66 و من كتاب له ع كتبه إلى عبد الله بن العباس
و قد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية: أَمَّا بَعْدُ- فَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ- وَ يَحْزَنُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ- فَلَا يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ فِي نَفْسِكَ- مِنْ دُنْيَاكَ بُلُوغُ لَذَّةٍ- أَوْ شِفَاءُ غَيْظٍ- وَ لَكِنْ إِطْفَاءُ بَاطِلٍ وَ إِحْيَاءُ حَقٍّ- وَ لْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ- وَ أَسَفُكَ عَلَى مَا خَلَّفْتَ- وَ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ هذا الفصل قد تقدم شرح نظيره- و ليس في ألفاظه و لا معانيه ما يفتقر إلى تفسير- و لكنا سنذكر من كلام الحكماء و الصالحين- كلمات تناسبه
نبذ من كلام الحكماء
فمن كلام بعضهم ما قدر لك أتاك- و ما لم يقدر لك تعداك- فعلام تفرح بما لم يكن بد من وصوله إليك- و علام تحزن بما لم يكن ليقدم عليك- . و من كلامهم الدنيا تقبل إقبال الطالب- و تدبر إدبار الهارب- و تصل وصال المتهالك- و تفارق فراق المبغض الفارك- فخيرها يسير و عيشها قصير- و إقبالها خدعة و إدبارهافجعة- و لذاتها فانية و تبعاتها باقية- فاغتنم غفلة الزمان و انتهز فرصة الإمكان- و خذ من نفسك لنفسك- و تزود من يومك لغدك قبل نفاذ المدة- و زوال القدرة- فلكل امرئ من دنياه ما ينفعه على عمارة أخراه- .
و من كلامهم من نكد الدنيا أنها لا تبقى على حالة- و لا تخلو من استحالة- تصلح جانبا بإفساد جانب و تسر صاحبا بمساءة صاحب- فالسكون فيها خطر و الثقة إليها غرر- و الالتجاء إليها محال و الاعتماد عليها ضلال- . و من كلامهم- لا تبتهجن لنفسك بما أدركت من لذاتها الجسمانية- و ابتهج لها بما تناله من لذاتها العقلية- و من القول بالحق و العمل بالحق- فإن اللذات الحسية خيال ينفد- و المعارف العقلية باقية بقاء الأبد
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 18