نامه 46 شرح ابن میثم بحرانی

و من وصيّة له عليه السّلام للحسن و الحسين عليهما السّلام لما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه

أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ وَ أَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَ إِنْ بَغَتْكُمَا- وَ لَا تَأْسَفَا عَلَى شَيْ‏ءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا- وَ قُولَا بِالْحَقِّ وَ اعْمَلَا لِلْأَجْرِ- وَ كُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَ لِلْمَظْلُومِ عَوْناً- أُوصِيكُمَا وَ جَمِيعَ وَلَدِي وَ أَهْلِي وَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي- بِتَقْوَى اللَّهِ وَ نَظْمِ أَمْرِكُمْ‏ وَ صَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ- فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا ص يَقُولُ- صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ- اللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ- وَ لَا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ- وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ- مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ- وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ- لَا يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ- وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ- وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ لَا تُخَلُّوهُ مَا بَقِيتُمْ- فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا- وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي الْجِهَادِ بِأَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ- وَ أَلْسِنَتِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- وَ عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَ التَّبَاذُلِ- وَ إِيَّاكُمْ وَ التَّدَابُرَ وَ التَّقَاطُعَ- لَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ- فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ- ثُمَّ قَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- لَا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً- تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ- أَلَا لَا تَقْتُلُنَّ بِي إِلَّا قَاتِلِي- انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ- فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ- وَ لَا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ- فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ- إِيَّاكُمْ وَ الْمُثْلَةَ وَ لَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ

اللغة

أقول: بغيت كذا: أردته. و إغباب أفواههم: أن يطعموهم يوما و يتركوهم‏ يوما. و المناظرة: المحافظة و المراقبة. و التدابر: التقاطع و التعادى. و المثله التنكيل.

و قد أوصاهما بأمور:

أولها: تقوى اللّه
الّتي هى رأس كلّ خير.

الثاني: الزهد في الدنيا، و أن لا يريداها و إن أرادتهما:
أى أقبلت عليهما بما يعدّ فيها [عنها خ‏] خيرا، و استعار لفظ البغية لها باعتبار سهولتها عليهما عن توافق أسباب خيرها لهما فهى بذلك الاعتبار كالطالبة لها.

الثالث: أن لا يأسفا على ما قبض و غيّب عنهما
من خيراتها و هو من لوازم الزهد الحقيقىّ فيها.

الرابع: أن لا يقولا إلّا الحقّ
و هو ما ينبغي قوله من أوامر اللّه و نواهيه، و أن يعملا لأجر الآخرة: أى يكون أقوالهما و أعمالهما مقصورة على هذين.

الخامس: أن يكونا للظالم خصيما و للمظلوم عونا،
و ذلك من لوازم قول الحقّ و العمل له. إذ من كان على حاقّ العدل لابدّ أن يجانب الظالم المنحرف إلى طرف الجور و يخاصمه ليردّه إلى فضيلة العدل فيكون حينئذ عونا للمظلوم.
ثمّ عاد مؤكّدا لوصيّتهما مع جميع ولده و أهله و من بلغه كتابه من عباد اللّه بتقوى اللّه مكرّرا لها و مردفا بأوامر اخرى:
أحدها: صلاح ذات البين
و ذات كناية عن الحالة الموجبة للبين و الافتراق.
و قيل: هى الحالة بين الرجلين و القبيلتين أو الرجل و أهله. أمر بإصلاح ما بينهما من فساد. و قيل: يحتمل أن يريد بالبين هنا الوصل، و بالذات النفس: أى أصلحوا نفس وصلكم من فساد يقع فيه. و قيل: إنّ ذات هنا مقحمة زائدة، و نحوه قوله تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ«» و صلاح ذات البين من لوازم الالفة و المحبّة في اللّه، و هى فضيلة تحت العفّة. و رغّب في ذلك بما رواه سماعا عن‏ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قوله: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة و الصيام و وجه الأفضليّة هنا أنّك علمت فيما سلف أنّ أهمّ المطالب للشارع صلّى اللّه عليه و آله جمع الخلق على سلوك سبيل اللّه و انتظامهم في سلك دينه و لن يتمّ ذلك مع تنازعهم و تنافر طباعهم و ثوران الفتنة بينهم فكان صلاح ذات البين ممّا لا يتمّ أهمّ مطالب الشارع إلّا به، و هذا المعنى غير موجود في الصلاة و الصيام لإمكان المطلوب المذكور بدونهما فتحقّقت أفضليّته من هذه الجهة. و الخبر في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: كلّما كان كذلك فواجب أن يفعل.

الثاني: حذّره من اللّه تعالى في الأيتام و نهى عن إجاعتهم:
و كنى عنها باغباب افواههم اذ هو مظنّة جوعهم. ثمّ عن إضاعتهم و استلزم ذلك النهى أمرهما ببرّهم و الإحسان إليهم و هو فضيلة تحت العفّة.

الثالث: الوصيّة في الجيران و التحذير من اللّه فيهم
و نبّه على حفظ قلوبهم و إكرامهم بوصيّة الرسول صلّى اللّه عليه و آله في حقّهم، و جعلهم نفس الوصيّة تأكيدا للمحافظة عليهم كالمحافظة على وصيّة رسول اللّه. و المجاز من باب إطلاق اسم المتعلّق. و قوله: ما زال. إلى قوله: سيورّثهم. تفسير للوصيّة المذكورة، و هى أيضا في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ من أوصى النبيّ في حقّه كذلك فواجب أن يحفظ.

الرابع: الوصيّة بما اشتمل عليه القرآن الكريم
من القوانين و القواعد، و التحذير من اللّه سبحانه في تركه، و النهى عن أن يسبقهم بذلك غيرهم المستلزم للأمر بالمسارعة و السبق إليه.

الخامس: الوصيّة بأمر الصلاة و التحذير من اللّه
في أمرها، و نبّه على فضيلتها بضمير صغراه قوله: فإنّها عمود الدين. و هو عين ما رويناه من الحديث قبل، و تقدير الكبرى: و كلّ ما كان كذلك فواجب أن يقام الدين بإقامته. ا

السادس: الوصيّة ببيت ربّهم و النهى عن ترك زيارته مدّة العمر
و قد سبق‏ سرّه، و نبّه على فضيلة اخرى له توجب ملازمته و هو ما يستلزمه تركه من عدم مناظرة اللّه لتاركيه و ترك محافظته عليهم و مراقبته لأنّ من لا يحفظ اللّه في بيته و لا يراقبه في مراعاة جانبه لم يحفظه اللّه و لم يراقبه، و يحتمل أن يريد لن يناظركم الأعداء و لم يراقبوكم. إذ في الإجماع إلى بيت اللّه و المحافظة عليه عزّ باللّه و اعتصام به يوجب مراقبة الخلق المعتصمين به و انفعال القلوب عنهم و عن كثرتهم و مناظرتهم.

السابع: الوصيّة بالجهاد في سبيل اللّه بالمال و النفس و اللسان و التحذير من اللّه في تركه
و هو ممّا علمت فضيلته.

الثامن: الوصيّة بالتواصل و التباذل:
أى يبذل كلّ منهم النصرة لصاحبه في سبيل اللّه.

التاسع: التحذير من التقاطع و التدابر.
و سرّه ظاهر.

العاشر: النهى عن ترك الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر
المستلزم للأمر بهما. و نفّر عن ذلك الترك بما يستلزمه و يعدّ له من تولّى الأشرار عليهم و عدم استجابة دعاء الداعين منهم، و وجه إعداده لذلك أنّ ترك الاجتماع على الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر يستلزم ثوران المنكر و قلّة المعروف من طباع الأشرار و يعدّ لاستيلائها و غلبتها و ولاية أهلها و ذلك يستلزم كثرة الشرّ و الأشرار و قلّة الصالحين و ضعف هممهم عن استنزال رحمة اللّه تعالى بأدعيتهم فيدعون فلا يستجاب لهم.

ثمّ عقّب ذلك بوصيّة أهل بيته من بنى عبد المطّلب بما يخصّه من أمر دمه. و الوصيّة بأمور:
أحدها: نهاهم عن إثارة الفتنة بسبب قتله
فقال: لا أجدنّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا، و كنّى عن كثرة القتل.
و قوله: تقولون: قتل أمير المؤمنين. حكاية ما جرت به العادة أن يقوله طالب الثارحين هياجه إظهارا لعذره و السبب الحامل له على إثارة الفتنة.
الثاني: نهاهم أن يقتلوا إلّا قاتله.
إذ ذلك هو مقتضى العدل.
الثالث: نبّههم بقوله: انظروا. إلى قوله: هذه.
على أنّه لا يجوز قتله بمجرّدضربته إن لو حصل الموت بسبب غيرها إلّا أن يعلم أنّ موته كان بسبها.
الرابع: أمرهم أن يضربوه ضربة بضربة،
و ذلك مقتضى عدله عليه السّلام أيضا.
الخامس: نهى عن المثلة به معلّلا بما رواه سماعا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
و ذلك لما في المثلة من تعدّي الواجب و قسوة القلب و شفاء الغيظ و كلّ ذلك رذائل يجب الانتهاء عنها، و هو في قوّة صغرى‏ ضمير تقدير كبراه: و كلّ ما نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنه فوجب أن لا يفعل. و باللّه التوفيق.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم ، ج 5 ، صفحه‏ى 120

 

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.