نامه 62 شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

62 و من كتاب له ع إلى أهل مصر مع مالك الأشتر رحمه الله-  لما ولاه إمارتها

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ص-  نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَ مُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلِينَ-  فَلَمَّا مَضَى ص تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ-  فَوَاللَّهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي-  وَ لَا يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا الْأَمْرَ-  مِنْ بَعْدِهِ ص عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ-  وَ لَا أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ-  فَمَا رَاعَنِي إِلَّا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلَانٍ يُبَايِعُونَهُ-  فَأَمْسَكْتُ بِيَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ-  قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ-  يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ ص-  فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَ أَهْلَهُ-  أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً-  تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَايَتِكُمُ-  الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ-  يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ-  وَ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ-  فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَ زَهَقَ-  وَ اطْمَأَنَّ الدِّينُ وَ تَنَهْنَهَ المهيمن الشاهد-  قال الله تعالى-  إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً-  أي تشهد بإيمان من آمن و كفر من كفر-  و قيل تشهد بصحة نبوة الأنبياء قبلك-و قوله على المرسلين يؤكد صحة هذا التفسير الثاني-  و أصل اللفظة من آمن غيره من الخوف-  لأن الشاهد يؤمن غيره من الخوف بشهادته-  ثم تصرفوا فيها فابدلوا إحدى همزتي مؤامن ياء-  فصار مؤيمن-  ثم قلبوا الهمزة هاء كأرقت و هرقت فصار مهيمن- . و الروع الخلد-  و في الحديث أن روح القدس نفث في روعي-  قال ما يخطر لي ببال أن العرب تعدل بالأمر-  بعد وفاة محمد ص عن بني هاشم ثم من بني هاشم عني-  لأنه كان المتيقن بحكم الحال الحاضرة-  و هذا الكلام يدل على بطلان دعوى الإمامية-  النص و خصوصا الجلي- .

قال فما راعني إلا انثيال الناس-  تقول للشي‏ء يفجؤك بغتة ما راعني إلا كذا-  و الروع بالفتح الفزع-  كأنه يقول ما أفزعني شي‏ء بعد ذلك السكون-  الذي كان عندي-  و تلك الثقة التي اطمأننت إليها-  إلا وقوع ما وقع من انثيال الناس-  أي انصبابهم من كل وجه كما ينثاب التراب-  على أبي بكر-  و هكذا لفظ الكتاب الذي كتبه للأشتر-  و إنما الناس يكتبونه الآن إلى فلان-  تذمما من ذكر الاسم كما يكتبون في أول الشقشقية-  أما و الله لقد تقمصها فلان-  و اللفظ أما و الله لقد تقمصها ابن أبي قحافة- . قوله فأمسكت يدي أي امتنعت عن بيعته-  حتى رأيت راجعة الناس يعني أهل الردة كمسيلمة-  و سجاح و طليحة بن خويلد و مانعي الزكاة-  و إن كان مانعو الزكاة قد اختلف في أنهم أهل ردة أم لا- . و محق الدين إبطاله- . و زهق خرج و زال-  تنهنه سكن و أصله الكف-  تقول نهنهت السبع فتنهنه- أي كف عن حركته و إقدامه-  فكان الدين كان متحركا مضطربا فسكن-  و كف عن ذلك الاضطراب- .

روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ الكبير-  أن رسول الله ص لما مات-  اجتمعت أسد و غطفان و طي‏ء-  على طليحة بن خويلد-  إلا ما كان من خواص أقوام في الطوائف الثلاث-  فاجتمعت أسد بسميراء و غطفان بجنوب طيبة-  و طي‏ء في حدود أرضهم-  و اجتمعت ثعلبة بن أسد و من يليهم من قيس-  بالأبرق من الربذة-  و تأشب إليهم ناس من بني كنانة-  و لم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين-  أقامت إحداهما بالأبرق و سارت الأخرى إلى ذي القصة-  و بعثوا وفودا إلى أبي بكر-  يسألونه أن يقارهم على إقامة الصلاة و منع الزكاة-  فعزم الله لأبي بكر على الحق-  فقال لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه-  و رجع الوفود إلى قومهم-  فأخبروهم بقلة من أهل المدينة-  فأطمعوهم فيها و علم أبو بكر و المسلمون بذلك-  و قال لهم أبو بكر أيها المسلمون إن الأرض كافرة-  و قد رأى وفدهم منكم قلة-  و إنكم لا تدرون أ ليلا تؤتون أم نهارا-  و أدناهم منكم على بريد-  و قد كان القوم يأملون أن نقبل منهم و نوادعهم-  و قد أبينا عليهم و نبذنا إليهم فأعدوا و استعدوا-  فخرج علي ع بنفسه-  و كان على نقب من أنقاب المدينة-  و خرج الزبير و طلحة و عبد الله بن مسعود و غيرهم-  فكانوا على الأنقاب الثلاثة-  فلم يلبثوا إلا قليلا-  حتى طرق القوم المدينة غارة مع الليل-  و خلفوا بعضهم بذي حسى ليكونوا ردءا لهم-  فوافوا الأنقاب و عليها المسلمون-  فأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر-  فأرسل إليهم أن الزموا مكانكم ففعلوا- 

و خرج أبو بكر في جمع من أهل المدينة على النواضح فانتشر العدو بين أيديهم-  و اتبعهم المسلمون على النواضح حتى بلغوا ذا حسى-  فخرج عليهم الكمين بأنحاء قد نفخوها-  و جعلوا فيها الحبال-  ثم دهدهوها بأرجلهم في وجوه الإبل-  فتدهده كل نحي منها في طوله فنفرت إبل المسلمين-  و هم عليها و لا تنفر الإبل من شي‏ء نفارها من الأنحاء-  فعاجت بهم لا يملكونها حتى دخلت بهم المدينة-  و لم يصرع منهم أحد و لم يصب-  فبات المسلمون تلك الليلة يتهيئون-  ثم خرجوا على تعبئة-  فما طلع الفجر إلا و هم و القوم على صعيد واحد-  فلم يسمعوا للمسلمين حسا و لا همسا-  حتى وضعوا فيهم السيف فاقتتلوا أعجاز ليلتهم-  فما ذر قرن الشمس إلا و قد ولوا الأدبار-  و غلبوهم على عامة ظهرهم-  و رجعوا إلى المدينة ظافرين- . قلت هذا هو الحديث الذي أشار ع-  إلى أنه نهض فيه أيام أبي بكر-  و كأنه جواب عن قول قائل إنه عمل لأبي بكر-  و جاهد بين يدي أبي بكر فبين ع عذره في ذلك-  و قال إنه لم يكن كما ظنه القائل-  و لكنه من باب دفع الضرر عن النفس و الدين-  فإنه واجب سواء كان للناس إمام أو لم يكن

ذكر ما طعن به الشيعة في إمامة أبي بكر و الجواب عنها

و ينبغي حيث جرى ذكر أبي بكر في كلام أمير المؤمنين ع-  أن نذكر ما أورده قاضي القضاة في المغني-  من المطاعن التي طعن بها فيه-  و جواب قاضي القضاة عنها-  و اعتراض المرتضى في الشافي على قاضي القضاة-  و نذكر ما عندنا في ذلك-  ثم نذكر مطاعن أخرى لم يذكرها قاضي القضاة- .

الطعن الأول

 قال قاضي القضاة-  بعد أن ذكر ما طعن به فيه في أمر فدك-  و قد سبق القول فيه-  و مما طعن به عليه قولهم-  كيف يصلح للإمامة-  من يخبر عن نفسه أن له شيطانا يعتريه-  و من يحذر الناس نفسه-  و من يقول أقيلوني بعد دخوله في الإمامة-  مع أنه لا يحل للإمام أن يقول أقيلوني البيعة- . أجاب قاضي القضاة فقال إن شيخنا أبا علي قال-  لو كان ذلك نقصا فيه لكان قول الله في آدم و حواء-  فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ-  و قوله فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ-  و قوله وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ-  إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ-  يوجب النقص في الأنبياء-  و إذا لم يجب ذلك فكذلك ما وصف به أبو بكر نفسه-  و إنما أراد أنه عند الغضب يشفق من المعصية و يحذر منها-  و يخاف أن يكون الشيطان يعتريه في تلك الحال-  فيوسوس إليه-  و ذلك منه على طريقة الزجر لنفسه عن المعاصي-  و قد روي عن أمير المؤمنين ع-  أنه ترك مخاصمة الناس في حقوقه-  إشفاقا من المعصية-  و كان يولي ذلك عقيلا-  فلما أسن عقيل كان يوليها عبد الله بن جعفر-  فأما ما روي في إقالة البيعة فهو خبر ضعيف-  و إن صح فالمراد به التنبيه على أنه لا يبالي لأمر-  يرجع إليه أن يقيله الناس البيعة-  و إنما يضرون بذلك أنفسهم-  و كأنه نبه بذلك‏على أنه غير مكره لهم-  و أنه قد خلاهم و ما يريدون إلا أن يعرض ما يوجب خلافه-  و قد روي أن أمير المؤمنين ع-  أقال عبد الله بن عمر البيعة حين استقاله-  و المراد بذلك أنه تركه و ما يختار- .

اعترض المرتضى رضي الله عنه فقال-  أما قول أبي بكر وليتكم و لست بخيركم-  فإن استقمت فاتبعوني و إن اعوججت فقوموني-  فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبي-  فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني-  لا أؤثر في أشعاركم و أبشاركم-  فإنه يدل على أنه لا يصلح للإمامة من وجهين-  أحدهما أن هذا صفة من ليس بمعصوم-  و لا يأمن الغلط على نفسه-  من يحتاج إلى تقويم رعيته له إذا وقع في المعصية-  و قد بينا أن الإمام لا بد أن يكون معصوما موفقا مسددا-  و الوجه الآخر أن هذه صفة من لا يملك نفسه-  و لا يضبط غضبه-  و من هو في نهاية الطيش و الحدة و الخرق و العجلة-  و لا خلاف أن الإمام-  يجب أن يكون منزها عن هذه الأوصاف-  غير حاصل عليها و ليس يشبه قول أبي بكر-  ما تلاه من الآيات كلها-  لأن أبا بكر خبر عن نفسه بطاعة الشيطان عند الغضب-  و أن عادته بذلك جارية-  و ليس هذا بمنزلة من يوسوس إليه الشيطان و لا يطيعه-  و يزين له القبيح فلا يأتيه-  و ليس وسوسة الشيطان بعيب على الموسوس له-  إذا لم يستزله ذلك عن الصواب-  بل هو زيادة في التكليف-  و وجه يتضاعف معه الثواب-  و قوله تعالى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ-  قيل معناه في تلاوته-  و قيل في فكرته على سبيل الخاطر-  و أي الأمرين كان-  فلا عار في ذلك على النبي ص و لا نقص- 

و إنما العار و النقص على من يطيع الشيطان-  و يتبع ما يدعو إليه-  و ليس لأحد أن يقول-  هذا إن سلم لكم في جميع الآيات لم يسلم في قوله تعالى-  فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ-  لأنه قد خبر عن تأثير غوايته و وسوسته-  بما كان منهما من الفعل-  و ذلك أن المعنى الصحيح في هذه الآية أن آدم و حواء-  كانا مندوبين إلى اجتناب الشجرة و ترك التناول منها-  و لم يكن ذلك عليهما واجبا لازما- لأن الأنبياء لا يخلون بالواجب-  فوسوس لهما الشيطان حتى تناولا من الشجرة-  فتركا مندوبا إليه و حرما بذلك أنفسهما الثواب-  و سماه إزلالا-  لأنه حط لهما عن درجة الثواب و فعل الأفضل-  و قوله تعالى في موضع آخر-  وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‏-  لا ينافي هذا المعنى-  لأن المعصية قد يسمى بها من أخل بالواجب و الندب معا-  قوله فغوى-  أي خاب من حيث لم يستحق الثواب على ما ندب إليه على أن صاحب الكتاب يقول- 

إن هذه المعصية من آدم كانت صغيرة-  لا يستحق بها عقابا و لا ذما-  فعلى مذهبه أيضا-  تكون المفارقة بينه و بين أبي بكر ظاهرة-  لأن أبا بكر خبر عن نفسه أن الشيطان يعتريه-  حتى يؤثر في الأشعار و الأبشار-  و يأتي ما يستحق به التقويم-  فأين هذا من ذنب صغير لا ذم و لا عقاب عليه-  و هو يجري من وجه من الوجوه مجرى المباح-  لأنه لا يؤثر في أحوال فاعله و حط رتبته-  و ليس يجوز أن يكون ذلك منه-  على سبيل الخشية و الإشفاق على ما ظن-  لأن مفهوم خطابه يقتضي خلاف ذلك-  أ لا ترى أنه قال إن لي شيطانا يعتريني-  و هذا قول من قد عرف عادته-  و لو كان على سبيل الإشفاق و الخوف لخرج عن هذا المخرج-  و لكان يقول-  فإني آمن من كذا و إني لمشفق منه-  فأما ترك أمير المؤمنين ع مخاصمة الناس في حقوقه-  فكأنه إنما كان تنزها و تكرما-  و أي نسبة بين ذلك و بين من صرح و شهد على نفسه-  بما لا يليق بالأئمة-  و أما خبر استقالة البيعة و تضعيف صاحب الكتاب له-  فهو أبدا يضعف ما لا يوافقه-  من غير حجة يعتمدها في تضعيفه-  و قوله إنه ما استقال على التحقيق- 

و إنما نبه على أنه لا يبالي بخروج الأمر عنه-  و أنه غير مكره لهم عليه-  فبعيد من الصواب-  لأن ظاهر قوله أقيلوني أمر بالإقالة-  و أقل أحواله أن يكون عرضا لها و بذلا-  و كلا الأمرين قبيح-  و لو أراد ما ظنه لكان له  في غير هذا القول مندوحة-  و لكان يقول إني ما أكرهتكم و لا حملتكم على مبايعتي-  و ما كنت أبالي ألا يكون هذا الأمر في و لا إلي-  و إن مفارقته لتسرني-  لو لا ما ألزمنيه الدخول فيه من التمسك به-  و متى عدلنا عن ظواهر الكلام بلا دليل-  جر ذلك علينا ما لا قبل لنا به-  و أما أمير المؤمنين ع-  فإنه لم يقل ابن عمر البيعة بعد دخولها فيها-  و إنما استعفاه من أن يلزمه البيعة ابتداء-  فأعفاه قلة فكر فيه-  و علما بأن إمامته لا تثبت بمبايعة من يبايعه عليها-  فأين هذا من استقالة بيعة قد تقدمت و استقرت- .

قلت أما قول أبي بكر وليتكم و لست بخيركم-  فقد صدق عند كثير من أصحابنا-  لأن خيرهم علي بن أبي طالب ع-  و من لا يقول بذلك يقول بما قاله الحسن البصري-  و الله إنه ليعلم أنه خيرهم و لكن المؤمن يهضم نفسه-  و لم يطعن المرتضى فيه بهذه اللفظة لنطيل القول فيها-  و أما قول المرتضى عنه أنه قال-  فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبى-  فالمشهور في الرواية فإن لي شيطانا يعتريني-  قال المفسرون أراد بالشيطان الغضب-  و سماه شيطانا على طريق الاستعارة-  و كذا ذكره شيخنا أبو الحسين في الغرر-  قال معاوية لإنسان غضب في حضرته-  فتكلم بما لا يتكلم بمثله في حضرة الخلفاء-  اربع على ظلعك أيها الإنسان- 

فإنما الغضب شيطان و أنا لم نقل إلا خيرا- . و قد ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري-  في كتاب التاريخ الكبير-  خطبتي أبي بكر عقيب بيعته بالسقيفة-  و نحن نذكرهما نقلا من كتابه-  أما الخطبة الأولى فهي-  أما بعد أيها الناس فإني وليتكم و لست بخيركم-  فإن أحسنت فأعينوني و إن أسأت فقوموني-  لأن الصدق أمانة و الكذب خيانة-  الضعيف منكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه-  و القوي منكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه-  لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل-  و لا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء-  أطيعوني ما أطعت الله و رسوله-  فإذا عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي عليكم-  قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله و أما الخطبة الثانية فهي أيها الناس إنما أنا مثلكم-  و إني لا أدري لعلكم ستكلفونني-  ما كان رسول الله ص يطيقه- 

إن الله اصطفى محمدا ص على العالمين-  و عصمه من الآفات-  و إنما أنا متبع و لست بمتبوع-  فإن استقمت فاتبعوني و إن زغت فقوموني-  و إن رسول الله ص-  قبض و ليس أحد من هذه الأمة-  يطلبه بمظلمة ضربة سوط فما دونها-  ألا و إن لي شيطانا يعتريني-  فإذا غضبت فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم و أبشاركم-  ألا و إنكم تغدون و تروحون في أجل قد غيب عنكم علمه-  فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل-  إلا و أنتم في عمل صالح فافعلوا-  و لن تستطيعوا ذلك إلا بالله-  فسابقوا في مهل آجالكم-  من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال-  فإن قوما نسوا آجالهم و جعلوا أعمالهم لغيرهم-  فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم-  الجد الجد الوحا الوحا-  فإن وراءكم طالبا حثيثا-  أجل مره سريع احذروا الموت-  و اعتبروا بالآباء و الأبناء و الإخوان-  و لا تغبطوا الأحياء إلا بما يغبط به الأموات- . إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما يراد به وجهه-  فأريدوا وجه الله بأعمالكم- 

و اعلمواأن ما أخلصتم لله من أعمالكم-  فلطاعة أتيتموها-  و حظ ظفرتم به و ضرائب أديتموها-  و سلف قدمتموه من أيام فانية لأخرى باقية-  لحين فقركم و حاجتكم-  فاعتبروا عباد الله بمن مات منكم-  و تفكروا فيمن كان قبلكم-  أين كانوا أمس و أين هم اليوم أين الجبارون-  أين الذين كان لهم ذكر القتال و الغلبة-  في مواطن الحرب-  قد تضعضع بهم الدهر و صاروا رميما-  قد تركت عليهم القالات الخبيثات-  و إنما الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات-  و أين الملوك الذين أثاروا الأرض و عمروها-  قد بعدوا بسيئ ذكرهم-  و بقي ذكرهم و صاروا كلا شي‏ء-  ألا إن الله قد أبقى عليهم التبعات-  و قطع عنهم الشهوات و مضوا-  و الأعمال أعمالهم و الدنيا دنيا غيرهم-  و بقينا خلفا من بعدهم-  فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا-  و إن اغتررنا كنا مثلهم-  أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم-  صاروا ترابا و صار ما فرطوا فيه حسرة عليهم-  أين الذين بنوا المدائن و حصنوها بالحوائط-  و جعلوا فيها العجائب و تركوها لمن خلفهم-  فتلك مساكنهم خاوية و هم في ظلم القبور-  هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا-  أين من تعرفون من آبائكم و إخوانكم-  قد انتهت بهم آجالهم فوردوا على ما قدموا عليه-  و أقاموا للشقوة و للسعادة-  إلا إن الله لا شريك له-  ليس بينه و بين أحد من خلقه سبب-  يعطيه به خيرا و لا يصرف عنه به شرا-  إلا بطاعته و اتباع أمره- 

و اعلموا أنكم عباد مدينون-  و أن ما عنده لا يدرك إلا بتقواه و عبادته-  ألا و إنه لا خير بخير بعده النار-  و لا شر بشر بعد الجنة- .فهذه خطبتا أبي بكر يوم السقيفة و اليوم الذي يليه-  إنما قال إن لي شيطانا يعتريني-  و أراد بالشيطان الغضب-  و لم يرد أن له شيطانا من مردة الجن-  يعتريه إذا غضب-  فالزيادة فيما ذكره المرتضى في قوله-  إن لي شيطانا يعتريني عند غضبي-  تحريف لا محالة-  و لو كان له شيطان من الجن يعتاده و ينوبه-  لكان في عداد المصروعين من المجانين-  و ما ادعى أحد على أبي بكر هذا-  لا من أوليائه و لا من أعدائه-  و إنما ذكرنا خطبته على طولها-  و المراد منها كلمة واحدة-  لما فيها من الفصاحة و الموعظة-  على عادتنا في الاعتناء بإيداع هذا الكتاب-  ما كان ذاهبا هذا المذهب و سالكا هذا السبيل- . فأما قول المرتضى فهذه صفة من ليس بمعصوم-  فالأمر كذلك و العصمة عندنا ليست شرطا في الإمامة-  و لو لم يدل على عدم اشتراطها-  إلا أنه قال على المنبر بحضور الصحابة هذا القول-  و أقروه على الإمامة-  لكفى في عدم كون العصمة شرطا-  لأنه قد حصل الإجماع على عدم اشتراط ذلك-  إذ لو كان شرطا لأنكر منكر إمامته كما لو قال- 

إني لا أصبر عن شرب الخمر و عن الزنا- . فأما قوله هذه صفة طائش لا يملك نفسه-  فلعمري إن أبا بكر كان حديدا و قد ذكره عمر بذلك-  و ذكره غيره من الصحابة بالحدة و السرعة-  و لكن لا بحيث أن تبطل به أهليته للإمامة-  لأن الذي يبطل الإمامة من ذلك-  و ما يخرج الإنسان عن العقل-  و أما ما هو دون ذلك فلا-  و ليس قوله فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم و أبشاركم-  محمول على ظاهره-  و إنما أراد به المبالغة في وصف القوة الغضبية عنده-  و إلا فما سمعنا و لا نقل ناقل-  من الشيعة و لا من غير الشيعة-  أن أبا بكر في أيام رسول الله ص-  و لا في الجاهلية و لا في أيام خلافته-  احتد على إنسان-  فقام إليه فضربه بيده و مزق شعره- .

فأما ما حكاه قاضي القضاة عن الشيخ أبي علي-  من تشبيه هذه اللفظة بما ورد في القرآن-  فهو على تقدير أن يكون أبو بكر عنى الشيطان حقيقة-  و ما اعترض به المرتضى ثانية عليه غير لازم-  لأن الله تعالى قال فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ-  و تعقب ذلك قبولهما وسوسته و أكلهما من الشجرة-  فكيف يقول المرتضى-  ليس قول أبي بكر بمنزلة من وسوس له الشيطان فلم يطعه-  و كذلك قوله تعالى في قصة موسى لما قتل القبطي-  هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ-  و كذلك قوله فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها-  و قوله أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ-  و ما ذهب إليه المرتضى من التأويلات-  مبني على مذهبه في العصمة الكلية-  و هو مذهب يحتاج في نصرته إلى تكلف شديد-  و تعسف عظيم في تأويل الآيات-  على أنه إذا سلم أن الشيطان-  ألقى في تلاوة الرسول ص ما ليس من القرآن-  حتى ظنه السامعون كلاما من كلام الرسول-  فقد نقض دلالة التنفير المقتضية عنده في العصمة-  لأنه لا تنفير عنده أبلغ من تمكين الله الشيطان-  أن يخلط كلامه بكلامه و رسوله يؤديه إلى المكلفين-  حتى يعتقد السامعون كلهم أن الكلامين كلام واحد- .

و أما قوله إن آدم كان مندوبا-  إلى ألا يأكل من الشجرة لا محرم عليه أكلها-  و لفظة عصى إنما المراد بها خالف المندوب-  و لفظه غوى إنما المراد خاب-  من حيث لم يستحق الثواب على اعتماد ما ندب إليه-  فقول يدفعه ظاهر الآية لأن الصيغة صيغة النهي-  و هي قوله وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ-  و النهي عند المرتضى يقتضي التحريم لا محالة-  و ليس الأمر الذي قد يراد به الندب-  و قد يراد به الوجوب- . و أما قول شيخنا أبي علي-  إن كلام أبي بكر خرج مخرج الإشفاق و الحذر-  من المعصية عند الغضب فجيد- . و اعتراض المرتضى عليه-  بأنه ليس ظاهر اللفظ ذاك غير لازم-  لأن هذه عادة العرب-  يعبرون عن الأمر بما هو منه بسبب و سبيل-  كقولهم لا تدن من الأسد فيأكلك-  فليس أنهم قطعوا على الأكل عند الدنو-  و إنما المراد الحذر و الخوف-  و التوقع للأكل عند الدنو- .

 

و أما الكلام في قوله أقيلوني-  فلو صح الخبر لم يكن فيه مطعن عليه-  لأنه إنما أراد في اليوم الثاني اختبار حالهم في البيعة-  التي وقعت في اليوم الأول ليعلم وليه من عدوه منهم-  و قد روى جميع أصحاب السير أن أمير المؤمنين خطب في اليوم الثاني من بيعته-  فقال أيها الناس إنكم بايعتموني على السمع و الطاعة-  و أنا أعرض اليوم عليكم ما دعوتموني إليه أمس-  فإن أجبتم قعدت لكم و إلا فلا أجد على أحد-  و ليس بجيد قول المرتضى-  إنه لو كان يريد العرض و البذل-  لكان قد قال كذا و كذا-  فإن هذه مضايقة منه شديدة للألفاظ-  و لو شرعنا في مثل هذا لفسد أكثر ما يتكلم به الناس-  على أنا لو سلمنا أنه استقالهم البيعة حقيقة-  فلم قال المرتضى إن ذلك لا يجوز-  أ ليس يجوز للقاضي أن يستقيل من القضاء-  بعد توليته إياه و دخوله فيه-  فكذلك يجوز للإمام أن يستقيل من الإمامة-  إذا أنس من نفسه ضعفا عنها-  أو أنس من رعيته نبوة عنه-  أو أحس بفساد ينشأ في الأرض-  من جهة ولايته على الناس-  و من يذهب إلى أن الإمامة تكون بالاختيار-  كيف يمنع من جواز استقالة الإمام-  و طلبه إلى الأمة أن يختاروا غيره-  لعذر يعلمه من حال نفسه-  و إنما يمنع من ذلك المرتضى و أصحابه-  القائلون بأن الإمامة بالنص-  و إن الإمام محرم عليه ألا يقوم بالإمامة-  لأنه مأمور بالقيام بها لتعينه خاصة-  دون كل أحد من المكلفين-  و أصحاب الاختيار يقولون-  إذا لم يكن زيد إماما كان عمرو إماما عوضه-  لأنهم لا يعتبرون الشروط-  التي يعتبرها الإمامية من العصمة-  و أنه أفضل أهل عصره و أكثرهم ثوابا-  و أعلمهم و أشجعهم و غير ذلك من الشروط-  التي تقتضي تفرده و توحده بالأمر-  على أنه إذا جاز عندهم-  أن يترك الإمام الإمامة في الظاهر كما فعله الحسن-  و كما فعله غيره من الأئمة بعد الحسين ع للتقية-  جاز للإمام‏ على مذهب أصحاب الاختيار-  أن يترك الإمامة ظاهرا و باطنا-  لعذر يعلمه من حال نفسه أو حال رعيته

الطعن الثاني

قال قاضي القضاة بعد أن ذكر قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة-  و قد تقدم منا القول في ذلك في أول هذا الكتاب-  و مما طعنوا به على أبي بكر أنه قال عند موته-  ليتني كنت سألت رسول الله ص عن ثلاثة-  فذكر في أحدها ليتني كنت سألته-  هل للأنصار في هذا الأمر حق-  قالوا و ذلك يدل على شكه في صحة بيعته-  و ربما قالوا قد روي أنه قال في مرضه-  ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكشفه-  و ليتني في ظلة بني ساعدة كنت-  ضربت على يد أحد الرجلين-  فكان هو الأمير و كنت الوزير-  قالوا و ذلك يدل-  على ما روي من إقدامه على بيت فاطمة ع-  عند اجتماع علي ع و الزبير و غيرهما فيه-  و يدل على أنه كان يرى الفضل لغيره لا لنفسه- .

قال قاضي القضاة و الجواب أن قوله-  ليتني لا يدل على الشك فيما تمناه-  و قول إبراهيم ع-  رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى‏-  قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي-  أقوى من ذلك في الشبهة-  ثم حمل تمنيه على أنه أراد سماع شي‏ء مفصل-  أو أراد ليتني سألته عند الموت-  لقرب العهد لأن ما قرب عهده لا ينسى-  و يكون أردع للأنصار على ما حاولوه-  ثم قال على أنه ليس في ظاهره أنه تمنى أن‏ يسأل-  هل لهم حق في الإمامة أم لا-  لأن الإمامة قد يتعلق بها حقوق سواها-  ثم دفع الرواية المتعلقة ببيت فاطمة ع-  و قال فأما تمنيه أن يبايع غيره فلو ثبت لم يكن ذما-  لأن من اشتد التكليف عليه فهو يتمنى خلافه- .

اعترض المرتضى رحمه الله هذا الكلام فقال-  ليس يجوز أن يقول أبو بكر-  ليتني كنت سألت عن كذا-  إلا مع الشك و الشبهة-  لأن مع العلم و اليقين لا يجوز مثل هذا القول-  هكذا يقتضي الظاهر-  فأما قول إبراهيم ع-  فإنما ساغ أن يعدل عن ظاهره-  لأن الشك لا يجوز على الأنبياء و يجوز على غيرهم-  على أنه ع قد نفى عن نفسه الشك بقوله-  بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي-  و قد قيل إن نمرود قال له-  إذا كنت تزعم أن لك ربا يحيي الموتى-  فاسأله أن يحيي لنا ميتا إن كان على ذلك قادرا-  فإن لم تفعل ذلك قتلتك-  فأراد بقوله وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي-  أي لآمن توعد عدوك لي بالقتل-  و قد يجوز أن يكون طلب ذلك لقومه-  و قد سألوه أن يرغب إلى الله تعالى فيه فقال-  ليطمئن قلبي إلى إجابتك لي-  و إلى إزاحة علة قومي-  و لم يرد ليطمئن قلبي إلى أنك تقدر على أن تحيي الموتى-  لأن قلبه قد كان بذلك مطمئنا-  و أي شي‏ء يريد أبو بكر من التفضيل أكثر من قوله-  إن هذا الأمر لا يصلح إلا لهذا الحي من قريش-  و أي فرق بين ما يقال عند الموت و بين ما يقال قبله-  إذا كان محفوظا معلوما-  لم ترفع كلمة و لم تنسخ- . و بعد فظاهر الكلام لا يقتضي هذا التخصيص-  و نحن مع الإطلاق و الظاهر-  و أي حق يجوز أن يكون للأنصار في الإمامة-  غير أن يتولاها رجل منهم حتى يجوز أن يكون الحق-  الذي تمنى أن يسأل عنه غير الإمامة-  و هل هذا إلا تعسف و تكلف-و أي شبهة تبقى بعد قول أبي بكر-  ليتني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر حق-  فكنا لا ننازعه أهله-  و معلوم أن التنازع لم يقع بينهم-  إلا في الإمامة نفسها لا في حق آخر من حقوقها- .

فأما قوله إنا قد بينا أنه لم يكن منه في بيت فاطمة-  ما يوجب أن يتمنى أنه لم يفعله-  فقد بينا فساد ما ظنه فيما تقدم- . فأما قوله-  إن من اشتد التكليف عليه قد يتمنى خلافه-  فليس بصحيح-  لأن ولاية أبي بكر إذا كانت هي التي اقتضاها الدين-  و النظر للمسلمين في تلك الحال و ما عداها كان مفسدة-  و مؤديا إلى الفتنة-  فالتمني لخلافها لا يكون إلا قبيحا- . قلت أما قول قاضي القضاة-  إن هذا التمني لا يقتضي الشك-  في أن الإمامة لا تكون إلا في قريش-  كما أن قول إبراهيم وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي-  لا يقتضي الشك في أنه تعالى قادر على ذلك فجيد- .

فأما قول المرتضى-  إنما ساغ أن يعدل عن الظاهر في حق إبراهيم-  لأنه نبي معصوم لا يجوز عليه الشك-  فيقال له و كذلك ينبغي أن يعدل عن ظاهر كلام أبي بكر-  لأنه رجل مسلم عاقل-  فحسن الظن به-  يقتضي صيانة أفعاله و أقواله عن التناقض-  قوله إن إبراهيم قد نفى عن نفسه الشك بقوله-  بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي-  قلنا إن أبا بكر قد نفى عن نفسه الشك-  بدفع الأنصار عن الإمامة و إثباتها في قريش خاصة-  فإن كانت لفظة بلى دافعة لشك إبراهيم-  الذي يقتضيه قوله وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي-  ففعل أبي بكر و قوله يوم السقيفة- يدفع الشك الذي يقتضيه قوله ليتني سألته-  و لا فرق في دفع الشك-  بين أن يتقدم الدافع أو يتأخر أو يقارن- . ثم يقال للمرتضى أ لست في هذا الكتاب-  و هو الشافي بينت أن قصة السقيفة لم يجر فيها ذكر نص-  عن رسول الله ص بأن الأئمة من قريش-  و أنه لم يكن هناك إلا احتجاج أبي بكر و عمر-  بأن قريشا أهل النبي ص و عشيرته-  و أن العرب لا تطيع غير قريش-  و ذكرت عن الزهري و غيره أن القول الصادر عن أبي بكر-  إن هذا الأمر لا يصلح إلا لهذا الحي من قريش-  ليس نصا مرويا عن رسول الله ص-  و إنما هو قول قاله أبو بكر من تلقاء نفسه-  و رويت في ذلك الروايات-  و نقلت من الكتب من تاريخ الطبري و غيره-  صورة الكلام و الجدال الدائر بينه و بين الأنصار-  فإذا كان هذا قولك فلم تنكر على أبي بكر قوله-  ليتني كنت سألت رسول الله ص-  هل للأنصار في هذا الأمر حق-  لأنه لم يسمع النص و لا رواه و لا روي له-  و إنما دفع الأنصار بنوع من الجدل-  فلا جرم بقي في نفسه شي‏ء من ذلك- 

و قال عند موته ليتني كنت سألت رسول الله ص-  و ليس ذلك مما يقتضي شكه في بيعته كما زعم الطاعن-  لأنه إنما يشك في بيعته-  لو كان قال قائل أو ذهب ذاهب-  إلى أن الإمامة ليست إلا في الأنصار-  و لم يقل أحد ذلك-  بل النزاع كان في هل الإمامة مقصورة على قريش خاصة-  أم هي فوضى بين الناس كلهم-  و إذا كانت الحال هذه-  لم يكن شاكا في إمامته و بيعته بقوله-  ليتني سألت رسول الله ص-  هل للأنصار في هذا حق-  لأن بيعته على كلا التقديرين تكون صحيحة- .

 

فأما قول قاضي القضاة-  لعله أراد حقا للأنصار غير الإمامة نفسها-  فليس بجيد و الذي اعترضه به المرتضى جيد-  فإن الكلام لا يدل إلا على الإمامة نفسها-  و لفظة المنازعة تؤكد ذلك- . و أما حديث الهجوم على بيت فاطمة ع-  فقد تقدم الكلام فيه-  و الظاهر عندي صحة ما يرويه المرتضى و الشيعة-  و لكن لا كل ما يزعمونه بل كان بعض ذلك-  و حق لأبي بكر أن يندم و يتأسف على ذلك-  و هذا يدل على قوة دينه و خوفه من الله تعالى-  فهو بأن يكون منقبة له أولى من كونه طعنا عليه- .

فأما قول قاضي القضاة-  إن من اشتد التكليف عليه فقد يتمنى خلافه-  و اعتراض المرتضى عليه-  فكلام قاضي القضاة أصح و أصوب-  لأن أبا بكر و إن كانت ولايته مصلحة-  و ولاية غير مفسدة-  فإنه ما يتمنى أن يكون الإمام غيره-  مع استلزام ذلك للمفسدة-  بل تمنى أن يلي الأمر غيره و تكون المصلحة بحالها-  أ لا ترى أن خصال الكفارة في اليمين-  كل واحدة منها مصلحة-  و ما عداها لا يقوم مقامها في المصلحة-  و أحدها يقوم مقام الأخرى في المصلحة-  فأبو بكر تمنى أن يلي الأمر عمر أو أبو عبيدة-  بشرط أن تكون المصلحة الدينية-  التي تحصل من بيعته-  حاصلة من بيعة كل واحد من الآخرين

الطعن الثالث

قالوا إنه ولي عمر الخلافة-  و لم يوله رسول الله ص شيئامن أعماله البتة-  إلا ما ولاه يوم خيبر فرجع منهزما-  و ولاه الصدقة فلما شكاه العباس عزله- . أجاب قاضي القضاة بأن تركه ع أن يوليه-  لا يدل على أنه لا يصلح لذلك-  و توليته إياه لا يدل على صلاحيته للإمامة-  فإنه ص قد ولى خالد بن الوليد و عمرو بن العاص-  و لم يدل ذلك على صلاحيتهما للإمامة-  و كذلك تركه أن يولي لا يدل على أنه غير صالح-  بل المعتبر بالصفات التي تصلح للإمامة-  فإذا كملت صلح لذلك ولي من قبل أو لم يول-  و قد ثبت أن النبي ص-  ترك أن يولي أمير المؤمنين ع أمورا كثيرة-  و لم يجب إلا من يصلح لها-  و ثبت أن أمير المؤمنين ع لم يول الحسين ع ابنه-  و لم يمنع ذلك من أن يصلح للإمامة-  و حكي عن أبي علي-  أن ذلك إنما كان يصح أن يتعلق به-  لو ظفروا بتقصير من عمر فيما تولاه-  فأما و أحواله معروفة في قيامه بالأمر-  حين يعجز غيره فكيف يصح ما قالوه-  و بعد فهلا دل ما روي من قوله-  و إن تولوا عمر تجدوه قويا في أمر الله-  قويا في بدنه على جواز ذلك-  و إن ترك النبي ص توليته-  لأن هذا القول أقوى من الفعل- .

اعترض المرتضى رحمه الله فقال-  قد علمنا بالعادة أن من ترشح لكبار الأمور-  لا بد من أن يدرج إليها بصغارها-  لأن من يريد بعض الملوك تأهيله للأمر من بعده-  لا بد من أن ينبه عليه بكل قول و فعل-  يدل على ترشيحه لهذه المنزلة-  و يستكفيه من أمور ولاياته ما يعلم عنده-  أو يغلب على ظنه صلاحه لما يريده له-  و إن من يرى الملك مع حضوره و امتداد الزمان و تطاوله-  لا يستكفيه شيئا من الولايات-  و متى ولاه عزله-  و إنما يولي غيره و يستكفي سواه-  لا بد أن يغلب في الظن أنه ليس بأهل للولاية-  و إن جوزنا أنه لم يوله لأسباب كثيرة-  سوى أنه لا يصلح للولاية-  إلا أن مع هذا التجويز-  لا بد أن يغلب على الظن بما ذكرناه-  فأما خالد و عمرو فإنما لم يصلحا للإمامة-  لفقد شروط الإمامة فيهما-  و إن كانا يصلحان لما ولياه من الإمارة-  فترك الولاية مع امتداد الزمان و تطاول الأيام-  و جميع الشروط التي ذكرناها-  تقتضي غلبه الظن لفقد الصلاح-  و الولاية لشي‏ء لا تدل على الصلاح لغيره-  إذا كانت الشرائط في القيام بذلك الغير معلوما فقدها-  و قد نجد الملك يولي بعض أموره-  من لا يصلح للملك بعده لظهور فقد الشرائط فيه-  و لا يجوز أن يكون بحضرته من يرشحه للملك بعده-  ثم لا يوليه على تطاول الزمان شيئا من الولايات-  فبان الفرق بين الولاية و تركها فيما ذكرناه- . فأما أمير المؤمنين ع-  و إن يتول جميع أمور النبي ص في حياته-  فقد تولى أكثرها و أعظمها و خلفه في المدينة-  و كان الأمير على الجيش المبعوث إلى خيبر-  و جرى الفتح على يديه بعد انهزام من انهزم منها-  و كان المؤدي عنه سورة براءة-  بعد عزل من عزل عنها و ارتجاعها منه-  إلى غير ذلك من عظيم الولايات و المقامات-  بما يطول شرحه-  و لو لم يكن إلا أنه لم يول عليه واليا قط لكفى- .

فأما اعتراضه بأن أمير المؤمنين ع-  لم يول الحسين فبعيد عن الصواب-  لأن أيام أمير المؤمنين ع لم تطل-  فيتمكن فيها من مراداته-  و كانت على قصرها منقسمة بين قتال الأعداء-  لأنه ع لما بويع لم يلبث أن خرج عليه أهل البصرة-  فاحتاج إلى قتالهم-  ثم انكفأ من قتالهم إلى قتال أهل الشام-  و تعقب ذلك قتال أهل النهروان-  و لم تستقر به الدار و لا امتد به الزمان-  و هذا بخلاف أيام النبي ص-  التي تطاولت و امتدت-  على أنه قد نص عليه بالإمامة بعد أخيه الحسن-  و إنما تطلب الولايات لغلبة الظن بالصلاح للإمامة- . فإن كان هناك وجه يقتضي العلم بالصلاح لها-  كان أولى من طريق الظن-  على أنه‏ لا خلاف بين المسلمين-  أن الحسين ع كان يصلح للإمامة-  و إن لم يوله أبوه الولايات-  و في مثل ذلك خلاف من حال عمر فافترق الأمران-  فأما قوله إنه لم يعثر على عمر بتقصير في الولاية-  فمن سلم بذلك-  أ و ليس يعلم أن مخالفته تعد تقصيرا كثيرا-  و لو لم يكن إلا ما اتفق عليه من خطئه في الأحكام-  و رجوعه من قول إلى غيره-  و استفتائه الناس في الصغير و الكبير-  و قوله كل الناس أفقه من عمر لكان فيه كفاية-  و ليس كل النهوض بالإمامة-  يرجع إلى حسن التدبير و السياسة الدنياوية-  و رم الأعمال و الاستظهار في جباية الأموال-  و تمصير الأمصار و وضع الأعشار-  بل حظ الإمامة من العلم بالأحكام-  و الفتيا بالحلال و الحرام-  و الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه أقوى-  فمن قصر في هذا لم ينفعه أن يكون كاملا في ذلك- .

فأما قوله فهلا دل ما روي من  قوله ع فإن وليتم عمر-  وجدتموه قويا في أمر الله قويا في بدنه-  فهذا لو ثبت لدل و قد تقدم القول عليه-  و أقوى ما يبطله عدول أبي بكر عن ذكره-  و الاحتجاج به لما أراد النص على عمر-  فعوتب على ذلك و قيل له-  ما تقول لربك إذ وليت علينا فظا غليظا-  فلو كان صحيحا لكان يحتج به و يقول-  وليت عليكم من شهد النبي ص-  بأنه قوي في أمر الله قوي في بدنه-  و قد قيل في الطعن على صحة هذا الخبر-  إن ظاهره يقتضي تفضيل عمر على أبي بكر-  و الإجماع بخلاف ذلك لأن القوة في الجسم فضل-  قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ-  وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ-  و بعد فكيف يعارض ما اعتمدناه-  من عدوله ع عن ولايته-  و هو أمر معلوم-  بهذا الخبر المردود المدفوع- . قلت أما ما ادعاه من عادة الملوك فالأمر بخلافه-  فإنا قد وقفنا على سير الأكاسرة و ملوك الروم و غيرهم-  فما سمعنا أن أحدا منهم رشح ولده‏ للملك بعده-  باستعماله على طرف من الأطراف و لا جيش من الجيوش-  و إنما كانوا يثقفونهم بالآداب و الفروسية-  في مقار ملكهم لا غير-  و الحال في ملوك الإسلام كذلك-  فقد سمعنا بالدولة الأموية-  و رأينا الدولة العباسية-  فلم نعرف الدولة التي ادعاها المرتضى- 

و إنما قد يقع في الأقل النادر شي‏ء مما أشار إليه-  و الأغلب الأكثر خلاف ذلك-  على أن أصحابنا لا يقولون إن عمر كان مرشحا للخلافة-  بعد رسول الله ص ليقال لهم-  فلو كان قد رشحه للخلافة بعده-  لاستكفاه كثيرا من أموره-  و إنما عمر مرشح عندهم-  في أيام أبي بكر للخلافة بعد أبي بكر-  و قد كان أبو بكر استعمله على القضاء مدة خلافته-  بل كان هو الخليفة في المعنى-  لأنه فوض إليه أكثر التدبير-  فعلى هذا يكون قد سلمنا-  أن ترك استعمال النبي ص لعمر-  يدل على أنه غير مرشح في نظره للخلافة بعده-  و كذلك نقول و لا يلزم من ذلك-  ألا يكون خليفة بعد أبي بكر على أنا لا نسلم أنه ما استعمله-  فقد ذكر الواقدي و ابن إسحاق-  أنه بعثه في سرية في سنة سبع من الهجرة-  إلى الوادي المعروف ببرمة بضم الباء و فتح الراء-  و بها جمع من هوازن-  فخرج و معه دليل من بني هلال-  و كانوا يسيرون الليل و يكمنون النهار-  و أتى الخبر هوازن فهربوا-  و جاء عمر محالهم فلم يلق منهم أحدا-  فانصرف إلى المدينة- .

ثم يعارض المرتضى بما ذكره قاضي القضاة-  من ترك تولية علي ابنه الحسين ع-  و قوله في العذر عن ذلك-  إن عليا ع كان ممنوا-  بحرب البغاة و الخوارج لا يدفع المعارضة-  لأن تلك الأيام التي هي أيام حروبه مع هؤلاء-  هي الأيام التي كان ينبغي أن يولي الحسين ع-  بعض الأمور فيها-  كاستعماله على جيش ينفذه سرية إلى بعض الجهات-  و استعماله على الكوفة بعد خروجه منها إلى حرب صفين-  أو استعماله على القضاء-و ليس اشتغاله بالحرب بمانع له عن ولاية ولده-  و قد كان مشتغلا بالحرب-  و هو يولي بني عمه العباس الولايات و البلاد الجليلة فأما قوله-  على أنه قد نص عليه بالإمامة بعد أخيه الحسن-  فهذا يغني عن توليته شيئا من الأعمال-  فلقائل أن يمنع ما ذكره من حديث النص-  فإنه أمر تنفرد به الشيعة-  و أكثر أرباب السير و التواريخ لا يذكرون-  أن أمير المؤمنين ع نص على أحد-  ثم إن ساغ له ذلك ساغ لقاضي القضاة أن يقول-  إن  قول النبي ص اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر-  يغني عن تولية عمر شيئا من الولايات-  لأن هذا القول آكد من الولاية في ترشحه للخلافة- .

فأما قوله على أنه لا خلاف بين المسلمين-  في صلاحية الحسين للخلافة-  و إن لم يوله أبوه الولايات-  و في عمر خلاف ظاهر بين المسلمين-  فلقائل أن يقول له-  إجماع المسلمين على صلاحية الحسين للخلافة-  لا يدفع المعارضة بل يؤكدها-  لأنه إذا كان المسلمون-  قد أجمعوا على صلاحيته للخلافة-  و لم يكن ترك تولية أبيه إياه الولايات-  قادحا في صلاحيته لها بعده-  جاز أيضا أن يكون ترك تولية رسول الله ص-  عمر الولايات في حياته-  غير قادح في صلاحيته للخلافة بعده- . ثم ما ذكره من تقصير عمر في الخلافة-  بطريق اختلاف أحكامه و رجوعه إلى فتاوى العلماء-  فقد ذكرنا ذلك فيما تقدم-  لما تكلمنا في مطاعن الشيعة على عمر و أجبنا عنه- .

و أما قوله لا يغني حسن التدبير و السياسة و رم الأمور-  مر القصور في الفقه-  فأصحابنا يذهبون-  إلى أنه إذا تساوى اثنان في خصال الإمامة-  إلا أنه كان أحدهما أعلم و الآخرأسوس-  فإن الأسوس أولى بالإمامة-  لأن حاجة الإمامة إلى السياسة و حسن التدبير-  آكد من حاجتها إلى العلم و الفقه- . و أما الخبر المروي في عمر-  و هو قوله و إن تولوها عمر-  فيجوز ألا يكون أبو بكر سمعه من رسول الله ص-  و يكون الراوي له غيره-  و يجوز أن يكون سمعه و شذ عنه-  أن يحتج به على طلحة لما أنكر استخلاف عمر-  و يجوز ألا يكون شذ عنه و ترك الاحتجاج به-  استغناء عنه لعلمه أن طلحة لا يعتد بقوله-  عند الناس إذا عارض قوله-  و لعله كنى عن هذا النص بقوله-  إذا سألني ربي قلت له-  استخلفت عليهم خير أهلك-  على أنا متى فتحنا باب هلا احتج فلان بكذا-  جر علينا ما لا قبل لنا به-  و قيل هلا احتج علي ع على-  طلحة و عائشة و الزبير-  بقول رسول الله ص من كنت مولاه فهذا علي مولاه-  و هلا احتج عليهم بقوله أنت مني بمنزله هارون من موسى-  و لا يمكن الشيعة أن يعتذروا هاهنا بالتقية-  لأن السيوف كانت قد سلت من الفريقين-  و لم يكن مقام تقية- .

و أما قوله هذا الخبر لو صح-  لاقتضى أن يكون عمر أفضل من أبي بكر-  و هو خلاف إجماع المسلمين-  فلقائل أن يقول لم قلت إن المسلمين أجمعوا-  على أن أبا بكر أفضل من عمر-  مع أن كتب الكلام و التصانيف المصنفة في المقالات-  مشحونة بذكر الفرقة العمرية-  و هم القائلون إن عمر أفضل من أبي بكر-  و هي طائفة عظيمة من المسلمين-  يقال إن عبد الله بن مسعود منهم-  و قد رأيت أن جماعة من الفقهاء يذهبون إلى هذا-  و يناظرون عليه-  على أنه لا يدل الخبر على ما ذكره المرتضى-  لأنه و إن كان عمر أفضل منه باعتبار قوة البدن-  فلا يدل على أنه أفضل منه مطلقا-  فمن الجائز أن يكون بإزاء هذه الخصلة-  خصال كثيرة في أبي بكر من خصال الخير-  يفضل بها على عمر-أ لا ترى أنا نقول أبو دجانة أفضل من أبي بكر-  بجهاده بالسيف في مقام الحرب-  و لا يلزم من ذلك أن يكون أفضل منه مطلقا-  لأن في أبي بكر من خصال الفضل-  ما إذا قيس بهذه الخصلة-  أربى عليها أضعافا مضاعفة

الطعن الرابع

قالوا إن أبا بكر كان في جيش أسامة-  و إن رسول الله ص-  كرر حين موته الأمر بتنفيذ جيش أسامة-  فتأخره يقتضي مخالفة الرسول ص-  فإن قلتم إنه لم يكن في الجيش-  قيل لكم لا شك أن عمر بن الخطاب كان في الجيش-  و أنه حبسه و منعه من النفوذ مع القوم-  و هذا كالأول في أنه معصية-  و ربما قالوا إنه ص-  جعل هؤلاء القوم في جيش أسامة-  ليبعدوا بعد وفاته عن المدينة-  فلا يقع منهم توثب على الإمامة-  و لذلك لم يجعل أمير المؤمنين ع في ذلك الجيش-  و جعل فيه أبا بكر و عمر و عثمان و غيرهم-  و ذلك من أوكد الدلالة-  على أنه لم يرد أن يختاروا للإمامة- .

أجاب قاضي القضاة-  بأن أنكر أولا أن يكون أبو بكر في جيش أسامة-  و أحال على كتب المغازي-  ثم سلم ذلك و قال إن الأمر لا يقتضي الفور-  فلا يلزم من تأخر أبي بكر عن النفوذ أن يكون عاصيا-  ثم قال إن خطابه ص بتنفيذ الجيش-  يجب أن يكون متوجها إلى القائم بعده-  لأنه من خطاب الأئمة-  و هذا يقتضي ألا يدخل المخاطب بالتنفيذ في الجملة-  ثم قال-  و هذا يدل على أنه لم يكن هناك إمام منصوص عليه-  لأنه لو كان لأقبل بالخطاب عليه-  و خصه بالأمر بالتنفيذ دون الجميع-ثم ذكر أن أمر رسول الله ص-  لا بد أن يكون مشروطا بالمصلحة-  و بأن لا يعرض ما هو أهم منه-  لأنه لا يجوز أن يأمرهم بالنفوذ-  و إن أعقب ضررا في الدين-  ثم قوى ذلك بأنه لم ينكر على أسامة تأخره- 

و قوله لم أكن لأسأل عنك الركب-  ثم قال لو كان الإمام منصوصا عليه-  لجاز أن يسترد جيش أسامة أو بعضه لنصرته-  و كذلك إذا كان بالاختيار-  ثم حكى عن الشيخ أبي علي استدلاله-  على أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة-  بأنه ولاه الصلاة في مرضه-  مع تكريره أمر الجيش بالنفوذ و الخروج- . ثم ذكر أن الرسول ص-  إنما يأمر بما يتعلق بمصالح الدنيا-  من الحروب و نحوها عن اجتهاده-  و ليس بواجب أن يكون ذلك عن وحي-  كما يجب في الأحكام الشرعية-  و أن اجتهاده يجوز أن يخالف بعد وفاته-  و إن لم يجز في حياته-  لأن اجتهاده في الحياة أولى من اجتهاد غيره-  ثم ذكر أن العلة في احتباس عمر عن الجيش-  حاجة أبي بكر إليه و قيامه بما لا يقوم به غيره-  و أن ذلك أحوط للدين من نفوذه- . ثم ذكر أن أمير المؤمنين ع حارب معاوية-  بأمر الله تعالى و أمر رسوله-  و مع هذا فقد ترك محاربته في بعض الأوقات-  و لم يجب بذلك ألا يكون متمثلا للأمر-  و ذكر توليته ع أبا موسى-  و تولية الرسول ص خالد بن الوليد-  مع ما جرى منهما و أن ذلك يقتضي الشرط- .

ثم ذكر أن من يصلح للإمامة ممن ضمه جيش أسامة-  يجب تأخيره ليختار للإمامة أحدهم-  فإن ذلك أهم من نفوذهم-  فإذا جاز لهذه العلة التأخير قبل العقد-  جاز التأخير بعده للمعاضدة و غيرها-  و طعن في قول من جعل أن إخراجهم في الجيش-  على جهة الإبعاد لهم عن المدينة بأن قال-  إن بعدهم عن المدينة-  لا يمنع من أن يختاروا للإمامة-و لأنه ع لم يكن قاطعا على موته لا محالة-  لأنه لم يردنفذوا جيش أسامة في حياتي-  ثم ذكر أن ولاية أسامة عليهما-  لا تقتضي فضله و أنهما دونه-  و ذكر ولاية عمرو بن العاص عليهما-  و إن لم يكونا دونه في الفضل-  و أن أحدا لم يفضل أسامة عليهما ثم ذكر أن السبب في كون عمر من جملة جيش أسامة-  أن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي-  قال عند ولاية أسامة-  تولى علينا شاب حدث و نحن مشيخة قريش-  فقال عمر يا رسول الله مرني حتى أضرب عنقه-  فقد طعن في تأميرك إياه-  ثم قال أنا أخرج في جيش أسامة-  تواضعا و تعظيما لأمره ع- .

اعترض المرتضى هذه الأجوبة فقال-  أما كون أبي بكر في جملة جيش أسامة فظاهر-  قد ذكره أصحاب السير و التواريخ-  و قد روى البلاذري في تاريخه-  و هو معروف بالثقة و الضبط-  و بري‏ء من ممالاة الشيعة و مقاربتها-  أن أبا بكر و عمر معا كانا في جيش أسامة-  و الإنكار لما يجري هذا المجرى لا يغني شيئا-  و قد كان يجب على من أحال بذلك-  على كتب المغازي في الجملة-  أن يومئ إلى الكتاب المتضمن لذلك بعينه ليرجع إليه-  فأما خطابه ع بالتنفيذ للجيش-  فالمقصود به الفور دون التراخي-  إما من حيث مقتضى الأمر على مذهب من يرى ذلك لغة-  و إما شرعا من حيث وجدنا جميع الأمة-  من لدن الصحابة إلى هذا الوقت-  يحملون أوامره على الفور-  و يطلبون في تراخيها الأدلة-  ثم لو لم يثبت كل ذلك لكان قول أسامة-  لم أكن لأسأل عنك الركب-  أوضح دليل على أنه عقل من الأمر الفور-  لأن سؤال الركب عنه ع بعد وفاته لا معنى له- .

 و أما قول صاحب الكتاب-  إنه لم ينكر على أسامة تأخره فليس بشي‏ء-  و أي إنكار أبلغ من تكراره الأمر-  و ترداده القول في حال يشغل عن المهم-  و يقطع الفكر إلا فيها-  و قد كرر الأمر على المأمور تارة بتكرار الأمر-  و أخرى بغيره-  و إذا سلمنا أن أمره ع-  كان متوجها إلى القائم بعده بالأمر لتنفيذ الجيش بعد الوفاة-  لم يلزم ما ذكره من خروج المخاطب بالتنفيذ عن الجملة-  و كيف يصح ذلك و هو من جملة الجيش-  و الأمر متضمن تنفيذ الجيش-  فلا بد من نفوذ كل من كان في جملته-  لأن تأخر بعضهم-  يسلب النافذين اسم الجيش على الإطلاق-  أ و ليس من مذهب صاحب الكتاب-  أن الأمر بالشي‏ء أمر بما لا يتم إلا معه-  و قد اعتمد على هذا في مواضع كثيرة-  فإن كان خروج الجيش و نفوذه لا يتم إلا بخروج أبي بكر-  فالأمر بخروج الجيش أمر لأبي بكر بالنفوذ و الخروج-  و كذلك لو أقبل عليه على سبيل التخصيص-  و قال نفذوا جيش أسامة-  و كان هو من جملة الجيش-  فلا بد أن يكون ذلك أمرا له بالخروج-  و استدلاله على أنه لم يكن هناك إمام منصوص عليه-  بعموم الأمر بالتنفيذ ليس بصحيح-  لأنا قد بينا أن الخطاب إنما توجه إلى الحاضرين-  و لم يتوجه إلى الإمام بعده-  على أن هذا لازم له-  لأن الإمام بعده لا يكون إلا واحدا-  فلم عمم الخطاب و لم يفرد به الواحد فيقول-  لينفذ القائم من بعدي بالأمر جيش أسامة-  فإن الحال لا يختلف في كون الإمام بعده واحدا-  بين أن يكون منصوصا عليه أو مختارا- .

و أما ما ادعاه أن الشرط في أمره ع لهم بالنفوذ-  فباطل لأن إطلاق الأمر يمنع من إثبات الشرط-  و إنما يثبت من الشروط ما يقتضي الدليل إثباته-  من التمكن و القدرة-  لأن ذلك شرط ثابت في كل أمر ورد من حكيم-  و المصلحة بخلاف ذلك لأن الحكيم لا يأمر بشرط المصلحة-  بل إطلاق الأمر منه يقتضي ثبوت المصلحة-  و انتفاء المفسدة-  و ليس كذلك التمكن و ما يجري مجراه-  و لهذا لا يشترط أحد في أوامر الله تعالى و رسوله ص-  بالشرائع المصلحة و انتفاء المفسدة-  و شرطوا في ذلك التمكن و رفع التعذر-  و لو كان الإمام منصوصا عليه بعينه و اسمه-  لما جاز أن يسترد جيش أسامة بخلاف ما ظنه-  و لا يعزل من ولاه ع و لا يولي من عزله للعلة التي ذكرناها- . فأما استدلال أبي علي على أن أبا بكر-  لم يكن في الجيش بحديث الصلاة-  فأول ما فيه أنه اعتراف بأن الأمر بتنفيذ الجيش-  كان في الحياة دون بعد الوفاة-  و هذا ناقض لما بنى صاحب الكتاب عليه أمره ع- .

ثم إنا قد بينا أنه ع لم يوله الصلاة-  و ذكرنا ما في ذلك-  ثم ما المانع من أن يوليه تلك الصلاة إن كان ولاه إياها-  ثم يأمره بالنفوذ من بعد مع الجيش-  فإن الأمر بالصلاة في تلك الحال-  لا يقتضي أمره بها على التأبيد- . و أما ادعاؤه أن النبي ص يأمر بالحروب-  و ما يتصل بها عن اجتهاد دون الوحي-  فمعاذ الله أن يكون صحيحا-  لأن حروبه ع لم تكن مما يختص بمصالح أمور الدنيا-  بل للدين فيها أقوى تعلق لما يعود على الإسلام و أهله-  بفتوحه من العز و القوة و علو الكلمة-  و ليس يجري ذلك مجرى أكله و شربه و نومه-  لأن ذلك لا تعلق له بالدين-  فيجوز أن يكون عن رأيه-  و لو جاز أن تكون مغازيه و بعوثه-  مع التعلق القوي لها بالدين عن اجتهاد-  لجاز ذلك في الأحكام- .

ثم لو كان ذلك عن اجتهاد-  لما ساغت مخالفته فيه بعد وفاته-  كما لا تسوغ في حياته-  فكل علة تمنع من أحد الأمرين هي مانعة من الآخر-  فأما الاعتذار له عن حبس عمر عن الجيش-  بما ذكره فباطل لأنا قد قلنا-  إن ما يأمر به ع لا يسوغ مخالفته مع الإمكان-  و لا مراعاة لما عساه يعرض فيه من رأي غيره-  و أي حاجة إلى عمر بعد تمام العقد-  و استقراره و رضا الأمة به-  على طريق المخالف و إجماعها عليه-  و لم يكن‏ هناك فتنة و لا تنازع-  و لا اختلاف يحتاج فيه إلى مشاورته و تدبيره-  و كل هذا تعلل باطل- . فأما محاربة أمير المؤمنين ع معاوية-  فإنما كان مأمورا بها مع التمكن و وجود الأنصار-  و قد فعل ع من ذلك ما وجب عليه لما تمكن منه-  فأما مع التعذر و فقد الأنصار فما كان مأمورا بها-  و ليس كذلك القول في جيش أسامة-  لأن تأخر من تأخر عنه كان مع القدرة و التمكن-  فأما تولية أبي موسى فلا ندري كيف يشبه ما نحن فيه-  لأنه إنما ولاه بأن يرجع إلى كتاب الله تعالى-  فيحكم فيه و في خصمه بما يقتضيه-  و أبو موسى فعل خلاف ما جعل إليه-  فلم يكن ممتثلا لأمر من ولاه-  و كذلك خالد بن الوليد-  إنما خالف ما أمره به الرسول ص فتبرأ من فعله-  و كل هذا لا يشبه أمره ع-  بتنفيذ جيش أسامة أمرا مطلقا-  و تأكيده ذلك و تكراره له-  فأما جيش أسامة فإنه لم يضم من يصلح للإمامة-  فيجوز تأخرهم ليختار أحدهم على ما ظنه صاحب الكتاب-  على أن ذلك لو صح أيضا لم يكن عذرا في التأخر-  لأن من خرج في الجيش-  يمكن أن يختار و إن كان بعيدا-  و لا يمنع بعده من صحة الاختيار-  و قد صرح صاحب الكتاب بذلك-  ثم لو صح هذا العذر لكان عذرا في التأخر قبل العقد-  فأما بعد إبرامه فلا عذر فيه-  و المعاضدة التي ادعاها قد بينا ما فيها- .

فأما ادعاء صاحب الكتاب-  رادا على من جعل إخراج القوم في الجيش ليتم أمر النص-  أن من أبعدهم لا يمنع أن يختاروا للإمامة-  فيدل على أنه لم يتبين معنى هذا الطعن على حقيقته-  لأن الطاعن به لا يقول إنه أبعدهم-  لئلا يختاروا للإمامة-  و إنما يقول-  إنه أبعدهم حتى ينتصب بعده في الأرض من نص عليه-  و لا يكون هناك من ينازعه و يخالفه‏

 و أما قوله لم يكن قاطعا علي موته فلا يضر تسليمه-  أ ليس كان مشفقا و خائفا-  و على الخائف أن يتحرز ممن يخاف منه-  فأما قوله فإنه لم يرد-  نفذوا الجيش في حياتي فقد بينا ما فيه-  فأما ولاية أسامة على من ولي عليه-  فلا بد من اقتضائها لفضله على الجماعة-  فيما كان واليا فيه-  و قد دللنا فيما تقدم من الكتاب-  على أن ولاية المفضول على الفاضل-  فيما كان أفضل منه فيه قبيحة-  فكذلك القول في ولاية عمرو بن العاص عليها فيما تقدم-  و القول في الأمرين واحد- .

و قوله إن أحدا لم يدع فضل أسامة على أبي بكر و عمر-  فليس الأمر علي ما ظنه-  لأن من ذهب إلى فساد إمامة المفضول-  لا بد من أن يفضل أسامة عليهما فيما كان واليا فيه-  فأما ادعاؤه ما ذكره من السبب-  في دخول عمر في الجيش فما نعرفه-  و لا وقفنا عليه إلا من كتابه ثم لو صح لم يغن شيئا-  لأن عمر لو كان أفضل من أسامة-  لمنعه الرسول ص من الدخول في إمارته-  و المسير تحت لوائه-  و التواضع لا يقتضي فعل القبيح- . قلت إن الكلام في هذا الفصل قد تشعب شعبا كثيرة-  و المرتضى رحمه الله لا يورد كلام قاضي القضاة بنصه-  و إنما يختصره و يورده مبتورا-  و يومئ إلى المعاني إيماء لطيفا و غرضه الإيجاز-  و لو أورد كلام قاضي القضاة بنصه لكان أليق-  و كان أبعد عن الظنة و أدفع لقول قائل من خصومه-  إنه يحرف كلام قاضي القضاة و يذكر على غير وجه-  أ لا ترى أن من نصب نفسه لاختصار كلام-  فقد ضمن على نفسه أنه قد فهم معاني ذلك الكلام-  حتى يصح منه اختصاره-  و من الجائز أن يظن أنه قد فهم بعض المواضع-  و لم يكن قد فهمه على الحقيقة-  فيختصر ما في نفسه لا ما في تصنيف ذلك الشخص-  و أما من يورد كلام الناس بنصه-  فقد استراح من هذه التبعة-  و عرض عقل غيره و عقل نفسه على الناظرين و السامعين- . ثم نقول إن هذا الفصل ينقسم أقساما-  منها قول قاضي القضاة-  لا نسلم أن أبا بكر كان في جيش أسامة- .

و أما قول المرتضى-  إنه قد ذكره أرباب السير و التواريخ-  و قوله إن البلاذري ذكره في تاريخه-  و قوله هلا عين قاضي القضاة الكتاب-  الذي ذكر أنه يتضمن عدم كون أبي بكر في ذلك الجيش-  فإن الأمر عندي في هذا الموضع مشتبه-  و التواريخ مختلفة في هذه القضية-  فمنهم من يقول إن أبا بكر كان في جملة الجيش-  و منهم من يقول إنه لم يكن-  و ما أشار إليه قاضي القضاة بقوله في كتب المغازي-  لا ينتهي إلى أمر صحيح-  و لم يكن ممن يستحل القول بالباطل في دينه و لا في رئاسته-  ذكر الواقدي في كتاب المغازي-  أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة-  و إنما كان عمر و أبو عبيدة و سعد بن أبي وقاص-  و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل-  و قتادة بن النعمان و سلمة بن أسلم-  و رجال كثير من المهاجرين و الأنصار-  قال و كان المنكر لإمارة أسامة عياش بن أبي ربيعة-  و غير الواقدي يقول عبد الله بن عياش-  و قد قيل عبد الله بن أبي ربيعة أخو عياش- .

و قال الواقدي-  و جاء عمر بن الخطاب فودع رسول الله ص ليسير مع أسامة-  و قال و جاء أبو بكر فقال يا رسول الله-  أصبحت مفيقا بحمد الله-  و اليوم يوم ابنة خارجة-  فأذن لي فأذن له-  فذهب إلى منزله بالسنح و سار أسامة في العسكر-  و هذا تصريح بأن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة- .

 

و ذكر موسى بن عقبة في كتاب المغازي-  أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة-  و كثير من المحدثين يقولون بل كان في جيشه- . فأما أبو جعفر محمد بن جرير الطبري-  فلم يذكر أنه كان في جيش أسامة إلا عمر-  و قال أبو جعفر-  حدثني السدي بإسناد ذكره أن رسول الله ص-  ضرب قبل وفاته بعثا على أهل المدينة و من حولهم-  و فيهم عمر بن الخطاب-  و أمر عليهم أسامة بن زيد-  فلم يجاوز آخرهم الخندق حتى قبض رسول الله ص-  فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر-  ارجع إلى خليفة رسول الله ص-  فاستأذنه يأذن لي أرجع بالناس-  فإن معي وجوه الصحابة-  و لا آمن على خليفة رسول الله ص-  و ثقل رسول الله ص و أثقال المسلمين-  أن يتخطفهم المشركون حول المدينة-  و قالت الأنصار لعمر سرا-  فإن أبى إلا أن يمضي فأبلغه عنا-  و اطلب إليه أن يولي أمرنا رجلا أقدم سنا من أسامة-  فخرج عمر بأمر أسامة-  فأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة-  فقال أبو بكر لو تخطفتني الكلاب و الذئاب-  لم أرد قضاء قضى به رسول الله ص- 

قال فإن الأنصار أمروني أن أبلغك أنهم يطلبون إليك-  أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة-  فوثب أبو بكر و كان جالسا فأخذ بلحية عمر-  و قال ثكلتك أمك يا ابن الخطاب-  أ يستعمله رسول الله ص و تأمرني أن أنزعه-  فخرج عمر إلى الناس فقالوا له ما صنعت-  فقال امضوا ثكلتكم أمهاتكم-  ما لقيت في سبيلكم اليوم من خليفة رسول الله ص-  ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم و شيعهم-  و هو ماش و أسامة راكب-  و عبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر-  فقال له أسامة بن زيد يا خليفة رسول الله-  لتركبن أو لأنزلن-  فقال و الله لا تنزل و لا أركب-  و ما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة-فإن للغازي بكل خطوة يخطوها-  سبعمائة حسنة تكتب له-  و سبعمائة درجة ترفع له-  و سبعمائة خطيئة تمحى عنه-  حتى إذا انتهى قال لأسامة-  إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل فأذن له-  ثم قال أيها الناس قفوا حتى أوصيكم بعشر فاحفظوها عني-  لا تخونوا و لا تغدروا و لا تغلوا و لا تمثلوا-  و لا تقتلوا طفلا صغيرا و لا شيخا كبيرا و لا امرأة-  و لا تعقروا نخلا و لا تحرقوه و لا تقطعوا شجرة مثمرة-  و لا تذبحوا شاة و لا بعيرا و لا بقرة إلا لمأكلة-  و سوف تمرون بأقوام-  قد فرغوا أنفسهم للعبادة في الصوامع-  فدعوهم فيما فرغوا أنفسهم له-  و سوف تقدمون على أقوام-  يأتونكم بصحاف فيها ألوان الطعام-  فلا تأكلوا من شي‏ء حتى تذكروا اسم الله عليه-  و سوف تلقون أقواما قد حصوا أوساط رءوسهم-  و تركوا حولها مثل العصائب-  فاخفقوهم بالسيوف خفقا-  أفناهم الله بالطعن و الطاعون-  سيروا على اسم الله- .

و أما قول الشيخ أبي علي-  فإنه يدل على أنه لم يكن في جيش أسامة-  أمره إياه بالصلاة-  و قول المرتضى هذا اعتراف بأن الأمر بتنفيذ الجيش-  كان في الحال دون ما بعد الوفاة-  و هذا ينقض ما بنى عليه قاضي القضاة أمره-  فلقائل أن يقول إنه لا ينقض ما بناه-  لأن قاضي القضاة ما قال-  إن الأمر بتنفيذ الجيش ما كان إلا بعد الوفاة-  بل قال إنه أمر و الأمر على التراخي-  فلو نفذ الجيش في الحال لجاز-  و لو تأخر إلى بعد الوفاة لجاز- .

فأما إنكار المرتضى-  أن تكون صلاة أبي بكر بالناس كانت عن أمر رسول الله ص-  فقد ذكرنا ما عندنا في هذا فيما تقدم- . و أما قوله-  يجوز أن يكون أمر بصلاة واحدة أو صلاتين-  ثم أمره بالنفوذ بعدذلك فهذا لعمري جائز-  و قد يمكن أن يقال-  إنه لما خرج متحاملا من شدة المرض-  فتأخر أبو بكر عن مقامه-  و صلى رسول الله ص بالناس-  أمره بالنفوذ مع الجيش-  و أسكت رسول الله ص في أثناء ذلك اليوم-  و استمر أبو بكر على الصلاة بالناس إلى أن توفي ع-  فقد جاء في الحديث أنه أسكت-  و أن أسامة دخل عليه فلم يستطع كلامه-  لكنه كان يرفع يديه و يضعهما عليه كالداعي له-  و يمكن أن يكون زمان هذه السكتة-  قد امتد يوما أو يومين-  و هذا الموضع من المواضع المشتبهة عندي و منها قول قاضي القضاة إن الأمر على التراخي-  فلا يلزم من تأخر أبي بكر عن النفوذ أن يكون عاصيا- . فأما قول المرتضى-  الأمر على الفور إما لغة عند من قال به-  أو شرعا لإجماع الكل-  على أن الأوامر الشرعية على الفور-  إلا ما خرج بالدليل-  فالظاهر في هذا الموضع صحة ما قاله المرتضى-  لأن قرائن الأحوال-  عند من يقرأ السير و يعرف التواريخ-  تدل على أن الرسول ص-  كان يحثهم على الخروج و المسير و هذا هو الفور- .

و أما قول المرتضى و قول أسامة-  لم أكن لأسأل عنك الركب-  فهو أوضح دليل على أنه عقل من الأمر الفور-  لأن سؤال الركب عنه بعد الوفاة لا معنى له-  فلقائل أن يقول إن ذلك لا يدل على الفور-  بل يدل على أنه مأمور في الجملة بالنفوذ و المسير-  فإن التعجيل و التأخير مفوضان إلى رأيه-  فلما قال له النبي ص لم تأخرت عن المسير-  قال لم أكن لأسير و أسأل عنك الركب-  إني انتظرت عافيتك فإني إذا سرت و أنت على هذه الحال-  لم يكن لي قلب للجهاد بل أكون قلقا شديد الجزع-  أسأل‏ عنك الركبان-  و هذا الكلام لا يدل-  على أنه عقل من الأمر الفور لا محالة-  بل هو على أن يدل على التراخي أظهر-  و قول النبي ص لم تأخرت عن المسير-  لا يدل على الفور-  لأنه قد يقال مثل ذلك-  لمن يؤمر بالشي‏ء على جهة التراخي-  إذا لم يكن سؤال إنكار- .

و قول المرتضى-  لأن سؤال الركب عنه بعد الوفاة لا معنى له-  قول من قد توهم على قاضي القضاة أنه يقول-  إن النبي ص ما أمرهم بالنفوذ-  إلا بعد وفاته-  و لم يقل قاضي القضاة ذلك-  و إنما ادعى أن الأمر على التراخي لا غير-  و كيف يظن بقاضي القضاة-  أنه حمل كلام أسامة على سؤال الركب بعد الموت-  و هل كان أسامة يعلم الغيب فيقول ذاك-  و هل سأل أحد عن حال أحد من المرضى بعد موته- . فأما قول المرتضى عقيب هذا الكلام-  لا معنى لقول قاضي القضاة-  إنه لم ينكر على أسامة تأخره-  فإن الإنكار قد وقع بتكرار الأمر حالا بعد حال-  فلقائل أن يقول-  إن قاضي القضاة لم يجعل عدم الإنكار على أسامة-  حجة على كون الأمر على التراخي-  و إنما جعل ذلك دليلا-  على أن الأمر كان مشروطا بالمصلحة-  و من تأمل كلام قاضي القضاة-  الذي حكاه عنه المرتضى تحقق ذلك-  فلا يجوز للمرتضى أن ينتزعه-  من الوضع الذي أورده فيه-  فيجعله في موضع آخر- .

و منها قول قاضي القضاة-  الأمر بتنفيذ الجيش-  يجب أن يكون متوجها إلى الخليفة بعده-  و المخاطب لا يدخل تحت الخطاب-  و اعتراض المرتضى عليه-  بأن لفظة الجيش يدخل تحتها أبو بكر-  فلا بد من وجوب النفوذ عليه-  لأن عدم نفوذه يسلب الجماعة اسم الجيش-  فليس بجيد-  لأن لفظة الجيش لفظة موضوعة لجماعة من الناس-  قد أعدت للحرب-  فإذا خرج منها واحد أو اثنان-  لم يزل مسمى الجيش عن الباقين-  و المرتضى‏ اعتقد أن ذلك مثل الماهيات المركبة-  نحو العشرة إذا عدم منها واحد زال مسمى العشرة-  و ليس الأمر كذلك-  يبين ذلك أنه لو قال بعض الملوك لمائة إنسان-  أنتم جيشي-  ثم قال لواحد منهم-  إذا مت فأعط كل واحد من جيشي درهما من خزانتي-  فقد جعلتك أميرا عليهم-  لم يكن له أن يأخذ لنفسه درهما-  و يقول أنا من جملة الجماعة-  الذين أطلق عليهم لفظة الجيش- .

و منها قول قاضي القضاة-  هذه القضية تدل على أنه لم يكن هناك-  إمام منصوص عليه-  و أما قول المرتضى-  فقد بينا أن الخطاب إنما توجه إلى الحاضرين-  لا إلى القائم بالأمر بعده-  فلم نجد في كلامه في هذا الفصل بطوله ما بين فيه ذلك-  و لا أعلم على ما ذا أحال-  و لو كان قد بين على ما زعم-  أن الخطاب متوجه إلى الحاضرين-  لكان الإشكال قائما-  لأنه يقال له-  إذا كان الإمام المنصوص عليه حاضرا عنده-  فلم وجه الخطاب إلى الحاضرين-  أ لا ترى أنه لا يجوز أن يقول الملك للرعية-  اقضوا بين هذين الشخصين و القاضي حاضر عنده-  إلا إذا كان قد عزله عن القضاء-  في تلك الواقعة عن الرعية- .

فأما قول المرتضى هذا ينقلب عليكم فليس ينقلب-  و إنما ينقلب لو كان يريد تنفيذ الجيش بعد موته فقط-  و لا يريده و هو حي-  فكان يجي‏ء ما قاله المرتضى-  لينفذ القائم بالأمر بعدي جيش أسامة-  فأما إذا كان يريد نفوذ الجيش-  من حين ما أمر بنفوذه فقد سقط القلب-  لأن الخليفة حينئذ لم يكن قد تعين-  لأن الاختيار ما وقع بعد-  و على مذهب المرتضى-  الإمام متعين حاضر عنده نصب عينه-  فافترق الوصفان- . و منها قول قاضي القضاة-  إن مخالفة أمره ص في النفوذ مع الجيش-  أو في إنفاذ الجيش لا يكون معصية-  و بين ذلك من وجوه-أحدها أن أمره ع بذلك-  لا بد أن يكون مشروطا بالمصلحة-  و ألا يعرض ما هو أهم من نفوذ الجيش-  لأنه لا يجوز أن يأمرهم بالنفوذ-  و إن أعقب ضررا في الدين- 

فأما قول المرتضى-  الأمر المطلق يدل على ثبوت المصلحة-  و لا يجوز أن يجعل الأمر المطلق-  فقول جيد إذا اعترض به-  على الوجه الذي أورده قاضي القضاة-  فأما إذا أورده أصحابنا على وجه آخر-  فإنه يندفع كلام المرتضى-  و ذلك أنه يجوز تخصيص عمومات النصوص-  بالقياس الجلي عند كثير من أصحابنا-  على ما هو مذكور في أصول الفقه-  فلم لا يجوز لأبي بكر أن يخص عموم قوله-  انفذوا بعث أسامة-  لمصلحة غلبت على ظنه في عدم نفوذه نفسه-  و لمفسدة غلبت على نفسه في نفوذه نفسه مع البعث- . و ثانيها أنه ع كان يبعث السرايا-  عن اجتهاد لا عن وحي يحرم مخالفته-  فأما قول المرتضى إن للدين تعلقا قويا بأمثال ذلك-  و إنها ليست من الأمور الدنياوية المحضة-  نحو أكله و شربه و نومه-  فإنه يعود على الإسلام بفتوحه عز و قوة و علو كلمة-  فيقال له و إذا أكل اللحم و قوي مزاجه بذلك-  و نام نوما طبيعيا يزول عنه به المرض و الإعياء-  اقتضى ذلك أيضا عز الإسلام و قوته-  فقل إن ذلك أيضا عن وحي- .

ثم إن الذي يقتضيه فتوحه و غزواته و حروبه-  من العز و علو الكلمة-  لا ينافي كون تلك الغزوات و الحروب باجتهاده-  لأنه لا منافاة بين اجتهاده و بين عز الدين-  و علو كلمته بحروبه-  و إن الذي ينافي اجتهاده بالرأي-  هو مثل فرائض الصلوات و مقادير الزكوات-  و مناسك الحج و نحو ذلك من الأحكام-  التي تشعر بأنها متلقاة من محض الوحي-  و ليس للرأي و الاجتهاد فيها مدخل-  و قد خرج بهذا الكلام الجواب عن قوله-لو جاز أن تكون السرايا و الحروب عن اجتهاده-  لجاز أن تكون الأحكام كلها عن اجتهاده-  و أيضا فإن الصحابة كانوا يراجعونه في الحروب و آراءه-  التي يدبرها بها و يرجع ع إليهم-  في كثير منها بعد أن قد رأى غيره-  و أما الأحكام فلم يكن يراجع فيها أصلا-  فكيف يحمل أحد البابين على الآخر- .

فأما قوله لو كانت عن اجتهاد-  لوجب أن يحرم مخالفته فيها و هو حي-  لا فرق بين الحالين-  فلقائل أن يقول القياس يقتضي ما ذكرت-  إلا أنه وقع الإجماع-  على أنه لو كان في الأحكام أو في الحروب و الجهاد-  ما هو باجتهاده لما جازت مخالفته-  و العدول عن مذهبه و هو حي-  لم يختلف أحد من المسلمين في ذلك-  و أجازوا مخالفته بعد وفاته-  بتقدير أن يكون ما صار إليه عن اجتهاد-  و الإجماع حجة- . فأما قول قاضي القضاة-  لأن اجتهاده و هو حي أولى من اجتهاد غيره-  فليس يكاد يظهر-  لأن اجتهاده و هو ميت أولى أيضا من اجتهاد غيره-  و يغلب على ظني-  أنهم فرقوا بين حالتي الحياة و الموت-  فإن في مخالفته و هو حي نوعا من أذى له-  و أذاه محرم لقوله تعالى وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ-  و الأذى بعد الموت لا يكون-  فافترق الحالان- .

و ثالثها أنه لو كان الإمام منصوصا عليه-  لجاز أن يسترد جيش أسامة أو بعضه لنصرته-  فكذلك إذا كان بالاختيار-  و هذا قد منع منه المرتضى-  و قال إنه لا يجوز للمنصوص عليه ذلك-  و لا أن يولي من عزله رسول الله ص-  و لا أن يعزل من ولاه رسول الله ص‏ و رابعها-  أنه ع ترك حرب معاوية في بعض الحالات-  و لم يوجب ذلك أن يكون عاصيا-  فكذلك أبو بكر في ترك النفوذ في جيش أسامة- . فأما قول المرتضى-  إن عليا ع كان مأمورا بحرب معاوية-  مع التمكن و وجود الأنصار-  فإذا عدما لم يكن مأمورا بحربه-  فلقائل أن يقول و أبو بكر كان مأمورا-  بالنفوذ في جيش أسامة مع التمكن و وجود الأنصار-  و قد عدم التمكن لما استخلف-  فإنه قد تحمل أعباء الإمامة-  و تعذر عليه الخروج عن المدينة التي هي دار الإمامة-  فلم يكن مأمورا و الحال هذه بالنفوذ في جيش أسامة- .

فإن قلت-  الإشكال عليكم إنما هو من قبل الاستخلاف-  كيف جاز لأبي بكر أن يتأخر عن المسير-  و كيف جاز له أن يرجع إلى المدينة و هو مأمور بالمسير-  و هلا نفذ لوجهه و لم يرجع-  و إن بلغه موت رسول الله ص- . قلت لعل أسامة أذن له فهو مأمور بطاعته-  و لأنه رأى أسامة و قد عاد باللواء فعاد هو-  لأنه لم يكن يمكنه أن يسير إلى الروم وحده-  و أيضا فإن أصحابنا قالوا-  إن ولاية أسامة بطلت بموت النبي ص-  و عاد الأمر إلى رأي من ينصب للأمر-  قالوا لأن تصرف أسامة إنما كان من جهة النبي ص-  ثم زال تصرف النبي ص بموته-  فوجب أن يزول تصرف أسامة-  لأن تصرفه تبع لتصرف الرسول ص-  قالوا و ذلك كالوكيل تبطل وكالته بموت الموكل- 

قالوا و يفارق الوصي-  لأن ولايته لا تثبت إلا بعد موت الموصي-  فهو كعهد الإمام إلى غيره-  لا يثبت إلا بعد موت الإمام-  ثم فرع أصحابنا على هذا الأصل مسألة-  و هي الحاكم هل ينعزل بموت الإمام أم لا-  قال قوم من أصحابنا لا ينعزل-  و بنوه على أن التولي من غير جهة الإمام يجوز-  فجعلوا الحاكم نائبا عن المسلمين أجمعين-  لا عن الإمام- و إن وقف تصرفه على اختياره-  و صار ذلك عندهم بمنزلة أن يختار المسلمون واحدا-  يحكم بينهم ثم يموت من رضي بذلك-  فإن تصرفه يبقى على ما كان عليه-  و قال قوم من أصحابنا ينعزل-  و إن هذا النوع من التصرف لا يستفاد إلا من جهة الإمام-  و لا يقوم به غيره-  و إذا ثبت أن أسامة قد بطلت ولايته-  لم تبق تبعة على أبي بكر-  في الرجوع من بعض الطريق إلى المدينة- .

و خامسها-  أن أمير المؤمنين ولى أبا موسى الحكم-  و ولى رسول الله ص-  خالد بن الوليد السرية إلى الغميصاء-  و هذا الكلام إنما ذكره قاضي القضاة تتمة لقوله-  إن أمره ع بنفوذ بعث أسامة كان مشروطا بالمصلحة-  قال كما أن توليته ع أبا موسى-  كانت مشروطة باتباع القرآن-  و كما أن تولية رسول الله ص خالد بن الوليد-  كانت مشروطة بأن يعمل بما أوصاه به-  فخالفا و لم يعملا الحق-  فإذا كانت هذه الأوامر مشروطة-  فكذلك أمره جيش أسامة بالنفوذ-  كان مشروطا بالمصلحة-  و ألا يعرض ما يقتضي رجوع الجيش أو بعضه إلى المدينة-  و قد سبق القول في كون الأمر مشروطا- . و سادسها-  أن أبا بكر كان محتاجا إلى مقام عمر عنده-  ليعاضده و يقوم في تمهيد أمر الإمامة ما لا يقوم به غيره-  فكان ذلك أصلح في باب الدين من مسيره مع الجيش-  فجاز أن يحبسه عنده لذلك-  و هذا الوجه مختص بمن قال إن أبا بكر لم يكن في الجيش-  و إيضاح عذره في حبس عمر عن النفوذ مع الجيش- .

 

فأما قول المرتضى فإن ذلك غير جائز-  لأن مخالفة النص حرام-  فقد قلنا إن هذا مبني على مسألة تخصيص العمومات-  الواردة في القرآن بالقياس- .و أما قوله-  أي حاجة كانت لأبي بكر إلى عمر بعد وقوع البيعة-  و لم يكن هناك تنازع و لا اختلاف فعجيب-  و هل كان لو لا مقام عمر و حضوره في تلك المقامات-  يتم لأبي بكر أمر أو ينتظم له حال-  و لو لا عمر-  لما بايع علي و لا الزبير و لا أكثر الأنصار-  و الأمر في هذا أظهر من كل ظاهر- . و سابعها أن من يصلح للإمامة ممن ضمه جيش أسامة-  يجب تأخرهم ليختار للإمامة أحدهم-  فإن ذلك أهم من نفوذهم-  فإذا جاز لهذه العلة التأخر قبل العقد-  جاز التأخر بعده للمعاضدة و غيرها- .

فأما قول المرتضى-  إن ذلك الجيش لم يضم من يصلح للإمامة-  فبناء على مذهبه-  في أن كل من ليس بمعصوم لا يصلح للإمامة-  فأما قوله و لو صح ذلك لم يكن عذرا في التأخر-  لأن من خرج في الجيش يمكن أن يختار و لو كان بعيدا-  و لا يمكن بعده من صحة الاختيار-  فلقائل أن يقول-  دار الهجرة هي التي فيها أهل الحل و العقد-  و أقارب رسول الله ص و القراء و أصحاب السقيفة-  فلا يجوز العدول عن الاجتماع و المشاورة فيها-  إلى الاختيار على البعد-  و على جناح السفر-  من غير مشاركة من ذكرنا من أعيان المسلمين- . فأما قوله و لو صح هذا العقد-  لكان عذرا في التأخر قبل العقد-  فأما بعد إبرامه فلا عذر فيه-  فلقائل أن يقول-  إذا أجزت التأخر قبل العقد لنوع من المصلحة-  فأجز التأخر بعد العقد لنوع آخر من المصلحة-  و هو المعاضدة و المساعدة- .

 

هذه الوجوه السبعة كلها لبيان قوله-  تأخر أبي بكر أو عمر عن النفوذ في جيش أسامة-  و إن كان مأمورا بالنفوذ- .ثم نعود إلى تمام أقسام الفصل-  و منها قول قاضي القضاة لا معنى لقول من قال-  إن رسول الله ص قصد إبعادهم عن المدينة-  لأن بعدهم عنها-  لا يمنعهم من أن يختاروا واحدا منهم للإمامة-  و لأنه ع لم يكن قاطعا على موته لا محالة-  لأنه لم يرد نفذوا جيش أسامة في حياته- . و قد اعترض المرتضى هذا فقال-  إنه لم يتبين معنى الطعن-  لأن الطاعن لا يقول-  إنهم أبعدوا عن المدينة كي لا يختاروا واحدا للإمامة-  بل يقول إنما أبعدوا لينتصب بعد موته ص في المدينة-  الشخص الذي نص عليه-  و لا يكون حاضرا بالمدينة من يخالفه و ينازعه-  و ليس يضرنا ألا يكون ص قاطعا على موته-  لأنه و إن لم يكن قاطعا-  فهو لا محالة يشفق و يخاف من الموت-  و على الخائف أن يتحرز مما يخاف منه-  و كلام المرتضى في هذا الموضع-  أظهر من كلام قاضي القضاة- . و منها قول قاضي القضاة-  إن ولاية أسامة عليهما لا تقتضي كونهما دونه في الفضل-  كما أن عمرو بن العاص لما ولي عليهما-  لم يقتض كونه أفضل منهما-  و قد اعترض المرتضى-  هذا بأنه يقبح تقديم المفضول على الفاضل-  فيما هو أفضل منه-  و إن تقديم عمرو بن العاص عليهما في الإمرة-  يقتضي أن يكون أفضل منهما-  فيما يرجع إلى الإمرة و السياسة-  و لا يقتضي أفضليته عليهما في غير ذلك-  و كذلك القول في أسامة- .

و لقائل أن يقول-  إن الملوك قد يؤمرون الأمراء على الجيوش لوجهين-  أحدهما أن يقصد الملك بتأمير ذلك الشخص-  أن يسوس الجيش و يدبره بفضل رأيه و شيخوخته-  و قديم تجربته-  و ما عرف من يمن نقيبته في الحرب و قود العساكر-  و الثاني أن يؤمر على الجيش-  غلاما حدثا من غلمانه أو من ولده أو من أهله-  و يأمر الأكابر من الجيش أن يثقفوه و يعلموه-  و يأمره أن يتدبر بتدبيرهم و يرجع إلى رأيهم-  و يكون قصد الملك من ذلك-  تخريج ذلك الغلام و تمرينه على الإمارة-  و أن يثبت له في نفوس الناس منزلة-  و أن يرشحه لجلائل الأمور و معاظم الشئون-  ففي الوجه الأول يقبح تقديم المفضول على الفاضل-  و في الوجه الثاني لا يقبح-  فلم لا يجوز أن يكون تأمير أسامة عليهما-  من قبيل الوجه الثاني و الحال يشهد لذلك-  لأن أسامة كان غلاما لم يبلغ ثماني عشرة سنة-  حين قبض النبي ص-  فمن أين حصل له من تجربة الحرب و ممارسة الوقائع-  و قود الجيش ما يكون به أعرف بالإمرة من أبي بكر-  و عمر و أبي عبيدة و سعد بن أبي وقاص و غيرهم- .

و منها قول قاضي القضاة-  إن السبب في كون عمر في الجيش-  أنه أنكر على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة-  تسخطه إمرة أسامة-  و قال أنا أخرج في جيش أسامة-  فخرج من تلقاء نفسه تعظيما لأمر رسول الله ص-  و قد اعترضه المرتضى فقال-  هذا شي‏ء لم نسمعه من راو و لا قرأناه في كتاب-  و صدق المرتضى فيما قال-  فإن هذا حديث غريب لا يعرف- . و أما قول عمر دعني أضرب عنقه فقد نافق-  فمنقول مشهور لا محالة-  و إنما الغريب الذي لم يعرف-  كون عمر خرج من تلقاء نفسه في الجيش-  مراغمة لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة-  حيث أنكر ما أنكر-  و لعل قاضي القضاة سمعه من راو أو نقله من كتاب-  إلا أنا نحن ما وقفنا على ذلك

 

الطعن الخامس

قالوا-  إنه ص لم يول أبا بكر الأعمال و ولى غيره-  و لما ولاه الحج بالناس و قراءة سورة براءة على الناس-  عزله عن ذلك كله-  و جعل الأمر إلى أمير المؤمنين ع-  و قال لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني-  حتى يرجع أبو بكر إلى النبي ص- . أجاب قاضي القضاة فقال-  لو سلمنا أنه لم يوله لما دل ذلك على نقص-  و لا على أنه لم يصلح للإمارة و الإمامة-  بل لو قيل إنه لم يوله لحاجته إليه بحضرته-  و إن ذلك رفعة له لكان أقرب-  لا سيما و قد روي عنه ما يدل على أنهما وزيراه-  و أنه كان ص محتاجا إليهما و إلى رأيهما-  فلذلك لم يولهما-  و لو كان للعمل على تركه فضل-  لكان عمرو بن العاص و خالد بن الوليد و غيرهما-  أفضل من أكابر الصحابة-  لأنه ع ولاهما و قدمهما-  و قد قدمنا أن توليته هي بحسب الصلاح-  و قد يولى المفضول على الفاضل تارة و الفاضل أخرى-  و ربما ولى الواحد لاستغنائه عنه بحضرته-  و ربما ولاه لاتصال بينه و بين من يولى عليه إلى غير ذلك-  ثم ادعى أنه ولى أبا بكر على الموسم و الحج-  قد ثبتت بلا خلاف بين أهل الأخبار و لم يصح أنه عزله-  و لا يدل رجوع أبي بكر إلى النبي ص-  مستفهما عن القصة على العزل-  ثم جعل إنكار من أنكر حج أبي بكر في تلك السنة بالناس-  كإنكار عباد و طبقته-  أخذ أمير المؤمنين ع سورة براءة من أبي بكر-  و حكي عن أبي علي أن المعنى كان في أخذ السورة من أبي بكر-  أن من عادة العرب أن سيدا من سادات قبائلهم-  إذا عقد عقد القوم فإن ذلك العقد لا ينحل-  إلا أن يحله هو أو بعض سادات قومه-  فلما كان هذا عادتهم-  و أراد النبي ص أن ينبذ إليهم عقدهم-  و ينقض ما كان بينه و بينهم-  علم أنه لا ينحل ذلك إلا به-  أو بسيد من سادات رهطه-  فعدل عن أبي بكر إلى أمير المؤمنين المقرب في النسب-  ثم ادعى أنه ص ولى أبا بكر في مرضه الصلاة-  و ذلك أشرف الولايات و قال في ذلك-  يأبى الله و رسوله و المسلمون إلا أبا بكر- . ثم اعترض نفسه بصلاته ع خلف عبد الرحمن بن عوف-  و أجاب بأنه ص إنما صلى خلفه-  لا أنه ولاه الصلاة و قدمه فيها-  قال و إنما قدم عبد الرحمن عند غيبة النبي ص-  فصلى بغير أمره-  و قد ضاق الوقت فجاء النبي ص فصلى خلفه- .

اعترض المرتضى فقال-  قد بينا أن تركه ص الولاية لبعض أصحابه-  مع حضوره و إمكان ولايته و العدول عنه إلى غيره-  مع تطاول الزمان و امتداده-  لا بد من أن تقتضي غلبة الظن بأنه لا يصلح للولاية-  فأما ادعاؤه أنه لم يوله لافتقاره إليه بحضرته-  و حاجته إلى تدبيره و رأيه-  فقد بينا أنه ع ما كان يفتقر إلى رأي أحد-  لكماله و رجحانه على كل أحد-  و إنما كان يشاور أصحابه على سبيل التعليم لهم و التأديب-  أو لغير ذلك مما قد ذكر-  و بعد فكيف استمرت هذه الحاجة و اتصلت منه إليهما-  حتى لم يستغن في زمان من الأزمان عن حضورهما فيوليهما-  و هل هذا إلا قدح في رأي رسول الله ص-  و نسبته إلى أنه كان ممن يحتاج-  إلى أن يلقن و يوقف على كل شي‏ء-  و قد نزهه الله تعالى عن ذلك-  فأما ادعاؤه أن الرواية قد وردت بأنهما وزيراه-  فقد كان يجب أن يصحح ذلك قبل أن يعتمده و يحتج به-  فإنا ندفعه عنه أشد دفع-  فأما ولاية عمرو بن العاص و خالد بن الوليد-  فقد تكلمنا عليها من قبل-  و بينا أن ولايتهما تدل على صلاحهما لما ولياه-  و لا تدل على صلاحهما للإمامة-  لأن شرائط الإمامة لم تتكامل فيهما-  و بينا أيضا لأن ولاية المفضول على الفاضل لا تجوز-  فأما تعظيمه‏ و إكباره قول من يذهب إلى أن أبا بكر-  عزل عن أداء السورة و الموسم جميعا-  و جمعه بين ذلك في البعد و بين إنكار عباد-  أن يكون أمير المؤمنين ع ارتجع سورة براءة من أبي بكر-  فأول ما فيه أنا لا ننكر أن يكون أكثر الأخبار واردة-  بأن أبا بكر حج بالناس في تلك السنة-  إلا أنه قد روى قوم من أصحابنا خلاف ذلك-  و أن أمير المؤمنين ع كان أمير الموسم في تلك السنة-  و أن عزل الرجل كان عن الأمرين معا-  و استكبار ذلك-  و فيه خلاف لا معنى له-  فأما ما حكاه عن عباد فإنا لا نعرفه-  و ما نظن أحدا يذهب إلى مثله-  و ليس يمكنه بإزاء ذلك جحد مذهب أصحابنا-  الذي حكيناه-  و ليس عباد لو صحت الرواية عنه بإزاء من ذكرناه-  فهو ملي‏ء بالجهالات و دفع الضرورات-  و بعد فلو سلمنا أن ولاية الموسم لم تفسخ-  لكان الكلام باقيا-  لأنه إذا كان ما ولي مع تطاول الزمان إلا هذه الولاية-  ثم سلب شطرها و الأفخم الأعظم منها-  فليس ذلك إلا تنبيها على ما ذكرناه- .

فأما ما حكاه عن أبي علي-  من أن عادة العرب ألا يحل ما عقده الرئيس منهم-  إلا هو أو المتقدم من رهطه-  فمعاذ الله أن يجري النبي ص-  سنته و أحكامه على عادات الجاهلية-  و قد بين ع لما رجع إليه أبو بكر-  يسأله عن أخذ السورة منه الحال-  فقال إنه أوحي إلي ألا يؤدي عني-  إلا أنا أو رجل مني-  و لم يذكر ما ادعاه أبو علي-  على أن هذه العادة قد كان يعرفها النبي ص-  قبل بعثه أبا بكر بسورة براءة-  فما باله لم يعتمدها في الابتداء-  و يبعث من يجوز أن يحل عقده من قومه- . فأما ادعاؤه ولاية أبي بكر الصلاة-  فقد ذكرنا فيما تقدم أنه لم يوله إياها-  فأما فصله بين صلاته خلف عبد الرحمن-  و بين صلاة أبي بكر بالناس فليس بشي‏ء-  لأنا إذا كنا قد دللنا على أن الرسول ص-  ما قدم أبا بكر إلى الصلاة-  فقداستوى الأمران-  و بعد فأي فرق بين أن يصلي خلفه و بين أن يوليه و يقدمه-  و نحن نعلم أن صلاته خلفه إقرار لولايته و رضا بها-  فقد عاد الأمر إلى أن عبد الرحمن-  كأنه قد صلى بأمره و إذنه-  على أن قصة عبد الرحمن أوكد-  لأنه قد اعترف بأن الرسول صلى خلفه-  و لم يصل خلف أبي بكر-  و إن ذهب كثير من الناس إلى أنه قدمه و أمر بالصلاة-  قبل خروجه إلى المسجد و تحامله- . ثم سأل المرتضى رحمه الله نفسه فقال-  إن قيل ليس يخلو النبي ص-  من أن يكون سلم في الابتداء سورة براءة إلى أبي بكر-  بأمر الله أو باجتهاده و رأيه-  فإن كان بأمر الله تعالى-  فكيف يجوز أن يرتجع منه السورة قبل وقت الأداء-  و عندكم أنه لا يجوز نسخ الشي‏ء قبل تقضي وقت فعله-  و إن كان باجتهاده ص-  فعندكم أنه لا يجوز أن يجتهد فيما يجري هذا المجرى- . و أجاب فقال-  إنه ما سلم السورة إلى أبي بكر إلا بإذنه تعالى-  إلا أنه لم يأمره بأدائها-  و لا كلفه قراءتها على أهل الموسم-  لأن أحدا لم يمكنه أن ينقل ع في ذلك-  لفظ الأمر و التكليف-  فكأنه سلم سورة براءة إليه لتقرأ على أهل الموسم-  و لم يصرح بذكر القارئ المبلغ لها في الحال-  و لو نقل عنه تصريح لجاز أن يكون مشروطا بشرط لم يظهر- .

فإن قيل فأي فائدة في دفع السورة إلى أبي بكر-  و هو لا يريد أن يؤديها ثم ارتجاعها منه-  و هلا دفعت في الابتداء إلى أمير المؤمنين ع- . قيل الفائدة في ذلك-  ظهور فضل أمير المؤمنين ع و مرتبته-  و أن الرجل الذي نزعت السورة عنه لا يصلح لما يصلح له-  و هذا غرض قوي في وقوع الأمر على ما وقع عليه‏ قلت قد ذكرنا فيما تقدم-  القول في تولية الملك بعض أصحابه-  و ترك تولية بعضهم-  و كيفية الحال في ذلك-  على أنه قد روى أصحاب المغازي-  أنه أمر أبا بكر في شعبان من سنة سبع على سرية-  بعثها إلى نجد فلقوا جمعا من هوازن فبيتوهم-  فروى إياس بن سلمة عن أبيه قال-  كنت في ذلك البعث فقتلت بيدي سبعة منهم-  و كان شعارنا أمت أمت-  و قتل من أصحاب النبي ص قوم-  و جرح أبو بكر و ارتث و عاد إلى المدينة-  على أن أمراء السرايا الذين كان يبعثهم ص-  كانوا قوما مشهورين بالشجاعة و لقاء الحروب-  كمحمد بن مسلمة و أبي دجانة و زيد بن حارثة و نحوهم-  و لم يكن أبو بكر مشهورا بالشجاعة و لقاء الحروب-  و لم يكن جبانا و لا خوارا-  و إنما كان رجلا مجتمع القلب عاقلا ذا رأي و حسن تدبير-  و كان رسول الله ص يترك بعثه في السرايا-  لأن غيره أنفع منه فيها-  و لا يدل ذلك على أنه لا يصلح للإمامة-  و أن الإمامة-  لا تحتاج أن يكون صاحبها من المشهورين بالشجاعة-  و إنما يحتاج إلى ثبات القلب-  و إلا يكون هلعا طائر الجنان-  و كيف يقول المرتضى إنه ص لم يكن محتاجا إلى رأي أحد-  و قد نقل الناس كلهم رجوعه من رأي إلى رأي عند المشورة-  نحو ما جرى يوم بدر-  من تغير المنزل لما أشار عليه الحباب بن المنذر-  و نحو ما جرى يوم الخندق-  من فسخ رأيه في دفع ثلث تمر المدينة-  إلى عيينة بن حصن ليرجع بالأحزاب عنهم-  لأجل ما رآه سعد بن معاذ و سعد بن عبادة من الحرب-  و العدول عن الصلح-  و نحو ما جرى في تلقيح النخل بالمدينة و غير ذلك-  فأما ولاية أبي بكر الموسم فأكثر الأخبار على ذلك-  و لم يرو عزله عن الموسم إلا قوم من الشيعة- .

 

و أما ما أنكره المرتضى من حال عباد بن سليمان-  و دفعه أن يكون علي أخذ براءة من أبي بكر-  و استغرابه ذلك عجب-  فإن قول عباد قد ذهب إليه كثير من الناس-  و رووا أن رسول الله ص-  لم يدفع براءة إلى أبي بكر-  و أنه بعد أن نفذ أبو بكر بالحجيج-  أتبعه عليا و معه تسع آيات من براءة-  و قد أمره أن يقرأها على الناس-  و يؤذنهم بنقض العهد و قطع الدنية-  فانصرف أبو بكر إلى رسول الله ص-  فأعاده على الحجيج-  و قال له أنت الأمير و علي المبلغ-  فإنه لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني-  و لم ينكر عباد أمر براءة بالكلية- 

و إنما أنكر أن يكون النبي ص دفعها إلى أبي بكر-  ثم انتزعها منه-  و طائفة عظيمة من المحدثين يروون ما ذكرناه-  و إن كان الأكثر الأظهر أنه دفعها إليه-  ثم أتبعه بعلي ع فانتزعها منه-  و المقصود أن المرتضى قد تعجب مما لا يتعجب من مثله-  فظن أن عبادا أنكر حديث براءة بالكلية-  و قد وقفت أنا على ما ذكره عباد في هذه القضية-  في كتابه المعروف بكتاب الأبواب-  و هو الكتاب الذي نقضه شيخنا أبو هاشم-  فأما عذر شيخنا أبي علي-  و قوله إن عادة العرب ذلك و اعتراض المرتضى عليه-  فالذي قاله المرتضى أصح و أظهر-  و ما نسب إلى عادة العرب غير معروف- 

و إنما هو تأويل تأول به متعصبو أبي بكر-  لانتزاع براءة منه-  و ليس بشي‏ء-  و لست أقول ما قاله المرتضى-  من أن غرض رسول الله ص-  إظهار أن أبا بكر لا يصلح للأداء عنه-  بل أقول فعل ذلك لمصلحة رآها-  و لعل السبب في ذلك أن عليا ع من بني عبد مناف-  و هم جمرة قريش بمكة-  و علي أيضا شجاع لا يقام له-  و قد حصل في صدور قريش منه-  الهيبة الشديدة و المخافة العظيمة-  فإذا حصل مثل هذا الشجاع البطل و حوله من بني عمه-  و هم أهل العزة و القوة و الحمية-كان أدعى إلى نجاته من قريش-  و سلامة نفسه و بلوغ الغرض من نبذ العهد على يده-  أ لا ترى أن رسول الله ص في عمرة الحديبية-  بعث عثمان بن عفان إلى مكة-  يطلب منهم الإذن له في الدخول-  و إنما بعثه لأنه من بني عبد مناف-  و لم يكن بنو عبد مناف و خصوصا بني عبد شمس-  ليمكنوا من قتله-  و لذلك حمله بنو سعيد بن العاص على بعير يوم دخل مكة-  و أحدقوا به مستلئمين بالسلاح-  و قالوا له أقبل و أدبر و لا تخف أحدا-  بنو سعيد أعزة الحرم-  و أما القول في تولية رسول الله ص أبا بكر الصلاة-  فقد تقدم-  و ما رامه قاضي القضاة-  من الفرق بين صلاة أبي بكر بالناس-  و صلاة عبد الرحمن بهم-  مع كون رسول الله ص صلى خلفه ضعيف-  و كلام المرتضى أقوى منه-  فأما السؤال الذي سأله المرتضى من نفسه فقوي-  و الجواب الصحيح أن بعث براءة مع أبي بكر-  كان باجتهاد من الرسول ص-  و لم يكن عن وحي و لا من جملة الشرائع-  التي تتلقى عن جبرائيل ع-  فلم يقبح نسخ ذلك قبل تقضي وقت فعله-  و جواب المرتضى ليس بقوي-  لأنه من البعيد أن يسلم سورة براءة إلى أبي بكر-  و لا يقال له ما ذا تصنع بها-  بل يقال خذ هذه معك لا غير-  و القول بأن الكلام مشروط بشرط لم يظهر خلاف الظاهر-  و فتح هذا الباب يفسد كثيرا من القواعد.

الطعن السادس

أن أبا بكر لم يكن يعرف الفقه و أحكام الشريعة-  فقد قال في الكلالة أقول‏ فيها برأيي-  فإن يكن صوابا فمن الله و إن يكن خطأ فمني-  و لم يعرف ميراث الجد-  و من حاله هذه لا يصلح للإمامة- . أجاب قاضي القضاة-  بأن الإمام لا يجب أن يعلم جميع الأحكام-  و أن القدر الذي يحتاج إليه-  هو القدر الذي يحتاج إليه الحاكم-  و أن القول بالرأي هو الواجب فيما لا نص فيه-  و قد قال أمير المؤمنين ع بالرأي في مسائل كثيرة- .

اعترض المرتضى فقال-  قد دللنا على أن الإمام-  لا بد أن يكون عالما بجميع الشرعيات-  و فرقنا بينه و بين الحاكم-  و دللنا على فساد الرأي و الاجتهاد-  و أما أمير المؤمنين ع فلم يقل قط بالرأي-  و ما يروى من خبر بيع أمهات الأولاد غير صحيح-  و لو صح لجاز أن يكون أراد بالرأي-  الرجوع إلى النصوص و الأدلة-  و لا شبهة عندنا أن قوله كان واحدا في الحالين-  و إن ظهر في أحدهما خلاف مذهبه للتقية- . قلت هذا الطعن مبني على أمرين-  أحدهما هل من شرط الإمامة-  أن يعلم الإمام كل الأحكام الشرعية أم لا-  و هذا مذكور في كتبنا الكلامية-  و الثاني هو القول في الاجتهاد و الرأي حق أم لا-  و هذا مذكور في كتبنا الأصولية.

الطعن السابع

قصة خالد بن الوليد و قتله مالك بن نويرة-  و مضاجعته امرأته من ليلته-  و أن أبا بكرترك إقامة الحد عليه-  و زعم أنه سيف من سيوف الله سله الله على أعدائه-  مع أن الله تعالى قد أوجب القود و حد الزناء عموما-  و أن عمر نبهه و قال له-  اقتله فإنه قتل مسلما- . أجاب قاضي القضاة فقال إن شيخنا أبا علي قال-  إن الردة ظهرت من مالك بن نويرة-  لأنه جاء في الأخبار أنه رد صدقات قومه عليهم-  لما بلغه موت رسول الله ص-  كما فعله سائر أهل الردة فاستحق القتل-  فإن قال قائل فقد كان يصلي-  قيل له و كذلك سائر أهل الردة- 

و إنما كفروا بالامتناع من الزكاة-  و اعتقادهم إسقاط وجوبها دون غيره-  فإن قيل فلم أنكر عمر-  قيل كان الأمر إلى أبي بكر فلا وجه لإنكار عمر-  و قد يجوز أن يعلم أبو بكر من الحال ما يخفى على عمر-  فإن قيل فما معنى ما روي عن أبي بكر-  من أن خالدا تأول فأخطأ-  قيل أراد عجلته عليه بالقتل-  و قد كان الواجب عنده على خالد أن يتوقف للشبهة-  و استدل أبو علي على ردته-  بأن أخاه متمم بن نويرة لما أنشد عمر مرثيته أخاه-  قال له وددت أني أقول الشعر-  فأرثي أخي زيدا بمثل ما رثيت به أخاك-  فقال متمم-  لو قتل أخي على مثل ما قتل عليه أخوك ما رثيته-  فقال عمر ما عزاني أحد بمثل تعزيتك-  فدل هذا على أن مالكا لم يقتل على الإسلام-  كما قتل زيد- . و أجاب عن تزويج خالد بامرأته-  بأنه إذا قتل على الردة في دار الكفر-  جاز تزويج امرأته عند كثير من أهل العلم-  و إن كان لا يجوز أن يطأها إلا بعد الاستبراء- .

و حكي عن أبي علي-  أنه إنما قتله لأنه ذكر رسول الله ص فقال-  صاحبك و أوهم بذلك أنه ليس بصاحب له-  و كان عنده أن ذلك رده و علم عند المشاهدةالمقصد-  و هو أمير القوم-  فجاز أن يقتله و إن كان الأولى ألا يستعجل-  و أن يكشف الأمر في ردته حتى يتضح-  فلهذا لم يقتله أبو بكر به-  فأما وطؤه لامرأته فلم يثبت فلا يصح أن يجعل طعنا فيه اعترض المرتضى فقال-  أما منع خالد في قتل مالك بن نويرة-  و استباحة امرأته و أمواله لنسبته إياه إلى ردة-  لم تظهر منه-  بل كان الظاهر خلافها من الإسلام فعظيم-  و يجري مجراه في العظم تغافل من تغافل عن أمره-  و لم يقم فيه حكم الله تعالى-  و أقره على الخطإ الذي شهد هو به على نفسه-  و يجري مجراهما من أمكنه أن يعلم الحال فأهملها-  و لم يتصفح ما روي من الأخبار في هذا الباب-  و تعصب لأسلافه و مذهبه-  و كيف يجوز عند خصومنا على مالك و أصحابه جحد الزكاة-  مع المقام على الصلاة-  و هما جميعا في قرن-  لأن العلم الضروري-  بأنهما من دينه ع و شريعته على حد واحد-  و هل نسبة مالك إلى الردة مع ما ذكرناه-  إلا قدح في الأصول و نقض لما تضمنته-  من أن الزكاة معلومة ضرورة من دينه ع-  و أعجب من كل عجيب قوله-  و كذلك سائر أهل الردة-  يعني أنهم كانوا يصلون و يجحدون الزكاة-  لأنا قد بينا أن ذلك مستحيل غير ممكن-  و كيف يصح ذلك- 

و قد روى جميع أهل النقل-  أن أبا بكر لما وصى الجيش-  الذين أنفذهم بأن يؤذنوا و يقيموا-  فإن أذن القوم كأذانهم و إقامتهم كفوا عنهم-  و إن لم يفعلوا أغاروا عليهم-  فجعل أمارة الإسلام و البراءة من الردة-  الأذان و الإقامة-  و كيف يطلق في سائر أهل الردة-  ما أطلقه من أنهم كانوا يصلون-  و قد علمنا أن أصحاب مسيلمة و طليحة و غيرهما-  ممن كان ادعى النبوة و خلع الشريعة-  ما كانوا يرون الصلاة و لا شيئا مما جاءت به شريعتنا-  و قصة مالك معروفة عند من تأمل كتب السير و النقل-  لأنه كان على صدقات قومه بني‏يربوع واليا-  من قبل رسول الله ص-  و لما بلغته وفاة رسول الله ص أمسك عن أخذ الصدقة من قومه-  و قال لهم تربصوا بها حتى يقوم قائم بعد النبي ص-  و ننظر ما يكون من أمره-  و قد صرح بذلك في شعره حيث يقول- 

  و قال رجال سدد اليوم مالك
و قال رجال مالك لم يسدد

فقلت دعوني لا أبا لأبيكم‏
فلم أخط رأيا في المقام و لا الندي‏

و قلت خذوا أموالكم غير خائف
و لا ناظر فيما يجي‏ء به غدي‏

فدونكموها إنما هي مالكم‏
مصورة أخلاقها لم تجدد

سأجعل نفسي دون ما تحذرونه
و أرهنكم يوما بما قلته يدي‏

فإن قام بالأمر المجدد قائم‏
أطعنا و قلنا الدين دين محمد

 فصرح كما ترى أنه استبقى الصدقة في أيدي قومه-  رفقا بهم و تقربا إليهم-  إلى أن يقوم بالأمر من يدفع ذلك إليه-  و قد روى جماعة من أهل السير-  و ذكره الطبري في تاريخه-  أن مالكا نهى قومه-  عن الاجتماع على منع الصدقات و فرقهم-  و قال يا بني يربوع-  إنا كنا قد عصينا أمراءنا إذ دعونا إلى هذا الدين-  و بطأنا الناس عنه فلم نفلح و لم ننجح-  و أني قد نظرت في هذا الأمر-  فوجدت الأمر يتأتى لهؤلاء القوم بغير سياسة-  و إذا أمر لا يسوسه الناس-  فإياكم و معاداة قوم يصنع لهم-  فتفرقوا على ذلك إلى أموالهم-  و رجع مالك إلى منزله-  فلما قدم خالد البطاح بث السرايا و أمرهم بداعية الإسلام-  و أن يأتوه بكل من لم يجب-  و أمرهم إن امتنع أن يقاتلوه-  فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني يربوع-  و اختلف السرية في أمرهم-  و في السرية أبو قتادة الحارث بن ربعي-  فكان ممن شهد أنهم أذنوا و أقاموا و صلوا-  فلما اختلفوا فيهم‏أمر بهم خالد فحبسوا-  و كانت ليلة باردة لا يقوم لها شي‏ء-  فأمر خالد مناديا ينادي-  أدفئوا أسراءكم-  فظنوا أنهم أمروا بقتلهم-  لأن هذه اللفظة تستعمل في لغة كنانة للقتل-  فقتل ضرار بن الأزور مالكا-  و تزوج خالد زوجته أم تميم بنت المنهال- .

و في خبر آخر أن السرية التي بعث بها خالد-  لما غشيت القوم تحت الليل راعوهم-  فأخذ القوم السلاح-  قال فقلنا إنا المسلمون فقالوا و نحن المسلمون-  قلنا فما بال السلاح معكم قلنا فضعوا السلاح-  فلما وضعوا السلاح ربطوا أسارى-  فأتوا بهم خالدا-  فحدث أبو قتادة خالد بن الوليد-  أن القوم نادوا بالإسلام و أن لهم أمانا-  فلم يلتفت خالد إلى قولهم و أمر بقتلهم و قسم سبيهم-  و حلف أبو قتادة ألا يسير تحت لواء خالد في جيش أبدا-  و ركب فرسه شاذا إلى أبي بكر فأخبره الخبر-  و قال له إني نهيت خالدا عن قتله فلم يقبل قولي-  و أخذ بشهادة الأعراب الذين غرضهم الغنائم-  و أن عمر لما سمع ذلك تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر-  و قال إن القصاص قد وجب عليه-  و لما أقبل خالد بن الوليد قافلا دخل المسجد-  و عليه قباء له عليه صدأ الحديد-  معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما-  فلما دخل المسجد قام إليه عمر-  فنزع الأسهم عن رأسه فحطمها-  ثم قال له يا عدو نفسه أ عدوت على امرئ مسلم فقتلته-  ثم نزوت على امرأته-  و الله لنرجمنك بأحجارك-  و خالد لا يكلمه-  و لا يظن إلا أن رأي أبي بكر مثل رأيه-  حتى دخل إلى أبي بكر و اعتذر إليه بعذره و تجاوز عنه-  فخرج خالد و عمر جالس في المسجد-  فقال هلم إلى يا ابن أم شملة-  فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه-  و دخل بيته- .

و قد روي أيضا أن عمر لما ولي-  جمع من عشيرة مالك بن نويرة من وجد منهم-و استرجع ما وجد عند المسلمين من أموالهم-  و أولادهم و نسائهم-  فرد ذلك عليهم جميعا مع نصيبه كان منهم-  و قيل إنه ارتجع بعض نسائهم من نواحي دمشق-  و بعضهن حوامل فردهن على أزواجهن-  فالأمر ظاهر في خطإ خالد و خطإ من تجاوز عنه-  و قول صاحب الكتاب-  إنه يجوز أن يخفى عن عمر ما يظهر لأبي بكر ليس بشي‏ء-  لأن الأمر في قصة خالد لم يكن مشتبها-  بل كان مشاهدا معلوما لكل من حضره-  و ما تأول به في القتل لا يعذر لأجله-  و ما رأينا أبا بكر حكم فيه بحكم المتأول و لا غيره-  و لا تلافى خطأه و زلله-  و كونه سيفا من سيوف الله-  على ما ادعاه لا يسقط عنه الأحكام-  و يبرئه من الآثام-  و أما قول متمم-  لو قتل أخي على ما قتل عليه أخوك لما رثيته-  لا يدل على أنه كان مرتدا-  فكيف يظن عاقل أن متمما يعترف بردة أخيه-  و هو يطالب أبا بكر بدمه و الاقتصاص من قاتليه و رد سبيه-  و أنه أراد في الجملة التقرب إلى عمر بتقريظ أخيه-  ثم لو كان ظاهر هذا القول كباطنه-  لكان إنما يقصد تفضيل قتلة زيد على قتلة مالك-  و الحال في ذلك أظهر-  لأن زيدا قتل في بعث المسلمين ذابا عن وجوههم-  و مالك قتل على شبهة و بين الأمرين فرق- .

و أما قوله في النبي ص صاحبك-  فقد قال أهل العلم إنه أراد القرشية-  لأن خالدا قرشي-  و بعد فليس في ظاهر إضافته إليه-  دلالة على نفيه له عن نفسه-  و لو كان علم من مقصده-  الاستخفاف و الإهانة على ما ادعاه صاحب الكتاب-  لوجب أن يعتذر خالد بذلك-  عند أبي بكر و عمر-  و يعتذر به أبو بكر لما طالبه عمر بقتله-  فإن عمر-  ما كان يمنع من قتل قادح في نبوة النبي ص-  و إن كان الأمر على ذلك فأي معنى لقول أبي بكر-  تأول فأخطأ-  و إنما تأول فأصاب إن كان الأمر على ما ذكرقلت أما تعجب المرتضى-  من كون قوم منعوا الزكاة و أقاموا على الصلاة-  و دعواه أن هذا غير ممكن و لا صحيح-  فالعجب منه كيف ينكر وقوع ذلك-  و كيف ينكر إمكانه-  أما الإمكان فلأنه لا ملازمة بين العبادتين-  إلا من كونهما مقترنتين في بعض المواضع في القرآن-  و ذلك لا يوجب تلازمهما في الوجود-  أو من قوله إن الناس يعلمون-  كون الزكاة واجبة في دين الإسلام ضرورة-  كما تعلمون كون الصلاة في دين الإسلام ضرورة-  و هذا لا يمنع اعتقادهم سقوط وجوب الزكاة-  لشبهة دخلت عليهم-  فإنهم قالوا إن الله تعالى قال لرسوله-  خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها-  وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ-  قالوا فوصف الصدقة المفروضة-  بأنها صدقة من شأنها أن يطهر رسول الله ص الناس-  و يزكيهم بأخذها منهم-  ثم عقب ذلك بأن فرض عليه مع أخذ الزكاة منهم-  أن يصلي عليهم صلاة تكون سكنا لهم-  قالوا و هذه الصفات لا تتحقق في غيره-  لأن غيره لا يطهر الناس و يزكيهم بأخذ الصدقة-  و لا إذا صلى على الناس كانت صلاته سكنا لهم-  فلم يجب علينا دفع الزكاة إلى غيره-  و هذه الشبهة لا تنافي كون الزكاة-  معلوما وجوبها ضرورة من دين محمد ص-  لأنهم ما جحدوا وجوبها-  و لكنهم قالوا إنه وجوب مشروط-  و ليس يعلم بالضرورة انتفاء كونها مشروطة-  و إنما يعلم ذلك بنظر و تأويل-  فقد بان أن ما ادعاه من الضرورة-  ليس بدال على أنه لا يمكن أحد-  اعتقاد نفي وجوب الزكاة بعد موت الرسول-  و لو عرضت مثل هذه الشبهة في صلاة-  لصح لذاهب أن يذهب إلى أنها قد سقطت عن الناس-  فأما الوقوع فهو المعلوم ضرورة بالتواتر-  كالعلم بأن أبا بكر ولي الخلافة بعد الرسول ص-  ضرورة بطريق التواتر-  و من أراد الوقوف على ذلك فلينظر في كتب التواريخ- فإنها تشتمل من ذلك على ما يشفي و يكفي-  و قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري-  في التاريخ الكبير بإسناد ذكره-  أن أبا بكر أقام بالمدينة بعد وفاة رسول الله ص-  و توجيهه أسامة في جيشه-  إلى حيث قتل أبوه زيد بن حارثة لم يحدث شيئا-  و جاءته وفود العرب مرتدين-  يقرون بالصلاة و يمنعون الصدقة-  فلم يقيل منهم و ردهم-  و أقام حتى قدم أسامة بعد أربعين يوما من شخوصه-  و يقال بعد سبعين يوما- . و روى أبو جعفر قال امتنعت العرب قاطبة-  من أداء الزكاة بعد رسول الله ص إلا قريشا و ثقيفا- . و روى أبو جعفر عن السري عن شعيب عن سيف-  عن هشام بن عروة عن أبيه قال-  ارتدت العرب و منعت الزكاة إلا قريشا و ثقيفا-  فأما هوازن فقدمت رجلا و أخرت أخرى-  أمسكوا الصدقة- .

و روى أبو جعفر قال-  لما منعت العرب الزكاة-  كان أبو بكر ينتظر قدوم أسامة بالجيش-  فلم يحارب أحدا قبل قدومه إلا عبسا و ذبيان-  فإنه قاتلهم قبل رجوع أسامة- . و روى أبو جعفر قال-  قدمت وفود من قبائل العرب المدينة-  فنزلوا على وجوه الناس بها-  و يحملونهم إلى أبي بكر أن يقيموا الصلاة-  و ألا يؤتوا الزكاة فعزم الله لأبي بكر على الحق-  و قال لو منعوني عقال بعير لجاهدتهم عليه- . و روى أبو جعفر شعرا للخطيل بن أوس-  أخي الحطيئة في معنى منع الزكاة-  و أن‏أبا بكر رد سؤال العرب و لم يجبهم من جملته- 

  أطعنا رسول الله إذا كان بيننا
فيا لعباد الله ما لأبي بكر

أ يورثها بكر إذا مات بعده‏
و تلك لعمر الله قاصمة الظهر

فهلا رددتم وفدنا بإجابة
و هلا حسبتم منه راعية البكر

فإن الذي سألوكم فمنعتم‏
لكالتمر أو أحلى لحلف بني فهر

و روى أبو جعفر قال-  لما قدمت العرب المدينة على أبي بكر-  فكلموه في إسقاط الزكاة-  نزلوا على وجوه الناس بالمدينة-  فلم يبق أحد إلا و أنزل عليه ناسا منهم-  إلا العباس بن عبد المطلب-  ثم اجتمع إلى أبي بكر المسلمون-  فخوفوه بأس العرب و اجتماعها-  قال ضرار بن الأزور-  فما رأيت أحدا ليس رسول الله أملأ بحرب شعواء-  من أبي بكر فجعلنا نخوفه و نروعه-  و كأنما إنما نخبره بما له لا ما عليه-  و اجتمعت كلمة المسلمين على إجابة العرب إلى ما طلبت-  و أبى أبو بكر أن يفعل إلا ما كان يفعله رسول الله ص-  و أن يأخذ إلا ما كان يأخذ-  ثم أجلهم يوما و ليلة ثم أمرهم بالانصراف-  و طاروا إلى عشائرهم- .

و روى أبو جعفر قال-  كان رسول الله ص-  بعث عمرو بن العاص إلى عمان قبل موته-  فمات و هو بعمان فأقبل قافلا إلى المدينة-  فوجد العرب قد منعت الزكاة-  فنزل في بني عامر على قرة بن هبيرة-  و قرة يقدم رجلا و يؤخر أخرى-  و على ذلك بنو عامر كلهم إلا الخواص-  ثم قدم المدينة فأطافت به قريش-  فأخبرهم أن العساكر معسكرة حولهم-  فتفرق المسلمون و تحلقوا حلقا-  و أقبل عمر بن الخطاب-  فمر بحلقةو هم يتحدثون فيما سمعوا من عمرو-  و في تلك الحلقة علي و عثمان و طلحة و الزبير-  و عبد الرحمن بن عوف و سعد-  فلما دنا عمر منهم سكتوا-  فقال في أي شي‏ء أنتم فلم يخبروه-  فقال ما أعلمني بالذي خلوتم عليه-  فغضب طلحة و قال الله يا ابن الخطاب إنك لتعلم الغيب-  فقال لا يعلم الغيب إلا الله و لكن أظن قلتم-  ما أخوفنا على قريش من العرب و أخلقهم-  ألا يقروا بهذا الأمر-  قالوا صدقت-  فقال فلا تخافوا هذه المنزلة-  أنا و الله منكم على العرب أخوف مني عليكم من العرب- .

قال أبو جعفر و حدثني السري قال-  حدثنا شعيب عن سيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال-  نزل عمرو بن العاص بمنصرفه من عمان-  بعد وفاة رسول الله ص-  بقرة بن هبيرة بن سلمة بن يسير-  و حوله عساكر من أفنائهم فذبح له-  و أكرم منزلته فلما أراد الرحلة خلا به و قال-  يا هذا إن العرب لا تطيب لكم أنفسا بالإتاوة-  فإن أنتم أعفيتموها من أخذ أموالها فستسمع و تطيع-  و إن أبيتم فإنها تجتمع عليكم-  فقال عمرو أ توعدنا بالعرب و تخوفنا بها-  موعدنا حفش أمك أما و الله لأوطئنه عليك الخيل-  و قدم على أبي بكر و المسلمين فأخبرهم- .

و روى أبو جعفر قال-  كان رسول الله ص-  قد فرق عماله في بني تميم على قبض الصدقات-  فجعل الزبرقان بن بدر على عوف و الرباب-  و قيس بن عاصم على مقاعس و البطون-  و صفوان بن صفوان و سبرة بن عمرو على بني عمرو-  و مالك بن نويرة على بني حنظلة-  فلما توفي رسول الله ص ضرب صفوان إلى أبي بكر-  حين وقع إليه الخبر بموت النبي ص بصدقات بني عمرو-  و بما ولي منها و ما ولي سبرة-  و أقام سبرة في قومه لحدث إن ناب-  و أطرق قيس بن عاصم ينظر ما الزبرقان صانع-  فكان له عدوا و قال و هو ينتظره و ينتظر ما يصنع-  و يلي عليه ما أدري ما أصنع-  إن أنابايعت أبا بكر و أتيته بصدقات قومي-  خلفني فيهم فساءني عندهم-  و إن رددتها عليهم فليأتين أبا بكر فيسوءني عنده-  ثم عزم قيس على قسمتها في مقاعس و البطون-  ففعل و عزم الزبرقان على الوفاء-  فاتبع صفوان بصدقات عوف و الرباب-  حتى قدم بها المدينة و قال شعرا يعرض فيه بقيس بن عاصم-  و من جملته- 

وفيت بأذواد الرسول و قد أبت
سعاة فلم يردد بعيرا أميرها

فلما أرسل أبو بكر إلى قيس العلاء بن الحضرمي-  أخرج الصدقة فأتاه بها و قدم معه إلى المدينة- . و في تاريخ أبي جعفر الطبري من هذا الكثير الواسع-  و كذلك في تاريخ غيره من التواريخ-  و هذا أمر معلوم باضطرار لا يجوز لأحد أن يخالف فيه فأما قوله كيف يصح ذلك و قد قال لهم أبو بكر-  إذا أذنوا و أقاموا كإقامتكم فكفوا عنهم-  فجعل أمارة الإسلام و البراءة من الردة-  الأذان و الإقامة-  فإنه قد أسقط بعض الخبر-  قال أبو جعفر الطبري في كتابه-  كانت وصيته لهم إذا نزلتم فأذنوا و أقيموا-  فإن أذن القوم و أقاموا فكفوا عنهم-  فإن لم يفعلوا فلا شي‏ء إلا الغارة-  ثم اقتلوهم كل قتلة-  الحرق فما سواه-  و إن أجابوا داعية الإسلام فاسألوهم-  فإن أقروا بالزكاة فاقبلوا منهم-  و إن أبوا فلا شي‏ء إلا الغارة و لا كلمة- .

فأما قوله-  و كيف يطلق قاضي القضاة في سائر أهل الردة-  ما أطلقه من أنهم كانوا يصلون-  و من جملتهم أصحاب مسيلمة و طلحة-  فإنما أراد قاضي القضاة بأهل الردة هاهنا-  مانعي الزكاة لا غير-  و لم يرد من جحد الإسلام بالكلية- . فأما قصة مالك بن نويرة و خالد بن الوليد-  فإنها مشتبهة عندي و لا غرو فقد اشتهت على الصحابة-  و ذلك أن من حضرها من العرب اختلفوا في حال القوم-  هل كان‏ عليهم شعار الإسلام أو لا-  و اختلف أبو بكر و عمر في خالد مع شدة اتفاقهما-  فأما الشعر الذي رواه المرتضى لمالك بن نويرة-  فهو معروف إلا البيت الأخير فإنه غير معروف-  و عليه عمدة المرتضى في هذا المقام-  و ما ذكره بعد من قصة القوم صحيح كله-  مطابق لما في التواريخ إلا مويضعات يسيرة- .

منها قوله-  إن مالكا نهى قومه عن الاجتماع على منع الصدقات-  فإن ذلك غير منقول-  و إنما المنقول أنه نهى قومه عن الاجتماع في موضع واحد-  و أمرهم أن يتفرقوا في مياههم-  ذكر ذلك الطبري و لم يذكر نهيه إياهم-  عن الاجتماع على منع الصدقة-  و قال الطبري إن مالكا تردد في أمره-  هل يحمل الصدقات أم لا-  فجاءه خالد و هو متحير سبح- . و منها أن الطبري ذكر أن ضرار بن الأزور-  قتل مالكا عن غير أمر خالد-  و أن خالدا لما سمع الواعية خرج و قد فرغوا منهم-  فقال إذا أراد الله أمرا أصابه-  قال الطبري و غضب أبو قتادة لذلك-  و قال لخالد هذا عملك-  و فارقه و أتى أبا بكر فأخبره فغضب عليه أبو بكر-  حتى كلمه فيه عمر فلم يرض إلا أن يرجع إلى خالد-  فرجع إليه حتى قدم معه المدينة- .

و منها أن الطبري روى أن خالدا-  لما تزوج أم تميم بنت المنهال امرأة مالك-  لم يدخل بها و تركها حتى تقضي طهرها-  و لم يذكر المرتضى ذلك- . و منها أن الطبري روى-  أن متمما لما قدم المدينة طلب إلى أبي بكر في سبيهم-  فكتب له برد السبي-  و المرتضى ذكر أنه لم يرد إلا في خلافة عمر- . فأما قول المرتضى إن قول متمم-  لو قتل أخي على مثل ما قتل عليه أخوك لما رثيته-لا يدل على ردته فصحيح-  و لا ريب أنه قصد تقريظ زيد بن الخطاب-  و أن يرضي عمر أخاه بذلك-  و نعما قال المرتضى إن بين القتلتين فرقا ظاهرا-  و إليه أشار متمم لا محالة- . فأما قول مالك صاحبك يعني النبي ص-  فقد روى هذه اللفظة الطبري في التاريخ قال-  كان خالد يعتذر عن قتله فيقول-  إنه قال له و هو يراجعه-  ما إخال صاحبكم إلا قال كذا و كذا-  فقال له خالد أ و ما تعده لك صاحبا-  و هذه لعمري كلمة جافية و إن كان لها مخرج في التأويل-  إلا أنه مستكره-  و قرائن الأحوال يعرفها من شاهدها و سمعها-  فإذا كان خالد قد كان يعتذر بذلك-  فقد اندفع قول المرتضى هلا اعتذر بذلك-  و لست أنزه خالدا عن الخطإ-  و أعلم أنه كان جبارا فاتكا-  لا يراقب الدين فيما يحمله عليه الغضب و هوى نفسه-  و لقد وقع منه في حياة رسول الله ص-  مع بني خذيمة بالغميصاء-  أعظم مما وقع منه في حق مالك بن نويرة-  و عفا عنه رسول الله ص-  بعد أن غضب عليه مدة و أعرض عنه-  و ذلك العفو هو الذي أطمعه-  حتى فعل ببني يربوع ما فعل بالبطاح.

الطعن الثامن

قولهم إن مما يؤثر في حاله و حال عمر-  دفنهما مع رسول الله ص في بيته-  و قد منع الله تعالى الكل من ذلك-  في حال حياته فكيف بعد الممات-  بقوله تعالى-  لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ- . أجاب قاضي القضاة بأن الموضع كان ملكا لعائشة-  و هي حجرتها التي كانت‏معروفة بها-  و الحجر كلها كانت أملاكا لأزواج النبي ص-  و قد نطق القرآن بذلك في قوله-  وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ-  و ذكر أن عمر استأذن عائشة-  في أن يدفن في ذلك الموضع-  و حتى قال إن لم تأذن لي فادفنوني في البقيع-  و على هذا الوجه يحمل-  ما روي عن الحسن ع أنه لما مات-  أوصى أن يدفن إلى جنب رسول الله ص-  و إن لم يترك ففي البقيع-  فلما كان من مروان و سعيد بن العاص ما كان دفن بالبقيع-  و إنما أوصى بذلك بإذن عائشة-  و يجوز أن يكون علم من عائشة-  أنها جعلت الموضع في حكم الوقف-  فاستباحوا ذلك لهذا الوجه-  قال و في دفنه ع في ذلك الموضع ما يدل على فضل أبي بكر-  لأنه ع لما مات اختلفوا في موضع دفنه-  و كثر القول حتى روى أبو بكر عنه ص أنه قال-  ما يدل على أن الأنبياء إذا ماتوا دفنوا حيث ماتوا-  فزال الخلاف في ذلك- .

اعترض المرتضى فقال-  لا يخلو موضع قبر النبي ص من أن يكون باقيا على ملكه ع-  أو يكون انتقل في حياته إلى عائشة على ما ادعاه-  فإن كان الأول لم يخل أن يكون ميراثا بعده أو صدقة-  فإن كان ميراثا فما كان يحل لأبي بكر و لا لعمر من بعده-  أن يأمرا بدفنهما فيه إلا بعد إرضاء الورثة-  الذين هم على مذهبنا فاطمة و جماعة الأزواج-  و على مذهبهم هؤلاء و العباس-  و لم نجد واحدا منهما خاطب أحدا من هؤلاء الورثة-  على ابتياع هذا المكان و لا استنزله عنه بثمن و لا غيره-  و إن كان صدقة-  فقد كان يجب أن يرضى عنه جماعة المسلمين و يبتاعه منهم-  هذا إن جاز الابتياع لما يجري هذا المجرى-  و إن كان انتقل في حياته-  فقد كان يجب أن يظهر سبب انتقاله و الحجة فيه-  فإن فاطمة ع-  لم يقنع منها في انتقال فدك إلى ملكها بقولها-  و لا بشهادة من‏شهد لها-  فأما تعلقه بإضافة البيوت إليهن في قوله-  وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ فمن ضعيف الشبهة-  لأنا قد بينا فيما مضى من هذا الكتاب-  أن هذه الإضافة لا تقتضي الملك و إنما تقتضي السكنى-  و العادة في استعمال هذه اللفظة فيما ذكرناه ظاهرة-  قال تعالى لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ-  و لم يرد الله تعالى إلا حيث يسكن و ينزلن-  دون حيث يملكن و ما أشبهه-  و أظرف من كل شي‏ء تقدم قوله-  إن الحسن ع استأذن عائشة في أن يدفن في البيت-  حتى منعه مروان و سعيد بن العاص-  لأن هذه مكابرة منه ظاهرة-  فإن المانع للحسن ع من ذلك لم يكن إلا عائشة-  و لعل من ذكره من مروان و سعيد و غيرهما-  أعانها و اتبع في ذلك أمرهما- 

و روي أنها خرجت في ذلك اليوم على بغل-  حتى قال ابن عباس يوما على بغل و يوما على جمل-  فكيف تأذن عائشة في ذلك و هي مالكة الموضع على قولهم-  و يمنع منه مروان و غيره-  ممن لا ملك له في الموضع و لا شركة و لا يد-  و هذا من قبيح ما يرتكب-  و أي فضل لأبي بكر في روايته عن النبي ص حديث الدفن-  و عملهم بقوله إن صح فمن مذهب صاحب الكتاب و أصحابه-  العمل بخبر الواحد العدل في أحكام الدين العظيمة-  فكيف لا يعمل بقول أبي بكر في الدفن-  و هم يعملون بقول من هو دونه فيما هو أعظم من ذلك قلت أما أبو بكر فإنه لا يلحقه بدفنه مع الرسول ص ذم-  لأنه ما دفن نفسه و إنما دفنه الناس و هو ميت-  فإن كان ذلك خطأ فالإثم و الذم لاحقان بمن فعل به ذلك-  و لم يثبت عنه بأنه أوصى أن يدفن مع رسول الله ص- 

و إنما قد يمكن أن يتوجه هذا الطعن إلى عمر-  لأنه سأل عائشة أن يدفن في الحجرة-  مع رسول الله ص و أبي بكر-  و القول عندي مشتبه في أمر حجر الأزواج- هل كانت على ملك رسول الله ص إلى أن توفي-  أم ملكها نساؤه-  و الذي تنطق به التواريخ أنه لما خرج من قباء-  و دخل المدينة و سكن منزل أبي أيوب-  اختط المسجد و اختط حجر نسائه و بناته-  و هذا يدل على أنه كان المالك للمواضع-  و أما خروجها عن ملكه إلى الأزواج و البنات-  فمما لم أقف عليه-  و يجوز أن تكون الصحابة قد فهمت-  من قرائن الأحوال و مما شاهدوه منه ع-  أنه قد أقر كل بيت منها في يد زوجة من الزوجات-  على سبيل الهبة و العطية-  و إن لم ينقل عنه في ذلك صيغة لفظ معين-  و القول في بيت فاطمة ع كذلك-  لأن فاطمة ع لم تكن تملك مالا-  و علي ع بعلها كان فقيرا في حياة رسول الله ص-  حتى أنه كان يستقي الماء ليهود بيده-  يسقي بساتينهم لقوت يدفعونه إليه-  فمن أين كان له ما يبتاع به حجرة يسكن فيها هو و زوجته-  و القول في كثير من الزوجات كذلك-  أنهن كن فقيرات مدقعات-  نحو صفية بنت حيي بن أخطب و جويرية بنت الحارث-  و ميمونة و غيرهن-  فلا وجه يمكن أن يتملك منه هؤلاء النسوة و البنت الحجر-  إلا أن يكون رسول الله ص وهبها لهن-  هذا إن ثبت أنها خرجت عن ملكيته ع-  و إلا فهي باقية على ملكيته باستصحاب الحال-  و القول في حجرة زينب بنت رسول الله ص كذلك-  لأنه أقدمها من مكة-  مفارقة لبعلها أبي العاص بن الربيع-  فأسكنها بالمدينة في حجرة منفردة خالية عن بعل-  فلا بد أن تكون تلك الحجرة بمقتضى ما يتغلب على الظن-  ملكا له ع-  فيستدام الحكم بملكه لها-  إلى أن نجد دليلا ينقلنا عن ذلك-  و أما رقية و أم كلثوم زوجتا عثمان-  فإن كان مثريا ذا مال-  فيجوز أن يكون ابتاع حجرة-  سكنت فيها الأولى منهما ثم الثانية بعدها- .

 

فأما احتجاج قاضي القضاة بقوله-  وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ-  فاعتراض المرتضى عليه قوي-  لأن هذه الإضافة إنما تقتضي التخصيص فقط لا التمليك-  كما قال-  لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ-  و يجوز أن يكون أبو بكر لما روى قوله-  نحن لا نورث-  ترك الحجر في أيدي الزوجات و البنت-  على سبيل الإقطاع لهن لا التمليك أي أباحهن السكنى-  لا التصرف في رقاب الأرض و الأبنية و الآلات-  لما رأى في ذلك من المصلحة-  و لأنه كان من المتهجن القبيح إخراجهن من البيوت-  و ليس كذلك فدك-  فإنها قرية كبيرة ذات نخل كثير خارجة عن المدينة-  و لم تكن فاطمة متصرفة فيها من قبل نفسها و لا بوكيلها-  و لا رأتها قط فلا تشبه حالها حال الحجر-  و أيضا لإباحة هذه الحجر و نزارة أثمانهن-  فإنها كانت مبنية من طين قصيرة الجدران-  فلعل أبا بكر و الصحابة استحقروها-  فأقروا النساء فيها-  و عوضوا المسلمين عنها بالشي‏ء اليسير-  مما يقتضي الحساب أن يكون من سهم الأزواج و البنت-  عند قسمة الفي‏ء- .

و أما القول في الحسن و ما جرى من عائشة و بني أمية-  فقد تقدم-  و كذلك القول في الخبر المروي في دفن الرسول ع-  فكان أبو المظفر هبة الله بن الموسوي صدر المخزن المعمور-  كان في أيام الناصر لدين الله-  إذا حادثته حديث وفاة رسول الله ص و رواية أبي بكر-  ما رواه من قوله ع الأنبياء يدفنون حيث يموتون-  يحلف أن أبا بكر افتعل هذا الحديث في الحال و الوقت-  ليدفن النبي ص في حجرة ابنته-  ثم يدفن هو معه عند موته-  علما منه أنه لم يبق من عمره إلا مثل ظم‏ء الحمار-  و أنه إذا دفن النبي ص في حجرة ابنته-  فإن ابنته تدفنه لا محالة في حجرتها عند بعلها-  و إن دفن النبي ص في موضع‏آخر-  فربما لا يتهيأ له أن يدفن عنده-  فرأى أن هذا الفوز بهذا الشرف العظيم-  و هذا المكان الجليل-  مما لا يقتضي حسن التدبير فوته-  و إن انتهاز الفرصة فيه واجب-  فروى لهم الخبر فلا يمكنهم بعد روايته ألا يعملوا به-  لا سيما و قد صار هو الخليفة-  و إليه السلطان و النفع و الضرر-  و أدرك ما كان في نفسه-  ثم نسج عمر على منواله-  فرغب إلى عائشة في مثل ذلك-  و قد كان يكرمها-  و يقدمها على سائر الزوجات في العطاء و غيره-  فأجابته إلى ذلك-  و كان مطاعا في حياته و بعد مماته-  و كان يقول وا عجبا للحسن-  و طمعه في أن يدفن في حجرة عائشة-  و الله لو كان أبوه الخليفة يومئذ لما تهيأ له ذلك-  و لا تم لبغض عائشة لهم و حسد الناس إياهم-  و تمالؤ بني أمية و غيرهم من قريش عليهم-  و لهذا قالوا يدفن عثمان في حش كوكب-  و يدفن الحسن في حجرة رسول الله ص-  فكيف و الخليفة معاوية و الأمراء بالمدينة بنو أمية-  و عائشة صاحبة الموضع-  و الناصر لبني هاشم قليل و الشانئ كثير- . و أنا أستغفر الله مما كان أبو المظفر يحلف عليه-  و أعلم و أظن ظنا شبيها بالعلم-  أن أبا بكر ما روى إلا ما سمع-  و أنه كان أتقى لله من ذلك.

الطعن التاسع

قولهم إنه نص على عمر بالخلافة-  فخالف رسول الله ص على زعمه-  لأنه كان يزعم هو و من قال بقوله-  أن رسول الله ص لم يستخلف- .و الجواب أن كونه لم يستخلف-  لا يدل على تحريم الاستخلاف-  كما أنه من لم يركب الفيل لا يدل على تحريم ركوب الفيل-  فإن قالوا ركوب الفيل فيه منفعة و لا مضرة فيه-  و لم يرد نص بتحريمه فوجب أن يحسن-  قيل لهم و الاستخلاف مصلحة و لا مضرة فيه-  و قد أجمع المسلمون أنه طريق إلى الإمامة-  فوجب كونه طريقا إليها-  و قد روي عن عمر أنه قال إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر-  و إن أترك فقد ترك من هو خير مني يعني رسول الله ص-  فأما الاجتماع المشار إليه-  فهو أن الصحابة أجمعوا-  على أن عمر إمام بنص أبي بكر عليه-  و أنفذوا أحكامه و انقادوا إليه-  لأجل نص أبي بكر لا لشي‏ء سواه-  فلو لم يكن ذلك طريقا إلى الإمامة لما أطبقوا عليه-  و قد اختلف الشيخان أبو علي و أبو هاشم-  في أن نص الإمام على إمام بعده-  هل يكفي في انعقاد إمامته-  فقال أبو علي لا يكفي-  بل لا بد من أن يرضى به أربعة-  حتى يجري عهده إليه مجرى عقد الواحد برضا أربعة-  فإذا قارنه رضا أربعة صار بذلك إماما-  و يقول في بيعة عمر-  أن أبا بكر أحضر جماعة من الصحابة لما نص عليه-  و رجع إلى رضاهم بذلك-  و قال أبو هاشم بل يكفي نصه ع-  و لا يراعى في ذلك رضا غيره به-  و لو ثبت أن أبا بكر فعله-  لكان على طريق التبع للنص-  لا أنه يؤثر في إمامته مع العهد-  و لعل أبا بكر إن كان فعل ذلك فقد استطاب به نفوسهم-  و لهذا لم يؤثر فيه كراهية طلحة حين قال-  وليت علينا فظا غليظا-  و يبين ذلك أنه لم ينقل استئناف العقد من الصحابة-  لعمر بعد موت أبي بكر-  و لا اجتماع جماعة لعقد البيعة له و الرضا به-  فدل على أنهم اكتفوا بعهد أبي بكر إليه

 

الطعن العاشر

–  قولهم إنه سمى نفسه بخليفة رسول الله ص-  لاستخلافه إياه بعد موته-  مع اعترافه أنه لم يستخلفه- . و الجواب أن الصحابة سمته خليفة رسول الله ص-  لاستخلافه إياه على الصلاة عند موته-  و الاستخلاف على الصلاة عند الموت له مزية-  على الاستخلاف على الصلاة حال الحياة-  لأن حال الموت هي الحال التي تكون فيها العهود-  و الوصايا و ما يهتم به الإنسان من أمور الدنيا و الدين-  لأنها حال المفارقة-  و أيضا فإن رسول الله ص-  ما استخلف أحدا على الصلاة بالمدينة و هو حاضر-  و إنما كان يستخلف على الصلاة قوما-  أيام غيبته عن المدينة-  فلم يحصل الاستخلاف المطلق على الصلاة بالناس كلهم-  و هو ص حاضر بين الناس حي إلا لأبي بكر-  و هذه مزية ظاهرة على سائر الاستخلافات في أمر الصلاة-  فلذلك سموه خليفة رسول الله ص-  و بعد فإذا ثبت أن الإجماع على كون الاختيار-  طريقا إلى الإمامة و حجة-  و ثبت أن قوما من أفاضل الصحابة اختاروه للخلافة-  فقد ثبت أنه خليفة رسول الله ص-  لأنه لا فرق بين أن ينص الرسول ص-  على شخص معين-  و بين أن يشير إلى قوم فيقول-  من اختار هؤلاء القوم فهو الإمام-  في أن كل واحد منهما يصح أن يطلق عليه خليفة رسول الله ص.

 

الطعن الحادي عشر

قولهم إنه حرق الفجاءة السلمي بالنار-  و قد نهى النبي ص أن يحرق أحد بالنار- . و الجواب أن الفجاءة جاء إلى أبي بكر-  كما ذكر أصحاب التواريخ-  فطلب منه سلاحا يتقوى به على الجهاد في أهل الردة-  فأعطاه فلما خرج قطع الطريق-  و نهب أموال المسلمين و أهل الردة جميعا-  و قتل كل من وجد-  كما فعلت الخوارج حيث خرجت-  فلما ظفر به أبو بكر رأى حرقه بالنار-  إرهابا لأمثاله من أهل الفساد-  و يجوز للإمام أن يخص النص العام بالقياس الجلي عندنا.

الطعن الثاني عشر

قولهم إنه تكلم في الصلاة قبل التسليم-  فقال لا يفعلن خالد ما أمرته-  قالوا و لذلك جاز عند أبي حنيفة-  أن يخرج الإنسان من الصلاة بالكلام و غيره-  من مفسدات الصلاة من دون تسليم-  و بهذا احتج أبو حنيفة- . و الجواب أن هذا من الأخبار التي تتفرد بها الإمامية-  و لم تثبت-  و أما أبو حنيفة فلم يذهب إلى ما ذهب إليه-  لأجل هذا الحديث-  و إنما احتج بأن التسليم خطاب آدمي-  و ليس هو من الصلاة و أذكارها-  و لا من أركانها بل هو ضدها-  و لذلك يبطلها قبل التمام-  و لذلك لا يسلم المسبوق تبعا لسلام الإمام-  بل يقوم من غير تسليم-  فدل على أنه ضد للصلاة-  و جميع الأضداد بالنسبة إلى رفع الضد-  على وتيرة واحدة-  و لذلك استوى الكل في‏ الإبطال قبل التمام-  فيستوي الكل في الانتهاء بعد التمام-  و ما يذكره القوم من سبب كلام أبي بكر في الصلاة أمر بعيد-  و لو كان أبو بكر يريد ذلك-  لأمر خالد أن يفعل ذلك الفعل بالشخص المعروف-  و هو نائم ليلا في بيته-  و لا يعلم أحد من الفاعل.

الطعن الثالث عشر

قولهم إنه كتب إلى خالد بن الوليد و هو على الشام-  يأمره أن يقتل سعد بن عبادة-  فكمن له هو و آخر معه ليلا-  فلما مر بهما رمياه فقتلاه-  و هتف صاحب خالد في ظلام الليل-  بعد أن ألقيا سعدا في بئر هناك فيها ماء ببيتين- 

نحن قتلنا سيد الخزرج
سعد بن عباده‏

و رميناه بسهمين‏
فلم تخط فؤاده‏

 يوهم أن ذلك شعر الجن و أن الجن قتلت سعدا-  فلما أصبح الناس فقدوا سعدا-  و قد سمع قوم منهم ذلك الهاتف فطلبوه-  فوجدوه بعد ثلاثة أيام في تلك البئر و قد اخضر-  فقالوا هذا مسيس الجن-  و قال شيطان الطاق لسائل سأله-  ما منع عليا أن يخاصم أبا بكر في الخلافة-  فقال يا ابن أخي خاف أن تقتله الجن- . و الجواب-  أما أنا فلا أعتقد أن الجن قتلت سعدا-  و لا أن هذا شعر الجن و لا أرتاب أن البشر قتلوه-  و أن هذا الشعر شعر البشر-  و لكن لم يثبت عندي أن أبا بكر أمر خالدا-  و لا أستبعد أن يكون فعله من تلقاء نفسه-  ليرضى بذلك أبا بكر و حاشاه-  فيكون الإثم على‏خالد و أبو بكر بري‏ء من إثمه-  و ما ذلك من أفعال خالد ببعيد.

الطعن الرابع عشر

قولهم إنه لما استخلف قطع لنفسه على بيت المال أجرة-  كل يوم ثلاثة دراهم-  قالوا و ذلك لا يجوز-  لأن مصارف أموال بيت المسلمين-  لم يذكر فيها أجرة للإمام- . و الجواب أنه تعالى جعل في جملة مصرف أموال الصدقات-  العاملين عليها و أبو بكر من العاملين-  و اعلم أن الإمامية لو أنصفت لرأت أن هذا الطعن-  بأن يكون من مناقب أبي بكر-  أولى من أن يكون من مساويه و مثالبه-  و لكن العصبية لا حيلة فيها.

الطعن الخامس عشر

قولهم إنه لما استخلف صرخ مناديه في المدينة-  من كان عنده شي‏ء من كلام الله فليأتنا به-  فإنا عازمون على جمع القرآن-  و لا يأتنا بشي‏ء منه إلا و معه شاهدا عدل-  قالوا و هذا خطأ-  لأن القرآن قد بان بفصاحته عن فصاحة البشر-  فأي حاجة إلى شاهدي عدل- . و الجواب أن المرتضى و من تابعه من الشيعة-  لا يصح لهم هذا الطعن-  لأن القرآن عندهم ليس معجزا بفصاحته-  على أن من جعل معجزته للفصاحة لم يقل-  إن كل آية من القرآن هي معجزة في الفصاحة-  و أبو بكر إنما طلب كل آية من القرآن-  لا السورة بتمامها و كمالها-  التي يتحقق الإعجاز من طريق الفصاحة فيها-  و أيضا فإنه لو أحضر إنسان آية أو آيتين-  و لم يكن معه شاهد فربما تختلف العرب-  هل هذه في الفصاحة بالغةمبلغ الإعجاز الكلي-  أم هي ثابتة من كلام العرب بثبوته-  غير بالغة إلى حد الإعجاز-  فكان يلتبس الأمر و يقع النزاع-  فاستظهر أبو بكر بطلب الشهود تأكيدا-  لأنه إذا انضمت الشهادة إلى الفصاحة الظاهرة-  ثبت أن ذلك الكلام من القرآن

وَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ-  إِنِّي وَ اللَّهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وَ هُمْ طِلَاعُ الْأَرْضِ كُلِّهَا-  مَا بَالَيْتُ وَ لَا اسْتَوْحَشْتُ-  وَ إِنِّي مِنْ ضَلَالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ-  وَ الْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ-  لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي وَ يَقِينٍ مِنْ رَبِّي-  وَ إِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ لَمُشْتَاقٌ-  وَ لِحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ-  وَ لَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ هَذِهِ الْأُمَّةَ سُفَهَاؤُهَا وَ فُجَّارُهَا-  فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلًا وَ عِبَادَهُ خَوَلًا-  وَ الصَّالِحِينَ حَرْباً وَ الْفَاسِقِينَ حِزْباً-  فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِي شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ-  وَ جُلِدَ حَدّاً فِي الْإِسْلَامِ-  وَ إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ الرَّضَائِخُ-  فَلَوْ لَا ذَلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ وَ تَأْنِيبَكُمْ-  وَ جَمْعَكُمْ وَ تَحْرِيضَكُمْ-  وَ لَتَرَكْتُكُمْ إِذْ أَبَيْتُمْ وَ وَنَيْتُمْ-  أَ لَا تَرَوْنَ إِلَى أَطْرَافِكُمْ قَدِ انْتَقَصَتْ-  وَ إِلَى أَمْصَارِكُمْ قَدِ افْتُتِحَتْ-  وَ إِلَى مَمَالِكِكُمْ تُزْوَى وَ إِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزَى-  انْفِرُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ-  وَ لَا تَثَّاقَلُوا إِلَى الْأَرْضِ فَتُقِرُّوا بِالْخَسْفِ-  وَ تَبَوَّءُوا بِالذُّلِّ وَ يَكُونَ نَصِيبُكُمُ الْأَخَسَّ-  وَ إِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الْأَرِقُ وَ مَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْهُ وَ السَّلَامُ‏ طلاع الأرض ملؤها-  و منه قول عمر لو أن لي طلاع الأرض ذهبا-  لافتديت به من هول المطلع- . و آسى أحزن- . و أكثرت تأليبكم تحريضكم و إغراءكم به-  و التأنيب أشد اللوم- . و ونيتم ضعفتم و فترتم-  و ممالككم تزوى أي تقبض- . و لا تثاقلوا بالتشديد أصله تتثاقلوا-  و تقروا بالخسف تعترفوا بالضيم و تصبروا له-  و تبوءوا بالذل ترجعوا به و الأرق الذي لا ينام-  و مثل قوله ع-  من نام لم ينم عنه قول الشاعر- 

   لله درك ما أردت بثائر
حران ليس عن الترات براقد

أسهرته ثم اضطجعت و لم ينم‏
حنقا عليك و كيف نوم الحاقد

فأما الذي رضخت له على الإسلام الرضائخ فمعاوية-  و الرضيخة شي‏ء قليل يعطاه الإنسان-  يصانع به عن شي‏ء يطلب منه كالأجر-  و ذلك لأنه من المؤلفة قلوبهم الذين رغبوا في الإسلام-  و الطاعة بجمال وشاء دفعت إليهم-  و هم قوم معروفون كمعاوية و أخيه يزيد-  و أبيهما أبي سفيان و حكيم بن حزام و سهيل بن عمرو-  و الحارث بن هشام بن المغيرة و حويطب بن عبد العزى-  و الأخنس بن شريق و صفوان بن أمية-  و عمير بن وهب الجمحي و عيينة بن حصن-  و الأقرع بن حابس و عباس بن مرداس و غيرهم-  و كان إسلام هؤلاء للطمع و الأغراض الدنياوية-  و لم يكن عن أصل و لا عن يقين و علم- .

 

و قال الراوندي-  عنى بقوله رضخت لهم الرضائخ-  عمرو بن العاص-  و ليس بصحيح لأن عمرا لم يسلم بعد الفتح-  و أصحاب الرضائخ كلهم أسلموا بعد الفتح-  صونعوا على الإسلام بغنائم حنين-  و لعمري إن إسلام عمرو كان مدخولا أيضا-  إلا أنه لم يكن عن رضيخة و إنما كان لمعنى آخر-  فأما الذي شرب الحرام و جلد في حد الإسلام-  فقد قال الراوندي هو المغيرة بن شعبة-  و أخطأ فيما قال-  لأن المغيرة إنما اتهم بالزنى و لم يحد-  و لم يجر للمغيرة ذكر في شرب الخمر-  و قد تقدم خبر المغيرة مستوفى-  و أيضا فإن المغيرة لم يشهد صفين مع معاوية و لا مع علي ع-  و ما للراوندي و لهذا-  إنما يعرف هذا الفن أربابه-  و الذي عناه علي ع الوليد بن عقبة بن أبي معيط-  و كان أشد الناس عليه-  و أبلغهم تحريضا لمعاوية و أهل الشام على حربه

أخبار الوليد بن عقبة

و نحن نذكر خبر الوليد و شربه الخمر-  منقولا من كتاب الأغاني-  لأبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني-  قال أبو الفرج-  كان سبب إمارة الوليد بن عقبة الكوفة لعثمان-  ما حدثني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال-  حدثنا عمر بن شبة قال-  حدثني عبد العزيز بن محمد بن حكيم-  عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبيه قال-  لم يكن يجلس مع عثمان على سريره-  إلا العباس بن عبد المطلب و أبو سفيان بن حرب-  و الحكم بن أبي العاص و الوليد بن عقبة-  و لم يكن سريره يسع إلا عثمان و واحدا منهم-  فأقبل الوليد يوما فجلس-  فجاء الحكم بن أبي العاص فأومأ عثمان إلى الوليد-  فرحل له عن مجلسه-  فلما قام الحكم قال الوليد-  و الله يا أمير المؤمنين لقد تلجلج في صدري بيتان-  قلتهما حين رأيتك آثرت ابن عمك على ابن أمك-  و كان الحكم عم عثمان و الوليد أخاه‏ لأمه-  فقال عثمان إن الحكم شيخ قريش فما البيتان-  فقال

   رأيت لعم المرء زلفى قرابة
دوين أخيه حادثا لم يكن قدما

فأملت عمرا أن يشب و خالدا
لكي يدعواني يوم نائبة عما

يعني عمرا و خالدا ابني عثمان-  قال فرق له عثمان و قال-  قد وليتك الكوفة فأخرجه إليها- . قال أبو الفرج و أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال-  حدثني عمر بن شبة قال-  حدثني بعض أصحابنا عن ابن دأب قال-  لما ولى عثمان الوليد بن عقبة الكوفة-  قدمها و عليها سعد بن أبي وقاص-  فأخبر بقدومه و لم يعلم أنه قد أمر فقال و ما صنع-  قالوا وقف في السوق فهو يحدث الناس هناك-  و لسنا ننكر شيئا من أمره-  فلم يلبث أن جاءه نصف النهار-  فاستأذن على سعد فأذن له-  فسلم عليه بالإمرة و جلس معه-  فقال له سعد-  ما أقدمك يا أبا وهب قال أحببت زيارتك-  قال و على ذاك أ جئت بريدا-  قال أنا أرزن من ذلك-  و لكن القوم احتاجوا إلى عملهم فسرحوني إليه-  و قد استعملني أمير المؤمنين على الكوفة-  فسكت سعد طويلا ثم قال-  لا و الله ما أدري أصلحت بعدنا أم فسدنا بعدك-  ثم قال- 

كليني و جريني ضباع و أبشري
بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره‏

فقال الوليد أما و الله لأنا أقول للشعر منك-  و أروى له و لو شئت لأجبتك و لكني أدع ذاك لما تعلم-  نعم و الله لقد أمرت بمحاسبتك و النظر في أمر عمالك-  ثم بعث إلى عمال سعد فحبسهم و ضيق عليهم-  فكتبوا إلى سعد يستغيثون به-  فكلمه فيهم فقال له أ و للمعروف عندك موضع-  قال نعم فخلى سبيلهم- .

 

قال أحمد و حدثني عمر عن أبي بكر الباهلي-  عن هشيم عن العوام بن حوشب قال-  لما قدم الوليد على سعد قال له سعد-  و الله ما أدري كست بعدنا أم حمقنا بعدك-  فقال لا تجزعن يا أبا إسحاق-  فإنه الملك يتغداه قوم و يتعشاه آخرون-  فقال سعد أراكم و الله ستجعلونه ملكا- . قال أبو الفرج و حدثنا أحمد قال حدثني عمر قال-  حدثني هارون بن معروف عن ضمرة بن ربيعة-  عن ابن شوذب قال-  صلى الوليد بأهل الكوفة الغداة أربع ركعات-  ثم التفت إليهم فقال أزيدكم-  فقال عبد الله بن مسعود ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم- . قال أبو الفرج-  و حدثني أحمد قال حدثنا عمر قال-  حدثنا محمد بن حميد قال-  حدثنا جرير عن الأجلح عن الشعبي قال-  قال الحطيئة يذكر الوليد- 

 شهد الحطيئة يوم يلقى ربه
إن الوليد أحق بالغدر

نادى و قد تمت صلاتهم‏
أ أزيدكم سكرا و لم يدر

فأبوا أبا وهب و لو أذنوا
لقرنت بين الشفع و الوتر

كفوا عنانك إذ جريت و لو
تركوا عنانك لم تزل تجري‏

و قال الحطيئة أيضا-

تكلم في الصلاة و زاد فيها
علانية و أعلن بالنفاق‏

و مج الخمر في سنن المصلي‏
و نادى و الجميع إلى افتراق‏

أزيدكم على أن تحمدوني
فما لكم و ما لي من خلاق‏

قال أبو الفرج و أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال-  حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال-  قال أبو عبيدة و هشام بن الكلبي و الأصمعي-  كان الوليد زانيا يشرب الخمر-  فشرب بالكوفة و قام ليصلي بهم الصبح في المسجد الجامع-  فصلى بهم أربع ركعات ثم التفت إليهم فقال أزيدكم-  و تقيأ في المحراب بعد أن قرأ بهم رافعا صوته في الصلاة- 

        علق القلب الربابا
بعد ما شابت و شابا

فشخص أهل الكوفة إلى عثمان فأخبروه بخبره-  و شهدوا عليه بشرب الخمر-  فأتي به فأمر رجلا من المسلمين أن يضربه الحد-  فلما دنا منه قال نشدتك الله و قرابتي من أمير المؤمنين فتركه-  فخاف علي بن أبي طالب ع أن يعطل الحد-  فقام إليه فحده بيده-  فقال الوليد نشدتك الله و القرابة-  فقال أمير المؤمنين ع اسكت أبا وهب-  فإنما هلك بنو إسرائيل لتعطيلهم الحدود-  فلما ضربه و فرغ منه قال-  لتدعوني قريش بعدها جلادا-  قال إسحاق و حدثني مصعب بن الزبير قال-  قال الوليد بعد ما شهدوا عليه فجلد-  اللهم إنهم قد شهدوا علي بزور فلا ترضهم عن أمير-  و لا ترض عنهم أميرا-  قال و قد عكس الحطيئة أبياته فجعلها مدحا للوليد- 

شهد الحطيئة حين يلقى ربه
أن الوليد أحق بالعذر

كفوا عنانك إذ جريت و لو
تركوا عنانك لم تزل تجري‏

و رأوا شمائل ماجد أنف‏
يعطى على الميسور و العسر

فنزعت مكذوبا عليك و لم
تنزع على طمع و لا ذعر

 قال أبو الفرج و نسخت من كتاب هارون بن الرباب بخطه-  عن عمر بن شبة قال-  شهد رجل عند أبي العجاج و كان على قضاء البصرة-  على رجل من المعيطيين بشهادة-  و كان الشاهد سكران فقال المشهود عليه-  و هو المعيطي أعزك الله أيها القاضي-  إنه لا يحسن من السكر أن يقرأ شيئا من القرآن-  فقال الشاهد بلى أحسن قال فاقرأ فقال- 

علق القلب الربابا
بعد ما شابت و شابا

 يمجن بذلك-  و يحكي ما قاله الوليد في الصلاة-  و كان أبو العجاج أحمق فظن أن هذا الكلام من القرآن-  فجعل يقول صدق الله و رسوله-  ويلكم كم تعلمون و لا تعملون- . قال أبو الفرج و أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال-  حدثنا عمر بن شبة عن المدائني عن مبارك بن سلام-  عن فطر بن خليفة عن أبي الضحى قال-  كان ناس من أهل الكوفة يتطلبون عثرة الوليد بن عقبة-  منهم أبو زينب الأزدي و أبو مورع-  فجاءا يوما و لم يحضر الوليد الصلاة-  فسألا عنه فتلطفا حتى علما أنه يشرب-  فاقتحما الدار فوجداه يقي‏ء-  فاحتملاه و هو سكران حتى وضعاه على سريره-  و أخذا خاتمه من يده فأفاق فافتقد خاتمه-  فسأل عنه أهله فقالوا لا ندري-  و قد رأينا رجلين دخلا عليك-فاحتملاك فوضعاك على سريرك-  فقال صفوهما لي-  فقالوا أحدهما آدم طوال حسن الوجه-  و الآخر عريض مربوع عليه خميصة-  فقال هذا أبو زينب و هذا أبو مورع- .

قال و لقي أبو زينب و صاحبه عبد الله بن حبيش الأسدي-  و علقمة بن يزيد البكري و غيرهما-  فأخبروهم فقالوا أشخصوا إلى أمير المؤمنين فأعلموه-  و قال بعضهم إنه لا يقبل قولكم في أخيه-  فشخصوا إليه فقالوا إنا جئناك في أمر-  و نحن مخرجوه إليك من أعناقنا-  و قد قيل إنك لا تقبله-  قال و ما هو قالوا رأينا الوليد-  و هو سكران من خمر شربها-  و هذا خاتمه أخذناه من يده و هو لا يعقل- فأرسل عثمان إلى علي ع فأخبره-  فقال أرى أن تشخصه-  فإذا شهدوا عليه بمحضر منه حددته-  فكتب عثمان إلى الوليد فقدم عليه-  فشهد عليه أبو زينب و أبو مورع-  و جندب الأزدي و سعد بن مالك الأشعري-  فقال عثمان لعلي ع-  قم يا أبا الحسن فاجلده-  فقال علي ع للحسن ابنه قم فاضربه-  فقال الحسن ما لك و لهذا يكفيك غيرك-  فقال علي لعبد الله بن جعفر قم فاضربه-  فضربه بمخصرة فيها سير له رأسان-  فلما بلغ أربعين قال حسبك- .

قال أبو الفرج و حدثني أحمد قال حدثنا عمر قال-  حدثني المدائني عن الوقاصي عن الزهري قال-  خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد-  فقال أ كلما غضب رجل على أميره رماه بالباطل-  لئن أصبحت لكم لأنكلن بكم-  فاستجاروا بعائشة-  و أصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا و كلاما-  فيه بعض الغلظة-  فقال أ ما يجد فساق العراق و مراقها ملجأ-  إلا بيت عائشة-  فسمعت فرفعت نعل رسول الله ص و قالت-  تركت سنة صاحب هذا النعل-  و تسامع الناس فجاءوا حتى ملئوا المسجد-  فمن قائل قد أحسنت و من قائل ما للنساء و لهذا-  حتى تخاصمواو تضاربوا بالنعال-  و دخل رهط من أصحاب رسول الله ص على عثمان-  فقالوا له اتق الله و لا تعطل الحدود-  و اعزل أخاك عنهم ففعل قال أبو الفرج حدثنا أحمد قال حدثني عمر-  عن المدائني عن أبي محمد الناجي-  عن مطر الوراق قال-  قدم رجل من أهل الكوفة إلى المدينة-  فقال لعثمان إني صليت صلاة الغداة خلف الوليد-  فالتفت في الصلاة إلى الناس فقال أ أزيدكم-  فإني أجد اليوم نشاطا-  و شممنا منه رائحة الخمر-  فضرب عثمان الرجل-  فقال الناس عطلت الحدود و ضربت الشهود- . قال أبو الفرج و حدثنا أحمد قال حدثنا عمر قال-  حدثنا أبو بكر الباهلي عن بعض من حدثه قال-  لما شهد على الوليد عند عثمان بشرب الخمر-  كتب إليه يأمره بالشخوص-  فخرج و خرج معه قوم يعذرونه-  منهم عدي بن حاتم الطائي-  فنزل الوليد يوما يسوق بهم فارتجز و قال- 

لا تحسبنا قد نسينا الأحقاف
و النشوات من معتق صاف‏
و عزف قينات علينا عزاف‏

فقال عدي فأين تذهب بنا إذن فأقم- . قال أبو الفرج و قد روى أحمد عن عمر عن رجاله-  عن الشعبي عن جندب الأزدي قال-  كنت فيمن شهد على الوليد عند عثمان-  فلما استتممنا عليه الشهادة حبسه عثمان-  ثم ذكر باقي الخبر و ضرب علي ع إياه-  و قول الحسن ابنه ما لك و لهذا-  و زاد فيه و قال علي ع لست إذن مسلما-  أو قال من المسلمين- .

 

 قال أبو الفرج و أخبرني أحمد عن عمر عن رجاله أن الشهادة لما تمت قال عثمان لعلي ع-  دونك ابن عمك فأقم عليه الحد-  فأمر علي ع ابنه الحسن ع فلم يفعل فقال يكفيك غيرك-  فقال علي ع بل ضعفت و وهنت و عجزت-  قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده فقام فجلده-  و علي ع يعد حتى بلغ أربعين-  فقال له علي ع أمسك حسبك-  جلد رسول الله ص أربعين-  و جلد أبو بكر أربعين و كملها عمر ثمانين-  و كل سنة- .

قال أبو الفرج و حدثني أحمد عن عمر-  عن عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد قال-  و أخبرني بذلك أيضا إبراهيم بن محمد بن أيوب-  عن عبد الله بن مسلم قالوا جميعا-  لما ضرب عثمان الوليد الحد قال-  إنك لتضربني اليوم بشهادة قوم ليقتلنك عاما قابلا- . قال أبو الفرج-  و حدثني أحمد بن عبد العزيز الجوهري-  عن عمر بن شبة عن عبد الله بن محمد بن حكيم-  عن خالد بن سعيد-  و أخبرني أيضا إبراهيم عن عبد الله قالوا جميعا-  كان أبو زبيد الطائي نديما للوليد بن عقبة-  أيام ولايته الكوفة-  فلما شهدوا عليه بالسكر من الخمر خرج عن الكوفة معزولا-  فقال أبو زبيد يتذكر أيامه و ندامته- 

 من يرى العير أن تمشي على ظهر
المرورى حداتهن عجال‏

ناعجات و البيت بيت أبي وهب‏
خلاء تحن فيه الشمال‏

يعرف الجاهل المضلل أن الدهر
فيه النكراء و الزلزال‏

ليت شعري كذا كم العهد أم كانوا
أناسا كمن يزول فزالوا

بعد ما تعلمين يا أم عمرو
كان فيهم عز لنا و جمال‏

و وجوه تودنا مشرقات‏
و نوال إذا أريد النوال‏

أصبح البيت قد تبدل بالحي
وجوها كأنها الأقيال‏

كل شي‏ء يحتال فيه الرجال‏
غير أن ليس للمنايا احتيال‏

و لعمر الإله لو كان للسيف
مضاء و للسان مقال‏

ما تناسيتك الصفاء و لا
الود و لا حال دونك الإشغال‏

و لحرمت لحمك المتعضي
ضلة ضل حلمهم ما اغتالوا

قولهم شربك الحرام و قد كان‏
شراب سوى الحرام حلال‏

و أبي ظاهر العداوة و الشنآن
إلا مقال ما لا يقال‏

من رجال تقارضوا منكرات‏
لينالوا الذي أرادوا فنالوا

غير ما طالبين ذحلا و لكن
مال دهر على أناس فمالوا

من يخنك الصفاء أو يتبدل‏
أو يزل مثل ما يزول الظلال‏

فاعلمن أنني أخوك أخو
الود حياتي حتى تزول الجبال‏

ليس بخلي عليك يوما بمال‏
أبدا ما أقل نعلا قبال‏

و لك النصر باللسان و بالكف
إذا كان لليدين مصال‏

قال أبو الفرج و حدثني أحمد قال حدثني عمر قال-  لما قدم الوليد بن عقبة الكوفة قدم عليه أبو زبيد-  فأنزله دار عقيل بن أبي طالب على باب المسجد-  و هي التي‏ تعرف بدار القبطي-  فكان مما احتج به عليه أهل الكوفة-  أن أبا زبيد كان يخرج إليه من داره-  و هو نصراني يخترق المسجد فيجعله طريقا- . قال أبو الفرج-  و أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال-  حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي-  أن أبا زبيد وفد على الوليد-  حين استعمله عثمان على الكوفة-  فأنزله الوليد دار عقيل بن أبي طالب عند باب المسجد-  و استوهبها منه فوهبها له-  فكان ذلك أول الطعن عليه من أهل الكوفة-  لأن أبا زبيد كان يخرج من داره حتى يشق المسجد إلى الوليد-  فيسمر عنده و يشرب معه-  و يخرج فيشق المسجد و هو سكران-  فذاك نبههم عليه-  قال و قد كان عثمان ولى الوليد صدقات بني تغلب-  فبلغه عنه شعر فيه خلاعه فعزله-  قال فلما ولاه الكوفة اختص أبا زبيد الطائي و قربه-  و مدحه أبو زبيد بشعر كثير-  و قد كان الوليد استعمل-  الربيع بن مري بن أوس بن حارثة بن لام الطائي-  على الحمى فيما بين الجزيرة و ظهر الحيرة-  فأجدبت الجزيرة-  و كان أبو زبيد في بني تغلب نازلا-  فخرج بإبلهم ليرعيهم-  فأبى عليهم الربيع بن مري و منعهم-  و قال لأبي زبيد إن شئت أرعيك وحدك فعلت-  فأتى أبو زبيد إلى الوليد فشكاه-  فأعطاه ما بين القصور الحمر من الشام-  إلى القصور الحمر من الحيرة و جعلها له حمى-  و أخذها من الربيع بن مري فقال أبو زبيد يمدح الوليد-  و الشعر يدل على أن الحمى كان بيد مري بن أوس-  لا بيد الربيع ابنه-  و هكذا هو في رواية عمر بن شبة- 

لعمر أبيك يا ابن أبي مري
لغيرك من أباح لنا الديارا

أباح لنا أبارق ذات قور
و نرعى القف منها و القفارا

بحمد الله ثم فتى قريش
أبي وهب غدت بدنا غزارا

أباح لنا و لا نحمي عليكم‏
إذا ما كنتم سنة جزارا

قال يقول إذا أجدبتم فإنا لا نحميها عليكم- و إذا كنتم أسأتم و حميتموها علينا- .

فتى طالت يداه إلى المعالي
و طحطحت المجذمة القصارا

قال و من شعر أبي زبيد- فيه يذكر نصره له على مري بن أوس بن حارثة-

يا ليت شعري بأنباء أنبؤها
قد كان يعنى بها صدري و تقديري‏

عن امرئ ما يزده الله من شرف‏
أفرح به و مري غير مسرور

إن الوليد له عندي و حق له
ود الخليل و نصح غير مذخور

لقد دعاني و أدناني أظهرني‏
على الأعادي بنصر غير تغرير

و شذب القوم عني غير مكترث
حتى تناهوا على رغم و تصغير

نفسي فداء أبي وهب و قل له‏
يا أم عمرو فحلي اليوم أو سيري‏

و قال أبو زبيد يمدح الوليد و يتألم لفراقه- حين عزل عن الكوفة-

لعمري لئن أمسى الوليد ببلدة
سواي لقد أمسيت للدهر معورا

خلا أن رزق الله غاد و رائح‏
و إني له راج و إن سار أشهرا

و كان هو الحصن الذي ليس مسلمي
إذا أنا بالنكراء هيجت معشرا

إذا صادفوا دوني الوليد فإنما
يرون بوادي ذي حماس مزعفرا

و هي طويلة يصف فيها الأسد قال أبو الفرج و حدثنا أحمد بن عبد العزيز-  قال حدثنا عمر عن رجاله عن الوليد قال-  لما فتح رسول الله ص مكة-  جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم-  فيدعو لهم بالبركة و يمسح يده على رءوسهم-  فجي‏ء بي إليه و أنا مخلق فلم يمسني-  و ما منعه إلا أن أمي خلقتني بخلوق-  فلم يمسني من أجل الخلوق- .

 قال أبو الفرج و حدثني إسحاق بن بنان الأنماطي عن حنيش بن ميسر عن عبد الله بن موسى عن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال الوليد بن عقبة لعلي بن أبي طالب ع-  أنا أحد منك سنانا و أبسط منك لسانا و أملأ للكتيبة-  فقال علي ع اسكت يا فاسق فنزل القرآن فيهما-  أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ‏- .

قال أبو الفرج و حدثني أحمد بن عبد العزيز-  عن عمر بن شبة عن محمد بن حاتم عن يونس بن عمر-  عن شيبان عن يونس عن قتادة في قوله تعالى-  يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا-  قال هو الوليد بن عقبة بعثه النبي ص مصدقا إلى بني المصطلق-  فلما رأوه أقبلوا نحوه فهابهم-  فرجع إلى النبي ص فقال له-  إنهم ارتدوا عن الإسلام-  فبعث النبي ص خالد بن الوليد فعلم عملهم-  و أمره أن يتثبت و قال له انطلق و لا تعجل-  فانطلق حتى أتاهم ليلا و أنفذ عيونه نحوهم-  فلما جاءوه أخبروه أنهم متمسكون بالإسلام-  و سمع أذانهم و صلاتهم-  فلما أصبح أتاهم فرأى ما يعجبه-  فرجع إلى الرسول ص فأخبره فنزلت هذه الآية- .

 

قلت-  قد لمح ابن عبد البر صاحب كتاب الإستيعاب-  في هذا الموضع نكتة حسنة-  فقال في حديث الخلوق-  هذا حديث مضطرب منكر لا يصح-  و ليس يمكن أن يكون من بعثه النبي ص مصدقا-  صبيا يوم الفتح-  قال و يدل أيضا على فساده-  أن الزبير بن بكار و غيره من أهل العلم بالسير و الأخبار-  ذكروا أن الوليد و أخاه عمارة ابني عقبة بن أبي معيط-  خرجا من مكة ليردا أختهما أم كلثوم عن الهجرة-  و كانت هجرتها في الهدنة-  التي بين النبي ص و بين أهل مكة-  و من كان غلاما مخلقا بالخلوق يوم الفتح-  ليس يجي‏ء منه مثل هذا-  قال و لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن-  أن قوله عز و جل إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا-  أنزلت في الوليد لما بعثه رسول الله ص مصدقا-  فكذب على بني المصطلق و قال-  إنهم ارتدوا و امتنعوا من أداء الصدقة-  قال أبو عمر و فيه و في علي ع نزل-  أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ-  في قصتهما المشهورة-  قال و من كان صبيا يوم الفتح لا يجي‏ء منه مثل هذا-  فوجب أن ينظر في حديث الخلوق-  فإنه رواية جعفر بن برقان عن ثابت-  عن الحجاج عن أبي موسى الهمداني-  و أبو موسى مجهول لا يصح حديثه- .

ثم نعود إلى كتاب أبي الفرج الأصبهاني-  قال أبو الفرج و أخبرني أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة عن عبد الله بن موسى عن نعيم بن حكيم عن أبي مريم عن علي ع أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت إلى النبي ص-  تشتكي إليه الوليد و قالت إنه يضربها-  فقال لها ارجعي إليه و قولي له-  إن رسول الله قد أجارني فانطلقت-  فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت-  إنه‏ ما أقلع عني-  فقطع رسول الله ص هدبة من ثوبه-  و قال اذهبي بها إليه و قولي له إن رسول الله قد أجارني-  فانطلقت فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت-  ما زادني إلا ضربا-  فرفع رسول الله ص يده ثم قال-  اللهم عليك بالوليد مرتين أو ثلاثا- .

قال أبو الفرج-  و اختص الوليد لما كان واليا بالكوفة ساحرا-  كاد يفتن الناس-  كان يريه كتيبتين تقتتلان-  فتحمل إحداهما على الأخرى فتهزمها-  ثم يقول له أ يسرك-  أن أريك المنهزمة تغلب الغالبة فتهزمها-  فيقول نعم-  فجاء جندب الأزدي مشتملا على سيفه-  فقال أفرجوا لي فأفرجوا فضربه حتى قتله-  فحبسه الوليد قليلا ثم تركه- . قال أبو الفرج و روى أحمد عن عمر عن رجاله-  أن جندبا لما قتل الساحر حبسه الوليد-  فقال له دينار بن دينار فيم حبست هذا-  و قد قتل من أعلن بالسحر في دين محمد ص-  ثم مضى إليه فأخرجه من الحبس-  فأرسل الوليد إلى دينار بن دينار فقتله- . قال أبو الفرج حدثني عمي الحسن بن محمد قال-  حدثني الخراز عن المدائني عن علي بن مجاهد-  عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان-  عن الزهري و غيره-  أن رسول الله ص-  لما انصرف عن غزاة بني المصطلق-  نزل رجل من المسلمين فساق بالقوم و رجز-  ثم آخر فساق بهم و رجز-  ثم بدا لرسول الله ص أن يواسي أصحابه-  فنزل فساق بهم و رجز و جعل يقول فيما يقول- 

جندب و ما جندب
و الأقطع زيد الخير

فدنا منه أصحابه فقالوا يا رسول الله- ما ينفعنا سيرنا مخافة أن تنهشك دابة- أو تصيبك نكبة- فركب و دنوا منه و قالوا- قلت قولا لا ندري ما هو قال و ما ذاك- قالوا كنت تقول-

جندب و ما جندب
و الأقطع زيد الخير

 فقال رجلان يكونان في هذه الأمة- يضرب أحدهما ضربة يفرق بين الحق و الباطل- و تقطع يد الآخر في سبيل الله- ثم يتبع الله آخر جسده بأوله- و كان زيد هو زيد بن صوحان- و قطعت يده في سبيل الله يوم جلولاء- و قتل يوم الجمل مع علي بن أبي طالب ع- و أما جندب هذا فدخل على الوليد بن عقبة- و عنده ساحر يقال له أبو شيبان- يأخذ أعين الناس فيخرج مصارين بطنهم ثم يردها- فجاء من خلفه فضربه فقتله و قال-

العن وليدا و أبا شيبان
و ابن حبيش راكب الشيطان‏
رسول فرعون إلى هامان‏

 قال أبو الفرج و قد روي أن هذا الساحر-  كان يدخل عند الوليد في جوف بقرة حية-  ثم يخرج منها-  فرآه جندب فذهب إلى بيته فاشتمل على سيف-  فلما دخل الساحر في البقرة قال جندب-  أ فتأتون السحر و أنتم تبصرون-  ثم ضرب وسط البقرة فقطعها و قطع الساحر معها-  فذعر الناس فسجنه الوليد و كتب بأمره إلى عثمان- . قال أبو الفرج فروى أحمد بن عبد العزيز-  عن حجاج بن نصير عن قرة عن‏محمد بن سيرين قال-  انطلق بجندب بن كعب الأزدي-  قاتل الساحر بالكوفة إلى السجن-  و على السجن رجل نصراني من قبل الوليد-  و كان يرى جندب بن كعب يقوم بالليل و يصبح صائما-  فوكل بالسجن رجلا-  ثم خرج فسأل الناس عن أفضل أهل الكوفة-  فقالوا الأشعث بن قيس فاستضافه-  فجعل يراه ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه-  فخرج من عنده و سأل أي أهل الكوفة أفضل-  قالوا جرير بن عبد الله فذهب إليه-  فوجده ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه-  فاستقبل القبلة و قال ربي رب جندب و ديني دين جندب-  ثم أسلم- . قال أبو الفرج-  فلما نزع عثمان الوليد عن الكوفة-  أمر عليها سعيد بن العاص-  فلما قدمها قال اغسلوا هذا المنبر-  فإن الوليد كان رجلا نجسا فلم يصعده حتى غسل-  قال أبو الفرج و كان الوليد أسن من سعيد بن العاص-  و أسخى نفسا و ألين جانبا و أرضى عندهم-  فقال بعض شعرائهم- 

   و جاءنا من بعده سعيد
ينقص في الصاع و لا يزيد

و قال آخر منهم-

فررت من الوليد إلى سعيد
كأهل الحجر إذ فزعوا فباروا

يلينا من قريش كل عام‏
أمير محدث أو مستشار

لنا نار تحرقنا فنخشى
و ليس لهم و لا يخشون نار

قال أبو الفرج و حدثنا أحمد قال-  حدثنا عمر عن المدائني قال-  قدم الوليد بن‏ عقبة الكوفة في أيام معاوية-  زائرا للمغيرة بن شعبة-  فأتاه أشراف الكوفة فسلموا عليه-  و قالوا و الله ما رأينا بعدك مثلك-  فقال أ خيرا أم شرا قالوا بل خيرا-  قال و لكني ما رأيت بعدكم شرا منكم-  فأعادوا الثناء عليه-  فقال بعض ما تأتون به-  فو الله إن بغضكم لتلف و إن حبكم لصلف قال أبو الفرج و روى عمر بن شبة-  أن قبيصة بن جابر كان ممن كثر على الوليد-  فقال معاوية يوما و الوليد و قبيصة عنده-  يا قبيصة ما كان شأنك و شأن الوليد-  قال خير يا أمير المؤمنين-  إنه في أول الأمر وصل الرحم و أحسن الكلام-  فلا تسأل عن شكر و حسن ثناء-  ثم غضب على الناس و غضبوا عليه و كنا معهم-  فإما ظالمون فنستغفر الله و إما مظلومون فيغفر الله له-  فخذ في غير هذا يا أمير المؤمنين-  فإن الحديث ينسي القديم-  قال معاوية ما أعلمه إلا قد أحسن السيرة-  و بسط الخير و قبض الشر-  قال فأنت يا أمير المؤمنين اليوم أقدر على ذلك فافعله-  فقال اسكت لا سكت فسكت و سكت القوم-  فقال معاوية بعد يسير ما لك لا تتكلم يا قبيصة-  قال نهيتني عما كنت أحب فسكت عما لا أحب- . قال أبو الفرج-  و مات الوليد بن عقبة فويق الرقة-  و مات أبو زبيد هناك-  فدفنا جميعا في موضع واحد-  فقال في ذلك أشجع السلمي و قد مر بقبريهما- 

 مررت على عظام أبي زبيد
و قد لاحت ببلقعة صلود

فكان له الوليد نديم صدق‏
فنادم قبره قبر الوليد

و ما أدري بمن تبدو المنايا
بحمزة أم بأشجع أم يزيد

قيل هم إخوته و قيل ندماؤه- . قال أبو الفرج و حدثني أحمد بن عبد العزيز-  عن محمد بن زكريا الغلابي‏ عن عبد الله بن الضحاك-  عن هشام بن محمد عن أبيه قال-  وفد الوليد بن عقبة و كان جوادا إلى معاوية-  فقيل له هذا الوليد بن عقبة بالباب-  فقال و الله ليرجعن مغيظا غير معطى-  فإنه الآن قد أتانا يقول-  علي دين و علي كذا-  ائذن له فأذن له فسأله و تحدث معه-  ثم قال له معاوية-  أما و الله إن كنا لنحب إتيان مالك بالوادي-  و لقد كان يعجب أمير المؤمنين-  فإن رأيت أن تهبه ليزيد فافعل-  قال هو ليزيد-  ثم خرج و جعل يختلف إلى معاوية-  فقال له يوما انظر يا أمير المؤمنين في شأني-  فإن علي مئونة و قد أرهقني دين-  فقال له أ لا تستحيي لنفسك و حسبك-  تأخذ ما تأخذه فتبذره-  ثم لا تنفك تشكو دينا-  فقال الوليد أفعل ثم انطلق من مكانه-  فسار إلى الجزيرة و قال يخاطب معاوية- 

  فإذا سئلت تقول لا
و إذا سألت تقول هات‏

تأبى فعال الخير لا
تروي و أنت على الفرات‏

أ فلا تميل إلى نعم
أو ترك لا حتى الممات‏

و بلغ معاوية شخوصه إلى الجزيرة فخافه- و كتب إليه أقبل فكتب-

أعف و أستعفي كما قد أمرتني
فأعط سواي ما بدا لك و ابخل‏

سأحدو ركابي عنك إن عزيمتي‏
إذا نابني أمر كسلة منصل‏

و إني امرؤ للنأي مني تطرب
و ليس شبا قفل علي بمقفل‏

ثم رحل إلى الحجاز فبعث إليه معاوية بجائزة- . و أما أبو عمر بن عبد البر-  فإنه ذكر في الإستيعاب في باب الوليد قال-  إن له أخبارا فيها شناعة تقطع على سوء حاله-  و قبح أفعاله غفر الله لنا و له-  فلقد كان من رجال قريش‏ظرفا و حلما-  و شجاعة و جودا و أدبا-  و كان من الشعراء المطبوعين-  قال و كان الأصمعي و أبو عبيدة و ابن الكلبي و غيرهم-  يقولون إنه كان فاسقا شريب خمر و كان شاعرا كريما-  قال و أخباره في شربه الخمر-  و منادمته أبا زبيد الطائي كثيرة مشهورة-  و يسمج بنا ذكرها و لكنا نذكر منها طرفا-  ثم ذكر ما ذكره أبو الفرج في الأغاني-  و قال إن خبر الصلاة و هو سكران-  و قوله أ أزيدكم-  خبر مشهور روته الثقات من نقلة الحديث- . قال أبو عمر بن عبد البر-  و قد ذكر الطبري في رواية-  أنه تغضب عليه قوم من أهل الكوفة حسدا و بغيا-  و شهدوا عليه بشرب الخمر-  و قال إن عثمان قال له يا أخي اصبر-  فإن الله يأجرك و يبوء القوم بإثمك- . قال أبو عمر-  هذا الحديث لا يصح عند أهل الأخبار و نقلة الحديث-  و لا له عند أهل العلم أصل-  و الصحيح ثبوت الشهادة عليه عند عثمان-  و جلده الحد و أن عليا هو الذي جلده-  قال و لم يجلده بيده-  و إنما أمر بجلده فنسب الجلد إليه- . قال أبو عمر-  و لم يرو الوليد من السنة ما يحتاج فيها إليه-  و لكن حارثة بن مضرب روى عنه أنه قال-  ما كانت نبوة إلا كان بعدها ملك

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 17

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.