و كان يقول عليه السّلام إذا لقى العدو محاربا:
اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَفْضَتِ الْقُلُوبُ وَ مُدَّتِ الْأَعْنَاقُ- وَ شَخَصَتِ الْأَبْصَارُ وَ نُقِلَتِ الْأَقْدَامُ وَ أُنْضِيَتِ الْأَبْدَانُ- اللَّهُمَّ قَدْ صَرَّحَ مَكْنُونُ الشَّنَآنِ- وَ جَاشَتْ مَرَاجِلُ الْأَضْغَانِ- اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا- وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَ تَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا- رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ- وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ
أقول: روى أنّه عليه السّلام كان إذا اشتدّ القتال ذكر اسم اللّه حين يركب. ثمّ يقول: الحمد للّه على نعمه علينا و فضله العميم، سبحان الّذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين، و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون. ثمّ يستقبل القبلة و يرفع يديه و يقول: الّلهمّ إليك نقلت الأقدام. الفصل. إلى قوله: خير الفاتحين. ثمّ يقول: سيروا على بركة اللّه. ثمّ يقول: اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر يا اللّه يا أحد يا صمد يا ربّ محمّد بسم اللّه الرحمن الرحيم و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العلىّ العظيم إيّاك نعبد و إيّاك نستعين الّلهمّ كفّ عنّا أيدى الظالمين فكان هذا شعاره بصفّين.
اللغة
و أفضت القلوب: خرجت إليه عن كلّ شيء و وصلت إليه خالصة سرّها. و شخوص البصر: ارتفاعه نحو الشيء بحيث لا يطرف. و إنضاء الأبدان: هزالها. و صرّح:ظهر، و هو فعل لازم. و الشنئان: العداوة و البغضاء. و مكتومه: المستور منه. و المراجل: القدور. و جيشها: غليانها. و الضغن: الحقد. و افتح: أى احكم. و الفاتح: الحاكم.
المعنى
و لمّا كان مراده عليه السّلام جهادا خالصا للّه و عبادة له، و من كمال العبادات أن تشفع بذكر اللّه و توجيه السرّ إليه. إذ كان ذلك هو سرّ العبادة و فايدتها لا جرم كان دأبه في جهاده التضرّع و الالتفات إلى اللّه بهذا الفصل و أمثاله مع ما يستلزمه من طلب النصر و الإعداد له. فأشار بإفضاء القلوب إلى الإخلاص له في تلك الحال، و بمدّ الأعناق و شخوص الأبصار إلى ما يستلزمه الإخلاص من الهيئات البدنيّة، و بنقل الأقدام و إنضاء الأبدان إلى أنّ ذلك السفر و ما يستلزمه من المتاعب إنّما هو لوجهه و غاية الوصول إلى مرضاته، و أشار إلى علّة قتالهم له في معرض الشكاية إلى اللّه تعالى و هى تصريحهم بما كان مستقرّا في صدورهم في حياة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من العداوة و البغضاء و لجيش أضغانهم السابقة ممّا فعل بهم ببدر واحد و غيرهما من المواطن. فلفظ المراجل مستعار و وجه المشابهة غليان دماء قلوبهم عن الأحقاد كغليان المراجل، و لفظ الجيش ترشيح. ثمّ لمّا كانت غيبة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فقده هو السبب الّذي استلزم تصريح الشنئان و ظهور الأضغان و كثرة العدوّ و تفرّق الأهواء لا جرم شكى إلى اللّه من تحقّقها و ما يسلزمه من هذه الشرور. ثمّ سأله أن يحكم بينه و بينهم بالحقّ اقتباسا من القرآن الكريم، لما أنّ إيقاع الحكم الحقّ بينهم يستلزم نصرته عليهم و ظفره بهم. إذ كان هو المحقّ في جهاده. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 4 ، صفحهى 386