و من خطبة له عليه السّلام
أَلَا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ- وَ اسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَ رَجِلَهُ- وَ إِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي وَ لَا لُبِّسَ عَلَيَّ- وَ ايْمُ اللَّهِ لَأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ- لَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ وَ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ بئ
أقول: هذا الفصل ملتقط ملفّق من خطبة له عليه السّلام لمّا بلغه أنّ طلحة و الزبير خلعا بيعته و هو غير منتظم، و قد أورد السيّد منها فصلا آخر و سنذكرها بتمامها إذا انتهينا إليه إنشاء اللّه تعالى.
اللغة
الاستجلاب في معنى الجمع، و البصيرة العقل، و أفرطت الحوض افرطه بضم الهمزة ملأته و الماتح بالتاء المستقي، و ربّما يلتبس بالمائح و هو الّذي ينزل البئر فيملأ الدلو، و الفرق بينهما أنّ نقطتي الفوق للفوقانيّ، و الصدور الرجوع عن الماء و غيره و يقابله الورود و هو العود إليه،
المعنى
و مدار هذا الفصل على ثلاثة امور:
أوّلها الذمّ لأصحاب الجمل و التنفير عنهم، و الثاني التنبيه على فضيلة نفسه، و الثالث الوعيد لهم، و أشار إلى الأوّل بقوله الا و إنّ الشيطان قد جمع حزبه و استجلب خيله و رجله و أراد أنّ الباعث لهم و الجامع على مخالفة الحقّ إنّما هو الشيطان بوسوسة لهم و تزيينه الباطل في قلوبهم، و قد عرفت كيفيّة وسوسته و إضلاله فكلّ من خالف الحقّ و نابذه فهو من حزب الشيطان و جنده خيلا و رجلا، و أمّا الثاني فأشار أوّلا إلى كمال عقله و تمام استعداده لاستجلابه الحقّ و استيضاحه بقوله و إنّ معي لبصيرتي ثمّ أكّد ذلك بالإشارة إلى عدم انخداع نفسه القدسيّة للشيطان فيما يلبس به من الحقّ من الشبه الباطلة على البصائر الضعيفة فيعميها بذلك عن إدراكه و تمييزه من الباطل سواء كانت مخادعة الشيطان و تلبيسه بغير واسطة، و هو المشار إليه بقوله و ما لبّست على نفسي أي لا يلتبس على نفسى المطمئنّة ما يلقيه إليها نفسي الأمّارة أو بواسطة و هو المشار إليها بقوله و لا لبّس عليّ أي إنّ أحدا ممّن تبع إبليس و تلقف عنه الشبه و صار في قوّة أن يلبّس الحقّ صورة الباطل لا يمكنه أن يلبّس علىّ، و أمّا الثالث فأشار إليه بقوله و أيم اللّه لا افرطنّ لهم حوضا أنا ماتحه إلى آخره، و استعار إفراط الحوض لجمعه الجند و تهيّئه أسباب الحرب، و كنّى بقوله أنا ماتحه أنّه هو المتولّي لذلك، و لمّا كانت الحرب قد يشبه بالبحر و بالماء الجمّ فيستعار لها أوصافه فيقال فلان خوّاص غمرات و فلان منغمس في الحرب جاز أن يستعار هاهنا لفظ الحوض و ترشح تلك الاستعارة بالمتح و الفرط و الإصدار و الإيراد، و في تخصيص نفسه بالمتح تأكيد تهديد لعلمهم بداسه (ببأسه خ م) و شجاعته و قد حذف المضاف إليه ماتح في الحقيقة، و تقديره أنّه ماتح ماؤه إذ الحوض لا يوصف بالمتح ثمّ أردف ذلك بوصف استعداد لهم بالشدّة و الصعوبة عليهم فكنّى بقوله لا يصدرون عنه عن أنّ الوارد منهم إليه لا ينجو منه فهو بمنزلة من يغرق منه فلا يصدر عنه و يقول و لا يعودون إليه أي إنّ من نجا منهم لا يطمع في الحرب مرّة اخرى فلا يردّون إلى ما أعدّ لهم مرّة ثانية و أكّد ذلك الوعيد بالقسم البارّ، و أصل أيم أيمن جمع يمين حذف النون تخفيفا كما حذفت في لم يك، و قيل هو اسم برأسه وضع للقسم و تحقيقه في مسائل النحو.
شرحنهجالبلاغة(ابنميثم)، ج 1 ، صفحهى 287