49 و من كتاب له ع إلى معاوية أيضا
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا- وَ لَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئاً- إِلَّا فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً عَلَيْهَا وَ لَهَجاً بِهَا- وَ لَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ فِيهَا عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهَا- وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ وَ نَقْضُ مَا أَبْرَمَ- وَ لَوِ اعْتَبَرْتَ بِمَا مَضَى حَفِظْتَ مَا بَقِيَ وَ السَّلَامُ هذا كما قيل في المثل صاحب الدنيا كشارب ماء البحر- كلما ازداد شربا ازداد عطشا و الأصل في هذا
قول الله تعالى لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا- و لا يملأ عين ابن آدم إلا التراب- و هذا من القرآن الذي رفع و نسخت تلاوته- . و قد ذكر نصر بن مزاحم هذا الكتاب و قال- إن أمير المؤمنين ع كتبه إلى عمرو بن العاص- و زاد فيه زيادة لم يذكرها الرضيأما بعد فإن الدنيا مشغلة عن الآخرة- و صاحبها منهوم عليها- لم يصب شيئا منها قط إلا فتحت عليه حرصا- و أدخلت عليه مئونة تزيده رغبة فيها-و لن يستغني صاحبها بما نال عما لم يدرك- و من وراء ذلك فراق ما جمع- و السعيد من وعظ بغيره- فلا تحبط أجرك أبا عبد الله و لا تشرك معاوية في باطله- فإن معاوية غمص الناس و سفه الحق و السلام- .
قال نصر و هذا أول كتاب كتبه علي ع إلى عمرو بن العاص- فكتب إليه عمرو جوابه- أما بعد فإن الذي فيه صلاحنا- و ألفة ذات بيننا أن تنيب إلى الحق- و أن تجيب إلى ما ندعوكم إليه من الشورى- فصبر الرجل منا نفسه على الحق- و عذره الناس بالمحاجزة و السلام- . قال نصر- فكتب علي ع إلى عمرو بن العاص بعد ذلك كتابا غليظا- . و هو الذي ضرب مثله فيه بالكلب يتبع الرجل- و هو مذكور في نهج البلاغة- و اللهج الحرص- . و معنى قوله ع لو اعتبرت بما مضى حفظت ما بقي- أي لو اعتبرت بما مضى من عمرك لحفظت باقيه- أن تنفقه في الضلال و طلب الدنيا و تضيعه
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 17