و من كتاب له عليه السّلام إلى طلحة و الزبير، مع عمران بن الحصين الخزاعى ذكره أبو جعفر الاسكافى فى كتاب المقامات فى مناقب أمير المؤمنين عليه السلام
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتُمَا وَ إِنْ كَتَمْتُمَا- أَنِّي لَمْ أُرِدِ النَّاسَ حَتَّى أَرَادُونِي- وَ لَمْ أُبَايِعْهُمْ حَتَّى بَايَعُونِي- وَ إِنَّكُمَا مِمَّنْ أَرَادَنِي وَ بَايَعَنِي- وَ إِنَّ الْعَامَّةَ لَمْ تُبَايِعْنِي لِسُلْطَانٍ غَالِبٍ وَ لَا لِعَرَضٍ حَاضِرٍ- فَإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي طَائِعَيْنِ- فَارْجِعَا وَ تُوبَا إِلَى اللَّهِ مِنْ قَرِيبٍ- وَ إِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي كَارِهَيْنِ- فَقَدْ جَعَلْتُمَا لِي عَلَيْكُمَا السَّبِيلَ بِإِظْهَارِكُمَا الطَّاعَةَ- وَ إِسْرَارِكُمَا الْمَعْصِيَةَ- وَ لَعَمْرِي مَا كُنْتُمَا بِأَحَقِّ الْمُهَاجِرِينَ- بِالتَّقِيَّةِ وَ الْكِتْمَانِ- وَ إِنَّ دَفْعَكُمَا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْخُلَا فِيهِ- كَانَ أَوْسَعَ عَلَيْكُمَا مِنْ خُرُوجِكُمَا مِنْهُ- بَعْدَ إِقْرَارِكُمَا بِهِ- وَ قَدْ زَعَمْتُمَا أَنِّي قَتَلْتُ عُثْمَانَ- فَبَيْنِي وَ بَيْنَكُمَا مَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي وَ عَنْكُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ- ثُمَّ يُلْزَمُ كُلُّ امْرِئٍ بِقَدْرِ مَا احْتَمَلَ- فَارْجِعَا أَيُّهَا الشَّيْخَانِ عَنْ رَأْيِكُمَا- فَإِنَّ الْآنَ أَعْظَمَ أَمْرِكُمَا الْعَارُ- مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْتَمِعَ الْعَارُ وَ النَّارُ-
اللغة
أقول: خزاعة قبيلة من الأزد. و قيل: الإسكافيّ منسوب إلى إسكاف رستاق كبير كان بين النهروان و البصرة. و كتاب المقامات: الّذى صنّفه الشيخ المذكور في مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام
المعنى
و قد احتجّ عليه السّلام عليهما في نكث بيعته بحجّتين: إحداهما: قوله: أمّا بعد. إلى قوله: حاضر. و هو في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ من علمتما من حاله ذلك فليس لكما أن تنكثا بيعته و تخرجا عليه.
و قوله: و إن كتمتما. إشارة إلى أنّهما بعد نكث بيعته كتما إرادتهما لبيعته و إرادة كثير من الناس و زعما أنّه إنّما حمّلهما عليها كرها. الحجّة الثانية قوله: فإن كنتما. إلى قوله: إقرار كما به. و هي شرطيّ منفصل تقديرها: أنّه لا يخلو إمّا أن تكونوا بايعتماني طائعين أو كارهين. و الأوّل هو المطلوب.
و يلزمكما ارتكاب المعصية و الرجوع إلى اللّه بالتوبة إلى اللّه من قريب قبل استحكام المعصية في نفسيكما. و الثاني: باطل من ثلاثة أوجه: أحدها: أنّه يلزمكما النفاق حيث أظهرتما لى الطاعة و أضمرتما المعصية فجعلتما بذلك السبيل عليكما في القول و الفعل. الثاني: أنّكما ما كنتما بالتقيّة منّي و الكتمان لعصيانكما أحقّ من المهاجرين و ذلك لأنّهما كانا أقوى الجماعة و أعظمهم شأنا فكان غيرهما من المهاجرين أولى منهما بالتقيّة عند البيعة و نكثهما بعد ذلك. الثالث: إنّ دفعهما لبيعته قبل الدخول فيها أوسع لعذرهما من خروجهما منها بعد إقرارهما. و هذه الأقوال الثلاثة صغريات ضمير تقدير الكبرى في الأوّل: و كلّ ما جعلتهما لي عليكما به السبيل فيحرم عليكما فعله و ليس لكما أن تدّعياه، و في الثاني: و كلّ من لا يكون أحقّ من المهاجرين بدعواه فليس له أن يدّعيه إذا لم يدّعوه، و في الثالث: و كلّما كان أوسع لعذرهما فليس لهما العدول عنه إلى ما هو أضيق. و قوله: و قد زعمتما إنّي قتلت عثمان. إشارة: إلى شبهتهما المشهورة في خروجهما عليه.
و قوله: فبينى: إلى قوله: احتمل. جوابها: أى الحكم إلى من تخلّف عن نصرتي و نصرتكما من أهل المدينة ثمّ يلزم كلّ منّا من اللائمة و العقوبة بقدر ما احتمل من الإثم و البغى. و ثمّ بعد أن أقام الحجّة عليهما أمرهما بالرجوع عن رأيهما الفاسد في اختيارهما لبيعته و رغّب في الرجوع عن ذلك. بقوله: فإنّ الآن. إلى آخره، و هو في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و العار أسهل من اجتماع العار و النار في الاخرة. و أراد بالعار العار بالعذر. و الآن ظرف انتصب بأعظم الّذى هو اسم إنّ، و يجوز أن يكون هو اسمها و أعظم مبتدأ خبره العار- و الجملة خبر إنّ و العائد إلى اسمها محذوف تقديره: فإنّ الآن أعظم أمر كما فيه العار.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحهى 188