عباس عظيما-  قال فقلت ويحك إنه ليس بملك و إنها النبوة قال نعم- .

قال الواقدي قال العباس فقلت له-  انج ويحك فأدرك قومك قبل أن يدخل‏ عليهم-  فخرج أبو سفيان حتى دخل من كداء و هو ينادي-  من دخل دار أبي سفيان فهو آمن-  و من أغلق عليه بابه فهو آمن-  حتى انتهى إلى هند بنت عتبة فقالت ما وراءك-  قال هذا محمد في عشرة آلاف عليهم الحديد-  و قد جعل لي أنه من دخل داري فهو آمن-  و من أغلق عليه بابه فهو آمن و من ألقى سلاحه فهو آمن-  فقالت قبحك الله من رسول قوم و جعلت تقول ويحكم-  اقتلوا وافدكم قبحه الله من وافد قوم-  فيقول أبو سفيان ويحكم-  لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإني رأيت ما لم تروا-  الرجال و الكراع و السلاح ليس لأحد بهذا طاقة-  محمد في عشرة آلاف فأسلموا تسلموا-  و قال المبرد في الكامل-  أمسكت هند برأس أبي سفيان و قالت بئس طليعة القوم-  و الله ما خدشت خدشا يا أهل مكة-  عليكم الحميت الدسم فاقتلوه-  قال الحميت الزق المزفت- .

قال الواقدي و خرج أهل مكة إلى ذي طوى-  ينظرون إلى رسول الله ص-  و انضوى إلى صفوان بن أمية و عكرمة بن أبي جهل-  و سهيل بن عمرو ناس من أهل مكة و من بني بكر و هذيل-  فلبسوا السلاح و أقسموا لا يدخل محمد مكة عنوة أبدا-  و كان رجل من بني الدؤل يقال له-  حماس بن قيس بن خالد الدؤلي-  لما سمع برسول الله ص جلس يصلح سلاحه-  فقالت له امرأته لم تعد السلاح قال لمحمد و أصحابه-  و إني لأرجو أن أخدمك منهم خادما فإنك إليه محتاجة-  قالت ويحك لا تفعل لا تقاتل محمدا-  و الله ليضلن هذا عنك لو رأيت محمدا و أصحابه-  قال سترين و أقبل رسول الله ص-  و هو على ناقته القصواء معتجرا ببرد حبرة-  و عليه عمامة سوداء و رايته سوداء و لواؤه أسود-  حتى وقف بذي طوى و توسط الناس-  و إن عثنونه ليمس واسطة الرحل أو يقرب منه تواضعا لله-  حيث رأى ما رأى من الفتح و كثرة المسلمين-  و قال لا عيش إلا عيش الآخرة- .

   و جعلت الخيل تعج بذي طوى في كل وجه-  ثم ثابت و سكنت و التفت رسول الله ص إلى أسيد بن حضير-  فقال كيف قال حسان بن ثابت قال فأنشده- 

   عدمنا خيلنا إن لم تروها
تثير النقع موعدها كداء

تظل جيادنا متمطرات‏
تلطمهن بالخمر النساء

 فتبسم رسول الله ص و حمد الله-  و أمر الزبير بن العوام أن يدخل من كداء-  و أمر خالد بن الوليد أن يدخل من الليط-  و أمر قيس بن سعد أن يدخل من كدى-  و دخل هو ص من أذاخر- . قال الواقدي-  و حدثني مروان بن محمد عن عيسى بن عميلة الفزاري-  قال دخل رسول الله ص مكة بين الأقرع بن حابس و عيينة بن حصن- . قال الواقدي و روى عيسى بن معمر-  عن عباد بن عبد الله عن أسماء بنت أبي بكر قالت-  صعد أبو قحافة بصغرى بناته و اسمها قريبة-  و هو يومئذ أعمى و هي تقوده حتى ظهرت به إلى أبي قبيس-  فلما أشرفت به قال يا بنية ما ذا ترين- 

قالت أرى سوادا مجتمعا مقبلا كثيرا-  قال يا بنية تلك الخيل فانظري ما ذا ترين-  قالت أرى رجلا يسعى بين ذلك السواد مقبلا و مدبرا-  قال ذاك الوازع فانظري ما ذا ترين-  قالت قد تفرق السواد قال قد تفرق الجيش البيت البيت-  قالت فنزلت الجارية به و هي ترعب لما ترى-  فقال يا بنية لا تخافي-  فو الله إن أخاك عتيقا لآثر أصحاب محمد عند محمد-  قالت و عليها طوق من فضة-  فاختلسه بعض من دخل- فلما دخل رسول الله ص مكة-  جعل أبو بكر ينادي أنشدكم الله أيها الناس طوق أختي-  فلم يرد أحد عليه-  فقال يا أخية احتسبي طوقك-  فإن الأمانة في الناس قليل- . قال الواقدي و نهى رسول الله ص عن الحرب-  و أمر بقتل ستة رجال و أربع نسوة-  عكرمة بن أبي جهل و هبار بن الأسود-  و عبد الله بن سعد بن أبي سرح-  و مقيس بن صبابة الليثي و الحويرث بن نفيل-  و عبد الله بن هلال بن خطل الأدرمي-  و هند بنت عتبة و سارة مولاة لبني هاشم-  و قينتين لابن خطل قريبا و قريبة-  و يقال قرينا و أرنب- .

قال الواقدي و دخلت الجنود كلها-  فلم تلق حربا إلا خالد بن الوليد-  فإنه وجد جمعا من قريش و أحابيشها قد جمعوا له-  فيهم صفوان بن أمية و عكرمة بن أبي جهل-  و سهيل بن عمرو-  فمنعوه الدخول و شهروا السلاح و رموه بالنبل-  و قالوا لا تدخلها عنوة أبدا-  فصاح خالد في أصحابه و قاتلهم-  فقتل من قريش أربعة و عشرون و من هذيل أربعة-  و انهزموا أقبح انهزام حتى قتلوا بالحزورة-  و هم مولون من كل وجه-  و انطلقت طائفة منهم فوق رءوس الجبال-  و اتبعهم المسلمون-  و جعل أبو سفيان بن حرب و حكيم بن حزام يناديان-  يا معشر قريش علام تقتلون أنفسكم-  من دخل داره فهو آمن و من أغلق عليه بابه فهو آمن-  و من وضع السلاح فهو آمن-  فجعل الناس يقتحمون الدور و يغلقون عليهم الأبواب-  و يطرحون السلاح في الطرق حتى يأخذه المسلمون- . قال الواقدي و أشرف رسول الله ص من على ثنية أذاخر-  فنظر إلى البارقة فقال ما هذه البارقة-  أ لم أنه عن القتال-  قيل يا رسول الله خالد بن الوليدقوتل-  و لو لم يقاتل ما قاتل-  فقال قضاء الله خير-  و أقبل ابن خطل مدججا في الحديد-  على فرس ذنوب بيده قناة يقول-  لا و الله لا يدخلها عنوة حتى يرى ضربا كأفواه المزاد-  فلما انتهى إلى الخندمة و رأى القتال-  دخله رعب حتى ما يستمسك من الرعدة-  و مر هاربا حتى انتهى إلى الكعبة-  فدخل بين أستارها بعد أن طرح سلاحه و ترك فرسه-  و أقبل حماس بن خالد الدؤلي منهزما حتى أتى بيته فدقه-  ففتحت له امرأته فدخل و قد ذهبت روحه-  فقالت أين الخادم التي وعدتني-  ما زلت منتظرتك منذ اليوم تسخر به-  فقال دعي هذا و أغلقي الباب-  فإنه من أغلق بابه فهو آمن-  قالت ويحك أ لم أنهك عن قتال محمد-  و قلت لك إني ما رأيته يقاتلكم مرة-  إلا و ظهر عليكم و ما بابنا-  قال إنه لا يفتح على أحد بابه-  ثم أنشدها- 

   إنك لو شهدتنا بالخندمه
إذ فر صفوان و فر عكرمه‏

و بو يزيد كالعجوز المؤتمه‏
و ضربناهم بالسيوف المسلمه‏

لهم زئير خلفنا و غمغمه
لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه‏

 قال الواقدي و حدثني قدامة بن موسى-  عن بشير مولى المازنيين عن جابر بن عبد الله قال-  كنت ممن لزم رسول الله ص يومئذ-  فدخلت معه يوم الفتح من أذاخر-  فلما أشرف نظر إلى بيوت مكة فحمد الله و أثنى عليه-  و نظر إلى موضع قبة بالأبطح تجاه شعب بني هاشم-  حيث حصر رسول الله ص و أهله ثلاث‏سنين-  و قال يا جابر-  إن منزلنا اليوم حيث تقاسمت علينا قريش في كفرها-  قال جابر فذكرت كلاما كنت أسمعه في المدينة قبل ذلك-  كان يقول منزلنا غدا إن شاء الله إذا فتح علينا مكة-  في الخيف حيث تقاسموا على الكفر- . قال الواقدي-  و كانت قبته يومئذ بالأدم ضربت له بالحجون-  فأقبل حتى انتهى إليها و معه أم سلمة و ميمونة قال الواقدي و حدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله-  عن أبيه عن أبي رافع قال-  قيل للنبي ص أ لا تنزل منزلك من الشعب-  قال و هل ترك لنا عقيل من منزل-  و كان عقيل قد باع منزل رسول الله ص-  و منازل إخوته من الرجال و النساء بمكة-  فقيل لرسول الله ص فانزل في بعض بيوت مكة من غير منازلك-  فأبى و قال لا أدخل البيوت-  فلم يزل مضطربا بالحجون لم يدخل بيتا-  و كان يأتي إلى المسجد من الحجون-  قال و كذلك فعل في عمرة القضية و في حجته- .

قال الواقدي و كانت أم هانئ بنت أبي طالب-  تحت هبيرة بن أبي وهب المخزومي-  فلما كان يوم الفتح دخل عليها حموان لها-  عبد الله بن أبي ربيعة و الحارث بن هشام المخزوميان-  فاستجارا بها و قالا نحن في جوارك-  فقالت نعم أنتما في جواري-  قالت أم هانئ-  فهما عندي إذ دخل علي فارس مدجج في الحديد و لا أعرفه-  فقلت له أنا بنت عم رسول الله فأسفر عن وجهه-  فإذا علي أخي فاعتنقته-  و نظر إليهما فشهر السيف عليهما-  فقلت أخي من بين الناس تصنع بي هذا-  فألقيت عليهما ثوبا فقال أ تجيرين المشركين-  فحلت دونهما و قلت لا و الله و ابتدئ بي قبلهما-  قالت فخرج و لم يكد فأغلقت عليهما بيتا و قلت لا تخافا-  و ذهبت إلى خباء رسول الله ص‏بالبطحاء فلم أجده-  و وجدت فيه فاطمة فقلت لها ما لقيت من ابن أمي علي-  أجرت حموين لي من المشركين فتفلت عليهما ليقتلهما-  قالت و كانت أشد علي من زوجها-  و قالت لم تجيرين المشركين-  و طلع رسول الله ص و عليه الغبار-  فقال مرحبا بفاختة و هو اسم أم هانئ-  فقلت ما ذا لقيت من ابن أمي علي ما كدت أفلت منه-  أجرت حموين لي من المشركين فتفلت عليهما ليقتلهما-  فقال ما كان ذلك له قد أجرنا من أجرت و أمنا من أمنت-  ثم أمر فاطمة فسكبت له غسلا فاغتسل-  ثم صلى ثماني ركعات-  في ثوب واحد ملتحفا به وقت الضحى-  قالت فرجعت إليهما و أخبرتهما و قلت إن شئتما فأقيما-  و إن شئتما فارجعا إلى منازلكما-  فأقاما عندي في منزلي يومين ثم انصرفا إلى منازلهما- .

و أتى آت إلى النبي ص فقال-  إن الحارث بن هشام و عبد الله بن أبي ربيعة-  جالسان في ناديهما متفضلان في الملإ المزعفر-  فقال لا سبيل إليهما قد أجرناهما- . قال الواقدي-  و مكث رسول الله ص في قبة ساعة من النهار-  ثم دعا براحلته بعد أن اغتسل و صلى-  فأدنيت إلى باب القبة-  و خرج و عليه السلاح و المغفر على رأسه و قد صف له الناس-  فركبها و الخيل تمعج ما بين الخندمة إلى الحجون-  ثم مر و أبو بكر إلى جانبه على راحلة أخرى يسير و يحادثه-  و إذا بنات أبي أحيحة سعيد بن العاص بالبطحاء-  حذاء منزل أبي أحيحة و قد نشرن شعورهن-  فلطمن وجوه الخيل بالخمر-  فنظر رسول الله ص إلى أبي بكر فتبسم و أنشده قول حسان-

تظل جيادنا متمطرات
تلطمهن بالخمر النساء

فلما انتهى إلى الكعبة تقدم على راحلته-  فاستلم الركن بمحجنه و كبر فكبر المسلمون لتكبيره-  و عجوا بالتكبير حتى ارتجت مكة-  و جعل رسول الله ص يشير إليهم أن اسكتوا-  و المشركون فوق الجبال ينظرون-  ثم طاف بالبيت على راحلته-  و محمد بن مسلمة آخذ بزمامها-  و حول الكعبة ثلاثمائة و ستون صنما مرصوصة بالرصاص-  و كان هبل أعظمها و هو تجاه الكعبة على بابها-  و إساف و نائلة حيث ينحرون و يذبحون الذبائح-  فجعل كلما يمر بصنم منها يشير بقضيب في يده-  و يقول جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا-  فيقع الصنم لوجهه ثم أمر بهبل فكسر و هو واقف عليه-  فقال الزبير لأبي سفيان يا أبا سفيان قد كسر هبل-  أ ما إنك قد كنت منه يوم أحد في غرور-  حين تزعم أنه قد أنعم-  فقال دع هذا عنك يا ابن العوام-  فقد أرى أن لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان- .

قال الواقدي ثم انصرف رسول الله ص-  فجلس ناحية من المسجد-  و أرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة يأتيه بالمفتاح-  مفتاح الكعبة-  فقال عثمان نعم فخرج إلى أمه و هي بنت شيبة-  فقال لها و المفتاح عندها يومئذ-  إن رسول الله ص قد طلب المفتاح-  فقالت أعيذك بالله-  أن يكون الذي يذهب مأثرة قومه على يده-  فقال فو الله لتأتيني به أو ليأتينك غيري فيأخذه منك-  فأدخلته في حجرتها و قالت-  أي رجل يدخل يده هاهنا-  فبينما هما على ذلك و هو يكلمها-  إذ سمعت صوت أبي بكر و عمر في الدار-  و عمر رافع صوته حين رأى عثمان أبطأ-  يا عثمان اخرج فقالت أمه خذ المفتاح-  فلأن تأخذه أنت أحب إلي من أن يأخذه تيم و عدي-  فأخذه فأتى به رسول الله ص-  فلما تناوله بسط العباس بن عبد المطلب يده و قال-  يا رسول الله بأبي أنت اجمع لنا بين السقاية و الحجابة-  فقال إنما أعطيكم ما ترضون فيه-  و لا أعطيكم ما ترزءون منه-قالوا و كان عثمان بن طلحة قد قدم على رسول الله ص-  مع خالد بن الوليد و عمرو بن العاص مسلما قبل الفتح- .

قال الواقدي-  و بعث رسول الله ص عمر بن الخطاب-  و معه عثمان بن طلحة-  و أمره أن يفتح البيت فلا يدع فيه صورة و لا تمثالا-  إلا صورة إبراهيم الخليل ع-  فلما دخل الكعبة-  رأى صورة إبراهيم شيخا كبيرا يستقسم بالأزلام- .

قال الواقدي-  و قد روي أنه أمره بمحو الصور كلها لم يستثن-  فترك عمر صورة إبراهيم-  فقال لعمر أ لم آمرك ألا تدع فيها صورة-  فقال عمر كانت صورة إبراهيم قال فامحها-  و قال قاتلهم الله جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام- . قال و محا صورة مريم-  قال و قد روي أن رسول الله ص محا الصور بيده-  روى ذلك ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران عن عمير مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد قال دخلت مع رسول الله ص الكعبة-  فرأى فيها صورا فأمرني أن آتيه في الدلو بماء-  فجعل يبل به الثوب و يضرب به الصور و يقول-  قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون

 قال الواقدي و أمر رسول الله ص بالكعبة فأغلقت عليه-  و معه فيها أسامة بن زيد و بلال بن رباح و عثمان بن طلحة-  فمكث فيها ما شاء الله-  و خالد بن الوليد واقف على الباب يذب الناس عنه-  حتى خرج رسول الله ص-  فوقف و أخذ بعضادتي الباب-  و أشرف على الناس و في يده المفتاح-  ثم جعله في كمه و أهل مكة قيام تحته-  و بعضهم جلوس قد ليط بهم-  فقال الحمد لله الذي‏ صدق وعده و نصر عبده-  و هزم الأحزاب وحده ما ذا تقولون-  و ما ذا تظنون قالوا نقول خيرا و نظن شرا-  أخ كريم و ابن أخ كريم و قد قدرت-  فقال إني أقول كما قال أخي يوسف-  لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ-  يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ-  ألا إن كل ربا في الجاهلية أو دم أو مأثرة-  فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة الكعبة و سقاية الحاج-  ألا و في قتيل شبه العمد-  قتيل العصا و السوط الدية مغلظة مائة ناقة-  منها أربعون في بطونها أولادها-  إن الله قد أذهب نخوة الجاهلية و تكبرها بآبائها-  كلكم لآدم و آدم من تراب-  و أكرمكم عند الله أتقاكم-  ألا إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض-  فهي حرام بحرم الله لم تحل لأحد كان قبل-  و لا تحل لأحد يأتي بعدي-  و ما أحلت لي إلا ساعة من النهار- 

قال يقصدها رسول الله ص بيده هكذا-  لا ينفر صيدها و لا يعضد عضاهها-  و لا تحل لقطتها إلا لمنشد و لا يختلى خلاها-  فقال العباس إلا الإذخر يا رسول الله-  فإنه لا بد منه للقبور و البيوت-  فسكت رسول الله ص ساعة-  ثم قال إلا الإذخر فإنه حلال-  و لا وصية لوارث و الولد للفراش و للعاهر الحجر-  و لا يحل لامرأة أن تعطي من مالها إلا بإذن زوجها-  و المسلم أخو المسلم و المسلمون إخوة-  يد واحدة على من سواهم تتكافأ دماؤهم-  يسعى بذمتهم أدناهم و يرد عليهم أقصاهم-  و لا يقتل مسلم بكافر و لا ذو عهد في عهده-  و لا يتوارث أهل ملتين مختلفتين-  و لا تنكح المرأة على عمتها و لا على خالتها-  و البينة على من ادعى و اليمين على من أنكر-  و لا تسافر امرأة مسيرة ثلاث إلا مع ذي محرم-  و لا صلاة بعد العصر و لا بعد الصبح-  و أنهاكم عن صيام يومين يوم الأضحى و يوم الفطرثم قال ادعوا لي عثمان بن طلحة فجاء-  و قد كان رسول الله ص قال له يوما بمكة قبل الهجرة-  و مع عثمان المفتاح-  لعلك سترى هذا المفتاح بيدي يوما أضعه حيث شئت-  فقال عثمان لقد هلكت قريش إذا و ذلت-  فقال ع بل عمرت و عزت- 

قال عثمان فلما دعاني يومئذ و المفتاح بيده-  ذكرت قوله حين قال-  فاستقبلته‏ببشر فاستقبلني بمثله-  ثم قال خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة-  لا ينزعها منكم إلا ظالم-  يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته-  فكلوا بالمعروف-  قال عثمان فلما وليت ناداني فرجعت-  فقال أ لم يكن الذي قلت لك-  يعني ما كان قاله بمكة من قبل-  فقلت بلى أشهد أنك رسول الله ص قال الواقدي و أمر رسول الله ص يومئذ برفع السلاح-  و قال إلا خزاعة عن بني بكر إلى صلاة العصر-  فخبطوهم بالسيف ساعة و هي الساعة التي أحلت لرسول الله ص- .

قال الواقدي و قد كان نوفل بن معاوية الدؤلي من بني بكر-  استأمن رسول الله ص على نفسه فأمنه-  و كانت خزاعة-  تطلبه بدماء من قتلت بكر و قريش منها بالوتير-  و قد كانت خزاعة قالت أيضا لرسول الله ص-  إن أنس بن زنيم هجاك فهدر رسول الله ص-  دمه-  فلما فتح مكة هرب و التحق بالجبال-  و قد كان قبل أن يفتح رسول الله ص مكة-  قال شعرا يعتذر فيه إلى رسول الله ص من جملته- 

 أنت الذي تهدى معد بأمره
بك الله يهديها و قال لها ارشدي‏

فما حملت من ناقة فوق كورها
أبر و أوفى ذمة من محمد

أحث على خير و أوسع نائلا
إذا راح يهتز اهتزاز المهند

و أكسى لبرد الخال قبل ارتدائه‏
و أعطى لرأس السابق المتجرد

تعلم رسول الله أنك مدركي
و إن وعيدا منك كالأخذ باليد

تعلم رسول الله أنك قادر
على كل حي من تهام و منجد

و نبي رسول الله أني هجوته
فلا رفعت سوطي إلي إذن يدي‏

سوى أنني قد قلت يا ويح فتية
أصيبوا بنحس يوم طلق و أسعد

أصابهم من لم يكن لدمائهم
كفاء فعزت عبرتي و تلددي‏

ذؤيبا و كلثوما و سلمى تتابعوا
جميعا فإلا تدمع العين أكمد

على أن سلمى ليس منهم كمثله
و إخوته و هل ملوك كأعبد

فإني لا عرضا خرقت و لا دما
هرقت ففكر عالم الحق و اقصد

قال الواقدي و كانت كلمته هذه-  قد بلغت رسول الله ص قبل أن يفتح مكة-  فنهنهت عنه و كلمه يوم الفتح نوفل بن معاوية الدؤلي-  فقال يا رسول الله أنت أولى الناس بالعفو-  و من منا لم يعادك و لم يؤذك-  و نحن في جاهلية لا ندري ما نأخذ و ما ندع-  حتى هدانا الله بك و أنقذنا بيمنك من الهلكة-  و قد كذب عليه الركب و كثروا في أمره عندك-  فقال رسول الله ص دع الركب عنك أنا لم نجد بتهامة أحدا-  من ذوي رحم و لا بعيد الرحم كان أبر بنا من خزاعة-  فاسكت يا نوفل-  فلما سكت قال رسول الله ص-  قد عفوت عنه فقال نوفل فداك أبي و أمي- .

قال الواقدي و جاءت الظهر-  فأمر رسول الله ص بلالا أن يؤذن فوق ظهر الكعبة-  و قريش في رءوس الجبال-  و منهم من قد تغيب و ستر وجهه خوفا من أن يقتلوا-  و منهم من يطلب الأمان و منهم من قد أمن-  فلما أذن بلال و بلغ إلى قوله-  أشهد أن محمدا رسول الله ص-  رفع صوته كأشد ما يكون قال-  تقول جويرية بنت أبي جهل قد لعمري رفع لك ذكرك-  فأما الصلاة فسنصلي-  و لكن و الله لا نحب من قتل الأحبة أبدا-  و لقد كان جاء أبي الذي جاء محمدا من النبوة-  فردها و لم يرد خلاف قومه- .

و قال خالد بن سعيد بن العاص-  الحمد لله الذي أكرم أبي فلم يدرك هذا اليوم-و قال الحارث بن هشام وا ثكلاه-  ليتني مت قبل هذا اليوم-  قبل أن أسمع بلالا ينهق فوق الكعبة-  و قال الحكم بن أبي العاص هذا و الله الحدث العظيم-  أن يصيح عبد بني جمح-  يصيح بما يصيح به على بيت أبي طلحة-  و قال سهيل بن عمرو-  إن كان هذا سخطا من الله تعالى فسيغيره-  و إن كان لله رضا فسيقره-  و قال أبو سفيان أما أنا فلا أقول شيئا-  لو قلت شيئا لأخبرته هذه الحصباء-  قال فأتى جبرئيل ع رسول الله ص فأخبره مقالة القوم- .

قال الواقدي فكان سهيل بن عمرو يحدث فيقول-  لما دخل محمد مكة انقمعت فدخلت بيتي و أغلقته علي-  و قلت لابني عبد الله بن سهيل-  اذهب فاطلب لي جوارا من محمد فإني لا آمن أن أقتل-  و جعلت أتذكر أثري عنده و عند أصحابه-  فلا أرى أسوأ أثرا مني-  فإني لقيته يوم الحديبية بما لم يلقه أحد به-  و كنت الذي كاتبه مع حضوري بدرا و أحدا-  و كلما تحركت قريش كنت فيها-  فذهب عبد الله بن سهيل إلى رسول الله ص فقال-  يا رسول الله أبي تؤمنه قال نعم هو آمن بأمان الله-  فليظهر-  ثم التفت إلى من حوله فقال-  من لقي سهيل بن عمرو فلا يشدن النظر إليه-  ثم قال قل له فليخرج فلعمري إن سهيلا له عقل و شرف-  و ما مثل سهيل جهل الإسلام-  و لقد رأى ما كان يوضع فيه إن لم يكن له تتابع-  فخرج عبد الله إلى أبيه فأخبره بمقالة رسول الله ص-  فقال سهيل كان و الله برا صغيرا و كبيرا-  و كان سهيل يقبل و يدبر غير خائف-  و خرج إلى خيبر مع النبي ص و هو على شركه حتى أسلم بالجعرانة

الجزء الثامن عشر

تتمة أبواب الكتب و الرسائل

تتمة 64 كتاب له ع إلى معاوية

ذكر بقية الخبر عن فتح مكة

بسم الله الرحمن الرحيم-  الحمد لله الواحد العدل قال الواقدي و هرب هبيرة بن أبي وهب-  و عبد الله بن الزبعري جميعا حتى انتهيا إلى نجران-  فلم يأمنا الخوف حتى دخلا حصن نجران-  فقيل ما شأنكما قالا-  أما قريش فقد قتلت و دخل محمد مكة-  و نحن و الله نرى أن محمدا سائر إلى حصنكم هذا-  فجعلت بلحارث بن كعب يصلحون ما رث من حصنهم-  و جمعوا ماشيتهم فأرسل حسان بن ثابت إلى ابن الزبعرى- 

لا تعدمن رجلا أحلك بغضه
نجران في عيش أجد ذميم‏

بليت قناتك في الحروب فألفيت‏
جوفاء ذات معايب و وصوم‏

غضب الإله على الزبعرى و ابنه
بعذاب سوء في الحياة مقيم‏

 فلما جاء ابن الزبعرى شعر حسان تهيأ للخروج-  فقال هبيرة بن وهب أين تريد يا ابن عم-  قال له أريد و الله محمدا-  قال أ تريد أن تتبعه قال إي و الله-  قال هبيرة يا ليت أني كنت رافقت غيرك-  و الله ما ظننت أنك تتبع محمدا أبدا-  قال ابن الزبعرى هو ذاك-  فعلى أي شي‏ء أقيم مع بني الحارث بن كعب-  و أترك ابن عمى و خير الناس و أبرهم-  و بين قومي و داري-  فانحدر ابن الزبعرى-  حتى جاء رسول الله ص-و هو جالس في أصحابه فلما نظر إليه قال-  هذا ابن الزبعرى و معه وجه فيه نور الإسلام-  فلما وقف على رسول الله ص قال-  السلام عليك يا رسول الله-  شهدت أن لا إله إلا الله-  و أنك عبده و رسوله-  و الحمد لله الذي هداني للإسلام-  لقد عاديتك و أجلبت عليك-  و ركبت الفرس و البعير-  و مشيت على قدمي في عداوتك-  ثم هربت منك إلى نجران-  و أنا أريد ألا أقرب الإسلام أبدا-  ثم أرادني الله منه بخير-  فألقاه في قلبي و حببه إلي-  و ذكرت ما كنت فيه من الضلال-  و اتباع ما لا ينفع ذا عقل من حجر يعبد-  و يذبح له لا يدرى من عبده و من لا يعبده-  فقال رسول الله ص الحمد لله الذي هداك للإسلام-  احمد الله إن الإسلام يجب ما كان قبله-  و أقام هبيرة بنجران-  و أسلمت أم هانئ-  فقال هبيرة حين بلغه إسلامها يوم الفتح-  يؤنبها شعرا من جملته- 

    و إن كنت قد تابعت دين محمد
و قطعت الأرحام منك حبالها

فكوني على أعلى سحوق بهضبة
ململمة غبراء يبس بلالها

 فأقام بنجران حتى مات مشركا- . قال الواقدي و هرب حويطب بن عبد العزى-  فدخل حائطا بمكة-  و جاء أبو ذر لحاجته-  فدخل الحائط فرآه-  فهرب حويطب فقال أبو ذر-  تعال فأنت آمن فرجع إليه فقال-  أنت آمن فاذهب حيث شئت-  و إن شئت أدخلتك على رسول الله ص-  و إن شئت فإلى منزلك-  قال و هل من سبيل إلى منزلي ألفى-  فأقتل قبل أن أصل إلى منزلي-أو يدخل علي منزلي فأقتل-  قال فأنا أبلغ معك منزلك-  فبلغ معه منزله ثم جعل ينادي على بابه-  أن حويطبا آمن فلا يهيج-  ثم انصرف إلى رسول الله ص فأخبره-  فقال أ و ليس قد أمنا الناس كلهم-  إلا من أمرت بقتله- .

قال الواقدي و هرب عكرمة بن أبي جهل إلى اليمن-  حتى ركب البحر-  قال و جاءت زوجته أم حكيم بنت الحارث بن هشام-  إلى رسول الله ص في نسوة منهن هند بنت عتبة-  و قد كان رسول الله ص أمر بقتلها-  و البغوم بنت المعدل الكنانية امرأة صفوان بن أمية-  و فاطمة بنت الوليد بن المغيرة امرأة الحارث بن هشام-  و هند بنت عتبة بن الحجاج-  أم عبد الله بن عمرو بن العاص-  و رسول الله ص بالأبطح فأسلمن-  و لما دخلن عليه دخلن و عنده زوجتاه-  و ابنته فاطمة و نساء من نساء بني عبد المطلب-  و سألن أن يبايعهن فقال إني لا أصافح النساء- 

و يقال إنه وضع على يده ثوبا فمسحن عليه-  و يقال كان يؤتى بقدح من ماء فيدخل يده فيه-  ثم يرفعه إليهن فيدخلن أيديهن فيه-  فقالت أم حكيم امرأة عكرمة يا رسول الله-  إن عكرمة هرب منك إلى اليمن-  خاف أن تقتله فأمنه-  فقال هو آمن فخرجت أم حكيم في طلبه-  و معها غلام لها رومي فراودها عن نفسها-  فجعلت تمنيه حتى قدمت به على حي-  فاستغاثت بهم عليه فأوثقوه رباطا-  و أدركت عكرمة و قد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة-  فركب البحر فهاج بهم-  فجعل نوتي السفينة يقول له-  أن أخلص قال أي شي‏ء أقول-  قال قل لا إله إلا الله- 

قال عكرمة ما هربت إلا من هذا-  فجاءت أم حكيم على هذا من الأمر-  فجعلت تلح عليه و تقول يا ابن عم-  جئتك من عند خير الناس و أوصل الناس و أبر الناس-  لا تهلك نفسك فوقف لها حتى أدركته-  فقالت إني قد استأمنت لك رسول الله ص فأمنك-  قال‏أنت فعلت قالت نعم أنا كلمته فأمنك-  فرجع معها فقالت ما لقيت من غلامك الرومي-  و أخبرته خبره فقتله عكرمة-  فلما دنا من مكة قال رسول الله ص لأصحابه يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا-  فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي-  و لا يبلغ الميت-  فلما وصل عكرمة و دخل على رسول الله ص-  وثب إليه ص و ليس عليه رداء فرحا به-  ثم جلس فوق عكرمة بين يديه-  و معه زوجته منقبة فقال يا محمد-  إن هذه أخبرتني أنك أمنتني-  فقال صدقت أنت آمن-  فقال عكرمة فإلام تدعو-  فقال إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله-  و أني رسول الله و أن تقيم الصلاة و تؤتي الزكاة-  و عد خصال الإسلام فقال عكرمة-  ما دعوت إلا إلى حق و إلى حسن جميل-  و لقد كنت فينا من قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه-  و أنت أصدقنا حديثا و أعظمنا برا-  ثم قال فإني أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله-  فقال رسول الله ص-  لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدا إلا أعطيتكه- 

قال فإني أسألك أن تغفر لي كل عداوة عاديتكها-  أو مسير أوضعت فيه أو مقام لقيتك فيه-  أو كلام قلته في وجهك أو أنت غائب عنه-  فقال اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها-  و كل مسير سار فيه إلي يريد بذلك إطفاء نورك-  و اغفر له ما نال مني و من عرضي-  في وجهي أو أنا غائب عنه-  فقال عكرمة رضيت بذلك يا رسول الله-  ثم قال أما و الله لا أدع نفقة كنت أنفقها-  في صد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها-  في سبيل الإسلام و في سبيل الله-  و لأجتهدن في القتال بين يديك حتى أقتل شهيدا-  قال فرد عليه رسول الله ص امرأته بذلك النكاح الأول- . قال الواقدي و أما صفوان بن أمية-  فهرب حتى أتى الشعبة و جعل يقول لغلامه‏ يسار-  و ليس معه غيره ويحك انظر من ترى-  فقال هذا عمير بن وهب- 

قال صفوان ما أصنع بعمير-  و الله ما جاء إلا يريد قتلي قد ظاهر محمدا علي-  فلحقه فقال صفوان يا عمير ما لك-  ما كفاك ما صنعت حملتني دينك و عيالك-  ثم جئت تريد قتلي فقال يا أبا وهب-  جعلت فداك جئتك من عند خير الناس-  و أبر الناس و أوصل الناس-  و قد كان عمير قال لرسول الله ص يا رسول الله-  سيد قومي صفوان بن أمية خرج هاربا ليقذف نفسه في البحر-  خاف ألا تؤمنه فأمنه فداك أبي و أمي-  فقال قد أمنته فخرج في أثره فقال-  إن رسول الله ص قد أمنك صفوان-  لا و الله حتى تأتيني بعلامة أعرفها-  فرجع إلى رسول الله ص فأخبره و قال-  يا رسول الله جئته و هو يريد أن يقتل نفسه-  فقال لا أرجع إلا بعلامة أعرفها-  فقال خذ عمامتي-  فرجع عمير إليه بعمامة رسول الله ص-  و هي البرد الذي دخل فيه رسول الله ص مكة-  معتجرا به برد حبرة أحمر-  فخرج عمير في طلبه الثانية حتى جاءه بالبرد فقال-  يا أبا وهب جئتك من عند خير الناس-  و أوصل الناس و أبر الناس و أحلم الناس-  مجده مجدك و عزه عزك-  و ملكه ملكك ابن أبيك و أمك-  أذكرك الله في نفسك-  فقال أخاف أن أقتل-  قال فإنه دعاك إلى الإسلام فإن رضيت-  و إلا سيرك شهرين فهو أوفى الناس و أبرهم-  و قد بعث إليك ببرده الذي دخل به معتجرا-  أ تعرفه قال نعم-  فأخرجه-  فقال نعم هو هو-  فرجع صفوان حتى انتهى إلى رسول الله ص-  فوجده يصلي العصر بالناس فقال-  كم يصلون قالوا خمس صلوات في اليوم و الليلة-  قال أ محمد يصلي بهم قالوا نعم-  فلما سلم من صلاته صاح صفوان يا محمد-  إن عمير بن وهب جاءني ببردك-  و زعم أنك دعوتني إلى القدوم إليك-  فإن رضيت أمرا و إلا سيرتني شهرين-  فقال رسول الله ص انزل أبا وهب-  فقال لا و الله أو تبين لي- 

قال بل سر أربعة أشهر-  فنزل صفوان و خرج معه إلى حنين و هو كافر-  و أرسل إليه يستعير أدراعه و كانت مائة درع-  فقال أ طوعا أم كرها فقال ع-  بل طوعا عارية مؤداة فأعاره إياها-  ثم أعادها إليه بعد انقضاء حنين و الطائف-  فلما كان رسول الله ص بالجعرانة-  يسير في غنائم هوازن ينظر إليها-  فنظر صفوان إلى شعب هناك مملوء نعما وشاء ورعاء-  فأدام النظر إليه و رسول الله ص يرمقه فقال-  أبا وهب يعجبك هذا الشعب-  قال نعم قال هو لك و ما فيه-  فقال صفوان ما طابت نفس أحد بمثل هذا-  إلا نفس نبي أشهد أن لا إله إلا الله-  و أنك رسول الله ص- .

قال الواقدي فأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح-  فكان قد أسلم و كان يكتب لرسول الله ص الوحي-  فربما أملى عليه رسول الله ص سميع عليم-  فيكتب عزيز حكيم و نحو ذلك-  و يقرأ على رسول الله ص فيقول كذلك الله-  و يقرأ فافتتن-  و قال و الله ما يدري ما يقول-  إني لأكتب له ما شئت فلا ينكر-  و إنه ليوحى إلي كما يوحى إلى محمد-  و خرج هاربا من المدينة إلى مكة مرتدا-  فأهدر رسول الله دمه-  و أمر بقتله يوم الفتح-  فلما كان يومئذ جاء إلى عثمان و كان أخاه من الرضاعة-  فقال يا أخي إني قد أجرتك فاحتبسني هاهنا-  و اذهب إلى محمد فكلمه في-  فإن محمدا إن رآني ضرب عنقي-  أن جرمي أعظم الجرم و قد جئت تائبا-  فقال عثمان قم فاذهب معي إليه-  قال كلا و الله إنه إن رآني ضرب عنقي و لم يناظرني-  قد أهدر دمي و أصحابه يطلبونني في كل موضع-  فقال عثمان انطلق معي فإنه لا يقتلك إن شاء الله-  فلم يرع رسول الله ص إلا بعثمان-آخذا بيد عبد الله بن سعد واقفين بين يديه-  فقال عثمان يا رسول الله هذا أخي من الرضاعة-  إن أمه كانت تحملني و تمشيه و ترضعني و تفطمه-  و تلطفني و تتركه فهبه لي-  فأعرض رسول الله ص عنه-  و جعل عثمان كلما أعرض رسول الله عنه استقبله بوجهه-  و أعاد عليه هذا الكلام-  و إنما أعرض ع عنه إرادة لأن يقوم رجل فيضرب عنقه-  فلما رأى ألا يقوم أحد و عثمان قد انكب عليه-  يقبل رأسه و يقول يا رسول الله-  بايعه فداك أبي و أمي على الإسلام-  فقال رسول الله ص نعم فبايعه- .

قال الواقدي قال رسول الله ص بعد ذلك للمسلمين-  ما منعكم أن يقوم منكم واحد إلى هذا الكلب فيقتله-  أو قال الفاسق-  فقال عباد بن بشر و الذي بعثك بالحق-  إني لأتبع طرفك من كل ناحية-  رجاء أن تشير إلي فأضرب عنقه-  و يقال إن أبا البشير هو الذي قال هذا-  و يقال بل قاله عمر بن الخطاب-  فقال ع إني لا أقتل بالإشارة-  و قيل إنه قال إن النبي لا يكون له خائنة الأعين- . قال الواقدي فجعل عبد الله بن سعد-  يفر من رسول الله ص كلما رآه-  فقال له عثمان بأبي أنت و أمي-  لو ترى ابن أم عبد يفر منك كلما رآك-  فتبسم رسول الله ص فقال-  أ و لم أبايعه و أؤمنه-  قال بلى و لكنه يتذكر عظم جرمه في الإسلام-  فقال إن الإسلام يجب ما قبله

قال الواقدي و أما الحويرث بن معبد-  و هو من ولد قصي بن كلاب-  فإنه كان يؤذي رسول الله ص بمكة فأهدر دمه-  فبينما هو في منزله يوم الفتح و قد أغلق عليه بابه-  جاء علي ع يسأل عنه-  فقيل له هو في البادية-  و أخبر الحويرث أنه جاء يطلبه و تنحى علي ع عن بابه-  فخرج الحويرث يريد أن‏ يهرب من بيت إلى بيت آخر-  فتلقاه علي ع فضرب عنقه- .

قال الواقدي و أما هبار بن الأسود-  فقد كان رسول الله ص أمر أن يحرقه بالنار-  ثم قال إنما يعذب بالنار رب النار-  اقطعوا يديه و رجليه إن قدرتم عليه ثم اقتلوه-  و كان جرمه أن نخس زينب بنت رسول الله ص لما هاجرت-  و ضرب ظهرها بالرمح و هي حبلى فأسقطت-  فلم يقدر المسلمون عليه يوم الفتح-  فلما رجع رسول الله ص إلى المدينة-  طلع هبار بن الأسود قائلا-  أشهد أن لا إله إلا الله-  و أشهد أن محمدا رسول الله-  فقبل النبي ص إسلامه-  فخرجت سلمى مولاة النبي ص فقالت-  لا أنعم الله بك عينا-  أنت الذي فعلت و فعلت-  فقال رسول الله ص و هبار يعتذر إليه-  أن الإسلام محا ذلك و نهى عن التعرض له- .

قال الواقدي قال ابن عباس رضي الله عنه-  رأيت رسول الله ص و هبار يعتذر إليه-  و هو يطأطئ رأسه استحياء مما يعتذر هبار-  و يقول له قد عفوت عنك- . قال الواقدي و أما ابن خطل-  فإنه خرج حتى دخل بين أستار الكعبة-  فأخرجه أبو برزة الأسلمي منها-  فضرب عنقه بين الركن و المقام-  و يقال بل قتله عمار بن ياسر-  و قيل سعد بن حريث المخزومي-  و قيل شريك بن عبدة العجلاني-  و الأثبت أنه أبو برزة-  قال و كان جرمه أنه أسلم و هاجر إلى المدينة-  و بعثه رسول الله ص ساعيا-  و بعث معه رجلا من خزاعة فقتله-  و ساق ما أخذ من مال الصدقة و رجع إلى مكة-  فقالت له قريش ما جاء بك-  قال لم أجد دينا خيرا من دينكم-  و كانت له قينتان إحداهما قرينى-  و الأخرى قرينة أو أرنب-  و كان ابن خطل يقول‏ الشعر-  يهجو به رسول الله ص و يغنيان به-  و يدخل عليه المشركون بيته فيشربون عنده الخمر-  و يسمعون الغناء بهجاء رسول الله ص- .

قال الواقدي و أما مقيس بن صبابة فإن أمه سهمية-  و كان يوم الفتح عند أخواله بني سهم-  فاصطبح الخمر ذلك اليوم في ندامى له-  و خرج ثملا يتغنى و يتمثل بأبيات منها- 

دعيني أصطبح يا بكر إني
رأيت الموت نقب عن هشام‏

و نقب عن أبيك أبي يزيد
أخي القينات و الشرب الكرام‏

يخبرنا ابن كبشة أن سنحيا
و كيف حياة أصداء و هام‏

إذا ما الرأس زال بمنكبيه‏
فقد شبع الأنيس من الطعام‏

أ تقتلني إذا ما كنت حيا
و تحييني إذا رمت عظامي‏

 فلقيه نميلة بن عبد الله الليثي و هو من رهطه- فضربه بالسيف حتى قتله- فقالت أخته ترثيه-

لعمري لقد أخزى نميلة رهطه
و فجع أصناف النساء بمقيس‏

فلله عينا من رأى مثل مقيس‏
إذا النفساء أصبحت لم تخرس‏

 و كان جرم مقيس من قبل أن أخاه-  هاشم بن صبابة أسلم و شهد المريسيع-  مع رسول الله ص-  فقتله رجل من رهط عبادة بن الصامت-  و قيل من بني عمرو بن عوف و هو لا يعرفه-  فظنه من المشركين-  فقضى له رسول الله ص بالدية على العاقلة-  فقدم مقيس أخوه المدينة فأخذ ديته و أسلم-  ثم عدا على قاتل أخيه فقتله-  و هرب مرتدا كافرا يهجو رسول الله ص بالشعر-  فأهدر دمه- .

 

قال الواقدي فأما سارة مولاة بني هاشم-  و كانت مغنية نواحة بمكة-  و كانت قد قدمت على رسول الله ص المدينة-  تطلب أن يصلها و شكت إليه الحاجة-  و ذلك بعد بدر و أحد فقال لها-  أ ما كان لك في غنائك و نياحك ما يغنيك-  قالت يا محمد إن قريشا منذ قتل من قتل منهم ببدر-  تركوا استماع الغناء-  فوصلها رسول الله ص و أوقر لها بعيرا طعاما-  فرجعت إلى قريش و هي على دينها-  و كانت يلقى عليها هجاء رسول الله ص فتغنى به-  فأمر بها رسول الله ص يوم الفتح أن تقتل فقتلت-  و أما قينتا ابن خطل فقتل يوم الفتح إحداهما-  و هي أرنب أو قرينة-  و أما قريني فاستؤمن لها رسول الله ص فأمنها-  و عاشت حتى ماتت في أيام عثمان- . قال الواقدي و قد روي أن رسول الله ص-  أمر بقتل وحشي يوم الفتح-  فهرب إلى الطائف-  فلم يزل بها مقيما حتى قدم مع وفد الطائف-  على رسول الله ص فدخل عليه فقال-  أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله-  فقال أ وحشي قال نعم-  قال اجلس و حدثني كيف قتلت حمزة-  فلما أخبره قال قم و غيب عني وجهك-  فكان إذا رآه توارى عنه- .

 قال الواقدي و حدثني ابن أبي ذئب و معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي عمرو بن عدي بن أبي الحمراء قال سمعت رسول الله ص يقول بعد فراغه من أمر الفتح-  و هو يريد الخروج من مكة أما و الله إنك لخير أرض الله-  و أحب بلاد الله إلي-  و لو لا أن أهلك أخرجوني ما خرجت- . و زاد محمد بن إسحاق في كتاب المغازي-  أن هند بنت عتبة جاءت إلى رسول الله‏ص-  مع نساء قريش متنكرة متنقبة-  لحدثها الذي كان في الإسلام-  و ما صنعت بحمزة حين جدعته و بقرت بطنه عن كبده-  فهي تخاف أن يأخذها رسول الله ص بحدثها ذلك-  فلما دنت منه و قال حين بايعنه-  على ألا يشركن بالله شيئا قلن نعم-  قال و لا يسرقن فقالت هند-  و الله أنا كنت لأصيب من مال أبي سفيان-  الهنة و الهنيهة فما أعلم أ حلال ذلك أم لا-  فقال رسول الله ص و إنك لهند-  قالت نعم أنا هند-  و أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله-  فاعف عما سلف عفا الله عنك-  فقال رسول الله ص و لا يزنين-  فقالت هند و هل تزني الحرة-  فقال لا و لا يقتلن أولادهن-  فقالت هند قد لعمري ربيناهم صغارا و قتلتهم كبارا ببدر-  فأنت و هم أعرف-  فضحك عمر بن الخطاب من قولها حتى أسفرت نواجذه-  قال و لا يأتين ببهتان يفترينه-  فقالت هند إن إتيان البهتان لقبيح-  فقال و لا يعصينك في معروف-  فقالت ما جلسنا هذه الجلسة و نحن نريد أن نعصيك- . قال محمد بن إسحاق-  و من جيد شعر عبد الله بن الزبعرى-  الذي اعتذر به إلى رسول الله ص حين قدم عليه- 

منع الرقاد بلابل و هموم
فالليل ممتد الرواق بهيم‏

مما أتاني أن أحمد لامني‏
فيه فبت كأنني محموم‏

يا خير من حملت على أوصالها
عيرانة سرح اليدين سعوم‏

إني لمعتذر إليك من الذي
أسديت إذ أنا في الضلال أهيم‏

أيان تأمرني بأغوى خطة
سهم و تأمرني به مخزوم‏

و أمد أسباب الردى و يقودني
أمر الغواة و أمرهم مشئوم‏

فاليوم آمن بالنبي محمد
قلبي و مخطئ هذه محروم‏

مضت العداوة و انقضت أسبابها
و دعت أواصر بيننا و حلوم‏

فاغفر فدى لك والدي كلاهما
زللي فإنك راحم مرحوم‏

و عليك من علم المليك علامة
نور أغر و خاتم مختوم‏

أعطاك بعد محبة برهانه‏
شرفا و برهان الإله عظيم‏

و لقد شهدت بأن دينك صادق
بر و شأنك في العباد جسيم‏

و الله يشهد أن أحمد مصطفى‏
متقبل في الصالحين كريم‏

فرع علا بنيانه من هاشم
دوح تمكن في العلا و أروم‏

قال الواقدي و في يوم الفتح-  سمى رسول الله ص أهل مكة الذين دخلها عليهم الطلقاء-  لمنه عليهم بعد أن أظفره الله بهم-  فصاروا أرقاء له-  و قد قيل له يوم الفتح قد أمكنك الله تعالى-  فخذ ما شئت من أقمار على غصون يعنون النساء-  فقال ع يأبى ذلك إطعامهم الضيف-  و إكرامهم البيت و وجؤهم مناحر الهدي.

ثم نعود إلى تفسير ما بقي من ألفاظ الفصل-  قوله فإن كان فيك عجل فاسترفه-أي كن ذا رفاهية-  و لا ترهقن نفسك بالعجل-  فلا بد من لقاء بعضنا بعضا-  فأي حاجة بك إلى أن تعجل-  ثم فسر ذلك فقال إن أزرك في بلادك-  أي إن غزوتك في بلادك-  فخليق أن يكون الله بعثني للانتقام منك-  و إن زرتني أي إن غزوتني في بلادي-  و أقبلت بجموعك إلي- . كنتم كما قال أخو بني أسد كنت أسمع قديما-  أن هذا البيت من شعر بشر بن أبي خازم الأسدي-  و الآن فقد تصفحت شعره فلم أجده-  و لا وقفت بعد على قائله-  و إن وقفت فيما يستقبل من الزمان عليه ألحقته- . و ريح حاصب تحمل الحصباء-  و هي صغار الحصى-  و إذا كانت بين أغوار و هي ما سفل من الأرض-  و كانت مع ذلك ريح صيف-  كانت أعظم مشقة-  و أشد ضررا على من تلاقيه-  و جلمود يمكن أن يكون عطفا على حاصب-  و يمكن أن يكون عطفا على أغوار-  أي بين غور من الأرض و حرة-  و ذلك أشد لأذاها لما تكسبه الحرة-  من لفح السموم و وهجها و الوجه الأول أليق- .

و أعضضته أي جعلته معضوضا برءوس أهلك-  و أكثر ما يأتي أفعلته أن تجعله فاعلا-  و هي هاهنا من المقلوب-  أي أعضضت رءوس أهلك به-  كقوله قد قطع الحبل بالمرود- . و جده عتبة بن ربيعة و خاله الوليد بن عتبة-  و أخوه حنظلة بن أبي سفيان-  قتلهم علي ع يوم بدر- . و الأغلف القلب الذي لا بصيرة له-  كأن قلبه في غلاف قال تعالى-  وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ- .

 

و المقارب العقل بالكسر-  الذي ليس عقله بجيد-  و العامة تقول فيما هذا شأنه-  مقارب بفتح الراء- . ثم قال الأولى أن يقال هذه الكلمة لك- . و نشدت الضالة طلبتها-  و أنشدتها عرفتها أي طلبت ما ليس لك- . و السائمة المال الراعي-  و الكلام خارج مخرج الاستعارة- . فإن قلت كل هذا الكلام يطابق بعضه بعضا-  إلا قوله فما أبعد قولك من فعلك-  و كيف استبعد ع ذلك و لا بعد بينهما-  لأنه يطلب الخلافة قولا و فعلا-  فأي بعد بين قوله و فعله- . قلت لأن فعله البغي-  و الخروج على الإمام الذي ثبتت إمامته و صحت-  و تفريق جماعة المسلمين و شق العصا-  هذا مع الأمور التي كانت تظهر عليه و تقتضي الفسق-  من لبس الحرير و المنسوج بالذهب-  و ما كان يتعاطاه في حياة عثمان من المنكرات-  التي لم تثبت توبته منها فهذا فعله- .

و أما قوله فزعمه أنه أمير المؤمنين-  و خليفة المسلمين-  و هذا القول بعيد من ذلك الفعل جدا- . و ما في قوله و قريب ما أشبهت مصدرية-  أي و قريب شبهك بأعمام و أخوال-  و قد ذكرنا من قتل من بني أمية-  في حروب رسول الله ص فيما تقدم-  و إليهم الإشارة بالأعمام و الأخوال-  لأن أخوال معاوية من بني عبد شمس-  كما أن أعمامه من بني عبد شمس- . قوله و لم تماشها الهوينى أي لم تصحبها-  يصفها بالسرعة و المضي في الرءوس الأعناق-

 

و أما قوله ادخل فيما دخل فيه الناس و حاكم القوم-  فهي الحجة التي يحتج بها أصحابنا له-  في أنه لم يسلم قتلة عثمان إلى معاوية-  و هي حجة صحيحة-  لأن الإمام يجب أن يطاع-  ثم يتحاكم إليه أولياء الدم و المتهمون-  فإن حكم بالحق استديمت حكومته-  و إلا فسق و بطلت إمامته- .

قوله فأما تلك التي تريدها-  قيل إنه يريد التعلق بهذه الشبهة-  و هي قتلة عثمان-  و قيل أراد به ما كان معاوية يكرر طلبه-  من أمير المؤمنين ع و هو أن يقره على الشام وحده-  و لا يكلفه البيعة-  قال إن ذلك كمخادعة الصبي في أول فطامه عن اللبن-  بما تصنعه النساء له مما يكره إليه الثدي و يسليه عنه-  و يرغبه في التعوض بغيره-  و كتاب معاوية الذي ذكرناه لم يتضمن حديث الشام

 

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 17-18

 

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.