و من كتاب له عليه السّلام إلى بعض عماله
أَمَّا بَعْدُ- فَإِنَّ دَهَاقِينَ أَهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا مِنْكَ غِلْظَةً وَ قَسْوَةً- وَ احْتِقَاراً وَ جَفْوَةً- وَ نَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلًا لِأَنْ يُدْنَوْا لِشِرْكِهِمْ- وَ لَا أَنْ يُقْصَوْا وَ يُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ- فَالْبَسْ لَهُمْ جِلْبَاباً مِنَ اللِّينِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ- وَ دَاوِلْ لَهُمْ بَيْنَ الْقَسْوَةِ وَ الرَّأْفَةِ- وَ امْزُجْ لَهُمْ بَيْنَ التَّقْرِيبِ وَ الْإِدْنَاءِ- وَ الْإِبْعَادِ وَ الْإِقْصَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
اللغة
أقول: الدهقان: معرّب يحتمل الصرف إن كان نونه أصليّة و إلّا فلا ينصرف للوصف و الألف و النون الزائدتين. و القسوة: غلظ القلب و شدّته. و أقصاه: أبعده. و الجفوة: ضدّ البرّ. و الجلباب: الملحفة. و المداولة: تقليب كلّ واحد من القسوة و الرأفة على الآخر و الأخذ بكلّ منهما مرّة- من الإدالة و هي الإدارة- .
المعنى
و المنقول أنّ هؤلاء الدهاقين كانوا مجوسا. و لمّا شكوا إليه غلظة عامله فكّر في امورهم فلم يرهم أهلا للإدناء الخالص لكونهم مشركين و لا إقصائهم لكونهم معاهدين فإنّ إدنائهم و إكرامهم خالصا هضم و نقيصة في الدين، و إقصائهم بالكليّة ينافي معاهدتهم.
فأمره بالعدل فيهم و معاملتهم باللين المشوب ببعض الشدّة كلّ في موضعه، و كذلك استعمال القسوة مرّة و الرأفة اخرى و المزج بين التقريب و الإبعاد لما في طرف اللين و الرأفة و التقريب من استقرار قلوبهم في أعمالهم و زراعاتهم الّتي بها صلاح المعاش و ما في مزاجها بالشدّة و القسوة و الإبعاد من كسر عاديتهم و دفع شرورهم و إهانتهم المطلوبة في الدين. و استلزم ذلك نهيه عن استعمال الشدّة و القسوة و الإبعاد في حقّهم دائما و اللين و الرأفة و الإدناء خالصا، و استعار لفظ الجلباب لما أمره بالاتّصاف به و هو تلك الهيئة المتوسّطة من اللين المشوب بالشدّة بين اللين الخالص و الشدّة الصرفة، و رشّح بذكر اللين. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 4 ، صفحهى 399